العودة   ملتقى طالبات العلم > . ~ . الأقسام الدعوية والاجتماعية . ~ . > روضة الداعيات إلى الله > خواطر دعوية

الملاحظات


خواطر دعوية واحة للخواطر الدعوية من اجتهاد عضوات الملتقى أو نقلهن وفق منهج أهل السنة والجماعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 31-01-13, 06:16 PM   #1
أم عبد الرحمن مصطفى
مسئولة فريق العمل الفني
افتراضي اعلمي أنكِ على حق ولو كنتِ وحدك

اعلمي أنكِ على حق ولو كنتِ وحدك



بقلم: أم عبد الرحمن بنت مصطفى بخيت


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومِن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضلَّ له، ومَن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله.

أما بعد:
فعن ابن عمر قال: خطَبنا عمر بالجابية فقال: يا أيها الناس، إنى قمتُ فيكم كمقام رسول الله - صلى الله عليه وسلمفينا، فقال: ((أوصيكم بأصحابي، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يَفشو الكذب حتى يَحلف الرجل ولا يُستحلف، ويشهد الشاهد ولا يُستشهَد، ألا لا يَخلوَنَّ رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان، عليكم بالجماعة، وإياكم والفُرْقةَ؛ فإن الشيطان مع الواحد وهو مِن الاثنين أبعد، مَن أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة، مَن سرَّته حسنته وساءته سيئته، فذلك المؤمن(([1].


فقاطعَتْني مُتسائلة: لحظة من فضلك، أليس عنوان الموضوع "إنكِ على حقٍّ ولو كنتِ وحدك"؟
فلما افتتحتِ كلامك بالحديث عن الجماعة، أظنُّك التبس عليكِ الأمر وبدأت فيالتحدث عن موضوع آخر.


نظرت إليها مبتسمة وقلت: بل صبرًا عليَّ يا أختاه، لم أخطئ ولم يَلتبس علي الأمر، والعنوان والحديث مترابطان، فاسمَحي لي أن أكمل كتابة مقالتي حتى لا تتشتَّت القارئات، وستتَّضح لكِ الصورة بعد قليل - إن شاء الله.

وعدتُ لإكمال مقالتي:كثيرًا ما نمرُّ بمواقفَ تكاد تَفتننا في ديننا لكوَننا مؤمنين برأي مخالف لكثيرين ممن حولنا، ليس هذا فقط؛ بل نجد الضغوط تُحيط بِنا مِن كل صوب؛ رغبةً منهم في إقناعنا بأن الحق معهم والباطل معنا، وكيف لا يكون الحق معهم وهم الجماعة؟


تقول إحدى الأخوات:
تزوجتُ وأنا طالبة عِلم ورغبت في الاستمرار في طلب العلم، لكنَّني بعد الزواج وجدتُ الكثير مِن المُعوِّقات، بالأخص مِن حماتي؛ بسبب مقارنتها المستمرة بيني وبين زوجات أبنائها؛ فهنَّ منتقبات، يذهبْن للمساجد، لكنَّ التزامهنَّ مُتخبِّط جدًّا؛ فلا مانع لديهنَّ مِن مشاهدة المسلسلات، ولا مانع مِن مكياج بسيط مع النقاب، وكذلك لا مانع مِن التوسع الشديد في المباحات، ولا مانع من الاحتفال بأعياد الميلاد مع أخلاق طيبة ونفْس بشوش، حتى استساغ الأهل هذا النوع من الالتزام، وصاروا يرونه الأنسب، ومع شدة ضغوطهم وتعليقاتهم بدأ قلبي يُفتن وبشدة، حتى بدأت أتساءل: مَن الذي على صواب، أنا أم هم؟


