العودة   ملتقى طالبات العلم > . ~ . أقسام العلوم الشرعية . ~ . > روضة العلوم الشرعية العامة > روضة القرآن وعلومه

الملاحظات


إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 11-01-12, 02:48 AM   #1
رقية مبارك بوداني
|تواصي بالحق والصبر|
مسؤولة الأقسـام العامة
افتراضي تأملات في قوله - تعالى -: ﴿ إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ ﴾

تأملات في قوله - تعالى -: ﴿ إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

وبعد:
فإن الله أنزل هذا القرآنَ العظيم لتدبُّره والعمل به، فقال - سبحانه -: ﴿ أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾ [محمد: 24]، وعملاً بهذه الآية الكريمة؛ لنستمع إلى آية من كتاب الله ونتدبَّر ما فيها من العظات والعِبر.

قال - تعالى -: ﴿ إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ ﴾ [الحجر: 95]، قال الشيخ عبدالرحمن بن سعدي - رحمه الله -: أي: بك وبما جئت به، وهذا وعدٌ من الله لرسوله أن لا يضره المستهزئون، وأن يكفيَه الله إياهم بما شاء من أنواع العقوبة، وقد فعل - تعالى - فإنه ما تظاهَرَ أحدٌ بالاستهزاء برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبما جاء به، إلا أهلكه الله وقتله شر قتلة[1]، قال - تعالى -: ﴿ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [البقرة: 137]، والأمثلة على ذلك من السنة كثيرة.

روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - قال:
بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائمٌ يصلي عند الكعبة، وجمع قريش في مجالسهم، إذ قال قائل منهم: ألا تنظرون إلى هذا المرائي؟ أيكم يقوم إلى جَزورِ آل فلان، فيعمد إلى فرثها[2] ودمها وسلاها[3] فيجيء به، ثم يمهله حتى إذا سجد وضَعَه بين كتفيه؟ فانبعث أشقاهم[4]، فلما سجد رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وضعه بين كتفيه، وثَبَتَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ساجدًا، فضحكوا حتى مال بعضهم إلى بعض من الضحك، فانطلق منطلقٌ إلى فاطمةَ - رضي الله عنها - وهي جويرية، فأقبلتْ تسعى، وثبت النبي - صلى الله عليه وسلم - ساجدًا حتى ألقتْه عنه، وأقبلتْ عليهم تسبُّهم، فلما قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصلاة، قال: ((اللهم عليك بقريش، اللهم عليك بقريش، اللهم عليك بقريش))، ثم سمى: ((اللهم عليك بعمرو بن هشام، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، وأمية بن خلف، وعقبة بن أبي معيط، وعمارة بن الوليد))، قال عبدالله: فوالله لقد رأيتهم صرعى يوم بدر، ثم سُحبوا إلى القليب - قليب بدر - ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((وأتبع أصحاب القليب لعنةً))[5] [6].
وفي رواية: فشقَّ عليهم؛ إذ دعا عليهم، قال: وكانوا يرَون أن الدعوة في ذلك البلد مستجابة[7].

وكان من أشدِّ الكفار عداوةً لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلانِ: أحدهما يقال له: عقبة بن أبي معيط، والآخر يقال له: النضر بن الحارث.

قال ابن كثير - رحمه الله -:
هذان الرجلانِ من شرِّ عباد الله، وأكثرهم كفرًا وعنادًا وبغيًا وحسدًا وهجاءً للإسلام وأهله - لعنهما الله وقد فعل[8].

وأذكر بعضًا من مواقفِ هذين الرجلين، التي تدلُّ على حقدهما وبغضهما للنبي - صلى الله عليه وسلم - وللإسلام وأهله، روى البخاري في صحيحه من حديث عروة بن الزبير، قال: سألتُ عبدَالله بن عمرو عن أشدِّ ما صنع المشركون برسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: رأيتُ عقبة بن أبي معيط جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلي، فوضع رداءه في عنقه، فخنقه به خنقًا شديدًا، فجاء أبو بكر حتى دفعه عنه، فقال: "أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم؟!"[9].

وتقدَّم أن عقبة بن أبي معيط هو الذي وضع سَلا الجزور على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو ساجد.

أما النضر بن الحارث، فقد قال عنه ابن إسحاق: كان من شياطين قريش، وممن كان يؤذي رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - وينصب له العداوة، وكان قد قدم الحيرة، وتعلَّم بها أحاديث ملوك الفرس، وأحاديث رستم واسفنديار، فكان إذا جلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مجلسًا، فذكَّر فيه بالله، وحذَّر قومَه ما أصاب مَن قبلهم من الأمم من نقمة الله، خلَفه في مجلسه إذا قام، ثم قال: أنا واللهِ يا معشر قريش أحسن حديثًا منه، فهلمَّ إليَّ، فأنا أحدثكم أحسن من حديثه، ثم يحدِّثهم عن ملوك فارس ورستم واسفنديار[10]، ثم يقول: بماذا محمد أحسن حديثًا مني؟ قال ابن هشام: وهو الذي قال فيما بلغني: سأُنزل مثل ما أَنزل الله، قال ابن إسحاق: وكان ابن عباس يقول فيما بلغني: نزل فيه ثماني آيات من القرآن: قول الله - عز وجل -: ﴿ إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ﴾ [القلم: 15]، وكل ما ذكر فيه من الأساطير من القرآن[11].

