03-01-08, 07:22 PM | #41 |
~صديقة الملتقى~
تاريخ التسجيل:
22-10-2007
المشاركات: 952
|
السميع جل جلاله وتقدست أسماؤه
المعنى اللغوي : السمع للإنسان وغيره : حس الأذن، أو ما وقر في الأذن من شيء تسمعه، ورجل سميع : أي سامع، ورجل سماع : إذا كان كثير الاستماع لما يقال وينطق كقوله تعالى : سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ (المائدة: من الآية41). والسميع على وزن فعيل من أبنية المبالغة. قال الزجاج : ويجيء في كلامهم : سمع بمعنى أجاب ورود الاسم في القرآن الكريم : ورد الاسم في الكتاب العزيز حمساً وأربعين مرة منها قوله تعالى : رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (البقرة: من الآية127) وقوله : قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (المائدة:76) وقوله سبحانه : إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (لقمان: من الآية28) وقوله تعالى : إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ (سـبأ: من الآية50) وقوله : وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (المجادلة: من الآية1) معنى الاسم في حق الله تعالى : قال ابن جرير رحمه الله : وقوله : وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (الشورى: من الآية11) يقول جل ثناؤه واصفاً نفسه بما هو به، وهو يعني نفسه، السميع لما تنطق به خلقه من قول قال ابن كثير رحمه الله : السميع لأقوال عباده. وقال الخطابي رحمه الله : (السميع) بمعنى السامع، إلا أنه أبلغ في الصفة، وبناؤه فعيل، بناء المبالغة كقولهم : عليم من عالم، وقدير من قادر. وهو الذي يسمع السر والنجوى، سواء عنده الجهر والخفوت، والنطق والسكوت. وقد يكون السماع بمعنى : القول والإجابة كقول النبي : (اللهم إني أعوذ بك من قول لا يسمع) . أي : من دعاء لا يستجاب ومن هذا قول المصلي : "سمع الله لمن حمده معناه قبل الله حمد من حمده. قال ابن القيم : " فعل السمع يراد به أربعة معان : أحدها : سمع إدراك ومتعلقه الأصوات. الثاني : سمع فهم وعقل ومتعلقه المعاني. الثالث : سمع إجابة وإعطاء ما سئل. الرابع : سمع قبول وانقياد. فمن الأول : قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا (المجادلة: من الآية1) لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ (آل عمران: من الآية181). ومن الثاني قوله : لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا (البقرة: من الآية104) ليس المراد سمع مجرد الكلام بل سمع الفهم والعقل ومنه : وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا (البقرة: من الآية285). ومن الثالث : "سمع الله لمن حمده" وفي الدعاء المأثور : "اللهم اسمع" أي : أجب وأعط ما سألتك. ومن الرابع : قوله تعالى : سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ (المائدة: من الآية41) أي قابلون له ومنقادون غير منكرين، ومنه على أصح القولين : وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ (التوبة: من الآية47) أي : قابلون ومنقادون أهـ. فمن معاني (السميع) المستجيب لعباده إذا توجهوا إليه بالدعاء وتضرعوا. آثار الإيمان باسمه (السميع) : 1-إثبات صفة السمع له سبحانه وتعالى كما وصف الله عز وجل نفسه. قال الأزهري رحمه الله : والعجب من قوم فسروا (السميع) بمعنى المسمع فراراً من وصف الله بأن له سمعاً، وقد ذكر الله الفعل في غير موضع من كتابه، فهو سميع ذو سمع، بلا تكييف ولا تشبيه بالسمع من خلقه، ولا بصره كبصر خلقه ونحن نصف الله بما وصف به نفسه بلا تحديد ولا تكييف. وقد بوب البخاري في صحيحه كتاب التوحيد : باب "وكان الله سميعاً بصيراً". قال ابن بطال : "غرض البخاري في هذا الباب الرد على من قال إن معنى (سميع بصير) عليم؛ قال : ويلزم من قال ذلك أن يشويه بالأعمى الذي يعلم أن السماء خضراء ولا يراها، والأصم الذي يعلم أن في الناس أصواتاً ولا يسمعها. ولا شك أن من سمع وأبصر أدخل في صفة الكمال ممن انفرد بأحدهما دون الآخر، فصح أن كونه سميعاً بصيراً يفيد قدراً زائداً على كونه عليماً، وكونه سميعاً بصيراً يتضمن أنه يسمع بسمع ويبصر ببصر، كما تضمن كونه عليماً أنه يعلم ولا فرق بين إثبات كونه سميعاً بصيراً وبين كونه ذا سمع وبصر. قال : وهذا قول أهل السنة قاطبة" أهـ 2-إن سمع الله تبارك وتعالى ليس كسمع أحد من خلقه، فإن الخلق وإن وصفوا بالسمع والبصر كما في قوله تعالى : إِنَّا خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً (الإنسان:2) ، لكن هيهات أن يكون سمعهم وبصرهم كسمع وبصر خالقهم جل شأنه، قد نفى الرب سبحانه المشابهة عن نفسه بقوله : لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (الشورى: من الآية11) لأن سمع الله وبصره مستغرق لجميع المسموعات والمرئيات لا يعزب عن سمعه مسموع وإن دق وخفي سراً كان أو جهراً. عن عائشة رضي الله عنها قالت : الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات : لقد جاءت المجادلة إلى النبي تكلمه وأنا في ناحية البيت ما أسمع ما تقول، فأنزل الله عز وجل : قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (المجادلة: آية1) . وفي رواية : "تبارك الذي وسع سمعه كل شيء. وعن أبي موسى الأشعري قال : كنا مع النبي في سفر فكنا إذا علونا كبّرنا. فقال : "أربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائباً إنكم تدعون سميعاً بصيراً قريباً..."( ). قال ابن بطال : في هذا الحديث نفى الآفة المانعة من السمع، والآفة المانعة من النظر، وإثبات كونه سميعاً بصيراً قريباً، يستلزم أن لا تصح أضداد هذه الصفات عليه وفي بيان الفرق بين سمع الخالق والمخلوق، يقول أبو القاسم الأصبهاني خلق الإنسان صغيراً لا يسمع، فإن سمع لا يعقل ما يسمع، فإذا عقل ميز بين المسموعات فأجاب عن الألفاظ بما يستحق، وميز الكلام المستحسن من المستقبح، ثم كان لسمعه مدى إذا جاوزه لم يسمع، ثم إن كلمه جماعة في وقت واحد عجز عن استماع كلامهم، وعن إدراك جوابهم. والله عز وجل السميع لدعاء الخلق وألفاظهم عند تفرقهم واجتماعهم مع اختلاف ألسنتهم ولغاتهم، يعلم ما في قلب القائل قبل أن يقول، ويعجز عن التعبير عن مراده فيعلم الله فيعطيه الذي في قلبه والمخلوق يزول عنه السمع بالموت والله تعالى لم يزل ولا يزال، يفني الخلق ويرثهم فإذا لم يبق أحدٌ قال : لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ (غافر: من الآية16) فلا يكون من يرد ، فيقول سبحانه : لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (غافر: من الآية16واشتراك المخلوق مع الخالق سبحانه في هذا الاسم لا يعني المشابهة، فإن صفات المخلوق تناسب ضعفه وعجزه وخلقه، وصفات الخالق تليق بكماله وجلاله سبحانه وتعالى. 3-وقد أنكر الله تبارك وتعالى على المشركين الذين ظنوا أن الله لا يسمع السر والنجوى. فعن عبد الله بن مسعود قال : اجتمع عند البيت قرشيان وثقفي ـ أو ثقفيان وقشي ـ كثيرةٌ شحم بطونهم، قليلٌ فقه قلوبهم، فقال أحدهم : أترون أن الله يسمع ما نقول ؟ قال الآخر : يسمع إن جهرنا ولا يسمع إن أخفينا. وقال الآخر : إن كان يسمع إذا جهرنا فإنه يسمع إذا أخفينا. فأنزل الله عز وجل : وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ (فصلت:22) . وكذا قوله تعالى : أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ (الزخرف:80) 4-ورد الاسم مقروناً بغيره من الأسماء كقوله تعالى : (سميع عليم) ، (سميع بصير) ، (سميع قريب) ، وهي تدل على الإحاطة بالمخلوقات كلها، وأن الله محيط بها، لا يفوته شيء منها ولا يخفى عليه، بل الجميع تحت سمعه وبصره وعلمه، وفي ذلك تنبيه للعاقل وتذكير، كي يراقب نفسه وما يصدر عنها من أقوال وأفعال، لأن خالقه وربه لا يخفى عليه شيء منها، وأنه سبحانه محصيها عليه ثم يجازي بها في الآخرة إن خيراً فخير، وإن شراً فشر. ومتى آمن الناس بذلك وتذكروه فإن أحوالهم تتغير من القبيح إلى الحسن ومن الشر إلى الخير. وإذا نسوا ذلك وتناسوه وغفلوا عنه ففي ذلك ما يكفي لفساد الدنيا وخرابها، والناظر في أحوال الناس يرى ذلك واضحاً جلياً. 