العودة   ملتقى طالبات العلم > . ~ . أقسام العلوم الشرعية . ~ . > روضة العلوم الشرعية العامة > روضة الفقه وأصوله

الملاحظات


إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 27-10-14, 05:30 PM   #1
رقية مبارك بوداني
|تواصي بالحق والصبر|
مسؤولة الأقسـام العامة
افتراضي

تتمة : فضل صيام يوم عاشوراء
وقد أمرنا النبى بمخالفة اليهود والنصارى في الصيام وفي كل شيء فما ورد في السنة عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ -رضى الله عنهما- يَقُولُ حِينَ صَامَ رَسُولُ اللَّهِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ "فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ -إِنْ شَاءَ اللَّهُ- صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ"[5]. قَالَ فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّىَ رَسُولُ اللَّهِ ، فقد استدل العلماء بهذا الحديث في صيام تاسوعاء لمخالفة اليهود فهو من الهدى النبوى وإن لم يفعل فقد اشار عليه وأصبح سنة متبعة، أما صيام اليوم التاسع، فقد نقل النووي -رحمه الله- عن العلماء في ذلك عدة وجوه :
أحدها: أن المراد من مخالفة اليهود في اقتصارهم على العاشر.
الثاني: أن المراد به وصل يوم عاشوراء بصوم، كما نهى أن يصام يوم الجمعة وحده.
الثالث: الاحتياط في صوم العاشر خشية نقص الهلال ووقوع غلطٍ، فيكون التاسع في العدد هو العاشر في نفس الأمر.
وأقوى هذه الأوجه هو مخالفة اليهود كما أشار إلى ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى.
الأولى: أن النبي كان يصوم عاشوراء بمكة، ولا يأمر الناس بصومه وقد كان النبي يتحرى صيام يوم عاشوراء؛ لما له من المكانة، فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ :"مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ يَتَحَرَّى صِيَامَ يَوْمٍ فَضَّلَهُ عَلَى غَيْرِهِ إِلا هَذَا الْيَوْمَ يَوْمَ عَاشُورَاء"َ[6].
الثانية: لما قدم النبى المدينة وجد اليهود يصومونه، فصامه وأمر الناس بصيامه، حتى أمر من أكل في ذلك اليوم أن يمسك بقية ذلك اليوم. وكان ذلك في السنة الثانية من الهجرة؛ لأنه قدم المدينة في ربيع الأول، ودليل ذلك من السنة وعن الرُّبَيِّع بنت معوِّذ قالت: أرسل رسول الله غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار التي حول المدينة :"من كان منكم صائماً فليتمَّ صومه، ومن كان أصبح مفطراً فليتم بقية يومه"، فكنا بعد ذلك نصومه ونصوِّم صبياننا الصغار منهم، إن شاء الله، ونذهب بهم إلى المسجد، ونصنع لهم اللعبة من العهن، فنذهب به معنا، فإذا سألونا الطعام أعطيناهم اللعبة تلهيهم، حتى يتموا صومهم"[7].
الثالثة: لما فرض رمضان في السنة الثانية نُسِخَ وجوب صوم عاشوراء، وصار مستحباً، فلم يقع الأمر بصيامه إلا سنة واحدة، والدليل على ذلك من السنة النبوية كما ورد عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: "كَانُوا يَصُومُونَ عَاشُورَاءَ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ رَمَضَانُ وَكَانَ يَوْمًا تُسْتَرُ فِيهِ الْكَعْبَةُ فَلَمَّا فَرَضَ اللَّهُ رَمَضَانَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ "مَنْ شَاءَ أَنْ يَصُومَهُ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ شَاءَ أَنْ يَتْرُكَهُ فَلْيَتْرُكْهُ"[8].
فكما كان واجباً أولاً فهو الآن مستحب غير واجب، كما نقل ابن عبد البر الإجماع على هذا.
1- يوم عاشوراء ربط بين أهل الإيمان بعضهم بعضا -ولو اختلفت الأنساب واللغات- بل والأزمنة، فأصله ارتبط بموسى ومن معه من المؤمنين، ثم امتد لكل من شاركهم في الإيمان.
2- يربي في قلوب المؤمنين المحبة بينهم ووحدة الهمم، فبصيامه يتذكر الإنسان ذلك الحدث التاريخي الذي مر على إخوانه في الدين مع موسى عليه السلام من محاربة لهم وإيذاء على أيدي أهل الكفر.
3- يوم عاشوراء يدل على أن الأنبياء بعضهم أولى ببعض كما في رواية "أنا أولى بموسى منكم". وهذه الولاية لاتحادهم في الدين والرسالة.
4- صيام يوم عاشوراء يدل على أن هذه الأمة أولى بأنبياء الأمم السابقة من قومهم الذين كذبوهم، ويدل على ذلك رواية الصحيحين "أنتم أحق بموسى منهم". وهذا من مميزات الأمة المحمدية عند الله، ولذلك يكونون شهداء على تبليغ الأنبياء دينهم يوم القيامة.
5- يوم عاشوراء تذكير لأهل الأرض عامة بنصرة الله لأوليائه، وهذا يجدد في النفس الميل إلى البحث عن هذه النصرة وأسبابها، وتذكير لأهل الأرض عامة بهزيمة الله لأعدائه، وهذا يجدد في النفس الأمل ويبعث التفاؤل.
6 - يوم عاشوراء تأكيد على وجوب مخالفة هدي المشركين حتى في العبادة، ويدل على هذه المخالفة ما يلي:
أ - لمّا قيل للنبي :"إن اليهود والنصارى اتخذوه عيدا، قال: صوموه أنتم".
ب - استحب النبي أن يصام يوم قبله، ومن تأمل الأحاديث في يوم عاشوراء تبين له أن أصل مخالفة المسلمين للمشركين أمر مقرر عند الصحابة، ويدل على ذلك أنهم لما علموا صيام أهل الكتاب مع صيامهم مباشرة سألوا رسول الله ، فقالوا "إن اليهود والنصارى يصومون هذا اليوم" فكأنهم قالوا: أنت يا رسول الله علمتنا مخالفة اليهود والنصارى، وهم الآن يصومون، فكيف نخالفهم؟ فقد أَمر بمخالفتهم، ونَهي عن موافقتهم، فعزم على ألا يصوم عاشوراء مفرداً، فكانت مخالفته لهم في ترك إفراد عاشوراء بالصوم ويشهد لذلك أحاديث منها كما ورد في حديث ابن عباس "فإن كان العام المقبل" إذا فالغرض هو مخالفة اليهود والنصارى في كل شىء وليس الصيام فقط.
