11-11-20, 10:05 PM | #1 |
نفع الله بك الأمة
|
اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بكَ مِن زَوَالِ نِعْمَتِكَ
اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بكَ مِن زَوَالِ نِعْمَتِكَ "كانَ مِن دُعَاءِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بكَ مِن زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ."الراوي : عبدالله بن عمر- صحيح مسلم. الشرح: فإن من الأعمال التي يحبها الله -جل وعلا- ويَرتضيها من عباده: كثرة ذكره ودعائه -جل وعلا-، وقد تكاثرت نصوص القرآن والسنة المرغِّبة في سؤال الله -جل وعلا-، وفي ذكره وتسبيحه، وحمده وشكره، وكان نبينا -صلى الله عليه وسلم- في هذا الشأن بالقدر الأسنى والمقام الأعلى، وكانت دعواتُهُ -عليه الصلاة والسلام- دعواتٍ حكيمات متضمِّنةً جملًا بليغةً في معانيها، عميقة في دلالاتها، - فقد أوتي جوامع الكلم-وهذا يحمل المسلم على أنْ يتعلَّم هذه الدعوات التي كان عليها النبي -صلى الله عليه وسلم-، فإنها تجمع خيرَي الدنيا والآخرة، وتَقِي المؤمن شرورَهما.الخطباء . نِعَمُ اللهِ كثيرةٌ على عبادِهِ ومتتابعةٌ بتتابعِ الليلِ والنهارِ، قال تعالى"وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ "إبراهيم: 34. وأعظم نِعمةٍ نِعمةُ الهدايةِ لهذا الدينِ، وهي نعمة لا تعدلها كنوز الأرض كلها، قال تعالى"الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا"المائدة: 3. وفي هذا الحديثِ أنَّه كان مِن دُعاءِ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الاستِعاذةُ مِن ذَهابِ نِعَمِهِ سُبحانَهُ وتَعالى الدِّينِيَّةِ والدُّنيَويَّةِ النَّافعةِ في الأُمورِ الأُخْرويَّةِ، والاستِعاذَةُ مِن زَوالِ النِّعمِ تَتَضَمَّنُ الحِفْظَ عَنِ الوُقوعِ في المعاصي لِأَنَّها تُزيلُها.الدرر السنية. قال الشيخ عبد الله البسام -رحمه الله:قوله"اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ" الأمور كلها بيد الله، فهو المعطي وهو المانع، لا راد لأمره، فالاستعاذة من زوال النعم هي في موضعها وواقعة موقعها، فهو يسأل مُعطيها أن لا يزيلها، وزوال النِّعم يكون غالبًا بسبب الذنوب، فهو يسأل ضِمْنًا العِصمةَ من الذنوبِ التي هي سبب زوال النعم، قال تعالى"ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ"الروم: 41 " توضيح الأحكام :6/ 435 . أي: استعلن الفساد في البر والبحر أي: فساد معايشهم ونقصها وحلول الآفات بها، وفي أنفسهم من الأمراض والوباء وغير ذلك، وذلك بسبب ما قدمت أيديهم من الأعمال الفاسدة المُفْسِدَة بطبعِها. " لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا " أي: ليعلموا أنه المجازي على الأعمال فعجل لهم نموذجًا من جزاء أعمالهم في الدنيا " لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ " عن أعمالهم التي أثرت لهم من الفساد ما أثرت، فتصلح أحوالهم ويستقيم أمرهم. فسبحان من أنعم ببلائه وتفضل بعقوبته وإلا فلو أذاقهم جميع ما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة.من تفسير السعدي رحمه الله. هذا التجاء إلى الله -جل وعلا-، فهو الذي -سبحانه- بيده الأمر كله، وإليه يرجع الأمر كله، والمؤمن يجب أنْ يكون قلبه معلقًا بمن بيده تصريف الأمور، وبيده الأمر والنهي، وبيده مقاليد كل شيء.. ذلك أنَّ المؤمن إذا أنعم الله -تعالى- عليه فإنه يحب هذه النعمة أن تدوم وتستمر، بل هذه جِبِلَّة في بني آدم كلهم، إذا أُعطوا ما يحبون من أنواع النِّعم، ألِفوها وأحبوها، وأعظم نعمة يؤتاها المؤمن هي هدايته للإسلام، فيسأل الله -تعالى- أن يثبت عليه، ويستعيذ به من أن يزول، وهذا الأمر قد يُستبعد في أول وهلة، لكن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن، يقلِّبها كيف يشاء، ولذلك أخبر سبحانه أنَّه قد يحال بين الإنسان وبين قلبه، فلا يستطيع الثبات على الإيمان، ولا يستطيع اختياره ابتداءً؛ كما قال سبحانه"وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ"الأنفال: 24. وأخبر -جل وعلا- أنَّ عباده الراسخين في العلم من دعائهم"رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ"آل عمران: 8، "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ "الأنفال: 24. يأمر تعالى عبادَهُ المؤمنين بما يقتضيه الإيمان منهم وهو الاستجابة للّه وللرسول، أي: الانقياد لما أمرا به والمبادرة إلى ذلك والدعوة إليه، والاجتناب لما نهيا عنه، والانكفاف عنه والنهي عنه. وقوله"إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ" وَصْفٌ ملازمٌ لكلِّ ما دعا اللّه ورسوله إليه، وبيان لفائدته وحكمتِهِ، فإن حياةَ القلبِ والروحِ بعبوديةِ اللّهِ تعالى ولزومِ طاعتهِ وطاعةِ رسولِهِ على الدوام. ثم حذر من عدم الاستجابة للّه وللرسول فقال"وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ" فإياكم أن تردوا أمرَ اللّهِِ أول ما يأتيكم، فيُحَال بينكم وبينه إذا أردتموه بعد ذلك، وتختلف قلوبُكم، فإن اللّه يحول بين المرء وقلبه، يقلب القلوب حيث شاء ويصرفها أنى شاء. فليكثر العبد من قول: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، يا مصرف القلوب، اصرف قلبي إلى طاعتك. "وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ" أي: تُجْمَعُونَ ليومٍ لا ريب فيه، فيجازي المحسنَ بإحسانِهِ، والمسيءَ بعصيانِهِ.تفسير السعدي. "قُلتُ لأمِّ سلمةَ : يا أمَّ المؤمنينَ ما كانَ أَكْثرُ دعاءِ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ إذا كانَ عندَكِ ؟ قالَت : كانَ أَكْثرُ دعائِهِ : يا مُقلِّبَ القلوبِ ثبِّت قلبي على دينِكَ قالَت : فقُلتُ : يا رسولَ اللَّهِ ما أكثرُ دعاءكَ يا مقلِّبَ القلوبِ ثبِّت قلبي على دينِكَ ؟ قالَ : يا أمَّ سلمةَ إنَّهُ لَيسَ آدميٌّ إلَّا وقلبُهُ بينَ أصبُعَيْنِ من أصابعِ اللَّهِ ، فمَن شاءَ أقامَ ، ومن شاءَ أزاغَ . فتلا معاذٌ" رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا" الراوي : شهر بن حوشب - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الترمذي. وهو الذي غَفَرَ اللهُ له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخر، وهو المثبَّت بأمر الله. ولئن كان هذا الأمر مستغربًا أن تزول نعمة الإسلام، وأن يرتدَّ المسلم عن دينه بعد أن ذاق لذته، واستروح في رياضِهِ، ووجد الطمأنينة في غضونه، لكن وجود من يرتد متكرر، ولا حول ولا قوة إلا بالله. وُجِد في زمان النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- من ارتدَّ عن الإسلام بعد أن كان من أهله، وإن كان ذلك قليلًا ومعدودًا بالأفراد في المتقدمين، لكنه اليوم وللأسف الشديد صار يظهر ويَشتهر، وصار بعض الناس يجاهر بالإلحاد، وصاروا يتجمعون على مسميات لهم، وخاصة عبر شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، لهم تجمعات