العودة   ملتقى طالبات العلم > . ~ . أقسام العلوم الشرعية . ~ . > روضة مكتبة طالبة العلم > مكتبة طالبة العلم المقروءة

الملاحظات


 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 29-11-09, 07:47 AM   #1
مروة عاشور
|نتعلم لنعمل|
c1 مهارات عملية في اختيار الكتب وقراءتهاالكتاب: قراءة القراءة

يعتبر بعض الباحثين كمية استهلاك الورق في المطبوعات مقياسًا معتمدًا لمدى تحضّر الدول والمجتمعات، لاسيما إذا تعزز هذا المقياس بحيوية علمية وثقافية وتسابق جاد على استفراغ ما خطّ عليها في مجالات محسوسة أو مدركة.



من بين كافة المطبوعات الورقية تصدر الكتاب في سعة انتشاره سواء في العمق التاريخي أو في الامتداد الجغرافي، مما أضفى عليه صفة الأصالة وبوّأه لأن يكون أكثر المراجع حيازة للثقة والفائدة لدى كثير من الدارسين والمثقفين.




من الإنصاف القول إن التعرض لأهمية الكتاب ودوره في النهضات الحضارية نال حظه في الكثير من المناهج التعليمية والوسائل الإعلامية، إلا أن التعريف بالآليات الفنية في التعامل معه وطرق قراءاته وتقييمه غاب في ندرة متناهية! هذه الآليات هي ما يحاول مؤلف كتاب (قراءة القراءة) بسطها بعد استخلاصها من أقول العلماء وكتاباتهم في مسالكهم مع الكتب. ولعل أول ما يستشفه المطالع لهذا الكتاب قدرة المؤلف على التعامل مع المكتبة العربية التراثية ببراعة سهلت عليه استلال كثير من الشواهد.

معرفة الكتاب
يرى المؤلف أنه قبل الشروع في قراءة الكتاب يجب معرفة هويته والفن الذي ينتمي إليه بالتمعّن في عنوانه أو قراءة مقدمته حين يكون العنوان غير واضح في تحديد الفن المعرفي للكتاب. وقبل ذلك يجب على القارئ معرفة مدى مناسبة الكتاب له سواء من جهة الفئة العمرية أو الفن، لأن إقدام القارئ على قراءة كتاب ليس موجهًا إليه لا تنفعه بشيء، إذ إن الكتاب في هذه الحالة إما أن يكون دون مستواه فلا يستفيد منه إلا ترديدًا لمعلومات سابقة، أو يكون أرقى من مستواه فتصبح حينئذ قراءته ضربًا من الأحاجي والألغاز! ولذلك ينصح المؤلف كل قارئ مبتدئ التدرج إلى الأعلى عن طريق استشارة أهل العلم والدراية بمضامين كتب الفن المقصود.



ومن الجوانب التي ينبغي التفطن لها في كثير من القراءات (خاصة المرتبطة بفنون معينة) معرفة الخصائص العامة التي يندرج تحتها الكتاب، وهي على عدة أصناف:



٭ كتب الفقه والعقيدة والقانون واللغة والنحو. وتأتي مصنفاتها على صورتين: الأولى، مختصرات تحصر مسائل الفن بالقليل من الألفاظ والغزير من المعاني، وتخلو (غالبًا) من الدلائل والتعليلات، مما يجعلها جافة الأسلوب مستغلقة على الفهم. والصورة الثانية، هي المطولات التي تبسط المسائل والمعاني وتبيّن الأدلة والخلافات وتوازن بينها.



٭ الكتب الثقافية والفكرية، وينبغي أن يكون نظر القارئ فيها إلى المعنى أكثر من نظره إلى اللفظ. وعليه أن يجتهد بربط الأفكار بعضها ببعض بعد تعيين الفكرة الرئيسية للكتاب.
٭ الكتب الفلسفية، خلافًا لسابقتها تهتم هذه الكتب بالمعاني أكثر من اهتمامها بالألفاظ وحرفيتها. وهي جافة الأسلوب تتكرر فيها المعاني المجردة التي ليس تحتها معنى قريب ملموس! وعلى قارئها أن يكون ذا دراية بتعابيرها الانتقالية، مثل: حينئذ، الآن، وبعد ذلك...




