العودة   ملتقى طالبات العلم > . ~ . أقسام العلوم الشرعية . ~ . > روضة التزكية وآداب الطلب > روضة التزكية والرقائق

الملاحظات


 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 26-12-12, 10:34 PM   #4
نفحات بنت محمد الصياد
|طالبة في المستوى الثاني1 |
افتراضي

المشهد الأول: قوله تعالى: (واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله)


أما المشهد الأول:
وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ [البقرة:281].
وأما المشهد الثاني:
ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ [البقرة:281].
أما المشهد الأول:
فذكَّرنا بيومٍ طالما نسيناه، وموقفٍ حقٍّ آمنا به وصدقناه، ذكَّرنا بيومٍ هو آخر الأيام، وذكَّرنا بيومٍ هو إما عذابٌ أو مسكٌ للختام، ذكَّرنا باليوم الآخر الذي تغصُّ فيه الحناجر، فلا يوم بعده، ولا يوم مثله، إنه اليوم العظيم، والموقف الجليل بين يدي العظيم الكريم.
وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ [البقرة:281]:

هي الآية التي أقضَّت مضاجع الصالحين،
كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ [الذاريات:17]،
فيا لله مِن أجساد إذا أوت إلى فراشها تذكرت يوم لقاء ربها، فقامت تتقلب بين يديه، تناجيه وتناديه، تسأله الرحمة إذا حلَّت بناديه.
وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ [البقرة:281]:
هذا اليوم العظيم الذي كتب الله عز وجل على كل صغيرٍ وكبير، وكل جليل وحقير أن يُقاد إليه عزيزاً أو ذليلاً، كريماً أو مهاناً، كتب الله عز وجل علينا أن نصير إلى ذلك اليوم المشهود، واللقاء الموعود.
ولكن قبل ذلك اليوم، وقبل ذلك المشهد العظيم: لحظةٌ ينتقل الإنسان فيها من دار الغرور إلى دار الشرور أو دار السرور، لحظةٌ من اللحظات التي يُكتب فيها للعبد أنه منتقل إلى ذلك اليوم، تلك اللحظة التي يُلقي الإنسان فيها آخر النظرات على الأبناء والبنات والإخوان والأخوات، يُلقي فيها آخر النظرات على هذه الدنيا، وتبدو على وجهه معالم السكرات، وتخرج من صميم قلبه الآهات والزفرات.
إنها اللحظة التي يؤمن فيها الكافر، ويوقن فيها الفاجر.
إنها اللحظة التي يعرف الإنسان فيها حقارة الدنيا.
إنها اللحظة التي يحس الإنسان فيها أنه فرَّط كثيراً في جنب الله.
إنها اللحظة التي يحس الإنسان فيها بالحسرة والألم على كل لحظة فرَّط فيها في جنب الله، ينادي: ربَّاه ربَّاه
، ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ [المؤمنون:99-100].
إنها اللحظة الحاسمة، والساعة القاصمة التي يدنو فيها رسول الله -أعني: ملك الموت- لكي ينادي، فيا ليت شعري هل ينادى نداء النعيم أو نداء الجحيم؟! ويا ليت شعـري هـل يقـال: يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً [الفجر:27-28].
أو يقال: (يا أيتها النفس الخبيثة! اخرجي إلى سخطٍ من الله وغضب)؟! ويا ليت شعري كيف تكون الخواتم؟! ويا ليت شعري من تلك الساعة التي أقضَّت مضاجع الصالحين؟ رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ [آل عمران:193]، وفي لحظةٍ واحدة أسلمت الروح إلى بارئها، وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ [القيامة:29-30]؟!
