العودة   ملتقى طالبات العلم > . ~ . أقسام العلوم الشرعية . ~ . > روضة العلوم الشرعية العامة > روضة القرآن وعلومه

الملاحظات


إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 16-10-06, 08:13 PM   #1
طـريق الشـروق
~مستجدة~
 
تاريخ التسجيل: 13-06-2006
المشاركات: 21
طـريق الشـروق is on a distinguished road
افتراضي نزول القرآن الكريم وتاريخه وما يتعلق به


نزول القرآن الكريم وتاريخه وما يتعلق به


إعداد
الدكتور محمد عمر حويه
مدير مركز الدراسات القرآنية
بمجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف
المقدمة:
من مقتضيات النزول
إن ما يسمى بعلوم القرآن الكريم مندرج تحت نزول القرآن الكريم ولازم له، وعليه فلا بد من الإلمام في الأسطر التالية بالأمور التالية إجمالًا من غير تفصيل في الدقائق، فذلك شأن الموضوعات الخاصة بالنزول الذي هو موضوع البحث.
التعريف بعلوم القرآن فنًا مستقلًا وبداية ظهور هذا الاصطلاح
هو علم ذو مباحث تتعلق بالقرآن الكريم من حيث نزوله وترتيبه وكتابته وجمعه وقراءاته وتفسيره وإعجازه وناسخه ومنسوخه ومحكمه ومتشابهه إلى غير ذلك من المباحث التي تذكر في هذا العلم (1) ، وقد يسمى هذا العلم بأصول التفسير لأنه يتناول العلوم التي لا بد للمفسر منها (2) .
وأول ظهور هذا المصطلح لعلوم القرآن فنًّا مستقلًا كان على يد الحوفي المتوفى 430 هـ في كتابه "البرهان في علوم القرآن"، ثم تبعه ابن الجوزي المتوفى سنة 597 هـ في كتابه "فنون الأفنان في عجائب القرآن" ثم جاء بدر الدين الزركشي المتوفى سنة 794 هـ بكتاب واف سماه "البرهان في علوم القرآن" ثم جاء البلقيني المتوفى سنة 824ه فألف كتابه "مواقع العلوم من مواقع النجوم" ثم جاء خاتمة الحفاظ وفارس الميدان جلال الدين السيوطي المتوفى سنة 911ه بكتابه "الإتقان في علوم القرآن"، وصار الناس بعده عيالًا عليه، كلٌّ يأخذ منه، والبعض يلخص والبعض يختصر.
_________
(1) المدخل 1 / 25 ومابعدها
(2) مباحث في علوم القرآن 1 / 16

متى بدأ النزول وكم كانت مدة النزول
ـــــــــــــ
إن بحث نزول القرآن وتاريخ نزوله، لمن أهم المباحث إذ به تعرف تنزلات القرآن الكريم، ومتى نزل، وكيف نزل، وعلى من نزل وكيف كان يتلقاه جبريل من الله تبارك وتعالى؟ ولاشك أن العلم بذلك يتوقف على كمال الإيمان، بأن القرآن من عند الله، وأنه المعجزة العظمى للنبي صلى الله عليه وسلم، كما أن كثيرًا من المباحث التي تذكر في هذا الفن يتوقف على العلم بنزوله، فهو كالأصل بالنسبة لغيره.
أنزل الله القرآن الكريم على رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم لهداية البشر وإخراجهم من الظلمات إلى النور، فكان نزوله حدثًا جللًا مؤذنا بمكانة النبي صلى الله عليه وسلم عند أهل السماء والأرض.
فإنزاله الأول في ليلة القدر نبه العالم العلوي على شرف هذه الأمة، وأنهاالقائدة التي جعلها الله خير أمة أخرجت للناس.

قال تعالى { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ } (البقرة الآية 185 ) ، فقد مدح تعالى شهر الصيام من بين سائر الشهور بأنه اختاره من بينها لإنزال القرآن العظيم فيه، قال ابن كثير (1) : "وكما اختصه بذلك فقد ورد الحديث بأنه الشهر الذي كانت الكتب الإلهية تنزل فيه على الأنبياء ".
قال الإمام أحمد بن حنبل (2) رحمه الله حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم، حدثنا عمران أبو العوام عن قتادة عن أبي المليح عن واثلة - يعني ابن الأسقع - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « أنزلت صحف إبراهيم في أول ليلة من رمضان، والإنجيل لثلاث عشرة خلت من رمضان وأنزل الله القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان » .
وقد روى من حديث جابر بن عبد الله وفيه أن الزبور أنزل لثنتي عشرة خلت من رمضان والإنجيل لثماني عشرة والباقي كَمَا تقدم رواه ابن مردويه (3) .
_________
(1) 1 / 309
(2) أحمد 4 / 107، الطبراني في الكبير 22 / 75، والبيهقي في شعب الإيمان: 2 / 414
(3) ابن كثير 1 / 217، قال: رواه ابن مردويه

ـــــــــــــــــــــــ
أما الصحف والتوراة والزبور والإنجيل فنزل كل منها على النبي الذي أنزل عليه جملة واحدة وأما القرآن فكان نزوله الأول جملة واحدة إلى بيت العزة من سماء الدنيا، كما تدل عليه الآيات: { شَهْرُ رَمَضَانَ } ... (البقرة: 185) { إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ } (الدخان : 3) .

أما تاريخ نزول القرآن منجمًا وهو النزول الثاني، فقد كان بعد الأربعين من عمره صلى الله عليه وسلم حينما بعث في يوم الاثنين وكان أول ما نزل عليه صدر سورة اقرأ كما ذكر ذلك محققو أهل العلم من أهل التفسير والحديث والسير، قال العلامة الفاسي في نظمه قرة الأبصار في سيرة المشفّع المختار (1) صلى عليه أشرف العباد من بعد أربعين عاما غبرا صلى عليه الله فالق الفلق توحيد رّب العالمين مرسلا إحصاءه من معجزات كالمطر نورا ورفعة مع ابتهاجى كما أتت بذلك الأخبار لو شاء لكن جاد بالتأخير منهم ومن أصلابهم أبناء وأيّد الحق به وأظهره بيان مبعث النبي الهاد وجاءه جبريل في غار حرا في يوم الاثنين بسورة العلق فقام يدعو الإنس والجن إلى مؤيّدًا منه بِرا أعْيا البشر نفعًا وكثرة وكالسراج ومع ذا حاصره الفجّار وكان قادرا على التدمير حتى هدى الله به من شاء ثم أعز دينه ونصره قال في الإتقان (2) :
_________
(1) مخطوطة، منظومة في السيرة ص 3
(2) 1 / 116

"أما إنزاله الثاني مفرقًا على حسب الوقائع خلافا لما كان معهودًا عندهم في الكتب السابقة فقد أثار الضجة عند القوم حتى حملهم على المحادّة والمساءلة حتى ظهر لهم الحق فيما بعد من أسرار الحكم الإلهية في إنزاله منجما على حسب الوقائع حتى أكمل الله الدين".
هذا وقد يظن البعض أن الآيات من قوله { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ } (البقرة:185) الخ وقوله { حم }{ وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ }{ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ } (الدخان:1-3) الخ وقوله { إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ } (القدر : 1). بينها تعارض والواقع أنه لا تعارض بينها، فالليلة المباركة هي ليلة القدر من شهر رمضان، وإنما يتعارض ظاهرها مع الواقع العملي في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم لأن القرآن نزل عليه خلال ثلاث وعشرين سنة.

