العودة   ملتقى طالبات العلم > ๑¤๑ أرشيف الدروات العلمية ๑¤๑ > دورات بين دفتي كتاب (انتهت)

الملاحظات


دورات بين دفتي كتاب (انتهت) بَيْنَ دِفَّتَي كِتَابٍ مشروع علمي في قراءة كتاب مختار

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 20-07-07, 02:26 PM   #1
أمة الخبير
جُهدٌ لا يُنسى
افتراضي

*
*
*


الحصة السابعة

20/07/2007




فصل



الذين اعتمدوا على عفو الله فضيعوا أمره ونهيه :

وكثير من الجهال اعتمدوا على رحمة الله وعفوه وكرمه ، فضيعوا أمره ونهيه ، ونسوا أنه شديد العقاب ، وأنه لا يرد بأسه عن القوم المجرمين ، ومن اعتمد على العفو مع الاصرار على الذنب فهو كالمعاند .

قال معروف : رجاؤك لرحمة من لا تطيعه من الخذلان والحمق .

وقال بعض العلماء : من قطع عضواً منكم في الدنيا بسرقة ثلاثة دراهم ، لا تأمن أن تكون عقوبته في الآخرة نحو هذا .

وقيل للحسن : أراك طويل البكاء ؟ فقال : أخاف أن يطرحني في النار ولا يبالي .

وكان يقول : إن قوما ألهتهم أماني المغفرة حتى خرجوا من الدنيا بغير توبة يقول أحدهم : لأني أحسن الظن بربي ، وكذب ، لو أحسن الظن لأحسن العمل .

وسأل رجل الحسن فقال : يا أبا سعيد ، كيف نصنع بمجالسة أقوام يخوفوننا حتى تكاد قلوبنا تطير ؟ فقال : والله ، لأن تصحب أقواما يخوفونك حتى تدرك أمنا ، خير لك من أن تصحب أقواما يؤمنونك حتى تلحقك المخاوف .



وقد ثبت في ’’الصحيحين’’ من حديث أسامة بن زيد قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : {{ يجاء بالرجل يوم القيامة ، فيلقى في النار فتندلق اقتاب بطنه فيدور في النار كما برحاه ، فيطوف به أهل النار ، فيقولون : يا فلان ، ما أصابك ؟ ألم تكن تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟ فيقول : كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه ، وأنهاكم عن المنكر وآتيه }} .

وذكر الامام أحمد من حديث أبي رافع قال : مر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالبقيع فقال : {{ ‘‘أف لك‘‘ ، فظننت أنه يريدني ، قال : ‘‘لا‘‘ ، ولكن هذا قبر فلان ، بعثته ساعيا الى آل فلان ، فغل نمرة ، فدرِّع الآن مثلها من نار }} .

وفي ’’مسنده’’ أيضا من حديث أنس بن مالك ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : {{مررت ليلة أسري بي على قوم تقرض شفاههم بمقاريض من نار ، فقلت : من هؤلاء ؟ قالوا : خطباء من أمتك من أهل الدنيا ، كانوا يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم }} .

وفيه أيضا من حديثه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : {{ لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون بها وجوههم وصدورهم فقلت : من هؤلاء يا جبريل ؟ فقال : هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ، ويقعون في أعراضهم }} .

وفيه أيضا عنه قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكثر أن يقول : {{ يا مقلب القلوب والابصار ، ثبت قلبي على دينك }} فقلنا يا رسول الله آمنا بك وبما جئت به ، فهل تخاف علينا ؟ قال : {{ نعم ، إن القلوب بين أصبعين من أصابع الله يقلبها كيف يشاء }} .

وفيه أيضا عنه ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لجبريل : {{ مالي لم أر ميكائيل ضاحكا قط ؟ قال : ما ضحك منذ خلقت النار }} .

وفي ’’صحيح مسلم’’ عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : {{ يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار ، فيصبغ في النار صبغة ، ثم يقال له : يابن آدم هل رأيت خيرا قط ؟ هل مرّ بك نعيم قط ؟ فيقول : لا ، والله يارب ، ويؤتي باشد الناس بؤسا في الدنيا من أهل الجنة ، فيصبح في الجنة صبغة ، فيقال له : يابن آدم هل رأيت بؤسا قط ؟ هل مرّ بك شدة قط ؟ فيقول : لا ، والله يارب ، ما مرّ بي بؤس قط ولا رأيت شدة قط }} .


