السبت 18 ذو القعدة 1445هـ الموافق 27 مايو 2024م

حياكم الله جميعا 

هذه قناتي في التليجرام ينشر فيها النتاج العلمي والفكري . 


قناة عبد السلام بن إبراهيم الحصين

المعركة الحاسمة

المقالة

Separator
المعركة الحاسمة
1120 زائر
02-08-2010 01:05
د.عبدالسلام بن إبراهيم الحصين

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه، أما بعد:

فإن الصراع بين الخير والشر قدر محتوم، أراده الله وقدره لحكمة باهرة، وعلة ظاهرة، قال تعالى: {ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم}، وقال تعالى: {ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة، ولكن ليبلوكم فيما آتاكم}، وقال تعالى: {ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلوا بعضكم ببعض}، وقال تعالى: {وكذلك جعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون وكان ربك بصيرًا}.

فالإسلام في صراع مع الكفر بشتى صوره وأشكاله، وأتباعه وأعوانه، صراع يتميز فيه الصادق من الكاذب، ويظهر به المؤمن من المنافق، تهلك في هذا الصراع أنفس، وتهدر أموال، وتخرب ديار، ويصاب الفريقان بالقرح والأذى؛ ليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب. و ليخرج الحق ناصعًا بحججه وبراهينه، ويندحر الباطل بزخرفه وتهاويله.

يظهر في هذا الصراع أكرم ما في النفس الإنسانية من طاقة وجهد، وتبذل فيه النفوس المؤمنة كل قوة وقدرة، فتقتُل، وتُقتل، لتحيى بروح الهدى والخير، وتعيش حياة الكرامة والعز، أو تموت في سبيل الحق الذي تعتقده، ويعز عليها أن تعيش بدونه.

إنما يريد الله في ابتلاء أهل الحق بأهل الباطل أيًا كانوا أن يصلح عبادة المؤمنين، ويرفعهم في عليين، وينزلهم منازل الشهداء والنبيين، ويشف صدور قوم مؤمنين، ويقيم الحجة الكافرين، ويمحقهم بأيدي المجاهدين الصادقين.

ولا يزال هذا الصراع مستمرًا في الأفكار والمعتقدات، والسلاح والكلمات، إلى أن تأتي المعركة الحاسمة، التي ينتصر فيها لحق نصرًا مؤزرًا، وتتهاوى فيه رموز الكفر والضلالة، ويعم الأرض دينُ الله بلا منازع، هذه المعركة الحاسمة يلتقي فيها اليهود وإخوانهم من الكفار بزعامة المسيح الدجال، مسيحهم المنتظر، والمسلمون الصابرون المجاهدون، وفيهم المسيح ابن مريم كلمة الله عليه السلام، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((سمعتم بمدينة جانب منها في البر، وجانب منها في البحر؟))، قالوا: نعم يا رسول الله، قال: ((لا تقوم الساعة حتى يغزوها سبعون ألفًا من بني إسماعيل، فإذا جاؤوها نزلوا، فلم يقاتلوا بسلاح، ولم يرموا بسهم، قالوا: لا إله إلا الله والله أكبر، فيسقط أحد جانبيها، ثم يقولوا الثانية: لا إله إلا الله والله أكبر فيسقط جانبها الآخر، ثم يقولوا الثالثة: لا إله إلا الله والله أكبر فيُفرَّج لهم، فيدخلوها فيغنموا، فبينما هم يقتسمون الغنائم إذ جاءهم الصريخ: إن الدجال قد خرج، فيتركون كل شيء ويرجعون)) رواه مسلم، وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يتبع الدجال من يهود أصبهان سبعون ألفاً عليهم الطيالسة)) رواه مسلم.

ويصف النبي صلى الله عليه وسلم تلك المعركة كأنها رأي عين، فيقول: ((غير الدجال أخوفني عليكم؟!! إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم، وإن يخرج ولست فيكم فامرؤ حجيج نفسه، والله خليفتي على كل مسلم.

إنه شاب قطط، عينه طافئة، كأني أشبهه بعبد العزى بن قطن، فمن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف، إنه خارج خلة بين الشام والعراق، فعاث يمينًا، وعاث شمالا، يا عباد الله فاثبتوا، فيأتي على القوم فيدعوهم فيؤمنون به ويستجيبون له، فيأمر السماء فتمطر، والأرض فتنبت، فتروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت ذرا، وأسبغه ضروعًا، وأمده خواصر، ثم يأتي القوم فيدعوهم فيردون عليه قوله، فينصرف عنهم فيصبحون ممحلين، ليس بأيديهم شيء من أموالهم، ويمر بالخربة فيقول لها: أخرجي كنوزك، فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل،

ويكون للمسلمين ثلاثة أمصار: مصر بملتقى البحرين، ومصر بالحيرة، ومصر بالشام، فيفزع الناس ثلاث فزعات..، فيُهزم مَن قبل المشرق، فأول مصر يرده المصر الذي بملتقى البحرين، فيصير أهله ثلاث فرق: فرقة تقول: نشامه ننظر ما هو، وفرقة تلحق بالأعراب، وفرقة تلحق بالمصر الذي يليهم، ومع الدجال سبعون ألف عليهم السيجان، وأكثر تبعه اليهود والنساء، ثم يأتي المصر الذي يليه، فصير أهله ثلاث فرق: فرقة تقول: نشامه ننظر ما هو، وفرقة تلحق بالأعراب، وفرقة تلحق بالمصر الذي يليهم بغربي الشام.