وقد روى من غير وجه عن ابن عباس كما قال إسرائيل عن السدي عن محمد بن أبي المجالد عن مقسم عن ابن عباس أنه سأله عطية بن الأسود فقال وقع في قلبي الشك من قول الله تعالى { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ } وقد أنزل في شوال وذي القعدة وفي ذي الحجة ومحرم، وصفر وشهر ربيع فقال ابن عباس وجمهور العلماء:إن المراد بنزول القرآن في تلك الآيات الثلاث، نزوله جملة واحدة إلى بيت العزة من السماء الدنيا تعظيما لشأنه عند الملائكة، ثم أنزل بعد ذلك منجما على مواقع النجوم ترتيلًا في الشهور والأيام في ثلاث وعشرين سنة، حسب الوقائع والأحداث منذ بعثه صلى الله عليه وسلم إلى أن توفى حيث أقام بمكة بعد البعثة ثلاث عشرة سنة، وبالمدينة بعد الهجرة عشر سنين وهذا المذهب هو الذي جاءت به الأخبار الصحيحة عن ابن عباس في عدة روايات منها: عن ابن عباس قال أنزل القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا (1) ليلة القدر ثم أنزل بعد ذلك في عشرين سنة ثم قرأ { وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا } (الفرقان : 33). وقوله { وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ }
_________
(1) رواه الحاكم في المستدرك 2 / 242 رقم 2878، البيهقي 4 / 306
(الإسراء : 106).
2- وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: فصل القرآن من الذكر فوضع في بيت العزة من السماء الدنيا فجعل جبريل ينزل به على النبي صلى الله عليه وسلم.
3- وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أنزل الله القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا وكان بمواقع النجوم وكان الله ينزله على رسوله صلى الله عليه وسلم بعضه إثر بعض. رواه الحاكم والبيهقي (1) .
4- وعنه رضي الله عنه قال أنزل القرآن في ليلة القدر في شهر رمضان إلى السماء الدنيا جملة واحدة ثم أنزل نجومًا "رواه الطبراني ".
2- المذهب الثاني هو المروي عن الشعبي أن المراد بنزول القرآن في الآيات الثلاث ابتداء نزوله على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد ابتدأ نزوله في ليلة القدر من شهر رمضان وهي الليلة المباركة، ثم تتابع نزوله بعد ذلك مندرجًا مع الوقائع والأحداث في قرابة ثلاث وعشرين سنة.
_________
(1) رواه الحاكم في المستدرك 2 / 241 وصححه ووافقه الذهبي وابن الملقن وصححه أيضًا الحافظ ابن حجر في الفتح 8 / 620 ورواه البيهقي في دلائل النبوة 3 / 131
قال: فليس للقرآن إلا نزول واحد هو نزوله منجما على رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن هذا هو الذي جاء به القرآن قال تعالى { وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ } (الإسراء:106)، ولهذا جادل فيه المشركون لكون الكتب السماوية نقل إليهم نزولها جملة واحدة قال تعالى { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا }{ وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا } (الفرقان:32-33).
قال: ولا يظهر للبشرية مزية لشهر رمضان وليلة القدر التي هي الليلة المباركة إلا إذا كان المراد بالآيات الثلاث نزول القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا يوافق ما جاء في قوله تعالى في غزوة بدر { وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } (الأنفال:41). وقد كانت غزوة بدر في رمضان، ويؤيد هذا ما عليه المحققون في حديث بدء الوحي.
عن عائشة قالت "أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح" (1) فالمحققون على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نبئ أولًا بالرؤيا في الشهر الذي ولد فيه وهو شهر ربيع الأول، وكانت المدة بين الرؤيا والوحي إليه يقظة ستة أشهر ثم أوحي إليه يقظة بـ { اقْرَأْ } .
قال الشيخ مناع القطان رحمه الله (2) "وبهذا تتآزر النصوص على معنى واحدٍ".

3- المذهب الثالث يرى أن القرآن أنزل إلى السماء الدنيا في ثلاث وعشرين ليلة قدر في كل ليلة منها ما يقدر الله إنزاله في كل السنة، وهذا القدر الذي ينزل في ليلة القدر إلى السماء الدنيا لسنة كاملة ينزل بعد ذلك منجمًا على رسول صلى الله عليه وسلم في جميع السنة.
ولاشك أن هذا المذهب اجتهاد من بعض المفسرين فليس هناك ما يدل عليه، أما المذهب الثاني فإنه لا تعارض بينه وبين المذهب الأول الذي هو مذهب ابن عباس والجمهور.
فالراجح أن القرآن الكريم له تنزّلان، كما علمت:
الأول:- نزوله إلى بيت العزة من سماء الدنيا جملة.
_________
(1) رواه البخاري رقم 2 كتاب بدء الوحي ومسلم كتاب الإيمان 160
(2) مباحث في علوم القرآن ص100 في بعدها
وقد نقل القرطبي (1) الإجماع على هذا النزول عن مقاتل بن حيان وممن قال بقوله الخليمي والماوردي (2) . الثاني نزوله من السماء الدنيا مفرقا على مدى ثلاث وعشرين سنة.
_________
(1) 2 / 297
(2) الإتقان في علوم القرآن تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ص116

الحكمة في إنزال القرآن جملة إلى السماء
1- تفخيم أمره وأمر مَن نزل عليه، وذلك بإعلام سكان السماوات السبع أن هذا آخر الكتب المنزلة على خاتم الرسل لأشرف الأمم.قال السيوطي : نقلًا عن أبي شامة في المرشد الوجيز " لولا أن الحكمة الإلهية اقتضت وصوله إليهم منجما بحسب الوقائع لهبط به إلى الأرض جملة كسائر الكتب المنزلة قبله، ولكن الله باين بينه وبينها فجعل له الأمرين: إنزاله جملة ثم إنزاله مفرّقًا تشريفًا للمنزل عليه" (1) .
2 - وقال السخاوي في جمال القراء:" نزوله إلى السماء الدنيا جملة تكريم لبني آدم وتعظيم لشأنهم عند الملائكة، وتعريفهم عناية الله بهم ورحمته لهم ".
والقرآن بالاستقراء كان ينزل حسب الحاجة خمس آيات وعشر آيات وأكثر وأقل، وصح نزول عشر آيات في قصة الإفك جملة.
ونزول عشر آيات من أول سورة المؤمنون جملة، كما صح نزول { غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ } وحدها وهي بعض آية وكذا قوله { وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً } إلى آخر الآيات.
_________
(1) الإتقان في علوم القرآن 1 / 116 وما بعدها، مباحث في علوم

