العودة   ملتقى طالبات العلم > . ~ . الأقسام الدعوية والاجتماعية . ~ . > روضة الروابط الاجتماعية > روضة الأسـرة الصالحة

الملاحظات


إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 05-01-12, 02:26 PM   #1
رقية مبارك بوداني
|تواصي بالحق والصبر|
مسؤولة الأقسـام العامة
افتراضي قرَّةُ عيْنِ الأَبَوَيْن في رِعَايَةِ و ترْبيَّةِ البناتِ و البنين 1و2

بسم الله الرحمن الرحيم
قُرَّةُ عَيْنِ الأَبَوَيْن
في رِعَايَةِ و تَرْبيَّةِ البَنَاتِ و البَنِين
( الجزءُ الأوّلُ )





الأولادُ و الذُّريّةُ نِعمةٌ مِن نِعمِ الله الجليلةِ ، تَقرُّ بها العُيونُ ، و تبتهجُ لها النّفـوسُ ، وتطمئن إليها القُلـوبُ ، و هم زينةُ الحياةِ ، و شَجَا الأرواحِ ، و ريحانةُ الدُّنيا ، وفلْذةُ الأكبادِ ، و ثمرةُ الفؤادِ ، قال تعالـى : { المَالُ وَ البَنُونَ زِينَـةُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَ البَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَ خَيْرٌ أَمَلاً}[ الكهف : 46 ] . و هذه النّعمةُ لا تكونَ نعمةً حقيقيّةً إلاّ إذا قامَ الأبوانِ بواجبِها و حقِّها ، و أحسنَا رِعايتَها .
و الأولادُ سببٌ لانتفاعِ الآباءِ ، فابْنُ آدمَ ينقطعُ تجدُّدُ ثوابهِ و أجرِه بخروجِه مِن دارِ الدّنيا ، ولمّا كانَ الولـدُ مِن كسْبِ أبيه انتفعَ به ، فكلُّ عملٍ صالحٍ يَقومُ به الولدُ يُكتَبُ للوالدِ مِثلُه - و لو بعدَ موتِه - مِن غيرِ أنْ يَنْقُصَ مِن أجرِه شيءٌ ؛ و ذلك لأنّ الدّالَ على الخيرِ كفاعلِه ؛ عن أبي هريرةَ رضي الله عنه أنّ رسولَ الله صلى الله عليه و سلم قال : " إذا ماتَ الإنسانُ انقطعَ عنه عملُـه إلاّ مِن ثلاثةٍ ، إلاّ مِن صدقةٍ جاريةٍ ، أو علمٍ يُنتفَعُ به ، أو ولدٍ صالحٍ يدعُو له " ( 1 ). و لا يكونُ الولدُ صالحاً – عادةً – إلاّ إذا أحسنَ والداه تربيّتَه ، و هذّبَا سلوكَه و أخلاقَه .
و المؤمنونَ الصّادقونَ يَرفعونَ أكُفَّهم إلى ربِّهم مُتضرِّعينَ إليه أنْ يُكرِمهم بالذُّريّةِ الصّالحةِ ، و يجعلَ أبناءَهم قُرّةَ أعيُنهم ، قال الله تعالى - حاكياً قول نبيّه زكريـا عليه السلام - : {رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً } [ آل عمـران : 38 ] أي : " طاهرةَ الأخلاقِ ، طيّبةَ الآدابِ ، لِتكمُلَ النّعمةُ الدّينيّةُ و الدّنيويّةُ بهم " ( 2 ) . و هذا مَطلبُ عبادِ الرّحمنِ : {وَ الذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ } [ الفرقان: 74 ] يعني: " الذينَ يسألونَ اللهَ أنْ يُخرِجَ مِن أصلابِهم و ذُرّياتهم مَن يُطيعُه و يعبدُه وحدَه لا شريكَ له " ( 3 ) .
و الاهتمامُ بالأولادِ - رِعايةً و نُصحاً و توجيهاً - سِمةُ المؤمنينَ ، و صِفةُ عبادِ اللهِ الصّالحينَ ؛ فهذا نبيُّ اللهِ يعقوبُ u و هو على فراشِ الموتِ ، لم ينْسَ أنْ يُوصيَ أبناءَه بالثّباتِ علـى العقيدةِ الصّحيحـةِ ، قال تعالى : {أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ المَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَ إِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَ إِسْمَاعِيلَ وَ إِسْحَـاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَ نَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } [ البقرة : 133 ] .
و هذا لُقمانُ - الذي آتاهُ اللهُ الحِكمةَ - " يُوصِي ولدَه الذي هو أشفقُ النّاسِ عليه و أحبُّهم إليه ، فهُو حقيقٌ أنْ يَمنحَه أفضلَ ما يعرفُ " ( 4 ) . لذا وعَظَهُ مَوعِظةً جامعةً ، و نَصَحَهُ نَصيحةً نافعةً ، و أمرَه بعبادة اللهِ وحده ، وحذَّرهُ تحذيـراً شديداً ِمِن أنْ يجعلَ لربِّه ندّاً و مَثيلاً ، و بيّنَ له خُطورةَ الإشراك بالله ؛ قال عزّ و جلّ : {وَ إِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَ هُـوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [ لقمان : 13 ] . ثمّ وجَّهه للعملِ بالأخلاقِ الفاضلـةِ ، فقـالَ {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاَةَ وَ أْمُرْ بِالمَعْرُوفِ وَ انْهَ عَنِ المُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ }[ لقمان : 17 ] و بعدها نهاهُ عن الأخلاقِ السّيئةِ و الخصالِ الوضيعةِ ، فقالَ : {وَ لاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَ لاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًـا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ~وَ اقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَ اغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الحَمِيـرِ }[ لقمان : 18 – 19 ] .
فـ " الحمدُ للهِ الذي مَنَّ علينا بنعمةِ الأولادِ ، وفتَحَ لنا مِن أسبابِ الهدايةِ كلَّ بابٍ ، و رغّبَ في طُرقِ الصّلاحِ و حذّرَ مِن طُرقِ الفسادِ ... اُشْكرُوه على ما أنعمَ به عليكم مِن نعمةِ الأولادِ ، و اعلمـوا أنَّ هذه النّعمةَ فتنةٌ للعبدِ و اختبارٌ ، فإمّا مِنحةٌ تكونُ قُرّةَ عينٍ في الدّنيا و الآخرةِ ، سُرورٌ للقلبِ ، و انبساطٌ للنّفسِ ، و عونٌ على مكابدِ الدّنيا ، وصـلاحٌ يحدوهم إلى البرِّ في الحياةِ و بعد المماتِ ، اجتماعٌ في الدّنيا على طاعةِ اللهِ ، و اجتمـاعٌ في الآخرةِ في دارِ كرامـةِ الله :{ وَالذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ}[ الطّور : 21 ] " ( 5 ) .
و إنّ رِعايةَ الأولادِ و تربيتَهم و تعليمَهم و أداءَ حُقوقِهم كاملةً على الوجهِ الذي يُرضِي اللهَ عزّ وجلّ مَسؤوليّةُ الأبـوينِ كليهما ، و المسؤوليّةُ المُلقاةُ على عاتقِهما نحوَ أولادِهما عظيمةٌ ، و ذاتُ شـأنٍ كبيرٍ ، و ذلك لأنّهم رجالُ المستقبـلِ ، وقُوّتُه المنتظرةُ ، و دعيمتُه التي سيقومُ عليها . والقيامُ بهذه المهمّةِ يتطلّبُ فهماً تامّاً لهذه المسؤوليّةِ حتّى تُؤدَّى على الوجهِ المطلوب ؛ فعنْ عبدِ اللهِ بنِ عُمرَ tأنّه سمعَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه و سلم قال : " كُلّكم راعٍ فمسؤولٌ عنْ رعِيَّتِه ، فالأميرُ الذي على النّاسِ فهو راعٍ عليهم و هُو مَسؤولٌ عنهم ، و الرَّجلُ راعٍ على أهلِ بيتِه و هو مَسؤولٌ عنهم ، و المرأةُ راعيةٌ على بيتِ بَعْلِها و وَلَدِه و هي مَسؤولةٌ عنهم ، و العبدُ راعٍ على مالِ سيِّدِه و هو مَسؤولٌ عنه ، ألاَ فكُلُّكم راعٍ و كُلُّكم مَسؤولٌ عن رعيَّتِه " ( 6 ) .