وفي ’’المسند’’ من حديث البراء بن عازب قال : خرجنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في جنازة رجل من الانصار ، فانتهينا الى القبر ، ولما يلحد ، فجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجلسنا حوله كأن على رؤسنا الطير ، وفي يده عود ينكت به في الارض ، فرفع رأسه فقال : {{ استعيذوا بالله من عذاب القبر -مرتين أو ثلثا-
ثم قال : إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا ، وإقبال من الآخرة ، نزل إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس ، معهم كفن من أكفان أهل الجنة ، وحنوط من حنوط الجنة ، حتى يجلسوا منه مد البصر ..
ثم يجىء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول : أخرجي أيتها النفس المطمئنة ، أخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان ، فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من فيِّ السقاء فيأخذها ، فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يأخذوها ، فيجعلوها في ذلك الكفن ، وفي ذلك الحنوط ، ويخرج منها كأطيب نفخة مسك وجدت على وجه الارض ،
فيصعدون بها ، فلايمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا : ماهذه الروح الطيبة ،
فيقولون : روح فلان بن فلان ، بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا ، فيستفتحون له فيفتح له ، فيشيعه من كل سماء مقربها إلى السماء التي تليها ، حتى ينتهوا به إلى السماء السابعة ،
فيقول الله عز وجل : أكتبوا كتاب عبدي في عليين ، وأعيدوه الى الارض ، فإني منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى .
فقال : فتعاد روحه إلى الأرض ، فيأتيه ملكان ، فيجلسانه فيقولان له : من ربك ؟
فيقول : ربي الله عز وجل ،
فيقولان له : ما دينك ؟
فيقول : ديني الاسلام ،
فيقولان له : ما هذا الرجل الذي بعث فيكم ؟
فيقول : هو محمد رسول الله ،
فيقولان له : وما علمك ؟
فيقول : قرأت كتاب الله عز وجل ، فآمنت به وصدقت ،
فينادي مناد من السماء : أن صدق عبدي ، فافرشوا له من الجنة ، وألبسوه من الجنة ، وأفتحوا له بابا إلى الجنة ،
قال : فيأتيه من روحها وطيبها ، ويفسح له في قبره مد بصره .

قال : ويأتيه رجل حسن الوجه ، حسن الثياب ، طيب الريح ، فيقول : أبشر بالذي يسرك ، هذا يومك الذي كنت توعد ، فيقول : من أنت فوجهك الوجه الذي يجيء بالخير؟ فيقول : أنا عملك الصالح ، فيقول : رب أقم الساعة رب أقم الساعة ، حتي أرجع الي أهلي ومالي .

*
*





توقيع أمة الخبير
*
*
*


إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله

*
*
*


أمة الخبير غير متواجد حالياً  
قديم 22-07-07, 06:03 PM   #2
أمة الخبير
جُهدٌ لا يُنسى
افتراضي

*
*
*



الحصة الثامنة

السبت 21/07/2007




قال : وإن العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا ، وإقبال من الآخرة نزل إليه ملائكة من السماء سود الوجوه ، معهم المسوح ، فيجلسون منه مد البصر ، ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول : أيتها النفس الخبيثة ، أخرجي إلى سخط من الله وغضب . قال : فتفرق في جسده فينتزعها ، كما ينزع السفود من الصوف المبتل ، فيأخذها ، فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين ، حتى يجعلوها في تلك المسوح ، ويخرج منها كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الأرض فيصعدون بها فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا : ما هذه الروح الخبيثة ؟ فيقولون : فلان بن فلان ، بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا ، فيستفتح فلا يفتح له ، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : {{ لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط }} الأعراف40. فيقول الله عز وجل : أكتبوا كتابه في سجين ، في الأرض السفلى ، فتطرح روحه طرحا ، ثم قرأ : {{ ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق }}الحج31.

فتعاد روحه في جسده ، ويأتيه ملكان فيجلسانه ، فيقولان له من ربك ؟ فيقول هاه هاه ، لا أدري . فيقولان له : ما دينك ؟ فيقول هاه هاه ، لا أدري . فيقولان له : ما هذا الرجل الذي بعث فيكم ؟ فيقول : هاه هاه ، لا أدري . فينادي مناد من السماء : أن كذب عبدي ، فافرشوا له من النار ، وافتحوا له بابا إلى النار ، فيأتيه من حرها وسمومها ، ويضيق عليه قبره ، حتى تختلف فيه أضلاعه ، ويأتيه رجل قبيح الرجل قبيح الثياب منتن الريح ، فيقول : أبشر بالذي يسوؤك ، هذا يومك الذي كنت توعد . فيقول : من أنت ؟ فوجهك الوجه الذي يجيء بالشر ، فيقول : أنا عملك الخبيث ، فيقول : رب لا تقم الساعة }} .

وفي لفظ لأحمد أيضا : ثم يقبض له أعمى أصم أبكم ، في يده مرزبة لو ضرب بها جبلا كان ترابا ، فيضربه ضربة فيصير ترابا ، ثم يعيده الله عز وجل كما كان ، فيضربه ضربة أخرى ، فيصيح صيحة يسمعها كل شيء إلا الثقلين . قال البراء : ثم يفتح له باب إلى النار ، ويمهد له من فراش النار .


وفي ’’المسند’’ أيضا عنه قال : بينما نحن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ بصر بجماعة فقال : علام اجتمع هؤلاء ؟ قيل : على قبر يحفرونه ، ففزع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبدر بين يدي أصحابه مسرعا ، حتى انتهى إلى القبر فجثا على ركبتيه ، فاستقبلته بين يديه لأنظر ما يصنع ، فبكى حتى بل الثرى من دموعه ، ثم أقبل علينا فقال : {{ أي إخواني لمثل هذا اليوم فأعدوا }}


وفي ’’المسند’’ من حديث بريدة قال : خرج إلينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوما فنادى ثلاث مرات : {{ يا أيها الناس أتدرون ما مثلى ومثلكم ؟ فقالوا : الله ورسوله أعلم ، فقال : إنما مثلي ومثلكم مثل قوم خافوا عدواً يأتيهم فبعثوا رجلا يتراءى لهم ، فأبصر العدو فأقبل لينذرهم ، وخشي أن يدركه العدو قبل أن ينذر قومه ، فأهوى بثوبه : أيها الناس أتيتم ، أيها الناس أتيتم ، ثلاث مرات }}.