ويوضح ذلك ما أخرجه البخاري (1) عن عائشة رضي الله عنها قالت: إنما نزل أول ما نزل منه سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول شيء لا تشربوا الخمر لقالوا لا ندع الخمر أبدا، ولو نزل "لاتزنوا" لقالوا لا ندع الزنا أبدا.
اعلم أن القرآن الكريم له وجودات ثلاثة:-
1 - وجوده في اللوح المحفوظ.
2 - وجوده في السماء الدنيا.
3 - وجوده في الأرض.
بنزوله على النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يقترن النزول إلا بالوجود الثاني والثالث وقد دل القرآن الكريم أنه كان قبل نزوله في اللوح المحفوظ حيث يقول الله تعالى { بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ }{ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ } (البروج : 21-22).
_________
وهذا اللوح المحفوظ هو الكتاب المكنون الذي قال الله عنه { إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ }{ فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ }{ لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ }{ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ } (الواقعة: 77-80) والذي عليه جمهور المفسرين أن الكتاب المكنون هو اللوح المحفوظ، واللوح المحفوظ هو السجل العام الذي كتب الله فيه في الأزل كل ما كان وكل ما يكون، والواجب علينا أن نؤمن به وأنه موجود ثابت، أما البحث فيما وراء ذلك فلسنا مطالبين به.

أما كيف كان جبريل يتلقى الوحي، فلا يركن إلى شيء مما قيل في ذلك إلا ما أومأ له الدليل، وأولى قول في هذا المجال هو ما ذكره البيهقي في تفسير قوله تعالى { إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ } قال: يريد والله أعلم "إنا أسمعنا الملك وأفهمناه إيّاه وأنزلناه بما سمع، وهذا القول يشهد له ما رواه الطبراني من حديث النواس بن سمعان " مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: « إذا تكلم الله بالوحي أخذت السماء رجفة شديدة من خوف الله فإذا سمع بذلك أهل السماء صعقوا وخروا سجدًا، فيكون أولهم يرفع رأسه جبريل فيكلمه الله بوحيه بما أراد فينتهي به حيث أمر » والحديث وإن لم يكن نصًا في القرآن إلا أن الوحي يشمل وحي القرآن وغيره (1) .
_________
(1) المدخل 1 / 255، الاتفاق 1 / 45، مباحث في علوم القرآن ج1، ص105 وما بعدها

أما قول من قال إن جبريل أخذ القرآن من الكتاب، لم يسمعه من الله، فهذا قول باطل كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيميه (1) وقد أخبر تعالى بأنه منزل منه قال تعالى { وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ } (الأنعام : 114) وقال تعالى { حم }{ تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } (فصلت : 1-2). وقال تعالى { حم }{ تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ } (الأحقاف: 1-2). فجبريل رسول الله من الملائكة جاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من البشر والله يصطفي من الملائكة رسلًا ومن الناس. وكلاهما مبلغ له.
قال شيخ الإسلام ابن تيميه (2) :" وهو مع هذا كلام الله ليس لجبريل ولا لمحمد فيه إلا التبليغ والأداء كما أن المعلمين له في هذا الزمان والتالين له في الصلاة أو خارج الصلاة ليس لهم فيه إلا ذلك لم يحدثوا شيئًا من حروفه ولا معانيه ".
قال الإمام السيوطي (3) قال الجويني : كلام الله المنزل قسمان:
_________
(1) الفتاوى 12 / 127 فما بعدها
(2) الفتاوى 12 / 260
(3) الإتقان 1 / 128
أ - قسم قال الله لجبريل قل للنبي صلى الله عليه وسلم -الذي أنت مرسل إليه إن الله يقول افعل كذا وكذا، ففهم جبريل ما قاله ربه، ثم نزل على ذلك النبي صلى الله عليه وسلم وقال له ما قاله ربه ولم تكن العبارة تلك العبارة، كما يقول الملك لمن يثق به: قل لفلان يقول لك الملك اجتهد في الخدمة واجمع جندك للقتال. فإن قال الرسول بقول الملك لا تتهاون في خدمته ولا تترك الجند تتفرق وحثهم على المقاتلة لا ينسب إلى كذب ولا تقصير في أداء الرسالة.
ب - قسم آخر قال الله لجبريل اقرأ على النبي هذا الكتاب فنزل جبريل بكلمة من الله من غير تغيير كما يكتب الملك كتابا ويسلمه إلى أمين ويقول له اقرأه على فلان فهو لا يغير منه كلمة ولا حرفًا.
قال السيوطي : القرآن هو القسم الثاني، والقسم الأول هو السنة، وقد ورد أن جبريل كان ينزل بالسنة كما ينزل بالقرآن قال: ولهذا جازت رواية السنة بالمعنى بخلاف القرآن الكريم فإنه نزل جبريل بألفاظه ومعانيه فلا تجوز روايته بالمعنى. والسر في ذلك أن القرآن يقصد التعبد بألفاظه وهو كذلك معجز فلا يمكن لأحد مَهْمَا أوتي من البلاغة والفصاحة أن يأتي بلفظ يقوم مقامه.

