العودة   ملتقى طالبات العلم > . ~ . أقسام العلوم الشرعية . ~ . > روضة العلوم الشرعية العامة > روضة القرآن وعلومه

الملاحظات


إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 01-02-13, 03:07 PM   #1
رقية مبارك بوداني
|تواصي بالحق والصبر|
مسؤولة الأقسـام العامة
افتراضي

ليس العجب فقط أنهم تعلقوا بالله.. بل العجب إشارة الآية إلى المبدأ والمنتهى، أعني إشارتها إلى أنه لا نجاة من الله إلا إلى الله!
فالله هاهنا هو المخوف، والله نفسه هو الملاذ!
هذه هي القلوب التي يحبها الله..

ومما يدلك على أن الله يريد من العبد أن يبقى قلبه متضرعاً مستغيثاً في حال الأزمة، وبعد تجاوزها.. وأنه ليس من الأدب أن تدعوا الله أثناء الأزمة ثم تغفل عن التعلق بالله بعد تحسن الأحوال، يصف الله هذا المشهد بقوله في سورة يونس: ﴿وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾[يونس: 12]

تأمل كيف وصفت الآية الضجر الذي يصيب الإنسان أثناء المصيبة فيدعوا الله في كل أحواله قائما وقاعداً ومستلقياً، ثم إذا كشف الله مصيبته غفل ونسي تلك اللحظات التي كان يناجي فيها ربه.. عزبت عن باله ذكرى تلك الابتهالات إلى الله حال الكرب..

وهذا المشهد الأليم الذي ذكرته سورة يونس شرحته آيات أخرى لتؤكد أهمية الموضوع، يقول تعالى في سورة الزمر: ﴿وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ﴾[الزمر: 8]

ويقول الله في سورة فصلت: ﴿وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ﴾[فصلت: 51].

والله إنني أشعر بالخجل وأنا أعلق على هذه الآيات..
ما أكثر ما يلح المرء على ربه إذا عرضت له حاجة، فإذا تحققت حاجته وحصّل غرضه طارت به الفرحة فأنسته التبتل بين يدي ربه شكراً وحمداً وثناءً..
أليس هذا هو المرور كأن لم يدع الله إلى ضر مسه؟!
أليس هذا هو نسيان ما كان يدعوا إليه من قبل؟!
أليس هذا هو الإعراض والنأي بعد ذلك "الدعاء العريض" ؟!
يا رب عفوك وسترك..

والمراد أنه إذا تأمل متدبر القرآن كيف كرر الله في تصويرات متعددة ذم من يدعوا الله في حال الضر، ويغفل في حال العافية؛ علم أن الله يريد أن يكون القلب معلقاً بالله في كل حال..

سأسألك يا أخي الغالي قارئ هذه السطور سؤالاً تبوح به هذه الكلمات المكتوبة، ولكن اجعل جوابه في صدرك، اجعلها مناجاة الأحبة بيني وبينك..

سؤالي هو:
بالله عليك ألم يمر بك لحظة ركبت فيها (الطائرة) مسافراً إلى سياحة أو تجارة أو غيرها، وكانت الأمور على ما يرام، ثم وأنت في جوف السماء ارتعدت الطائرة لظروف جوية، أو رأيت طاقم الطائرة يلهثون كأنما يخفون أمراً خطراً، فكيف كانت مشاعرك في تلك الحالة؟
ألم تدعُ الله وجِلاً بالسلامة، ألم يركض أمام عينيك سريعاً شريط الخطايا والمعاصي؟
ألم يستحوذ عليك إحساس بأنك إن سلمت ستتوب بعد أن رأيت الموت؟
مرّت بك هذه اللحظة؟

إذن اقرأ كيف يصور الله ذات المشهد لكن على وسيلة مواصلات أخرى مشابهة، وتأمل كيف يعاتبنا على ذلك، يقول الله في سورة يونس: ﴿حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾[يونس: 22-23].