وفي ’’صحيح مسلم’’ من حديث جابر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : {{ كل ما أسكر حرام ، وإن على الله عز وجل عهدا لمن شرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال }} قيل : وما طينة الخبال ؟ قال :{{ عرق أهل النار أو عصارة أهل النار}}.



*
*

التعديل الأخير تم بواسطة أمة الخبير ; 22-07-07 الساعة 06:08 PM
أمة الخبير غير متواجد حالياً  
قديم 22-07-07, 06:14 PM   #3
أمة الخبير
جُهدٌ لا يُنسى
افتراضي

*
*
*



الحصة التاسعة

الأحد 22/07/2007




وفي ’’المسند’’ أيضا من حديث أبي ذر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :{{إني أرى ما لا ترون وأسمع مالا تسمعون أطَّت السماء وحق لها أن تئط ، ما فيها موضع أربع أصابع إلا وعليه ملك ساجد لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا وما تلذذتم بالنساء في الفرش ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله تعالى }} قال أبو ذر : والله لوددت أني شجرة تُعْضَدُ .



وفي ’’المسند’’ أيضا من حديث حذيفة قال : كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جنازة ، فلما انتهينا إلى القبر قعد على ساقيه ، فجعل يردد بصره فيه ، ثم قال : {{ يضغط المؤمن فيه ضغطة تزول منها حمائله ، ويملأ على الكافر نارا }} والحمائل : عروق الأنثيين .



وفي ’’المسند’’ أيضا من حديث جابر قال : خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى سعد بن معاذ حين توفي ، فلما صلى عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ووضع في قبره ، وسوِّي عليه سبَّح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسبحنا طويلا ، ثم كبر فكبرنا ، فقيل : يا رسول الله ، لم سبحت ، ثم كبرت ؟ فقال : {{ لقد تضايق على هذا العبد الصالح قبره حتى فرج الله عنه }} .



وفي ’’صحيح البخاري’’ من حديث أبي سعيد ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : {{ إذا وضعت الجنازة واحتملها الرجال على أعناقهم ، فإن كانت صالحة قالت : قدموني قدموني ، وإن كانت غير صالحة قالت : ياويلها ، أين تذهبون بها ؟ يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان ، ولو سمعها الإنسان لصعق }} .



وفي ’’مسند الإمام أحمد’’ من حديث أبي أمامة ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : {{ تدنو الشمس يوم القيامة على قدر ميل ، ويزاد في حرِّها كذا وكذا ، تغلي منها الرءوس كما تغلي القدور ، يعرقون فيها على قدر خطاياهم ، منهم من يبلغ إلى كعبه ، ومنهم من يبلغ إلى ساقيه ، ومنهم من يبلغ إلى وسطه ، ومنهم من يلجمه العرق }}



وفيه عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : {{ كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن ؟ وحنى جبهته يستمع متى يؤمر ، فينفخ }} فقال أصحابه : كيف نقول ؟ قال : {{ قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل ، على الله توكلنا }} .



وفي ’’المسند’’ أيضا عن ابن عمر يرفعه : {{من تعظم في نفسه ، أو اختال في مشيته ، لقي الله وهو عليه غضبان }} .



وفي ’’الصحيحين’’ عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : {{إن المصورين يعذبون يوم القيامة ، ويقال لهم أحيوا ما خلقتم }} .


وفيه أيضا عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : {{ إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي ، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة ، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار ، فيقال : هذا مقعدك حتى يبعثك الله عز وجل يوم القيامة }} .



وفيهما أيضا عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : {{ إذا صار أهل الجنة في الجنة ، وأهل النار في النار ، جيء بالموت حتى يوقف بين الجنة والنار ، ثم يذبح ، ثم ينادي مناد : يا أهل الجنة خلود فلا موت ، ويا أهل النار خلود فلا موت ، فيزداد أهل الجنة فرحا إلى فرحهم ، ويزداد أهل النار حزنا إلى حزنهم }} .


*
*
أمة الخبير غير متواجد حالياً  
قديم 23-07-07, 03:35 PM   #4
أمة الخبير
جُهدٌ لا يُنسى
افتراضي

*
*
*


الحصة العاشرة

الإثنين 23/07/2007


وفي ’’المسند’’ عنه قال : {{ من اشترى ثوبا بعشرة دراهم فيها درهم حرام لم يقبل الله له صلاة مادام عليه }} ثم أدخل إصبعيه في أذنيه ثم قال : {{صمتا إن لم أكن سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم – يقوله }} .

وفيه عن عبد الله بن عمرو عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : {{ من ترك الصلاة سكراً مرة واحدة فكأنما كانت له الدنيا وما عليها فسلبها ، ومن ترك الصلاة سكرا أربع مرات كان حقا على الله أن يسقيه من طينة الخبال }} قيل : وما طينة الخبال يا رسول الله ؟ قال : {{عصارة أهل جهنم }}.

وفيه أيضا عنه مرفوعا : {{ من شرب الخمر شربة لم تقبل له صلاة أربعين صباحا ، فإن تاب تاب الله عليه ، فإن عاد لم يقبل الله له صلاة أربعين صباحا ، فإن تاب تاب الله عليه }} فلا أدري في الثالثة أو في الرابعة ، قال : {{ فإن عاد كان حقا على الله أن يسقيه من ردغة الخبال يوم القيامة }} .

