الثلاثاء 28 ذو القعدة 1445هـ الموافق 6 يونيو 2024م

حياكم الله جميعا 

هذه قناتي في التليجرام ينشر فيها النتاج العلمي والفكري . 


قناة عبد السلام بن إبراهيم الحصين

غزوة تبوك فوائد ومواعظ1/5

المقالة

Separator
غزوة تبوك فوائد ومواعظ1/5
1978 زائر
30-09-2011 07:59
د.عبد السلام بن إبراهيم الحصين

غزوة تبوك فوائد ومواعظ1/5

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فإن قدوة المسلم في حياته هو من جعله الله رحمة للعالمين، وإمامًا للمتقين، وسيدًا للخلق أجمعين، أكمل الناس خُلقًا، وأجملهم خَلْقًا، وأحسنهم عشرة، وأفضلهم نسبًا، وأطهرهم حسبًا، وأرفعهم شرفًا، وإن في سيرته العطرة وحياته الطاهرة أعظم الدروس والفوائد، والحكم والمواعظ، ولقد حفظت لنا كتب السنة العظيمة كل كبير وصغير في حياته، فلم تغادر شيئًا تحتاجه الأمة من سيرة رسولها وحبيبها وسيدها ومصطفاها وإمامها وقائدها إلا ذكرته على أتم وجه، كأنك تنظر إليه الآن.

لقد كانت حياة نبينا وحبيبنا صلى الله عليه وآله وسلم حياة جهاد وعمل، فكان يخرج بنفسه لقيادة المسلمين لنشر دين رب العالمين، وتبليغ دعوة التوحيد للناس أجمعين، ولقد كان يصاب في غزواته هذه، فيشج رأسه، وتكسر رباعيته، ويقع له من الجوع والنصب وشدة البرد ما لا يقع مثله لغيره من الأمة، ولكنه كان صابرًا محتسبًا، يضرب للأمة أعظم مثال وأصدق قدوة على الثبات والصبر، واحتساب الأذى في سبيل الله تبارك وتعالى، ولهذا قال الله جل وعلا لأمته في كتابه العظيم: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرًا}، ويقع في تلك الغزوات من الدروس العظيمة، ما يكون زادًا للأمة من بعده في مواجهة الفتن والأزمات، والمحن والنكبات، ودليلا على فضل أصحابه وعلو مكانتهم, وشدة صبرهم، وعظيم بذلهم، وشدة محبتهم لله ولرسوله صلى الله عليه وآله وسلم، فتركوا أموالهم وديارهم وأهلهم طاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وآله وسلم.

