عرض مشاركة واحدة
قديم 24-07-08, 12:17 AM   #5
إيمان مصطفى عمر
|مديرة معهد العلوم الشرعية|
c8 الدرس الثالث

تفسير سورة الفاتحة
الجزء الثالث


بسم الله الرحمن الرحيم



إن الحمد لله نستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا , من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له , وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح لهذه الأمة وجاهد في الله حق جهاده وتركنا على المجحة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك , صلى الله عليه وسلم أما بعد :


يقول الله تعالى :

* مالك يوم الدين *


سبحان الله اذا ذكر الرب , رب العالمين , الرب من أفعاله الملك والتدبير والخلق وأفعال أخرى منها الرزق والاماتة والاحياء والضر والعطاء و غيرها



يقول السعدي رحمه الله :مالك يوم الدين :المالك : هو من اتصف بصفة الملك التي من آثارها أنه يأمر وينهى ويثيب ويعاقب ويتصرف بمماليكه بجميع انواع التصرفات .



طبعا كلمة مالك قرأت بطريقتين : قرأت مالك , وقرأت ملك , وسبحان الله هناك فرق بين المالك وبين الملك , وكلاهما في حق الله عز وجل صفات مدح .
بينما في حق المخلوق عندما نقول ملك او مالك فقد يكون ملك بالاسم لا يملك شيئا او انه يملك شيئا معينا ولا يملك كل شئ , وقد يكون مالك لشئ ولا يكون ملكا ً ,إذن الملك بالنسبة للبشر ملك ٌ نسبي


والله عز وجل وصف نفسه بانه ملك ومالك وهي صفات مدح

له ملك ويدبر ويصرف ويأمر وينهى ويرتب على هذا الأمر وهذا النهي , فمن أطاعه أثابه ومن عصاه عاقبه , وله ان يتصرف بمملكته ومماليكه كيف يشاء , سبحان الله العظيم , إذن هنا نثبت لله عز وجل الملك بأنه ملك ومالك ,

وفي هذه الآية الكريمة : أضاف الله تعالى ملكه الى يوم الدين , هل ملكُ الله تعالى خاص بيوم الدين فقط ؟؟ ...هل الله عز وجل لا يملك الا يوم الدين؟؟ ألا يملك الدنيا وأهل الدنيا ؟؟


ان الله تعالى يملك الدنيا والآخرة ويملك يوم الدين الذي هو يوم الجزاء , وفي هذه الآية خص الله ملكه بيوم الدين لأن ملكه يومئذ ظاهر .على كل ملك فلفت أنظار العباد الى هذا اليوم الذي يكون ملكه ظاهر على كل ملك


يقول السعدي : يوم الدين هو يوم يدان الناس فيه بأعمالهم خيرها وشرها لان في ذلك اليوم يظهر للخلق تمام الظهور كمال ملكه وعدله وحكمته وانقطاع أملاك الخلائق .


أي يجازى الناس على أعمالهم خيرها وشرها , فهو يوم الجزاء


وملك الله عز وجل يظهر للخلق في هذا اليوم تمام الظهور , فكل الملوك تحت ملك الله تعالى , ويُرى الجبارون في ذلك اليوم كأمثال الذر , يطؤهم الخلق , فأين ملكهم ؟؟ ظهر ملك الله تعالى القهار الجبار المتصرف سبحانه وتعالى ,وظهر كمال ملكه , والملوك كلهم لا ملك لهم لانه زال وجبروتهم زال فأصبحوا لا يملكون شيئا, والسلطان والهيمنة على الناس زال فأصبحوا مهانين , وصفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم كأمثال الذر , سبحان الله العظيم .


** يظهر كمال ملكه تعالى في ان الخلق يشهدون بأن مالك الملك هو الله عز وجل , فما يستطيع أحد أن يرفع رأسه في ذلك اليوم .


ربما يغتر الانسان بنفسه في الدنيا ويغتر بملكه وما يملك , لكن في الآخرة لا مجال للإنكار ولا مجال لغياب العقل , بل كل يشهد بأن الملك لله عز وجل وملكه ظاهر على خلقه .