وفي ’’المسند’’ أيضا من حديث أبي موسى قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : {{ من مات مدمناً للخمر سقاه الله من نهر الغوطة }} قيل : وما نهر الغوطة ؟ قال : {{نهر يجري من فروج المومسات ، يؤذي أهل النار ريح فروجهن }} .

وفيه أيضا عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : {{يعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات ، فأما عرضتان فجدال ومعاذير ، وأما الثالثة فعند ذلك تطير الصحف في الأيدي ، فآخذ بيمينه ، أو آخذ بشماله }} .

وفي ’’المسند’’ أيضا من حديث بن مسعود أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : {{ إياكم ومحقرات الذنوب ، فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه }} وضرب لهن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثلا ، كمثل قوم نزلوا أرض فلاة فحضر صنيع القوم ، فجعل الرجل ينطلق فيجيء بالعود ، والرجل يجيء بالعود ، حتى جمعوا سوادا وأججوا نارا ، فأنضجوا ما قذفوا فيها.

وفي ’’الصحيح’’ من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : {{ يضرب الجسر على جهنم ، فأكون أول من يجوز ، ودعوى الرسل يومئذ : اللهم سلم سلم ، وعلى حافتيه كلاليب مثل شوك السعدان ، تخطف الناس بأعمالهم ، فمنهم الموثق بعمله ، ومنهم المجردل ثم ينجو ، حتى إذا فرغ الله من القضاء بين العباد وأراد أن يخرج من النار من أراد أن يرحم ممن كان يشهد أن لا إله إلا الله ، أمر الملائكة أن يخرجوه ، فيعرفونهم بعلامة آثار السجود وحرم الله على النار أن تأكل من ابن آدم أثر السجود ، فيخرجونهم وقد امتحشوا فيصب عليهم من ماء ، يقال له ماء الحياة ، فينبتون نبات الحبة في حميل السيل }} .

وفي ’’صحيح مسلم’’ عنه قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : إن أول الناس يقضى فيه يوم القيامة ثلاثة : رجل استشهد ، فأتى به فعرفه نعمه فعرفها ،
فقال : ما عملت فيها ؟
قال : قاتلت فيك حتى قتلت .
قال : كذبت ، ولكن قاتلت ليقال : هو جريء ، فقد قيل ، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار ، ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن فأتى به فعرفه نعمه فعرفها
فقال : ما عملت فيها ؟
قال : تعلمت فيك العلم وعلمته ، وقرأت فيك القرآن ،
فقال : كذبت ، ولكنك تعلمت ليقال : هو عالم ، فقد قيل . وقرأت القرآن ليقال : هو قارئ ، فقد قيل .
ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار – وفي لفظ – فهؤلاء أول خلق الله تسعر بهم النار يوم القيامة .

وسمعت شيخ الإسلام يقول : كما أن خير الناس الأنبياء فشر الناس من تشبه بهم يوهم أنه منهم وليس منهم ، فخير الناس بعدهم : العلماء ، والشهداء ، والصديقون والمخلصون ، وشر الناس من تشبه بهم يوهم أنه منهم وليس منهم .


*
*
أمة الخبير غير متواجد حالياً  
قديم 24-07-07, 02:42 PM   #5
أمة الخبير
جُهدٌ لا يُنسى
افتراضي

*
*
*




الحصة الحادي عشرة

الثلاثاء 24/07/2007





في ’’صحيح البخاري’’ من حديث أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : {{ من كانت عنده لأخيه مظلمة في مال أو عرض فليأته ، فليستحلها منه قبل أن يؤخذ وليس عنده دينار ولا درهم ، فإن كانت له حسنات أخذ من حسناته فأعطيها هذا ، وإلا أخذ من سيئات هذا فطرحت عليه ثم طرح في النار }}.


وفي ’’الصحيح’’ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال : {{من أخذ شبراً من الأرض بغير حقه خسف به يوم القيامة إلى سبع أرضين}}.


وفي ’’الصحيحين’’ عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : {{ناركم هذه التي يوقد بنو آدم جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم }} قالوا : والله إن كانت لكافية ، قال : {{ فإنها قد فضلت عليها بتسعة وستين جزءا كلهن مثل حرها }} .


وفي ’’المسند’’ عن معاذ قال : أوصاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : {{لا تشرك بالله شيئا ، وإن قتلت أو حرِّقت ، ولا تعقن والديك ، وإن أمراك أن تخرج من مالك وأهلك ، ولا تتركن صلاة مكتوبة متعمدا ،فإن من ترك صلاة مكتوبة متعمدا فقد برئت منه ذمة الله ، ولا تشربن خمرا ، فإنه رأس كل فاحشة ، وإياك والمعصية ، فإن المعصية تحل سخط الله }} .


والأحاديث في هذا الباب أضعاف أضعاف ما ذكرنا ، فلا ينبغي لمن نصح نفسه أن يتعامى عنها ، ويرسل نفسه في المعاصي ، ويتعلق بحسن الرجاء وحسن الظن .


