الجمعة 17 ذو القعدة 1445هـ الموافق 26 مايو 2024م

حياكم الله جميعا 

هذه قناتي في التليجرام ينشر فيها النتاج العلمي والفكري . 


قناة عبد السلام بن إبراهيم الحصين

أفشوا السلام بينكم

المقالة

Separator
أفشوا السلام بينكم
1737 زائر
11-01-2010 03:22
د.عبدالسلام بن إبراهيم الحصين

إن السلام اسم من أسماء الله جل وعلا، معناه: ذو السلامة مما يلحق المخلوقين من الفناء والنقص والعيب، فربنا جل وعلا هو الذي سَلِمَ من كل عيب في ذاته، وبرئ في صفاته من كل آفة ونقص يلحق المخلوقين، ومن اسمه السلام اشتقت السلامة والأمن من كل خوف، ولهذا كان من كلام الرسل يوم القيامة: ((اللهم سلِّم سلم))، وجعل الله السلام تحية من عنده لعباده المؤمنين، قال تعالى: {تحيتهم يوم يلقونه سلام}، {سلام قولا من رب رحيم}، وتحية ملائكته الكرام لعباده المؤمنين عند دخولهم الجنة، قال تعالى على لسان الملائكة: {سلام عليكم طبتم}، وهو تحية المؤمنين في عبادتهم: ((السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين))، وهو تحية المسلمين في دنياهم؛ فروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لما خلق الله آدم قال: اذهب فسلم على أولئك, نفر من الملائكة جلوس، فاستمع ما يجيبونك؛ فإنها تحيتك وتحية ذريتك, فقال: السلام عليكم; فقالوا: السلام عليك ورحمة الله, فزادوا ورحمة الله)).

إن إفشاء السلام في المجتمع من قول المعروف، الذي ينشر بين المسلمين عطر المحبة، ويزيل ما في النفوس من الشحناء، قال عليه الصلاة والسلام: ((ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟! أفشوا السلام بينكم))، وقال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: أي الإسلام خير؟ قال: ((تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف)) رواه البخاري ومسلم، قال أحد التابعين: "ما اجتمع رجلان فتفرقا حتى يعقد الشيطان في قلب كل واحد منهما عقدة؛ فإن لقي أخاه فسلم عليه حُلَّت العقدة، وإلا كانت العقدة كما هي"، وقال سفيان: "قوله: (السلام عليكم) يقول: أنت مني سالم، وأنا منك سالم، ثم يدعو له ويقول: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، فلا ينبغي لهذين إذا سلَّم بعضهما على بعض أن يذكره من خلفه بما لا ينبغي له من غيبة أو غيرها"، وعن الطفيل بن أبي بن كعب أنه كان يأتي عبد الله بن عمر فيغدو معه إلى السوق، قال: فإذا غدونا إلى السوق لم يمر عبد الله بن عمر على سَقَّاط ولا صاحب بِيعة ولا مسكين ولا عبدٍ إلا سلم عليه، قال الطفيل: فجئت عبد الله بن عمر يومًا فاستتبعني إلى السوق، فقلت له: وما تصنع في السوق؟! وأنت لا تقف على البَيِّع، ولا تسأل عن السلع، ولا تسوم بها، ولا تجلس في مجالس السوق، قال وأقول له: اجلس بنا ههنا نتحدث، قال فقال لي عبد الله بن عمر: "يا أبا بطن! -وكان الطفيل ذا بطن- إنما نغدو من أجل السلام، نسلم على من لقينا".

والسلام على ثلاثة مراتب؛ فروى أبو داود والترمذي عن عمران بن حصين قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: السلام عليكم, فرد عليه، ثم جلس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((عشر)), ثم جاء آخر، فقال: السلام عليكم ورحمة الله، فرد عليه، فجلس، فقال: ((عشرون)), ثم جاء آخر، فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فرد عليه، فجلس، فقال: ((ثلاثون)).

ومن السنة أن يسلم الراكب على الماشي، والماشي على الجالس، والصغير على الكبير، ومن السنة السلام على الصغار؛ لما روى أنس أنه مر على صبيان فسلم عليهم، وقال كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله، وفيه تأليف لقلوبهم، وتعويد لهم على حسن الأدب.

ويسن أن تسلم إذا دخلت البيت، أو المسجد ولو لم يكن فيه أحد؛ لقوله تعالى: {فإذا دخلتم بيوتًا فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة}، وروى سعيد بن منصور عن نافع عن ابن عمر أنه كان إذا دخل بيتًا ليس فيه أحد قال: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.

