|
|
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع | انواع عرض الموضوع |
27-04-23, 11:20 PM | #31 |
نفع الله بك الأمة
|
المجلس الثلاثون شرح أصول السنة للإمام أحمد بن حنبل *المتن:وَخَيْرُ هَذِهِ الأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا:أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ،ثُمَّ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ، ثُمَّ عُثْمَانُ بنُ عَفَّانَ،نُقَدِّمُ هَؤُلاءِ الثَّلاثَةِ كَمَا قَدَّمَهُمْ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-،لمْ يَخْتَلِفُوا في ذَلِكَ . ثمَّ بَعْدَ هَؤُلاءِ الثَّلاثَةِ أَصْحَابُ الشُّورَى الخَمْسَةُ:عَلِيٌ بنُ أَبي طَالَبٍ ، وَطَلْحَةُ، وَالزُّبَيْرُ،وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَوْفٍ، وَسَعْدُ- بنُ أَبِي وَقَّاصٍ-،وَكُلُّهُمْ يَصْلُحُ لِلْخِلافَةِ،وكلُّهُمْ إِمَامٌ،وَنَذْهَبُ إِلى حَدِيثِ ابنِ عُمَرَ "كُنَّا نَعُدُّ وَرَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ . *وسعدُ بنُ أبي وقَّاصٍ: هو سعدُ بنُ أبي وقَّاصٍ مالِكِ بنِ وُهَيبِ بنِ عبدِ مَنافِ بنِ زُهْرةَ، فهو مِن بَني زُهْرةَ وهم فَخِذُ آمِنةَ بنتِ وهبٍ أمِّ الرَّسولِ- أبوها: وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب - فقد كان أبوها وهب بن عبد مناف سيد بني زهرة شرفا وحسبًا ، وقد كان الرَّسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَعتَزُّ بهذه الخُؤولةِ، وُلِد في مكَّةَ، واشتَغَل في بَرْيِ السِّهامِ وصِناعةِ القِسِيِّ، وكان إسلامُه مُبكِّرًا،أسلم و عمره سبع عشرة سنة، يُعتبَرُ أوَّلَ مَن رمى بسَهمٍ في سبيلِ اللهِ، أحد العشرة المشهود لهم بالجنة وأحد الستة أصحاب الشورى الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راضٍ.الشرح من أصول أهل السنة والجماعة محبة الصحابة والقرابة رضي الله عنهم وأرضاهم،وعلى قدر معرفتنا بفضائلهم تزداد هذه المحبة .وسادة الصحابة وكبراؤهم العشرة المبشرون بالجنة ، ومنهم سعدُ بنُ أبي وقَّاصٍ رضي الله عنه وأرضاه. وافتَداه الرَّسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بأبَوَيهيومَ أحُدٍ، ودعا له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم "اللَّهمَّ سَدِّد رَمْيتَه، وأجِبْ دعوتَه"، فكان مُجابَ الدَّعوةِ، وشَهِد المشاهِدَ مع النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وجاهد مع الخلفاءِ وهو قائدُ موقعةِ القادسيَّةِ وفاتحُ مَدائنِ كِسْرى. فجميعُ هؤلاء الصَّحابةِ بُشِّروا بالجنَّةِ وهم يَمْشون على الأرضِ في الدُّنيا فما أعظَمَ ذلك مِن بِشارةٍ! "ما سَمِعْتُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ جَمع أبَوَيْهِ لأحَدٍ إلَّا لِسَعْدِ بنِ مَالِكٍ، فإنِّي سَمِعْتُهُ يقولُ يَومَ أُحُدٍ:يا سَعْدُ ارْمِ فِدَاكَ أبِي وأُمِّي."الراوي : علي بن أبي طالب- صحيح البخاري. وفي هذا الحَديثِ يَحْكي سَعدُ بنُ أبي وَقَّاصٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ نَثَلَ له كِنانَتَه يومَ أُحُدٍ، والكِنانةُ: جَعْبةُ السِّهامِ، ونَثَلَ له كِنانَتَه، أيِ: استَخرَجَ سِهامَها فنَثَرَها له؛ لأنَّ سَعدًا رَضيَ اللهُ عنه كان يُجيدُ الرَّميَ، فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «ارْمِ، فِداكَ أبي وأُمِّي»، وهذا حَثٌّ لسَعدٍ على مُباشَرةِ الرَّميِ لأعْداءِ المُشرِكينَ، وهذه اللَّفْظةُ لا يُرادُ بها الفِداءُ على الحَقيقةِ؛ بل هي للتَّعْبيرِ عن حُبٍّ وبِرٍّ، وعَظيمِ مَنزِلةٍ لهذا المُفَدَّى عندَ المُفَدِّي، والنَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حينَ قالَها لسَعْدٍ رَضيَ اللهُ عنه لم يَكُنْ أبَواهُ حَيَّيْنِ.الدرر. أَرِقَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَقالَ: لَيْتَ رَجُلًا صَالِحًا مِن أَصْحَابِي يَحْرُسُنِي اللَّيْلَةَ، قالَتْ وَسَمِعْنَا صَوْتَ السِّلَاحِ، فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: مَن هذا؟ قالَ سَعْدُ بنُ أَبِي وَقَّاصٍ: يا رَسولَ اللهِ، جِئْتُ أَحْرُسُكَ.قالَتْ عَائِشَةُ: فَنَامَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ حتَّى سَمِعْتُ غَطِيطَهُ.الراوي :عائشة أم المؤمنين-صحيح مسلم."اللَّهمَ استجِب لسعدٍ إذا دعاكَ"الراوي : سعد بن أبي وقاص -المحدث :الألباني -المصدر : صحيح الترمذي. كان سَعدُ بنُ أبي وقَّاصٍ رَضِي اللهُ عَنه مُستجابَ الدَّعوةِ، وذلك ببَركةِ دُعاءِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم له، وفي هذا الحديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه: "اللَّهمَّ استَجِبْ لسعدٍ إذا دَعاك"، أي: استَجِبْ له دُعاءَه كلَّما دَعاك، وجاءَ في سبَبِ تلك الدَّعوةِ لِسَعدٍ رضِيَ اللهُ عنه، أنَّه قِيل له: "متى أصَبتَ الدَّعوةَ؟"، فقال: "يومَ بدرٍ كُنتُ أرمي بين يدَيِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، فأضَعُ السَّهْمَ في كَبِدِ القوسِ، أقولُ: اللَّهمَّ زَلزِلْ أقدامَهم، وأرعِبْ قُلوبَهم، وافعَلْ بهم وافعَلْ، فيَقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: اللَّهمَّ استَجِبْ لسعدٍ". وفي الحديثِ: مَنقَبةٌ وفضلٌ لِسَعدِ بنِ أبي وقَّاصٍ رضِيَ اللهُ عنه.الدرر. "أقبلَ سعدٌ فقالَ النبي صلَّى اللَّه عليه وسلم"هذا خالي فليُرِني امرؤٌ خالَهُ"الراوي : جابر بن عبدالله -المحدث : الألباني -المصدر : صحيح الترمذي -الصفحة أو الرقم: 3752-خلاصة حكم المحدث : صحيح . كان لِسَعدِ بنِ أبي وقَّاصٍ رَضِي اللهُ عَنه شأنٌ يومَ بدرٍ، وكذلك في مُعظَمِ مَغازيه؛ فكان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يَفخَرُ به، وفي هذا الحديثِ يقولُ جابرُ بنُ عبدِ اللهِ رَضِي اللهُ عَنهما: " "أقبَل سعدٌ"، أي: على النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم ومَن معَه مِن أصحابِه، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم لَمَّا رآه: "هذا خالي"، أي: مِن قومِ أمِّي، "فَلْيُرِني امرُؤٌ خالَه"، أي: إنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يُخبِرُ أنْ ليس لأحَدٍ خالٌ مِثلُ سعدٍ خالِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، وكان سعدُ بنُ أبي وقَّاصٍ مِن بَني زُهْرةَ، وكانت أمُّ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم مِن بَني زُهرةَ؛ فلِذلك قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم هذا خالي، ويَلتَقِيان في جَدِّهما عبدِ مَنافٍ، وسببُه: أنَّ أمَّه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم آمِنةُ بِنتُ وهبِ بنِ عبدِ مَنافٍ، وسعدًا هو ابنُ مالِكِ بنِ وُهيبٍ أخي وَهبٍ ابْنَي عبدِ مَنافٍ. وفي الحديثِ: منقَبةٌ وفضلٌ لِسَعدِ بنِ أبي وقَّاصٍ رضِيَ اللهُ عنه.