09-11-12, 05:14 AM | #1 |
مشرفة روضة علوم اللغة العربية
|
رَسم المُصحف وقَواعِد الإملاء!
بسم الله الرّحمن الرّحيم
السّلام عليكُم ورحمةُ الله تعالى وبركاته الحَبيباتُ في الله؛ / \ / مادّةٌ لكلّ خَير؛ داعيَةٌ. ،’ الطعن في رسم المصحف لمخالفته قواعد الإملاء(*) مضمون الشبهة: يطعن بعض المشككين في رسم القرآن الكريم لمخالفته قواعد الإملاء، ومن ذلك قوله عز وجل: )ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأت نوح وامرأت لوط( (التحريم: 10) **؛ حيث جاءت كلمة "امرأت" بالتاء المفتوحة، والصواب في ظنهم أن تكون بالتاء المربوطة "امرأة". وجها إبطال الشبهة: الأصل في التاء التي تأتي لتأنيث الاسم أن تكتب تاء مربوطة؛ للتفريق بينها وبين تاء التأنيث في الفعل، والتاء في جمع المؤنث السالم. مثل: كتب التلميذ الدرس، كتبت التلميذة الدرس، كتبت التلميذات الدرس. ومن لا يعرف طريقة الكتابة للمصحف بالخط العثماني، ولا يدرك أسرارها يظن أن القرآن الكريم قد اشتمل على بعض الأخطاء الإملائية في كتابته، ومن ذلك ما في قوله عز وجل: )ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأت نوح وامرأت لوط((التحريم: 10)؛ حيث كتبت كلمة "امرأت" بالتاء المفتوحة مرتين، مما توهمه بعضهم مخالفة لقواعد الإملاء، والصواب في زعمهم أن تكتب الكلمة بالتاء المربوطة "امرأة"؛ لتوافق قواعد الكتابة والإملاء. وهذا التوهم مردود من وجهين: 1) لقد وردت كلمة "امرأت" بالتاء المفتوحة في هذه الآية وفي مواضع أخرى في القرآن الكريم؛ إيذانا بجواز الوقوف عليها بالتاء على لغة طيء؛ ولا شك أن في هذا حفاظا على لغات العرب الفصيحة. 2) إن القرآن الكريم كتاب معجز في نظمه، وفي رسمه؛ لهذا فإن للرسم العثماني الذي كتب به القرآن الكريم طبيعة خاصة تختلف عما تعارف عليه الناس في الكتابة العادية، ومن ثم فلا وجود للخطأ الإملائي في القرآن؛ لأن هذا الرسم خاص بالقرآن ولا يقاس عليه. التفصيل: أولا. لقد رسمت كلمة "امرأة" في الآية الكريمة - وفي كثير من المواضع الأخرى التي وردت فيها - بالتاء المفتوحة "امرأت"؛ وذلك للإيذان بجواز الوقف عليها بالتاء، دلالة على لغة طيء، وهي لغة عربية فصيحة، ولا شك أنا لو أهملنا هذا الرسم لضاع، وبضياعه نضيع كثير من اللغات الفصحى التي لا يمكن الاستدلال عليها إلا بالقرآن الكريم الذي هو أصدق الحديث[1]. ولعل سائلا يسأل: إذا كان رسم كلمة "امرأة" في هذه الآية بالتاء المفتوحة حفاظا على لغة طيء، فلم لم يلتزم النساخ برسم واحد لهذا الحرف في القرآن الكريم؛ حيث رسمت في بعض المواضع الأخرى بالتاء المربوطة، مثل قوله عز وجل: )إني وجدت امرأة تملكهم( (النمل: ٢٣). وللإجابة عن هذا نقول: إن في فعلهم هذا كل الصواب؛ فهم لم يسيروا في القرآن كله برسم واحد للحرف، ورسموه في بعض المواضع بالرسم الذي يوافق لغة من لغات العرب، وفي المواضع الأخرى بالرسم الذي يوافق باقي اللغات، ولو أنهم لم يفعلوا ذلك وساروا في رسمه على نمط واحد لفهم من ذلك أن ليس هناك من اللغات غير هذه اللغة التي يشهد لها هذا الرسم، ففي فعلهم هذا صيانة لهذه اللغة الفصيحة، وفي هذا من الذكاء