قال أبو الوفاء بن عقيل : أحذره ولا تغتر به ، فإنه قطع اليد في ثلاثة دراهم ، وجلد الحد في مثل رأس الإبرة من الخمر ، وقد دخلت المرأة النار في هرة ، واشتعلت الشملة نارا على من غلها وقد قتل شهيدا .


وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن سليمان بن ميسرة عن طارق بن شهاب يرفعه قال : {{دخل رجل الجنة في ذباب ، ودخل رجل النار في ذباب }} قالوا : وكيف ذلك يا رسول الله ؟ قال : {{مرّ رجلان على قوم لهم صنم لا يجوزه أحد حتى يقرب له شيئا ، فقالوا لأحدهما : قرب . قال : ليس عندي شيء . قالوا : قرب ولو ذبابا ، فقرب ذبابا فخلو سبيله فدخل النار ، وقالوا للآخر : قرب . فقال : ما كنت لأقرب لأحد شيئا دون الله عز وجل ، فضربوا عنقه فدخل الجنة ، وهذه الكلمة الواحدة يتكلم بها العبد يهوي بها في النار أبعد مابين المشرق والمغرب }}.


*وربما اتكل بعض المغترين على ما يرى من نعم الله عليه في الدنيا وأنه لا يغير ما به ، ويظن أن ذلك من محبة الله له ، وأنه يعطيه في الآخرة أفضل من ذلك ، وهذا من الغرور .


وقال الإمام أحمد :حدثنا يحي بن غيلان حدثنا رشد بن سعد عن حرملة بن عمران التجيبي عن عقبة بن مسلم عن عقبة بن عامر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : {{إذا رأيت الله عز وجل يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب فإنما هو استدراج }} ثم تلا قوله عز وجل : {{فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون }} الأنعام44.


وقال بعض السلف : إذا رأيت الله عز وجل يتابع عليك نعمه وأنت عاصيه فاحذره ، فإنما هو استدراج منه يستدرجك به .


وقد قال تعالى : {{ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون ولبيوتهم أبوابا وسررا عليها يتكئون وزخرفا وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا والآخرة عند ربك للمتقين }} الزخرف33-35.


وقد رد سبحانه على من يظن هذا الظن بقوله : {{فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن كلا }} الفجر15-17. أي : ليس كل من نعمته ووسعت عليه رزقه أكون قد أكرمته ، ولا كل من ابتليته وضيقت عليه رزقه أكون قد أهنته ، بل أبتلي هذا بالنعم وأكرم هذا بالابتلاء .


وفي ’’جامع الترمذي’’ عنه - صلى الله عليه وسلم - : {{إن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب ، ولا يعطي الإيمان إلا من يحب }}.


وقال بعض السلف : رب مستدرج بنعم الله عليه وهو لا يعلم ، ورب مغرور بستر الله عليه وهو لا يعلم ، ورب مفتون بثناء الناس عليه وهو لا يعلم .


*
*
أمة الخبير غير متواجد حالياً  
قديم 25-07-07, 01:16 PM   #6
أمة الخبير
جُهدٌ لا يُنسى
افتراضي

*
*
*



الحصة الثاني عشرة

الأربعاء 25/07/2007



فصل



الاغترار بالدنيا

وأعظم الخلق غرورا من اغتر بالدنيا وعاجلها ، فأثرها على الآخرة ، ورضي بها من الآخرة ، حتى يقول بعض هؤلاء : الدنيا نقد ، والآخرة نسيئة ، والنقد أحسن من النسيئة .

ويقول بعضهم : ذرة منقودة ، ولا درة موعودة .

ويقول آخر منهم : لذات الدنيا متيقنة ، ولذات الآخرة مشكوك فيها ، ولا أدع اليقين بالشك .

وهذا من أعظم تلبيس الشيطان وتسويله ، والبهائم العجم أعقل من هؤلاء ، فإن البهيمة إذا خافت مضرة شيء لم تقدم عليه ولو ضربت ، وهؤلاء يقدم أحدهم على ما فيه عطبه وهو ينظر إليه وهو بين مصدق ومكذب .

فهذا الضرب إن آمن أحدهم بالله ورسوله ولقائه والجزاء ، فهو من أعظم الناس حسرة ، لأنه أقدم على علم ، وإن لم يؤمن بالله ورسوله فأبعد له .

وقول هذا القائل : النقد خير من النسيئة ، فجوابه أنه إذا تساوى النقد والنسيئة ، فالنقد خير ، وإن تفاوتا وكانت النسيئة أكثر وأفضل ، فهي خير ، فكيف والدنيا كلها من أولها إلى آخرها كنفس واحد من أنفاس الآخرة ؟

كما في ’’مسند الإمام أحمد’’ والترمذي من حديث المستورد بن شداد قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : {{ ما الدنيا في الآخرة إلا كما يدخل أحدكم أصبعه في اليم ، فلينظر بم يرجع }}

فإيثار هذا النقد على هذه النسيئة من أعظم الغبن وأقبح الجهل ، وإذا كان هذا نسبة الدنيا بمجموعها إلى الآخرة ، فما مقدار عمر الإنسان بالنسبة إلى الآخرة ؟ فأيما أولى بالعاقل ؟ إيثار العاجل في هذه المدة اليسيرة ، وحرمان الخير الدائم في الآخرة ، أم ترك شيء حقير صغير منقطع عن قرب ، ليأخذ مالا قيمة له ولا حظر له ، ولانهاية لعدده ، ولا غاية لأمده ؟

فأما قول الآخر : لا أترك متيقنا لمشكوك فيه.