يُسمُّون أنفسهم المرتدين، ويسمُّون أنفسهم الملحدين، وغير ذلك من التسميات التي فيها جهر بالسوء، وغرَّهم إمهالُه سبحانه وتعالى، فهؤلاء وُجِدوا في كنف الإسلام ووُلِدوا من آباء وأمهات من أهل الإسلام، ولكن زالت هذه النعمة، وهذا يحمل المسلم على أن يعظِّم الرغبة، ويلح في الدعاء أن يثبِّته الله على الإسلام، وأن يبقى عليه إلى آخر رمقٍ على الإسلام"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ"آل عمران: 102. فالمؤمن يدعو بهذا الدعاء"اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بكَ مِن زَوَالِ نِعْمَتِكَ" وفي ذهنه وفي خلده نعمة الإسلام أساس النِّعَم وتاجُها، ويبذل الأسباب في الثبات عليه، إلى غير ذلك من أنواع النعم الأخرى التي يمنُّ الله بها على عباده، نِعمٌ لا تُعدُّ ولا تُحصى. ومما يخطئ به بعض الناس أنْ يظن أنَّ النعمة إنما هي في المال، أنَّ النعمة إنما هي في الجاه، في المنصب في الولد، في غير ذلك، تجدُ هذا الإنسان قد غُطِّي بنعم الله -تعالى- من أعلى رأسه إلى أخمص قدميه، لكنه لا يلتفت إلى هذه النعم، ولا يكاد يتأملها، والسبب في ذلك أنَّه يقارن نفسه بالآخرين، يحاسب ربَّهُ لِمَ لمْ تجعلني مثل فلان وفلان؟! يريد أن تكون حياته كالآخرين، ولا يعلم أنَّ أولئك لم تكمل في حقهم النعم مع كثرتها، وإغداق الله عليهم وعليه هو أيضًا، فكل أحدٍ له حاله، وكل أحدٍ له رزقه، ولذلك قال ربنا -جل وعلا "وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا"طه: 131، فهذا الذي ترى أنه مُغْدَقٌ عليه بالنعم وهو كذلك، لكن ثمت ما يكدره ولا يكدرك، قد ترى إنسانًا يملك الملايين، لكنه لا يأكل كما تأكل، قد تجد إنسانًا يملك ما يملك من عقارات وغيرها، لكنه ليس في نعمة راحة البال التي مثلك، وقد تجد آخرين يفوقونك في شيء من المجالات، لكنك أنت تفوقهم في مجال آخر، والإنسان لا يحاسب ربه"أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا"الزخرف:32؛ فالله -جل وعلا- يُعطي من يشاء ويمنع من يشاء، لا يُسأل عما يفعل وهم يسألون، والمؤمن يدرك أنَّ نِعمَ اللهِ -تعالى- عليه لا تُعدُّ ولا تُحْصَى. ومن أعظم من يدرك ذلك من كان له علم بالطب والعلوم المختصة ببدن الإنسان، فكل لحظة تمر على الإنسان فهو مغدقٌ عليه بأنواع النعم، ذلك أنَّ هذا البدن بما فيه من الصحة والعافية -وإن تفاوت الناس فيها- فإنها نِعمٌ فوق نِعم، في توازنات هذا البدن ومقاييسه في كل مليمتر منه، أو أقل مما يضبط للإنسان له عافيته وصحته. ومن العجيب: أنَّ هذه النِّعم يقتحم بها الإنسانُ مساخطَ الله -جل وعلا، ولن يستطيع أحدٌ أن يقتحم معصية إلا وهو مستعينٌ عليها بنعمة من نِعم الله -جل وعلا-؛ في بصره في سمعه، في نطقه في بَطشه ومشيه، وفي غير ذلك، والمقصود أنَّ هذا الدعاء يشمل هذا الأمر"اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بكَ مِن زَوَالِ نِعْمَتِكَ" والنعمة هنا كما يقول العلماء: اسم جنس يشمل كل النِّعم؛ نعمة الإسلام، نعمة العافية في الأبدان، نعمة الرزق، نعمة الصحة، نعمة أنواع الوظائف في البدن، نعمة التمييز، أنواع النعم التي كما قال الله -جل وعلا"وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا"إبراهيم: 34، وهذا يحمل المؤمن على أن يشكر هذه النعم، ويبذل مسعاه شكرًا لهذا المُنْعِم. ومن العجيب في شأن ابن آدم أنه مستعد لأن يشكر إنسانًا مثله أحسن إليه إحسانًا محدودًا، أن