وعنْ عُثمانَ الحاطبي قال : " سمعتُ ابنَ عُمرَ يقولُ لرجُلٍ : " أدِّبْ ابنَك ، فإنّك مَسئُولٌ عن ولدِك ، ماذا أدّبتَه ، و ماذا علَّمتَه ، و إنّهُ مَسئُولٌ عن برِّك و طواعيتِه لك " ( 7 ) .
و مع عِظَمِ هذه المسؤوليّةِ غيرَ أنَّ كثيراً مِن الآباءِ - اليومَ - قد فرّطَ فيهـا ، و اسْتهانَ بها ، و لم يُولها الاهتمـامَ الذي تَستحقُّه ، فأضاعُوا أولادَهم ، و ظنّوا أنَّ تربيتَهم لهم تَقتصرُ على توفيرِ المأكـلِ و المشربِ و الملبسِ و المأوَى فحسبُ ، و غَفلُوا عن تأديبِهم و تهذيبِهم و توجيهِهم و إرشادِهـم ، ثمّ إذا انحرفَ أبناؤهم و نشأُوا عاقّينَ لهم ، مُتمرِّدِيـنَ عليهم أظهرُوا تسخُّطاً ، و أَبْدَوا تضجُّراً ، و أكثروا الشَّكوى لِسوءِ ما يرون ، و ما علمَ هؤلاءِ أنّهم هم السّببُ الأوّلُ في ذاك التّمرّدِ و العُقوقِ ، وهم الذين غرسُوا بُذورَ الانحرافِ بأيديهم ، فلا يحصُدُونَ إلاّ نتائجَه و آثـارَه ، و مَن يَغْرسِ الشّوكَ لا يَجْني العنبَ .
و لو أنّنا تأمّلنا جيّداً فيما نشكُوه مِن الفسادِ الأخلاقيِّ في مجتمعاتنا ، و ظهورِ المنكراتِ ، وانتهاكِ الحُرماتِ ، و زَيْـغٍ في المعتقداتِ ، و تهاوُنٍ في العملِ بالواجباتِ ، لوجدنا أنَّ سببَ ذلكَ كلِّه هو تَرْكُ التّربيّةِ ، و إهمالُ التّأديبِ في وقتِه .
قال ابن قيّم الجوزيّة - رحمه الله تعالى - : " و ممّا يحتاجُ إليه الطّفلُ غايةَ الاحتياجِ الاعتناءُ بأمرِ خُلُقِه ، فإنّهُ يَنشأُ على ما عوّدَه المربّي في صِغرِه ، مِن حَرْدٍ و غَضَبٍ و لجَاجٍ و عَجَلةٍ و خِفّةٍ مع هواه و طَيْشٍ و حِدّةٍ و جَشَعٍ ، فيصعُبُ عليه في كِبرِه تَلافي ذلك ، و تصيرُ هذه الأخلاقُ صِفاتٍ وهيئاتٍ راسخةً له ، فلو تحرّزَ منها غايةَ التّحرُّزِ فضحتْه - و لا بُـدّ - يوماً ما ، و لهذا تجدُ أكثرَ النّاسِ مُنحرفةً أخلاقُهم ، و ذلك مِن قِبَلِ التّربيةِ التي نشأَ عليهـا ... و كمْ مَن أشْقَى ولـدَه و فلْذَةَ كبدِه في الدّنيا و الآخرةِ بإهمالِه ، و تَرْكِ تأديبِه ، و إعانتِه له على شهوتِه ، و يزعُمُ أنّه يُكرِمُه و قد أهانَه ، و أنّه يرحَمُه و قد ظلمَهُ و حَرَمَهُ ، ففاتَه انتفاعُه بولدِه ، وفوّتَ عليه حظَّه في الدّنيا والآخرةِ . وإذا اعتبرتَ الفسادَ في الأولادِ رأيتَ عامّتَه مِن قِبَلِ الآباءِ ...فما أفْسدَ الأبناءَ مِثلُ تفريطِ الآباءِ و إهمالِهم و استسهالِهم شَرَرَ النّارِ بين الثّيابِ ، فأكثـرُ الآباءِ يعتمدونَ مع أولادِهم أعظمَ ما يعتمدُ العَدوُّ الشّديدُ العداوةِ مع عدوِّه و هم لا يشعرونَ ، فكمْ مِن والدٍ حرَم ولدَه خيرَ الدّنيا و الآخرةِ ، و عرّضَه لهلاكِ الدّنيا و الآخرةِ ، وكُلُّ هذا عواقبُ تفريطِ الآباءِ في حقـوقِ الله و إضاعتِهم لها ، و إعراضُهُم عمّا أوجبَ اللهُ عليهم مِن العلمِ النّافعِ و العملِ الصّالحِ حرَمَهم الانتفاعَ بأولادِهم ، وحرَمُ الأولادِ خيرَهـم و نفْعَهم لهم هو مِن عُقوبةِ الآباءِ" ( 8 ) .
وقد جاءت نُصوصُ الوحيَيْنِ مِن كتابِ اللهِ تعالى و سنّةِ رسولِه صلى الله عليه و سلم تبيِّنُ السّبيلَ الأحسنَ ، و الطّريقَ الأمثلَ ، و المنهـجَ الأكملَ ، الذي يُحتذَى به في حُسْنِ تربيّةِ الأولادِ ، و ذلك بالسّعيِ في إحاطتِهم بسِياجِ الشّرعِ ، و إلزامِهم بالتّمسُّـكِ بأمورِ الدّينِ - قولاً و عملاً و اعتقاداً - و العملِ بتعاليمِه و آدابِه ، و إبعادِهم عن الرّذائلِ و المعاصي و المُنكراتِ .
فإنْ تخلّى الآباءُ عن هذه الواجباتِ ، و أهملُوا رِعايةَ أولادِهـم ، نتجَ عن ذلكَ عواقبُ وخيمةٌ ، و أضرارٌ جسيمةٌ ، لأنَّ التّهاوُنَ و التّقصيرَ في تربيّـة الأبناءِ خلَلٌ واضحٌ ، و خطأٌ فادحٌ ، و في ذلك أعْظمُ الخطرِ ، و أشدُّ الشّرِّ ، و لإِنْ يَخْسرَ الآباءُ أموالَهم و يُضيّعُوا ثروتَهم أهْونُ و أيْسرُ مِن أنْ يخسَرُوا عقائدَ أبنائِهم السّلفيةَ ، و أخلاقَ الإسلامِ المرضيّةَ .
قالَ اللهُ تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَ أَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَ الحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِـدَادٌ لاَ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَ يَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [ التّحريم : 6 ].فإذا كنتَ - أيّها الأبُ الرّحيمُ ! - تَصونُ ولـدَك مِن نارِ الدّنيا ، و تحفظُه منها أشدَّ الحِفظِ ، و تخشى عليه منها أعْظمَ الخشيةِ ، و ما هي سِوى جُزءٍ مِن سبعينَ جزءً مِـن نارِ جهنّمَ( 9 ) فكيف تَطيبُ نفسُك أنْ تُسلِّمَ فلْذةَ كبدِك لنارِ الآخرةِ ، و تقذفُه فيها بسوءِ تربيتِك له ، و ببُعدِه عـن تعاليم الإسلامِ ، و ترْكِه لأوامرِه و فضائلِه ، و ارتكابِه لنواهيه و زواجرِه .
و إنْ سألتَني و قلتَ : كيف أَقي ابْني النّارَ و مِن حرِّها و لهبِهـا ؟ فالجوابُ : إنّ وقايتَك له تكونُ ببيانِ الحقّ و إظهـارِ منافعِه ، و أمْرِه بالعملِ به ، و ببيانِ الباطلِ و إبرازِ أضرارِه ، و تحذيرهِ منه و مِن الوقوعِ فيه ، و بالحرصِ علـى تعويدِه على الطّاعةِ و تحبيبِها له ، و تبغيضِه للمعصيةِ و تنفيرهِ منها ، لا سيما إنْ صغيرا ، لأنَّ " التّربيّةَ في الصّغرِ كالنّقشِ على الحجَرِ " .
و يظهرُ مِن خلالِ النّصوصِ التي سِيقتْ آنفاً وُجوبُ تربيّةِ الأولادِ على الدّينِ و الخُلُقِ ، وأنّهم أمانةٌ في أعْناقِ أوليائِهم ، و" إنَّ اللهَ سائِلٌ كُلَّ راعٍ عمّا استرعاهُ ، أحَفِظَ ذلك أم ضَيَّعَ ؟ حتّى يَسألَ الرّجُلَ على أهلِ بيتِه " ( 10 )وأنّ أوْلى النّاسِ ببرِّ الرّجُلِ ، و أحقَّهم بمعروفِه ، هم أبناؤُه و ذُرِّيتُه ، و أحسنُ ما يمكنُ أنْ يمنحَهم إيّاه هو تربيّتُهم و تهذيبُهم ، و ذاك مِن حقّهم ؛ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " و إنّ لولدِك عليكَ حقّاً " ( 11 ) .
قالَ ابنُ الحاج : " قالَ القاضِي أبو بكرِ بنِ العربي - رحمهُ اللهُ - في كتابِ " مراقي الزُّلفى " له : " اعلمْ أنَّ الصّبيَّ أمانةٌ عند والديهِ ، و قلبُه الطّاهرُ جوهرةٌ نفيسةٌ ساذجةٌ خاليةٌ عن كلِّ نقشٍ ... فإنْ عُوِّدَ الخيرَ و عُلِّمه نشأَ عليه ، و سَعِد في الدّنيا و الآخرةِ ، يُشاركُه في ثوابِه أبواهُ و كلُّ مُعلِّمٍ له و مُؤدِّبٍ ، و إنْ عُوِّدَ الشّرَّ و أُهمِل إهمالَ البهائـمِ شَقِيَ و هلكَ و كان الوِزرُ في رقبةِ القيِّمِ به و الوليِّ عليه " ( 12 ) .