فيقال له : إما أن تكون على شك من وعد الله ووعيده وصدق رسله ، أو تكون على يقين من ذلك ، فإن كنت على يقين من ذلك فما تركت إلا ذرة عاجلة منقطعة فانية عن قرب ، لأمر متيقن لا شك فيه ولا انقطاع له .
وإن كنت على شك فراجع آيات الرب تعالى الدالة على وجوده وقدرته ومشيئته ، ووحدانيته ، وصدق رسله فيما أخبروا به عن الله وتجرد ، وقم لله ناظرا أو مناظرا ، حتى يتبين لك أن ما جاءت به الرسل عن الله هو الحق الذي لاشك فيه ، وأن خالق هذا العالم هو رب السموات والأرض يتعالى ويتقدس ويتنـزه عن خلاف ما أخبرت به رسله عنه . ومن نسبه إلى غير ذلك فقد شتمه وكذبه ، وأنكر ربوبيته وملكه ، إذا من المحال الممتنع عند كل ذي فطرة سليمة ، أن يكون المالك الحق عاجزا أو جاهلا ، لا يعلم شيئا ، ولا يسمع ، ولا يبصر ، ولا يتكلم ، ولا يأمر ولا ينهى ، ولا يثيب ، ولا يعاقب ، ولا يعز من يشاء ، ولا يذل من يشاء ، ولا يرسل رسله إلى أطراف مملكته ونواحيها ، ولا يعتني بأحوال رعيته بل يتركهم سدى ويخليهم هملا . وهذا يقدح في ملك آحاد ملوك البشر ولا يليق به ، فكيف يجوز نسبة الملك الحق المبين إليه .


وإذا تأمل الإنسان حاله من مبدأ كونه نطفة إلى حين كماله واستوائه ، تبين له أن من عني به هذه العناية ، ونقله في هذه الأحوال ، وصرفه في هذه الأطوار ، لا يليق به أن يهمله ويتركه سدى ، لا يأمره ولا ينهاه ولا يعرفه حقوقه عليه ، ولا يثيبه ولا يعاقبه.

ولو تأمل العبد حق التأمل لكان كل ما يبصره وما لا يبصره دليلا له على التوحيد والنبوة والمعاد ، وأن القرآن كلامه ، وقد ذكرنا وجه الاستدلال بذلك في كتاب ’’إيمان القرآن’’ عند قوله : {{ فلا أقسم بما تبصرون ومالا تبصرون إنه لقول رسول كريم }} الحاقة 38-40. وذكرنا طرفا من ذلك عند قوله : {{ وفي أنفسكم أفلا تبصرون }} الذاريات 21 ، وأن الإنسان دليل نفسه على وجود خالقه وتوحيده ، وصدق رسله ، وإثبات صفات كماله . فقد بان أن المضيع مغرور على التقديرين ، تقدير تصديقه ويقينه وتقدير تكذيبه وشكه .


كيف يجتمع اليقين بالمعاد ، والتخلف عن العمل ؟

فإن قلت : كيف يجتمع التصديق الجازم الذي لا شك فيه بالمعاد والجنة والنار ويتخلف العمل ؟ وهل في الطباع البشرية أن يعلم العبد أنه مطلوب غدا إلى بين يدي بعض الملوك ليعاقبه أشد عقوبة ، أو يكرمه أتم كرامة ، ويبيت ساهياً غافلاً ، لا يتذكر موقفه بين يدي الملك ، ولا يستعد له ، ولا يأخذ له أهبته .
قيل : هذا لعمر الله سؤال صحيح وارد على أكثر الخلق ، فاجتماع هذين الأمرين من أعجب الأشياء ، وهذا التخلف له عدة أسباب :

أحدها : ضعف العلم ونقصان اليقين ، ومن ظن أن العلم لا يتفاوت ، فقوله من أفسد الأقوال وأبطلها .

وقد سأل إبراهيم الخليل ربه أن يريه إحياء الموتى عياناً بعد علمه بقدرة الرب على ذلك ليزداد طمأنينة ، ويصير المعلوم غيبا شهادة .

وقد روى أحمد في ’’مسنده’’ عن النبي – صلى الله عليه وسلم - أنه قال : {{ ليس المخبر كالمعاين }} فإذا اجتمع إلى ضعف العلم عدم استحضاره أو غيبته عن القلب في كثير من أوقاته أو أكثرها لاشتغاله بما يضاده وانضم إلى ذلك تقاضي الطبع ، وغلبات الهوى ، واستيلاء الشهوة ، وتسويل النفس وغرور الشيطان واستبطاء الوعد ، وطول الأمل ، ورقدة الغفلة ، وحب العاجلة ، ورخص التأويل وإلف العوائد ، فهناك لا يمسك الإيمان في القلب إلا الذي يمسك السموات والأرض أن تزولا ، وبهذا السبب يتفاوت الناس في الإيمان والأعمال ، حتى ينتهي إلى أدنى مثقال ذرة في القلب .