5-الله هو (السميع)الذي يسمع المناجاة ويجيب الدعاء عند الاضطرار ويكشف السوء ويقبل الطاعة. وقد دعا الأنبياء الصالحون ربهم سبحانه بهذا الاسم ليقبل منهم طاعتهم أو ليستجيب لدعائهم : وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ (البقرة: من الآية186) . فإبراهيم وإسماعيل عليهما السلام قالا : رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (البقرة: من الآية127) وهما يرفعان قواعد البيت الحرام. وامرأة عمران عندما نذرت ما في بطنها خالصاً لله لعبادته ولخدمة بيت المقدس قال : فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (آل عمران: من الآية35) ثم أخبر تعالى أنه قبل منها ذلك : فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً (آل عمران: من الآية37) . ودعا زكريا ربه أن يرزقه ذرية صالحة ثم قال : إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ (آل عمران: من الآية38) ، فاستجاب الله دعاءه. ودعا يوسف عليه السلام ربه أن يصرف عنه كيد النسوة : فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (يوسف:34) . وأمر بالالتجاء إليه عند حصول وساوس شياطين الإنس والجن ، قال تعالى : وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (الأعراف:200) ، قال ابن كثير : سميع لجهل الجاهل عليك ، والاستعاذة به من نزغه ولغير ذلك من كلام خلقه لا يخفى عليه منه شيء ، عليم بما يذهب عنك نزغ الشيطان وغير ذلك من أمور خلقه. |
03-01-08, 07:23 PM | #42 |
~صديقة الملتقى~
تاريخ التسجيل:
22-10-2007
المشاركات: 952
|
البصير
جل جلاله وتقدست أسماؤه المعنى اللغوي : البصر في الخلق : حاسة الرؤية، أو حسن العين، والجمع أبصار، ورجل بصير : مبصر خلاف الضرير وهو فعيل بمعنى مفعل، أو هو بمعنى فاعل، وهو أبنية المبالغة، ورجل بصير بالعلم : عالم به، والبصيرة : العلم والفطنة ورود الاسم في القرآن الكريم :ورد هذا الاسم في القرآن اثنتين وأربعين مرة " منها قوله عز وجل : وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (البقرة: من الآية233) . وقوله تعالى : وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (آل عمران: من الآية15) وقوله : وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (الحديد: من الآية4) وقوله سبحانه : مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ (الملك: من الآية19) . معنى الاسم في حق الله تعالى : قال ابن جرير : يعني جل ثناؤه بقوله : وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (البقرة: من الآية96) والله ذو إبصار بما يعملون، لا يخفى عليه شيء من أعمالهم، بل هو بجميعها محيط، ولها حافظ ذاكر، حتى يذيقهم بها العقاب جزاءها. وأصل بصير : مبصر، من قول القائل : أبصرت فأنا مبصر، ولكن صرف إلى فعيل، كما صرف مسمع إلى سميع، وعذاب مؤلم إلى اليم، ومبدع السماوات إلى بديع وما أشبه ذلك وقال الخطابي : البصير هو المبصر، ويقال البصير : العالم بخفيات الأمور وقال ابن كثير : وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (آل عمران: من الآية15 ، 20) أي : هو عليم بمن يستحق الهداية ممن يستحق الضلالة وهو الذي لا يسأل عما يفعل وهم يسألون وما ذلك إلا لحكمته ورحمته وقال الألوسي : وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ أي : خبير بهم وبأحوالهم وأفعالهم وقال السعدي : (البصير) الذي يبصر كل شيء وإن رق وصغر، فيبصر دبيب النملة السوداء في الليلة الظلماء على الصخرة الصماء، ويبصر ما تحت الأرضين السبع كما يبصر ما فوق السماوات السبع. وأيضاً سميع بصير بمن يستحق الجزاء بحسب حكمته، والمعنى الأخير يرجع إلى الحكمة وعلى هذا يكون لـ (البصير) معنيان : الأول : أن له بصر يرى به سبحانه وتعالى. الثاني : أنه ذو البصيرة بالأشياء الخبير بها. آثار الإيمان باسمه (البصير) :1-إثبات صفة البصر له جل شأنه، لأنه وصف نفسه بذلك وهو أعلم بنفسه وصفة البصر من صفات الكمال كصفة السميع، فالمتصف بها أكمل ممن لا يتصف بذلك، قال تعالى : قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ (الأنعام: من الآية50) . وقال : مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً أَفَلا تَذَكَّرُونَ (هود:24) . وقد أنكر إبراهيم على أبيه عندما عبد ما لا يبصر ولا يسمع : لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً (مريم: من الآية42) . وقال تعالى موبخاً الكفار ومسفهاً عقولهم لعبادتهم الأصنام التي هي من الحجارة الجامدة التي لا تتحرك ولا تملك سمعاً ولا بصراً : أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا (الأعراف: من الآية195) . أي : أنتم أكمل من هذه الأصنام لأنكم تسمعون وتبصرون فكيف تعبودنها وأنتم أفضل منها ؟! قال الأصبهاني : وأما (البصير) فهذا الاسم يقع مشتركاً، فيقال فلان بصير، ولله المثل الأعلى، والرجل قد يكون صغيراً لا يبصر ولا يميز بالبصر بين الأشياء المتشاكلة، فإذا عقل أصر فميز بين الرديء والجيد، وبين الحسن والقبيح، يعطيه الله هذا مدة ثم يسلبه ذلك، فمنهم من يسلبه وهو حي ومنهم من يسلبه بالموت. والله بصير لم يزل ولا يزول، والخلق إذا نظر إلى ما بين يديه عمي عما خلفه وعما بعد منه، والله تعالى لا يعزب عنه مثقال ذرة في خفيات مظلم الأرض، وكل ما ذكر مخلوقاً به وصفه بالنكرة، فإذا وصف به ربه وصفه بالمعرفة 2-إن الله تبارك وتعالى بصير بأحوال عباده خبير بها بصير بمن يستحق الهداية منهم ممن لا يستحقها، بصير بمن يصلح حاله بالغنى والمال، وبمن يفسد حاله بذلك : وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (الشورى:27) ، وهو بصير بالعباد شهيد عليهم، الصالح منهم والطالح، المؤمن والكافر، هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (التغابن:2) ، إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (الإسراء: من الآية96) بصير خبير بأعمالهم وذنوبهم وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (الإسراء: من الآية17) وسيجزيهم عليها أتم الجزاء. 3-ومن علم أن ربه مطلع عليه استحى أن يراه على معصية أو فيما لا يحب. ومن علم أنه يراه أحسن عمله وعبادته وأخلص فيها لربه وخشع فقد جاء في حديث جبريل عليه السلام عندما سأل النبي عن الإحسان فقال : (أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك) قال النووي رحمه الله : "هذا من جوامع الكلم التي أوتيها لأنا لو قدرنا أن أحدنا قام في عبادة وهو يعاين ربه سبحانه وتعالى لم يترك شيئاً مما يقدر عليه من الخضوع والخشوع وحسن السمت، واجتماعه بظاهره وباطنه وعلى الاعتناء بتتميمها على أحسن وجوهها إلا أتى به. فقال : (اعبد الله في جميع أحوالك كعبادتك في حال العيان، فإن التتميم المذكور في حال العيان إنما كان لعلم العبد باطلاع الله سبحانه وتعالى عليه فلا يقدم على تقصير في هذا الحال للاطلاع عليه، وهذا المعنى موجود مع عدم رؤية العبد، فينبغي أن يعمل بمقتضاه، فمقصود الكلام الحث على الإخلاص في العبادة ومراقبة العبد ربه تبارك وتعالى في إتمامه الخشوع والخضوع وغير ذلك) |
03-01-08, 07:24 PM | #43 |
~صديقة الملتقى~
تاريخ التسجيل:
22-10-2007
المشاركات: 952
|
الحكم ــ الحاكم ــ الحكيم