والفطنة وبعد النظر ما فيه. وليس معنى ذلك أن هذا التعدد والتنوع في رسم المصحف الشريف قائم على المصادفة، فرسمت بعض الكلمات بالتاء المفتوحة، وبعضها الآخر بالتاء المربوطة كيفما اتفق، فالمتأمل في آيات القرآن الكريم التي وردت فيها كلمة "امرأة" يجد أنها لا تكتب بالتاء المفتوحة إلا إذا كانت مخصصة بالإضافة؛ وذلك مثل قوله تعالى: )إذ قالت امرأت عمران رب إني نذرت لك ما في بطني محررا( (آل عمران: ٣٥)، وقوله عز وجل: )قالت امرأت العزيز الآن حصحص الحق( (يوسف: ٥١)، وقوله: )امرأت نوح وامرأت لوط( (التحريم:١٠)، بينما تكتب بالتاء المربوطة إذ جاءت غير مضافة؛ مثل قوله عز وجل: )وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا((النساء: ١٢٨)، وقوله عز وجل: )إني وجدت امرأة تملكهم( (النمل: ٢٣)، وقوله: )وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي( (الأحزاب: 50). أي: إن الآيات التي وردت بها كلمة "امرأت" بالتاء المفتوحة هي الآيات التي تشير إلى امرأة معينة، تكون معروفة ومقصودة بعينها، حيث عرفت بالإضافة، كما سبق أن ذكرنا: "امرأت نوح، وامرأت لوط، وامرأت فرعون، وامرأت العزيز". وإذا كان المعنى يشير إلى أية امرأة، أو جنس المرأة عامة: رسمت فيه كلمة "امرأة" بالتاء المربوطة؛ كما ذكر في الجزء الثاني من الآيات السابقة. وعلى هذا فليس في الأمر أية مخالفة لقواعد الإملاء، كما يتوهم بعضهم، ولكنه نوع من الحفاظ على بعض اللغات الفصحى لدى قبائل العرب، وهذا الحفاظ قد تم بطريقة منظمة، فلم يكن عشوائيا كما يظنون. ثانيا. إن للرسم العثماني الذي كتب به القرآن الكريم طبيعة خاصة تختلف عما تعارف عليه الناس في الكتابة العادية، وهذه الخصوصية ترجع بلا شك إلى خصوصية هذا الكتاب الكريم المعجز، فكما أن نظم القرآن معجز، فرسمه أيضا معجز، لهذا كان من الأمور التوقيفية التي لا يجوز تغييرها بحال من الأحوال، فقد كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - كتاب يكتبون الوحي، وقد كتبوا القرآن كله بهذا الرسم، وأقرهم الرسول على كتابتهم، وانتقل الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى الرفيق الأعلى، وقد كتب القرآن كله على هذه الكيفية المخصوصة لم يحدث فيها تغيير ولا تبديل. ثم تولى الخلافة بعده أبو بكر الصديق رضي الله عنه، فأمر بكتابة القرآن كله في المصحف على هذه الهيئة، ثم جاء عثمان رضي الله عنه فنسخت المصاحف العثمانية بأمره من صحف أبي بكر على هذا الرسم أيضا، ووزع عثمان هذه المصاحف على المسلمين؛ لتكون إماما للمسلمين، وأقر أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمل أبي بكر وعثمان في المصاحف، ولم ينكر أحد منهم عليهما شيئا، بل ظفر كل منهما بإقرار جميع الصحابة لعمله، واستمر المصحف مكتوبا بهذا الرسم في عهد بقية الصحابة والتابعين وتابعي التابعين، والأئمة المجتهدين في عصورهم المختلفة، ولم يثبت أن أحدا من هؤلاء حدثته نفسه بتغيير هجاء المصاحف ورسمها الذي كتبت عليه، بل ظل الرسم القديم قائما بنفسه بعيدا عن التأثر بالرسم الحادث، نعم.. ظل الرسم القديم منظورا إليه بعين التقديس والإكبار