يشكره طولَ عمره، لكنه يتناسى شكر خالقه ومُوجِده الذي تفضَّل بكل أنواع النعم، فلو أنَّ إنسانًا مرت به ضائقة، ثم قام معه أحد من الناس قريب أو صديق، وأسنده في هذا الأمر، فإنه سيبقى -في الغالب- حافظًا لهذا الإحسان والمعروف، شاكرًا لصاحبه لا ينساه، وإن كان هذا الأمر محمودًا، وهذا الذي ينبغي أن يكون عليه الإنسان؛ لكن ينبغي أن يقارن الإنسان في تصرفه مع خالقه وموجده، ومع الخلق الذين هم ضعفاء مثله. قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم"مَن أصبحَ منكم آمنًا في سربِهِ ، مُعافًى في جسدِهِ عندَهُ قوتُ يومِهِ ، فَكَأنَّما حيزت لَهُ الدُّنيا" الراوي : عبيدالله بن محصن- صحيح سنن الترمذي_تحقيق الشيخ الألباني. "مَن أصبحَ منكم آمنًا في سربِهِ" آمنًا في بيته، آمنًا في حيِّه، آمنًا في مدينته ووطنه. “معافًى في بدنه” عافية في الجملة، ليس إنسانًا يحتاج إلى تنفس اصطناعي، أو يحتاج إلى إعانة خارجية للقيام بالوظائف المعتادة. "عندَهُ قوتُ يومِهِ" قوت يومه، وأما الأيام القادمة، فعِلْمُها ويتكفل بها الخالق الرزاق الموجِد -جل وعلا. الخطباء . "فكأنَّما حِيزَتْ له الدُّنيا"، أي: فكَأنَّما مَلَك الدُّنيا وجمَعها كلَّها؛ فمَن توَفَّر له الأمانُ والعافيةُ والرِّزقُ لا يَحتاجُ إلى شيءٍ بعدَ ذلك، فكان كمَن ملَك الدُّنيا، وجمَعها.الدرر. *قوله"وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ"ثُمَّ عَطَفَ على الاستِعاذَةِ الأُولى الاستعاذةَ من تَحَوُّلِ العافِيَةِ، أي: وأعوذُ بك مِنْ تَبَدُّلِ ما رَزَقْتَني مِنَ العافِيَةِ إلى البَلاءِ. فنعمة العافية من أعظم النعم بعد نعمة الإيمان والإسلام. عن العباس بن عبدالمطلب :قلتُ يا رسولَ اللَّهِ علِّمني شيئًا أسألُهُ اللَّهَ قال" سلِ اللَّهَ العافِيةَ" فمَكثتُ أيَّامًا ثمَّ جئتُ فقلتُ: يا رسولَ اللَّهِ علِّمني شيئًا أسألُهُ اللَّهَ، فقالَ لي" يا عبَّاسُ يا عمَّ رسولِ اللَّهِ سلِ اللَّهَ العافيةَ في الدُّنيا والآخرةِ" صحيح سنن الترمذي تحقيق الألباني. والعافيةُ هي السَّلامةُ والمعافاةُ مِن كلِّ شرٍّ ومرضٍ وبلاءٍ. فإنَّ العافيةَ هي النَّجاةُ والفلاحُ في الدُّنيا والآخرةِ. روى الترمذي في سننه من حديث رفاعة بن رافع، قال: قام أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- على المنبر ثم بكى، فقال: قام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عام الأول على المنبر ثم بكى فقال"سَلُوا اللَّهَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ، فَإنَّ أَحَدًا لَمْ يُعْط بَعْد الْيَقِينِ خَيرًا مِنَ الْعَافِيَةِ"صحيح سنن الترمذي ،تحقيق الشيخ الألباني. "العفوَ" أي: مَحْوَ الذُّنوبِ وسَتْرَ العيوبِ، "والعافيةَ" أي: السَّلامةَ في الدِّينِ مِن الفِتنةِ، وفي البَدنِ مِن الأمراضِ، أو السَّلامةَ في الدُّنيا مِن النَّاسِ وشُرورِهم، وأن يُعافِيَك اللهُ مِنهم ويُعافِيَهم منك. "فإنَّ أحَدًا لم يُعطَ بعدَ اليَقينِ" أي: الإيمانِ والبصيرةِ في الدِّينِ "خيرًا مِن العافيةِ" فإنَّه لا يَتِمُّ صلاحُ العبدِ وسعادتُه في الدَّارَينِ إلَّا باليقينِ في اللهِ، وبالفَوزِ بعفوِه سبحانه، والعفوُ مِن اللهِ هو العُمْدةُ في الفَوزِ بدارِ المعادِ، والعافيةُ هي العُمدةُ في صَلاحِ أمورِ الدُّنيا والسَّلامةِ مِن شُرورِها ومِحَنِها؛ فكان هذا الدُّعاءُ مِن جَوامعِ الدُّعاءِ. الدرر. قال ابن القيم -رحمه الله- تعليقًا على الحديث المذكور: "فجمع بين عافيتي الدين والدنيا، ولا يتم صلاح العبد في الدارين إلا باليقين والعافية، فاليقين يدفع عنه عقوبات الآخرة، والعافية تدفع عنه أمراض الدنيا في قلبه وبدنه، فجمع أمر الآخرة في كلمة، وأمر الدنيا كله في كلمة . زاد المعاد :4/ 197. واستعاذ -صلى الله عليه وسلم- من تحول عافيته سبحانه؛ لأنه إذا كان قد اختصه الله بعافيته، فقد ظفر بخير الدارين، فإن تحولت عنه فقد أصيب بشر الدارين، فإن العافية بها صلاح الدِّين والدنيا كما تقدم. - هنا- مِنْ لُطْفِ اللهِ سُبحانَه وتَعالى بالعَبْدِ إِدامَةُ العافِيةِ عليه، وَكُلِّ ما يَدورُ في مِنوالِها، مِن دَوامِ نِعَمِه على العَبْدِ وابْتِعادِ النِّقَمِ المفاجِئَةِ عنه، وحِفْظِه مِن جَميعِ سُخْطِ الرَّبِّ سُبحانَه وتَعالى. والاستعاذةَ منفُجاءَةِ النِّقمَةِ مِن بَلاءٍ أو مُصيبَةٍ، فالنِّقْمَةُ إذا جاءَتْ فَجأَةً، أَيْ: بَغتةً، لم يَكُنْ هُناكَ زَمانٌ يُستَدْرَكُ فيه. الفجاءة هي البغتة التي تأخذ الإنسان من حيث لا يكون عنده سابق إنذار وإخطار وتحذير، فيؤخذ من مأمنه حيثما تفجأه النقمة، ويبغته العذاب، ولات حين مناص ولا مفر، قال تعالى"أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ* أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ "الأعراف: 97 - 99. واستعاذ -صلى الله عليه وسلم- من فجاءة نقمة الله -سبحانه- لأنه إذا انتقم من العبد فقد أحل به من البلاء ما لا يقدر على دفعه، ولا يُستدفع بسائر المخلوقين، وإن اجتمعوا جميعًا. وقَولُه:وجَميعِ سَخَطِكَ:أي كل ما يوجب غضبك ويذهب عني رضاك. "وَجَمِيعِ سَخَطِكَ" استعاذ -صلى الله عليه وسلم- من جميع سخطه؛ لأنه -سبحانه- إذا سخط على العبد فقد هلك وخسر، ولو كان السخط في أدنى شيء وبأيسر سبب، ولهذا قال الصادق المصدوق وجميع سخطك وجاء بهذه العبارة شاملة لكل سخط. روى الترمذي في سننه من حديث بلال بن الحارث صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال"إنَّ أحدَكم ليتَكلَّمُ بالكلمةِ من رضوانِ اللَّهِ ما يظنُّ أن تبلغَ ما بلغت فيَكتبُ اللَّهُ لَه بِها رضوانَه إلى يومِ يلقاه، وإنَّ أحدَكم ليتَكلَّمُ بالكلمةِ من سخطِ اللَّهِ ما يظنُّ أن تبلغَ ما بلغت فيَكتبُ اللَّهُ عليهِ بِها سخطَه إلى يومِ يلقاهُ"الراوي : بلال بن الحارث - المحدث : الألباني - صحيح سنن الترمذي. "إنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِن رِضْوانِ اللَّهِ، لا يُلْقِي لها بالًا، يَرْفَعُهُ اللَّهُ بها دَرَجاتٍ، وإنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِن سَخَطِ اللَّهِ، لا يُلْقِي لها بالًا، يَهْوِي بها في جَهَنَّمَ".الراوي : أبو هريرة- صحيح البخاري. فلنحذر سخط الله، ونحفظ كل جوارحنا عن غضب الله . نسأل الله السلامة لنا ولكم. وفي الحديثِ: الحِرصُ عن الِابْتِعادِ عَن مَواضعِ سُخطِه سُبحانَه وتَعالى .الدرر السنية. |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
(View-All) Members who have read this thread in the last 30 days : 0 | |
There are no names to display. |
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا تحول به بَيْنَنَا وَبَيْنَ معصيتك | أم أبي تراب | روضة السنة وعلومها | 0 | 11-11-20 09:41 PM |
الحياء الصفة المحمودة | أم أمية | روضة التزكية والرقائق | 0 | 27-05-07 04:14 PM |