جل جلاله وتقدست أسماؤه المعنى اللغوي : الحكم والحكيم بمعنى الحاكم ، وهو القاضي ، فهو فعيل بمعنى فاعل ، أو هو الذي يحكم الأشياء ويتقنها فهو فعيل بمعنى مفعل . وقيل : الحكم ذو الحكمة ، والحكمة عبارة عن معرفة أفضل الأشياء بأفضل العلوم، ويقال لمن يُحسن دقائق الصناعات ويتقنها .. حكيم ، والحكم يجوز أن يكون بمعنى الحاكم مثل قدير بمعنى قادر. قال الزجاج : "والحكم والحاكم بمعنى واحد، وأصل ( ح ك م ) لأنه يمنع الخصمين من التظالم ، وحكمة الدابة سميت حكمة لأنها تمنعها من الجماح" أهـ . والحكم : العلم والفقه والقضاء بالعدل ، والحكيم : العالم وصاحب الحكمة . ورود الاسم في القرآن الكريم : ورد اسمه (الحكم) في آية واحدة هي قوله تعالى : (أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً) (الأنعام: من الآية114) . وورد (الحاكم) بصيغة الجمع في خمس آيات منها : 1-قوله تعالى : (فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ) (الأعراف: من الآية87) 2-(رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ)(هود: من الآية45) 3-(أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ)(التين:8) وأما الاسم (الحكيم) فقد ورد أربعاً وتسعين مرة منها : 1-قوله جل ذكره : وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (البقرة: من الآية 228 ، 240) 2-وقوله : وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (النساء: من الآية26) 3-وقوله : وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (الأنعام: من الآية 18 ، 73 ) 4-وقوله : وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيم (النور: من الآية10) 5-وقوله أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (الشورى: من الآية 51) 6-وقوله : وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعاً حَكِيماً (النساء: من الآية130) المعنى في حق الله تبارك وتعالى : قال ابن جرير "في تفسير قوله تعالى : أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً (الأنعام: من الآية114) : قل فليس لي أن أتعدى حكمه وأتجاوزه لأنه لا حكم أعدل منه ولا قائل أصدق منه. قال القرطبي : والمعنى أفغير الله أطلب لكم حاكماً. وقال الخطابي : الحكم الحاكم ومنه المثل : "في بيته يؤتى الحكم" وحقيقته هو الذي سلم له الحكم ورد إليه الأمر كقوله تعالى : لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (القصص: من الآية88) ، وقوله : أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (الزمر: من الآية46) . قال ابن كثير : وقوله تعالى : أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ (التين:8) أي : أما هو أحكم الحاكمين الذي لا يجور ولا يظلم أحداً. وقال الحليمي : معنى (الحكم) : وهو الذي إليه الحكم، وأصل الحكم منع الفساد، وشرائع الله تعالى كلها استصلاح العباد أيهما أبلغ الحكم أو الحاكم : قيل أن الحكم أبلغ من الحاكم، إذ لا يستحق التسمية بحكم إلا من يحكم بالحق، لأنها صفة تعظيم في مدح ، والحاكم جارية على الفعل ، فقد يسمى بها من يحكم بغير الحق . قال الراغب الأصفهاني رحمه الله : "ويقال حاكم وحكام لمن يحكم بين الناس، قال الله تعالى : وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ (البقرة: من الآية188) والحكم المتخصص بذلك فهو أبلغ. قال الله تعالى : أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً (الأنعام: من الآية114) ، وقال عز وجل : فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا)(النساء: من الآية35) أهـ ( ). وقد ورد في الحديث الصحيح ما يفيد كراهة التكني بالحكم. وأما عن معنى (الحكيم) : فقد قال الزجاج : الحكيم من الرجال يجوز أن يكون فعيلاً في معنى فاعل ، ويجوز أن يكون في معنى مفعل ، والله حاكم وحكيم. والأشبه أن تحمل كل واحد منهما على معنى غير معنى الآخر، ليكون أكثر فائدة، فحكيم بمعنى محكم والله تعالى محكمة للأشياء، متقن لها كما قال تعالى : صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ (النمل: من الآية88) . وقال ابن جرير : (الحكيم) الذي لا يدخل تدبيره خلل ولا زلل. وقال في موضع : حكيم فيما قضى بين عباده من قضاياه. قال ابن كثير : الحكيم في أفعاله وأقواله فيضع الأشياء في محالها بحكمته وعدله. وقال الحليمي : (الحكيم) ومعناه الذي لا يقول ولا يفعل إلا الصواب، وإنما ينبغي أن يوصف بذلك لأن أفعاله سديدة، وصنعه متقن، ولا يظهر الفعل المتقن السديد إلا من حكيم، كما لا يظهر الفعل على وجه الاختيار إلا من حي عالم قدير. وقد أطال ابن القيم رحمه الكلام عن اسمه (الحكيم) في النونية فقال : |
03-01-08, 07:25 PM | #44 |
~صديقة الملتقى~
تاريخ التسجيل:
22-10-2007
المشاركات: 952
|
الخبير
جل جلاله وتقدست أسماؤه المعنى اللغوي : الحلم بالكسر : الأناة والعقل ، وجمعه أحلام وحلوم ، وأحلام القوم : حلماؤهم، ورجل حليم من قوم أحلام وحلماء. وحلم يحلم حلماً : صار حليماً ، وحلم عنه وتحلم سواء ، تحلم تكلف الحلم. والحلم : نقيض السفه. أما الحلم والحلم فهو الرؤيا والجمع أحلام ، يقال : حلم يحلم .. إذا رأى في المنام وقال الراغب الحلم ضبط النفس والطبع عن هيجان الغضب وجمعه أحلام. قال تعالى : أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ (الطور:32) ، قيل معناه : عقولهم وليس الحلم في الحقيقة هو العقل ، لكن فسروه بذلك لكونه من مسببات العقل. والحليم اسم الفاعل من حلم. وروده في القرآن الكريم :ورد الاسم في القرآن إحدى عشر مرة منها : 1-قوله تعالى : وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (البقرة: من الآية235) 2-وقوله : قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذىً وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (البقرة:263) 3-وقوله : وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَلِيماً (الأحزاب: من الآية51) 4-وقوله : إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً (فاطر: من الآية41). معنى الاسم في حق الله تعالى : قال ابن جرير : (حليم) يعني أن الله ذو أناة ، لا يعجل على عباده بعقوبتهم على ذنوبهم. وقال في موضع : حليماً عمن أشرك وكفر به من خلقه ، في تركه تعجيل عذابه له. قال الخطابي : هو ذو الصفح والأناة ، الذي لا يستفزه غضب، ولا يستخفه جهل جاهل، ولا عصيان عاصٍ. ولا يستحق الصافح مع العجز اسم الحليم ، إنما الحليم هو الصفوح مع القدرة والمتأني الذي لا يعجل بالعقوبة. وقد أنعم بعض الشعراء بيان هذا المعنى في قوله : لا يدرك المجد أقوام وإن كرموا حتى يذلوا وإن عزوا لأقوام ويشتموا فترى الألوان مسفرة لا صفح ذلك ولكن صفح أحلام قال ابن الحصار: فإن قيل : فكيف يتضمن الحلم الأناة ، وقد قال رسول الله لأشج عبد القيس : (إن فيك لخصلتين يحبهما الله : الحلم والأن فعددهما ؟ فاعلم أن الأناة قد تكون مع عدم الحلم، ولا يصح الحلم أبداً إلا مع الأناة ، والأناة ترك العجلة ، فقد تكون لعارض يعرض ، ولا يكون التحلم أبداً إلا مشتملاً على الأناة ، فتأمله وكذلك لا يكون الحليم إلا حكيماً ، واضعاً للأمور مواضعها ، عالماً قادراً ، إن لم يكن حلمه متلبساً بالعجز والوهن والضعف ، وإن لم يكن عالماً (كان) تركه الانتقام للجهل ، وإن لم يكن حكيماً ربما كان حلمه من السفه وتتبع أمثال هذا وقال الأصبهاني : (حليم) عمن عصاه ؛ لأنه لو أراد أخذه في وقته أخذه فهو يحلم عنه ويؤخره إلى أجله. وهذا الاسم ـ وإن كان مشتركاً يوصف به المخلوق ـ فحلم المخلوقين حلم لم يكن في الصغر ثم كان في الكبر. وقد يتغير بالمرض والغضب والأسباب الحادثة ، ويفنى حلمه بفنائه ، وحلم الله عز وجل لم يزل ولا يزول. والمخلوق يحلم عن شيء ولا يحلم عن غيره ، ويحلم عمن لا يقدر عليه ، والله تعالى حليم مع القدرة. قال ابن كثير : (حليم غفور) أن يرى عباده وهم يكفرون به ويعصونه ، وهو يحلم فيؤخر وينظر ويؤجل ولا يعجل ، ويستر آخرين ويغفر. قال ابن القيم في النونية : وهو الحليم فلا يعاجل عبده بعقوبة ليتوب من عصيان. وقال السعدي : (الحليم) الذي يدر على خلقه النعم الظاهرة والباطنة ، مع معاصيهم وكثرة زلاتهم ، فيحلم عن مقابلة العاصين بعصيانهم ويستعتبهم كي يتوبوا ، ويمهلهم كي ينيبوا. آثار الإيمان بهذا الاسم : 1-إثبات صفة الحلم لله عز وجل ، وهو الصفح عن العصاة من العباد ، وتأجيل عقوبتهم رجاء توبتهم عن معاصيهم. 