كما أن فيه تخفيفًا على الأمة حيث جعل المنزل إليهم على قسمين قسم يروونه بلفظه الموحي به وقسم يروونه بالمعنى، ولو جعل كله مما يروي باللفظ، لشق، أو بالمعنى لم يؤمن التبديل. قال صاحب المدخل (1) : "وكذلك ليس للنبي صلى الله عليه وسلم في القرآن شيء إلاّ مجرَّد التبليغ فقط وهذا هو الحق الذي يجب على كل مسلم أن يعتقده ويؤمن به ".
قال: ولا يلتفت إلى ما زعمه بعض من يعرف بما لا يعرف، أو من يفتري ويختلق من أن جبريل أوحي إليه المعنى، وأنه عبّر بهذه الألفاظ الدالة على المعاني بلغة العرب، ثم نزل على النبي صلى الله عليه وسلم كذلك أو أن جبريل أوحى إلى النبي صلى الله عليه وسلم المعنى أن النبي صلى الله عليه وسلم عبر عن هذه المعاني بلفظ من عنده فهذا القول زعم وَخَرْصٌ لم تقم عليه إثارة من علم.
وهو خلاف ما تواتر عليه القرآن والسنة، وانعقد عليه إجماع الأمة من أن القرآن لفظه ومعناه كلام الله ومن عند الله مِنهُ بدأ وإليه يعود.
إلى أن قال: وهذا الزعم لا يقول به إلا جاهل استولى الجهل والغفلة عليه أو زنديق قد يدس في الدين والعلم ما ليس منه.
_________
(1) الدكتور محمد محمد أبو شهبة رحمه الله 1 / 62
ولا يغتر بوجوده في بعض الكتب الإسلامية، فأغلب الظن أنه مَدْسوسٌ على الإسلام والمسلمين هذا وقد بلغ النبي صلى الله عليه وسلم القرآن الكريم من غير تحريف ولا تبديل ولا تغيير لشيء منه ولا كتمان له، ولو كان كاتمًا شيئًا [ حاشاه من ذلك ] لكتم تبليغ الآيات التي عوتب فيها ويكفي أن تقرأ قول الحق تبارك وتعالى { يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ } (المائدة، : 67.) وقوله { وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } (يونس : 15.) وقوله { وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ }{ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ }{ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ }{ فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ } (الحاقة : 44-47)
كيف كان يتلقى النبي صلى الله عليه وسلم الوحي من جبريل
1 -أحيانا يأتي جبريل عليه السلام للنبي صلى الله عليه وسلم في صفة رجل من البشر وكان كثيرًا ما يأتي في صورة دحية الكلبي.
2-وأحيانًا يأتي ولا يراه الحاضرون، وقد يسمعون له دويًّا وصلصلة كصلصلة الجرس.
ودل على هاتين الحالتين من الوحي ما رواه البخاري في صحيحه (1) بسنده عن عائشة رضي الله عنها أن الحارث بن هشام رضي الله تعالى عنه « سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يأتيك الوحي؟ فقال: أحيانًا يأتيني مثل صلصلة الجرس، وهو أشده عليَّ، فيقصم عَنّي وقد وعيت منه ما قال: وأحيانًا يتمثل لي الملك رجلًا فيكلمني فأعي مايقول ... الخ » هذا والقرآن الكريم لم ينزل منه شيء إلا عن طريق جبريل عليه السلام ولم يأت منه شيء عن تكليم أو إلهام أو منام، بل كله أوحي به في اليقظة وحيا جليًّا (2) .
_________
(1) البخاري رقم 2 كتاب بدء الوحي، ومسلم رقم 2333
(2) المدخل 1 / 58
نزول القرآن مفرقا -منجما-
نزول الكتب السماوية الأخرى
الصحيح المشهور بين العلماء أن الكتب السماوية غير القرآن نزلت جملة واحدة ولم تنزل متفرقة، ومن الأدلة على ذلك آية الفرقان، وهي قوله تعالى { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا } (الفرقان : 32).
فهذه الآية دليل على أن الكتب السماوية غير القرآنية نزلت جملة واحدة كما على ذلك جمهور العلماء.
1- الحكمة الأولى تثبيت فؤاد النبي صلى الله عليه وسلم وتطمين خاطره وقلبه وقد أشار الحق تبارك وتعالى إلى هذه الحكمة في قوله { كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا } (الفرقان : 32. )ويندرج تحت هذه الحكمة كثير.
لقد وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوته إلى الناس فوجد منهم نفورًا شديدًا وقلوبًا قاسية، قابله قومه بقلوب قاسية فطرت على الأذى، وقابلوه بصنوف الأذى والشتم مع رغبته الصادقة وسعيه المشكور في إيصال الخير الذي جاء به إليهم حتى قال الله تعالى في حقه { فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا } (الكهف : 6) فكان الوحي ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فترة بعد فترة ليثبت فؤاده على الحق ويقوي عزمه على المضي في الخير.

المحور الأول: النصوص الدالة على نزوله على سبعة أحرف:
اعلم أيها القارئ الكريم أن حديث أنزل القرآن على سبعة أحرف جاء عن كثير من الصحابة حتى ذكر بعض العلماء عنه التواتر، وممن قال بذلك أبو عبيد القاسم بن سلام ، وقد ذكر السيوطي في الإتقان أنه جاء عن واحد وعشرين من الصحابة (1) .
منهم على سبيل المثال: أبي بن كعب ، وأنس بن مالك ، وحذيفة بن اليمان وزيد بن أرقم ، وسمرة بن جندب ، وسليمان بن صرد ، وابن عباس وابن مسعود وعبد الرحمن بن عوف ، وعثمان بن عفان ، وعمر بن الخطاب ، وغير هؤلاء وأخرج الحافظ أبو يعلى في مسنده أن عثمان قال على المنبر "أذكر الله رجلًا سمع النبي صلى الله عليه وسلم قال: « إن القرآن أنزل على سبعة أحرف كلها (2) كاف شاف » لما قام فقاموا حتى لم يحصوا فشهدوا بذلك فقال: وأنا أشهد معهم، قال في المدخل:" وهذا يدل على أن الحديث كان معروفًا مشهورًا غاية الشهرة في زمن الصحابة، ولكن هل نقله عنهم في كل طبقة جماعة كثيرون ممن يثبت بهم التواتر قال هذا ما يحتاج إلى إثبات وإلا فغاية أمره أنه مشهور من الأحاديث الدالة على نزول القرآن على سبعة أحرف ".
_________
(1) الإتقان في علوم القرآن 1 / 45
(2) البخاري رقم رقم 2419، مسلم رقم 818





توقيع طـريق الشـروق
[url=http://www.kshcool.com][img]http://www.kshcool.com/Agif/image/021.gif[/img][/url]

[url=http://www.sa66.com/alshorok][img]http://127.0.0.1:6666/1A0764B294E2EA2F0AB32786F8D9FB92F8143385/توقيع%20الشروق.bmp[/img][/url]
طـريق الشـروق غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 16-10-06, 08:15 PM   #2
طـريق الشـروق
~مستجدة~
 
تاريخ التسجيل: 13-06-2006
المشاركات: 21
طـريق الشـروق is on a distinguished road
افتراضي

الكلام على أسباب النزول
إن القرآن الكريم نزل لهداية البشر، وإرشادهم إلى الطريق المستقيم في العقائد والأحكام ومكارم الأخلاق، وأكثر القرآن نزل إلى هذه الأغراض النبيلة من غير سبب، وبعضه نزل مرتبطًا بأسباب خاصة.
فالصحابة رضي الله عنهم الذين عاشروا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاشوا معه حياتهم قد تقع منهم حادثة تحتاج إلى بيان حكم الله فيها، وقد يسألون عن أشياء فينزل القرآن لذلك.
فسبب النزول هو ما نزلت الآية أو الآيات أيام وقوعه متحدثة عنه مبينة حكمه والمعنى أن حادثة وقعت أو سؤالًا وجه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنزل الوحي ببيان ما يتصل بتلك الحادثة مثل حادثة خولة التي ظاهر منها زوجها فأنزل الله تعالى { قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا } ( المجادلة:1). واعلم أنه لا طريق لمعرفة سبب النزول إلا بالنقل الصحيح عن الصحابة رضي الله عنهم. قال الواحدي في أسباب النزول "لا يحل القول في أسباب النزول إلا بالرواية والسماع ممن شاهدوا التنزيل ووقفوا على الأسباب ".