الدرر. أَرِقَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم فلم يَستطِعِ النومَ في ليلةٍ، وكان ذلك بعدَ مَقْدَمِه إلى المدينةِ النبويَّةِ، فقال يحدِّث عَائِشَةَ رَضِيَ الله عنها"لَيْتَ رجلًا صالِحًا مِن أصحابي يَحرُسني الليلةَ"، قالت"إذ سَمِعنا صوتَ السِّلاحِ، قال" النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم "مَن هذا؟قِيل: سَعْدٌ" وهو ابنُ أبي وَقَّاصٍ رَضِيَ الله عنه "يا رسولَ الله، جِئتُ أَحرُسك"، ويقولُ في روايةٍ عن سَبب قُدومِه: وَقَع في نفسِي خوفٌ على رَسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم فجئتُ أَحرُسه، "فنام النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم حتَّى سَمِعنا غَطِيطَه" والغَطِيطُ: صوتُ النائم ونَفْخُه. "أنَّهُ نَزَلَتْ فيه آيَاتٌ مِنَ القُرْآنِ قالَ: حَلَفَتْ أُمُّ سَعْدٍ أَنْ لا تُكَلِّمَهُ أَبَدًا حتَّى يَكْفُرَ بدِينِهِ، وَلَا تَأْكُلَ وَلَا تَشْرَبَ، قالَتْ: زَعَمْتَ أنَّ اللَّهَ وَصَّاكَ بوَالِدَيْكَ، وَأَنَا أُمُّكَ، وَأَنَا آمُرُكَ بهذا، قالَ: مَكَثَتْ ثَلَاثًا حتَّى غُشِيَ عَلَيْهَا مِنَ الجَهْدِ، فَقَامَ ابْنٌ لَهَا يُقَالُ له عُمَارَةُ، فَسَقَاهَا، فَجَعَلَتْ تَدْعُو علَى سَعْدٍ، فأنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ في القُرْآنِ هذِه الآيَةَ"وَوَصَّيْنَا الإنْسَانَ بوَالِدَيْهِ حُسْنًا وإنْ جَاهَدَاكَ علَى أَنْ تُشْرِكَ بي" وَفِيهَا "وَصَاحِبْهُما في الدُّنْيَا مَعْرُوفًا". قالَ: وَأَصَابَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ غَنِيمَةً عَظِيمَةً، فَإِذَا فِيهَا سَيْفٌ فأخَذْتُهُ، فأتَيْتُ به الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَقُلتُ: نَفِّلْنِي هذا السَّيْفَ، فأنَا مَن قدْ عَلِمْتَ حَالَهُ، فَقالَ: رُدُّهُ مِن حَيْثُ أَخَذْتَهُ فَانْطَلَقْتُ، حتَّى إذَا أَرَدْتُ أَنْ أُلْقِيَهُ في القَبَضِ لَامَتْنِي نَفْسِي، فَرَجَعْتُ إلَيْهِ، فَقُلتُ: أَعْطِنِيهِ، قالَ فَشَدَّ لي صَوْتَهُ رُدُّهُ مِن حَيْثُ أَخَذْتَهُ قالَ فأنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ"يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأنْفَالِ". قالَ: وَمَرِضْتُ فأرْسَلْتُ إلى النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ فأتَانِي، فَقُلتُ: دَعْنِي أَقْسِمْ مَالِي حَيْثُ شِئْتُ، قالَ فأبَى، قُلتُ: فَالنِّصْفَ، قالَ فأبَى، قُلتُ: فَالثُّلُثَ، قالَ فَسَكَتَ، فَكَانَ، بَعْدُ الثُّلُثُ جَائِزًا. قالَ: وَأَتَيْتُ علَى نَفَرٍ مِنَ الأنْصَارِ وَالْمُهَاجِرِينَ، فَقالوا: تَعَالَ نُطْعِمْكَ وَنَسْقِكَ خَمْرًا، وَذلكَ قَبْلَ أَنْ تُحَرَّمَ الخَمْرُ، قالَ فأتَيْتُهُمْ في حَشٍّ، وَالْحَشُّ البُسْتَانُ، فَإِذَا رَأْسُ جَزُورٍ مَشْوِيٌّ عِنْدَهُمْ، وَزِقٌّ مِن خَمْرٍ. قالَ فأكَلْتُ وَشَرِبْتُ معهُمْ، قالَ فَذَكَرْتُ الأنْصَارَ وَالْمُهَاجِرِينَ عِنْدَهُمْ. فَقُلتُ: المُهَاجِرُونَ خَيْرٌ مِنَ الأنْصَارِ. قالَ فأخَذَ رَجُلٌ أَحَدَ لَحْيَيِ الرَّأْسِ فَضَرَبَنِي، به فَجَرَحَ بأَنْفِي فأتَيْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فأخْبَرْتُهُ فأنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيَّ، يَعْنِي نَفْسَهُ، شَأْنَ الخَمْرِ"إنَّما الخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأنْصَابُ وَالأزْلَامُ رِجْسٌ مِن عَمَلِ الشَّيْطَانِ". وفي رواية: عن مُصْعَبِ بنِ سَعْدٍ، عن أَبِيهِ، أنَّهُ قالَ: أُنْزِلَتْ فِيَّ أَرْبَعُ آيَاتٍ، وَسَاقَ الحَدِيثَ بمَعْنَى حَديثِ زُهَيْرٍ، عن سِمَاكٍ. وَزَادَ في حَديثِ شُعْبَةَ: قالَ فَكَانُوا إذَا أَرَادُوا أَنْ يُطْعِمُوهَا شَجَرُوا فَاهَا بعَصًا، ثُمَّ أَوْجَرُوهَا.وفي حَديثِهِ أَيْضًا: فَضَرَبَ به أَنْفَ سَعْدٍ، فَفَزَرَهُ وَكانَ أَنْفُ سَعْدٍ مَفْزُورًا."الراوي : سعد بن أبي وقاص- صحيح مسلم.ويحتمل أنَّ حَذَرَ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وطلبُه الحراسةَ كانَ قبلَ نُزولِ قولِه تعالى"وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ"المائدة67، ومِن العلماءِ مَن قال: ليس في الآيةِ ما يُنافي الحِراسةَ؛ لأنَّ هذا مِن بابِ الأخْذِ بالأسبابِ، كما أنَّ إعلامَ اللهِ بنَصرِ دِينِه وإظهارِه لا يمنعُ الأمْرَ بالقِتالِ وإعدادِ العُدَد؛ وأنَّ المرادَ بقوله "يَعْصِمُكَ" العصمةُ مِن الفِتنةِ والإضلالِ أو إزهاقِ الرُّوح. وفي الحديث: الأخْذُ بالحَذرِ والاحتراسِ مِن العدوِّ، وحِراسةُ السُّلطانِ خَشيةَ القَتلِ. وفيه: أنَّ الأخْذَ بالأسبابِ لا يُنافي التوكُّلَ على اللهِ تعالى.الدرر. يَحكِي سَعْدُ بنُ أبي وَقَّاصٍ رضِي اللهُ عنه: أنَّه نَزَلَتْ فيه آياتٌ مِنَ القُرآنِ؛ حيثُ حَلَفَتْ أُمُّه ألَّا تُكلِّمَه أبدًا حتَّى يَكفُرَ بدِينِ الإسلامِ، ولا تَأكُلَ ولا تَشْرَبَ، وقالت له: زَعَمْتَ، أي: قُلتَ وادَّعَيْتَ، أنَّ الله وَصَّاك بِوَالِدَيْكَ، أي: أمَرَك وفَرَض عليك الاعتِناءَ بوَالِدَيْكَ، وأنا أُمُّكَ، وأنا آمُرُكَ بهذا. ويَحْكِي سَعْدٌ أنَّها مَكَثَتْ، أي: ظَلَّتْ ولَبِثَتْ، ثلاثًا دُونَ أكلٍ وشُربٍ، حتَّى غُشِيَ عليها، أي: أُغْمِيَ عليها وفَقَدت وَعْيَها؛ مِنَ الجَهْدِ والتَّعَبِ، فقام ابنٌ لها يُقال له عُمَارَةُ فسَقَاها، فجَعَلَتْ تَدعُو على سَعْدٍ؛ فأنزَل الله عزَّ وجلَّ في القُرآنِ هذه الآيةَ"وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ... وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي"لقمان: 14- 15، وفيها"وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا". كُنَّا مع النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ سِتَّةَ نَفَرٍ، فَقالَ المُشْرِكُونَ للنبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: اطْرُدْ هَؤُلَاءِ لا يَجْتَرِئُونَ عَلَيْنَا.قالَ وَكُنْتُ أَنَا وَابنُ مَسْعُودٍ، وَرَجُلٌ مِن هُذَيْلٍ، وَبِلَالٌ، وَرَجُلَانِ لَسْتُ أُسَمِّيهِمَا، فَوَقَعَ في نَفْسِ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ ما شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقَعَ فَحَدَّثَ نَفْسَهُ فأنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ"وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بالغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ"الأنعام: 52."