يا لبلاغة القرآن ..
والله لا زال هذا المشهد يتكرر منذ أنزل الله هذه الآيات إلى يوم الناس هذا!
وهذا المشهد المذكور في سورة يونس شرحته آية أخرى مشابهة في سورة الإسراء، وكشفت آية الإسراء جهل العقل البشري، وكيف يغفل عن أخطار أخرى حتى لو سلم في رحلته التي نجا فيها، يقول الله مرةً أخرى عن وسائل النقل: ﴿وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا (67) أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا (68) أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا﴾[الإسراء: 67-69]

تأمل كيف تشير الآية إلى جهل الإنسان حيث يظن أنه إذا وصل البر أمِن ولذلك يغفل!
والقرآن ينبهه أنه حتى لو نزل على الأرض فقد يكون تحت خطر عقوبة أشد كالخسف بالأرض كما حصل لقارون، أو الرمي بالحصباء كما حصل لقرية سدوم..

ثم ينبه القرآن تنبيهاً أعجب وهو أنه يا من نجوت هذه المرة من الخطر ووصلت البر، قد تعود مرةً أخرى إلى وسيلة النقل ذاتها فتهلك هلاكاً أشد حين تقصم الريح مراكبك..

وتشير آية أخرى إلى تفاوت الناس بعد زوال لحظة الخطر على وسيلة النقل: ﴿وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ﴾[لقمان: 32]

هذه الصورة التي يكررها القرآن عن السفر بالسفن واليخوت انقلها بحذافيرها إلى وسيلة نقل مشابهة كالطائرة أو القطارات أو السيارات وتأمل كيف يكون الإنسان فيها قلقاً، وخصوصاً إذا مر بظروف طبيعية، كرياح تثير الاضطراب، ثم إذا نزل على الأرض نسي استكانته وتضرعه وعزيمته على الاستقامة..

تذكر هذه الصورة التي نمر بها وأعد قراءة آية يونس وآية الإسراء السابقتين تنكشف لك من معاني الإيمان والتعلق بالله ما لم يخطر ببالك..

والمقصود أن ينظر متدبر القرآن كيف يريد الله قلوباً تستديم التعلق به في حال الخطر والسلامة..

إنه الخيط الناظم والحقيقة الكبرى في القرآن، وهو استمرار حركة القلب بالإيمان بالله والتعلق به سبحانه..

ربما لو جلست مجلساً وسألت من فيه ما هو تعريف "الصحبة الصالحة
لربما طافت بك التعريفات في صفات دنيوية، وخصوصاً بعد غلبة المنظور الغربي لمفهوم (تطوير الذات) فصارت تسري في مفاصل هذه الكتب المعايير المادية في النظرة للحياة والنجاح.. لكن متدبر القرآن يجد في سورة الكهف تعريفاً مدهشاً للصحبة الصالحة، يقول الله - تبارك وتعالى - لنبيه: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ﴾[الكهف: 28]

سألتك بالذي خلقك هل تجد اليوم في خطاباتنا الفكرية والنهضوية من يعرّف الشخصية المتميزة بهذا التعريف؟!

انظر كيف تحدد سورة الكهف "خاصية" الشخص المتميز ..
إنه الذي "يدعوا ربه بالغداة والعشي" ..
واخجلاه من زمانٍ صرنا نستحي فيه من حقائق القرآن!

ولما كلف الله موسى صلى الله عليه وسلم بالرسالة، طلب موسى من الله أن يجعل له وزيراً يعينه على مهمة الرسالة وهو أخوه هارون، لكن ما هو المقصود الأبعد من هذا التعاون والتعاضد بين الأخوين؟
شاهد كيف يشرح موسى وظيفة الاستعانة بأخيه هارون في سورة طه: ﴿واجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا﴾[طه: 29-34]

أظنك لاحظت هذا الحضور العجيب لـ(ذكر الله) في بنية الرسالة، موسى يقول لربه اجعل معي هارون كي نسبحك ونذكرك كثيرا!
من أجل التسبيح والذكر!

هل انتهى الأمر عند هذا الحد؟
لا، بل إن الله تعالى يرسل موسى وهارون إلى فرعون ويوصيهما مرةً أخرى بلهج اللسان بذكر الله، فيقول الله في نفس السورة، سورة طه، بعد الموضع السابق بآيات معدودة:
﴿اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي﴾[طه: 42]

موسى يريد توزير أخيه ليتعاونا على تسبيح الله وذكره، وربهما يرسلهما ويقول لا تنيا أي لا تفترا ولا تضعفا ولا تكسلا عن ذكري ..

لاحظ المهمة الجسيمة التي سيتحملانها وهي مواجهة أعتى نظام مستبد في التاريخ بما يستفز كبرياءه، ومع ذلك يقول الله لهما "ولا تنيا في ذكري"..

