العودة   ملتقى طالبات العلم > . ~ . أقسام العلوم الشرعية . ~ . > روضة العلوم الشرعية العامة > روضة القرآن وعلومه

الملاحظات


 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم يوم أمس, 04:56 AM   #9
أم أبي تراب
نفع الله بك الأمة
Home

"إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا"27.والمراد أن الذي حمل هؤلاء الكفار على الكفر ؛ والإعراض عما ينفعهم في الآخرة ليس هو الشُّبهة ؛ حتى ينتفعوا بالدلائل المذكورة في أول هذه السورة ، بل الشهوة والمحبة لهذه اللذات العاجلة، وينهمكون في لذاتها الفانية، ويَدَعون خلف ظهورهم العمل لليوم الآخر الذي ينتظرهم هنالك بالسلاسل والأغلال والسعير ، بعد الحساب العسير .
فهذه الآية استطراد في تثبيت الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين معه ، في مواجهة هؤلاء الذين أوتوا من هذه العاجلة ما يحبون . إلى جانب أنها تهديد ملفوف لأصحاب العاجلة باليوم الثقيل.
"نَّحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا"28.
ثم استدل عليهم وعلى بعثهم بدليل عقلي، وهو دليل الابتداء، فقال" نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ" أي: أوجدناهم من العدم، "وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ" أي: أحكمنا خلقتهم بالأعصاب، والعروق، والأوتار، والقوى الظاهرة والباطنة، حتى تم الجسم واستكمل، وهو كناية عن الإتقان والقوة في الخلق فالمقصود بالأسر هنا: الإحكام والإتقان، والامتنان عليهم بأن الله-تبارك وتعالى- خلقهم في أحسن وأتقن خلق. ، فالذي أوجدهم على هذه الحالة، قادر على أن يعيدهم بعد موتهم لجزائهم، والذي نقلهم في هذه الدار إلى هذه الأطوار.
وَإِذَا شِئْنَابَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا : أي وإذا شئنا أهلكناهم وأتينا بأشباههم فجعلناهم بدلا منهم ، والغرض منه بيان الاستغناء التام عنهم ، ونحو الآية قوله" إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكانَ اللَّهُ عَلى ذلِكَ قَدِيرًا"النساء :133.
وقوله" إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ، وَما ذلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ"فاطر:. 17-16
ثم ختم- سبحانه - السورة الكريمة بالحض على طاعته، وبالتحذير من معصيته فقال :
" إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا"29."وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا"30.
إِنَّ هَذِهِ: المُشارُ إليهِ: السورةُ وما ذُكِر فيها . تَذْكِرَةٌ :أي يتذكَّرُ بها الإنسانُ ويتَّعِظُ، ثم ينقسم الناسُ إلى مُنتفعٍ بهذه التذكرةِ، وغيرِ منتفعٍ، ولهذا قال " فَمَن شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا" وهنا قد يقول قائل: كيف قال"فَمَنْ شَاءَ"، ثم قال"وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ"؟!
والجواب: أن نقول: إن مشيئة الإنسان مخلوقةٌ لله عز وجل، فهو الذي خلقها، فلا يشاء الإنسان إلا بعد أن يخلق اللّه فيه المشيئة؛ لأن اللّه خالق كل شيء، - فمجرد مشيئتهم غير كافية في اتخاذ السبيل- فمشيئة العبد وحدها لا تأتي بخير، ولا تدفع شرًا، وإن كان يُثاب على المشيئة الصالحة، ويؤجر على قصد الخير كما في حديث"إنَّما الأعْمالُ بالنِّيّاتِ، وإنَّما لِكُلِّ امْرِئٍ ما نَوَى".صحيح البخاري.
إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيمًا حَكِيمًا:بيان لكون مشيئته تعالى مبنية على أساس العلم والحكمة ، فلا يشاء لهم إلا ما يستدعيه علمه وتقتضيه حكمته.أي: إنَّ اللهَ تعالى مُتَّصِفٌ أزَلًا وأبَدًا بالعِلْمِ التَّامِّ، فلا يَخْفى عليه شَيءٌ، ومِن ذلك عِلْمُه بمَن يَستَحِقُّ الهِدايةَ فيُيَسِّرُها له، ومَن يَستَحِقُّ الغَوايةَ فيَصرِفُه عن الهُدى، وهو متَّصِفٌ أزَلًا وأبَدًا بالحِكْمةِ البالِغةِ، فيَضَعُ كُلَّ شَيءٍ في مَوضِعِه الصَّحيحِ اللَّائِقِ به، ومِن ذلك الهِدايةُ والإضلالُ.وبيَّن عز وجل أن الأمر إليه، لأجل أن نتَّجِه إلى اللّه عز وجل، وألَّا نفخر بأنفسنا إذا وُفِّقنا للطاعة، فلنعلم علم اليقين أن ذلك من كرم اللّه، ونعمته، وإحسانه.
"يُدْخِلُ مَن يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا" 31.
أي: يُدخِلُ اللهُ مَن يَشاءُ مِن عِبادِه في رَحمتِه بتَوفيقِه لسُلوكِ طَريقِه المُستَقيمِ الموصِلِ إلى جَنَّتِه، فيختصه بعنايته، ويوفقه لأسباب السعادة ويهديه لطرقها، لعِلْمِه بمَن يَستَحِقُّ الهِدايةَ فيُيَسِّرُها له برحمته وفضله تعالى .
وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا: وأعدَّ اللهُ تعالى عَذابًا مُؤلِمًا مُوجِعًا للظَّالِمينَ أنفُسَهم بالشِّركِ وتَرْكِ التَّوبةِ، حتى ماتوا على شركهم، وقد أملى لهم وأمهلهم لينتهوا إلى هذا العذاب الأليم.
وهذا الختام للسورة يلتئم مع مطلعها ومحورها الأساسي وهو تعريف الإنسان بحقيقته وبدايته ونهايته وضعفه وعجزة والغاية التي خُلق من أجلها وهي الاختبار والابتلاء ، ويصور نهاية الابتلاء ، الذي خلق الله له الإنسان من نطفة أمشاج ، ووهبه السمع والأبصار ، وهداه السبيل إما إلى جنة وإما إلى نار .

نسأل اللّه أن يُنجينا ووالدينا وإياكم من عذاب النار، وأن يُدخِلنا في رحمته دار الأبرار، إنه جوادٌ كريم، والحمد للّه رب العالمين، وصلى اللّه وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
تم تفسير سورة الإنسان - ولله الحمد والمنة
أم أبي تراب غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

(View-All Members who have read this thread in the last 30 days : 1
أم أبي تراب

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:39 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2025,Jelsoft Enterprises Ltd.
هذه المنتديات لا تتبع أي جماعة ولا حزب ولا تنظيم ولا جمعية ولا تمثل أحدا
هي لكل مسلم محب لدينه وأمته وهي على مذهب أهل السنة والجماعة ولن نقبل اي موضوع يثير الفتنة أو يخالف الشريعة
وكل رأي فيها يعبر عن وجهة نظر صاحبه فقط دون تحمل إدارة المنتدى أي مسؤلية تجاه مشاركات الأعضاء ،
غير أنَّا نسعى جاهدين إلى تصفية المنشور وجعله منضبطا بميزان الشرع المطهر .