ومن هذه الحوادث غزوة تبوك، والتي وقعت في سنة تسع من الهجرة في شهر رجب، وقد سماها الله تبارك وتعالى في كتابه بالعسرة، حيث قال جل من قائل: {لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم..}، ولقد اشتهرت بذلك على لسان الصحابة أيضًا، ففي صحيح البخاري عن أبي موسى قال: أرسلني أصحابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أسأله الْحُملان لهم؛ إذ هم معه في جيش العسرة، وهي غزوة تبوك..، وإنما سميت بذلك لما لقي المسلمين فيها من الضنك والتعب والعناء، فقد كانت في حر شديد، وضيق من الحال، وبعد المسافة؛ فإن بين المدينة وتبوك بالمقاييس الحالية قريبًا من سبعمئة كيلو متر، وسيقطعون مفازة عظيمة، وليس معهم كثير ماء، كما أن الدواب التي تحملهم قليلة، لقد كان سفرًا طويلا، وحرًا شديدًا، مع قلة المال والماء والظهر، روى عبد الرزاق عن معمر بن عقيل قال: خرجوا في قلة من الظهر، وفي حر شديد، حتى كانوا ينحرون البعير فيشربون ما في كرشه من الماء، فكان ذلك عسرة من الماء، ويحدثنا عمر بن الخطاب عن مدى ما بلغ العطش من المسلمين فيقول: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى تبوك في قيظ شديد، فنزلنا منزلا وأصابنا فيه عطش شديد، حتى ظننا أن رقابنا ستنقطع، حتى إن كان أحدنا ليذهب يلتمس الرحل فلا يرجع حتى يظن أن رقبته تنقطع، وحتى إن الرجل لينحر بعيره فيعصر فرثه فيشربه، ثم يجعل ما بقي على كبده.."، ولقد كان من هدي نبينا صلى الله عليه وآله وسلم إذا أراد غزوة ورى بغيرها، أو كنى بغيرها، أي ذكر للناس غير ما يريد الذهاب إليه، حتى لا يُكشف أمر الجيش وطريق سيره، فيكون في ذلك مباغتة للعدو، ولكنه في هذه الغزوة أبان للناس أمره، وجلى لهم الحال، وأخبرهم بمسيره، وذلك لبعد المشقة، وشدة الزمان، وكثرة العدو الذي يصمد إليه، وليتأهب الناس لذلك أهبته، فقام عليه الصلاة والسلام وحث على الجهاد، وأخبرهم أنه يريد الروم، ورغب في الإنفاق في سبيل الله، فظهرت معادن المؤمنين الصافية، فأنفق كل واحد منهم بحسب مقدرته، ولكن كان صاحب القدح المعلى في الإنفاق هو أمير المؤمنين عثمان بن عفان زوج ابنتي النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فعن عبد الرحمن بن خبَّاب قال: شهدت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يحث على جيش العسرة، فقام عثمان بن عفان فقال: يا رسول الله علي مئة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله، ثم حض على الجيش فقام عثمان بن عفان فقال: يا رسول الله علي مئتا بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله، ثم حض على الجيش فقام عثمان بن عفان فقال: يا رسول الله علي ثلاثمئة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله، فأنا رأيت رسول الله ينزل عن المنبر وهو يقول: ((ما على عثمان ما عمل بعد هذه، ما على عثمان ما عمل بعد هذه))، رواه الترمذي، وعن كثير مولى عبد الرحمن بن سمرة قال: جاء عثمان بن عفان إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بألف دينار في ثوبه حين جهز النبي صلى الله عليه وسلم جيش العسرة، فصبها في حِجر النبي صلى الله عليه وسلم، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقلبها بيده ويقول: ((ما ضر ابن عفان ما عمل بعد اليوم)) رواه الترمذي، وتصدَّق عمر بنصف ماله، وظن أنه يسبق أبا بكر في ذلك، فيقول: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا بالصدقة، فوافق ذلك مالا عندي، فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يومًا، فجئت بنصف مالي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما أبقيت لأهلك؟))، قلت: مثله، وأتى أبو بكر بكل ما عنده، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((ما أبقيت لأهلك؟)) قال: أبقيت لهم الله ورسوله، فقلت: لا أسابقك إلى شيء أبدًا، وأنفق غيرهم من تجار الصحابة؛ كعبد الرحمن بن عوف، والعباس بن عبد المطلب، وطلحة بن عبيد الله، ومحمد بن مسلمة، وعاصم بن عدي، بل حتى الفقراء من الصحابة جادت نفوسهم بما تستطيع، فجاء أبو عُقيل بنصف صاع من تمر، وجاء غيره بصاع، وكانوا يقدمونها على استحياء، فربما سخر منهم المنافقون، وقالوا: إن الله لغني عن صدقة هذا!، فأنزل الله تبارك وتعالى في ذلك قوله: {الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون منهم سخر الله منهم ولهم عذاب عظيم}.

وإن المرء ليتساءل؛ لم كانت الغزوة في هذا الوقت؟ وما الفائدة من غزو بلاد الروم وهم بعيد عن المسلمين؟ وعددهم كثير، وعدتهم قوية؟

إن الله تبارك وتعالى أراد أن يظهر للخلق أن هذه الصفوة المؤمنة المختارة هي مستعدة لأن تقدم كل ما لديها طاعة لله، واستجابة لأمره، ودفاعًا عن دينه، إن هذا الدين قد جعله الله للخلق كلهم، وأرسل محمدًا للعرب والعجم والإنس والجن، وأنزل عليه كتابه ليكون هداية للخلق كلهم، لا يختص بأحد دون أحد، فكان لا بد من الخروج إلى أطراف الجزيرة العربية، بعد أن دانت هذه الجزيرة لدين الإسلام، وسلمت من الشرك الذي هو أعظم الظلم وأفظعه، وسلمت من ظلم الخلق بعضهم لبعض، إن اختيار هذا الوقت لهذه الغزوة كان اختبارًا عظيمًا للصحابة؛ لأن الحر شديد، والثمار قد طابت، وموسم الرطب والعنب قد حل، والواحد في الحر يفزع إلى السكون والدعة، والراحة وطلب التبرد، والبحث عن الفواكه الرطبة التي تدفع عنه أذى الحر، فكان الخروج في هذا الوقت معناه عدم التلذذ بكل هذه الطيبات، وترك الأموال والثمار، فضرب الصحابة أروع الأمثلة لذلك، وغادروا بلادهم وأموالهم وجادوا بالغالي والنفيس لينفروا مع حبيبهم وإمامهم وسيدهم، وطاعة لله في قوله: {انفروا خفافًا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون}، وبين الله تبارك وتعالى أن التثاقل إلى الأرض والركون إليها لا ينفعهم، بل هو أعظم الضرر لهم، فقال سبحانه: {يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة، فما متاع الحياة الدنيا في الآخر إلا قليل، إلا تنفروا يعذبكم عذابًا أليما ويستبدل قومًا غيركم ولا تضروه شيئًا والله على كل شيء قدير، إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم}.

   طباعة 
0 صوت

روابط ذات صلة

Separator

جديد المقالات

Separator
رأس مكارم الأخلاق - ركن المقالات