وتقول أخرى:انتشر في مجتماعاتنا النسائية أن للمرأة كامل الحق في زَوجِها ووقته وماله، وانتشر الأمر بين أواسط الملتزمات، حتى صار هذا هو الأصل بينهنَّ، ولو قمت ونصحتهن وذكرتهن بالأدلة الشرعية بأن لكل فرد مِن الأهل حقًّا على الزوج، وبأن للزوج ذمَّته المالية الخاصة به، لوجدت هجومًا شديدًا مِن أُخيَّات واتهامات بأني إنسانة غير سوية حتى بدأت أفتن وأتساءل، هل أنا على حق أم هنَّ؟


وتقول أخرى:كنتُ أنتظر الزوج الصالح الذي يُعينني على طلب العلم، لكن كمثل غيري من الفتيات، بدأ يطرق بابي الكثير ممن هم في بداية الالتزام، وبدأت الضغوط تزداد عليَّ بأنني سآثم إذا رفضتهم؛ فهم ذوو خلق عالٍ، ويسعون للالتزام مثلي، ويجب عليَّ أن آخذ بيده ليلتزم هو الآخر، ونسوا حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين اشترط وقال: ((إذا جاءكم مَن ترضون دينه وخلقه))[2]، وليس مَن تتوقَّعون أن ترضوا بدينه وخلقه في المستقبل، ومع كثرة الضغوط بدأت أتساءل: هل أنا على حق أم هم؟
وغيره الكثير من المواقف التي قد تمر بنا على المستوى الفردي، بل وفي المجتمع ككل أيضًا.


فاستوقفتني سائلة: إذًا ما هو قولك في تلك المواقف؟ فهذا فعلاً شيء مُحيِّر، خصوصًا أن مَن يعترضون هم ممّن يَنتسبون للالتزام، يعني صار في الأمر فِتنة شديدة، وأصبحْنا نتشتَّت كثيرًا، خصوصًا إذا مررْنا بأي من تلك المواقف، ونجد أنفسنا وحيدين بينهم، وكثيرًا ما نتساءل: أيُعقَل أن يكونوا جميعهم على باطل وأكون على حق؟! أليسوا هم الجماعة التي حثَّنا الشرع على اتِّباعها؟!


فأجبتُها:لا يا أختاه، ليسوا هؤلاء هم الجماعة؛ فالجماعة المذكورة في حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مشروطة، دعينا نتذكَّر الحديث أولاً قبل أن نشرَح معنى الجماعة؛ عن ابن عمر قال: خطَبنا عمر بالجابية فقال: يا أيها الناس، إني قمتُ فيكم كمقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فينا، فقال: ((أوصيكم بأصحابي، ثمَّ الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يفشو الكذب حتى يَحلف الرجل ولا يُستحلَف، ويَشهد الشاهد ولا يُستشهَد، ألا لا يَخلونَّ رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان، عليكم بالجماعة، وإياكم والفُرْقة؛ فإن الشيطان مع الواحد، وهو مِن الاثنَين أبعد، مَن أراد بحبوحة الجنة فليَلزم الجماعة، مَن سرَّته حسنته وساءته سيئته، فذلك المؤمن(([3].

لقد اتَّفق العلماء على أن مفهوم الجماعة هو أن يلتزم المسلم بمنهج النبي - صلى الله عليه وسلم - ومنهج الصحابة - رضوان الله تعالى عليهم - وبالتالي فالمراد بلزوم الجماعة هو لزوم الحق واتباعُه، وإن كان المُتمسِّك به قليلاً والمُخالِف له كثيرًا؛ لأن الحق هو الذي كانت عليه الجماعة الأولى على عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولا عِبرة بكثرة أهل البِدع بعدهم، فالمعيار هنا هو المنهج؛ مَن اتَّبع المنهج فهو على الجماعة، ومَن خالف المنهج يكون شاذًّا عن هذه الجماعة مهما بلَغ عددُهم.


فسألتني: وما الدَّلالة على أن الحق قد يكون مع القِلة؟ معلوم دائمًا أن الحق يكون مع الغالبية!