هناك يحس العبد بدارٍ غريبة، ومنازل رهيبة عجيبة! فلا إله إلا الله! في لحظة واحدة ينتقل العبد من دار الهوان إلى دار النعيم المقيم! ولا إله إلا الله! في لحظة واحدة ينتقل من ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة! وفي لحظة واحدة ينتقل من جوار الأشرار إلى جوار الواحد القهار! وفي لحظة واحدة طويت صفحاتُ الغرور، وبدا للعبد هولُ البعث والنشور! ولا إله إلا الله! مضت الملهيات والمغريات، وبقيت التَّبِعات! ولا إله إلا الله! من ساعةٍ تُطْوَى فيها صحيفتك، إما على الحسنات أو على السيئات، فتتمنى حسنة تزاد في الأعمال، أو حسنة تزاد في الأقوال، تتمنى صلاح الأقوال والأفعال! رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ [المنافقون:10]، فتحس بقلبٍ متقطعٍ من الألم، تحس بالشعور والندم؛ أن الأيام انتهت، وأن الدنيا قد انقضت؛ لكي تستقبل عالم الجد أمام عينيك، وتُرْهَن بما قلتَه وفعلتَه بين يديك، هناك حيث يُسْلِم الإنسان روحَه لبارئها، وينتقل إلى الآخرة بما فيها، وفي لحظةٍ واحدة أصبح العبد كأن لم يكن شيئاً مذكوراً، طُوِيت الصفحات، وصرتَ في عداد الأموات، تذكرُ كأن لم تكن في الدنيا، كأن عينك لم ترَ، وكأن أذنك لم تسمع، وكأن الأرض لم تَضْرِب عليها الخُطى! ولا إله إلا الله! من ساعةٍ نزلتَ فيها أول مراحل الآخرة! ولا إله إلا الله! إذ صرتَ في عداد تلك السفينة الماخرة، واستقبلت الحياة الجديدة، فإما عيشة سعيدة أو عيشة نكيدة، ونزلت في عداد أولئك الغرباء بين الأجداث والبلاء، هناك حيث تُفْسح القبور لأهلها، ويَزداد السرور على من حل بها، هناك حيث تنسى نعيم الدنيا مع النعيم المقيم، هناك حيث تنال من الله البركات والرحمات والتكريم! فيا ليت شعري ما حال أهل القبور! كم من قبورٍ في كهوفٍ مظلمة، وفي أماكن موحشة ملئت أنواراً وسروراً على أهلها! ولا إله إلا الله! كم من قبورٍ حولها الأنوار مضيئة، والناس يسرحون ويمرحون، وفيها الجحيم والعذاب المقيم.
ولا إله إلا الله! من دارٍ تقارَب سكانها، وتفاوَت عُمَّارها، فقبرٌ يتقلب في النعيم والرضوان العظيم من الرحيم الحليم الكريم، وقبرٌ في دركات الجحيم والعذاب المقيم، ينادي ولا مجيب، ويستعطف ولا مستجيب، انقطعت الأيام بما فيها، وعاين الإنسان ما كان يقترفه فيها!
وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ [البقرة:281]، يـا أمـة محـمـد، وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ [البقرة:281]، يوماً لا يغني فيه والد ولا مولود، إنه اليوم المشهود، واللقاء الموعود.
فاللهم يا سامع الدعوات، ويا من تُحْيِي الأموات بعد الرفات، نسألك أن تجعل أسعد اللحظات وأعزها: لحظة المصير إليك.
اللهم اذكرنا فيها برحمتك، وعُمَّنا فيها بمغفرتك، إنك على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير.

نفحات بنت محمد الصياد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

(View-All Members who have read this thread in the last 30 days : 0
There are no names to display.

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
هديتي لكم : الأربعين النووية مع شروحها والإستماع لها :) تواقة الى الجنة روضة السنة وعلومها 4 18-03-07 05:05 AM


الساعة الآن 09:38 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2025,Jelsoft Enterprises Ltd.
هذه المنتديات لا تتبع أي جماعة ولا حزب ولا تنظيم ولا جمعية ولا تمثل أحدا
هي لكل مسلم محب لدينه وأمته وهي على مذهب أهل السنة والجماعة ولن نقبل اي موضوع يثير الفتنة أو يخالف الشريعة
وكل رأي فيها يعبر عن وجهة نظر صاحبه فقط دون تحمل إدارة المنتدى أي مسؤلية تجاه مشاركات الأعضاء ،
غير أنَّا نسعى جاهدين إلى تصفية المنشور وجعله منضبطا بميزان الشرع المطهر .