7- يوم عاشوراء دليل على أن النوافل بعضها فوق بعض، وبيان ذلك: أن من صام عرفة كفر عنه سنة قبله وسنة بعده، ومن صام يوم عاشوراء كفر عنه سنة قبله، والمؤمن بدوره يسعى للأفضل والأكمل. وهذا دليل على عظم كرم الله سبحانه، وأنه يعطي الجزاء الأوفى على العمل القليل فتكفير سنة كاملة بصيام يوم واحد.
8- صيام يوم عاشوراء تربية للناس على فتح باب المسابقة والتنافس في الخيرات، فقد دل النبي على فضل عاشوراء ثم ترك الأمر راجعاً إلى اختيار الشخص حتى يتبين المسابق للخيرات مع غيره.
9- تعويد الصحابة رضي الله عنهم صبيانهم على صيام يوم عاشوراء دليل على أنه ينبغي إظهار بعض شعائر الدين في المجتمع حتى عند غير المكلفين حتى يتربى لديهم الانتماء لهذا الدين وأهله، ومنها التربية الجادة على التحمل والصبر، ولذلك كان الصحابة رضي الله عنهم يعودون صبيانهم على الصيام حتى قالت الربيع بنت معوذ رضي الله عنها :"فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه اللعبة من العهن" متفق عليه.
10- مخالفة الكفار من أبرز مظاهر تحقيق البراء من الكافرين الذي لا يتم الإيمان إلا به، وقد شدد الشارع على المتشبهين بهم، حتى قال النبي :"من تشبه بقوم فهو منهم" قال الألباني : صحيح.
11- يوم عاشوراء دليل على تنوع النصر بالنسبة للمسلمين، فقد لا يكون النصر على الأعداء بهزيمتهم والغنيمة منهم، بل أحياناً يكون النصر عليهم بهلاكهم وكفاية المسلمين شرهم، كما حدث مع موسى عليه السلام، وكما حدث مع النبي في الخندق.
12- يوم عاشوراء دليل على التناقض في حياة اليهود والنصارى؛ حيث كانوا يحرصون على صيام عاشوراء وهو ليس بواجب حتى في ملتهم، وإنما اقتداء بموسى عليه السلام وتركوا مع ذلك أهم المهمات فيما يتعلق بأصل الدين وعبادة الله واتباع رسوله .
13- صيام يوم عاشوراء دليل على يسر الشريعة، ولذلك قال :"فمن شاء أن يصومه فليصمه، ومن شاء أن يترك فليتركه" متفق عليه.
14- صيام يوم عاشوراء دليل على عظم كرم الله سبحانه، وأنه يعطي الجزاء الأوفى على العمل القليل فتكفير سنة كاملة بصيام يوم واحد.
15- صيام يوم عاشوراء دليل على إثبات النسخ في شريعة هذه الأمة المحمدية قبل وفاة النبي ، وذلك لأنه كان واجباً ثم نسخ إلى الاستحباب، وإثبات النسخ في صيام يوم عاشوراء أو غيره من الأحكام دليل على حكمة الله سبحانه وتعالى، وأنه سبحانه يمحو ما يشاء ويثبت، ويخلق ما يشاء ويختار.
16- صيام يوم عاشوراء دليل على أن الشكر يكون بالفعل كما هو بالقول حتى عند الأمم السابقة، فقد صامه موسى عليه السلام شكرا لربه سبحانه، وهذا منهج الأنبياء كما فعل داود عليه السلام وختاما بالنبي في صلاته بالليل، فلما سئل عنها قال :"أفلا أكون عبدا شكورا" متفق عليه
17- صيام يوم عاشوراء تربية للناس على اختلاف الأفعال مع عدم إنكارهم على بعضهم البعض ما دام أن الأمر فيه سعة من الاختلاف، ولذلك كان بعض الصحابة يصومه والبعض لا يصومه، ولم ينقل تخطئة بعضهم بعضاً أو اتهام بنقص الإيمان أو غيره.
18- صيام يوم عاشوراء فيه سرعة الاستجابة لله ولرسوله في الأوامر، فقد جاء في الصحيحين من حديث سلمة -رضي الله عنها- أن النبي بعث رجلاً ينادي في الناس يوم عاشوراء أن من أكل فليتم أو فليصم، ومن لم يأكل فلا يأكل". فاستجاب الناس لذلك ولم يستفصلوا أو يناقشوا وبادروا للعمل، وعلى هذا يجب أن يكون سلوك المسلم في تطبيقه أوامر الله.
1- بدعة الحزن واتخاذ يوم عاشوراء مأتماً، والنياحة فيه، ولطم الخدود، وشق الجيوب، والتعزي بعزاء الجاهلية؛ بسبب قتل الحسين رضي الله عنه والقيام بأعمال ما أنزل الله بها من سلطان، والذي أمر الله به ورسوله في المصيبة إذا كانت جديدة إنما هو الصبر والاحتساب والاسترجاع، كما قال تعالى :{وَبَشّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صلوتٌ مّن رَّبْهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة 155-157]، وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضى الله عنه قَالَ :قَالَ النَّبِىُّ "لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَطَمَ الْخُدُودَ، وَشَقَّ الْجُيُوبَ، وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ"[9].
2- بعض الفرق تظهر شعائر الفرح والسرور يوم عاشوراء كالاكتحال والاختضاب وتوسيع النفقات على العيال وطبخ الأطعمة الخارجة عن العادة، ونحو ذلك مما يفعل في الأعياد والمواسم من الاغتسال، واستعمال البخور، وطحن الحبوب، والذبح لأجل اللحم، وإظهار البهجة والسرور. ومنها عادات لا تخلو من منكرات قبيحة، ومن الأحاديث التى يستشهد بها بعض المبتدعين حديث ابن مسعود قال : قال رسول الله : "من وسع على عياله في النفقة يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته"، وهو حديث ضعيف.
3- تخصيصه بإخراج الزكاة فيه وزيارة القبور فيه، ومن بدع النساء في هذا اليوم استعمال الحناء ونسج الكتان وتسريحه وغزله وتبييضه.
والواضح أن كل هذه المخالفات التى لم ترد في القرآن ولم يسن رسول الله ولا خلفاؤه الراشدون منها شيئاً، فلم يرد في يوم عاشوراء شيئاً من هذه الأمور البدعية, لا شعائر الحزن والترح, ولا شعائر السرور والفرح.
وكل هذا كذب على رسول الله ، لم يصح في عاشوراء إلا فضل صيامه. وبذلك نعرف أن الشرع لم يخص عاشوراء بعمل غير الصيام، وهذا منهج الرسول ، {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ والْيَوْمَ الآخِرَ وذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب: 12]. وكم فات على أولئك المنشغلين بتلك البدع من اتِّباع النبي والعمل بسنته !
المصادر والمراجع:

1- من نور كتاب الله حرمة الأشهر الحرم – إعداد/ علاء خضر.
2- يوم عاشوراء أحكام وفوائد - أ. عبد اللطيف بن محمد الحسن
3- عاشوراء يوم النصر العظيم ، د. عبد العزيز بن فوزان بن صالح الفوزان.
4- يوم عاشوراء أهميته وحكم صيامه ، الشيخ/ عطية صقر.
5- عاشوراء أحكام وبدع ، الشيخ/ على بن نايف الشحود.

[1] أخرجه مسلم / كتاب الصيام / باب فضل صيام المحرم رقم 2812
[2] أخرجه مسلم / كتاب الصيام/ باب صيام يوم عاشوراء 2714
[3] أخرجه مسلم / كتاب الصيام/ باب استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر وصوم يوم عرفة...( رقم 1976)
[4] أخرجه مسلم كتاب الصيام / باب صيام يوم عاشوراء رقم 2718.
[5] أخرجه مسلم / كتاب الصيام / باب أى يوم يصام في عاشوراء ( رقم 2722).
[6] أخرجه البخارى / كتاب الصوم/ باب صيام يوم عاشوراء رقم 1867.
[7] أخرجه مسلم / كتاب الصيام / باب من أكل في عاشوراء فليكف بقية يومه 2726.
[8] أخرجه البخارى / كتاب الحج / بَاب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ... رقم (1489).
[9] أخرجه البخارى / كتاب الجنائز/ باب ليس منا من شق الجيوب، رقم 1294)





توقيع رقية مبارك بوداني

الحمد لله أن رزقتني عمرة هذا العام ،فاللهم ارزقني حجة ، اللهم لا تحرمني فضلك ، وارزقني من حيث لا أحتسب ..


رقية مبارك بوداني غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-10-14, 05:34 PM   #2
رقية مبارك بوداني
|تواصي بالحق والصبر|
مسؤولة الأقسـام العامة
افتراضي

عاشوراء.. وقفات ودروس!

خالد عبداللطيف

عبادة وتربية..!
أمة الوسطية في عاشوراء.. هُدى لا هوى!
لله دَرُّ هذا اليوم العظيم؛ كم فيه من الدروس والعبر تستحق أن يكون للبيوت معها وقفات وعظات!
وقفة مع الأحقية والخيرية.. وأخرى مع العبادة وفضائلها.. وثالثة مع رسالة أمة الوسطية!
ورابعة.. وخامسة.. وهلم جرّاً من الدروس والعبر الحية، لأولي الألباب الذين لا يفوتهم استثمار مواسم العام المباركة في التربية والتزكية.. كما لا يفوتهم اغتنام شعائرها التعبدية!


أحقية وخيرية..!
في هذا اليوم تذكير بخيرية أمة محمد صلى الله عليه وسلم (نحن أحق بموسى منكم!) وأنها أمة الخيرية إلى قيام الساعة.

درس كما يغرس العزة في النفوس.. يبرز المسؤولية عن هذا الدين الخاتم الذي تتعطش البشرية إلى نوره المبين؛ في خضم أمواج متلاطمة من الانحرافات والتحريفات والاعتداءات والانتهاكات!

درس من قصة موسى عليه السلام أحد الرسل أولي العزم.. وفرعون وهامان وجنودهما الذين أغرقهم الجليل في اليم؛ يجلّي حقيقة الصراع بين الحق والباطل، وأيهما أحق بالنصرة والغلبة، وحسن العاقبة والرفعة، ولو بعد حين.. {فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}!

هُـــدَى لا هَــــوَى..!
في هذا اليوم الكريم تصوم البيوت المباركة؛ اتباعاً لسنة النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم، فيترقب أفراد البيت ليالي التاسع والعاشر والحادي عشر؛ كلها أو بعضها، لابتدارها بالسحور والاستعداد للصوم؛ رغبة وطمعاً في ثواب المولى جل وعلا.

كما يستحب حث الصغار على صومه، كما في حديث الربيِّع بنت معوذ رضي الله عنها قالت: أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار: "مَن أصبح مفطراً فليتم بقية يومه، ومن أصبح صائماً فليصم" قالت: فكنا نصومه بعد ونصوِّمه صبياننا ونجعل لهم اللعبة من العهن، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذاك حتى يكون عند الإفطار" (رواه البخاري ومسلم).

وما بين سنة متبعة.. وعبادة فاضلة.. درس آخر منظور في حقيقة الأهواء التي ابتدعها أناس لا تكفيهم السنة المطهرة! ولا تغنيهم العبادة المشروعة! فيسلمون عقولهم وقلوبهم للشياطين تعبث بها في أودية الهوى والبدعة بطقوس ضالة ما أنزل الله بها من سلطان {وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى}..!

أمة ورسالة..!
"أمة الوسطية" هي "الحقيقة الكبرى" التي تتجلّى في هذا اليوم.. واقعاً وتاريخاً ورسالة!
أمة الوسط (الحق والعدل) بين أهل الغلو.. وأهل الغفلة!
أمة القرآن والسنة.. بين أهل الهوى والبدعة!
أمة التوقير والتعظيم للرسل أولي العزم والهمة!
هذه أمتنا.. وهذه رسالتها.. فمن أراد أن ينتسب ويحتسب؛ فالله جل وعلا بثوابه وفضله أكرم وأقرب!
و"كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها"!

حروف الختام..
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال: "ما هذا؟" قالوا: هذا يوم صالح، هذا يوم نجّى الله بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى، قال: "فأنا أحق بموسى منكم" فصامه وأمر بصيامه (رواه البخاري).
وعنه رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع" (رواه مسلم).
وعن أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صيام يوم عاشوراء فقال: "يكفر السنة الماضية"(رواه مسلم).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم" (رواه مسلم).



رقية مبارك بوداني غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-10-14, 05:40 PM   #3
رقية مبارك بوداني
|تواصي بالحق والصبر|
مسؤولة الأقسـام العامة
افتراضي

عاشوراء: تنبيهات وأحداث
د. مهران ماهر عثمان



بسم الله الرحمن الرحيم

عاشوراء: تنبيهات وأحداث

الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد؛
فإن في تعدُّدِ مواسم الخيرات فرصةً للمؤمنين لا يحسُن بمسلم أن يغفل عنها، ومن هذه المواسم عاشوراء، وهذه تنبيهات تتعلق بها، ووقفات مع أحداثها، أسأل الله أن ينفع بها وأن يجعلها خالصة لوجهه.

عاشوراء وتاسوعاء
عاشوراء: العاشر من شهر الله المحرم.
وتاسوعاء: التاسع منه.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: "عاشوراء العاشر من المحرم" رواه الترمذي.

مشروعية صوم عاشوراء
مرَّ فرضُ الصوم بثلاث مراحل:
المرحلة الأولى: صوم ثلاثة أيامٍ ويوم عاشوراء.
المرحلة الثانية: كان الصوم بالخيار، من شاء صام رمضان، ومن شاء أفطر –وإن كان صحيحاً مقيماً- وأطعم عن كل يوم مسكيناً. قال تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة/184].
المرحلة الثالثة: فرض صوم رمضان، وذلك بقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة/183]، فانتقل الفرض من صيام عاشوراء إلى صيام رمضان.
قال ابن مسعود رضي الله عنه في صحيح مسلم: "لما فُرض رمضان تُرك عاشوراء". قال ابن حجر رحمه الله: "ما ترك استحبابه بل هو باق، فدل على أن المتروك وجوبه"([1]).