الراوي:سعد بن أبي وقاص– صحيح مسلم.ثُمَّ يَحكِي سَعْدٌ أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم أصاب غَنِيمَةً عَظيمةً، فإذا فيها سَيْفٌ، فأخَذَه سَعْدٌ، فأتَى به رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فقال سَعْدٌ: "نَفِّلْنِي" هذا السَّيْفَ، أي: أَعْطِنِيهِ على سَبِيلِ النَّفْلِ، وهو ما يُعطَى الغازِي زيادةً على سَهْمِه في الغَنِيمَةِ؛ فأنا مَن قد عَلِمْتَ حالَه، يعني: مِن حُسنِ البلاءِ في الحُروبِ، فقال صلَّى الله عليه وسلَّم: رُدَّهُ مِن حيثُ أخذتَه، فانْطَلَقْتُ حتَّى إذا أردتُ أن أُلْقِيَه في "القَبَضِ" أي: في المالِ المقبوضِ، وهو الغَنِيمَة؛ لامَتْنِي نَفْسِي، فرَجَعْتُ إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم مرَّةً أُخرَى، فقُلتُ: أَعْطِنِيهِ، قال: فشَدَّ لي صَوْتَه: رُدَّهُ مِن حيثُ أَخَذْتَهُ، قال: فأنزَل الله عزَّ وجلَّ"يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ"الأنفال: 1. ثُمَّ يقولُ سَعْدٌ: ومَرِضْتُ، فأَرْسَلْتُ إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فأَتَاهُ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يَعُودُه، فقال سَعْدٌ: دَعْنِي أَقْسِمْ مالي حيثُ شِئتُ، فأَبَى صلَّى الله عليه وسلَّم، أي: رَفَض ذلك، قال سَعْدٌ: فالنِّصْف؟ أي: نِصْف مالِه، فأَبَى صلَّى الله عليه وسلَّم، قال: فالثُّلُثُ؟ فسَكَتَ صلَّى الله عليه وسلَّم، فكان الثُّلُثُ بَعْدَ ذلِك جَائِزًا. ثُمَّ يَحْكِي سَعْدٌ: وأَتَيْتُ على "نَفَرٍ" هو مِن ثلاثةٍ إلى عَشَرَةٍ مِنَ الرِّجالِ، مِنَ الأنصارِ والمُهاجِرِينَ، فقالوا: تَعَالَ نُطْعِمك ونَسْقِيك خَمْرًا، وذلك قبلَ أن تُحرَّمَ الخَمْرُ، قال: فأتَيْتُهم في حُشٍّ، والحُشُّ: البُسْتَانُ، فإذا رَأْسُ "جَزُورٍ" والجَزُورُ: ما يَصلُح أن يُذبَحَ مِنَ الإبِلِ، مَشْوِيٌّ عندَهم، و"زِقٌّ" وهو السِّقاءُ، مِن خَمْرٍ، فأكَلَ سَعْدٌ وشَرِب معهم، قال: فذُكِرَتِ الأنصارُ والمهاجِرون عندَهم فقلتُ: المُهاجِرون خيرٌ مِنَ الأنصارِ، قال: فأَخَذ رجلٌ أَحَدَ "لَحْيَيِ الرَّأسِ" أي: فَكَّيْهِ، فضَرَبَنِي به فجَرَح بِأَنْفِي، وفي رِوَايَةٍ: فضَرَب به أنفَ سَعْدٍ "فَفَزَرَهُ" أي: شَقَّه، وكان أنفُ سَعْدٍ مَفْزُورًا، أي: مَشْقُوقًا، قال: فأَتَيْتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم فأخبرتُه، فأنزَل اللهُ عزَّ وجلَّ فِيَّ -يَعْنِي نفسَه- شأنَ الخَمْرِ"إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ"المائدة: 90. . وفي رِوايَةٍ: أُنزِلَتْ فِيَّ أَرْبَعُ آياتٍ: وفيها الثلاثُ الآياتُ المذكورةُ سابقًا، وأمَّا الرابعةُ فهي آيةُ"وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ"الأنعام: 52.ولم تُذكَرْ في حديثِنا. في الحديثِ: سَببُ نُزولِ آيةِ تحريمِ الخَمْرِ في سُورَةِ المائدةِ. وفيه: سببُ نُزولِ آيةِ الأنفالِ في أوَّلِ سُورَةِ الأنفالِ. وفيه: سببُ نُزولِ آيةِ الوَصِيَّةِ بالوالِدَيْنِ وعدمِ طاعتِهما في معصيةٍ، في سُورةِ لُقْمَان. وفيه: أنَّ مِن هَدْيِه صلَّى الله عليه وسلَّم الوَصِيَّةَ بِثُلُثِ المالِ، وهو كَثِيرٌ. وفيه: فَضْلُ سَعْدِ بنِ أبي وَقَّاصٍ رضِي اللهُ عنه.الدرر. يَحكي سَعدُ بنُ أَبي وَقَّاصٍ رضِي اللهُ عنه أَنَّهم كانوا مَع النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ستَّةَ "نَفرٍ" أَشخاصٍ؛ فقالَ المشرِكونَ، أي: مِن أَكابرِ صَناديدِ قُريشٍ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: اطْرُدْ، أي: أَبْعِدْ عنكَ هَؤلاءِ أيِ: المواليَ والفُقراءَ، "لا يَجتَرِئون عَلينا"، أي: لا يَكونُ لَهُم جَراءةٌ عَلينا في مُخاطبَتِهم بِنا إنْ كُنتَ تُريدُ أنْ نُؤمِنَ بكَ ونَدخُلَ عَليك، قال سَعدٌ: وكُنتُ أَنا وابنُ مَسعودٍ ورَجلٌ مِن هُذيلٍ وبِلالٌ، ورَجلانِ لَستُ أُسمِّيهما، أي: لا أُسمِّيهما لِمَصْلَحةٍ فِي ذلِك عِندي، وقيل: لا أَتَذَكَّرُهما للنِّسيان، وهؤلاء السِّتَّةُ؛ قيلَ هُم: سَعدٌ، وابنُ مَسعودٍ، وبِلالٌ، وصُهَيْبٌ، وعَمَّارٌ، والمِقدادُ؛ فوَقعَ في نَفسِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ما شاءَ اللهُ أنْ يَقَعَ، أي: مِنَ المَيْلِ إِلى طَردِهم؛ طَمعًا في إِسلامِ الأَكابرِ الُمتفَرِّعِ عليه إِسلامُ الكُلِّ بَعدَهم؛ فحَدَّثَ نفسَه، أي: للتَّآلفِ بِهم أن يَطْرُدَهم صورَةً بأنْ لا يَأتوه حالَ وُجودِ الأَكابرِ عِندَه، أو يَقوموا عنهُ إِذا هُم جَلَسوا عندَه مُراعاةً لِلجانِبَيْنِ؛ فأَنزلَ اللهُ تَعالى"وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ"الأنعام: 52، أي: يُريدونَ بِعبادِتِهم رِضا اللهِ تَعالى ولَيس أَشياءَ أُخَرَ مِن أَغراضِ الدُّنيا. "شَكَا أَهْلُ الكُوفَةِ سَعْدًا إلى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عنْه، فَعَزَلَهُ، واسْتَعْمَلَ عليهم عَمَّارًا، فَشَكَوْا حتَّى ذَكَرُوا أنَّهُ لا يُحْسِنُ يُصَلِّي، فأرْسَلَ إلَيْهِ، فَقالَ: يا أَبَا إسْحَاقَ إنَّ هَؤُلَاءِ يَزْعُمُونَ أنَّكَ لا تُحْسِنُ تُصَلِّي،قالَ أَبُو إسْحَاقَ: أَمَّا أَنَا واللَّهِ فإنِّي كُنْتُ أُصَلِّي بهِمْ صَلَاةَ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ما أَخْرِمُ عَنْهَا، أُصَلِّي صَلَاةَ العِشَاءِ، فأرْكُدُ في الأُولَيَيْنِ وأُخِفُّ في الأُخْرَيَيْنِ، قالَ: ذَاكَ الظَّنُّ بكَ يا أَبَا إسْحَاقَ، فأرْسَلَ معهُ رَجُلًا أَوْ رِجَالًا إلى الكُوفَةِ، فَسَأَلَ عنْه أَهْلَ الكُوفَةِ ولَمْ يَدَعْ مَسْجِدًا إلَّا سَأَلَ عنْه، ويُثْنُونَ مَعْرُوفًا، حتَّى دَخَلَ مَسْجِدًا لِبَنِي عَبْسٍ، فَقَامَ رَجُلٌ منهمْ يُقَالُ له أُسَامَةُ بنُ قَتَادَةَ يُكْنَى أَبَا سَعْدَةَقالَ: أَمَّا إذْ نَشَدْتَنَا فإنَّ سَعْدًا كانَ لا يَسِيرُ بالسَّرِيَّةِ، ولَا يَقْسِمُ بالسَّوِيَّةِ، ولَا يَعْدِلُ في القَضِيَّةِ، قالَ سَعْدٌ: أَما واللَّهِ لَأَدْعُوَنَّ بثَلَاثٍ: اللَّهُمَّ إنْ كانَ عَبْدُكَ هذا كَاذِبًا، قَامَ رِيَاءً وسُمْعَةً، فأطِلْ عُمْرَهُ، وأَطِلْ فَقْرَهُ، وعَرِّضْهُ بالفِتَنِ، وكانَ بَعْدُ إذَا سُئِلَ يقولُ: شيخٌ كَبِيرٌ مَفْتُونٌ، أَصَابَتْنِي دَعْوَةُ سَعْدٍ، قالَ عبدُ المَلِكِ: فأنَا رَأَيْتُهُ بَعْدُ، قدْ سَقَطَ حَاجِبَاهُ علَى عَيْنَيْهِ مِنَ الكِبَرِ، وإنَّه لَيَتَعَرَّضُ لِلْجَوَارِي في الطُّرُقِ يَغْمِزُهُنَّ".الراوي : جابر بن سمرة-صحيح البخاري.في الحديثِ: كَرامةُ هَؤلاءِ النَّفَرِ السِّتَّةِ. وفيه: سببُ نُزولِ قَولِه تَعالى"وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ "الأنعام: 52.الدرر. الشرح:
أمَرَ اللهُ عزَّ وَجلَّ المؤمنَ بإعطاءِ كلِّ ذي حقٍّ حقَّه؛ فيُعطي للعِبادِة الواجبةِ عليه حقَّها ويؤَدِّيها كما أمَر اللهُ عزَّ وجلَّ، ويُعطي للوظيفةِ المُوكلةِ إليه حقَّها ويؤَدِّيها كما كُلِّف بها وكما يَنبغي، ويُعطي لعِبادِ اللهِ حُقوقَهم، ويأخُذُ هو حقَّه كاملًا غيرَ مَنقوصٍ؛ فلا يَظلِمُ ولا يُظلَمُ.وفي هذا الحديثِ يَحْكي جابِرُ بنُ سَمُرَةَ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ أهلُ الكوفةِ شَكَوْا سعدَ بنَ أبي وَقَّاصٍ رَضيَ اللهُ عنه عِندَما كان أميرًا على الكوفةِ، إلى عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنه، فعَزَلَه عُمرُ رَضيَ اللهُ عنه؛ لِتَهْدِئةِ النُّفوسِ، وإطْفاءِ نارِ الفِتنةِ، مع ثِقتِه فيه، وأقام مكانَه عَمَّارَ بنَ ياسرٍ رَضيَ اللهُ عنهما واليًا عليهم. وكان عُمرُ أمَّرَ سعدَ بنَ أبي وقَّاصٍ على قتالِ الفُرسِ في سنةِ 14 هـ، ففتَح اللهُ العِراقَ على يدَيْه، وأنشَأ مدينةَ الكُوفة عامَ 17هـ، وأقامَه عُمر بنُ الخطَّابِ رَضيَ اللهُ عنه واليًا عليها إلى أنْ عزَله عامَ 21هـ، وقيل: 20هـ.وقدْ شكَا بعضُ أهلِ الكوفةِ سعدَ بنَ أبي وقَّاصٍ رَضيَ اللهُ عنه إلى عُمرَ بنِ الخطَّابِ رَضيَ اللهُ عنه، وذكَروا أشياءَ متعدِّدةً، وحقَّق فيها عُمَرُ رَضيَ اللهُ عنه فوجَدها كلَّها باطلةً، حتَّى ذَكَروا أنَّه لا يُحْسِنُ أداءَ الصَّلاةِ؛ وذلك لسُوءِ فَهْمِهم، وجَهْلِهم بِكيفيَّةِ الصَّلاةِ، لا لأنَّه رَضيَ اللهُ عنه لا يُحسِنُها، فأرسَلَ إليه عُمرُ بنُ الخَطَّابِ رَضيَ اللهُ عنه يَسألُه عن شِكايتِهم، فكنَّاه قائلًا: يا أبا إسْحاقَ -وهي كُنْيةُ سعدٍ- إنَّ هؤلاء يَزعُمون أنَّك لا تُجيدُ الصَّلاةَ على الوجهِ الأكمَلِ، فقال: أَمَّا أنا واللهِ، فإنِّي كنتُ أُصَلِّي بهم صَلاةَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لا أَنقُصُ منها شَيئًا؛ أُصَلِّي صَلاةَ العِشاءِ فأُطيلُ القِراءةَ في الأُولَيَيْنِ؛ لأنَّه يَقرأُ بعْدَ الفاتحةِ سورةً أو ما تيسَّرَ مِن القُرآنِ، وأُخَفِّفُ القِراءةَ في الرَّكعتَينِ الأُخْرَيَيْنِ فلا يَقرأُ بعْدَ الفاتحةِ شَيئًا. وكأنَّ ما عابوه في صَلاتِه هو إطالتُه الأُولى وتخفيفُه الثَّانيةَ، وكان مَن سألوه جُهَّالًا. وقد خَصَّ سعدٌ رَضيَ اللهُ عنه صَلاةَ العِشاءِ بالذِّكرِ؛ لاحتِمالِ كَوْنِ شَكْواهم في هذه الصَّلاةِ، وقيل: المرادُ بقولِه"صلاتي العِشاءِ" المغربُ والعِشاءُ، فقال له عُمرُ رَضيَ اللهُ عنه: لَقَد أَصَبتَ السُّنَّةَ فيما فَعَلْتَ، وصَلَّيْتَ مِثلَ صَلاةِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وهذا ما نَظُنُّه فيك.وقد وقَع في بدايةِ الحديثِ أنَّ عُمرَ رَضيَ اللهُ عنه أرسَل إلى سَعدٍ رَضيَ اللهُ عنه يَسألُه، ثمَّ وَجَّهَ إليه الخِطابَ بأُسلوبِ الحاضرِ"ذاك الظَّنُّ بكَ يا أبا إسْحاقَ"، وأُجيبَ على ذلك بأنَّه كان غائبًا ثمَّ حضَر. فأرسَلَ معه إلى العِراقِ رَجُلًا أو رِجالًا، على رأْسِهم محمَّدُ بنُ مَسْلَمةَ رَضيَ اللهُ عنه، فسَأل عنه أهلَ الكوفةِ، ولم يَترُكْ مَسجِدًا مِن مَساجِدِ الكوفةِ إلَّا سَأل عنه، وجميعُهم كانوا يُثْنونَ عليه خَيرًا ويُزَكُّونَه، حتَّى دخَلَ مَسجِدًا لِبَني عَبْسٍ، وهي قَبيلةٌ مِن قَيسٍ، فقام رجُلٌ اسمُه أُسامةُ بنُ قَتادةَ، فقال: أمَّا إذْ نَشَدْتَنا وسألْتَنا بالله تعالَى أنْ نُخبِرَك عن سَعدٍ، فَإنَّا نَقول: إنَّ سَعْدًا لا يَخرُجُ للغَزْوِ في سَبيلِ اللهِ، ولا يَعدِلُ في قِسْمتِه، ولا يَعدِلُ في الحُكمِ بيْنَ النَّاسِ! وقد قال ما قاله ظُلمًا وإجحافًا بحقِّ سعدٍ رَضيَ اللهُ عنه، وألصَقَ فيه ما ليس منه كَذِبًا وافتِراءً، وكان قيامُه للرِّياءِ والسُّمْعةِ. فدَعا عليه سعدٌ رَضيَ اللهُ عنه، قائلًا: أمَا واللهِ، لَأدْعُوَنَّ بثَلاثٍ "اللَّهُمَّ إنْ كان عَبْدُك هذا كاذِبًا، قامَ رِياءً وَسُمعةً، فأَطِلْ عُمُرَه، وأَطِلْ فَقْرَهُ، وعَرِّضْهُ بالفِتَنِ»، فدَعا عليه بثلاثِ دَعَواتٍ؛ أوَّلُها بِطولِ العُمُرِ ومُرادُه أنْ يَطولَ عُمُرُه حتَّى يُرَدَّ إلى أرْذَلِ العُمُرِ، حيثُ يَهِنُ عَظْمُه، وتَنتكِسُ قُواهُ؛ فهي دَعوةٌ على الرجُلِ لا له. وجمَع له مع طُولِ العُمرِ الدَّعوةَ الثانيةَ بأنْ يُسلِّطَ اللهُ عليه الفَقرَ الطَّويلَ، وهذا أشَدُّ ما يَكونُ مِن سُوءِ العَيشِ في الحياةِ، وجمَع له الثَّالثةَ الَّتي هي أشَدُّ مِن الأُولَيَيْنِ، وهي: أن يَجعَلَه اللهُ عُرْضةً للفِتَنِ أو أن يُدخِلَه فيها، ففُتِن بالنِّساءِ؛ فكان هذا الرَّجُلُ المَدْعوُّ عليه إذا سُئِل عن سُوءِ حالِه الَّذي هو فيه، يَقولُ: أنا شَيْخٌ كَبيرٌ مَفْتونٌ، أصابَتْني دَعوةُ سَعدٍ التي أُجيبَتْ فيَّ. وذكَر بقولِه: «شيخٌ كبيرٌ» تحقُّقَ الدَّعوةِ الأُولى"أَطِلْ عُمُرَه"، وذكَر بقولِه: «مَفتونٌ» تحقُّقَ الدَّعوةِ الثَّالثةِ، ولم يَذكُرِ الدَّعوةَ الثَّانيةَ "وأَطِلْ فَقرَه"؛ لأنَّها داخِلةٌ ضِمنَ قَولِه "أَصابَتْني دَعوةُ سَعْدٍ".قال عبدُ المَلِكِ- أحَدُ رُواةِ الحَديثِ، وهو ابنُ عُمَيْرِ بنِ سُوَيدٍ الكوفيُّ-: فأنا رَأَيْتُه بَعْدُ قدْ سَقَط حاجِباهُ على عَيْنَيْه مِن الكِبَرِ، وإنَّه لَيتَعَرَّضُ لِلجَواري في الطُّرُقِ، يَغمِزُهنَّ، بمعنى: يُغازِلُهنَّ أمامَ النَّاسِ، وهذا مِن الشَّهادةِ بتَحقُّقِ استجابةِ سَعدٍ رَضيَ اللهُ عنه، ودَعوةُ سَعدٍ رَضيَ اللهُ عنه على هذا الرَّجُلِ هي مِن الدُّعاءِ على الظالِمِ المعيَّنِ بما يَستلزِمُ النقصَ في دِينِه، وليس مِن طَلبِ وُقوعِ المَعصيةِ، ولكن مِن حيثُ إنَّه يُؤدِّي إلى نِكايةِ الظالمِ وعُقوبتِه.وفي الحَديثِ: فَضيلةُ سَعدِ بنِ أبي وَقَّاصٍ رَضيَ اللهُ عنه، وأنَّه كان مُجابَ الدُّعاءِ.وفيه: مَشروعيَّةُ إطالةِ الرَّكعةِ الأُولى، وتخفيفِ الثَّانيةِ.وفيه: اهتِمامُ الصَّحابةِ رَضيَ اللهُ عنهم بمُتابَعةِ رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ فكانوا يُصَلُّون كما كان رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُصلِّي.وفيه: أنَّ دَرْءَ المَفاسِدِ مُقَدَّمٌ على جَلْبِ المَصالِحِ؛ فقدْ عزَلَ عمرُ سعدًا وهو أعدلُ مَن يأتي بعدَه؛ حسْمًا لمادَّةِ الفِتنةِ، ودرءًا للمَفْسَدةِ.وفيه: تَكنيةُ الرجُلِ الجَليلِ بكُنيتِه.الدرر السنية. وفاة سعد بن أبي وقاص: عن حماد بن سلمة، عن سماك، عن مصعب بن سعد أنه قال"كان رأس أبي في حجري وهو مريض وفي كرب الموت، قال: فبكيت، فرفع رأسه إليَّ وقال: ما يبكيك؟ قلت: لمكانك وما أرى بك. قال: فلا تبكِ؛ فإن الله لا يعذبني أبدًا، وإني لمن أهل الجنة".رواه ابن سعد في الطبقات. روي"أن أم سلمة رضي الله عنها لما بلغها موت سعد بكت، وقالت: بقية أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم". وروي"أنه أوصى رضي الله عنه أن يكفن في جبة صوف خلقة، وقال: إني لقيت المشركين فيها يوم بدر، وقد اختبأتها لهذا اليوم".أخرجه الحاكم والطبراني في الكبير. مات سعد سنة خمس وخمسين من الهجرة، وهو ابن بضع وسبعين سنة فيما قيل، بقصره بالعقيق، وكان يبعد عن المدينة عشرة أميال، ثم حُمل على أعناق الرجال حتى صُلي عليه في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصلى عليه أزواج النبي صلى الله عليه وسلم. رضي الله عن سعد وعن جميع صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم. |