لو قدّم اليوم بعض الدعاة نصيحة للثوار على الحكومات العربية الفاسدة بأن يكثروا من (ذكر الله) لعدّ كثير من المستغربين ذلك دروشة وسذاجة!
برغم أن موسى يجعل ذكر الله مظلةّ لمهمته الكبرى، والله جل جلاله يؤكد عليهما بأن لا يفترا عن الذكر.. فما أكثر الشواهد المعاصرة على غُربة مفاهيم القرآن، وبعد كثير من شباب المسلمين عنها إلا من وفق الله..

ثم يتحدث القرآن في سورة الحج عن طريقة تلقي المؤمن لآيات الوحي، وأنه ليس المطلوب فقط تنفيذ أحكام القرآن، بل لابد أن يقوم في القلب معنى آخر يظهر به "ذل العبودية" لله سبحانه وتعالى، وهو طأطأة القلب ورقته فور تلقيه القرآن، يقول الله: ﴿وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ﴾[الحج: 54]

وقد ذكر بعض أهل التفسير أن معنى الإخبات هاهنا "أي ترق للقرآن قلوبهم".

ثم ينتقل بنا المسار إلى سورة (المؤمنون)، وفيها مشهد بديع لعمارة النفوس بالله، ذلك أن كثيراً من الناس يتصور أن المؤمن يجب أن يخاف من الله حال (المعصية)، أما حال (الطاعة) فتذهل كثيرٌ من العقول عن مقام الوجل من الله، لكن ميزان القرآن يختلف، يختلف جذرياً، إنه يريد شُعب الإيمان مستوفزة متلهفة في كافة الأحوال، مشدودةً إلى خالقها، تأمل كيف يصوِّر القرآن المؤمن وهو في لحظة العمل الصالح: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ﴾[المؤمنون:60]

يمد يده بالصدقة وقلبه يرتجف من الله!
بالله هل رأيت إقبالاً على الله وذهولاً عما سواه أشد من ذلك؟!
فاذا كان هذا هو المطلوب القرآني حال (الطاعة) فكيف يكون حال (الخطيئة)؟!
وفي سورة النور لما ذكر الله الأنشطة التجارية لم يتحدث عن أهميتها، أو فنونها، بل التحذير من أن تشغل القلب عن الانكباب على الله ﴿رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ﴾[النور: 37] فإذا كان هذا حالهم أثناء التجارة المنهكة فكيف يكون أثناء الفراغ؟!




توقيع رقية مبارك بوداني

الحمد لله أن رزقتني عمرة هذا العام ،فاللهم ارزقني حجة ، اللهم لا تحرمني فضلك ، وارزقني من حيث لا أحتسب ..


رقية مبارك بوداني غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-02-13, 03:08 PM   #2
رقية مبارك بوداني
|تواصي بالحق والصبر|
مسؤولة الأقسـام العامة
افتراضي

ومن المعاني القرآنية التي نبهت إلى تعلق القلب بالله وانصرافه عما سواه مفهوم (إقامة الوجه للدين) (وإسلام الوجه لله) ..
وهي تعابير لها دلالاتها القلبية العميقة..

تأمل هذه الطائفة من الآيات: يقول الله : ﴿وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا﴾[يونس: 105]، وقال الله : ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا﴾[الروم: 30] ، ويقول سبحانه : ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ﴾[الروم: 43] ، ويقول أيضاً : ﴿وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى﴾[لقمان: 22]

وقد قرأت لعددٍ من أهل العلم عن أكثر أمرٍ ردده القرآن بعد التوحيد ما هو؟
ورأيتهم ذكروا أموراً لكني اختبرتها فوجدتها غير دقيقة، وأما الذي رأيته شخصياً فلا أعرف مطلوباً عملياً ردده القرآن بعد التوحيد مثل موضوع (ذكر الله) سواءً كلام القرآن عن (جنس الذكر) كحديث القرآن عن الذاكرين الله كثيراً والذاكرات، والذكر قائماً وقاعداً ومضجعاً، وذكر الله آناء الليل والنهار، وتحريم أمورٍ لأنها تصد عن ذكر الله، والتحذير من قسوة القلوب من ذكر الله، وخشوع القلب لذكر الله، ونحو هذه المعاني التي تتحدث عن جنس الذكر، أو كلام القرآن عن (آحاد الذكر) مثل التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير ونحوها، كتسبيح الكائنات، واستفتاح السور بالحمد، ونحوها.
هذا هو أكثر مطلوب عملي رأيته في كتاب الله، أما المطلوب الخبري بعد التوحيد فربما كان (المعاد) والله أعلم.