بعض فوائد أسباب النزول باختصار
ـــــــــ
( 1 ) الاستعانة على فهم الآية وإزالة الإشكال عنها: قال الواحدي "لا يمكن معرفة الآية دون الوقوف على قصتها ". وقال ابن دقيق العيد :معرفة سبب النزول طريق قوي في فهم معاني القرآن. وقال شيخ الإسلام بن تيميه في رسالته أصول التفسير (1) "معرفة سبب النزول يعين على فهم الآية فإن العلم بالسبب يورث معرفة المسبب " ولذلك أمثلة كثيرة منها:-
أ - أن عروة بن الزبير رضي الله عنهما أشكل عليه فرضية السعي بين الصفا والمروة من قول الله عز وجل { إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا } فقال: إن الله نفى الجناح ونفي الجناح يدل على نفي الوجوب فسأل خالته عائشة رضي الله عنها، فقالت له "إن سبب النزول أنه كان قبل الإسلام على الصفا صنم يقال إساف وعلى المروة صنم يقال له نائلة فلما جاء الإسلام تحرج المسلمون من السعي بينهما فأنزل الله الآية رفعًا للحرج (2) .
_________
(1) لباب النقول في أسباب النزول للسيوطي 1 / 17، أصول التفسير 1 / 59
صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري 3 / 392

ب - قوله تعالى { وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ } فقد أشكل معنى هذا الشرط على بعض الأئمة حتى نقل عن الظاهرية أن الآيسة لا عدة عليها إذا لم تَرتَب وقد أزال هذا الإشكال سبب النزول، وذلك أنه لما نزلت الآية التي في البقرة في عدد النساء قال الناس بقي عدد من النساء لم تذكر عدتها، فحينئذ أنزل الله الآية فعلم منها أن حكم عدة اليائسة والصغيرة ثلاثة أشهر، إن أشكل عليكم حكمهن وجهلتم عدتهن (1) .
ج - - قوله تعالى { وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ } فلو تركت على ظاهرها لفهم منها أن المصلي لا يجب عليه استقبال القبلة فلما علم أنها نازلة في صلاة النافلة، أو في من عميت عليه القبلة فصلى باجتهاده وبان له الخطأ بعد ذلك زال الإشكال عنه.
_________
(1) مناهل العرفان 1 / المدخل في علوم القرآن 1 / 138، الإتقان في علوم القرآن 1 / 45 فما بعدها، مباحث في علوم القرآن 1 / 79 فما بعدها

د - ومن ذلك ما روي في الصحيح عن مروان بن الحكم أنه أشكل عليه قوله تعالى { لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } (آل عمران: 188) قال مروان : لئن كان كل أحد فرح بما أوتى وأحب أن يحمد بما لم يفعل معذبا لنعذبن أجمعون، حتى سأل ابن عباس عن ذلك فقال له ابن عباس : إن هذه الآية نزلت في اليهود سألهم النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء فكتموه إياه وأروه أنهم أجابوه واستحمدوه لذلك (1) .
_________
(1) صحيح البخاري 3
طـريق الشـروق غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 16-10-06, 08:15 PM   #3
طـريق الشـروق
~مستجدة~
 
تاريخ التسجيل: 13-06-2006
المشاركات: 21
طـريق الشـروق is on a distinguished road
افتراضي