فضل صوم عاشوراء
ثبت في الصحيحين عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ: «مَا هَذَا»؟ قَالُوا: هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ، هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ فَصَامَهُ مُوسَى، قَالَ: «فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ»، فَصَامَهُ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ.
وقد كان نبي الله صلى الله عليه وسلم يُعنى بصوم عاشوراء، قال ابنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَحَرَّى صِيَامَ يَوْمٍ فَضَّلَهُ عَلَى غَيْرِهِ إلا هَذَا الْيَوْمَ؛ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَهَذَا الشَّهْرَ" -يَعْنِي شَهْرَ رَمَضَانَ- رواه البخاري.
ويتحرى: يتقصد صومه.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "صيام يوم عاشوراء إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله" رواه مسلم.

صوم تاسوعاء
من الأكمل أن يصوم الإنسان التاسع والعاشر من المحرم؛ فإنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لما صامه وأمر الناس بصومه، قال الصحابة: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ». فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. رواه مسلم.
قال النووي رحمه الله: "ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ فِي حِكْمَةِ اسْتِحْبَابِ صَوْمِ تَاسُوعَاءَ أَوْجُهًا:
أَحَدُهَا: أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ مُخَالَفَةُ الْيَهُودِ فِي اقْتِصَارِهِمْ عَلَى الْعَاشِرِ, وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. الثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ وَصْلُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ بِصَوْمٍ, كَمَا نَهَى أَنْ يُصَامَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَحْدَهُ, ذَكَرَهُمَا الْخَطَّابِيُّ وَآخَرُونَ. الثَّالِثَ: الاحْتِيَاطُ فِي صَوْمِ الْعَاشِرِ خَشْيَةَ نَقْصِ الْهِلَالِ وَوُقُوعِ غَلَطٍ، فَيَكُونُ التَّاسِعُ فِي الْعَدَدِ هُوَ الْعَاشِرُ فِي نَفْسِ الأَمْرِ"([2]).
وأقوى هذه الأوجه هو مخالفة أهل الكتاب، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "نَهَى صلى الله عليه وسلم عَنْ التَّشَبُّهِ بِأَهْلِ الْكِتَابِ فِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ، مِثْلُ قَوْلِهِ فِي عَاشُورَاءَ: «لَئِنْ عِشْتُ إلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ»([3]).

لو أفرد أحدنا عاشوراء بالصوم هل يكون مكروهاً؟
الجواب: قال شيخ الإسلام : "صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ كَفَّارَةُ سَنَةٍ وَلا يُكْرَهُ إفْرَادُهُ بِالصَّوْمِ"([4]).

عاشوراء في الجاهلية
صيام عاشوراء كان معروفا في الجاهلية قبل البعثة النبوية، فقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها قالت: "إن أهل الجاهلية كانوا يصومونه". قال ابن حجر رحمه الله: "قال القرطبي: لعل قريشا كانوا يستندون في صومه إلى شرع من مضى كإبراهيم، وصوم رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتمل أن يكون بحكم الموافقة لهم كما في الحج، أو أذن الله له في صيامه على أنه فعل خير، فلما هاجر ووجد اليهود يصومونه وسألهم وصامه وأمر بصيامه احتمل ذلك أن يكون ذلك استئلافا لليهود كما استألفهم باستقبال قبلتهم، ويحتمل غير ذلك"([5]).

فماذا لو وافق عاشوراء يوم السبت؟
قال صلى الله عليه وسلم: «لا تَصُومُوا يَوْمَ السَّبْتِ إِلا فِيمَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدُكُمْ إِلا لِحَاءَ عِنَبَةٍ، أَوْ عُودَ شَجَرَةٍ فَلْيَمْضُغْهُ» رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة، وصححه الألباني في الإرواء (960).
ومن العلماء من حكم على الحديث بالاضطراب، وعلى القول بصحته فإنَّه يجب علينا أن نوفق بين الأحاديث عند التعارض بدلاً من الترجيح الذي ينبغي ألا يصار إليه إلا عند تعذر الجمع، فالجمع بين النصوص وإعمالها أولى من الترجيح وتعطيل بعضها كما هو مقرر عند علمائنا.
فعلى القول بصحة حديث النهي عن صوم السبت فإنه يتوجه إلى من صام السبت لكونه سبتاً، أما من صامه لكونه عرفةً أو لكونه عاشوراء فلا حرج عليه. فإننا نعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم صام التسع من ذي الحجة وفيها السبت، وندب إلى صوم داود عليه السلام ولابد أن يصادف سبتاً، وندب إلى صوم الأيام البيض ولابد أن تمر على أسْبُتٍ كثيرة. ولا بأس من إفراد الجمعة بالصوم كذلك لكونه عرفة أو لكونه عاشوراء. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "وليعلم أن صيام يوم السبت له أحوال:
الحال الأولى: أن يكون في فرضٍ كرمضان أداء، أو قضاءٍ، وكصيام الكفارة، وبدل هدي التمتع، ونحو ذلك، فهذا لا بأس به ما لم يخصه بذلك معتقدا أن له مزية.
الحال الثانية: أن يصوم قبله يوم الجمعة فلا بأس به؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لإحدى أمهات المؤمنين وقد صامت يوم الجمعة: «أصمت أمس»؟ قالت: لا. قال: «أتصومين غدا»؟ قالت: لا. قال: «فأفطري». فقوله: «أتصومين غدا»؟ يدل على جواز صومه مع الجمعة.
الحال الثالثة: أن يصادف صيام أيام مشروعة كأيام البيض ويوم عرفة، ويوم عاشوراء، وستة أيام من شوال لمن صام رمضان، وتسع ذي الحجة، فلا بأس؛ لأنه لم يصمه لأنه يوم السبت، بل لأنه من الأيام التي يشرع صومها.
الحال الرابعة: أن يصادف عادة كعادة من يصوم يوما ويفطر يوما فيصادف يوم صومه يوم السبت فلا بأس به، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لما نهى عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين: «إلا رجلاً كان يصوم صوماً فليصمه» وهذا مثله.
الحال الخامسة: أن يخصه بصوم تطوع فيفرده بالصوم، فهذا محل النهي إن صح الحديث في النهي عنه"([6]).

من أتى عليها عاشوراء وهي حائض هل تقضي صيامه؟
لا يقضى صومه لفوات وقته. والضابط فيما يقضى وما لا يقضى أنَّ كلَّ نفلٍ قيد بسبب كالكسوف، أو قيد بوقت كالأيام البيض وعاشوراء، فإنه لا يقضى إذا فات وقته أو سببه.

صوم عاشوراء بنية القضاء
يصح أن يصوم المسلم في عاشوراء ويريد بذلك القضاء، ولكنه لن يكون عاشوراء وإنما هو القضاء. وكل عملين مقصودَين لا يمكن تشريك النية فيهما، بل لابد من الإتيان بهما. ولا بأس من أن يصوم عاشوراء ثم يصوم القضاء بعده، ولو تيسر صوم القضاء أولاً فهذا أولى.