هذه الظاهرة في القرآن - أعني ظاهرة كثرة الحديث عن ذكر الله - لا أظنه سيخالف فيها من تأملها بإذن الله، ويستطيع متدبر للقرآن ملاحظتها بسهولة، وإنما الشأن في تفسير هذا الموضوع، أو على الأقل محاولة إدراك العلاقة بين (ذكر الله) و (القلب البشري).. فما العلاقة بين الذكر والقلب يا ترى؟
هناك آيتان عظيمتان في كتاب الله أشارتا إلى سر هذه العلاقة، يقول الله في سورة الأنفال: ﴿إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾[الأنفال: 2]

ويقول الله في سورة الحج: ﴿وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34) الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾[الحج: 34-35]

لا أظنه فاتك هذا السر الذي نبهت إليه الآيتان، انظر كيف يربط القرآن بين الذكر وحركة القلب "إذا ذكر الله وجلت قلوبهم" .. بالله عليك ألا تدهشك هذه العلاقة؟

على أية حال .. تلاحظ أننا ابتدأنا هذه الخواطر بمشاهد من السبع الطوال أول المصحف.. ثم انتقلنا إلى مشاهد أخرى من أواسط المصحف.. دعنا نغادر الآن إلى مشاهد مماثلة من خواتيم القرآن وقصار السور..

من النماذج الملفتة في أواخر القرآن سورة تحدث الله فيها عن مشاعر المؤمن بعد أن يلقي عنه عناء الجهاد فيتحقق النصر .. لقد كان القرآن طوال حياة النبي صلى الله عليه وسلم يعلق القلوب بالله لتنتصر، فماذا بعد النصر؟
يقول الله:
﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا﴾[النصر: 1-3].

ومن أساليب القرآن العجيبة في وصل النفوس بخالقها أن القرآن لا يكتفي بذكر التعلق بالله، بل ينوع أسماءه سبحانه في الموضع الواحد لتتعدد موارد التعلق!

انظر كيف يتقلب الفؤاد في مدارج العبودية وهو يسمع ﴿قلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ﴾[الناس، 1-3]

يأمرنا الله أن نلجأ ونستعيذ به بموجب ربوبية الله للناس ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاس﴾ ، فإذا تشبع القلب بذلك، انفتح عليه مشهد مُلك الله العظيم للناس ﴿مَلِكِ النَّاسِ﴾، فيزداد تمسك القلب واستعاذته بمقتضى ملكية الله، ثم يكشف للقلب مورداً آخر وهو ألوهية الله للناس ﴿إِلَهِ النَّاسِ﴾، فلا تزال حبال الاستعاذة تشد قلب متدبر القرآن إلى السماء، بمقتضيات وموارد وموجبات تتكشف له من معاني الأسماء الإلهية العظيمة..

وهكذا يريد القرآن - من مفتتحه إلى مختتمه - أن تكون قلوب العباد..

وهذه مجرد نماذج ومنتخبات التقطتها من أجزاء القرآن، وتركت أضعاف أضعافها لئلا يطول الحديث وينتشر الموضوع، ويستطيع متدبر القرآن أن يلاحظ هذه القضية وهي (عمارة النفوس بالله) في كل آية من كتاب الله، فما من آية من آيات القرآن إلا وفي جوفها معارج تسري بالقلوب إلى مقلب القلوب..

وقد انعكست هذه الهدايات القرآنية على تعاليم سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم فنبهت أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم على انكباب القلوب على الله جل وعلا، وأظن من أكثرها لفتاً للانتباه الحديث الشهير الذي رواه البخاري ومسلم عن السبعة اللذين يفوزون بظل الله يوم لا ظل إلا ظله، وذكر منهم "ورجل قلبه معلق في المساجد، إذا خرج منه حتى يعود إليه"[البخاري660 ، مسلم1031].

شاهد كيف يربي النبي صلى الله عليه وسلم في نفوس أصحابه التعلق بالمسجد، وقارنه ببعض المنتسبين للدعوة الذي صاروا يعلقون الناس بما هو خارج المسجد!
قارن الخطاب النبوي بمنتسبين للدعوة صاروا من الزاهدين في سكينة المساجد، المولعين بصخب الدنيا..