فأجبتُها:دعيني أَلفِت نظرك أولاً أننا هنا نتكلم عن الأمور الشرعية وليس الدنيوية، قاعدة: "إن الحق مع الأغلبية" تَنطبق على الأمور الدنيوية فقط، وليس شرطًا أن تكون نفس القاعدة في الأمور الشرعية؛ يقول عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه -: "الجماعة ما وافَق الحق ولو كنتَ وحدك"[4]، ويقول الحسن البصري - رحمه الله -: "سُنَّتكُم، والذى لا إله إلا هو بينهما - بين الغالي والجافي - فاصبروا عليها - رحمكم الله - فإن أهل السنَّة كانوا أقلَّ الناس فيما مضى، وهم أقل الناس فيما بقي، الذين لم يذهبوا مع أهل الإتراف فى إترافهم، ولا مع أهل البدع فى بدعهم، وصبروا على سنَّتهم حتى لقوا ربهم، فكذلكم - إن شاء الله - فكونوا"[5]، ويقول الفُضيل بن عِياض - رحمه الله -: اتَّبع طرُق الهدى، ولا يضرك قِلَّة السالِكين، وإياك وطرُق الضلالة، ولا تغترَّ بكثرة الهالِكين"[6]، وبالتالي فالكثرة والقِلة ليست مِعيارًا على الحكم على الجماعة بأنها على صواب أو على باطل.


فسألتني: هذا فيما يخصُّ أقوال السلف، لكن ماذا عن الكتاب والسنَّة، هل ذكر فيهما شيء عن الأقلية والأغلبية؟ وأيهما على حق؟


فأجبتها:نعم؛ هناك الكثير مِن النصوص الشرعية التي تتحدَّث عن الأقلية والأغلبية؛ ففي القرآن، عند ذكْر الأغلبية، فإنها - في الغالب - تكون للذمِّ؛ كقوله - تعالى -: { وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ } [الأنعام: 116]، وأيضًا قوله - تعالى -: { وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ } [يوسف: 103]، وقال: { فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا } [الإسراء: 89]، وقال: { لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ } [الزخرف: 78]، وقال: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ } [الشعراء: 8]، وقال: { وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ } [يوسف: 106]، وغيرها مِن الآيات.

وكذلك جاء ذكْر الأقلية بالمدح في مواضع كثيرة من كتاب الله - عز وجل - قال - تعالى -: { إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ } [ص: 24]، وقال عن قوم نوح: { وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ } [هود: 40]، وقال أيضًا: { فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ }; [البقرة: 246]، وقال: { وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا } [النساء: 83].

أما في السنَّة، فعن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((عُرضَت عليَّ الأمم فرأيتُ النبي ومعه الرهط، والنبي ومعه الرجل والرجلين، والنبي وليس معه أحد...(([7]، وأيضًا حديث الفِرقة الناجية عن معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنهما - أنه قال: ألا إنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام فينا فقال: ((ألا إنَّ مَن قبلكم مِن أهل الكتاب افترقوا على ثِنتَين وسبعين مِلة، وإن هذه المِلة ستَفترِق على ثلاث وسبعين؛ ثنتان وسبعون في النار، وواحدة في الجنة، وهي الجماعة(([8]، كل هذه أدلة وغيرها متوفِّرة في كتاب الله وسنَّة نبيه، وكذلك هناك أقوالٌ لأهل العلم، ومنها أبيات[9]لابن القيم - رحمه الله -:



يا سِلعة الرَّحمَن لستِ رَخيصةً
بل أنتِ غالية على الكسْلان
يا سِلعة الرَّحمَن ليس يَنالُها
في الألف إلا واحد لا اثْنان

لذلك أُوصي نفسي، وأوصيكِ، وأوصي كلَّ مَن يقرأ كلماتي بالتمسُّك بالحقِّ وشرع الله، حتى لو كنتِ وحدَك على الطريق، وكلما مررتِ بموقف فاعرضيه على شرع الله أولاً، فإن وافَق الشرعَ، فتمسَّكي به وعَضِّي عليه بالنواجذ مهما كَثُر المُعارضون حولك، وإن خالف الشرع فاتركيه واضربي به عُرْض الحائط، وتذكَّري حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - حين قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يأتي على الناس زمانٌ الصابر فيه على دينه كالقابض على الجمر)).[10].

