العودة   ملتقى طالبات العلم > . ~ . أقسام العلوم الشرعية . ~ . > روضة التزكية وآداب الطلب > روضة التزكية والرقائق

الملاحظات


إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 18-02-10, 01:36 AM   #1
صبرا أندلسا
~مشارِكة~
 
تاريخ التسجيل: 23-11-2008
المشاركات: 109
صبرا أندلسا is on a distinguished road
Post وعظ القلوب بكلام علام القلوب



سليمان بن عبدالكريم المفرج
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، أما بعد:
لا بد أن تكون الموعظة مصاحبة للقلب الذي يتقلب بين حين وآخر، ولا بد للمؤمن أن يوطن نفسه على حضور مجالس الوعظ ففي ذلك ثبات له بإذن الله وإغاظة للشيطان الذي هو قريب من الواحد بعيد عن الجماعة، وقلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء كما أخبر النبي بل قال: {اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك}. فإذا كان رسول الله لا يأمن على نفسه فكيف بنا نحن خاصة مع تلاطم أمواج الفتن في هذا الزمان، وإن القرآن الكريم من أكبر المواعظ الذي توعظ بها القلوب كما قال - تعالى -: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ [يونس: 57]، ولقد كان رسول الله يجلس مع أصحابه ليعظهم ويذكّرهم ويرغّبهم ويرهّبهم بهذا القرآن العظيم، قال أبو هريرة - رضي الله عنه -: قلنا يا رسول الله، ما لنا إذا كنا عندك رقّت قلوبنا وزهدنا في الدنيا وكنا من أهل الآخرة، فإذا خرجنا من عندك وآنسنا أهلنا وأولادنا أنكرنا أنفسنا ولهونا؟ فقال رسول الله: {لو أنكم إذا خرجتم من عندي كنتم على حالكم ذلكم لزارتكم الملائكة في بيوتكم}.

والقرآن يرقق القلوب بل يرقق الحجر، قال - تعالى -: وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ [البقرة: 74]. وقال - تعالى -: لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ [الحشر: 21].

يخبر الله - تعالى -عن عظمة القرآن وفضله وجلاله، وأنه لو خوطب به صم الجبال لتصدّعت من خشية الله. فهذه حال الجبال وهي الحجارة الصلبة، وهذه رقتها وخشيتها وتدكدكها من جلال الله ربّها وعظمته وخشيته. فيا عجباً من مضغة لحم كانت أقسى من هذه الجبال تخاف من سطوة الجبار وبطشه، فلا ترعوي ولا ترتدع، وتسمع آيات الله تتلى عليها فلا تلين ولا تخشع ولا تنيب، فليس بمستنكر على الله - عز وجل -، ولا يخالف حكمته أن يخلق لها ناراً تذيبها إذا لم تلن بكلامه وزواجره ومواعظه، فمن لم يلن قلبه لله في هذه الدار، ولم ينب إليه ولم يذبه بحبه والبكاء من خشيته، فليتمتع قليلاً، فإن أمامه الملين الأعظم، وسيردّ إلى عالم الغيب والشهادة فيرى ويعلم.

فيا أيها الغافل عن تدبّر القرآن! إلى متى هذه الغفلة؟ قل لي وتكلم، حنانيك بادر بصالح الأعمال قبل أن تندم.

نشكو إلى الله القلوب التي قست *** وران عليها كسب تلك المآثم
من خشية المولى هوى الجبل الذي *** بالطور لانت قسوة الأحجار

أولم يئن وقت الخشوع فلا *** تغرن الحياة سوى مغرار

ورقة القلب تنشأ عن الذكر والقرآن لأن ذلك يوجب خشوع القلب وصلاحه ورقته ويذهب بالغفلة عنه قال الله - تعالى -: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [الأنفال: 2]، وقال - تعالى -: وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34) الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا [الحج: 35، 34]، وقال - تعالى -: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ [الحديد: 16]، وقال - تعالى -: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ [الزمر: 23].

بذكر الله ترتاح القلوب *** ودنيانا بذكراه تطيب

ولكن لم يتعظ بهذه الموعظة إلا القليل من الناس الذين رقت قلوبهم للقرآن واستجابوا لنداء الرحمن كما أخبر - تعالى -بقوله: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ [ق: 37].