اعلم أيها القارئ الكريم أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب هذا إذا كان السبب خاصًّا واللفظ عاما، فالحكم الذي يؤخذ من اللفظ العام يتعدى صورة السبب الخاص إلى نظائرها كآيات اللعان التي نزلت في قذف هلال بن أمية زوجته { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ } ...إلى قوله ... { إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ } (سورة النور 6-9.) فيتناول الحكم المأخوذ من هذا اللفظ العام { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ } غير حادثة هلال دون احتياج إلى دليل، هذا هو الرأي الراجح والأصح وهو الذي يتفق مع عموم أحكام الشريعة والذي سار عليه الصحابة والمجتهدون من هذه الأمة (1) .
_________
(1) مباحث في علوم القرآن 1 / 84، مذكرة الأصول 1 / 372، الشيخ محمد الأمين
أما صيغة سبب النزول فتارة تكون نصا في سبب النزول، وتارة تكون محتملة فتكون نصًا في سبب النزول فيما إذا قال الراوي سبب نزول هذه الآية كذا، أو إذا أتى بفاء تعقيبية داخلة على مادة النزول بعد ذكر الحادثة أو السؤال، كما إذا قال "حدث كذا" أو سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كذا فنزلت الآية ، فهاتان صيغتان صريحتان في السببية وتكون الصيغة محتملة للسببية ولما تضمنته الآية من الأحكام إذا قال الراوي نزلت هذه الآية في كذا، فذلك يراد به تارة سبب النزول ويراد به تارة أنه داخل في معنى الآية (1) .
هذا: وقد يتعدد السبب والمنزل واحد، وذكر العلماء لذلك أربع حالات:-
1 - إما أن تكون إحدى الروايتين صحيحة والأخرى غير صحيحة فالمعول عليه ما صحت روايته.
2 - أن تكون كلتا الروايتين صحيحة، ولأحدهما مرجح.
3 - وإما أن تكون كل منها صحيحة ولا يمكن الترجيح، وقد يمكن نزول الآية عقبها.
4 - وإما أن تكون كل منهما صحيحة ولا يمكن الترجيح ولا يمكن نزول الآية عقبها.
_________
(1) أصول التفسير لشيخ الإسلام ابن تيمية 1 / 59-61
( 1 ) مثال الحالة الأولى: أن تكون إحدى الروايتين صحيحة والأخرى غير صحيحة فالمعتمد في السبب الصحيحة « أنه صلى الله عليه وسلم اشتكى فلم يقم ليلة أو ليلتين، فجاءت امراة فقالت: ما أرى شيطانك إلا قد تركك، فأنزل الله { وَالضُّحَى }{ وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى }{ مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى }» (1) مع ما أخرجه الطبراني وابن أبي شيبة والواحدي وغيرهم بسند فيه من لا يعرف « عن حفص بن ميرة عن أمه عن أمها، وكانت خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن جروا دخل بيت النبي صلى الله عليه وسلم فدخل تحت السرير ومات فمكث النبي صلى الله عليه وسلم أربعة أيام لا ينزل عليه الوحي، فقال: يا خولة ما حدث في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل لا يأتيني فقلت في نفسي لو هيأت البيت وكنسته فأهويت بالمكنسة تحت السرير فأخرجت الجرو، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ترعد لحيته وكان إذا نزل عليه الوحي أخذته الرعدة فأنزل الله { وَالضُّحَى }» فالمعتمد الرواية الأولى لأنها صحيحة أما الثانية وإن كانت مشهورة لكنها غير صحيحة لوجود الجهالة في سندها.
_________
(1) فتح الباري 8 / 71
قال الحافظ ابن حجر في الفتح (1) :قصة إبطاء جبريل بسبب الجرو مشهورة لكن كونها سبب نزول الآية غريب بل شاذ مردود وفي إسناده من لا يعرف.
( 2 ) مثال الحالة الثانية: التي هي أن تكون كلتا الروايتن صحيحة ولأحدهما مرجح ما أخرجه البخاري عن ابن مسعود قال: « كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة وهو يتوكأ على عسيب فمر بنفر من اليهود فقال بعضهم لو سألتموه فقالوا حدثنا عن الروح فقام ساعة ورفع رأسه فعرفت أنه يوحى إليه ثم قال { قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا }» (2) .
مع ما أخرجه الترمذي وصححه عن ابن عباس قال: قالت قريش لليهود أعطونا شيئًا نسأل هذا الرجل يريدون النبي صلى الله عليه وسلم (3) .
فالأولى تدل على أن السائل اليهود، وأن نزولها بالمدينة والثانية تدل على أن السائل الكفار وأنها نزلت بمكة، والرواية الأولى أرجح لأمرين:
أ - أنها من رواية البخاري.
ب - أن الراوي في الأولى وهو ابن مسعود حاضر للقصة ومشاهد لها بينما ابن عباس الذي هو الراوي في الثانية لم يثبت أنه كان مشاهدا لها (4) .
_________
(1) البخاري رقم 4950، مسلم برقم 1797 الجهاد
(2) البخاري برقم 125 في كتاب العلم، ومسلم برقم 2794 في صفة القيام
(3) الإتقان 1 / 33
(4) مسلم بشرح النووي 10 / 2120
(4) مسلم بشرح النووي 10 / 2120
مثال الحالة الثالثة: التي هي أن تكون كل من الروايتين صحيحة، ولا يمكن الترجيح لكي يمكن نزول الآيتين عقب السببين لعدم العلم بالتباعد مثاله: ما أخرجه البخاري من طريق عكرمة عن ابن عباس « أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي صلى الله عليه وسلم بشريك بن سحماء فقال النبي صلى الله عليه وسلم البينة أو حد في ظهرك فقال يا رسول الله إذا وجد أحدنا مع امرأته رجلًا ينطلق يلتمس البينة فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول البينة أو حدّ في ظهرك فقال هلال : والذي بعثك بالحق إني لصادق، ولينزلن الله ما يبرئ ظهري فأنزل الله { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ } ... الآية » وأخرج الشيخان عن سهل بن سعد قال: « جاء عويمر إلى عاصم بن عدي فقال: اسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه أم كيف يصنع به؟ فسأل عاصم رسول الله فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبر عاصم عويمرا فقال: والله لآتين رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأسألنه فقال: إنه قد أنزل الله فيك وفي صاحبتك القرآن » ... الحديث.
فهاتان الروايتان صحيحتان: ويمكن الجمع بينهما بأن أول من سأل هلال ثم سأل عويمر قبل الإجابة ثم نزلت الآيات (1) .
مثال الحالة الرابعة التي هي استواء الروايتين أو الروايات في الصحة، ولا مرجح مع عدم إمكان نزول الآية عقبها لتباعد الزمان فالحكم أن يحمل الأمر على تكرر النزول. مثال ذلك ما أخرجه البيهقي والبزار عن أبي هريرة « أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف على حمزة حين استشهد، وقد مثل به فقال "لأمثلن بسبعين منهم مكانك" فنزل جبريل بقوله { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ }» مع ما أخرج الترمذي والحاكم عن أبيّ بن كعب قال: لما كان يوم أحد أصيب من الأنصار أربعة وستون ومن المهاجرين ستة منهم حمزة فمثلوا بهم فقالت الأنصار لئن أصبنا منهم يومًا مثل هذا لنربين عليهم فلما كان يوم فتح مكة أنزل الله سبحانه: وإن عاقبتم فعاقبوا الآية . قال في المدخل:" فالأولى تفيد أن الآيات نزلت عقب أحد والثانية تفيد أنها نزلت يوم الفتح، وبين الفتح وأحد حوالي خمس سنين إلى أن قال فلا مناص من القول بتعدد النزول مرة يوم أحد ومرة يوم الفتح (2) ".
_________
(1) الترمذي برقم 3140 كتاب تفسير القرآن وأحمد رقم 2309
(2) المدخل في علوم القرآن 1 / 138، مباحث في علوم القرآن 1 / 87-90، مناهل العرفان 1 / 106 فما بعدها
أول ما نزل من القرآن مطلقًا
ذكر العلماء في ذلك أربعة أقوال:
( 1 ) أول ما نزل قوله تعالى { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ }{ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ }{ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ }{ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ }{ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ } (العلق: 1-5) .
من الأدلة على هذا القول: أ - ما رواه البخاري (1) ومسلم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت « أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ثم حبب إليه الخلاء، وكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله، ويتزود لذلك ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها حتى جاءه الحق وهو في غار حراء فجاءه الملك فقال "اقرأ قلت ما أنا بقارئ فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال اقرأ قلت ما أنا بقارئ فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال اقرأ باسم ربك الذي خلق » الخب - روى الحاكم في مستدركه والبيهقي في دلائل النبوة وصححاه عن عائشة أنها قالت أول سورة نزلت من القرآن { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ } ومرادها بالسورة صدرها (2) .
_________
(1) البخاري 1 / 3، ومسلم 1 / 98، البرهان 293-300، والإتقان 1 / 68-76،77،81، وورد في مسند أحمد 6 / 232-233، أسباب النزول للواحدي 1 / 48
(2) الإتقان في علوم القرآن 1 / 68


( 1 ) القول الأول أن آخر ما نزل قوله تعالى في آخر سورة البقرة { وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ } (البقرة : 281)..
من الأدلة على هذا القول:
أ - ما رواه النسائي من طريق عكرمة عن ابن عباس قال: آخر ما نزل من القرآن { وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ } الآية وروى ابن مردويه بسنده عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال آخر آية نزلت من القرآن { وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ } الآية وعاش النبي صلى الله عليه وسلم بعد نزولها تسع ليال، ثم مات ليلة الاثنين لليلتين خلتا من شهر ربيع الأول.وذكر البغوي في تفسيره (1) عند هذه الآية عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: هذه آخر آية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال جبريل ضعها على رأس مائتين وثمانين آية من سورة البقرة، وعاش بعدها رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدًا وعشرين يوما.
وروى الألوسي في تفسيره (2) عند هذه الآية روى أنه قال يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم « اجعلوها بين آية الربا وآية الدين » .
_________
(1) البغوي 1 / 347، المدخل 1 / 107، الإتقان 1 / 77، صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري 8 / 205، البخاري رقم 4544 كتاب تفسير القرآن
(2) الألوسي 1 / المجلد الأول ج2 / 55
القول الثاني: أن آخر ما نزل هو قوله تعالى في سورة البقرة { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } (البقرة : 278) .
ويدل لهذا القول ما أخرجه البخاري عن ابن عباس قال: وآخر آية نزلت آية الربا (1) .
والحق الأول: ويجاب عن هذا القول إما بأنها آخر آية نزلت في شأن الربا وإما أنها من آخر الآيات نزولًا.
_________
(1) البخاري رقم 4544 كتاب تفسير القرآن