٭ كتب الأدب، غرض القارئ من هذه الكتب في كثير من الأحوال الوقوف على ما فيها من أساليب بديعة وتعبيرات مؤثرة وكلمات منتقاة... ولا يعني هذا الغفلة عمّا بها من معان غير ظاهرة في المجازات والكنايات والصور البلاغية.
٭ كتب التاريخ والسير والروايات الأدبية، ويلزم القارئ لهذه الكتب فحص أخبارها بمنظار المؤرخين والمحدثين، مما يعني عدم تسليمه بكل ما ورد فيها.

فحص الكتاب
لا
تعد (القراءة الاستكشافية) التي تعني فن الحصول على أكبر فائدة من المعلومات في زمن محدد نوعًا من أنواع القراءة، وإن كانت ذات قيمة أساسية للتعرف على كل ما يحويه الكتاب من عناوين وأفكار. وفي المعنى الآخر تسمى هذه القراءة (تصفّحًا). وعلى هذا الأساس يجب ألا تأخذ هذه العملية وقتًا كبيرًا، وألا تكون هي المعتمد في التكوين الثقافي، وإلا تحولت ثقافتنا إلى قشور وتعداد للمعلومات دون تعمّق ورسوخ.
وتهدف (القراءة الاستكشافية) إلى تحديد نوع القراءة التي سوف يمارسها القارئ مع الكتاب الذي بين يديه، واختيار الجزء المناسب له، والمحافظة على الوقت (في قراءة ما يتناسب والاهتمام) والمال (في الكف عن شراء ما لا يلزم). وأكثر ما يناسب هذا النوع من القراءة: قراءة المجلات، والجرائد، والرسائل البريدية، والأوراق الشخصية، وما شابهها.


ومن الآليات التي يقدمها المؤلف للتعرف على الكتاب واكتشاف مستواه العلمي:


٭ قراءة مقدمته وخاتمته.
٭ قراءة جدول محتوياته، حيث تمثل عناوين الفصول والأبواب الأفكار الرئيسية للكتاب.
٭ قراءة فواتح الأبواب والفصول من الكتاب.
٭ معرفة تاريخ النشر، لما له من أثر، بخاصة في الفنون التي تتطور بسرعة أو الأخرى وليدة العصر.
٭ الاطلاع على جريد المصادر والمراجع، على اعتبارها المورد الأساس لمعلومات الكتاب وصياغته واستمداداته وخلفيته الثقافية وطبيعة معالجته للموضوعات.
٭ قراءة الخلاصات التي ترد آخر كل فصل (وبخاصة في الكتب العربية).
٭ قراءة بعض الصفحات والفقرات من الكتاب لمعرفة مستوى المعالجة.
قراءة الضبط
وتسمى أيضًا (القراءة التحليلية) و(القراءة البحثية). وهي أساس لمختلف القراءات، والمسؤولة عن تأهيل القارئ للتمييز والحكم في موضوعها. ويعتبر المؤلف هذه القراءة صنو التتلمذ على أيدي المشائخ لأنها تقوم على مواظبة مطالعة الكتب والتعمق في دراستها. كما يعتبرها المكمل لبناء الشخصية العلمية، (لما ترتبط به من التأمل والنقد والتحليل الناتج عن إعمال الحواس والقدرات الكامنة في النفس)، والمشجع على روح المبادرة والنشاط في البحث، وتوسع المدارك، ونفي التبعية. وينبه المؤلف في معرض بيانه لفوائد هذا النوع من القراءة إلى أهمية التفاوت في معدل القراءة وسرعتها، وذلك وفقاً لنوع الكتاب
.



ويعدد المؤلف جملة من مبادئ قراءة الضبط والتحصيل، وهي:



٭ الاهتمام بعنوان ومباحث الكتاب وتنظيم محتوياته الداخلية من خلال تصنيف الكتاب حسب نوعه وموضوعه، وتوضيح ما يبحثه الكتاب بأقصى إيجاز ممكن، وتعديد الأجزاء الرئيسية حسب تسلسلها وعلاقتها بإيجاز بتلخيص الكتاب بمجمله وبيان المسائل التي يحاول المؤلف معالجتها.
٭ تفسير محتويات الكتاب وتوضيح كلماته وجمله من خلال: تفسير كلماته الرئيسية ومصطلحات الكاتب، وتحديد الفن الذي يؤلف فيه، والتقاط عروض ومعاني الكتاب الرئيسية بفهم أهم جمله وفقراته، ومعرفة مناقشات الكاتب، وتحديد المسائل التي لم يحلّها.