ماذا يكفر صوم عاشوراء؟
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وَتَكْفِيرُ الطَّهَارَةِ, وَالصَّلَاةِ, وَصِيَامِ رَمَضَانَ, وَعَرَفَةَ, وَعَاشُورَاءَ، لِلصَّغَائِرِ فَقَط"([7]).
ويدل له قول النبي صلى الله عليه وسلم: «الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفراتٌ ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر» رواه مسلم. فهذا رمضان، فكيف بالنفل؟

تنبيه مهم
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله([8]) عما يفعله الناس في يوم عاشوراء من الكحل، والاغتسال، والحناء، والمصافحة، وطبخ الحبوب، وإظهار السرور، وغير ذلك.. فهل ورد في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث صحيح أم لا؟ وإذا لم يرد حديث صحيح في شيء من ذلك فهل يكون فعل ذلك بدعة أم لا؟ وما تفعله الطائفة الأخرى من المأتم، والحزن، والعطش، وغير ذلك من الندب، والنياحة، وشق الجيوب. هل لذلك أصل أم لا؟
فأجاب:
الحمد لله رب العالمين، لم يرد في شيء من ذلك حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه ولا استحب ذلك أحد من أئمة المسلمين. لا الأئمة الأربعة ولا غيرهم. ولا روى أهل الكتب المعتمدة في ذلك شيئا لا عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة ولا التابعين لا صحيحا ولا ضعيفا، لا في كتب الصحيح، ولا في السنن ولا المسانيد، ولا يعرف شيء من هذه الأحاديث على عهد القرون الفاضلة. ولكن روى بعض المتأخرين في ذلك أحاديث مثل ما رووا أن من اكتحل يوم عاشوراء لم يرمد من ذلك العام، ومن اغتسل يوم عاشوراء لم يمرض ذلك العام، وأمثال ذلك. ورووا فضائل في صلاة يوم عاشوراء، ورووا أن في يوم عاشوراء توبة آدم، واستواء السفينة على الجودي، ورد يوسف على يعقوب، وإنجاء إبراهيم من النار، وفداء الذبيح بالكبش، ونحو ذلك. ورووا في حديث موضوع مكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم: أنه «من وسع على أهله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر السنة». ورواية هذا كله عن النبي صلى الله عليه وسلم كذب، ولكنه معروف من رواية سفيان بن عيينة عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن أبيه. قال: «بلغنا أنه من وسع على أهله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته»، وإبراهيم بن محمد بن المنتشر من أهل الكوفة، وأهل الكوفة كان فيهم طائفتان: طائفة رافضة يظهرون موالاة أهل البيت وهم في الباطن، إما ملاحدة زنادقة وإما جهال وأصحاب هوى. وطائفة ناصبة تبغض عليا وأصحابه لما جرى من القتال في الفتنة ما جرى".

عاشوراء وكربلاء
في عاشوراء قتل الحسين رضي الله عنه.
فما قول أهل السنة في يزيد بن معاوية؟ وما قولهم في مقتل الحسين؟ وفيمن قتل الحسين؟
أما يزيد فلا نحبه ولا نسبه؛ فهو لم يأمر بقتله ولا انتصر له.
وقد سأل صالح أباه الإمام أحمد فقال: إن قوماً يقولون: إنهم يحبون يزيد؟ قال: يا بني وهل يحب يزيد أحد يؤمن بالله واليوم الآخر؟ فقلت: يا أبت فلماذا لا تلعنه؟ قال: يا بني ومتى رأيت أباك يلعن أحداً؟ وقيل له: أتكتب الحديث عن يزيد؟ فقال: لا ولا كرامة، أو ليس هو الذي فعل بأهل المدينة ما فعل؟
وفي أهل السنة من لعنه كأبي الفرج، ولعن يزيد مسألة -كما قال ابن تيمية- يسوغ فيه الاجتهاد.
والقول المختار: لا نسبه ولا نحبه، هذا قول أهل العقل والعلم والسنة والجماعة.
لا نسبه لأن السب ليس من سمات المؤمن، وحسب المؤمن إذا ذكر الظالمون أن يقول بقول الله: {ألا لعنة الله على الظالمين}، ولا نحبه لأن المؤمن مع من أحب، ولا يرجو أحد أن يكون مع يزيد، ولم يصدر عنه عمل صالح يقتضي محبته، بل كان في عهده مقتل الحسين وواقعة الحرة ، فكيف يحب([9])؟
وأما من قتل الحسين فنقول فيه ما قاله شيخ الإسلام رحمه الله: "من قتل الحسين، أو أعان على قتله، أو رضي بذلك، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً "([10]).
وقتله مصيبة لنا وكرامة له..
كرامة له "فإنه وأخوه سيدا شباب أهل الجنة، وكانا قد تربيا في عز الإسلام لم ينالا من الهجرة والجهاد والصبر على الأذى في الله ما ناله أهل بيته، فأكرمهما الله تعالى بالشهادة؛ تكميلاً لكرامتهما، ورفعاً لدرجاتهما"([11]).
وهو مصيبة عظيمة، قال شيخ الإسلام رحمه الله: "وقتله مصيبة عظيمة"([12]).
وقد شرع الله لنا أن نصبر على المصائب ونحتسب أجرها من عنده، وحرم علينا النياحة ولطم الخدود، فما يفعله الشيعة في يوم عاشوراء لهدي جده رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ليس منا من لطم الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية»([13]). فكيف بمن جرح الخدود والوجه والأجساد وأسال منها دماءها؟! وقد وقفت على كثير من النصوص في الكافي للكليني تحرم النياحة، فلماذا يخالفون كتابهم؟!!
ولا علاقة لصوم عاشوراء بمقتل الحسين رضي الله عنه، بل نصومه لأن الله تعالى نجّى فيه كليمه موسى عليه السلام، فصامه النبي صلى الله عليه وسلم، فنحن نصومه لذلك.

--------------------
[1] / فتح الباري (4/ 247).
[2] / المجموع شرح المهذب (6/383).
[3] / الفتاوى الكبرى (6/175).
[4] / الفتاوى الكبرى (5/378).
[5] / فتح الباري (4/248).
[6] / انتهى من مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين (20/57).
[7] / الفتاوى الكبرى (5/344).
[8] / مجموع الفتاوى (25/299-301).
[9] / راجع لذلك كله الفتاوى لابن تيمية (3/412-488) .
[10] / الفتاوى (4/487) .
[11] / الفتاوى (4/511) .
[12] / السابق .
[13] / صحيح البخاري .
رقية مبارك بوداني غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-10-14, 05:42 PM   #4
رقية مبارك بوداني
|تواصي بالحق والصبر|
مسؤولة الأقسـام العامة
افتراضي





رقية مبارك بوداني غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-10-14, 05:44 PM   #5
رقية مبارك بوداني
|تواصي بالحق والصبر|
مسؤولة الأقسـام العامة
افتراضي