** كما يظهر كمال عدل الله عز وجل وانقطاع أملاك الخلق , ومن صور عدله الظاهر في ذلك اليوم أنه يساوي بين الخلق كلهم , ويجعلهم ويحشرهم في مكان واحد , الجن والإنس والأحرار والعبيد والوحوش وكل ما خلق الله تعالى يجعلهم في أرض المحشر , سبحانه وتعالى , وكلهم في حال من الإذعان لعظمته والخضوع لعزته منتظرين جزاءه راجين ثوابه خائفون من عقابه , ما يستطيع أحد أن يتكلم بل يهمس ,

( خشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا وعنت الوجوه للحي القيوم ),

سبحان الله خضعت لظهور ملك الله عز وجل , وانقطع كل ملك آخر , والرقاب ذليلة في ذلك اليوم , فلذلك خصه بالذكر وأضاف ملكه اليه مع أنه مالك للدنيا والآخرة ومالك ليوم الدنيا ويوم الدين , وغيره من الأيام , سبحانه وتعالى .


الفوائد من هذه الآية :


أولا : اثبات ملك الله عز وجل وملكوته يوم الدين


لأن في ذلك اليوم تتلاشي جميع الملكيات والملوك , ويزول كل ملك للبشر , يأتون مفلسين ليس عندهم شئ إلا العمل , فراج ٍ للثواب وخائف من العقاب , ويظهر ملك الرب عز وجل

ويوم يأذن الله تعالى بالفناء للخلق وتبدل الأرض غير الأرض والسماوات غير السماوات , ينادي الله عز وجل ويقول : لمن الملك اليوم ؟ فلا يجيب أحد , فيقول تعالى مجيبا نفسه : لله الواحد القهار .


وهذا يشعرنا بالخوف من ذلك اليوم العظيم والمهيب , يوم تشيب له الولدان , يوم تصفى فيه الحسابات , هو يوم الوقوف بين يدي الله عز وجل , يوم ظهور العدل والجزاء في أرض المحشر , حتى البهائم التي كانت يعتدي بعضها على بعض في الدنيا فيأذن الله عز وجل للشاة الشمَّـاء أن تقتص من الشاة القرناء , وكذلك بالنسبة لبقية الحيوانات , ثم يقول لها كوني ترابا .


إذن الحالة عظيمة , والعباد في حالة من الخوف يقدمون على الله لا شئ معهم فيحاسب الله عز وجل على كل صغيرة وكبيرة بل مثاقيل الذر


(إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما ),

( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ).


فالعباد يُحاسَبون بموازين تزن مثقال الذرة , وما تزن الذرة ؟؟؟ ولكن من ظهور كمال عدل الله فإنه يحاسب ولو مثقال ذرة . فسبحان الله العظيم .




ثانيا : إثبات البعث والجزاء

( مالك يوم الدين ) إذن هناك يوم الدين , وهناك مالك له , فنحن نثبت ان لله عز وجل ملكا وأيضا نثبت أن هناك يوما لمجازاة الخلق وهو يوم القيامة .


وهذا من صفات أهل الإيمان , يؤمنون بأن هناك يوم آخر وهناك حساب وعقاب ومجازاة على الأعمال , إن خيرا فخير , وإن شرا فشر , وهذا من عقيدة أهل الإيمان , يخافون من هذا اليوم ويعملون له ويستعدون له ويعطون هذا اليوم حقه , ويعلمون أنهم سيقفون بين يدي الله عز وجل ليس بينه وبينهم ترجمان ,


بينما الكافر لا يؤمن بهذا , بل يظن أن الدنيا فرصة واحدة يعيشها ثم يموت كما تموت البهائم .



ثالثا : حث الإنسان على العمل الى ذلك اليوم الذي يدان فيه العاملون


فيوم القيامة يجعل في نفس العبد الخوف منه وأنه سيلاقي الله عز وجل , وفي نفس الوقت يحرك في نفسه الرغبة في العمل لأنه يعلم أن الله تعالى سوف يجازيه , ويحاسبه على كل صغيرة وكبيرة , ان كان مفرطا ومسرفا على نفسه فليكف عن هذا التفريط , وإن كان كسولا أو عاجزا أيضا يكف عن الكسل ويحث نفسه على المسارعة في العمل .


**************



نأتي للآية التي بعدها


يقول الله عز وجل


(إياك نعبد وإياك نستعين )



يتبع >>

التعديل الأخير تم بواسطة إيمان مصطفى عمر ; 20-10-08 الساعة 02:26 PM
إيمان مصطفى عمر غير متواجد حالياً