القراءة السريعة
الحاجة إلى هذا النوع من القراءات تظهر مع كثافة ما تقذفه المطابع وما تحمله صفحات الإنترنت وما يقابلها من حاجة القارئ للاطلاع على محتوى الكتاب رغم ضعف مادة الكتاب وضيق وقت القارئ. كما يمكن ممارسة هذا النوع من القراءة (كذلك) على الكتب التي سبق للقارئ قراءتها. ويتأكد للقارئ هذا النوع من القراءة في النواحي التالية:
٭ إذا أراد أن يتعرف على الفكرة العامة للكتاب دون الغوص في معانيه.
٭ إذا أراد أن يجمع المادة المعرفية اللازمة لبحثه.
٭ إذا أحب أن يثري دروسه السابقة، أو كان قد تمكّن من فنّ وألمّ بجمهور مسائله واصطلاحاته.
٭ في حال قراءة الكتب واضحة المعاني ككتب التاريخ والأدب والسير والتراجم والمجاميع العامة.
٭ في حال قراءة الصحف والمجلات والأوراق الشخصية والمعاملات والبريد ونحوها.

القراءة السطحية



عماد هذه القراءة ما ذكره (مورتيمر آدلر) بقوله: «لا تحاول فهم كل كلمة أو صفحة من كتاب صعب تقرؤه أول مرة، وإنما اقرأ الكتاب قراءة سطحية سريعة، وعندها سوف تكون مهيئاً لقراءته بصورة أفضل في المرة الثانية». وهو ما يستخدم مع: المعاجم، والموسوعات، والكتب التي تفقد الترابط والتسلسل، أو التي تتضمن أفكارًا ورؤى مستغلقة. ويدعو المؤلف القارئ (عند التعامل مع النوعين الأخيرين) إلى تجاهل النقاط التي تصعب عليه إلى الأشياء التي يفهمها، بحيث تصل استفادته إلى 50% من الكتاب (في أحسن الأحوال).
ويضع المؤلف بين يدي القارئ طريقة مختصرة لقياس سرعته في القراءة، على النحو التالي (علمًا أن القارئ العادي يقرأ بمعدل 250 كلمة في الدقيقة الواحدة):
٭ احسب الكلمات في السطور الستة الأولى.
٭ اقسم العدد على ستة.
٭ اضرب الرقم في عدد سطور الصفحة.
٭ اضرب الناتج في عدد الصفحات التي قرأتها.
٭ احسب الوقت الذي استغرقته القراءة.
٭ اقسم عدد الكلمات على زمن القراءة.
ولتحقق أقصى فاعلية من القراءة السطحية لابد أن يكون الكتاب المراد قراءته واضح الكلمات غير متشابك الصفحات، وأن يكون الجو المحيط بالقارئ هادئاً، وأن يستخدم الإصبع في تتبع الأسطر بدلاً من العينين نظراً لبطئهما وتعلقهما بالجمل أكثر من اللازم. ويقدم المؤلف بعضاً من أساليب التدرب على القراءة السريعة بمتابعة بالإصبع، مثل:
٭ عدم التوقف عند أي نقطة للرجوع إلى ما سبق قراءته.
٭ محاولة امتصاص مجموعة من الكلمات أثناء القراءة عوضاً عن النظر إلى كل كلمة بشكل منفرد.
٭ تجاهل الحروف الموصولة للمعنى كــ(على) و(إلى). وتمييز المعنى من خلال الكلمات فقط.
٭ قراءة الجملة والجملتين والثلاث وأخذ المعنى (أو المعاني) العام.
٭ عدم نطق الكلمات بصوت مسموع لأن اللفظ المحسوس (صوتًا) يعيق تسريع القراءة.
وتزداد نسبة فاعلية القراءة السريعة كلما ألف القارئ الإدراك السريع للكلمات والتراكيب؛ نظرًا لأن القراءة بهذا الاعتبار قراءة بالعقل الذي يحلل العبارات.