2-وحلم الله سبحانه عن عباده ، وتركه المعاجلة لهم بالعقوبة، من صفات كماله سبحانه وتعالى ، فحلمه ليس لعجزه عنهم وإنما هو صفح وعفو عنهم ، أو إمهال لهم مع القدرة ، فإن الله لا يعجزه شيء. قال سبحانه : أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً (فاطر:44) . وحلمه أيضاً ليس عن عدم علمه بما يعمل عباده من أعمال ، بل هو العليم الحليم الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور. قال سبحانه : وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَلِيماً (الأحزاب: من الآية51) . وحلمه عن خلقه ليس لحاجته إليهم ، إذ هو سبحانه يحلم عنهم ويصفح ويغفر مع استغنائه عنهم ، قال سبحانه : وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (البقرة: من الآية225) . 3-حلم الله عظيم ، يتجلى في صبره سبحانه على خلقه ، والصبر داخل تحت الحلم ، إذ كل حليم صابر ، وقد جاء في السنة وصف الله عز وجل بالصبر ، كما في حديث أبي موسى الأشعري عن النبي قال : (ليس أحدٌ ـ أو ليس شيء ـ أصبر على أذى سمعه من الله إنهم ليدعون له ولداً وإنه ليعافيهم ويرزقهم). قال الحليمى في معنى (الحليم) : الذي لا يحبس أنعامه وأفضاله عن عباده لأجل ذنوبهم ، ولكن يرزق العاصي كما يرزق المطيع ، ويبقيه وهو منهمك في معاصيه ، كما يبقى البر التقي ، وقد يقيه الآفات والبلايا وهو غافل لا يذكره ، فضلاً عن أن يدعوه كما يقيها الناسك الذي يسأله وربما شغلته العبادة عن المسألة. وقد أخبر تعالى عن تأخيره لعقاب من أذنب من عباده في الدنيا ، وأنه لو كان يؤاخذهم بذنوبهم أولاً بأول ، لما بقي على ظهر الأرض أحد ، قال سبحانه : وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ (النحل:61) ، وقال تعالى : وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً (الكهف:58) . قال ابن جرير : "ولو يؤاخذ الله عصاة بني آدم بمعاصيهم مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ يعني : من دابة تدب عليها ، وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ يقول : ولكن بحلمه يؤخر هؤلاء الظلمة فلا يعاجلهم العقوبة ، إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً يقول : إلى وقتهم الذي وقت لهم ، فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ يقول : فإذا جاء الهلاك ساعة فلا يمهلون ولا يستقدمون قبله حتى يستوفوا آجالهم" . فتأخير العذاب عنهم إنما هو رحمة بهم. ولكن الناس يغترون بالإمهال ، لا تستشعر قلوبهم رحمة الله وحكمته، حتى يأخذهم سبحانه بعدله وقوته، عندما يأتي أجلهم الذي ضرب لهم. ومن العجب أن يريد الله للناس الرحمة والإمهال، ويرفض الجهال منهم والأجلاف تلك الرحمة وذلك الإمهال ، حين يسألون الله أن يعجل لهم العذاب والنقمة ! قال تعالى : وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (يونس:11) . وقال تعالى : وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ (صّ:16) . وقال عن كفار مكة : وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (لأنفال:32) . وأمثال ذلك مما وقع من المسرفين السفهاء. تنبيه : تأخير العذاب عن الكفار إنما هو في الدنيا فقط ، وأما في الآخرة فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون. فقال الأقليشي : "أما تأخير العقوبة في الدنيا عن الكفرة والفجرة من أهل العصيان ، فشاهد بالعيان ، لأنا نراهم يكفرون ويعصون ، وهم معافون في نعم الله يتقلبون. وأما رفع العقوبة في الأخرى ، فلا يكون مرفوعاً إلا عن بعض من استوجبها من عصاة الموحدين. وأما الكفار فلا مدخل لهم في هذا القسم ، ولا لهم في الآخرة حظ من هذا الاسم ، وهذا معروف بقواطع الآثار ، ومجمع عليه عند أولي الاستبصار" أهـ( ). 4-يجوز إطلاق صفة الحلم على الخلق ، فقد وصف الله عز وجل أنبياءه بذلك ، قال عز من قائل : إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ (التوبة: من الآية114) . وقال : إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ (هود:75) . وقال حكاية عن قوم شعيب عليه السلام : إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (هود: من الآية87) . وقال : فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ (الصافات:101) يعني بذلك إسحق عليه السلام. والحلم من الخصال العظيمة التي يريد الله من عباده أن يتخلقوا بها ، وهي خصلة يحبها الله ورسوله كما مر آنفاً في حديث أشج عبد القيس. قال القرطبي رحمه الله : "فمن الواجب على من عرف أن ربه حليم على من عصاه ، أن يحلم هو على من خالف أمره ، فذاك به أولى حتى يكون حليماً فينال من هذا الوصف بمقدار ما يكسر سورة غضبه ويرفع الانتقام عمن أساء إليه ، بل يتعود الصفح حتى يعود الحلم له سجية. وكما تحب أن يحلم عنك مالكك، فاحلم أنت عمن تملك لأنك متعبد بالحلم مثاب عليه قال الله تعالى : وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ (الشورى: من الآية40) . |
03-01-08, 07:26 PM | #45 |
~صديقة الملتقى~
تاريخ التسجيل:
22-10-2007
المشاركات: 952
|
العظيم
جل جلاله وتقدست أسماؤه المعنى اللغوي : العظم خلاف الصغر ، عظم يعظم عظماً وعظاماً كبر ، وهو عظيم وعظام. وعظم الأمر : كبره. وأعظمه واستعظمه : رآه عظيماً ، فهو معظم. والتعظيم : التبجيل ، والعظمة : الكبرياء . والتعظيم في النفس : هو الكبر والزهو والنخوة ، والعظمة والعظموت : الكبر. وروده في القرآن الكريم : ورد هذا الاسم تسع مرات منها : 1-قوله تعالى : وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (البقرة: من الآية255) 2-وقوله : عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (التوبة: من الآية129) 3-وقوله : اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (النمل:26) 4-وقوله : فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (الواقعة:96) . معنى الاسم في حق الله تعالى : قال ابن جرير : "اختلفوا في معنى قوله (العظيم) : فقال بعضهم : معنى العظيم في هذا الموضع المعظم صرف المفعل إلى فعيل ، كما يقال : العتيق بمعنى المعتق. فقوله العظيم معناه : الذي يعظمه خلقه ويهابونه ويتقونه. وقال آخرون : بل تأويل قوله (العظيم) : هو أن له عظمة هي له صفة ، وقالوا : لا نصف عظمته بكيفية ، ولكنا نضيف ذلك إليه من جهة الإثبات ، وننفي عنه أن يكون ذلك على معنى مشابهة العظيم المعروف من العباد ، لأن ذلك تشبيه له بخلقه وليس كذلك. وأنكر هؤلاء ما قاله أهل المقالة التي قدمنا ذكرها. وقالوا : لو كان معنى ذلك أنه معظم ، لوجب أن يكون قد كان غير عظيم قبل أن يخلق الخلق ، وأن يبطل ذلك عند فناء الخلق ، لأنه لا معظم له في هذه الأحوال. وقال آخرون : بل قوله إنه (العظيم) وصف منه نفسه بالعظم. وقالوا : كل ما دونه من خلقه فبمعنى الصغر ، لصغرهم ، عن عظمته" أ هـ . وقال الزجاجي : (العظيم) ذو العظمة والجلال في ملكه وسلطانه عز وجل ، كذلك تعرفه العرب في خطبها ومحاوراتها ، يقول قائلهم : من عظيم بني فلان اليوم ؟ أي من له العظمة والرئاسة منهم ؟ فيقال : فلان عظيمهم ، ويقولون : هؤلاء عظماء القوم أي: رؤساءهم ، وذوو الجلالة والرئاسة منهم. وقالوا في قوله عز وجل : وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (الزخرف:31) ، تأويله : هلا أنزل هذا القرآن على رجل من رجلين عظيمين من القريتين ؟ أي : كان سبيله أن ينزل على عظيم رئيس ، ولم يريدوا به عظم الخلقة" أ هـ . وقال الأصبهاني : العظمة صفة من صفات الله ، لا يقوم لها خلق، والله تعالى خلق بين الخلق عظمة يعظم بها بعضهم بعضاً ، فمن الناس من يعظم لمال ، ومنهم من يعظم لفضل ، ومنهم من يعظم لعلم ، ومنهم من يعظم لسلطان ، ومنهم من يعظم لجاه. وكل واحد من الخلق إنما يعظم بمعنى دون معنيى ، والله عز وجل يعظم في الأحوال كلها. فينبغي لمن عرف حق عظمة الله ، أن لا يتكلم بكلمة يكرهها الله ، ولا يرتكب معصية لا يرضاها الله ، إذ هو القائم على كل نفسٍ بما كسبت. وقال ابن الأثير : هو الذي جاوز قدره عز وجل حدود العقول ، حتى لا تتصور الإحاطة بكنهه وحقيقته آثار الإيمان بهذا الاسم : 1-إن الله سبحانه هو العظيم المطلق ، فهو عظيم في ذاته ، عظيم في أسمائه كلها ، عظيم في صفاته كلها ، عظيم في سمعه وبصره ، عظيم في قوته وقدرته ، عظيم في علمه ، فلا يجوز قصر عظمته في شيء دون شيء ، لأن ذلك تحكم لم يأذن به الله. قال ابن القيم رحمه الله في نونيته مقرراً ذلك : وهو العظيم بكل معنى يوجب التعظيم لا يحصيه من إنسان. فمن عظمته في علمه وقدرته أنه لا يشق عليه أن يحفظ السماوات السبع والأرضين السبع ، ومن فيهما كما قال : وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (البقرة: من الآية255) . 2-الفرق بين عظمة الخالق والمخلوق : أن المخلوق قد يكون عظيماً في حال دون حال ، وفي زمان دون زمان ، فقد يكون عظيماً في شبابه ، ولا يكون كذلك عند شيبه ، وقد يكون ملكاً أو غنياً معظماً في قومه ، فيذهب ملكه وغناه أو يفارق قومه وتذهب عظمته معها ، لكن الله سبحانه هو العظيم أبداً. قال الحليمي في (العظيم) : ومعناه الذي لا يمكن الامتناع عليه بالإطلاق ، لأن عظيم القوم إنما يكون مالك أمورهم ، الذي لا يقدرون على مقاومته ومخالفة أموره ، إلا أنه وإن كان كذلك ، فقد يلحقه العجز بآفات تدخل عليه فيما بيده فتوهنه وتضعفه ، حتى يستطاع مقاومته ، بل قهره وإبطاله ، والله جل ثناؤه قادر لا يعجزه شيء ، ولا يمكن أن يُعصى كرهاً أو يخالف أمره قهراً ، فهو العظيم إذاً حقاً وصدقاً ، وكان الاسم لمن دونه مجازاً" أهـ. 3-على المسلم أن يعظم الله حق تعظيمه ، ويقدره حق قدره ، وإن كان هذا لا يستقصى ، إلا أن على المسلم أن يبذل قصارى ما يملك لكي يصل إليه. وتعظيم الله سبحانه وتعالى أولاً ، إنما هو بوصفه بما يليق به من الأوصاف والنعوت التي وصف بها نفسه ، والإيمان بها وإثباتها لله، دون تشبيهها بخلقه ، ولا تعطيلها عما تضمنته من معاني عظيمة. فمن شبه ومثل ، أو عطل وأول ، فما عظم الله حق تعظيمه. ومن تعظيمه جل وعلا الإكثار من ذكره في كل وقت وحين ، والبدء باسمه في جميع الأمور ، وحمده والثناء عليه بما هو أهل له ، وتهليله وتكبيره. ومن تعظيم الله سبحانه أن يطاع رسوله : وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ (النساء: من الآية64) ، فمن أطاع الرسول فقد أطاع المرسل : مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ (النساء: من الآية80) ، ومن عصاه فقد عصى الله . ومن تعظيم الله سبحانه أن يعظم رسوله ويوقره ، قال تعالى : لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (الفتح:9) ( ). وأن لا يقدم على كلامه كلام أحد مهما كانت مكانته ، قال تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (الحجرات:1) . ومن تعظيم الله سبحانه أن يصدق كتابه ؛ لأنه كلامه ، وأن يحكم في الأرض لأنه شرعه الذي ارتضاه للناس أجمعين ، فمن لم يفعل فما عظم الله حق تعظيمه ، بل التحق بأشباهه من اليهود الذين اتخذوا كتاب الله وراءهم ظهرياً واتبعوا شياطين الإنس والجن. ومن تعظيم الله سبحانه ، أن تعظم شعائر دينه كالصلاة والزكاة والصيام والحج والعمرة وغيرها. قال تعالى : ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (الحج:32) ومن تعظيم الله سبحانه أن تجتنب نواهيه ومحارمه التي حرمها في كتابه أو حرمها رسوله ، قال تعالى : ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ (الحج: من الآية30) ، ومن أعظم ما حرمه الله الشرك بأنواعه ومقابل هذا أن يعمل المسلم بأوامره التي أمر بها ، والتي من أعظمها توحيده وإفراده بالعبادة وحده لا شريك له. 4-ليس أضل من ذلك الإنسان الذي أبى أن يعبد الله وحده ، وأصر على أن يشرك به ما لا يملك له رزقاً ، ولا يملك له نفعاً ولا ضراً ، من أوثان وأحجار وأشجار ، أو قبور وأضرحة ، قد صار أصحابها عظاماً نخرة ، فكيف تقضي لهم حاجة ؟ أو تشفي لهم مريضاً ؟ أو ترد لهم غائباً ؟ لكنه العمى والضلال البعيد ، وهم في الآخرة في العذاب الشديد : خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ * إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (الحاقة:30-33) وهذا في المشركين الذين أقروا بخالقهم وخالق السماوات والأرض ، وأنه منزل المطر ومحيي الأرض بعد موتها ، فما بالك بأولئك الشيوعيين الأنجاس الذين أبت نفوسهم العفنة أن تقر بخالقها ورازقها ومدبر أمرها ، والذين يسمون أنفسهم بـ (اليساريين) ، وما أصدق هذه التسمية عليهم فهم أهل اليسار حقاً في الآخرة : وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ * فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ * وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ * لا بَارِدٍ وَلا كَرِيمٍ (الواقعة:41-44) . 4-أمر النبي أن يُسبح بهذا الاسم في الركوع فقال : (ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً ، فأما الركوع فعظموا فيه الرب عز وجل ، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء ، فقمن أن يستجاب لكم) ( ). |
03-01-08, 07:26 PM | #46 |
~صديقة الملتقى~
تاريخ التسجيل:
22-10-2007
المشاركات: 952
|
الشكور ــ الشاكر
جل جلاله وتقدست أسماؤه المعنى اللغوي : الشكر : عرفان الإحسان ونشره وهو الشكور أيضاً. وقيل : الشكر الثناء على المحسن بما أولاه من المعروف، يقال : شكرته وشكرت له وباللام أفصح> ورجل شكور : كثير الشكر كما قال تعالى : إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً (الإسراء: من الآية3) ، وهو من أبنية المبالغة ، يقال : شكر له يشكر شكراً وشكوراً وشكراناً. والشكران : خلاف الكفران. وأشكر الضرع واشتكر : امتلأ لبناً ، والشكرة : الممتلئة الضرع من النوق. والشكير : ما ينبت في أصل الشجرة من الورق وليس بالكبار. والشكور من الدواب : ما يكفيه العلف القليل ، وقيل : الذي يسمن على قلة العلف ، كأنه يشكر و‘ن كان ذلك الإحسان قليلاً وشكره ظهور نمائه ، وظهور العلف فيه كما في حديث مسلم : (حتى إن الدواب لتشكر من لحومهم). وقال الزجاج : (الشكور) هو فعول من الشكر ، وأصل الشكر في الكلام : الظهور، وفيه يقال : شكير النبت ، وشكير الضرع إذا امتلأ وامتلاؤه : ظهوره ، ويقال دابة شكور ، وهو السريع السمن، فسرعة سمنته ظهور أثر صاحبه عليه" . فيكون أصل الشكر في اللغة هو الزيادة والظهور. الفرق بين الشكر والحمد : الشكر مثل الحمد إلا أن الحمد أعم منه ، فإنك تحمد الإنسان على صفاته الجميلة وعلى معروفه ، ولا تشكره إلا على معروفه دون صفاته. قال ثعلب : الشكر لا يكون إلا عن يد ، والحمد يكون عن يد ، وعن غير يد ، فهذا الفرق بينهما. وقال القرطبي : وتكلم الناس في الحمد والشكر هل هما بمعنى واحد أو بمعنيين ؟ فذهب الطبري والمبرد إلى أنهما بمعنى واحد سواء ، وهذا غير مرضي ، والصحيح : أن الحمد ثناء على الممدوح بصفاته من غير سبق إحسان ، والشكر ثناء على المشكور بما أولى من الإحسان ، وهذا قول علماء اللغة ، الزجاج والقتبي وغيرهما" . وقال ابن القيم : والفرق بينهما : أن الشكر أهم من جهة أنواعه وأسبابه ، وأخص من جهة متعلقاته ، والحمد أهم من جهة المتعلقات وأخص من جهة الأسباب. ومعنى هذا : أن الشكر يكون بالقلب خضوعاً واستكانة ، وباللسان ثناءً واعترافاً ، وبالجوارح طاعةً وانقياداً ، ومتعلقه : النعم دون الأوصاف الذاتية، فلا يقال : شكرنا الله على حياته وسمعه وبصره وعلمه ، وهو المحمود عليها كما هو محمود على إحسانه وعدله ، والشكر يكون على الإحسان والنعم. فكل ما يتعلق به الشكر يتعلق به الحمد من غير عكس ، وكل ما يقع به الحمد يقع به الشكر من غير عكس ، فإن الشكر يقع بالجوارح والحمد يقع بالقلب واللسان" , ورود الاسمين في القرآن الكريم : ورد (الشكور) في القرآن أربع مرات وهي : 1-(لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (فاطر:30) (2-إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (فاطر: من الآية34) 3-(وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (الشورى: من الآية23) 4-(إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ (التغابن:17) . وأما (الشاكر) فقد ورد مرتين : 1-(وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ (البقرة: من الآية158) 2-(مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً (النساء:147 |