وهذا المعنى الذي تواردت عليه معاني القرآن -كما رأينا نماذجه سابقاً- هو خاصة التوحيد الذي دارت عليه عبارات متألهي السلف وربانييهم، وما أحسن قول أبي العباس ابن تيمية رحمه الله: "والمقصود هنا أن الخليلين - محمد وإبراهيم - هما أكمل خاصة الخاصة توحيداً..، وكمال توحيدهما بتحقيق إفراد الألوهية، وهو أن لا يبقى في القلب شيء لغير الله أصلاً"[منهاج السنة: 5/355].

يا ألله ..
ما أجمل هذا المعنى ..
اللهم لا تجعل في قلبي وقلوب إخواني شيء لغيرك أصلاً..

لقد جبلت النفوس البشرية على التعلق بالدنيا، والغفلة عن الآخرة، لذلك جاءت آيات القرآن فجعلت الأصل في الخطاب الدعوي ربط الناس بالآخرة، والتبع هو التأكيد على أهمية إعداد القوة، هذه نزعة ظاهرة في القرآن والسنة ووصايا السلف.. ولكن للأسف جاءتنا خطابات دعوية مادية أرهقتها مواجهة التغريب فانكسرت وتشربت ثقافة الخصم ذاته، وصارت منهمكة في تذكير الناس بالدنيا، وجعلت التبع هو الآخرة.. خطابات لم تعد تستحي أن تقول مشكلة المسلمين في نقص دنياهم لا نقص دينهم!
ولكن لا يزال - ولله الحمد - من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فمنهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر، وما بدلوا تبديلا..

إن الدعاة إلى الله الذي يحاولون دوماً توظيف الأحداث للتذكير بالله هؤلاء أعلم الناس بحقائق كتاب الله، وإن أولئك المفتونين الذين يسخرون من ربط الأحداث بالله، ويسمون ذلك (المبالغة في تديين الحياة العامة) تشويهاً لهذا الدور النبيل؛ هؤلاء هم أجهل الناس بدين الله الذي وضحه في كتابه ببيان هو في غاية البيان..

وإذا تشبع قلب متدبر القرآن بهذه الحقيقة الكبرى الناظمة للآلئ القرآن أثمرت له في نفسه عجائب الإيمان.. وأصبح لا يساكن قلبه غير الله جل جلاله.. وبرأ قلبه من الحول والقوة إلا بالله سبحانه.. وصار ينزل حاجاته بالله.. وأصبح يشعر برياح القوة والإمداد الإلهي كما نقل الإمام ابن تيمية "ولهذا قال بعض السلف: من سره أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله" [الفتاوى: 10/33].

فلا يلتفت القلب للأسباب في طلب الرزق، أو البحث عن مسكن، أو البحث عن وظيفة، أو طلب العلم ،أو طلب الإيمان، أو طلب الصحة والعافية، أو طلب الإفراج من اعتقال، أو طلب نجاح ثورة.. بل يصعد القلب إلى الله، ويجتهد في عمل القلب، ويقتصد في الأسباب بالقدر الشرعي..

وهل يشك من قارن بين مطالب القرآن، والكتب الفكرية المعاصرة التي تتحدث عن النهضة والتقدم؛ أننا لا زلنا بعيدين عن النهضة والحضارة بحجم بعد هذه الكتب الفكرية النهضوية عن أهداف وغايات ومطالب القرآن؟

بالله عليك هل رأيت كتاباً فكرياً نهضوياً ينطلق في نظريته للنهضة من (آيات التمكين والاستخلاف

هذا المعنى المنبث في تفاصيل آيات القرآن، وهو عمارة النفوس بالله، هو الحبل الناظم حقاً في كتاب الله، وقد سمى الله كتابه حبلاً كما قال تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا﴾[آل عمران : 103] ونبه النبي صلى الله عليه وسلم على أن هذا الحبل هو القرآن كما قال النبي صلى الله عليه وسلم كتاب الله عز وجل، هو حبل الله) [صحيح مسلم:2408]

وعمارة النفوس بالله مقصد شرعي عظيم، قال الإمام ابن تيمية: "فإن القلب بيت الإيمان بالله تعالى ومعرفته ومحبته" [ الفتاوى:18/122].