وجماع هذه الأسباب يرجع إلى ضعف البصيرة والصبر ، ولهذا مدح الله سبحانه أهل الصبر واليقين ، وجعلهم أئمة في الدين فقال تعالى : {{ وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون }} السجدة 24


*
*
أمة الخبير غير متواجد حالياً  
قديم 12-08-07, 12:38 PM   #7
أمة الخبير
جُهدٌ لا يُنسى
افتراضي

*
*
*


الحصة الثالث عشرة





فصل



الفرق بين حسن الظن والغرور :


فقد تبين الفرق بين حسن الظن والغرور ، وأن حسن الظن إن حمل على العمل وحث عليه وساعده وساق إليه فهو صحيح ، وإن دعا إلى البطالة والانهماك في المعاصي فهو غرور ، وحسن الظن هو الرجاء ، فمن كان رجاؤه هاديا له إلى الطاعة ، و زاجرا له عن المعصية ، فهو رجاء صحيح ، ومن كانت بطالته رجاء ، ورجاؤه بطالة وتفريطا ، فهو المغرور .

ولو أن رجلا كانت له أرض يؤمل أن يعود عليه من مغلها ما ينفعه فأهملها ولم يبذرها ولم يحرثها ، وحسن ظنه بأنه يأتي من مغلها ما يأتي من غير حرث وبذر وسقي وتعاهد الأرض لعده الناس من أسفه السفهاء .


وكذلك لو حسن ظنه وقوى رجاءه بأنه يجيئه ولد من غير جماع أو يصير أعلم أهل زمانه من غير طلب العلم وحرص تام عليه ، وأمثال ذلك .

فكذلك من حسن ظنه وقوي رجاؤه في الفوز بالدرجات العلا والنعيم المقيم ، من غير طاعة ولا تقرب إلى الله تعالى بامتثال أوامره ، واجتناب نواهيه . وبالله التوفيق.

وقد قال الله تعالى : {{إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمت الله }} البقرة218 . فتأمل كيف جعل رجاءهم بإتيانهم بهذه الطاعات ؟

و قال المغرورون : إن المفرطين المضيعين لحقوق الله المعطلين لأوامره الباغين على عباده المتجزئين على محارمه ، أولئك يرجون رحمة الله !!

وسر المسألة : أن الرجاء وحسن الظن إنما يكون مع الإتيان بالأسباب التي اقتضتها حكمة الله في شرعه وقدره وثوابه وكرامته ، فيأتي العبد بها ثم يحسن ظنه بربه ، ويرجوه أن لا يكله إليها وأن يجعلها موصلة إلى ما ينفعه ويضرب عما يعارضها ويبطل أثرها .



فصل


الرجاء والأماني :


ومما ينبغي أن يُعلم أن من رجا شيئا رجاؤه ثلاثة أمور :

أحدها : محبته ما يرجوه .

الثاني : خوفه من فواته .

الثالث : سعيه في تحصيله بحسب الإمكان .


وأما رجاء لا يقارنه شيء من ذلك فهو من باب الأماني ، والرجاء شيء والأماني شيء آخر ، فكل راجٍ خائف ، والسائر على الطريق إذا خاف ، أسرع السير مخافة الفوات.

وفي ’’جامع الترمذي’’ من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : {{من خاف أدلج ، ومن أدلج بلغ المنزل ، ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة }}.

وهو سبحانه كما جعل الرجاء لأهل الأعمال الصالحة ، فكذلك جعل الخوف لأهل الأعمال الصالحة ، فعلم أن الرجاء والخوف النافع هو ما اقترن به العمل .

قال الله تعالى : {{إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون والذين هم بآيات ربهم يؤمنون والذين هم بربهم لا يشركون والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة إنهم إلى ربهم راجعون أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون }} المؤمنون57-61

وقد روى الترمذي في ’’جامعه’’ عن عائشة رضي الله عنها قالت : سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن هذه الآية ، فقلت : أهم الذين يشربون الخمر ويزنون ويسرقون ؟ فقال : {{ لا يا ابنة الصديق ، ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون ، ويخافون أن لا يتقبل منهم ، أولئك يسارعون في الخيرات }} وقد روي من حديث أبى هريرة أيضا .

والله سبحانه وصف أهل السعادة بالإحسان مع الخوف ، ووصف الأشقياء بالإساءة مع الأمن .



خوف الصحابة من الله :


من تأمل أحوال الصحابة رضي الله عنهم وجدهم في غاية العمل مع غاية الخوف ، ونحن جميعا بين التقصير ، بل التفريط والأمن :

فهذا الصديق رضي الله عنه يقول : وددت أني شعرة في جنب عبد مؤمن .ذكره أحمد عنه .
وذكر عنه أيضا أنه كان يمسك بلسانه ويقول : هذا الذي أوردني الموارد ، وكان يبكي كثيرا ويقول : ابكوا ، فإن لم تبكوا فتباكوا .

وكان إذا قام إلى الصلاة ، كأنه عود من خشية الله عز وجل .

وأتى بطائر فقلبه ثم قال : ما صيد من صيد ، ولا قطعت من شجرة إلا بما ضيعت من التسبيح . فلما احتضر قال لعائشة : يا بنية ، إني أصبت من مال المسلمين هذه العباءة وهذه الحلاب وهذا العبد ، فأسرعي به إلى بن الخطاب .

وقال : والله لوددت أني كنت هذه الشجرة تؤكل وتُعْضد .


وقال قتادة : بلغني أن أبا بكر قال : ليتني خضرة تأكلني الدواب .