27-04-23, 11:21 PM | #32 |
نفع الله بك الأمة
|
المجلس الحادي والثلاثون شرح أصول السنة للإمام أحمد بن حنبل *المتن:وَخَيْرُ هَذِهِ الأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا:أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ،ثُمَّ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ، ثُمَّ عُثْمَانُ بنُ عَفَّانَ،نُقَدِّمُ هَؤُلاءِ الثَّلاثَةِ كَمَا قَدَّمَهُمْ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-،لمْ يَخْتَلِفُوا في ذَلِكَ.ثمَّ بَعْدَ هَؤُلاءِ الثَّلاثَةِ أَصْحَابُ الشُّورَى الخَمْسَةُ:عَلِيٌ بنُ أَبي طَالَبٍ ، وَطَلْحَةُ، وَالزُّبَيْرُ،وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَوْفٍ، وَسَعْدُ- بنُ أَبِي وَقَّاصٍ-،وَكُلُّهُمْ يَصْلُحُ لِلْخِلافَةِ،وكلُّهُمْ إِمَامٌ.
الشرح بين المصنف – الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله –العقيدة الصحيحة في الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم ؛ وبيان خيريتهم وفضلهم ؛ وبيان التفاضل بينهم .فالعقيدة في الصحابة تُعَدُّ أصلًا من أصول الاعتقاد وأصول الديانة ، فإن الصحابة رضي الله عنهم لهم مكانتهم ومنزلتهم العلية ؛فهم أنصار دين الله وحملته ونقلته ، فالدين نقل عن طريق الصحابة ومن طعن فيهم ؛طعن في الدين ، لأن الطعن في الناقل طعن في المنقول – أي طعن في الدين – لذلك قال أبو زُرعَة : من طعن في الصحابة فهو زنديق. لذا كل كتب العقيدة تذكر العقيدة في الصحابة. والعقيدة في الصحابة ترتكز على أمرين : سلامة القلب ،وسلامة اللسان. أما سلامة القلب تجاه الصحابة رضي الله عنهم : بأن يخلو القلب من الغل عليهم ،بل القلب يكن لهم كل الحب والتقدير والنقاء والصفاء. وكذلك سلامة اللسان تجاههم :بالكلام عليهم بكل خير ،وعدم الكلام بما فيه ذم أو طعن أو سب أو وقيعة أو نحو ذلك. قال تعالى"وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ"الحشر : 10. "وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ" أي: من بعد المهاجرين والأنصار. تفسير السعدي . "وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ "وهم المهاجرون ثم الأنصار ، ثم التابعون بإحسان. فالتابعون لهم بإحسان هم : المتبعون لآثارهم الحسنة وأوصافهم الجميلة ، الداعون لهم في السر والعلانية ; ولهذا قال في هذه الآية الكريمة " وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ" أي : قائلين "رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا" أي : بغضًا وحسدًا "لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ"تفسير ابن كثير للآية. وهذا دعاء شامل لجميع المؤمنين، السابقين من الصحابة، ومن بعدهم، وهذا من فضائل الإيمان أن المؤمنين ينتفع بعضهم ببعض، ويدعو بعضهم لبعض، بسبب المشاركة في الإيمان المقتضي لعقد الأخوة بين المؤمنين التي من فروعها أن يدعو بعضهم لبعض، وأن يحب بعضهم بعضًا. ولهذا ذكر الله في الدعاء نفي الغل عن القلب، الشامل لقليل الغل وكثيره الذي إذا انتفى ثبت ضده، وهو المحبة بين المؤمنين والموالاة والنصح، ونحو ذلك مما هو من حقوق المؤمنين. فوصف الله من بعد الصحابة بالإيمان، لأن قولهم" الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ"دليل على المشاركة في الإيمان وأنهم تابعون للصحابة في عقائد الإيمان وأصوله، وهم أهل السنة والجماعة. تفسير السعدي. قال الإمام أحمد بن حنبل في المتن:وَخَيْرُ هَذِهِ الأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا:أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ،ثُمَّ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ، ثُمَّ عُثْمَانُ بنُ عَفَّانَ،نُقَدِّمُ هَؤُلاءِ الثَّلاثَةِ كَمَا قَدَّمَهُمْ أَصْحَابُ .......ثم...... فقدم هؤلاء الثلاثة كما قدمهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن أمور الاعتقاد الإيمان بخيرية الصحابة مطلقًا، وكذلك بتفاضل الصحابة ،فالفضل ليس على رتبة واحدة ، وأن أفضلهم على الإطلاق أبو بكر الصديق،ثم عمر بن الخطاب ثم عثمان بن عفان، ثم أصحاب الشورى الخمسة كما سبق توضيحه وتفصيله، وهؤلاء الخمسة من جملة العشرة المبشرين بالجنة .فأفضل الصحابة الخلفاء الراشدون الأربعة ثم بقية العشرة المبشرون بالجنة ،أربعة منهم من أصحاب الشورى ،ثم من بقيتهم أبو عبيدة بن الجراح ، وسعيد بن زيد رضي الله عنهم جميعًا وأرضاهم.مقتبس من شرح الشيخ عبد الرزاق عبد المحسن البدر لرسالة أصول السنة. عشرةٌ في الجنَّةِ : أبو بَكْرٍ في الجنَّةِ ، وعُمرُ في الجنَّةِ ، وعليٌّ وعثمانُ والزُّبَيْرُ وطلحةُ وعبدُ الرَّحمنِ وأبو عُبَيْدةَ وسعدُ بنُ أبي وقَّاصٍ . قالَ : فعدَّ هؤلاءِ التِّسعةَ وسَكَتَ عنِ العاشرِ ، فقالَ القومُ : ننشدُكَ اللَّهَ يا أبا الأعورِ منِ العاشرُ ؟ قالَ :نشدتُموني باللَّهِ ، أبو الأعوَرِ في الجنَّةِ"الراوي : سعيد بن زيد -المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الترمذي - الصفحة أو الرقم: 3748خلاصة حكم المحدث : صحيح. |
27-04-23, 11:22 PM | #33 |
نفع الله بك الأمة
|
المجلس الثاني والثلاثون شرح أصول السنة للإمام أحمد بن حنبل أبو عبيدة بن الجراح من العشرة المبشرين بالجنة *أبو عُبيدةَ: هو: عامِرُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ الجَرَّاحِ بنِ هلالِ بنِ أهيَبَ، وهو أحدُ السَّابقين الأوَّلين إلى الإسلامِ، أسلَم على يدِ أبي بكرٍ الصِّدِّيقِ في الأيَّامِ الأولى للإسلامِ. هاجَر إلى الحبَشةِ في الهجرةِ الثَّانيةِ، وقد لقَّبَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بأمينِ الأمَّةِ، "وكان مِمَّن ثبَت مع الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يومَ أحُدٍ، وشَهِد المَشاهِدَ مع النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم والخلفاءِ الرَّاشِدين مِن بعدِه، مات بطاعونِ عَمَواسٍ ودُفِن في قريةٍ صغيرةٍ حمَلَتِ اسْمَه بالغُورِ في الأردُنِّ.
