معالم التوحيد في الحج

[التوحيد نعمة]

]معالم التوحيد في الحج
د.ناصر بن يحيى الحنيني
فإنَّ معالمَ التوحيد تتجلَّى في العباداتِ كُلِّها، ومنْ ذلكَ عبادةُ الحج التي تعدُّ ركناً من أركانِ الإسلام، ونذكرُ من هذه المعالمِ على سبيل المثالِ لا الحصرِ ما يلي:
المعلم الأَوَّلُ:

إخلاص النية لله عز وجل ، كما قالَ النبي صلى الله عليه وسلم في بدايةِ مناسكه: " اللهمَّ حَجَّةً لا رياءَ فيها ولا سمعة "( )
المعلم الثاني:

التلبية، وهي كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ، لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ، لَا شَرِيكَ لَكَ "( ) وقد جاء صريحاً في حديث جابر في صحيح مسلم في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( فأهل بالتوحيد ).
وهذه التلبيةُ النبوية فيها تحقيق التوحيد، حيث تجعل الله واحداً لا شريك له،بخلافِ تلبيةِ المشركين في جاهليتهم حيث كانت تلبيتهم تتضمن الشرك باللهِ عَزَّو جلَّ إذ يقولون: " لبيك لا شريك لك لبيك إلا شريكًا هو لك تملكه وما ملك ».
المعلم الثالث:

توحيد العبادة في الحج أن الله تعالى أمر بالطواف ببيته،فقال تعالى: وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ [ الحج: 29 ]، مما يدل على أن الطواف خاص بهذا البيت، فلا يجوز الطواف ببيتٍ غيره على وجه الأرض، ولا بالأضرحة ولا بالأشجار والأحجار، ومن هنا يعلم الحاج أن كل طواف بغير البيت العتيق فهو باطل وليس عبادة لله ?، وإنما هو عبادة لشياطين الإنس والجن، ومن أعجب العجب أن بعض الحجاج يعتقدون أن حجهم لا يكتب له الكمال، بل لا يقبل إلا إذا عادوا إلى أوطانهم وطافوا حول أضرحة الأولياء بزعمهم، فبعدًا لقومٍ لا يفقهون.
المعلم الرابع:

في تفاصيل العبادة التي يؤديها الحاج في أثناء حجه،مثل:
أ- ركعتي الطواف، فإنه يقرأ في الأولى بعد الفاتحة ( قل يا أيها الكافرون)، وفي الثانية يقرأ (سورة الإخلاص)، لما تشتمل عليه هاتان السورتان من توحيد الربوبية وتوحيد الإلوهية، ففي السورة الأولى البراءة من دين المشركين وإفراد الله بالعبادة ، وفي السورة الثانية إفراد الله بصفات الكمال وتنزيهه عن صفات النقص، وبذلك يعرف العبد ربه ويخلص له العبادة، ويتبرأ من عبادة ما سواه من خلال هذا الدرس العملي العظيم .
ب- ما شرعه الله في يوم العيد وأيام التشريق من ذكره وحده، قال تعالى:وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ [ البقرة: 203].
وذكر الله في هذه الأيام يتجلى في الأعمال العظيمة التي تؤدى في أيام منى، من رمي الجمار وذبح الهدي وأداء الصلوات الخمس في هذه الأيام المباركة، كل هذه الأعمال ذكر لله ?.
فرمي الجمار ذكر لله؛ ولهذا يقول المسلم عند رمي كل حصاة: ( الله أكبر)
المعلم الخامس:

توحيد العبادة في السعي بين الصفا والمروة،وذلك أنَّ العبد يسعى؛ امتثالاً لقوله تعالى: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ [ البقرة: 158].
ومن ذلك يتعلم المسلم أنه لا يجوز السعي في أي مكان من الأرض إلا بين الصفا والمروة؛ لأنهما من شعائر الله، ومما يظهر في السعي من معالم التوحيد هو أنه يسن للساعي أن يقول في بداية كل شوط كلمة التوحيد: ( لا إله إلا الله وحده لاشريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ..).
المعلم السادس:

توحيد العبادة في الحج أن أعظم الذكر الذي يقال في يوم عرفة: « لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير»، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : « خير الدعاء دعاء عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير»( ) ، فهذا إعلان في هذا المجمع العظيم وفي هذا اليوم المبارك، لتوحيد العبادة من خلال النطق بهذه الكلمة وتكرارها؛ لأجل أن يستشعر الحاج مدلولها ويعمل بمقتضاها فيؤدي أعمال حجه خالصة لله ? من جميع شوائب الشرك.
المعلم السابع:

ذبح الهدي،كما قال تعالى: لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ [ الحج: 28]، وقال تعالى:وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [ الحج:36- 37].
ومن هنا يتعلم المسلم أن الذبح عبادة لا يجوز صرفها لغير الله، فلا يذبح لقبر ولا لولي ولا لجني أو مخلوق؛ لأن الذبح عبادة وصرف العبادة لغير الله شرك.ولهذا قال جل في علاه: ( فصل لربك وانحر ).[ الكوثر: 2]