وقال الإمام ابن القيم في النونية :
" فالقلب بيت الرب جل جلاله ... حباً وإخلاصاً مع الإحسان"[النونية بتحقيق العمير:366].

وليس المقصود طبعاً حلول الله - تعالى الله عن ذلك - في قلوب عباده على طريقة التصوف الفلسفي الزائغ، بل المقصود عمارة القلوب بالأعمال التي يحبها الله سبحانه، وخلوصه من الالتفات والانقياد لغير الله، على طريقة التأله السلفي المهتدي .

على أية حال .. لقد بيّن الله لنا مراده في القرآن غاية البيان، وأوضح لنا مطالبه الكبرى في كتابه بصنوف البينات، والعُمْر يركض على شفير القبر، فما أقرب الساعة التي سيسألنا الله جميعاً عن تحقيق مراده، وسيكون السؤال حينها على (أساس القرآن) يقول الله: ﴿قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ﴾[المؤمنون: 66]

ويقول سبحانه: ﴿أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ﴾[المؤمنون، 105]
ويقول أيضاً: ﴿أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْمًا مُجْرِمِينَ﴾[الجاثية، 31]

فتأمل كيف ستنظم الحياة المستقبلية على أساس القرآن.. ولينظر كلٌ منا ما هو أساس حياته؟!



</b></i>



رقية مبارك بوداني غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-02-13, 03:10 PM   #3
رقية مبارك بوداني
|تواصي بالحق والصبر|
مسؤولة الأقسـام العامة
افتراضي


خاتمة

بعد هذه الجولات السريعة في عظمة كتاب الله، وأسرار التدبر المهيبة؛ يتساءل كثير من الناس عن طريقة التدبر؟ وهل هناك وصايا مختصرة حول الموضوع؟

الحقيقة أنني رأيت كثيراً من المتخصصين في التفسير كتبوا رسائل رائعة في تدبر القرآن وتلاوته ووسائله، مثل:
1- قواعد التدبر الأمثل للشيخ عبد الرحمن حبنكة الميداني رحمه الله.
2- تحزيب القرآن للشيخ د.عبد العزيز الحربي.
3- تعليم تدبر القرآن الكريم للدكتور هاشم الأهدل.
4- فن التدبر للشيخ د.عصام العويد.
5- والمراحل الثمان لطالب فهم القرآن لنفس المؤلف.
وغيرها من الكتب الطيبة في هذا المجال ولم أقصد الاستيعاب، بل مجرد ذكر نماذج .

ولكن دعنا نتذاكر عدداً من المعالم العامة في هذا الموضوع،فوجهة نظري أنه/

أولاً: وقبل كل شيء يجب على الإنسان أن يتضرع إلى الله ويدعوه ويلح عليه أن يجعله من أهل القرآن، وأن يفتح عليه في فهم كتابه، والعمل به، وأن يجعله ممن قال عنهم: ﴿يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ﴾[البقرة:121]، فإن الإنسان لا يفتح عليه في العبودية بمجرد الجهود الشخصية والتخطيط للانجاز، وإنما فتوحات العبودية من بركات اللجأ إلى الله، وكل أبواب الخير من العلم والديانة إنما هي من باب الاستعانة ولذلك أعقب الله العبادة في سورة الفاتحة التي هي أعظم سورة في القرآن والتي أمرنا الله أن نكررها عشرات المرات يومياً (وهذا يعني أن مضامينها موضوعة بعناية وليست اتفاقاً) في هذه السورة العظيمة أعقب الله العبادة بالاستعانة، فالاستعانة بوابة العبادة، كما سبقت الإشارة إليه .

وثانياً : يحتاج المسلم إلى وضع حزب يومي للتدبر، وهو ما يسمى بتحزيب القرآن، والأصل فيه أمر النبي صلى الله عليه وسلم كما في البخاري أنه قال لعبد الله بن عمرو:" اقرأ القرآن في شهر " قلت: إني أجد قوة حتى قال: " فاقرأه في سبع ولا تزد على ذلك"[البخاري:5054].