وهذا عمر بن الخطاب قرأ سورة الطور حتى بلغ : {{ إن عذاب ربك لواقع }} الطور7 فبكى واشتد بكاؤه حتى مرض وعادوه .

وقال لابنه وهو في الموت : ويحك ضع خدي على الأرض ، عساه أن يرحمني ، ثم قال : بل ويل أمي ، إن لم يغفر الله لي - ثلاثا - ثم قضى .

وكان يمر بالآية في ورده بالليل فتخيفه ، فيبقى في البيت أياما يُعاد ، ويحسبونه مريضا.

وكان في وجهه رضي الله عنه خطان أسودان من البكاء .


وقال له ابن عباس : مصَّر الله بك الأمصار ، وفتح بك الفتوح ، وفعل و فعل فقال : وددت أني أنجو لا أجر ولا وزر.

وهذا عثمان بن عفان رضي الله عنه ، كان إذا وقف على القبر يبكي حتى تبل لحيته ، وقال : لو أنني بين الجنة والنار لا أدري إلى أيتهما يؤمر بي ، لاخترت أن أكون رمادا قبل أن أعلم إلى أيتهما أصير .


وهذا علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وبكاؤه وخوفه ، وكان يشتد خوفه من اثنتين طول الأمل واتباع الهوى ، قال : فأما طول الأمل فينسي الآخرة ، وأما اتباع الهوى فيصد عن الحق ، ألا وإن الدنيا قد ولت مدبرة ، والآخرة مقبلة ، ولكل واحدة منهما بنون ، فكونوا من أبناء الآخرة ، ولا تكونوا من أبناء الدنيا ، فإن اليوم عمل ولا حساب ، وغدا حساب ولا عمل .


وهذا أبو الدرداء رضي الله عنه ، كان يقول : إن أشد ما أخاف على نفسي يوم القيامة أن يقال لي : يا أبا الدرداء ، قد علمت ، فكيف عملت فيما علمت ؟ وكان يقول : لو تعلمون ما أنتم لاقون بعد الموت لما أكلتم طعاما على شهوة ولا شربتم شرابا على شهوة ، ولا دخلتم بيتا تستظلون فيه ، ولخرجتم إلى الصعيد تضربون صدوركم ، وتبكون على أنفسكم ، ولوددت أني شجرة تعضد ثم تؤكل .


و كان عبد الله بن عباس رضي الله عنه كان أسفل عينيه مثل الشراك البالي من الدموع.

وكان أبو ذر يقول : يا ليتني كنت شجرة تعضد ، وودت أني لم أخلق . وعرضت عليه النفقة فقال : ما عندنا عنز نحلبها وحمر ننقل عليها ، ومحرر يخدمنا وفضل عباءة ، وإني أخاف الحساب فيها .


وقرأ تميم الداري ليلة سورة الجاثية ، فلما أتى على هذه الآية : {{ أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات }} الجاثية21 ، جعل يرددها ويبكى حتى أصبح .


وقال أبو عبيدة بن الجراح : وددت أني كبش فذبحني أهلي وأكلوا لحمي وحسوا مرقي . وهذا باب يطول تتبعه .


قال البخاري في ’’صحيحه’’ : ( باب خوف المؤمن أن يحبط عمله وهو لا يشعر ).

وقال إبراهيم التيمي : ما عرضت قولي على عملي إلا خشيت أن أكون مكذبا .

وقال بن أبي مليكة : أدركت ثلثين من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - كلهم يخاف النفاق على نفسه ، ما منهم أحد يقول : إنه على إيمان جبريل و ميكائيل .

ويذكر عن الحسن : ماخافه إلا مؤمن ، ولا أمنه إلا منافق .

وكان عمر بن الخطاب يقول لحذيفة : أنشدك الله هل سماني لك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ يعني في المنافقين ، فيقول : لا ، ولا أزكي بعدك أحدا .

فسمعت شيخنا رضي الله عنه يقول : ليس مراده : لا أبرىء غيرك من النفاق ، بل المراد لا أفتح على نفسي هذا الباب ، فكل من سألني هل سماني لك رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فأزكيه .

قلت : وقريب من هذا قول النبي - صلى الله عليه وسلم - للذي سأله أن يدعو له أن يكون من السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب ’’ سبقك بها عكاشة ’’ ، ولم يرد أن عكاشة وحده أحق بذلك ممن عداه من الصحابة ، ولكن لو دعا لقام آخر وآخر وانفتح الباب ، وربما قام من لم يستحق أن يكون منهم ، فكان الإمساك أولى والله أعلم .


*
*
أمة الخبير غير متواجد حالياً  
موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

(View-All Members who have read this thread in the last 30 days : 0
There are no names to display.

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:38 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2025,Jelsoft Enterprises Ltd.
هذه المنتديات لا تتبع أي جماعة ولا حزب ولا تنظيم ولا جمعية ولا تمثل أحدا
هي لكل مسلم محب لدينه وأمته وهي على مذهب أهل السنة والجماعة ولن نقبل اي موضوع يثير الفتنة أو يخالف الشريعة
وكل رأي فيها يعبر عن وجهة نظر صاحبه فقط دون تحمل إدارة المنتدى أي مسؤلية تجاه مشاركات الأعضاء ،
غير أنَّا نسعى جاهدين إلى تصفية المنشور وجعله منضبطا بميزان الشرع المطهر .