التركيز



فقد التركيز من أشهر المشكلات التي تواجه القارئ ويتم علاجه (حسب ما يورده المؤلف)

باستخدام بعض المبادئ، وهي:


٭ إيجاد الدافعية نحو القراءة بواسطة التعبير الإيجابي المباشر الذي يجمع بين القول والتصوّر. وذلك باللهج بعبارات: (أنا أستطيع، أنا سأفعل...) وتخيّل النجاح في قراءة الكتاب والانتهاء منه واستيعابه. وكذلك الاستعانة بذكريات سالفة تم تحقيق نجاحات ومكاسب فيها بعد الانتهاء من قراءة وفهم الكتاب.
٭ الاهتمام بالمؤثرات الخارجية كاختيار الإضاءة التي لا تجهد العين ولا ترهقها، والمجلس الذي يريح الجسم، والمكان الهادئ معتدل الحرارة طيب الرائحة. وكذلك المؤثرات الداخلية كالتخلص من الخوف ومعالجة الأرق وتهدئة القلق.
٭ اختيار الكتاب الذي يقع داخل دائرة الاهتمام. فهذا يزيد في تنمية الاختصاص ورفع نسبة الاستيعاب. أما في القراءات التي لا تقع دائرة الاهتمام فيجب استخدام (التحفيز) المادي والمعنوي (أو أحدهما) كالحصول على رتبة أو وظيفة.
٭ الاسترخاء أثناء القراءة. فالاسترخاء له دور في توجيه طاقة القارئ الذهنية إلى ما بين يديه.
٭ تقسيم الكتاب المقروء إلى أجزاء، بحيث يتحقق التدرّج والاستعداد ودفع الضجر. ومن ذلك أن ترسم في الذهن أجزاء الكتاب وأبعاضه المهمة على شكل شجرة، لأن الصور أكثر رسوخًا في الذهن.
٭ تحفيز التركيز بإثارة مجموعة من الأسئلة: ماذا أعرف عن الموضوع؟ ماذا أريد أن أعرف عن الموضوع؟ لماذا أقرأ؟ ما الحقائق الجديدة في النص؟ ما الذي يرمي إليه الكاتب؟ هل هناك ما يؤيد قوله أو يناقضه؟ وغيرها.
٭ اختيار الوقت المناسب لكل كتاب. فالكتب ثقيلة المحتوى لأوقات النشاط وتوقّد الذهن، بينما تكون الكتب الأقل منها لأوقات الخمول.
٭ عدم الخلط بين العلوم في قراءة أكثر من كتاب في آن واحد، حتى لا يتسبب ذلك بانقطاع الربط بين أوائل الكتاب عن أواخره مما يحرم القارئ من تذوق لذة الانتهاء.

المساعدات الخارجية
ويعني بها المؤلف: كل ما يفيد في فهم الكتاب المقروء وتوضيح الملتبس فيه وإزالة الغوامض منه. وتستلزم المساعدات الخارجية إلمام القارئ بطرق الاستفادة منها، بحيث يتوصل إلى ما يحتاج إليه منها بأسرع وقت وأقل جهد. ومن أنواع هذه المساعدات:
٭ الشروح والتعاليق والمستدركات التي تذيل في هامش الصفحات وغيرها (على ألا يرجع القارئ إليها إلا في حال استغلاق الجمل المعاني عليه).
٭ المختصرات والمستخلصات (الجيدة) على الكتاب للتذكير بالمعلومات الهامة فيه. ولا تكون قراءة هذه المختصرات والمستخلصات إلا بعد قراءة الكتاب. لأن الاكتفاء بها (دون الكتاب) يؤدي إلى تسطيح العقل والكسل الذهني. فضلاً عن أن قراءة الكتب الأصلية تفيد في صقل المواهب ومعرفة اصطلاحات العلماء وأساليبهم.
٭ الموسوعات والمعاجم والمراجع ذات الصلة بمادة ومحتوى الكتاب. ويُفضّل أن تكون قريبة في متناول يد القارئ حالما احتاج إليها.
٭ المصادر التي اعتمدها المؤلف في كتابه. فكثير من الأفكار الرئيسية للكتب قد بنيت على ما مصادرها.