------------------------
( 1 ) رواه مسلم ( 1631 ) .
( 2 ) انظر : " تيسير الكريم الرّحمن في تفسير كلام المنّان " للشّيخ السّعدي ( ص : 129 ) .
( 3 ) انظر : " تفسير القرآن العظيم " لابن كثير ( 6 / 132 )
( 4 ) انظر : " تفسير القرآن العظيم " لابن كثير ( 6 / 336 ) .
( 5 ) انظر : " الضّياء اللاّمع مِن الخُطب الجوامع " للشّيخ محمّد بن صالح العثيمين ( ص : 612 ) .
( 6 ) أخرجه البخاري ( 2554 ) و مسلم ( 1829 ) .
( 7 ) رواه البيهقي في " شعب الإيمان " (8295 ) .
( 8 ) " تحفة المودود بأحكام المولود " ( ص : 240 - 241 ) .
( 9 ) عن أبي هريرة tأنّ النّبيَّ rقال : " نارُكم هذه التي يُوقدُ ابنُ آدمَ جُزءٌ مِن سبعين جزءً مِن حرِّ جهنّمَ " . قالوا : و اللهِ إنْ كانت لكافية يا رسول الله قال : " فإنّها فُضِّلتْ عليها بتسعةٍ و ستّينَ جزءً كلُّها مِثلُ حرِّها " أخرجهالبخاري ( 3092 ) و مسلم - و اللّفظُ له - ( 2843 ) .
( 10 ) أخرجه النّسائي في " السّنن الكبرى " ( 9129 ) و ابن حبّان في " صحيحه " ( 4493 ) انظر " الصّحيحة " ( 1636 )
( 11 ) أخرجه مسلم ( 1159 ) .
( 12 ) " المدخل " ( 4 / 295 ) .