أبو عبيدة أمين الأمة "إنَّ لكلِّ أمَّةٍ أمينًا ، وإنَّ أميننَا ، أيَّتُها الأمَّةُ ، أبو عبيدةَ بنُ الجرَّاحِ."الراوي : أنس بن مالك المحدث : البخاري المصدر : صحيح برقم: 3744 خلاصة حكم المحدث : صحيح. جاء أهلُ نجرانَ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقالوا : ابعث لنا رجلًا أمينًا، فقال " لأبعثنَّ إليكم رجلًا أمينًا حَقَّ أمينٍ". فاستشرَفَ لهُ الناسُ فبعثَ أبا عُبَيْدَةَ بنَ الجَرَّاحِ .الراوي : حذيفة بن اليمان المحدث : البخاري المصدر : صحيح البخاري الصفحة أو الرقم: 4381 خلاصة حكم المحدث : صحيح. "أرحَمُ أمَّتي بأمَّتي أبو بَكْرٍ، وأشدُّهم في أمرِ اللَّهِ عمرُ، وأصدقُهُم حياءً عثمانُ، وأعلَمُهُم بالحلالِ والحرامِ معاذُ بنُ جبلٍ، وأفرَضُهُم زيدُ بنُ ثابتٍ، وأقرَؤُهُم أبيُّ ولِكُلِّ أمَّةٍ أمينٌ وأمينُ هذِهِ الأمَّةِ أبو عُبَيْدةَ بنُ الجرَّاحِ".الراوي : أنس بن مالك المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الترمذي الصفحة أو الرقم: 3790 خلاصة حكم المحدث : صحيح. عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ"بَعَثَنَا رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَوَأَمَّرَ عَلَيْنَا أَبَا عُبَيْدَةَ، نَتَلَقَّى عِيرًا لِقُرَيْشٍ، وَزَوَّدَنَا جِرَابًا مِن تَمْرٍ لَمْ يَجِدْ لَنَا غَيْرَهُ، فَكانَ أَبُو عُبَيْدَةَ يُعْطِينَا تَمْرَةً تَمْرَةً، قالَ: فَقُلتُ: كيفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ بهَا؟ قالَ: نَمَصُّهَا كما يَمَصُّ الصَّبِيُّ، ثُمَّ نَشْرَبُ عَلَيْهَا مِنَ المَاءِ، فَتَكْفِينَا يَومَنَا إلى اللَّيْلِ، وَكُنَّا نَضْرِبُ بعِصِيِّنَا الخَبَطَ، ثُمَّ نَبُلُّهُ بالمَاءِ فَنَأْكُلُهُ، قالَ: وَانْطَلَقْنَا علَى سَاحِلِ البَحْرِ، فَرُفِعَ لَنَا علَى سَاحِلِ البَحْرِ كَهَيْئَةِ الكَثِيبِ الضَّخْمِ، فأتَيْنَاهُ فَإِذَا هي دَابَّةٌ تُدْعَى العَنْبَرَ، قالَ: قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: مَيْتَةٌ، ثُمَّ قالَ: لَا، بَلْ نَحْنُ رُسُلُ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، وفي سَبيلِ اللهِ، وَقَدِ اضْطُرِرْتُمْ فَكُلُوا، قالَ: فأقَمْنَا عليه شَهْرًا وَنَحْنُ ثَلَاثُ مِئَةٍ حتَّى سَمِنَّا، قالَ: وَلقَدْ رَأَيْتُنَا نَغْتَرِفُ مِن وَقْبِ عَيْنِهِ بالقِلَالِ الدُّهْنَ، وَنَقْتَطِعُ منه الفِدَرَ كَالثَّوْرِ، أَوْ كَقَدْرِ الثَّوْرِ، فَلقَدْ أَخَذَ مِنَّا أَبُو عُبَيْدَةَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلًا، فأقْعَدَهُمْ في وَقْبِ عَيْنِهِ، وَأَخَذَ ضِلَعًا مِن أَضْلَاعِهِ فأقَامَهَا ثُمَّ رَحَلَ أَعْظَمَ بَعِيرٍ معنَا، فَمَرَّ مِن تَحْتِهَا وَتَزَوَّدْنَا مِن لَحْمِهِ وَشَائِقَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا المَدِينَةَ أَتَيْنَا رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَذَكَرْنَا ذلكَ له، فَقالَ: هو رِزْقٌ أَخْرَجَهُ اللَّهُ لَكُمْ، فَهلْ معكُمْ مِن لَحْمِهِ شيءٌ فَتُطْعِمُونَا؟ قالَ: فأرْسَلْنَا إلى رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ منهفأكَلَهُ."الراوي : جابر بن عبدالله-المحدث : مسلم-المصدر : صحيح مسلم. *يقولُ جابرُ بنُ عبدِ اللهِ رضيَ اللهُ عَنهما "بَعَثنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأمَّرَ علينا أبا عُبيدةَ"، أي: وجَعلَ أبا عُبيدةَ بنَ الجرَّاحِ أميرًا على تلكَ السَّرِيَّةِ. "نتلقَّى عيرًا لقُريشٍ"، أي: إنَّ سَببَ خُروجِهم كانَ لقَطعِ الطَّريقِ على قافلةٍ كانتْ لقريشٍ . والعِيرُ: الإبلُ التي تحمِلُ الطعامَ، "وزوَّدَنا"، أي: أمدَّنا وأعْطانا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، "جِرابًا مِن تَمرٍ" والجِرابُ: وِعاءٌ مَصنوعٌ مِن جلدٍ. "لم يجِدْ لنا غَيرَه"...... وكُنا نضرِبُ بعِصيِّنا الخَبَطَ" وهوَ ما يتَساقَطُ مِن ورقِ الشَّجرِ بعدَ خَبطهِ، "ثم نبُلُّه بالماءِ فنأكلُه"، أي: يأكلُونَه بجانبِ التَّمرِ. قال جابرٌ رضِي اللهُ عنه "وانطلَقْنا على ساحلِ البَحرِ"، أي: سارُوا بجانِبه وعلى شاطِئهِ "فرُفِعَ لنا"، أي: ظَهرَ لنا، "على ساحلِ البحرِ كَهيئةِ الكَثِيبِ الضَّخمِ"، والكَثيبُ: التلُّ المتجمِّعُ من الرَّملِ، "فأتَيْناهُ"، أي: فاقترَبْنا منه، "فإذا هي دابَّةٌ تُدعَى"، أي: تُسمَّى، "العَنْبرَ". والعَنبرُ: نَوعٌ مِن الأسْماكِ يصِلُ طولُه إلى خَمسينَ ذِراعًا، وسُميَ بالعَنبرِ وهوَ الطِّيبُ المعروفُ؛ لأنَّه يُستخرَجُ مِن أمعائِه، قالَ جابرٌ: قالَ أبو عُبيدةَ: "مَيْتةٌ"، أي: لا يَحِلُّ لنا أكْلُه، ثمَّ قالَ "لا، بلْ نحنُ رسُلُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وفي سَبيلِ اللهِ، وقد اضْطُرِرتم؛ فكُلوا"، أي: كان أبو عُبَيدةَ سيَنهى عن أكلِه؛ لأنَّها مَيْتةٌ وأكلُ الميْتةِ محرَّمٌ، ثم بَدَا له أنهم اضْطرُّوا إليها فأَباحَ لهمْ أكلَها. قا لَ جابرٌ "فأقَمْنا عليهِ"، أي: على أكْلِ هذا العَنبرِ، "شهرًا، ونحن ثلاثُ مِئةٍ حتى سمِنَّا"، وفي هذا مبالَغةٌ وإشارةٌ إلى ما كانوا فيهِ مِن شِبعٍ، ثم جَعَلَ جابرٌ يُفصِّلُ في حجم العَنبرِ وكيفَ كانَ يأخذونَ مِنه ويأكلونَ.... قال "وتزوَّدْنا مِن لحمِهِ وشائِقَ"، أي: حملوا مَعهم مِن لحمهِ، وجعلوهُ وشائقَ، أي: قَدِيدًا، وصفة ذلك أن يُؤْخَذَ اللَّحمُ ويُطَهى دُونَ النُّضوجٍ ثم يُجفَّف بالشَّمسِ؛ ليبْقى مَعهم حالَ السَّفرِ. قالَ جابرٌ رضِي اللهُ عنه "فلمَّا قدِمْنا المدينةَ أتَينا رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فذَكرْنا ذلكَ لهُ"، أي: بقِصَّةِ العَنبرِ، فقالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم "هو رِزقٌ أخرَجهُ اللهُ لكم؛ فهل مَعكم من لحمِه شيءٌ فتُطعِمونا؟ "، وهذا إشارةٌ مِنه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى أنَّ مَيتةَ البحرِ حِلٌّ أكلُها حتى في غَيرِ اضْطرارٍ، قالَ جابرٌ رضِي اللهُ عنه "فأرسَلْنا إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِنه"، أي: مِن لَحمِ العَنبرِ، فأكلَه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حتَّى يُطيِّبَ نُفوسَهم في حِلِّ ذلك اللحمِ.