كتابة الفوائد
خلافًا لما شاع مؤخراً من المحافظة على صفحات الكتاب (الخاص) من الخطوط والكتابات - يدعو المؤلف إلى كتابة الفوائد المهمة والتنبيهات المستخرجة من الكتاب على حافتي صفحاته (لا بين سطوره)، مشيرًا إلى أن مثل هذه الكتابة معروفًا لدى أواسط العلماء باسم (اللَّحق) وهي التي جعلت لمكتبات العلماء مكانة كبيرة، حيث تحفل الكتب فيها بتعليقاتهم واستدراكاتهم. ويضع المؤلف لهذه التعليقات والاستدراكات شروطًا، منها: ألا يسود الكتاب بنقل المسائل التي يمكن الرجوع إليها في مواقعها، وألا تشوه صفحات الكتاب بكثرة الخطوط والرسوم والاستعاضة عن ذلك بخطوط محددة تحت الجمل المعنية والأقواس، وأن تقيد الأسماء بالشّكل حذرًا من التصحيف والإبهام.
ويقدم المؤلف في ذلك بعض التقنيات، مثل:
٭ وضع نجمة أو أكثر (حسب الأهمية) أمام كل عبارة أو جملة تحمل فائدة أو يلزمها تعليق أو شرح.
٭ وضع نقاط ملونة يحدد القارئ من خلال اللون نوع التعليق والملاحظة.
٭ وضع أرقام الصفحات الأخرى من الكتاب في هامش الصفحة التي يقرؤها، للإشارة إلى وجود علاقة بينها.
٭ تسجيل الأسئلة والأفكار.
٭ التروي قبل كتابة الفوائد حتى يستكمل الفهم.
٭ كتابة الفوائد بعبارة موجزة متكاملة المضمون وبخط واضح، حتى يمكن للقارئ ولغيره الرجوع إليها متى ما شاء.

التأمل
إن القراءة إن كانت خلواً من التأمل والتفكير فالنفع منها هزيل والثمرة منها قليلة. فذلك كالأكل بلا هضم! فالمعيار الذي تعرف منه قيمة الكتاب هو ما يفتحه من نوافذ الفكر. فالكتاب الذي لا يدع قارئه يفكر فيه بعد قراءاته ليس بكتاب قيّم، فالصديق الذي يُنسى بسهولة ليس بصديق حقيقي. وبالمقابل يحذّر المؤلف القارئ من أن يناقض أو يفنّد أو يسلّم بكل ما يقرأ، ومن أن يكون هدفه من القراءة جمعه لما يتحدث ويتناقش فيه بالمجالس، ومن الغفلة عن الاستبصار والاكتشاف.
وينقسم التأمل والتفكير اللذان ينادي بهما المؤلف إلى قسمين:
- تأمل أثناء قراءة الكتاب. ويكون ذلك بتفحص وفهم تراكيب الجمل ومرامي المعاني، والوقوف عما يشكل أكثر من الوقوف عمّا يلفت ويبهر فيها، وربط الأفكار بعضها ببعض، والبحث عما فيها من أسرار. فإن تسبب ذلك للقارئ بانقطاع عن القراءة وتشتت للأفكار فله أن يرجئ الطويل من التأمل بعد أن ينتهي منها، ويرمز لها برمز يعينه على الرجعة إليها.
- تأمل بعد قراءة الكتاب. ويتم ذلك بأن يسأل القارئ نفسه عن مردود قراءته وثمرتها، ومدى استيعابه لما قرأ. والإجابة عن مثل هذه الأسئلة هي الحصيلة العلمية المختصرة التي يجنيها القارئ، والتي قد يخرج عنها مؤلّف مستقل أو اختصار مفيد أو تذييل موضِّح (وهذا يفسّر لنا ما يوجد في كتب الأوائل من مقولات ومباحث مستلة من كتب أخرى من غير عزو لصاحبها).