توقيع رقية مبارك بوداني

الحمد لله أن رزقتني عمرة هذا العام ،فاللهم ارزقني حجة ، اللهم لا تحرمني فضلك ، وارزقني من حيث لا أحتسب ..


رقية مبارك بوداني غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-01-12, 02:31 PM   #2
رقية مبارك بوداني
|تواصي بالحق والصبر|
مسؤولة الأقسـام العامة
افتراضي قرَّةُ عَيْنِ الأبَوَين في رِِعايَةِ و تَربيَّةِ البَنَاتِ و البَنِين2

بسم الله الرحمن الرحيم
قُرَّةُ عَيْنِ الأبَوَين
في رِِعايَةِ و تَربيَّةِ البَنَاتِ و البَنِين
( الجزء الثّاني )


الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين :
بعد الكلام المجمـل عن تربيّة الأولاد ورعايتهم ، و الذي سبق في الجزء الأوّل مِن مقال " قرّة عين الأبوين " ، ها أنا ذا ألتقي - مرّة أخـرى- بقرّاء منتدانا الكرام ، لبسْط القـول ، و تفصيل الكلام ، فيما يتعيّن علـى الوالدين أن يَعلموه و يُعلّموه أبناءهم ، و يُنشئوهم عليه ، فأقولُ - و بالله أستعين - :

أوّل ما يُعلَّم الصّبيّ العقيدة الصّحيحة :

على الآباء أن يغرسوا العقيدة الصّافية الخالصة في نفوس أبنائهم ، و يلقّنوهم كلمة التّوحيد مِن صغرهم , و يربّوهم على مراقبة الله و خوفه في السّرّ و العلانية ، و يُعْلموهم أنّه في السّماء ، و أنّه يسمع كلامهم ، ويرى مكانهم ، و يَعلم سرّهم و نجواهم ، إلى غير ذلك مِن أمور العقيدة الميسّرة ، التي تلائم سنّهم ، و تتناسب مع صغرهم ، و هذا ليتربّوا على معرفة الله و توحيده ، و حفظ حدوده ، فيلجأون إليه في الرّخاء و الشّدّة ، و يسألونه و يستعينون به ويتوكّلون عليه ، لأنّهم لُقِّنوا أنّه لا يملك لهم أحـدٌ - مِن الخلق- نفعاً و لا ضرّاً إلاّ بإذن الله ، و أنّ الله تعالى معهم ، ينصرهم و يؤيّدهـم ، و ييسّر لهم أمورهم ، ماداموا متمسّكين بشرع ربّهم - إخلاصاً و اتّباعاً - و يُستحسن تشويق الصّغار و تهيئتهم بلطف العبارة ، وتنبيههم إلى أهمّية ما يُلقى عليهم ، مع إشعارهم بسهوله حفظه وفهمه ووعيه ، ويكون ذلك بأسلوب مختصر ، و كلام جامـع و مُوجز و واضح ، ليكون أوقع في النّفس . و هذا الذي ركّز عليه لقمان الحكيم في موعظته لابنه ، إذْ بدأها بنهيه عن الشّرك - و هو أمرٌ بالتّوحيد - فقال : }يَا بُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ { [ لقمان : 13 ] . و هو ما تجلّى و ظهر في وصيّة رسول الله صلّى الله عليه و سلم لابن عمّه عبد الله بن عبّاس ، و هو فتًى ، إذْ قال - رضي الله عنهما - : " كنتُ خلف رسول الله صلّى الله عليه و سلم يوما ، فقال : " يا غلام ! إنّي أعلّمك كلمات : احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك إذا سألتَ فاسأل الله ، و إذا استعنتَ فاستعن بالله ، و اعلم أنّ الأمّة لو اجتمعتْ على أنْ ينفعوك بشيء ، لم ينفعـوك إلاّ بشيء قد كتبه الله لك ، و لو اجتمعـوا على أنْ يضرّوك بشيء ، لم يضرّوك إلاّ بشيء قد كتبه الله عليك ، رُفعـت الأقلام ، و جفّت الصّحف "[1].
قال ابن قيّم الجوزيّة - رحمه الله- : " فإذا كان وقت نطقهم فليُلقَّنوا " لا إله إلاّ الله ، محمّد رسول الله " ولْيَكن أوّل ما يقرع مسامعهم : معرفة الله - سبحانه - و توحيده ، و أنّه - سبحانه - فوق عرشه ، ينظر إليهم ، و يسمع كلامهم ، و هو معهم أينما كانوا "[2]
ولْيَكن تعليم الصّغار توحيد الله قبل أيّ علم آخر
، بل هو مقدّم على تعلّم كتاب الله تعالى ؛ فعن جُندُب بن عبد الله رضي الله عنه قال : " كنّا غلمانا حزاوِرة [3]مـع رسول الله صلّى الله عليه و سلم فيعلّمنا الإيمان قبل القرآن ، ثمّ يعلّمنا القرآن ، فازددنا به إيمانـا . و إنّكم - اليوم - تعلّمون القرآن قبل الإيمان "[4].
و هذا هو المنهج الذي سار عليه سلف هذه الأمّة ، إذْ كانوا يهتمّون بعقائد أبنائهم ، و يعلّمونهم توحيد الله منذ الصّغر ؛ فعن جعفر عن أبيه قال : " كان عليّ بن الحسين يعلّم ولده ، يقول : قل : آمنت بالله ، و كفرت بالطّاغوت " [5].
و كانوا يحذّرونهم مِن مخالطة أهل البدع و الأهواء
، لِما في ذلك من العواقب الوخيمة، و الآثار السّيّئة على عقائدهم ؛ قال سعيد بن جبير رحمه الله : " لأنْ يصحب ابني فاسقا شاطرا [6] سنّيّا ، أحبّ إليّ مِن أن يصحب عابدا مبتدعا "[7] .
وكانوا يختارون لهم المعلّم السّنيّ ، و المربّي الصّالح ، صاحب الاتّباع و الخُلق الحسن
، لينشأوا على إخلاص العبادة لله ، و متابعة رسوله صلّى الله عليه و سلم . و كانوا يحذّرون مِن وضعه في يد معلِّـم مبتدع ؛ لـ " أنّ هذا العلم دِين ، فانظروا عمّن تأخذون دينكم "[8]. فكمْ مِن انحراف في الخُلق ، و فساد في الاعتقـاد ، وقع فيه الصّبيّ بسبب معلّمه ؟! ؛ قال أبو إسحـاق الجُبْنَيانيّ : " لا تُعلّموا أولادكم إلاّ عند الرّجل الحسن الدّين ، فدِين الصّبيّ على دين معلّمه " [9].