القول الثالث: أن آخر آية نزلت آية الدين { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ } (البقرة : 282). وهي أطول آية في القرآن. ومن أدلة هذا القول ما أخرجه ابن جرير (1) من طريق بن شهاب عن سعيد بن المسيب أنه بلغه أن آخر القرآن عهدًا بالعرش آية الدين، مرسل صحيح الإسناد ويجاب عنه بأنها آخرية مقيدة، فهي آخر ما نزل في باب المعاملات.
هذا: وقد جمع السيوطي في الإتقان (2) بين هذه الأقوال الثلاثة فقال: ولا منافاة عندي بين هذه الروايات في آية الربا، وآية واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله، وآية الدين، لأن الظاهر أنها نزلت دفعة واحدة كترتيبها في المصحف لأن موضوعها واحد، فأخبر كل واحد عن بعض ما نزل بأنه آخر، وذلك صحيح.
وقد جمع الحافظ بين القولين (3) بأن هذه الآية هي ختام الآيات المنزلة في الربا إذ هي معطوفة عليهن، كما رجح أن آية واتقوا يوما... هي الأليق بالختام.
_________
(1) ابن جرير الطبري في تفسيره
(2) بواسطة المدخل 1 / 120
(3) البخاري 4364 المغازي، مسلم 1618 الفرائض أحمد 8164
القول الرابع: آخر ما نزل قوله تعالى { يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ } وآخر ما نزل من السور براءة، ويدل على هذا ما رواه البخاري ومسلم عن البراء بن عازب أنه قال: آخر سورة نزلت براءة، وآخر آية نزلت { يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ } (النساء : 176). يجاب عن هذا بأن سورة براءة آخر ما نزل في شأن القتال والجهاد.

القول الخامس: أن آخر ما نزل قوله تعالى { وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا } (النساء : 93) ويدل لهذا القول ما رواه البخاري (1) عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا فجزاؤه جهنم خالدًا، هي آخر ما نزل، وما نسخها شيء والجواب أنها آخر ما نزل في حكم قتل المؤمن عمدًا، فهي آخرية مقيدة.
_________
(1) البخاري رقم 4590 تفسير القرآن، مسلم رقم 3023 التفسير

القول السادس: أن آخر ما نزل قوله تعالى { لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ } (براءة : 128). إلى آخر سورة براءة من الأدلة على هذا القول ما رواه الحاكم في المستدرك عن أبيّ بن كعب قال آخر آية نزلت { لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ } إلى آخر السورة (1) .
قال في الإتقان "وروى ابن مردويه عن أبيّ أيضًا قال: آخر القرآن عهدا بالله هاتان الآيتان { لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ } إلى قوله { وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ } ". ويجاب عنه أنهما آخر ما نزل من سورة براءة.
_________
(1) المستدرك 2 / 338، والدر المنثور 3 / 295
القول السابع: آخر ما نزل سورة المائدة من الأدلة على هذا القول ما رواه الترمذي والحاكم عن عائشة رضي الله عنها قالت آخر سورة نزلت المائدة (1) فما وجدتم فيها من حلال فاستحلوه وما وجدتم من حرام فحرموه.
ويجاب عن هذا القول بأنها آخر سورة نزلت في الحلال والحرام.
_________
(1) الترمذي رقم 3063 كتاب التفسير


القول الثامن: آخر سورة نزلت { إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ } قال في الإتقان رواه مسلم في صحيحه عن ابن عباس، ورواه النسائي أيضًا عنه ويجاب عن هذا القول بأنها آخر سورة نزلت بتمامها.
قال في المدخل: "وقد عرفت أن القول الأول هو الصحيح الراجح وعرفت الإجابة عما ورد مخالفًا له وأن المراد أواخر مقيدة لا مطلقة" (1) .
_________
(1) المدخل 1 / 122، الإتقان 1 / 77، وما بعدها

الأوائل المقيدة والأواخر المقيدة
هذا البحث كثير، ولهذا يكتفى فيه بذكر نماذج من الأوائل المقيدة والأواخر المقيدة: حسب ما ذكره العلماء فأقول: أول آية نزلت في الخمر { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا } (البقرة : 219) .
أول ما نزل في الجهاد قوله تعالى { أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ } إلى قوله { وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ } (الحج : 39) .
أول ما نزل في شأن القتل آية الإسراء وهي قوله تعالى { وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا } (الإسراء : 33) . نماذج من الأواخر المقيدة
1 - آخر ما نزل في تحريم الخمر { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } إلى قوله { فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ } (المائدة:90).
2 - آخر آية نزلت في شأن القتل { وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا } (النساء: 93).
فوائد معرفة أول ما نزل وآخر ما نزل
اعلم أن هذا المبحث لا مجال للعقل فيه، إلا بالترجيح بين الأدلة وجمع المتعارض إن وجد، والمدار فيه على النقل، ولمعرفته فوائد نلخّص منها بعض الفوائد: فيما يلي:
( 1 ) معرفة الناسخ والمنسوخ فيما إذا وردت آيتان أو أكثر في موضع واحد وحكم إحداهما يغاير الآية الأخرى تغايرًا لا يمكن معه الجمع فنلجأ حينئذ إلى معرفة المتقدم فيعلم أنه منسوخ بالمتأخر.
[ تنبيه ]
قال السيوطي : قد يشكل على ما تقدم في آخر ما نزل مطلقًا قوله تعالى { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } فإنها نزلت بعرفة عام حجة الوداع، وظاهرها إكمال جميع الفرائض والأحكام قبلها، وقد صرح بذلك جماعة منهم السدي فقال: لم ينزل بعدها حلال ولا حرام مع أنه وارد في آية الربا والدين والكلالة أنها نزلت بعد ذلك. وقد استشكل ذلك ابن جرير وقال: الأَولى أن يتأول على أنه أكمل لهم دينهم بإفرادهم بالبلد الحرام، وإجلاء المشركين عنه، حتى حَجَّه المسلمون لا يخالطهم المشركون (1) .
قال الشاعر:
فألقت عصاها واستقر بها النوى ... كما قَرَّ عينًا بالإياب المسافرُ
وآخر دعوانا أن الحمد الله رب العالمين.
وكان الفراغ من هذا البحث في المدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة والتسليم، بتاريخ 25 / 1 / 1421ه من هجرته صلى الله عليه وسلم.
_________
(1) الإتقان 1 / 77 فما بعدها، والمدخل 1 / 101 فما بعدها