الدرر السنية. "أنَّ أَهْلَ اليَمَنِ قَدِمُوا علَى رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ فَقالوا: ابْعَثْ معنَا رَجُلًا يُعَلِّمْنَا السُّنَّةَ وَالإِسْلَامَ قالَفأخَذَ بيَدِ أَبِي عُبَيْدَةَ فَقالَ: هذا أَمِينُ هذِه الأُمَّةِ."الراوي : أنس بن مالك– صحيح مسلم. وَصْفِه بالأمانةِ، وليس حِرصًا على الوِلايةِ ، إنَّما خَصَّه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالأمانةِ، وإنْ كانت مُشترَكةً بيْنَه وبيْنَ غيرِه منَ الصَّحابةِ؛ لغلَبَتِها فيه بالنِّسبةِ إليهم، وقيلَ: لكَوْنِها غالِبةً بالنِّسبةِ إلى سائرِ صِفاتِه. وفي الحَديثِ: فَضيلةٌ ظاهِرةٌ لأبي عُبَيْدةَ رَضيَ اللهُ عنه. ومن مناقبه العالية -رضي الله عنه- أنه كان أحد من يصلح للخلافة، وأحد الناس الذين كانوا أحب إلى النبي صلى الله عليه وسلم. سُئِلَت عائشَةُ رضِي اللهُ عنها مَن كانَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مُستَخلفَه، أي: جاعِلَه خَليفةً له، لَوِ استخلَفَ؟ روى الإمام مسلم بإسناده إلى ابن أبي مليكة قال: سمعت عائشة وسئلت"مَن كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ مُسْتَخْلِفًا لَوِ اسْتَخْلَفَهُ؟ قالَتْ: أَبُو بَكْرٍ، فقِيلَ لَهَا: ثُمَّ مَنْ؟ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ قالَتْ: عُمَرُ، ثُمَّ قيلَ لَهَا مَنْ بَعْدَ عُمَرَ؟، قالَتْ: أَبُو عُبَيْدَةَ بنُ الجَرَّاحِ ثُمَّ انْتَهَتْ إلى هذا." الراوي : عائشة أم المؤمنين- صحيح مسلم. -قلتُ لعائشةَ أيُّ أصحابِهِ كانَ أحبَّ إليهِ قالت أبو بكرٍ قلتُ ثمَّ أيُّهم قالت عمرُ قلتُ ثمَّ أيُّهم قالت أبو عُبَيدةَ"الراوي : عبدالله بن شقيق -المحدث : الألباني -صحيح ابن ماجه. وهذا لا يَعْني أنَّ أبا عُبيدةَ رضِيَ اللهُ عنه أفضَلُ مِن عُثمانَ أو عَلِيٍّ رضِيَ اللهُ عنهما؛ ففي هذا بيانُ فضيلةٍ لأبي عُبيدةَ، وهي أنَّه كان أحَدَ الَّذين هم أحَبُّ النَّاسِ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولا يَعْني هذا تَقدُّمَه على عُثمانَ ولا عَليٍّ، ولكن كانت أمُّ المؤمِنين عائِشةُ رضي اللهُ عنها تَذكُرُ أنَّ أبا عُبيدَةَ صالِحٌ للخِلافَةِ وأنَّه أهلٌ لها، وهذا لا يَعْني تقديمَ غيرِ أبي بكرٍ وعُمرَ على عُثمانَ وعليٍّ، وقد أجمَعَت الأمَّةُ على تفضيلِ الخُلَفاءِ الرَّاشِدين بالتَّرتيبِ، ثمَّ بقيَّةِ العشَرةِ المبشَّرينَ بالجَنَّةِ.الدرر السنية. ومن مناقبه -رضي الله عنه- أن الفاروق -رضي الله عنه- كان يكره مخالفته فيما يراه وأنه كان جليل القدر عنده"أنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عنْه خَرَجَ إلى الشَّأْمِ، حتَّى إذَا كانَ بسَرْغَ لَقِيَهُ أُمَرَاءُ الأجْنَادِ؛ أبُو عُبَيْدَةَ بنُ الجَرَّاحِ وأَصْحَابُهُ، فأخْبَرُوهُ أنَّ الوَبَاءَ قدْ وقَعَ بأَرْضِ الشَّأْمِ. قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: فَقَالَ عُمَرُ: ادْعُ لي المُهَاجِرِينَ الأوَّلِينَ، فَدَعَاهُمْ فَاسْتَشَارَهُمْ، وأَخْبَرَهُمْ أنَّ الوَبَاءَ قدْ وقَعَ بالشَّأْمِ، فَاخْتَلَفُوا؛ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: قدْ خَرَجْتَ لأمْرٍ، ولَا نَرَى أنْ تَرْجِعَ عنْه، وقَالَ بَعْضُهُمْ: معكَ بَقِيَّةُ النَّاسِ وأَصْحَابُ رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولَا نَرَى أنْ تُقْدِمَهُمْ علَى هذا الوَبَاءِ، فَقَالَ: ارْتَفِعُوا عَنِّي، ثُمَّ قَالَ: ادْعُوا لي الأنْصَارَ، فَدَعَوْتُهُمْ فَاسْتَشَارَهُمْ، فَسَلَكُوا سَبِيلَ المُهَاجِرِينَ، واخْتَلَفُوا كَاخْتِلَافِهِمْ، فَقَالَ: ارْتَفِعُوا عَنِّي، ثُمَّ قَالَ: ادْعُ لي مَن كانَ هَاهُنَا مِن مَشْيَخَةِ قُرَيْشٍ مِن مُهَاجِرَةِ الفَتْحِ، فَدَعَوْتُهُمْ، فَلَمْ يَخْتَلِفْ منهمْ عليه رَجُلَانِ، فَقالوا: نَرَى أنْ تَرْجِعَ بالنَّاسِ ولَا تُقْدِمَهُمْ علَى هذا الوَبَاءِ، فَنَادَى عُمَرُ في النَّاسِ: إنِّي مُصَبِّحٌ علَى ظَهْرٍ فأصْبِحُوا عليه. قَالَ أبُو عُبَيْدَةَ بنُ الجَرَّاحِ: أفِرَارًا مِن قَدَرِ اللَّهِ؟! فَقَالَ عُمَرُ: لو غَيْرُكَ قَالَهَا يا أبَا عُبَيْدَةَ؟! نَعَمْ نَفِرُّ مِن قَدَرِ اللَّهِ إلى قَدَرِ اللَّهِ،أرَأَيْتَ لو كانَ لكَ إبِلٌ هَبَطَتْ وادِيًا له عُدْوَتَانِ، إحْدَاهُما خَصِبَةٌ، والأُخْرَى جَدْبَةٌ، أليسَ إنْ رَعَيْتَ الخَصْبَةَ رَعَيْتَهَا بقَدَرِ اللَّهِ، وإنْ رَعَيْتَ الجَدْبَةَ رَعَيْتَهَا بقَدَرِ اللَّهِ؟ قَالَ:فَجَاءَ عبدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَوْفٍ -وكانَ مُتَغَيِّبًا في بَعْضِ حَاجَتِهِ- فَقَالَ: إنَّ عِندِي في هذا عِلْمًا؛ سَمِعْتُ رَسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ:إذَا سَمِعْتُمْ به بأَرْضٍ فلا تَقْدَمُوا عليه، وإذَا وقَعَ بأَرْضٍ وأَنْتُمْ بهَا فلا تَخْرُجُوا فِرَارًا منه. قَالَ: فَحَمِدَ اللَّهَ عُمَرُ ثُمَّ انْصَرَفَ."الراوي :عبدالله بن عباس– صحيح البخاري. فاعترض أبو عُبَيْدةَ بنُ الجَرَّاحِ رَضِيَ اللهُ عنه على أمرِ رُجوعِهم، وقال لِعُمرَ رَضِيَ الله عنه"أفِرَارًا من قَدَرِ الله؟! فقال له عُمرُ: لو غَيْرُكَ قالها يا أبا عُبَيْدةَ؟!"أي: لو أنَّ غَيرَكَ مِمَّن ليس في منزِلَتِك ولا فَهْمَ له قال ذلك لعزَّرْتُه وَوَبَّخْتُه، أو المعنى: لو غيرُك قالها لم أتعَجَّبْ منه، ولكني أتعَجَّبُ منك مع عِلْمِك وفَضْلِك كيف تقولُ هذا؛ وذلك لاعتراضِه عليه في مسألةٍ اجتِهاديَّةٍ اتَّفَق عليها أكثَرُ النَّاسِ مِن أهلِ الحَلِّ والعَقدِ. وفي روايةِ مُسلِمٍ"وكان عُمَرُ يَكرَهُ خِلافَه"، أي: مخالفةَ أبي عُبَيدةَ؛ لشِدَّةِ وُثوقِه بعِلْمِه، وتقواه، ووَرَعِه. "....... فَنَادَى عُمَرُ في النَّاسِ: إنِّي مُصْبِحٌ علَى ظَهْرٍ، فأصْبِحُوا عليه، فَقالَ أَبُو عُبَيْدَةَ بنُ الجَرَّاحِ: أَفِرَارًا مِن قَدَرِ اللهِ؟ فَقالَ عُمَرُ: لو غَيْرُكَ قالَهَا يا أَبَا عُبَيْدَةَ،وَكانَ عُمَرُ يَكْرَهُ خِلَافَهُ......"