تعليم الطّفل القرآن :

حثّ الإسلام على تعلُّم كتاب الله تعالى و تعليمه ؛
قال رسـول الله صلّى الله عليه و سلم: " خيركم مَن تعلّم القـرآن وعلّمه "[10].
و عن عمران بن يزيد : حدّثني عبد الله بن عيسى قال : " لا تزال هذه الأمّة بخير ، ما تعلّم وِلدانها القرآن "[11].
و هذا يشمل التّعليم اللّفظيّ - تلاوةً و حفظاً - و المعنويّ - تفسيراً و شرحاً - كما يشمل الوالد بتعليمه ولده ؛ فعن أبي عبد الرّحمن قال:"حدّثنا مَن كان يُقرئنا مِن أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه و سلم أنّهم كانوا يَقترِئون مِن رسول الله صلّى الله عليه و سلم عشر آيات ، فلا يأخذون في العشر الأخرى حتّى يَعلموا ما في هذه مِن العلم و العمل ، قالوا : فعلِمنا العلم و العمل " [12].
فإنْ عجز الوالد عن تعليم ولده القرآن ، أو شُغل عن ذلك ، وكّل مَن يقوم به - و لو بأجرة - فإنْ ترَك ذلك لشحّ ، قَبُح فعله .
و قد رتّب الشّرع على هذا التّعليم ثواباً و أجـراً ، لاسيما تعليم الوالد ولده ؛ فقال رسـول الله صلّى الله عليه و سلم :" مَن قرأ القرآن و تعلّمه و عمل به ، أُلبس يوم القيامة تاجاً مِن نور، ضَوؤه مثل ضوء الشّمس ، و يُكسى والداه حلّتين ، لا يقوم بهمـا الدّنيا ، فيقولان : بمَ كُسِينا ؟ فيقال : بأخذ ولدكما القرآن "[13].

و بهذا التّعليم أوصى السّلف ؛ فعن عمرو بن قَيْس السَّكونيّ ، قال : سمعتُ عبد الله بن عمرو بن العاص يقول :" عليكم بالقرآن فتعلّموه ، و علّموه أبناءكم ، فإنّكم عنه تُسألون ، و به تُجزون ، و كفى به واعظا لمن عقل "[14].
و عن أبي الضُّحى قال : قال الضّحّاك بن قَيْس : " يا أيّها النّاس ! علّموا أولادكم و أهاليكم القرآن ، فإنّه مَن كتب الله عزّ و جلّ له مِن مسلم أنْ يدخل الجنّة إلاّ قيل له : اقرأ و ارتقِ في درج الجنّة ، حتّى ينتهي إلى علمه مِن القرآن "[15]
فكان مِن ذلك أنْ حَفظه صغارهم ، و استظهره فتيانهم ؛ فعن سعيد بن جبير قال : " إنّ الذي تدعونه المفصّل هو المحكم . قال : و قال ابن عبّاس : " توفّي رسول الله صلّى الله عليه و سلم و أنا ابن عشر سنين ، و قد قرأتُ المحكم "[16].
و عن ابن أبي مُلَيْكة قال : " سمعتُ ابن عبّاس - رضي الله عنهما - يقـول : " سَلوني عن سورة النّساء ، فإنّي قـرأتُ القرآن و أنا صغير "[17].

بل كان مِن أولئك الصّغار مَن يؤمّ الكبار - و هو ابن ستّ أو سبع سنين- لحفظه ، و هو عمرو بن سلمـة- رضي الله عنهما [18].

تعليم الطّفل العلم الشّرعيّ :

بعد أن يغرس الوالد في ابنه العقيدة الصّحيحة ، و يعلّمه القرآن ، ينتقل إلى تعليمه أركان الإسلام ، وما ينفعه مِن العلوم الشّرعيّة ، التي تقوده إلى العمل الصّالح ، فيتعلّم الطّفل أحكام الصّلاة و الصّيام و الحجّ و نحوها .
و لمّا كان للعلم الشّرعي أهميّة كبرى ، و مكانة رفيعة ، كافأ رسول الله صلّى الله عليه و سلم مَن خدمه بأنْ دعا الله له أن يفقّهه في الدّين ؛ فعن عبد الله بن عبّاس - رضي الله عنهما - : " أنّ النّبيّ صلّى الله عليه و سلم دخل الخلاء ، فوضعتُ له وَضوءا ، قال : " مَـن وضع هذا ؟ " فأُخبِر ، فقال : " اللّهمّ فقِّهه في الدِّين " [19]
و على المعلّم أن يتدرّج مع الطّفل في تعليمـه ، و لا يُكثر عليه حتّى لا يملّ فيكلّ ؛ قال الشّافعيّ - رحمه الله- و هـو يُوصي أبا عبد الصّمد - مؤدِّب أولاد هارون الرّشيد - : " ... و لا تخرجنّهم مِن علم إلى غيره حتّى يُحكمـوه ، فإنّ ازدحام الكلام في السّمع مَضلّة للفهم " [20].
و إذا أحسن المؤدّب تعليم الطّفل صغيرا ، حفظ العلم كبيرا ؛ قال مِسكين بن بَكْر : " مرّ رجل بالأعمش و هو يحدّث ، فقال له : تحدّث هؤلاء الصّبيان ؟! فقال الأعمش : هؤلاء الصّبيان يحفظون عليك دينك "[21].
وعن عبد الله بن عُبيد بن عُمير قال : " كان في هذا المكان - خَلْف الكعبة- حلْقة ، فمرّ عمرو بن العاص رضي الله عنهيطوف ، فلمّا قضى طوافه جاء إلى الحلْقـة ، فقال : " مالي أراكم نحّيتم هؤلاء الغلمان عن مجلسكـم ؟ لا تفعلوا ، أوْسِعوا لهم ، و أدْنوهم ، و أفْهموهم الحديث ، فإنّهم اليوم صغار قوم ، و يوشكوا أنْ يكونوا كبار آخرين ، قد كنّا صغار قـوم ، ثمّ أصبحنا كبار آخرين "[22].
قال ابن مُفلح - معلّقا على كلام ابن العاص رضي الله عنه السّابق- : " و هذا صحيح لا شكّ فيه ، و العلم في الصّغـر أثبت ، فينبغي الاعتناء بصغار الطّلبة ، لا سيما الأذكياء المتيقّظين الحريصين على أخذ العلم ، فلا ينبغي أنْ يجعل - على ذلك - صغرهم ، أو فقرهم و ضعفهم ، مانعا مِن مراعاتهم ، و الاعتناء بهم " [23] .
و أمّا إذا أهمل الوالد تعليم ولده ما يجب عليه معرفته ، فهو عاصٍ ، لتفريطه في الواجب ؛ قال ابن قيّم الجوزيّة - رحمه الله - : " وسمعتُ شيخنا - رحمه الله- يقول : تنازع أبوانِ صبيّا عند بعض الحكّام ، فخيّره بينهما ، فاختار أباه ، فقالت له أمّه : سلْه لأيّ شيء يختار أباه ؟ فسأله ، فقال : أمّي تبعثني كلّ يوم للكُتّاب ، و الفقيه يضربني ، و أبي يتركني للّعب مع الصّبيان ، فقضى به للأمّ ، قال : أنتِ أحقّ به . قال شيخنا : و إذا تَرك أحدُ الأبوين تعليم الصّبيّ ، و أمْـره الذي أوجبه الله عليه ، فهو عاصٍ ، و لا وِلاية له عليه ، بل كلُّ مَن لم يقم بالواجب في وِلايته فلا وِلاية له ، بل إمّا أنْ تُرفـع يدُه عن الوِلاية ، و يُقام مَن يفعل الواجب ، و إمّا أن يُضمّ إليه مَن يقومُ معه بالواجب ، إذْ المقصودُ طاعةُ الله ورسولـه بحسب الإِمكان " [24].