لقد كان السلف الصالح رضوان الله عليهم يجتهدون في قراءة القرآن لا سيما في رمضان لأنهم يعلمون أن شهر رمضان هو شهر القرآن، كانوا يغلقون كتب العلم، ويتفرغون لهذا المنبع العظيم يروون به عطش قلوبهم، قدوتهم في ذلك نبي الرحمة فقد كان يدارسه جبريل القرآن في رمضان، وكان لأصحابه مثالا يحتذى في قراءته، فهذا عثمان بن عفان يختم القرآن كل يوم مرة.
وكان بعضهم يختمه في قيام رمضان في كل ثلاث ليال، وبعضهم كل سبع، وبعضهم كل سبع، وبعضهم كل عشر، وكان للشافعي في رمضان ستون ختمة يقرؤها في غير الصلاة، ولأبي حنيفة نحوه، وكان أحمد بن حنبل إمام أهل السنة يختم القرآن كل أسبوع، وكان قتادة يدرس القرآن في شهر رمضان ويختم في كل سبع دائماً، وفي رمضان كل ثلاث وفي العشر الأواخر في كل ليلة، وكان الزهري إذا دخل رمضان قال: رمضان هو تلاوة القرآن وإطعام الطعام.

قال ابن الحكيم: كان مالك بن أنس إذا دخل رمضان يفرّ من قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم ويقبل على تلاوة القرآن من المصحف وكان لا يتشاغل إلا بالقرآن ويعتزل التدريس والفتيا والجلوس للناس ويقول: هذا شهر القرآن.

وكان سفيان الثوري إذا دخل رمضان ترك جميع العباد وترك بعض العبادات وأقبل على قراءة القرآن.

وكانت عائشة - رضي الله عنها - تقرأ في المصحف أول النهار في شهر رمضان فإذا طلعت الشمس نامت.

كان زبيد اليامي إذا حضر رمضان أحضر المصاحف وجمع إليه أصحابه وكان بعضهم يختم في كل يوم وليلة ختمة، وبعضهم يختم في اليوم والليلة ثلاث ختمات، فالله أكبر، كانوا يفتحون المصاحف ويحلون ويرتحلون مع القرآن الكريم، كان لبيوتهم دوي كدوي النحل تشع نوراً وتملأ سعادة، وكانوا يرتلونه ترتيلاً ويقفون عند عجائبه ويبكون من عظاته ويفرحون بشاراته ويأمرون بأمره وينتهون بنهيه.

فهذه حال السلف الصالح، يدمنون تلاوة القرآن في شهر رمضان في الصلاة وغيرها، إذاً فتلاوة القرآن مطلوبة في كل وقت ولا سيما في هذا الشهر.

فهذه حال القوم، فمن أعظم ما يتقرب به العبد إلى الله - تعالى -من النوافل كثرة تلاوة القرآن واستماعه بتفكر وتدبر وتفهم.

قال خبّاب بن الأرت - رحمه الله - لرجل: تقرب إلى الله - تعالى -ما استطعت، واعلم أنك لن تتقرب إليه بشيء هو أحب إليه من كلامه.

وقال عثمان بن عفان: من أحب القرآن أحب الله ورسوله، فمن أحب شيئاً أكثر من ذكره، ولا شيء عند المحبين أحلى من كلام محبوبهم، فهو لذة قلوبهم وغاية مطلوبهم، كما قال بعض السلف: (إذا أردت أن تعرف قدرك عند الله فانظر إلى قدر القرآن عندك).

وكان بعضهم يكثر من تلاوة القرآن ثم اشتغل عنه بغيره فرأى في المنام قائلاً يقول له:

إن كنت تزعم حبي *** فلم جفوت كتابي؟
أما تأملت ما فيه من عير *** وما فيه من لذيذ خطابي

ولم يكونوا يقرؤونه ليقال إنهم يقرؤونه ولا يهذّونه هذّ الشعر كما الناس يفعلون، وإنما كانوا يتدبرون معانيه ويتأثرون بألفاظه فيحركون به قلوبهم ويرسلون به مدامعهم يتأملون عبره ويعيشون أنداءه ويسرحون طرف أفئدتهم في خمائله ويطلقون أكف الحب في كنوزه.

وليس الذي يجري في العين ماؤها *** ولكنها روح تسيل فتقطُرُ

ويستحب البكاء عند تلاوة القرآن، وهو صفة العارفين وشعار عباد الله الصالحين، قال الله - تعالى - في وصف الخاشعين من عباده عند تلاوة كتابه: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ [الزمر: 23].


سمعتك يا قرآن والليل غافل *** سريت تهز القلب سبحان من أسرى

فتحنا بك الدنيا فأشرق صبحها *** وطفنا ربوع الكون نملؤها أجرا

وقد كان صحابة رسول الله يتلون كتاب الله ويتأثرون يآياته فتلين جلودهم، وتدمع عيونهم وتخشع قلوبهم، فيرفعون أكفهم إلى ربهم ضارعين يسألونه قبول الأعمال ويرجونه غفران الزلات، ويتشوقون إلى ما عنده من النعيم المقيم.