ويجب رد السلام؛ لقوله تعالى: {وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها}.

ولا يمنعنك من إلقاء السلام عدم رده عليك؛ فإنك مأجور، ولك الفضل عليهم، عن عبد الله بن مسعود قال: " إن السلام اسم من أسماء الله وضع في الأرض فأفشوه بينكم؛ فإن العبد إذا سلم على القوم فردوا عليه كان له عليهم فضل درجة أن ذكَّرهم السلام, وإن لم يردوا عليه رد عليه من هو خير منهم وأطيب"، وروى أبو داود عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أولى الناس من بدأهم بالسلام)).

ولا ينبغي أن تسلم على من كان مشغولا بشيء يمنعه من السلام عليك، كالمؤذن حال الأذان، أو والإمام يخطب، أو عند قضاء الحاجة؛ لأنه مشغول بما يمنعه من رد السلام، وأما السلام على من يأكل ويشرب فلا بأس؛ لأنه يمكنه أن يرد.

وإذا دخلت في مجلس فسلم، وإذا أردت أن تقوم فسلم أيضًا، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا انتهى أحدكم إلى المجلس فليسلم, فإذا أراد أن يقوم فليسلم, وليست الأولى بأحق من الآخرة)). رواه أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه.

ولا بأس بالسلام بالإشارة إذا كان معها كلام، إذا خشيت ألا يسمعك من تسلم عليه؛ كأن تكون في السيارة، أو في مكان بعيد؛ لما روى أحمد وأبو داود والترمذي عن أسماء أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بالمسجد يومًا ونحن عصبة من النساء فألوى يده بالتسليم، فإن اكتفى بالإشارة فقط فمنهي عنه؛ لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ليس منا من تشبه بغيرنا, لا تشبهوا باليهود ولا بالنصارى؛ فإن تسليم اليهود الإشارة بالأصابع، وتسليم النصارى الإشارة بالكف))، رواه الترمذي.

ولا بأس بسلام الرجال على النساء، وسلام النساء على الرجال عند أمن الفتنة؛ كأن تكون كبيرة، أو من محارمه، أو بحضرة محرمها، وترد السلام أيضًا عند أمن الفتنة كذلك.

ومن السنة أن تبلغ السلام لمن حملك إياه لصاحبه، وأن تقول لمن بلغك السلام: عليك وعليه السلام، روى أحمد في مسنده أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن أبي يقرئك السلام، فقال: ((عليك وعلى أبيك السلام))، وقال رجل لأبي ذر: فلان يقرئك السلام، فقال: هدية حسنة ومحمل خفيف.

ومن حرص الصحابة على السلام أنهم كانوا يرونه من الأمانة التي يجب تبليغها إلى صاحبها الذي أرسل السلام إليه، فروى الطبراني في المعجم الكبير أن الأشعث بن قيس وجرير بن عبد الله البجلي جاءا إلى سلمان الفارسي، فدخلا عليه في خُصٍّ في ناحية المدائن، فأتياه فسلما عليه وحيياه، ثم قالا: أنت سلمان الفارسي؟ قال: نعم، قالا: أنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: لا أدري، فارتابا، وقالا: لعله ليس الذي نريد، قال لهما: أنا صاحبكما الذي تريدان، قد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وجالسته، وإنما صاحبه من دخل معه الجنة، فما حاجتكما؟ قالا: جئناك من عند أخ لك بالشام، قال: من هو؟ قالا: أبو الدرداء، قال: فأين هديته التي أرسل بها معكما؟ قالا: ما أرسل معنا بهدية، قال: اتقيا الله، وأديا الأمانة، ما جاء أحد من عنده إلا جاء معه بهدية، قالا: لا ترفع علينا هذا، إن لنا أموالا فاحتكم فيها، قال: ما أريد أموالكما، ولكني أريد الهدية التي بعث بها معكما، قالا: والله ما بعث معنا بشيء، إلا أنه قال: إن فيكم رجلا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خلا به لم يبغ أحدًا غيره، فإذا أتيتماه فأقرؤوه مني السلام، قال: فأي هدية كنت أريد منكما غير هذه؟! وأي هدية أفضل من السلام؟! تحية من عند الله مباركة طيبة.

والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله.

   طباعة 
1 صوت

روابط ذات صلة

Separator
المقالة السابق
المقالات المتشابهة المقالة التالي

جديد المقالات

Separator
رأس مكارم الأخلاق - ركن المقالات