أمْر الصّبيّ بالصّلاة :

على وليّ الطّفل أنْ يأمره بالصّلاة ، و يُعوّده عليها ، و هو مِن حقّ الولد على أبيه ؛ قال - جلّ شأنه- : ]وَ أْمُرْ أَهْلَكَ بِالصّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا [[ طه : 132 ] و هذا هو شأن المرسلين مع أهليهم ؛ قال الله تعالى - عن نبيّه إسماعيل عليه السلام - : ]وَ كَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصّلاَةِ وَ الزّكَـاةِ وَ كَانَ عِندَ رَبّهِ مَرْضِيّاً [[ مريم : 55 ] . و هو دأب الصّالحين مع أبنائهم ، فهذا لُقمان الحكيم يخاطب ابنه - وهو يعظه - قائلا : ]يَبُنَيّ أَقِمِ الصّلاَةَ [[ لقمان : 17 ] . و قد دعا خليل الله إبراهيم عليه السلام ربّه - سبحانه - فقال :]رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي [[ إبراهيم : 40 ] .
و قد أمر النّبيّ صلّى الله عليه و سلم أولياء أمور الصّغار بأن يعوّدوهم على الصّلاة في سنّ مبكّرة ، فهي أعظم رُكن مِن أركان الإسلام بعد الشّهادتين ؛
فعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه قال : قال رسول الله صلّى الله عليه و سلم : " مُروا أولادكم بالصّلاة وهم أبناء سبع سنين ، و اضربوهم عليها و هم أبناء عشر ، و فرّقوا بينهم في المضاجع "[25].
قال ابن حجر-رحمه الله- :" فإنّ الأولاد ليسوا بمكلّفين ، فلا يتّجه عليهم الوجوب ، وإنّما الطّلب مُتوجِّه على أوليائهم أنْ يُعلّموهم ذلك ، فهو مطلوب مِن الأولاد بهذه الطّريق " [26].
لقد نبّه النّبيّ صلّى الله عليه و سلم - في هذا الحديث - على أمرين مهمّين ، في تربيّة الأولاد :
أوّلهما :
غرس الصّلاة في الأولاد وهم صغار ، ليتعوّدوها كبارا ، ويتمرّنوا عليها ، ويستأنسوا بها ؛ وكون الغلام يُضرب عليها قبل البلوغ : دليل على إغلاظ العقوبة عليه إذا تركها متعمّدا بعد البلوغ .
الثّاني :
غرس الفضيلة و العفّة فيهم ، ليبتعدوا عن الرّذائل ، و يجتنبوا الفواحش ؛ فعن عبد الله بن محمّد بن عبد الحميد قال : حدّثنا بَكْر بن محمّد قال : " سئل أبو عبد الله : في كم يُؤمر الصّبيّ بالصّلاة ؟ فذكر الجواب ، قال : ويُفرَّق بينهم في المضاجع لعشر، الغلام عن الغلام، و الجارية عن الجارية ، قال : لأنّه يهيج لعشر " [27] . هذا في الجنس الواحد ،
فكيف إذا كان بين الجنسين - الذّكور و الإناث - ؟لا شكّ أنّه أولى و أحرى .
قال عطيّة سالم - رحمه الله- : " و قد وصّى صلّى الله عليه و سلم بتربية النّشء في البداية ، و قبل البلوغ عليها ، فقال : ( وذكر الحديث السّابق ثمّ قال ) : فيُعوّد الصّبيّ على الصّلاة ، مِن السّابعة إلى العاشرة ، ثلاث سنوات ، بالتّرغيب وبالتّرهيب ، وبإعطاء الحلوى و الهدايا ، و صُحْبته إلى المسجد ، ثلاث سنوات ، فإذا بلغ العاشرة ، فإنْ كان خيِّرا طيِّبا نقِيّا ، كان ذلك كافيا له في أن يرتاد المسجد وحده ، و إلاّ ضُرب ضَرْب تأديب ، لا ضرْب تشفٍّ ، فإذا رُوّض مِن السّابعة إلى العاشـرة ، ثمّ أُلزم و ضُرب مِن العاشرة إلى الخامسة عشرة ، فلا يجري القلم عليه إلاّ و قد أصبحت الصّلاة جزءاً مِن دمه و لحمـه . و ما جنى إنسان على ولده أكثر مِن ترك تعليمه الصّلاة . فعلى العبد أنْ يفعل ما في وُسعه ، والتّوفيق و الهدايـة مِن الله - سبحانه و تعالى - " [28].
قال النّووي - رحمه الله- : " قال الشّافعي في " المختصر " : " و على الآباء و الأمّهات أن يُؤدّبوا أولادهم ، و يُعلّموهم الطّهـارة و الصّلاة ، و يضربوهم على ذلك إذا عقِلوا "، قال أصحابنا : و يأمـره الوليّ بحضور الصّلوات في الجماعة و بالسّواك ، و سائر الوظائف الدّينيّة ، و يُعرّفه تحريم الزّنا و اللّواط و الخمر و الكذب و الغيبة و شبهها " [29].
كما أنّ على وليّ الطّفل أن يتعهّده و يسأل عنه : هل أدّى صلاته أم ضيّعها ؟ فإنْ كانت الأولى ، شجّعه ليَمضي قُدُما ، و إنْ كانت الأخرى ، ذكّره و حذّره و خوّفه ،كي لا يتعوّد تركها ، ولا يتهاون فيهـا ؛ فعن سعيد بن جبير عن ابـن عبّاس - رضي الله عنهما - قال : " بِتّ عند خالتي مَيمونة ، فجاء رسول الله صلّى الله عليه و سلم بعدما أمسى فقال : " أصلّى الغلام ؟" قالوا : نعم ، فاضطجع حتّى إذا مضى مِن اللّيل ما شاء الله ، قـام فتوضّأ ، ثمّ صلّى سبعا أو خمسا ، أوْتر بهنّ ، لم يسلّم إلاّ في آخرهن " [30]. فأوّل شيء بدأ به النّبيّ صلّى الله عليه و سلم - بعد دخوله البيت- هو أنْ سأل أهله قائلا : " أصلّى الغـلام ؟ "و في ذلك بيان لما أشرنا إليه .