الخاتمة
وهي عبارة عن بعض النتائج التي توصل إليها الباحث مع اقتراح يقترحه.
1 - النتيجة الأولى: أن نزول القرآن الكريم من أهم موضوعات علوم القرآن بل كل موضوعاته الأخرى مبنية على نزول القرآن الكريم.
2 - النتيجة الثانية: أن علوم القرآن الكريم كفن مدون مستقل بنفسه بهذا اللقب ما كان معروفًا في العصور الأولى.
3 - النتيجة الثالثة: أن أول ظهور لهذا الفن، مدونًا مستقلًا كان على يد الحوفي المتوفى سنة 430ه في كتابه البرهان في علوم القرآن.
4 - النتيجة الرابعة: أن العلماء اختلفوا في تعريف القرآن وأحسن تعاريفه، كما عرفه في المراقي "أنه اللفظ المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم المتعبد بتلاوته المعجز بألفاظه ومعانيه".
5 - النتيجة الخامسة: أن القرآن معجز بلفظه ومعناه، وأن النظَّام ومن شايعه القائلين بالصرفة قولهم ضعيف مردود.
6 - النتيجة السادسة: أن القرآن الكريم أنزل مرتين مرة جملة واحدة إلى بيت العزة من سماء الدنيا، ومرة أنزل مفرقًا منجما على حسب الوقائع والأحداث على مدى ثلاث وعشرين سنة.
7 - النتيجة السابعة: أن لنزول القرآن الكريم مفرقًا حكمًا كثيرة كما ذكر بعضها في ثنايا البحث.
- النتيجة الثامنة: أن حديث نزول القرآن على سبعة أحرف ثابت حيث ورد بروايات صحيحة لا مطعن فيها، وأنه يدل على التيسير بهذه الأمة واللطف بها مع أن معنى الحديث من المشكل المختلف فيه بين العلماء.
9 - النتيجة التاسعة: أن القرآن الكريم لم ينزل منه شيء إلا عن طريق جبريل عليه السلام، ولم يأت منه شيء عن تكليم أو إلهام أو منام بل كله أوحي به في اليقظة وحيا جليًّا.
10 - النتيجة العاشرة: أن الكتب السماوية غير القرآن الكريم كالتوراة والإنجيل نزلت جملة واحدة، ولم تنزل مفرقة.
11 - النتيجة الحادية عشرة: أن المعول عليه في أسباب النزول هم الصحابة ومن أخذ عنهم من التابعين، لا غير.
12 - النتيجة الثانية عشرة: أن معرفة سبب النزول طريق قوي ومعين على فهم الآية ، وإزالة الإشكال عنها وله فوائد جمة.
13 - النتيجة الثالثة عشرة: أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب عند جماهير العلماء من المحدثين والفقهاء والأصوليين.
14 - النتيجة الرابعة عشرة: أن أوّل ما نزل من القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم صدر سورة { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}
15 - النتيجة الخامسة عشرة: أن آخر ما نزل من القرآن الكريم على النبي صلى الله عليه وسلم قوله تعالى { وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ } .
أما الاقتراح الذي اقترحه فهو أن يشكل المسلمون هيئة عليا من العلماء والقادة، للدفاع عن القرآن الكريم وحقوقه بحيث يكون للهيئة مقر ثابت في إحدى الدول الإسلامية، كالهيئات العالمية الأخرى
طـريق الشـروق غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 16-10-06, 08:35 PM   #4
أم أســامة
~ كن لله كما يُريد ~
افتراضي

بوركتِ يا طريق الشروق ... وجزاكِ الله خير الجزاء ...وجعل ما كتبت في موازين حسناتك ..



توقيع أم أســامة
:

قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : « طُوبَى لِمَنْ وَجَدَ فِى صَحِيفَتِهِ اسْتِغْفَارًا كَثِيرًا »
سنن ابن ماجه .


قـال ابـن رجب ـ رحمـه الله ـ: «من مشى في طاعة الله على التسديد والمقاربة فـليبشر، فإنه يصل ويسبق الدائب المجتهد في الأعمال، فليست الفضائل بكثـرة الأعمـال البدنية، لكن بكونها خالصة لله ـ عز وجل ـ صواباً على متابعة السنة، وبكثرة معارف القلوب وأعمالها. فمن كان بالله أعلم، وبدينه وأحكامه وشرائعه، وله أخوف وأحب وأرجى؛ فهو أفضل ممن ليس كذلك وإن كان أكثر منه عملاً بالجوارح».


" لا يعرف حقيقة الصبر إلا من ذاق مرارة التطبيق في العمل , ولا يشعر بأهمية الصبر إلا أهل التطبيق والامتثال والجهاد والتضحية "

:
أم أســامة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 16-10-06, 08:49 PM   #5
طـريق الشـروق
~مستجدة~
 
تاريخ التسجيل: 13-06-2006
المشاركات: 21
طـريق الشـروق is on a distinguished road
افتراضي

السلام عليكم
بارك الله فيكي أختي شذى أتمني لو نتواصل عبر الماسنجر
تجدينه في البريد الخاص بكي لو تحبين تتعرفي على اخت جديدة لكي
طـريق الشـروق غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-10-06, 12:25 PM   #6
أم أســامة
~ كن لله كما يُريد ~
افتراضي

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ..

حياكِ الله اختي طريق الشروق و فيكِ بارك ونفع ...
معذرةً لا أستخدم الماسنجر

وفقكِ الله لكل خير ورشاد ..
أم أســامة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-10-06, 02:29 PM   #7
طـريق الشـروق
~مستجدة~
 
تاريخ التسجيل: 13-06-2006
المشاركات: 21
طـريق الشـروق is on a distinguished road
افتراضي

الأخت الفاضلة مشكورة على ردك وعلى ذوقك الرفيع
بارك الله فيكي ونسالك الدعاء لنا وللمسلمين اجمعين بالتوفيق
طـريق الشـروق غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14-12-06, 12:30 AM   #8
Talibatol elmi
~مستجدة~
 
تاريخ التسجيل: 13-12-2006
المشاركات: 2
Talibatol elmi is on a distinguished road
Arrow Barakalaaho feekom

Assalamo alaikom ikhwah
Jazakomolaho kheyran ikhwah



توقيع Talibatol elmi
[url]http://www.muslmh.com//upload/Signatures/card024.gif[/url]
Talibatol elmi غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 22-12-07, 03:50 PM   #9
ابتسامة
~مشارِكة~
 
تاريخ التسجيل: 28-11-2007
الدولة: ارض الكنانة
المشاركات: 230
ابتسامة is on a distinguished road
افتراضي

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

موضوع جميل ما شاء الله جزاك الله خيرا وجعله الله في ميزان حسناتك ان شاء الله
ابتسامة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

(View-All Members who have read this thread in the last 30 days : 0
There are no names to display.

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
أيهما أولى حفظ القرآن أو طلب العلم الشرعي مسلمة لله روضة آداب طلب العلم 31 02-08-16 12:15 PM
أفلا يتدبرون القرآن؟! /للشيخ عبدالسلام الحصين أم خــالد روضة القرآن وعلومه 15 14-02-10 02:56 AM


الساعة الآن 06:03 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024,Jelsoft Enterprises Ltd.
هذه المنتديات لا تتبع أي جماعة ولا حزب ولا تنظيم ولا جمعية ولا تمثل أحدا
هي لكل مسلم محب لدينه وأمته وهي على مذهب أهل السنة والجماعة ولن نقبل اي موضوع يثير الفتنة أو يخالف الشريعة
وكل رأي فيها يعبر عن وجهة نظر صاحبه فقط دون تحمل إدارة المنتدى أي مسؤلية تجاه مشاركات الأعضاء ،
غير أنَّا نسعى جاهدين إلى تصفية المنشور وجعله منضبطا بميزان الشرع المطهر .