البعد التاريخي للتهنئة بالعام الهجري

عمر بن عبد الله المقبل

الحمد لله، وبعد:
ففي مثل هذه الأيام من كل عام تتوارد الأسئلة على أهل العلم عن حكم التهنئة بالعام الهجري الجديد، وكالعادة - في مثل هذه المسائل التي لا نص فيها- نجد الاختلاف بين أهل العلم، والأمر إلى هذا الحد مقبول؛ لكن أن يجعل ذلك من البعد، ومن مضارعة النصارى، ففي ذلك نظر.
إن مما يلفت النظر أن بعض من منعها من أهل العلم ربما اعتمد على أمور منها: أنها عادة تسربت من النصارى، وهذا وجه قوي –عنده- للمنع.
وقد رأيت - بعد البحث - أن هذا القول (أعني تسربها من النصارى) لا يساعده البحث العلمي، بل لو قال قائل: إن العكس هو الصحيح لم يكن بعيداً من الصواب، وبرهان ذلك ما يلي:
قال السيوطي -رحمه الله تعالى - في رسالته "وصول الأماني بأصول التهاني" 1/83، والتي قال في مقدمتها: "فقد كثر السؤال عن ما - هكذا كتبت - اعتاده الناس من التهنئة بالعيد والعام والشهر والولايات ونحو ذلك... هل له أصلٌ في السنة؟ فجمعت هذا الجزء في ذلك:
(قال القمولي في "الجواهر": لم أر لأصحابنا كلاماً في التهئنة بالعيدين والأعوام والأشهر كما يفعله الناس، ورأيت - فيما نقل من فوائد الشيخ زكي الدين عبد العظيم المنذري - أن الحافظ أبا الحسن المقدسي سئل عن التهنئة في أوائل الشهور والسنين: أهو بدعة أم لا؟.
فأجاب: بأن الناس لم يزالوا مختلفين في ذلك، قال: والذي أراه أنه مباح، ليس بسنة، ولا بدعة، انتهى) أي كلام أبي الحسن المقدسي -.
ونقله الشرف الغزي في شرح المنهاج، ولم يزد عليه " انتهى كلام السيوطي.
وهذا النقل عن القمولي تتابع على نقله متأخرو الشافعية في مصنفاتهم في الفقه، كالشربيني وغيره.
مما سبق في نقل السيوطي يستفاد ما يلي:
الأول: أن السؤال عن هذه المسألة قديم، أي أن التهئنة بالعام الهجري تعود إلى القرن الخامس، فإن الحافظ أبا الحسن المقدسي (ت: 611) رحمه الله يسأل عنها، وإذا كان قد توفي عام (611) فهذا يعني أنه عاش أكثر عمره في القرن السادس الهجري.
ومثله تلميذه الحافظ عبد العظيم المنذري -رحمه الله تعالى- صاحب الترغيب والترهيب (ت: 656).
وهذا ما وقفت عليه، وربما لو تتبع باحث لوجد لذلك بعداً تاريخياَّ أقدم.
وإذا علمنا أن أوروبا كانت في تلك الفترة تعيش حقبة ما يسمى بالعصور الوسطى، والتي هي أكثر العصور انحطاطاً - في تقدير الأوربيين أنفسهم - وفي المقابل كانت الأمة الإسلامية، ما زالت قوتها مصدر هيبة للأعداء، وما زالت فتوحات الإسلام تواصل زحفها في شمال الأندلس غرباً، وأقاصي الصين شرقاً.
وقد جرت العادة أن الضعيف هو الذي يقلد القوي، وعليه.. فما المانع أن تكون التهاني بالأعوام الجديدة متلقاة عن المسلمين، أخذها النصارى عنهم؟.
وكون هذا يربط بعيد عند النصارى، لا يؤثر على حل التهنئة بالعام؛ فإن التهنئة شيء، والعيد شيء آخر.
وهذا -فيما يظهر - يضعف القول بأن التهنئة بالأعوام جاءت من قبل النصارى، والذي بنى عليه بعض الفضلاء من أهل العلم منعهم لها.
الثاني -مما يستفاد من نقل السيوطي-: أن الحافظ أبا الحسن المقدسي يرى التوسط في ذلك، وهو القول بالإباحة، فلا هي سنة ولا هي بدعة، وهذا -والله أعلم- مبني على أن التهاني من باب العادات، فلا يشدد فيها.
وهذا الفهم، هو الذي فهمه العلامة الشيخ عبد الرحمن السعدي -رحمه الله- ، ففي كتاب "الأجوبة النافعة عن المسائل الواقعة" للشيخ عبد الله بن عقيل (وهو كتاب حوى مراسلات بينه وبين شيخه العلامة عبد الرحمن بن سعدي) جاء في ص (174) أن الشيخ ابن سعدي كتب لتلميذه ابن عقيل كتاباً في 3/محرم/1367هـ، وكان في ديباجة رسالته: "... ونهئنكم بالعام الجديد، جدد الله علينا وعليكم النعم، ودفع عنا وعنكم النقم".
أقول: فلعل العلامة السعدي بنى تهنئته على هذا الأصل، وقد قرر ذلك في شرحه على منظومته في "القواعد".
وقد رأيت لجماعة من مشايخنا - حفظهم الله وبارك فيهم- توسطاً آخر، فقالوا: لا يبتدأ بها، ولا ينكر على من فعلها، وهذا رأي أشياخنا: الشيخ عبد الرحمن البراك، والشيخ عبد الكريم الخضير.
ومما يستأنس به ، أن كبار علمائنا كشيخنا ابن باز، وشيخنا ابن عثيمين كانوا يرخصون في التهئنة بدخول رمضان (كما سألتهم عن ذلك بنفسي) وهو مثبت في فتوى نشرت في الموقع سابقاً؛ فالأمر في التهئنة بالعام الهجري أسهل، لأن رمضان موسم عبادة، بخلاف تجدد الأعوام، فهو أمرٌ هو بباب العادات ألصق، كما تقدمت الإشارة إليه، وعليه فلا يحسن التشديد في هذا الأمر، والله تعالى أعلم، والحمد لله رب العالمين.
رقية مبارك بوداني غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-10-14, 05:45 PM   #6
رقية مبارك بوداني
|تواصي بالحق والصبر|
مسؤولة الأقسـام العامة
افتراضي

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:

فضائل المحرم

قال ابن الجوزي -رحمه الله-: "اعلموا -رحمكم الله- إخواني، أن شهر المحرم شهر شريف القدر، وإنما سمي المحرم لأن القتال كان يحرم فيه" (التبصرة 2/6).

فهو أحد الأشهر الحرم التي قال الله -تعالى- فيها: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} [التوبة: 36].
قال القرطبي: "خص الله -تعالى- الأربعة الأشهر الحرم بالذكر ونهي عن الظلم فيها تشريفا لها، وإن كان منهيا عنه في كل الزمان".
وذكر في معنى قوله -تعالى-: {فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} قائلا: أي بارتكاب الذنوب، لأن الله -سبحانه- إذا عظم شيئا من جهة واحدة، صارت له حرمة واحدة، وإذا عظمه من جهتين أو جهات صارت حرمته متعددة، فيضاعف فيه العقاب بالعمل السيء، كما يضاعف الثواب بالعمل الصالح، فإن من أطاع الله في الشهر الحرام في البلد الحرام ليس ثوابه من أطاعه في الشهر الحلال في البلد الحرام. ومن أطاعه في الشهر الحلال في البلد الحرام، ليس ثوابه من أطاعه في شهر حلال في بلد حلال" (الجامع لأحكام القرآن 8 / 134).

صيام المحرم

ومن فضائل شهر المحرم ما رواه مسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «أفضل الصيام، بعد شهر رمضان، صيام شهر الله المحرم » [رواه مسلم].
قال النووي: "فيه تصريح بأنه أفضل الشهور للصوم" (شرح مسلم 7/296).