وكان هذا الرجل حامِلَ لواء المشركين في غزوة بدر، وقد أُسر هذان الرجلان - عقبة بن أبي معيط، والنضر بن الحارث - في غزوة بدر، وجيء بهما مع الأسرى، وفي مكانٍ يقال له: الأُثَيْل[12] أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بضرب عنق النضر بن الحارث، فقتله عليُّ بن أبي طالب ضربًا بالسيف، وأرغم الله أنف هذا الكافر وأذلَّه، قال - تعالى -: ﴿ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [المنافقون: 8].

وأما عقبة بن أبي معيط، فقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بضرب عنقه في مكانٍ يقال له: عِرْق الظُّبْيَة[13]، وكان الذي أسره من المسلمين عبدالله بن سلمة، فقال عقبة حين أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقتله: فمَن للصبية يا محمد؟ يستعطف النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فقال - عليه الصلاة والسلام -: ((النَّارُ))، وكان الذي قتله عاصم بن ثابت[14].

وفي رواية الواقدي: أنه لما أقبل عاصم بن ثابت ليقتله، قال: يا معشر قريش، علامَ أُقتل مِن بين مَن ها هنا؟ قال: لعداوتك لله ولرسوله، فأمر به فضُربتْ عنقه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((بئس الرجلُ كنتَ، والله ما علمتُ كافرًا بالله وبرسوله وبكتابه مؤذيًا لنبيِّه، فأحمد الله الذي هو قتلك، وأقرَّ عيني منك))[15].

والأمثلة كثيرة فيمن عاداه وآذاه - عليه الصلاة والسلام - وكيف كانت نهايته في الدنيا قبل الآخرة، قال - تعالى -: ﴿ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ ﴾ [الكوثر: 3]، وقال - تعالى -: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا ﴾ [الأحزاب: 57].

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبيِّنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
[1] "تفسير ابن سعدي" ص 95.

[2] هو بقايا الطعام في الكرش.

[3] السلا: هو الجلد الرقيق الذي يخرج فيه الولد من بطن أمه ملفوفًا فيه، ويسمَّى المشيمة.

[4] جاء في رواية أخرى: أنه عقبة بن أبي معيط.

[5] ص 119، برقم 520، و"صحيح مسلم" ص 746 برقم، 1794.

[6] قليب بدر: بئر مهجورة، والمسافة الآن بين بدر والمدينة 153 كيلو متر؛ "غزوة بدر الكبرى" للأستاذ محمد باشميل.

[7] "صحيح البخاري" ص 69، برقم 240.

[8] "البداية والنهاية" (5/189).

[9] ص 702، برقم 3678.

[10] هما حكيمان من حكماء الفرس.

[11] "السيرة النبوية" (1/326).

[12] الأثيل: موضع بين بدر والصفراء؛ "وفاء الوفا" (2/242)، قال الواقدي: الأثيل وادٍ طوله ثلاثة أميال، بينه وبين بدر ميلان؛ "مغازي الواقدي" (1/113).

[13] مكان دون الروحاء بميلين؛ "وفاء الوفا" (4/1009/1259).

[14] "السيرة النبوية" (2/236) وأخرجه ابن جرير (2/38)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (6/323). وأخرجه أبو داود ص 303، حديث رقم 2686، وصححه الألباني - رحمه الله - في "صحيح سنن أبي داود" برقم 2336.

[15] "مغازي الواقدي" (1/114).






توقيع رقية مبارك بوداني

الحمد لله أن رزقتني عمرة هذا العام ،فاللهم ارزقني حجة ، اللهم لا تحرمني فضلك ، وارزقني من حيث لا أحتسب ..


رقية مبارك بوداني غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

(View-All Members who have read this thread in the last 30 days : 0
There are no names to display.

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
- ° الاستغفار القرآني ° - بُشريات روضة القرآن وعلومه 1 25-07-14 01:42 PM


الساعة الآن 09:40 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024,Jelsoft Enterprises Ltd.
هذه المنتديات لا تتبع أي جماعة ولا حزب ولا تنظيم ولا جمعية ولا تمثل أحدا
هي لكل مسلم محب لدينه وأمته وهي على مذهب أهل السنة والجماعة ولن نقبل اي موضوع يثير الفتنة أو يخالف الشريعة
وكل رأي فيها يعبر عن وجهة نظر صاحبه فقط دون تحمل إدارة المنتدى أي مسؤلية تجاه مشاركات الأعضاء ،
غير أنَّا نسعى جاهدين إلى تصفية المنشور وجعله منضبطا بميزان الشرع المطهر .