ويقدم المؤلف إشارات يعدّها مقياساً يمكن للقارئ من خلالها أن يتعرف على مدى فهمه لما قرأه من كتب، وهي:


٭ أن يأتي القارئ بأمثلة وملاحظات على ما يثيره الكتاب.
٭ أن يلخص القارئ عبارات وفقرات من الكتاب بأسلوبه الخاص (مما يخرجه عن نطاق لغة الكاتب وأساليبه).
٭ أن يتمكن من تحديد الفكرة (أو الأفكار) الرئيسية والجزئية التي بنى عليها الكاتب كتابه وأقام سوقه عليها.
٭ أن يمتلك الإجابة عن السؤالين: ما المسائل التي أبدع الكاتب في حلها وبنائها؟ وما المسائل التي أخفق في معالجته؟

النقد
برأي المؤلف فإن القراءة الفعالة لا تقف عند عملية الفهم. فبعض القرّاء يسلّم بكل ما هو مكتوب دون تمحيص وتدقيق، بينما يصرف البعض الآخر همه نحو الثغرات والهفوات حتى لو تكلّف في العثور عليها! وكلا الأمرين ذميم. فالنقد الحقيقي هو الذي يكشف للقارئ مساحات الجمال والجودة في النص، ويضع يده على الإضافات والنقاط الجديدة المبتكرة التي وفّق الكاتب لشرحها على نحو ممتاز. وهو (بالمقابل) يظهر للقارئ أخطاء الكاتب سواء في كليات الأفكار أو في توصيفها وعرضها والحكم عليها.
ومما يعين على رفع كفاءة القارئ النقدية تقييد مواطن الحسن والكمال والقصور والخلل على جزازات ورقية خارجية، أو في مقدمة الكتاب، أو ثناياه (ليستأنس ويستفيد بها الكاتب أو من يقرأ الكتاب بعده)، ثم يعرضها بعد ذلك على من يثق بموسوعية اطلاعه في فن الكتاب، حتى يحصل له عدالة المحاكمة العقلية وحسن التوجيه.

ومن آداب النقد التي يدرجها المؤلف ويدعو إلى التحلي بها:
٭ ألا يكون ديدن القارئ النقد والإكثار منه (خاصة في أول أمره) فلا بد (قبلاً) أن يستقيم له بناء على العلم وتثبت الحجة لديه.
٭ ألا يبدأ بنقد كتاب حتى يفهمه ويستكمل تفسيره، حتى لا يأتي النقد مثقلاً بالانطباعية، لأن الحكم على الشيء فرع من تصوّره.
٭ أن يبنى نقده على أسس صحيحة، بحيث يكون نقدًا محددًا مفصلاً معللاً، لا نقدًا مشاكسًا مدعومًا بالمبالغات ورفع الأصوات.
٭ أن يعتمد على المعلومات التي يقدمها الكتاب (لا غير). ولا يصح الأخذ بالنوايا المفترضة والمتصور وجودها سلفاً عند المؤلف.
ومن المفاتيح المعينة على النقد ما يظهر للقارئ (ويمكن ملاحظته) لدى الكاتب من إطناب ومبالغة، وعجزه المعرفي عن حل المشكلة (أو المشكلات) التي يتصدى لها والقضايا المحيطة بها، وضعف فهمه لاصطلاحات العلماء وعاداتهم في التأليف والبحث، وغياب منطقيته في نسبة الظواهر إلى مسبباتها، وظهور اختلافات بين المقدمات والنتائج، وضعف أمانته العلمية في نقل المعلومات، وسوء توظيفه لما ينقل وتحمليه ما لا يحتمل
.