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


اللهم إني أَستغفِرك مما تبتُ إليك منه ثم عدتُ إليه، وأَستغفِرك مما جعلتُه لك على نفسي ثم لم أفِ لك به، وأستغفرك مما زعمتُ أني أردتُ به وجهك فخالط قلبي منه ما قد علمتَ


مدونة أم عبد الرحمن بنت مصطفى بخيت



المراجع:
شرح مادة "مقدِّمة في العقيدة والمذاهب المعاصرة"؛ للشيخ فوزي عثمان، بجامعة المعرفة العالمية.




[1]رواه الترمذي.
[2]رواه الترمذي والبيهقي.
[3]رواه الترمذي.
[4]تاريخ دمشق؛ لابن عساكر.
[5]رواه الدارمي.
[6]ذكره الشاطبي في الاعتصام.
[7]مسند أحمد.
[8]سنن أبي داوود.
[9]القصيدة النونية لابن القيم
[10]رواه الترمذي



توقيع أم عبد الرحمن مصطفى
دخول متقطع ... دعواتكن لي
مدونتي ... صدقتي الجارية بعد مماتي


أم عبد الرحمن مصطفى غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 31-01-13, 08:14 PM   #2
مروة عاشور
|نتعلم لنعمل|
افتراضي

موضوع جاء في وقته
وقد قال شيخنا الحويني بخصوص موضوع مشابه (أن النبي صلى الله عليه وسلم حينما بدأ الدعوة إلى الله لم يكن على ظهر الأرض مسلم واحد إلا ثلاثة وكان أهل الأرض جميعا كفرة وإنتصر هؤلاء الثلاثة
فما دمت على الحق وتتبع الغرس فأنت الجماعة وإن كنت وحدك!



((لا يغرنك في طريق الباطـل كثرة الهالكين. ولا يوحشنك في درب الحق قلة السالكين))



جزاكِ الله خيرا يا أختي الحبيبة وأنتظر منكِ المزيد من التذكرة والمواضيع المفيدة دمتِ بخير .



توقيع مروة عاشور

إذا انحدرت في مستنقع التنازلات في دينك
فلا تتهجم على الثابتين بأنهم متشددون . .
بل أبصر موضع قدميك
لتعرف أنك تخوض في الوحل
مروة عاشور غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-02-13, 03:11 PM   #4
طالبة الرضوان
جُهدٌ لا يُنسى
افتراضي

يا هلا بأم عبدالرحمن ..امتعتينا بقراءة موضوعك في ملتقى أهل الحديث وها أنا أقرأه مرة أخرى : )
نفع الله بكِ يالغالية



توقيع طالبة الرضوان
سبحان الله،والحمد لله،ولا إله إلا الله،والله أكبر ..
طالبة الرضوان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

(View-All Members who have read this thread in the last 30 days : 0
There are no names to display.

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه بشـرى روضة التزكية والرقائق 2 14-10-06 04:14 AM


الساعة الآن 10:15 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024,Jelsoft Enterprises Ltd.
هذه المنتديات لا تتبع أي جماعة ولا حزب ولا تنظيم ولا جمعية ولا تمثل أحدا
هي لكل مسلم محب لدينه وأمته وهي على مذهب أهل السنة والجماعة ولن نقبل اي موضوع يثير الفتنة أو يخالف الشريعة
وكل رأي فيها يعبر عن وجهة نظر صاحبه فقط دون تحمل إدارة المنتدى أي مسؤلية تجاه مشاركات الأعضاء ،
غير أنَّا نسعى جاهدين إلى تصفية المنشور وجعله منضبطا بميزان الشرع المطهر .