في سائر العصور المختلفة، والأزمنة المتفاوتة مع أنه قد وجد في هذه العصور المختلفة أناس يقرءون القرآن ولا يحفظونه، وهم في الوقت نفسه لا يعرفون من الرسم إلا هذا الرسم المحدث الذي وضعت قواعده في عصر التأليف والتدوين، وشاع استعمال هذه القواعد بين الناس في كتابة غير القرآن[2]. ونقل ابن المبارك عن شيخه عبد العزيز الدباغ أنه قال له: ما للصحابة ولا لغيرهم في رسم القرآن ولا شعرة واحدة، وإنما هو توقيف من النبي، وهو الذي أمرهم أن يكتبوه على الهيئة المعروفة بزيادة الألف ونقصانها؛ لأسرار لا تهتدي إليها العقول، وهو سر من الأسرار خص الله به كتابه العزيز دون سائر الكتب السماوية، وكما أن نظم القرآن معجز فرسمه أيضا معجز! وكيف تهتدي العقول إلى سر زيادة الألف في "مائة" دون "فئة"، وإلى سر زيادة الياء في "بأييد" و "بأييكم"؟ أم كيف تتوصل إلى سر زيادة الألف في "سعوا" بالحج، ونقصانها من "سعو" في سبأ، وإلى سر زيادتها في "عتوا" حيث كان، ونقصانها من "عتو" في الفرقان، وإلى سر زيادتها في "آمنوا" وإسقاطها من "باءو، جاءو، تبوءو، فاءو" بالبقرة؟ وإلى سر زيادتها في "يعفوا الذي" بالبقرة ونقصانها من "يعفو عنهم" في النساء؟ أم كيف تبلغ العقول إلى وجه حذف بعض أحرف من كلمات متشابهة دون بعض؛ كحذف الألف من "قرءانا" "قرءنا" بيوسف والزخرف، وإثباتها في سائر المواضع؟ وإثبات الألف بعد واو "سموات" في فصلت وحذفها من غيرها. وإثبات الألف في "الميعاد" مطلقا، وحذفها من الموضع الذي في الأنفال، وإثبات الألف في "سراجا" حيثما وقع، وحذفه من موضع سورة الفرقان؟ وكيف تتوصل إلى فتح بعض التاءات وربطها في بعض؟ وغير ذلك[3]. ومن ثم فإن مخالفة رسم القرآن الكريم لبعض القواعد الإملائية لا يعد خطأ في رسم القرآن الكريم؛ لأن هذا الرسم خاص بالقرآن الكريم فقط، ولا يقاس عليه، يقول ابن درستويه: خطان لا يقاس عليهما: خط المصحف، وخط تقطيع العروض" ومن ثم فإن الخط على ثلاثة أنواع: 1. خط يقتدى به ولا يغير، وهو رسم المصاحف العثمانية. 2. وخط جرى على إثبات ما تلفظ به وإسقاط غيره، وهو خط العروض. 3. وخط جرى على العادة المعروفة في الإملاء[4]. وهذه الخصوصية التي يتميز بها رسم القرآن الكريم، هي في الحقيقة ميزة عظيمة، وليست عيبا أو خطأ؛ لأن للاحتفاظ بهذا الرسم أهمية كبرى، وهي: إن قواعد الهجاء والإملاء الحديثة عرضة للتغيير والتنقيح في كل عصر وجيل، فلو أخضعنا رسم المصحف لهذه القواعد لأصبح القرآن عرضة للتبديل والتغيير، وحيطتنا للكتاب العزيز وتقديسنا له يضطرنا إلى أن نجعله بمنأى عن هذه التغييرات في رسمه وكتابته. إن تغيير الرسم العثماني ربما يكون مدعاة - من قريب أو بعيد - إلى التغيير في جوهر الألفاظ والكلمات القرآنية، ولا شك أن في ذلك القضاء على أصل الدين، وأساس الشريعة، وسد الذرائع أصل من أصول الشريعة الإسلامية[5]. ونستطيع أن نقول بعد هذه الحقائق التي ذكرناها، وبعد إيضاحنا للطبيعة الخاصة التي تميز بها الرسم العثماني للمصحف الشريف، إنه لا يوجد أي خطأ إملائي في القرآن الكريم في هذه الآية الكريمة )ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأت نوح وامرأت لوط( (التحريم: ١٠)ولا في غيرها من آيات الكتاب الحكيم المعجز نظما ورسما. الأسرار البلاغية في الآية الكريمة: · إن المتأمل في قوله: )ضرب الله مثلا للذين كفروا (يجد أن ضرب المثل هنا منزع جليل بديع من منازع البلغاء، لا يبلغ محاسنه إلا الخاصة؛ لأنه بمثابة التشبيه، والمقارنة بين حال السابق واللاحق؛ وذلك لتزداد الموعظة وضوحا، ويزداد التنويه استنارة، أما تعدية "ضرب" باللام الدالة على العلة فتفيد أن إلقاء المثل لأجل مدخول اللام "الذين كفروا" أي: من أجل تنبيههم وقياس حالهم على حال الممثل به. · أما قوله: ) كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما( (التحريم:١٠)فلفظة "تحت" هنا مجاز في معنى الصيانة والعصمة. أما السر في وصف هذين النبيين بوصف "عبدين صالحين" مع أن وصف النبوة أخص من الصلاح، فهو التنويه بوصف الصلاح، وإيماء إلى أن النبوة صلاح ليعظم بذلك شأن الصالحين، ولتكون الموعظة سارية إلى نساء المسلمين في معاملتهن لأزواجهن، فإن وصف النبوة قد انتهى بالنسبة للأمة الإسلامية، ومع ما في ذلك من تهويل الأذى لعباد الله الصالحين، وعناية ربهم بهم، ومدافعته عنهم. · والمتأمل في قوله: )فلم يغنيا عنهما من الله شيئا( (التحريم: ١٠)يجد أن كلمة "شيئا" قد جاءت نكرة وذلك للتحقير، للدلالة على أن هذين النبيين لم يغنيا عن زوجيهما أقل غنى وأجحفه، أو ما يمكن أن يطلق عليه غنى. · أما قوله: )مع الداخلين(فقد أفاد مساواتهما في العذاب لغيرهما من الكفرة الخونة، وهذا تأكيد على أنهما لم ينتفعا بشيء من حظوة زوجيهما[6]. (*) .www.ebnmaryam.com [1]. رسم المصحف بين المؤيدين والمعارضين، د. عبد الحي الفرماوي، مكتبة الأزهر، القاهرة، ط1، 1977م، ص97. [2]. الأحرف السبعة وأصول القراءات، محمد محمود عبدالله، مطبعة الوراق، الأردن، ط1، 2003م، ص121: 123. [3]. مناهل العرفان، محمد عبد العظيم الزرقاني، مكتبة نزار مصطفى الباز، الرياض، 1417هـ/ 1996م، ج1، ص311 بتصرف يسير. [4]. البرهان على سلامة القرآن من التحريف والتبديل والزيادة والنقصان، د. أحمد بن منصور آل سبالك، معهد علوم القرآن والحديث، القاهرة، ط1، 2006م، ص131. [5]. الأحرف السبعة وأصول القراءات، محمد محمود عبدالله، مطبعة الوراق، الأردن، ط1، 2003م، ص123، 124. [6]. التحرير والتنوير، محمد الطاهر ابن عاشور، دار سحنون، تونس، د. ت، مج13، ج28، ص373: 376 بتصرف. ـــــــــــــ سدّدكنّ اللهُ. |
10-11-12, 01:58 PM | #2 |
معلمة بمعهد خديجة
|
بارك الله فيك ونفع بك.
|
10-11-12, 10:31 PM | #3 |
طالبة دورة أزاهير رَسم الحرف
تاريخ التسجيل:
19-05-2012
المشاركات: 62
|
بارك الله فيكم معلمتنا
|
04-12-12, 11:28 AM | #4 |
~مشارِكة~
|
جزاكم الله خيرا وبارك الله فيكم
|
16-01-14, 03:47 PM | #5 |
| طالبة في المستوى الثاني1 |
|
بسم الله الرحمن الرحيم
موضوع مهم و جيد جزاكِ الله كل خير و بارك الله فيكِ. |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
(View-All) Members who have read this thread in the last 30 days : 0 | |
There are no names to display. |
|
|