03-01-08, 07:27 PM | #47 |
~صديقة الملتقى~
تاريخ التسجيل:
22-10-2007
المشاركات: 952
|
معنى الاسمين في حق الله تعالى :
قال قتادة : إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (فاطر: من الآية30) ، أي : غفور لذنوبهم شكور لحسناتهم وقال : إن الله غفور للذنوب ، شكور للحسنات يضاعفها> قال الخطابي : (الشكور) هو الذي يشكر اليسير من الطاعة فيثيب عليه الكثير من الثواب ، ويعطي الجزيل من النعمة، فيرضى باليسير من الشكر كقوله سبحانه : إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (فاطر: من الآية34) ومعنى الشكر المضاف إليه : الرضى يسير الطاعة من العبد والقبول له ، وإعظام الثواب عليه ، والله أعلم. وقد يحتمل أن يكون معنى الثناء على الله عز وجل بالشكور ترغيب الخلق في الطاعة ، قلت أو كثرت ، لئلا يستقلوا القليل من العمل فلا يتركوا اليسير من جملته إذا أعوزهم الكثير منه" أهـ قال الزجاجي : "فإن قال قائل ك فإذا كان الشكر منه عز وجل إنما هو مجازاة العاملين ومقابلة الأفعال بالثواب والجزاء ، فقولوا إنه يشكر أيضاً أفعال الكفار لأنه يجازيهم عليها. قيل له : ذلك غير جائز ، لأنا قد قلنا : إن الشكر في اللغة إنما هو مقابلة المنعم على فعله بالثناء والاعتراف بفعله ، ولما كان المسيء من العباد لا يقال له منهم ، ولم يستحق بذلك شكراً ، بل استحق الذم والسب ، فلم يجز أن يكون الكفار محسنين في أفعالهم فيستحق الجزاء عليها والمقابلة بالجميل ، بل كانوا مسيئين والمسيء مستحق للعقوبة والسب ، فلم يجز أن يسمى الفعل المقابل لفعالهم شكراً" وقال البيهقي : "هو الذي يشكر اليسير من الطاعة ، ويعطي عليه الكثير من المثوبة. وشكره : قد يكون بمعنى ثنائه على عبده ، فيرجع معناه إلى صفة الكلام ، التي هي صفة قائمة بذاته" أ فالرب سبحانه وتعالى إذا أثنى على عبده فقد شكره. وفي (المقصد) : "الرب تعالى إذا أثنى على أعمال عباده فقد أثنى على فعل نفسه؛ لأن أعمالهم من خلقه ، فإن كان الذي أعطى فأثنى شكور ، فالذي أعطى وأثنى على المعطي فهو أحق بأن يكون شكوراً. فثناء الله تعالى على عباده كقوله تعالى : وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ (الأحزاب: من الآية35) ، وقوله : نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (صّ: من الآية30) ، وما يجري مجراه ، وكل ذلك عطية منه" أ هـ وقال ابن القيم في "النونية" : وهو الشكور فلن يضيع سعيهم لكن يضاعفه بلا حسبان ما للعباد عليه حق واجب هو أوجب الأجر العظيم الشان كلا ولا عمل لديه ضائع إن كان بالإخلاص والإحسان إن عذبوا فبعدله أو نعموا فبفضله والحمد للمنان قال السعدي : (الشاكر ، الشكور) : الذي يشكر القليل من العمل ، ويغفر الكثير من الزلل ، ويضاعف للمخلصين أعمالهم بغير حساب ، ويشكر الشاكرين ، ويذكر من ذكره ، ومن تقرب إليه بشيء من الأعمال الصالحة تقرب الله منه أكثر |
03-01-08, 07:28 PM | #48 |
~صديقة الملتقى~
تاريخ التسجيل:
22-10-2007
المشاركات: 952
|
آثار الإيمان بهذين الاسمين :
1-إن الله سبحانه وتعالى هو الشكور والشاكر على الإطلاق ، الذي يقبل القليل من العمل ويعطي الكثير من الثواب مقابل هذا العمل القليل. ولذلك نهينا أن نستصغر شيئاً من أعمال البر ، ولو كان شيئاً يسيراً ، فقد قال لأبي ذر : (لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق) وحث على عمل الصالحات ، صغيرها وكبيرها فإن الله لا يضيع شيئاً ، فقال : (اتقوا النار ولو بشق تمرة ، فإن لم تجد فبكلمة طيبة) وحث الناس على الصدقة ـ عند قدوم قوم من مضر أصابتهم الفاقة والفقر فقال : (تصدق رجل من ديناره من درهمه من ثوبه من صاع بره من صاع تمره ، حتى قال : ولو بشق تمرة) وبين تعالى أنه يضاعف الأعمال الصالحة أضعافاً كثيرة بقدر ما يشاء وذلك فضله يؤتيه من يشاء ، قال تعالى : مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (البقرة:261) . وقال سبحانه : إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً (النساء:40) وقال تعالى : وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (الشورى: من الآية23) وقال سبحانه : مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ (الحديد:11) ، وغيرها من الآيات الكثيرة. وعن أبي هريرة الله عنه قال : قال رسول الله : (من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ولا يقبل الله إلا الطيب فإن الله يتقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل) ( ) ، أي : أن الله يربيها له كما يربي أحدكم مهره. وعن أبي مسعود الأنصاري قال : جاء رجل بناقة مخطومة فقال : هذه في سبيل الله . فقال رسول الله : (لك بها يوم القيامة سبعمائة ناقة كلها مخطومة) ومن عظيم شكره سبحانه لعباده وفضله وكرمه عليهم أنه يضاعف لهم الحسنات فقط ، أما السيئات فإنها تكتب كما هي ولا تتضاعف ، قال تعالى : مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (الأنعام:160). وقال تعالى : مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ (غافر:40) . 2-ومما يجب معرفته أن ما يقدمه المسلم في تقربه إلى الله سبحانه ، من صلاة وصيام وصدقة وجهاد ، وغيرها من أعمال البر المحدودة بالأعمار القصيرة والتي يتخللها التقصير والسهو والنسيان ، لا يمكن بحال أن تكون ثمناً للجنة السرمدية ، بما فيها من مباهج وزخارف ولذات ، أو أن تنقذه من جحيم النار ولهيبها. فعن عائشة زوج النبي قالت : قال رسول الله : (سددوا وقاربوا وأبشروا ، فإنه لن يدخل الجنة أحداً عمله) قالوا : ولا أنت يا رسول الله ؟ قال : (ولا أنا ، إلا أن يتغمدني الله منه برحمة ..) وفي رواية : (لا يدخل أحداً منكم عمله الجنة ولا يجيره ، من النار ولا أنا إلا برحمة من الله) فدخول العبد الجنة وفوزه بها ، ونجاته من النار إنما هو بفضل الله ورحمته. 3-إن الله سبحانه شكره واجب على كل مكلف ، كما قال تعالى : فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ (البقرة:152) . وقال تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (البقرة:172) . وقال تعالى : فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالاً طَيِّباً وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (النحل:114) . وقال سبحانه : كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ (سبأ : 15) . قال القرطبي : "إن للشكر ثلاثة أركان : 1-الإقرار بالنعمة للمنعم. 2-والاستعانة بها على طاعته. 