فجعل النبي صلى الله عليه وسلم النطاق الزمن لتحزيب القرآن بين (شهر- أسبوع) فلا يكون أكثر من شهر ولا أقل من أسبوع،وكان الصحابة لهم أحزاب وأوراد قرآنية يومية، وكان جمهور الصحابة يحزب القرآن في سبعة أيام، اليوم الأول ثلاث سور وهي البقرة وآل عمران والنساء، وفي اليوم الثاني السور الخمس التي تليها وهكذا،كما في السنن أن أوس بن حذيفة قال: (سألت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يحزبون القرآن؟
قالوا: ثلاث، وخمس، وسبع، وتسع، وإحدى عشرة، وثلاث عشرة، وحزب المفصل وحده)[أبو داود: 1395].

وتلاحظ في تحزيب الصحابة للقرآن أنهم يستعملون السور، وليس الأجزاء أو الصفحات، ولذلك يقول الإمام ابن تيمية: ( فالصحابة إنما كانوا يحزبونه سوراً تامة، لا يحزبون السورة الواحدة) [ الفتاوى : 13/408] .

ومن الرائع أن لا يُغلب الإنسان على ورده من التدبر مهما كانت الظروف، والورد اليومي من القرآن كما سمعت أحد الصالحين يقول: في اليوم الأول كالجبل وفي الثاني كنصف الجبل وفي الثالث كلا جبل وفي اليوم الرابع مثل الغذاء الذي تتألم لفقده.

وثالثاً: أن يكون الأصل هو التدبر الشخصي، والتفسير معين، لا العكس كما يفعل البعض، وخصوصاً لمن لديهم خلفية شرعية عامة تؤهلهم لفهم جماهير الآيات، والقرآن كما قسمه ابن عباس أربع مراتب (التفسير على أربعة أوجه: تفسير لا يعذر أحد بجهالته، وتفسير تعرفه العرب من كلامها وتفسير تعرفه العلماء، وتفسير لا يعلمه إلا الله) .. فأنت إذا استحضرت تقسيم ابن عباس العبقري عرفت أنه ليس كل القرآن يحتاج لتفسير .

فيقرأ الإنسان في المصاحف المهمشة بالتفاسير، ومنها:
التفسير الميسر الصادر عن مجمع الملك فهد، أو تفسير الجلالين، أو تفسير ابن سعدي، أو غيرها، فإذا أشكلت اللفظة أو المعنى الإجمالي راجع الهامش، لكنه يحاول هو أن يستكشف الدلالات العظيمة في هذا القرآن العظيم، فإذا لم يكن متأكدا من سلامة تدبره راجع كتب التفسير الموسعة.

وهذا الإمام العلامة أضخم مرجعية فقهية سنية معاصرة ابن عثيمين رحمه الله حي سئل عن طريقة طلب العلم وأولى العلوم بالعناية والاهتمام قال:
"نقول: ابدأ بالتفسير قبل كل شيء، لكن هذا لا يعني ألا تقرأ غيره، لكن ركز أولاً على علم التفسير..، فعليك بالتفسير، احرص عليه ما استطعت، وطريقة ذلك: أن تفكر أنت أولاً في معنى الآية، قبل أن تراجع الكتب، فإذا تقرر عندك شيء فارجع إلى الكتب، وذلك لأجل أن تمرن نفسك على معرفة معاني كتاب الله بنفسك، ثم إن الإنسان قد يفتح الله عليه من المعاني ما لا يجده في كتب التفسير، خصوصاً إذا ترعرع في العلم وبلغ مرتبة فيه فإنه قد يفتح له من خزائن هذا القرآن الكريم ما لم يجده في غيره" [الباب المفتوح، ل86]

فانظر إلى هذا الفقيه الإمام كيف يوصي طلابه بأن يقرؤوا الآيات ويستنبطوا منها ثم يراجعوا كتب التفسير، بل وكان يطبق ذلك عملياً فيعطيهم آيات ويطلب منهم أن يسهروا في الاستنباط منها ويأتون بها غداً .

ثم بعد ذلك يقرأ الإنسان في مطولات التفسير قراءة مستقلة، كتفسير الطبري وابن كثير وابن عطية ونحوها .

ورابعاً: من أجمل الأمور أن يضع الإنسان لأهل بيته برنامجا في التفسير فيقرأون ويتبارون في الاستنباط ثم يراجعون التفسيرات المختصرة، والأصل في ذلك قوله تعالى ﴿وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ﴾[الأحزاب : 34] .

فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يتلو على نسائه القرآن، وهذا له أثر لا يتصوره الكثيرون في تحبيب الأهل في القرآن والإقبال على الاستنباط منه، بل وستجد أهلك يصبحون دائمي التساؤل حول بعض استنباطاتهم للقرآن وهدايات آياته، وأهم من ذلك كله ستجد في أهلك قوة على الطاعة ونظرة مختلفة للدنيا وزخرفها، فهذا القرآن عجيب عجيب في تصحيح المفاهيم وتزكية النظرات والتصورات.

وخامساً: لا أعلم درساً شرعيا في كل علوم الإسلام أسسه النبي صلى الله عليه وسلم وأصّله نظريا بنفسه إلا تدارس القرآن، فكل دروس الشريعة نوع من الاجتهاد في تنظيم العلم إلا تدارس القرآن فهو منصوص كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في مسلم (ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده) [صحيح مسلم:2699].

هذا هو أعظم الدروس الشرعية التي يحبها الله، ولذلك ما أجمل أن يضع الإخوان لبعضهم برنامجا أسبوعيا يحضّر كل منهم من تفسير معين ثم يتدارسون معانيه، هذا البرنامج يزود المسلم بالطاقة الإيمانية والمنهجية التي تعينه على صعوبات الحياة .

والطرق متنوعة، والموضوع متشعب، والكتب المتخصصة كثيرة، والمقصر يخجل من مناصحة الآخرين، ولكنه التذاكر والتباحث في موضوع أخشى أننا لم نقدره قدره بعد.

ولقد تأملت سيرة الصحابة في سير أعلام النبلاء، وبعض طبقات ابن سعد، وبعض حلية أبي نعيم؛ فهالني والله ما رأيت من إقبالهم وتكثيف جهودهم في القرآن، وعلمت حينها ما الذي منح أولئك تلك المزية، بل انظر في أخبار أبي العباس ابن تيمية الذي كتب في التفسير رسائل كثيرة، كتفسير آيات أشكلت، وتفسير سورة الإخلاص، وجمع مطولات في تفسير السلف نسقاً على الآيات (أكثرها مفقود) وجلس سنة يفسر سورة نوح، ومع ذلك حين اعتقل المرة الأخيرة في قلعة دمشق وسحبت منه الكتب والأقلام أقبل على القرآن وقال:"قد فتح الله علي في هذه المرة من معاني القرآن ومن أصول العلم بأشياء كان كثير من العلماء يتمنونها وندمت على تضييع أكثر أوقاتي في غير معاني القرآن" [العقود الدرية:44].

هذا أبو العباس يندم على تضييع أكثر أوقاته في غير معاني القرآن، برغم أنه من أئمة التفسير أصلاً !
فماذا نقول نحن المقصرين مع كتاب الله.

اللهم اجعلنا من أهل القرآن، اللهم اجعل القرآن أنيسنا في ليلنا ونهارنا، اللهم شفع سورة تبارك فينا في قبورنا، اللهم اجعل البقرة وآل عمران غيايتان تحاجان لنا يوم القيامة، اللهم أحبنا بحبنا لسورة قل هو الله أحد، اللهم آمين، اللهم آمين..

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه .

</b></i>
رقية مبارك بوداني غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

(View-All Members who have read this thread in the last 30 days : 0
There are no names to display.

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
أيهما أولى حفظ القرآن أو طلب العلم الشرعي مسلمة لله روضة آداب طلب العلم 31 02-08-16 12:15 PM
[بحث] فوائد من فقه الصيام لبنى أحمد فقه الصيام 12 11-12-13 02:23 AM
نزول القرآن الكريم وتاريخه وما يتعلق به طـريق الشـروق روضة القرآن وعلومه 8 22-12-07 03:50 PM


الساعة الآن 07:26 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2025,Jelsoft Enterprises Ltd.
هذه المنتديات لا تتبع أي جماعة ولا حزب ولا تنظيم ولا جمعية ولا تمثل أحدا
هي لكل مسلم محب لدينه وأمته وهي على مذهب أهل السنة والجماعة ولن نقبل اي موضوع يثير الفتنة أو يخالف الشريعة
وكل رأي فيها يعبر عن وجهة نظر صاحبه فقط دون تحمل إدارة المنتدى أي مسؤلية تجاه مشاركات الأعضاء ،
غير أنَّا نسعى جاهدين إلى تصفية المنشور وجعله منضبطا بميزان الشرع المطهر .