و إذا علِم وليّ أمْر المسلمين بتهاون بعض الآباء في أداء هذا الواجب الشّرعي ، عاقبهم على ذلك كي لا يعودوا إلى مثله قال شيخ الإسلام ابن تيميّة - رحمه الله - : " ... بل تارك الصّلاة شرّ مِـن السّارق و الزّاني و شارب الخمر و آكـل الحشيشة ، و يجب على كلّ مُطاع أنْ يأمر مَن يُطيعه بالصّلاة ، حتّى الصّغار الذين لم يبلغوا ، قال النّبيّ صلّى الله عليه و سلم : " مُروهـم بالصّلاة لسبع ، و اضربوهم عليها لعشر ، و فرّقوا بينهم في المضاجع ".و مَن كان عنده صغير مملوك ، أو يتيم أوْ وَلد ، فلم يأمره بالصّلاة ، فإنّه يُعاقب الكبير إذا لم يأمـر الصّغير ، و يُعزّر الكبير على ذلك تعزيـرا بليغا ؛ لأنّه عصـى الله و رسوله "[31].
و لقد كان السّلف يحرصون على أمْر صغارهم بالصّلاة ، و يعاقبونهم على التّفريط فيها و إضاعتها ، و يؤدّبونهم علـى التّهاون فيها أو تأخيرها عن وقتها ، أو تفويتها عن الجماعة ؛ فعن سعيد بن عُفَير : حدّثني يعقوب عن أبيه أنّ عبد العزيز ابن مروان بعث ابنه عمر بن عبد العزيز إلى المدينة يتأدّب بهـا ، فكتب إلى صالح بن كَيْسان يتعاهـده ، فكان يلزمـه الصّلوات ، فأبطأ يوما عن الصّلاة ، فقال : ما حبسك ؟ قال : كانت مُرجّلتي تسكّن شعري ، فقـال : بلغ منك حبّك تسكين شعرك أن تُؤثره على الصّـلاة ؟! فكتب إلى عبد العزيز يذكر ذلك ، فبعث إليه عبد العزيز رسولا ، فلم يُكلّمه حتّى حلق شعره "[32].
و لا يَكتفي الوالد بأمْر صغيره بالصّلاة فحسب ، بل عليه أن يبيّن له أحكامها وكيفيتها ، و يُعلّمه كيف يتوضّأ ، وكيف يُصلّي كما كان رسول الله صلّى الله عليه و سلم يصلّي ، و لعلّ أحسن طريقة للوصول إلى تحقيق هذا التّعليم ، هـو أنْ يقوم الوالد نفسه فيصلّي أمام ولده ، فيتعلّمها الصّغير- قولا و فعلا - . و عليه أن يعوّده على أدائها بشروطها و أركانها وواجباتها ؛ قال ابن رجب الحنبلي : " ... و أمّا أنّ الصّبيّ ممنوعٌ مِن الصّلاة بدون الطّهارة ، فمتّفقٌ عليه " [33].
وللوالد أنْ يُؤدّب ولده ، متى رأى منه إعراضا عن صلاته ، وله أن يضربه على تركها ضرب تأديب ، لا ضرب تعذيب هذا إنْ كان يعقل ، وإلاّ فلا ؛ قال ابن مُفلح : " قال إسماعيل بن سعيد : سألتُ أحمد عمّا يجوز فيه ضرب الولد ؟ قال : الولد يُضرب على الأدب . قال : و سألتُ أحمد : هل يُضرب الصّبيّ على الصّلاة ؟ قال : إذا بلغ عشرا . وقال حنبل : إنّ أبا عبد الله قال : اليتيم يؤدَّب و يُضرب ضربا خفيفا . و قال الأثرم : سُئل أبو عبد الله عن ضرب المعلّم الصّبيان ؟ فقال : على قدْر ذنوبهم ، و يتوقّى بجهده الضّرب ، و إنْ كان صغيرا لا يعقل ، فلا يضربه "[34].


التعديل الأخير تم بواسطة رقية مبارك بوداني ; 05-01-12 الساعة 02:33 PM
رقية مبارك بوداني غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-01-12, 02:31 PM   #3
رقية مبارك بوداني
|تواصي بالحق والصبر|
مسؤولة الأقسـام العامة
افتراضي

تمرين الصّبيان على الصّيام ، و تعويدهم عليه :

لا تجب الطّاعات والفرائض على الصّبيّ إلاّ عند بلوغه ، غير أنّ للوالدين أجرا إنْ درّبا صغارهما على العبادات ، ومرّناه عليها ، كالصّيام - مثلا - و ذلك ليعتادوه كبارا ، و يسهل عليهم أداؤه إذا كُلِّفوا به و لزمهم .
وقد كان السّلف يأمرون أولادهم بالصّيام إذا أطاقوه ، و يدرّبونهم عليه منذ نعومة أظفارهم ، و دور الأمّ في ذلك عظيم فلها أن تُلهي صغارها باللُّعب المباحة حتى يمسكوا عن الطّعام و ينشغلوا بها إلى غروب الشّمس ؛ فعن الرُّبيِّع بنت مُعوّذ قالت: " أرسل النّبيّ صلّى الله عليه و سلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار: " مَن أصبح مُفطرا فليُتمّ بقيّة يومه ومَن أصبح صائما فليصم " قالت : فكنّا نَصومه بعد ، و نُصوِّم صِبياننا ، و نجعل لهم اللّعبة مِن العِهن [35] فإذا بكى أحدهم على الطّعـام أعطيناه ذاك،حتّى يكون عند الإفطار"[36].
وعن ابن جريـج و معمر عن هشام بن عـروة قال : " كان أبي يأمر الصّبيان بالصّـلاة إذا عقلوهـا ، و الصّيام إذا أطاقوه " [37].
و صلى الله على نبينا محمد و الحمد لله رب العالمين.
يتبع
____________