وقال ابن رجب: "وهذا الحديث صريح في أن أفضل ما تطوع به من الصيام بعد رمضان صوم شهر الله المحرم... ولكن يقال: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يصوم شهر شعبان، ولم ينقل أنه كان يصوم المحرم، إنما كان يصوم عاشوراء، وقوله في آخر سنة: «لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع» [رواه مسلم]. يدل على أنه كان لا يصوم قبل ذلك.

وقد أجاب الناس على هذا السؤال بأجوبة فيه ضعف والذي ظهر لي -والله أعلم- أن التطوع بالصيام نوعان:
أحدهما: التطوع المطلق بالصوم، فهذا أفضل المحرم، كما أن أفضل التطوع المطلق بالصلاة قيام الليل.
والثاني: ما صيامه تبع لصيام رمضان قبله وبعده (كصيام شعبان وست من شوال)، فهذا ليس من التطوع المطلق إنما هو نوع من الصيام ملتحق برمضان وصيامه أفضل من التطوع مطلقا (لطائف المعارف باختصار ص 46).

شهر الله :

وقال أيضا: "وقد سمى النبي -صلى الله عليه وسلم- المحرم شهر الله، وإضافته إلى الله تدل على شرفه وفضله، فإن الله -تعالى- لا يضيف إليه إلا خواص مخلوقاته، كما نسب محمد وإبراهيم وإسحاق ويعقوب وغيرهم من الأنبياء إلى عبوديته ونسب إليه بيته وناقته.
وقد قيل في معنى إضافة هذا الشهر إلى الله -عز وجل-: إنه إشارة إلى أن تحريمه إلى الله -عز وجل- ليس لأحد تبديله، كما كانت الجاهلية يحلونه ويحرمونه مكانه صفرا، فأشار إلى أنه شهر الله الذي حرمه، فليس لأحد من خلقه تبديل ذلك وتغيره.

شهر الحرام مبارك ميمون *** والصوم فيه مضاعف مسنون
وثواب صائمه لوجه إلهه *** في الخلد عند مليكه مخزون
(لطائف المعارف ص 49)

صيام عاشوراء

وأما صيام عاشوراء ففي الصحيحين من حديث ابن عباس أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قدم المدينة فرأى اليهود يصومونه ويقولون: هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه، وأغرق فرعون وقومه فصامه موسى شكرا، فنحن نصومه. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «فنحن أحق وأولى بموسى منكم» [رواه مسلم] فصامه وأمر بصيامه.

وفي الصحيحين من حديثه سلمة بن الأكوع أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمر رجلا من أسلم أن أذن في الناس: «أن من كان أكل فليصم بقية يومه، ومن لم يكن أكل فليصم، فإن اليوم يوم عاشوراء» [اللفظ للبخاري].

وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتحرى صيام عاشوراء قصد للثواب والأجر العظيم فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "ما رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يتحرى صيام يوم فضله على غيره إلا هذا اليوم، يوم عاشوراء، وهذا الشهر -يعني شهر رمضان-" [متفق عليه، اللفظ للبخاري].

وسئل النبي -صلى الله عيه وسلم- عن صيام يوم عاشوراء فقال: «يكفر السنة الماضية» [رواه مسلم].
وفي لفظ: «أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله» [رواه مسلم] قال ابن الجوزي: "وفي الجملة فهو يوم عظيم ينبغي أن يفعل فيه ما يمكن من الخير، فهو و أمثاله مواسم الخيرات فاغتنموها واحذروا الغفلات".

حكم صيام عاشوراء

وردت أحاديث -ذكرنا بعضها- تدل على الوجوب، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر بصيامه، بل أمر من أكل أن يمسك ويتم الصيام.
ومن العلماء من يرى أن صيامه منسوخ بصيام شهر رمضان.
ومنهم من يرى أن النسخ إنما هو للوجوب وأن الاستحباب ما زال باقيا.

مراحل صيام عاشوراء

وقد ذكر ابن رجب -رحمه الله- أن صيام النبي -صلى الله عليه وسلم- لعاشوراء كان على أربع حالات:
الحالة الأولى: أنه كان يصوم بمكة لا يأمر الناس بصيامه.

الحالة الثانية: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما قدم المدينة، ورأي صيام أهل الكتاب له، وتعظيمهم له، وكان يحب موافقتهم فيما لم يؤمر به صامه وأمر الناس بصيامه، وأكد الأمر بصيامه والحث عليه حتى كانوا يصومونه أطفالهم قالت الربيع بنت معوذ: "أرسل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار، التي حول المدينة:
«من كان أصبح صائما، فليتم صومه، ومن كان أصبح مفطرا، فليتم بقية يومه» قالت: فكنا، بعد ذلك، نصومه، ونصوم صبياننا الصغار منهم، إن شاء الله، ونذهب إلى المسجد، فنجعل لهم اللعبة من العهن. فإذا بكى أحدهم على الطعام، أعطيناها إياه عند الإفطار. [رواه مسلم] وفي رواية: فإذا سألونا الطعام، أعطيناهم اللعبة تلهيهم، حتى يتموا صومهم. [رواه مسلم].

الحالة الثالثة: أنه لما فرض صيام شهر رمضان ترك النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر الصحابة بصيام عاشوراء وتأكيده فيه.

وفي الصحيحين عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال:
"صام النبي -صلى الله عليه وسلم- عاشوراء وأمر بصيامه، فلما فرض رمضان ترك" [اللفظ للبخاري].

وفي رواية لمسلم: أن أهل الجاهلية كانوا يصومون يوم عاشوراء، وأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صامه والمسلمون قبل أن يفرض رمضان، فلما فرض رمضان قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن عاشوراء يوم من أيام الله ، فمن شاء صامه ومن شاء تركه».

الحالة الرابعة: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- عزم في آخر عمره على ألا يصومه مفردا، بل يضم إليه يوما أخر، مخالفة لأهل الكتاب في صيامه.
ففي صحيح مسلم عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: "حين صام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عاشوراء وأمر بصيامه قالوا: يا رسول الله! إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «فإذا كان العام المقبل -إن شاء الله- صمنا اليوم التاسع» قال: فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" [رواه مسلم].

وفي رواية أيضا عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع والعاشر». [المحدث: البهوتي، إسناده جيد] (لطائف المعارف ص 68-72 باختصار).
فهذه هي الحالة الأخيرة التي توفي عليها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

أعدل الأقوال في صيام عاشوراء

وأعدل الأقوال هو استحباب صيام عاشوراء واستحباب أن يصوم معه التاسع مخالفة لأهل الكتاب، وعدم مشابهتهم في اتخاذه عيدا. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "والصحيح أنه يستحب لمن صامه أن يصوم معه التاسع، لأن هذا آخر أمر النبي -صلى الله عليه وسلم-، لقوله: «لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع والعاشر» كما جاء ذلك مفسرا في بعض طرق الحديث فهذا الذي سنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" (مجموع الفتاوى 25/312).