3-وشكر من أجرى النعمة على يده تسخيراً منه إليه. وهذا الركن الثالث ، لم أره لأحد ممن تكلم على الشكر ـ فيما أعلم والله أعلم ـ فله الحمد على ما ألهم وفهم وعلم" أهـ وزاد عليها المحقق ابن القيم فقال : "والشكر مبني على خمس قواعد : 1- خضوع الشاكر للمشكور 2-، وحبه له ، 3-واعترافه بنعمته ، 4-وثناؤه عليه بها ،5- وأن لا يستعملها فيما يكره . فهذه الخمس على أساس الشكر ، وبناؤه عليها ، فمتى عدم منها واحدة اختل من قواعد الشكر قاعدة. وكل من تكلم في الشكر وحده ، فكلامه إليها يرجع ، وعليها يدور قلت : أما الإقرار بها ومعرفتها وذكرها على الدوام والتحدث بها ، فقد أمر الله تعالى به عباده في غير ما آية : فقال سبحانه : وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ (البقرة: من الآية231) وقال : يَا بَنِي إِسْرائيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (البقرة:47) . وقال : وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً (آل عمران: من الآية103) وقال : يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ)(فاطر: من الآية3) )وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (الضحى:11) وفي "المدارج" قال صاحب المنازل : "الشكر اسم لمعرفة النعمة لأنها السبيل إلى معرفة المنعم ، ولهذا سمى الله تعالى الإسلام والإيمان في القرآن : شكراً". قال ابن القيم : فمعرفة النعمة ركن من أركان الشكر ، لا أنها جملة الشكر كما تقدم ، لكن لما كان معرفتها ركن الشكر الأعظم الذي يستحيل وجود الشكر بدونه ، فجعل أحدهما اسماً للآخر وقد جاء في الحديث ما يبين عظمة تذكر النعمة والاعتراف بها وهو قوله : "سيد الاستغفار أن يقول : اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت ، أعوذ بك من شر ما صنعت ، أبوء لك بنعمتك عليّ ، وأبوء لك بذنبي ، فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت. قال ومن قالها من النهار موقناً بها فمات من يومه قبل أن يسمي فهو من أهل الجنة" قال الطيبي : "أعترف أولاً بأنه أنعم عليه ، ولم يقيده لأنه يشمل أنواع الإنعام ، ثم أعترف بالتقصير وأنه لم يقم بأداء شكرها ، ثم بالغ فعده ذنباً في التقصير وهضم النفس" أهـ ويكرر الاعتراف بالنعمة في أدبار الصلوات في قوله : " ... له النعمة والفضل وله الثناء والحسن ... وقد حث على التحدث بنعم الله تعالى فقال : (من أبلى بلاءً فذكره فقد شكره وإن كتمه فقد كفر قال ابن القيم : "الثناء على المنعم المتعلق بالنعمة نوعان : 1- عام 2-وخاص ، فالعام : وصفه بالجود والكرم والبر والإحسان وسعة العطاء ونحو ذلك. والخاص : التحدث بنعمته والإخبار بوصولها إليه من جهته ، كما قال تعالى : وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (الضحى:11) . وفي هذا التحديث المأمور به قولان : أحدهما : أنه ذكر النعمة والإخبار بها ، وقوله : أنعم الله عليّ بكذا وكذا. والتحدث بنعمة الله شكره ، كما في حديث جابر مرفوعاً : (من صنع إليه معروف فليجز به ، فإن لم يجد ما يجزي به فليثن ، فإنه إذا أثنى فقد شكره ، وإن كتمه فقد كفره ، ومن تحلى بما لم يعط كان كلابس ثوبي زور) فذكر أقسام الخلق الثلاثة : أ-شاكر النعمة المثني بها. ب-والجاحد لها والكاتم لها. ج-والمظهر أنه من أهلها وليس من أهلها ، فهو متحل بما لم يعطه. وفي أثر آخر مرفوع : (من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير ، ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله ، والتحدث بنعمة الله شكر ، وتركه كفر ، والجماعة رحمة والفرقة عذاب والقول الثاني : أن التحدث بالنعمة المأمور به في هذه الآية هو الدعوة إلى الله ، وتبليغ رسالته ، وتعليم الأمة. قال مجاهد : هي النبوة. قال الزجاج : "أي بلغ ما أرسلت به وحدث بالنبوة التي آتاك الله" أ هـ فإظهار النعمة والتحدث بها من صفات المؤمنين الشاكرين ، وأما أن يكتم المرء النعمة ، ويظهر أنه فاقد لها إما بلسان الحال أو المقال ، فهو كفر لها ، وهو من صفات الكافرين الجاحدين. وإنما سمي الكافر كافراً لأنه يغطي نعمة الله التي أسبغها عليه ويجحدها ولا يقر بها وقد وصفهم الله بذلك في كتابه العزيز فقال : يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ (النحل:83) وقال : أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (النحل: من الآية71) وقال : أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ (النحل: من الآية72) بل وربما نسبوا نعم الله تعالى التي أعطاهم إلى أنفسهم وعلمهم وخبرتهم ، قال تعالى : فَإِذَا مَسَّ الْأِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ * قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ (الزمر:49-51) . ومعنى عَلَى عِلْمٍ أي : بوجوه المكاسب والتجارات ، بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ أي : هذه النعم التي أوتيتها فتنة تختبر بها وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ لا يعلمون أن إعطائهم المال اختبار ، قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ يعني الكفار من قبلهم كقارون وغيره حيث قال : إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي (القصص: من الآية78) ، فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ أي : لم تغن عنهم أموالهم ولا أولادهم من عذاب الله شيئاً. ثم قال تعالى : أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (الزمر:52) أي : ألم يعلموا أن مصدر نعمتهم التي هم فيها هو الله سبحانه وتعالى : وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ (النحل: من الآية53) وأنه تعالى يبسطها على من يشاء ويحبسها عمن يشاء ، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ أي : لا ينتفع بهذا ويتدبره إلا أهل الإيمان والعلم. ب-وأما الاستعانة بها ـ أي النعم ـ على طاعة الله ، فهو ما يقتضيه الشرع والعقل ، فإن من أحسن إليك بشيء لا يجوز أن تقابله بالإساءة إليه ، ومن فعل ذلك فهو في نظر الناس وقح نذل ناكر للجميل ، وجاحداً له ، فكيف إذا استعان بإحسانه على الإساءة إليه ، فهو أشد وقاحة وجحوداً للجميل. والنعم التي في الدنيا إنما خلقت أصلاً ليستعين بها أهل الإيمان على طاعة الرحمن، وأما أهل الكفر والفجور فإنها محرمة عليهم لأنهم يستعينون بها على معصية الله. قال تعالى : قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (الأعراف:32) ، فقوله تعالى : الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وقوله : قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا يعني أنها خلقت لهم لا لغيرهم ، لأنهم يستعينون بها على طاعته. |
03-01-08, 07:28 PM | #49 |
~صديقة الملتقى~
تاريخ التسجيل:
22-10-2007
المشاركات: 952
|
الرفيق
جل جلاله وتقدست أسماؤه المعنى اللغوي : الرفق ضد العنف. رفق بالأمر وله وعليه، يرفق رفقاً : لطف، وكذلك : ترفق به. قال الليث : الرفق لين الجانب ولطافة الفعل. والرفيق : المرافق، والجمع : الرفقاء. وقال ابن الأعرابي : رفق : انتظر. والرفيق ضد الأخرق. والرفق والمِرفَق والمَرفِقُ والمَرفَقُ : ما استُعين به ، وقد ترفّق به وارتفق ، وفي التنزيل : وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقاً (الكهف: من الآية16) وروده في الحديث الشريف : ورد في حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله قال : (يا عائشة إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الفق ما لا يعطي على العنف ، وما لا يعطي على ما سواهوعنها رضي الله عنها قالت : لما مرض النبي المرض الذي مات فيه جعل يقول : (بل الرفيق الأعلى) وفي رواية : أنه رفع يده أو إصبعه ثم قال : (في الرفيق الأعلى ثلاثاً) ثم قضى نحبه معنى الاسم في حق الله تعالى : قال القرطبي بعد أن بين المعنى اللغوي للاسم : ولله تعالى من ذلك ما يليق بجلاله سبحانه. فهو الرفيق : أي الكثير الرفق ، وهو اللين والتسهيل ، وضده العنف والتشديد والتصعيب. وقد يجيئ الرفق بمعنى : الإرفاق ، وهو إعطاء ما يرتفق به ، وهو قول أبي زيد. وكلاهما صحيح في حق الله تعالى. إذ هو الميسر والمسهل لأسباب الخير كلها ، والمعطي لها وأعظمها : تيسير القرآن للحفظ ، ولولا ما قال : وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (القمر:17) ما قدر على حفظه أحد ، فلا تيسير إلا تيسيره ، ولا منفعة إلا بإعطائه وتقديره. وقد يجيئ الرفق أيضاً بمعنى : التسهيل في الأمور والتأني فيها ، يقال منه : وقفتُ الدابة أرفقها رفقاً ، إذا شددت عضدها بحبلٍ لتبطئ في مشيها. وعلى هذا يكون (الرفيق) في حق الله تعالى بمعنى (الحليم) فإنه لا يعجل بعقوبة العصاة ليتوب من سبقت له العناية، ويزداد إثماً من سبقت له الشقاوة. وقال الخطابي : قوله : "إن الله رفيق" معناه : ليس بعجول، وإنما يعجل من يخاف الفوت، فأما من كانت الأشياء في قبضته وملكه فليس يعجل فيها وقال النووي : وأما قوله : (إن الله رفيق) ففيه تصريح بتسميته سبحانه وتعالى ووصفه برفيق. قال المازري : لا يوصف الله سبحانه وتعالى إلا بما سمى به نفسه أو سماه به رسول الله أو أجمعت الأمة عليه ، وأما ما لم يرد إذن في إطلاقه ، ولا ورد منع في وصف الله تعالى به ففيه خلاف : منهم من قال يبقى على ما كان قبل ورود الشرع ، فلا يوصف بحل ولا حرمة ، ومنهم من منعه . قال : "وللأصوليين المتأخرين خلاف في تسمية الله تعالى بما ثبت عن النبي بخبر الآحاد ، فقال بعض حذاق الأشعرية : يجوز ؛ لأن خبر الواحد عنده يقتضي العمل، وهذا عنده من باب العمليات لكنه يمنع إثبات أسمائه تعالى بالأقيسة الشرعية ، وإن كانت يعمل بها في المسائل الفقهية ، وقال بعض متأخيرهم : يمنع ذلك ، فمن أجاز ذلك فهم من مسالك الصحابة قبولهم ذلك في مثل هذا ، ومن منع لم يسلم ذلك ، ولم يثبت عنده إجماع فيه فيبقى على المنع. قال المازري : فإطلاق رفيق إن لم يثبت بغير هذا الحديث الآحاد ، جرى في جواز استعماله الخلاف الذي ذكرنا ، قال : ويحتمل أن يكون صفة فعل ، وهي : ما يخلقه الله تعالى من الرفق لعباده. هذا آخر كلام المازري. قال النووي : والصحيح جواز تسمية الله تعالى رفيقاً وغيره مما ثبت بخبر الواحد، وقد قدمنا هذا واضحاً في كتاب الإيمان في حديث : (إن الله جميل يحب الجمال) في باب "تحريم الكبر" وذكرنا أنه اختيار إمام الحرمين وقال ابن القيم في "النونية" : وهو الرفيق يحب أهل الرفق يعطيهم بالرفق فوق أمان من آثار الإيمان بهذا الاسم : 1-أن الله تعالى موصوف بالرفق ، وهو من صفاته ، إما صفة ذات أو صفة فعل ، وقد نقل إجماع الأمة على ذلك الإمام أبو يعلي الفراء ، وقال : لأنهم يقولون : يا رفيق ارفق بنا في أحكامك. 2-ورفقه سبحانه وتعالى بعباده يظهر في رأفته ورحمته بهم شرعاً وقدراً، وهو ما لا يحصى ولا يعد. 3-ومن رفقه سبحانه بعباده إمهاله للعصاة منهم ليتوبوا إليه ، ولو شاء لعاجلهم بالعقوبة، لكنه رفق بهم وتأنى ، ليحصل لهم ما فيه سعادتهم في الدنيا والآخرة ، فله الحمد حمداً كثيراً طيباً كما يحب ويرضى. 4-وهو سبحانه وتعالى رفيق يحب الرفق وأهله ، ويعطي عليه ما لا يعطي على العنف على العنف ، قيل : من الثواب ، وقيل : يتأتى معه من الأمور ما لا يتأتى مع ضده. وقد حث الرسول على استعماله حتى مع الأعداء أحياناً ، وقد بوب الإمام البخاري في صحيحه : باب "الرفق في الأمر كله" ، وأورد فيه حديث عائشة قالت : دخل رهط من اليهود على رسول الله فقالوا : السام عليكم ، قالت عائشة : ففهمتها ، فقلت : وعليكم السام واللعنة. قالت : فقال رسول الله : "مهلاً يا عائشة ، إن الله يحب الرفق في الأمر كله" ، فقلت : يا رسول الله ، أو لم تسمع ما قالوا ؟ قال رسول الله : "قد قلت وعليكم. وعنها أيضاً رضي الله عنها : عن النبي قال : (إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه) . وعن جرير بن عبد الله قال : قال رسول الله : (من يحرم الرفق يحرم الخير) . قال القرطبي : فينبغي لكل مسلم أن يكون رفيقاً في أموره ، وجميع أحواله ، غير عجل فيها ، فإن العجلة من الشيطان ، ولا تفارقه الخيبة والخسران ، وقال رسول الله لأشج عبد القيس : (إن فيك لخصلتين يحبهما الله : الحلم والأناة. |
03-01-08, 07:29 PM | #50 |
~صديقة الملتقى~
تاريخ التسجيل:
22-10-2007
المشاركات: 952
|
السُبُوح
جل جلاه وتقدست أسماؤه المعنى اللغوي : التسبيح : التنزيه. قال الأزهري : وسبحان الله : معناه تنزيهاً لله من الصاحبة والولد. وقيل : تنزيه الله تعالى عن كل ما لا ينبغي أن يوصف به. ونصبه أنه في موضع فعل على معنى تسبيحاً له ، تقول سبحت الله تسبيحاً له ، أي : نزهته تنزيهاً. قال ثعلب : كل اسم على "فعول" فهو مفتوح الأول ، إلا السُبُوح والقدوس فإن الضم فيهما أكثر. وقال سيبويه : ليس في الكلام فعول بواحدة. وقال الأزهري : وسائر الأسماء تجيء على فعول ، مثل : سفود وقفور وقبور وما أشبهها. قال : والفتح فيهما ، أي (السبوح والقدوس) أقيس ، والضم أكثر استعمالاً وهما من أبنية المبالغة والمراد بهما التنزيه. وروده في الحديث الشريف : ورد في حديث عائشة رضي الله عنها : أن رسول الله كان يقول في ركوعه وسجوده : "سبوح قدوس رب الملائكة والروح. معنى الاسم في حق الله تعالى : قال أبو إسحاق الزجاج : السُبوح : الذي ينزه عن كل سوء. وقال ابن سيده : سبوح قدوس من صفة الله عز وجل ؛ لأنه يسبح ويقدس. وقال الحليمي : السبوح معناه : المنزه عن المعائب ، والصفات التي تعتري المحدثين من ناحية الحدث، والتسبيح : التنزيه. وقال النووي : وقال ابن فارس والزبيدي وغيرهما : سبوح هو الله عز وجل ، فالمراد بالسبوح القدوس : المسبح المقدس ، فكأنه قال : مسبح مقدس رب الملائكة والروح ، ومعنى سبوح : المبرأ من النقائص والشريك ، وكل ما لا يليق بالإلهية ، وقدوس : المطهر من كل ما لا يليق بالخالق. من آثار الإيمان بهذا الاسم : 1-الله تبارك وتعالى منزه عن كل عيب ونقص وسوء ، فله الكمال المطلق سبحانه وتعالى. 2-الله جل شأنه يسبحه من في السماوات ومن في الأرض ، بمختلف اللغات ، وأنواع الأصوات ، قال سبحانه : تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً (الإسراء:44) قال أبو إسحاق الزجاج : قيل إن كل ما خلق الله يسبح بحمده ، وإن صرير السقف وصرير الباب من التسبيح ، فيكون على هذا الخطاب للمشركين وحدهم : وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ وجائز أن يكون تسبيح هذه الأشياء بما الله به أعلم لا نفقه منه إلا ما علمناه. قال : وقال قوم : وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ أي ما من دابة إلا وفيه دليل أن الله عز وجل خالقه ، وأن خالقه حكيم مبرأ من الأسواء ، ولكنكم أيها الكفار لا تفقهون أثر الصنعة في هذه المخلوقات ! قال أبو إسحاق وليس هذا بشيء لأن الذين خوطبوا بهذا كانوا بهذا كانوا مقرين أن الله خالقهم وخالق السماء والأرض ومن فيهن، فكيف يجهلون الخلقة وهو عارفون بها ؟ قال الأزهري : ومما يدلك على أن تسبيح هذه المخلوقات تسبيح تعبدت به قول الله عز وجل للجبال : يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (سـبأ: من الآية10) ومعنى (أوبي) : سبحي مع داود النهار كله إلى الليل ، ولا يجوز أن يكون معنى أمر الله عز وجل للجبال بالتأويب إلا تعبداً لها. وكذلك قوله تعالى : أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوُابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (الحج:18) فسجود هذه المخلوقات عبادة منها لخالقها لا نفقهها كما لا نفقه تسبيحها. وكذلك قوله : وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ (البقرة: من الآية74) وقد علم الله هبوطها من خشيته ولم يعرفنا ذلك فنحن نؤمن بما أعلمنا ، ولا ندعي بما لا نكلف بأفهامنا من علم على فعلها كيفية نحدها وهو كلام نفيس جار على مذهب السلف من إجراء النصوص على ظاهرها والبعد عن التأويل والتكلف المذمومين. وقد ذهب إلى هذا ابن جرير الطبري رحمه الله فقال في تفسير : وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ : وما من شيء من خلقه إلا يسبح بحمده. واستدل لصحة ذلك بما رواه جابر عن النبي قال : (ألا أخبركم بشيء أمر به نوح ابنه ، إن نوحاً قال لابنه : "يا بني آمرك أن تقول : سبحان الله وبحمده ، فإنها صلاة الخلق وتسبيح الحق ، وبها ترزق الخلق ، قال الله تعالى : وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ 3-كان الرسول يذكر هذا الاسم في ركوعه وسجوده ، داعياً ربه عز وجل به ، كما مر معنا في الحديث السابق. |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
(View-All) Members who have read this thread in the last 30 days : 0 | |
There are no names to display. |
|
|