وينحاز المسلمون إلى عَقبة أَفِيق، فيبعثون سرحًا لهم فيصاب سرحهم، فيشتد ذلك عليهم، وتصيبهم مجاعة شديدة، وجهد شديد، حتى إن أحدهم ليُحرق وتر قوسه ليأكل، وإنه يقتل من المسلمين ثلثًا، ويهزم ثلثًا، ويبقى ثلثًا، ويجِنُّ عليهم الليل، فيقول بعض المؤمنين لبعض: ما تنتظرون أن تلحقوا بإخوانكم في مرضاة ربكم، من كان عنده فضل طعام فليَغْدُ به على أخيه، وصلوا حين ينفجر الفجر، وعجلوا الصلاة، ثم أقبلوا على عدوكم، فبينما هم كذلك إذ نادى مناد من السحر: يا أيها الناس أتاكم الغوث، فيقول بعضهم لبعض: إن هذا لصوت شبعان، فيبعث الله المسيح ابن مريم، فينزل عند المنارة البيضاء، شرقي دمشق، بين مهرودتين [أي لابسًا ثوبين مصبوغين بورس ثم بزعفران]، واضعًا كفيه على أجنحة الملائكة، إذا طأطأ رأسه قطر، وإذا رفعه تحدر منه جمان كاللؤلؤ [أي إن حبات الماء تتساقط من رأسه صافية كحبات اللؤلؤ]، فلا يحل لكافر يجد ريح نفسه إلا مات، ونفسه ينتهي حيث ينتهي طرفه، وينزل عند صلاة الفجر، فيقول له أمير المسلمين: روح الله تقدم صل، فيقول: هذه الأمة أمراء بعضهم على بعض، فيتقدم أميرهم فيصلي، فإذا صلى أخذ عيس حربته، فيذهب نحو الدجال فيطلبه حتى يدركه بباب لُدَّ [وهي بلدة قريبة من بيت المقدس]، فإذا رآه عدو الله ذاب كما يذوب الملح في الماء، فلو تكره لانذاب حتى يهلك، ولكن يقتله الله بيده، فيريهم دمه في حربته.

ثم يأتي عيسى ابن مريم قومًا قد عصمهم الله منه، فيمسح عن وجوههم ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة)) رواه مسلم وأحمد والحاكم..

ثم يسلط الله المؤمنين على أتباعه من اليهود وغيرهم، حتى إن الشجر والحجر لينادي: يا عبد الله، يا عبد الرحمن، يا مسلم: هذا يهودي فاقتله، يا مؤمن: هذا كافر فاقتله، يا روح الله: هذا يهودي، فلا يترك أحدًا ممن كان يتبعه إلا قتله..

هذا وعد الله، وهو آت، ومن أصدق من الله حديثًا، وقد وعد، ووعده لا يخلف أن النصرة والغلبة لأوليائه وأتباعه، الذين يقدمون أوامره وأوامر رسوله على أهوائهم وشهواتهم، فاحذروا أن تغرنكم الحياة الدنيا، وتخدعكم وعود الكافرين، وقوتهم، وعلوهم في الأرض حينًا من الزمن، فإنما هم زبد يعلوا على ماء السيل حين هيجانه واضطرابه، ثم يذهب جفاء، ولا بد أن يصيب المسلمين بلاء، وأذى، وقرح، ولكن العاقبة تكون لهم.

فانظر رحمك الله كيف يكون عظم البلاء بفتنة المسيح الدجال، ولتعلم أن الدنيا حقيرة عند الله تعالى لا تساوى جناح بعوضة، وقد أعطى هذا المسيح الدجال الكذاب وأتباعه منها شيئًا كثيرًا، ومع ذلك هو هين على الله لا يساوي شيئًا،عن المغيرة بن شعبة قال: ما سأل رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أحدٌ عن الدجال أكثر مما سألته عنه، فقال لي: ((أي بني! وما ينصبك منه؟! إنه لن يضرك))، قال: قلت: إنهم يزعمون أن معه أنهار الماء وجبال الخبز، قال: ((هو أهون على الله من ذلك)) متفق عليه، فما معه إنما هو استدراج ومكر من الله به وبمن معه، حتى إذا عتوا وعلوا وظنوا أنهم قادرون ومنتصرون محقهم الله بالمؤمنين الصادقين الصابرين، الذين يطلبون ما عند الله فقط، لا تغريهم زينة الحياة، ولا تصرفهم عن محبة الله واتباعه جاه الدنيا وزخارفها..

حفظنا الله وإياكم من الفتن، وجعلنا من جند الله الذين ينصرون دين الله، لا يطلبون الدنيا ولا زينتها..

   طباعة 
1 صوت

روابط ذات صلة

Separator

جديد المقالات

Separator
رأس مكارم الأخلاق - ركن المقالات