[1]
رواه التّرمذيّ ( 2516 ) و هو في " صحيح سُنن التّرمذيّ " للألبانيّ ( 2043 ) .
[2]
" تٌحفة المودود بأحكام المولود " ( ص : 231 ) .
[3]
جمع حَزْور أو حَزَوَّر : و هو الغلام إذا اشتدّ و قوي و خدم . انظر : " الصّحاح " للجوهريّ ( 2 / 629 ) .
[4]
أخرجه ابن ماجه ( 61 ) و البيهقيّ في " الكبرى " ( 5075 ) - و اللّفظ له - و هو في " صحيح سُنن ابن ماجه " للألبانيّ ( 52 ) .
[5]
رواه ابن أبي شيبة في " المصنّف " ( 3518 ) .
[6]
تُستعمل كلمة " شاطر " بمعنى : النّبيه و الذّكيّ و الماهر ، و هو خطأ ، و معناها الصّحيح الفصيح : هو الذي أعيى أهله و مؤدّبه خبثا . انظـر: " كتاب العين " للفراهيديّ ( 6 / 234 ) .
[7]
رواه ابن بطّة في " الإبانة الصّغرى " ( ص : 89 ) .
[8]
رواه مسلم في " مقدّمة صحيحه " ( 1/14 ) عن محمّد بن سيرين . و يُنسب إلىالإمام مالك بن أنس رحمه الله - أيضا- كما في " أحاديث في ذمّ الكلام و أهله " لأبي الفضل المقرىء ( 5 / 82 ) .
[9]
انظر : " ترتيب المدارك و تقريب المسالك " للقاضي عياض ( 1 / 450 ) .
[10]
أخرجه البخاريّ ( 5027 ) مِن حديث عثمان بن عفّان t .
[11]
رواه ابن أبي الدّنيا في كتاب " العيال " ( 309 ) .
[12]
أخرجه أحمد في " المسند " ( 22482 ) و قال شُعيب الأرنؤوط - في تعليقه على المسند - : " إسناده حسن ، مِن أجل عطاء " .
[13]
أخرجه الحاكم ( 2086 ) عن بريدة t ، و هو في " صحيح التّرغيب و التّرهيب " للألبانيّ ( 1434 ) .
[14]
رواه أبو عُبيد القاسم بن سلاّم في " فضائل القرآن " ( 12 ) .
[15]
رواه سعيد بن منصور في " سننه " ( 10 ) .
[16]
أخرجه البخاريّ ( 5035 ) [ باب تعليم الصّبيان القرآن ] . و اختُلف في كم كان سنّ ابن عبّاس رضي الله عنهما يوم مات النّبيّ صلّى الله عليه و سلم ؟ فقيل : عشر سنين - لهذا الأثر- و قيل : تُوفّي النّبيّ صلّى الله عليه و سلم و هو ابن خمس عشرة سنة ، وقيل : ثلاث عشرة . انظر لمعرفة الرّاجح مِن هذه الأقوال في " فتح الباري " لابن حجر ( 9/84) و " عُمدة القاري شرح صحيح البخاريّ " للعينيّ ( 2 / 70 ) .
[17]
أخرجه الحاكم في " المستدرك على الصّحيحين " ( 3178 ) و قال : " هذا حديث صحيح على شرط الشّيخين و لم يخرجاه " و وافقه الذّهبيّ .
[18]
انظر : الحديث رقم ( 4302 ) مِن " صحيح البخاريّ " .
[19]
رواه البخاريّ ( 143 ) .
[20]
رواه أبو نُعيم الأصبهانيّ في " حلية الأولياء و طبقات الأصفياء " ( 9 / 147 ) و الخطيب البغداديّ في " تاريخ بغداد " ( 3 / 187 ) .
[21]
رواه الخطيب البغداديّ في " شرف أصحاب الحديث " ( ص : 134 )
[22]
رواه البيهقي في " المدخل إلى السّنن الكبرى " ( 631 ) .
[23]
" الآداب الشّرعيّة " ( 1 / 244 ) .
[24]
" زاد المعاد في هدي خير العباد " ( 5 / 475 ) . و يعني ابنُ القيّم - رحمه الله - بقوله : " و سمعتُ شيخنا " : شيخ الإسلام ابن تيميّة - رحمه الله - .
[25]
أخرجه أبو داود ( 495 ) و هو في " صحيح سُنن أبي داود " للألبانيّ ( 466 ) .
[26]
" فتح الباري " ( 9 / 348 ) .
[27]
انظر : " أحكام النّساء " لابن الجوزيّ ( ص : 81 ) .
[28]
" شرح الأربعين النّوويّة " ( دروس صوتيّة مفرّغة ) .
[29]
" المجموع شرح المهذّب " ( 3 / 11 ) .
[30]
أخرجه أبو داود ( 1356) و هو في " صحيح سُنن أبي داود " للألبانيّ ( 1208 ) .
[31]
" مجموع الفتاوى " ( 22 / 50 - 51 ) .
[32]
رواه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " ( 45 / 136 ) .
[33]
" فتح الباري " ( 5 / 299 ) .
[34]
" الآداب الشّرعيّة " ( 1 / 477 ) .
[35]
هو الصُّوف - مُطلقا - . و قيل : الصُّوف المصبوغ . انظر : " المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجّاج " للنّوويّ ( 8 / 14 ) .
[36]
أخرجه البخاريّ ( 1960 ) و مسلم ( 1136 ) .
[37]
أخرجه عبد الرّزاق في " المصنّف " ( 7293 ) .
رقية مبارك بوداني غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

(View-All Members who have read this thread in the last 30 days : 0
There are no names to display.

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:17 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024,Jelsoft Enterprises Ltd.
هذه المنتديات لا تتبع أي جماعة ولا حزب ولا تنظيم ولا جمعية ولا تمثل أحدا
هي لكل مسلم محب لدينه وأمته وهي على مذهب أهل السنة والجماعة ولن نقبل اي موضوع يثير الفتنة أو يخالف الشريعة
وكل رأي فيها يعبر عن وجهة نظر صاحبه فقط دون تحمل إدارة المنتدى أي مسؤلية تجاه مشاركات الأعضاء ،
غير أنَّا نسعى جاهدين إلى تصفية المنشور وجعله منضبطا بميزان الشرع المطهر .