وقال ابن رجب: "وأكثر العلماء على استحباب صيامه من غير تأكيد، وممن روى عنه صيامه من الصحابة: عمر وعلى، وعبد الرحمن بن عوف، وأبو موسى وقيس بن سعد، وابن عباس وغيرهم". (لطائف المعارف ص 71).

مراتب صيام عاشوراء

وقد رأى بعض العلماء أن يصوم يوما قبله ويوما بعده حتى يدرك يوم العاشر يقينا.
فقد روى ابن أبي ذئب عن شعبة مولى ابن عباس، عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: أنه كان يصوم عاشوراء في السفر، ويوالي بين اليومين خشية فواته.

وكذلك روي عن أبي إسحاق أنه صام يوم عاشوراء ويوما قبله ويوما بعده وقال: إنما فعلت ذلك خشية أن يفوتني.
وروي عن ابن سيرين أنه كان يصوم ثلاثة أيام عند الاختلاف في هلال الشهر احتياطا.

ولذلك قال ابن القيم -رحمه الله-: "فمراتب صومه ثلاثة: أكملها: أن يصام قبله يوم وبعده يوم. ويلي ذلك يصام التاسع والعاشر، وعليه أكثر الأحاديث ويلي ذلك إفراد العاشر وحده بالصوم" (زاد المعاد 2 / 76).

احذروا البدع :

وهناك كثير من البدع ترتكب في هذا اليوم، لم يشرع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منها شيئا لأمته، وقد نبه عليها شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-، فبعد أن ذكر المشروع في صيام عاشوراء قال: "وأما سائر الأمور، مثل اتخاذ طعام خارج العادة أو تجديد لباس، أو توسيع نفقة، أو اشتراء حوائج العام ذلك اليوم، أو فعل عبادة مختصة كصلاة مختصة به، أو قصد الذبح، أو ادخار لحوم الأضاحي ليطبخ بها الحبوب، أو الاكتحال، أو الاختضاب أو الاغتسال، أو التصافح (يقصد التهنئة) أو التزاور أو زيارة المساجد والمشاهد ونحو ذلك، فهذا من البدع المنكرة التي لم يسنها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا خلفاؤه الراشدون ولا استحبها أحد من أئمة المسلمين، لا مالك ولا الثوري ولا لليث بن سعد ولا أبو حنيفة ولا الأوزاعي، ولا الشافعي، ولا أحمد بن حنبل ولا إسحاق بن راهوية، ولا أمثال هؤلاء من أئمة المسلمين وعلماء المسلمين، وإن كان بعض المتأخرين من أتباع الأئمة قد كانوا يأمرون ببعض ذلك ويرون في ذلك أحاديث وآثارا ويقولون: إن بعض ذلك صحيح فهم مخطئون بلا ريب عند أهل المعرفة بحقائق الأمور وقد قال حرب الكرماني في مسائلة: سئل أحمد بن حنبل عن هذا الحديث: «من وسع على أهله يوم عاشوراء» فلم يره شيئا" (مجموع الفتاوى 25/312).

نصح وتذكير:

- الصيام سر بين العبد وبين ربه ولهذا يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة عشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله -عز وجل-: إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وطعامه من أجلي» [رواه مسلم].

- و«إن في الجنة بابا يقال له: الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم، فإذا دخلوا أغلق، فلم يدخل منه أحد ومن دخله لم يظمأ أبدا» [صححه الألباني].

- «الصيام جنة من النار كجنة أحدكم من القتال» [صححه الألباني].

- «للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه» [رواه مسلم].

- قال -تعالى-: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} [الحاقة: 24].
- قال مجاهد وغيره: نزلت في الصوم من ترك لله طعامه وشرابه وشهوته، عوضه الله خيرا من ذلك طعاما وشرابا لا ينفد وأزواجا لا تموت.

من يرد ملك الجنان ليذر عنه التواني *** وليقم في ظلمة الليل إلى نور القرآن
وليصل صوما بصوم إن هذا العيش فاني *** إنما العيش جوار الله في دار الأماني

إخفاء الطاعات:

- لما كان الصيام سرا بين العبد وربه، اجتهد المخلصون في إخفائه بكل طريق، حتى لا يطلع عليه أحد.

- قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: إذا أصبح أحدكم صائما فليرجل شعره ويدهنه وإذا تصدق بصدقة عن يمينه فليحفظها عن شماله، وإذا صلى تطوعا فليصل داخل بيته.

- وقال أبو التياح: أدركت أبي ومشيخة الحي إذا صام أحدهم أدهن ولبس صالح ثيابه.

- صام بعض السلف أربعين سنة لا يعلم به أحد وكان له دكان فكان كل يوم يأخذ من بيته رغيفين، ويخرج إلى دكانه، فيتصدق بهما في طريقه، فيظن أهله أنه يأكلها في السوق ويظن أهل السوق أنه قد أكل في بيته قبل أني جيء.

- كم يستر الصادقون أحوالهم، وريح الصدق ينم عليهم!.

- ما أر أحد سريرة إلا ألبسه الله رداءها.

- ريح الصائم أطيب عند الله من ريح المسك فكلما اجتهد صاحبه على إخفائه، فاح ريحه للقلوب، فتستنشقه الأرواح وربما ظهر بعد الموت ويوم القيامة.

- لما دفن عبد الله بن غالب، كان يفوح من تراب قبره رائحة المسك فرئي في المنام، فسئل عن تلك الرائحة التي توجد في قبره فقال، تلك رائحة التلاوة والظمأ.

- وهبني كتمت السر أو قلت غيره *** أتخفي على أهل القلوب السرائر
- أبى ذاك إن السر في الوجه ناطق *** وإن ضمير القلب في العين ظاهر
(مختصر من لطائف المعارف ص: 50 - 54)


مدار الوطن
إعداد: خالد أبو صالح

-بتصرف يسير-


رقية مبارك بوداني غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

(View-All Members who have read this thread in the last 30 days : 0
There are no names to display.

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
مع الأسرة المسلمة .. رقية مبارك بوداني روضة الأسـرة الصالحة 16 18-09-14 11:36 PM
العقيدة الواسطية لآلئ الدعوة المتون العلمية 4 12-05-12 11:15 AM
العقيـــــدة الصحيحـــــــةوما يضادها للشيخ : ابن باز رحمه الله سلفية على المنهج روضة العقيدة 2 01-11-08 02:44 PM


الساعة الآن 03:44 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2025,Jelsoft Enterprises Ltd.
هذه المنتديات لا تتبع أي جماعة ولا حزب ولا تنظيم ولا جمعية ولا تمثل أحدا
هي لكل مسلم محب لدينه وأمته وهي على مذهب أهل السنة والجماعة ولن نقبل اي موضوع يثير الفتنة أو يخالف الشريعة
وكل رأي فيها يعبر عن وجهة نظر صاحبه فقط دون تحمل إدارة المنتدى أي مسؤلية تجاه مشاركات الأعضاء ،
غير أنَّا نسعى جاهدين إلى تصفية المنشور وجعله منضبطا بميزان الشرع المطهر .