روي أن أبا بكر ابتنى مسجداً بفناء داره فكان يصلي فيه ويقرأ القرآن فيتقصف عليه نساء المشركين وأبناؤهم وهم يتعجبون منه وينظرون إليه، وكان رجلاً بكّاءً لا يملك دموعه إذا قرأ..وكان عمر بن الخطاب يصلي بالناس فبكى في قراءته حتى انقطعت قراءته وسمع نحيبه من وراء ثلاثة صفوف.

وكان عمر أيضاً إذا اجتمع الصحابة قال: يا أبا موسى ذكّرنا ربنا، فيندفع أبو موسى يقرأ بصوته الجميل وهم يبكون.


وإني ليبكيني سماع كلامه *** فكيف بعيني لو رأت شخصه بدا

تلا ذكر مولاه فحنّ حنينه *** وشوق قلوب العارفين تجددا

وللأسف لما أفسدت أمزجة المتأخرين عن سماع كلام رب العالمين، ظهرت التربية معوجة والفطرة منكوسة، والأفهام سقيمة.
ولما استبدل القرآن الكريم بغيره حل الفساد، وكثر البلاء، واضطربت المفاهيم وفشلت العزائم.
أسأل الله أن يهدينا ويصلح أحوالنا وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه



توقيع صبرا أندلسا
[INDENT][COLOR=magenta]يا من عزم على السفر الى الله والدار الآخرة[/COLOR]
[COLOR=#ff00ff]قد رفع لك علم فشمر اليه فقد أمكن التشمير[/COLOR]
[COLOR=#ff00ff]واجعل سيرك بين مطالعة منته ومشاهدة عيب[/COLOR]
[COLOR=#ff00ff]النفس والتقصير000[/COLOR][COLOR=#ff00ff] فاهل شكره أهل زيادته [/COLOR]
[COLOR=#ff00ff]وأهل ذكره أهل مجالسته[/COLOR]
[COLOR=#ff00ff][SIGPIC][/SIGPIC] [/COLOR]
[/INDENT]
صبرا أندلسا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-02-10, 03:01 PM   #2
أم أســامة
~ كن لله كما يُريد ~
افتراضي

جزاكِ الله خيرًا يا غالية ..
وشكر الله لكِ ..



توقيع أم أســامة
:

قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : « طُوبَى لِمَنْ وَجَدَ فِى صَحِيفَتِهِ اسْتِغْفَارًا كَثِيرًا »
سنن ابن ماجه .


قـال ابـن رجب ـ رحمـه الله ـ: «من مشى في طاعة الله على التسديد والمقاربة فـليبشر، فإنه يصل ويسبق الدائب المجتهد في الأعمال، فليست الفضائل بكثـرة الأعمـال البدنية، لكن بكونها خالصة لله ـ عز وجل ـ صواباً على متابعة السنة، وبكثرة معارف القلوب وأعمالها. فمن كان بالله أعلم، وبدينه وأحكامه وشرائعه، وله أخوف وأحب وأرجى؛ فهو أفضل ممن ليس كذلك وإن كان أكثر منه عملاً بالجوارح».


" لا يعرف حقيقة الصبر إلا من ذاق مرارة التطبيق في العمل , ولا يشعر بأهمية الصبر إلا أهل التطبيق والامتثال والجهاد والتضحية "

:
أم أســامة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 19-02-10, 02:40 PM   #3
فتاة لديها هدف
|نتعلم لنعمل|
افتراضي

نسأل الله أن يجعلنا من الذين

يتلاونه حق تلاوته

جزاكِ الله خيراً



توقيع فتاة لديها هدف

عُدنا بهمه
أشتقت اليكن ياغاليات
فتاة لديها هدف غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

(View-All Members who have read this thread in the last 30 days : 0
There are no names to display.

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
سياط القلوب قبل لقاء علام الغيوب ... رقية مبارك بوداني روضة التزكية والرقائق 4 17-09-13 12:04 PM
شرح حديث: (تعرض الفتن على القلوب عرض الحصير) بشـرى روضة السنة وعلومها 11 05-12-08 01:56 PM
كيف ترقَّ القلوب ؟ اختكم فى الله روضة التزكية والرقائق 7 13-07-07 03:17 PM


الساعة الآن 06:44 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024,Jelsoft Enterprises Ltd.
هذه المنتديات لا تتبع أي جماعة ولا حزب ولا تنظيم ولا جمعية ولا تمثل أحدا
هي لكل مسلم محب لدينه وأمته وهي على مذهب أهل السنة والجماعة ولن نقبل اي موضوع يثير الفتنة أو يخالف الشريعة
وكل رأي فيها يعبر عن وجهة نظر صاحبه فقط دون تحمل إدارة المنتدى أي مسؤلية تجاه مشاركات الأعضاء ،
غير أنَّا نسعى جاهدين إلى تصفية المنشور وجعله منضبطا بميزان الشرع المطهر .