العمل


ينطلق المؤلف من المقولة: (العلم أسّ، والعمل بناء) في دعوته إلى ضرورة ألا يستغرق القارئ بالجوانب التنظيرية دون سواها،


وإلى ضرورة تنمية روح التطبيق العملي في حياته حتى لا تكون الأفكار والعلم مجرد ترف وتخمة، وحتى لا يكون من يمتهن الثقافة من أقل الناس عملاً وجهدًا.
إن اتباع القراءة بالعمل يعطي إحساساً للقارئ بجدوى قراءاته وانعكاساتها على واقعه، لاسيما إذ اعتمد المسارعة في التطبيق. وهذا يظهر جليًا في الأمور العملية كالفقه والإدارة. وقد يكون العلم المقروء علماً يقوم في أساسه على التطبيق والعمل، لكنه لا يتأتى لقارئه في أي وقت من الأوقات تطبيقه لوجود مؤثرات خارجة عن كنهه. فهذا يتعامل معه على أنه حقيقة واقعة، ويدار في القلوب وتلهج به الألسن. أما القراءات التي لا تدخل في دائرة الأمور العملية، فإنها تفيد في الإدراك العقلي والتكوين الثقافي وفهم المبهمات.
ولتحقيق أعلى قدر من الاستفادة من الكتب (عمليًا) يضع المؤلف أربع ضوابط للقراءة السليمة:
٭ قراءة كتاب واحد ثلاث مرات أنفع (غالبًا) من قراءة ثلاثة كتب في الموضوع نفسه. بخاصة إذا كان مع القراءة وقفات معاينة وعمق تأمل.
٭ إذا عزمت على قراءة كتاب ما، ثم بدا لك ألا تفعل لأي سبب كان (كأن رأيت أن الفائدة قليلة) فلا تفعل، وإنما عليك الاستمرار. لأن في الاستمرار تعوّد الصبر، ولأنه لا يخلو كتاب من فائدة قد لا تظهر بدءًا.
٭ لا تحدث نفسك وأنت تقرأ في صفحات الكتاب بالعودة إليها مرة أخرى، لأن ذلك سيصرفك عن التركيز إلى التكاسل.
٭ تحرى كتب المتقدمين من أهل العلم في الفنون الجميلة، فإنها لاقت من الاهتمام والعناية ما لم ينله غيرها.
وقبل أن ينهي المؤلف فصول كتابه الخمسة عشر



يحذّر مدمني القراءة وعاشقيها من آفتين كثيرًا ما تلحقان بأمثالهم، وهما:


٭ الكبر والاستعلاء والعجب. ومن مظاهر هذه الآفة التقليل من شأن الأشخاص وكتبهم، وتفخيم الأنا، والتعلق بما يصدر عنها من آراء ومقولات، وتخطئة العلماء والاستطالة عليهم، ونسف بعض العلوم على سبيل إعادة تكوينها وصياغتها من جديد.
٭ الكزازة وسوء الخلق. ومن مظاهرها: التعامل السيئ مع الناس ومجانبة الأدب، والحدة في النقد والعبارات، والنزق والقسوة في تقويم الناس والكتب.





المصدر


http://www.almarefh.org/news.php?action=show&id=1006


الهدف

متابعة لدورة مهارات لابد منها لطالبة العلم

http://www.t-elm.net/moltaqa/showthread.php?t=31033



توقيع مروة عاشور

إذا انحدرت في مستنقع التنازلات في دينك
فلا تتهجم على الثابتين بأنهم متشددون . .
بل أبصر موضع قدميك
لتعرف أنك تخوض في الوحل
مروة عاشور غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

(View-All Members who have read this thread in the last 30 days : 0
There are no names to display.

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
كيف تقيد الفوائد أثناء القراءة ؟ أم البتول روضة آداب طلب العلم 13 11-12-13 01:03 AM
كيف تحسن من طرق القراءة أمةالله روضة آداب طلب العلم 4 03-02-13 07:38 PM
كيف تساعد طفلك على القراءة أمة الخبير روضة الأسـرة الصالحة 12 20-04-10 07:20 AM


الساعة الآن 09:20 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024,Jelsoft Enterprises Ltd.
هذه المنتديات لا تتبع أي جماعة ولا حزب ولا تنظيم ولا جمعية ولا تمثل أحدا
هي لكل مسلم محب لدينه وأمته وهي على مذهب أهل السنة والجماعة ولن نقبل اي موضوع يثير الفتنة أو يخالف الشريعة
وكل رأي فيها يعبر عن وجهة نظر صاحبه فقط دون تحمل إدارة المنتدى أي مسؤلية تجاه مشاركات الأعضاء ،
غير أنَّا نسعى جاهدين إلى تصفية المنشور وجعله منضبطا بميزان الشرع المطهر .