الراوي:عبدالله بن عباس - صحيح مسلم- الصفحة أو الرقم.2219. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: وذلك دال على جلالة أبي عبيدة عند عمر.الإصابة: 2/244. ومن مناقبه -رضي الله عنه- أنه عليه الصلاة والسلام قرنه في المدح بالشيخين أبي بكر الصديق وعمر الفاروق رضي الله عنهم جميعًا: "نِعمَ الرَّجلُ أبو بَكْرٍ، نِعمَ الرَّجلُ عُمرُ، نِعمَ الرَّجلُ أبو عُبَيْدةَ بنُ الجرَّاحِ"الراوي :أبو هريرة- المحدث :الألباني- المصدر :صحيح الترمذي-الصفحة أو الرقم: 3759- خلاصة حكم المحدث :صحيح. ومن مناقبه -رضي الله عنه- أن وفاته كانت شهادة في سبيل الله فقد مات في الطاعون الذي حصل بأرض الشام زمن الفاروق -رضي الله عنه- ما تَعُدُّونَ الشَّهِيدَ فِيكُمْ؟ قالوا: يا رَسولَ اللهِ، مَن قُتِلَ في سَبيلِ اللهِ فَهو شَهِيدٌ، قالَ: إنَّ شُهَداءَ أُمَّتي إذًا لَقَلِيلٌ، قالوا: فمَن هُمْ يا رَسولَ اللهِ؟ قالَ: مَن قُتِلَ في سَبيلِ اللهِ فَهو شَهِيدٌ، ومَن ماتَ في سَبيلِ اللهِ فَهو شَهِيدٌ،ومَن ماتَ في الطَّاعُونِ فَهو شَهِيدٌ، ومَن ماتَ في البَطْنِ فَهو شَهِيدٌ، قالَ ابنُ مِقْسَمٍ: أشْهَدُ علَى أبِيكَ في هذا الحَديثِ أنَّه قالَ: والْغَرِيقُ شَهِيدٌ."الراوي : أبو هريرة - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم -الصفحة أو الرقم : 1915. والمُرادُ بِشَهادةِ هؤلاءِ كُلِّهم غيرِ المقتولِ في سبيلِ اللهِ أنَّهم يكونُ لهم في الآخِرةِ ثوابُ الشُّهداءِ، وأمَّا في الدُّنيا فَيُغَسَّلُونَ وَيُصَلَّى عليهم. وقد اتفق العلماء على أن أبا عبيدة مات في طاعون عمواس بالشام سنة ثماني عشرة.الاستيعاب على حاشية الإصابة: 3/3، الإصابة:2/245. وصلى عليه معاذ بن جبل رضي الله عنه. الدرر السنية/الموسوعة العقدية |
27-04-23, 11:23 PM | #34 |
نفع الله بك الأمة
|
المجلس الثالث والثلاثون شرح أصول السنة للإمام أحمد بن حنبل سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل – أبو الأعور - من العشرة المبشرين بالجنة مِن مَناقِبِه شَهادةُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لهُ بالجَنَّةِ مَعَ جَماعةٍ مِنَ الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم. عن أسماءَ بنتِ أبي بكرٍ قالَت : رأيتُ زيدَ بنَ عمرِو بنِ نُفَيْلٍ قائمًا مسنِدًا ظَهْرَهُ إلى الكَعبةِ يقولُ: يا معشر قُرَيْشٍ، واللَّهِ ما مِنكُم علَى دينِ إبراهيمَ علَيهِ السَّلامُ غيري، وَكانَ يُحيي الموؤدةَ ، يقولُ للرَّجلِ إذا أرادَ أن يقتُلَ ابنتَهُ، لا أَنا أَكْفيكَ مؤنتَها، فيأخذُها فإذا ترَعرعَتْ قالَ لأبيها : إن شئتَ دفعتُها إليكَ ، وإن شت كفيتُكَ مؤنتَها"الراوي: أسماء بنت أبي بكر- المحدث : الألباني- المصدر : فقه السيرة-الصفحة أو الرقم- 84- خلاصة حكمالمحدث : صحيح والبخاري إنما خرجه معلقا.عشرةٌ في الجنَّةِ : أبو بَكْرٍ في الجنَّةِ ،وعُمرُ في الجنَّةِ ، وعليٌّ وعثمانُ والزُّبَيْرُ وطلحةُ وعبدُ الرَّحمنِ وأبوعُبَيْدةَ وسعدُ بنُ أبي وقَّاصٍ . قالَ : فعدَّ هؤلاءِ التِّسعةَ وسَكَتَ عنِالعاشرِ ، فقالَ القومُ : ننشدُكَ اللَّهَ يا أبا الأعورِ منِ العاشرُ ؟ قالَ : نشدتُموني باللَّهِ ، أبو الأعوَرِ في الجنَّةِ"الراوي : سعيدبن زيد - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الترمذي - الصفحة أو الرقم: 3748 - خلاصة حكم المحدث : صحيح. ذكرنا نبذة عن المبشرين بالجنة وبقي أبو الأعور الذي هو - سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل- نعيش مع هذا الصحابي الجليل المبشر بالجنة في هذه السطور: هو أبو الأعور ،سعيد بن زيد بن عمروبن نفيل نفيل بن عبد العزى بن رباح ابن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي القرشي العدوي ،أحد العشرة المشهود لهم بالجنة ، ومن السابقين الأولين ، كان أبوه زيد بن عمرو بن نفيل أحد الحنفاء الذين طلبوا دين الحنيفية دين إبراهيم عليه السلام قبل أن يبعث النبي عليه الصلاة والسلام ، فقد رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولم يعش حتى بُعث. ، وكان لا يذبح للأصنام ولا يأكل الميتة والدم وكان يقول لقومه:يا معشر قريش والله لا آكل ما ذبح لغير الله، والله ما أحد على دين إبراهيم غيري .وأم سعيد بن زيد "فاطمة بنت بعجة بن مليح الخزاعية" كانت من السابقين إلى الإسلام، وهو ابن عم عمر بن الخطاب وصهره ؛كانت تحته فاطمة بنت الخطاب أخت عمر بن الخطاب ،وكانت أخته عاتكة بنت زيد بن عمرو تحت عمر بن الخطاب، أسلم قبل عمر بن الخطاب هو وزوجته فاطمة، وهاجرا، وكان من سادات الصحابة. قال عروة والزهري وموسى بن عقبة ومحمد بن إسحاق والواقدي وغير واحد:لم يشهد بدرًا لأنه قد كان بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم هو وطلحة بن عبيد الله بين يديه يتجسسان أخبار قريش، فلم يرجعا حتى فرغ من بدر فضرب لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهميهما وأجرهما، ولم يذكره عمر في أهل الشورى لئلا يُحَابَى بسبب قرابته من عمر فيولَى، فتركه لذلك ولم يتولَ بعده ولاية وما زال كذلكحتى مات. كتاب الموسوعة العقدية - الدرر السنية أبو سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل: اسم أبيه : زَيْد بن عَمْرِو بن نُفَيْل، كان على دين إبراهيم "أنَّ زَيْدَ بنَ عَمْرِو بنِ نُفَيْلٍ خَرَجَ إلى الشَّأْمِ يَسْأَلُ عَنِ الدِّينِ، ويَتْبَعُهُ، فَلَقِيَ عَالِمًا مِنَ اليَهُودِ فَسَأَلَهُ عن دِينِهِمْ، فَقالَ: إنِّي لَعَلِّي أنْ أدِينَ دِينَكُمْ، فأخْبِرْنِي، فَقالَ: لا تَكُونُ علَى دِينِنَا حتَّى تَأْخُذَ بنَصِيبِكَ مِن غَضَبِ اللَّهِ، قالَ زَيْدٌ: ما أفِرُّ إلَّا مِن غَضَبِ اللَّهِ، ولَا أحْمِلُ مِن غَضَبِ اللَّهِ شيئًا أبَدًا، وأنَّى أسْتَطِيعُهُ! فَهلْ تَدُلُّنِي علَى غيرِهِ؟ قالَ: ماأعْلَمُهُ إلَّا أنْ يَكونَ حَنِيفًا، قالَ زَيْدٌ: وما الحَنِيفُ؟ قالَ: دِينُ إبْرَاهِيمَ؛ لَمْ يَكُنْ يَهُودِيًّا، ولَا نَصْرَانِيًّا، ولَا يَعْبُدُ إلَّا اللَّهَ، فَخَرَجَ زَيْدٌ فَلَقِيَ عَالِمًا مِنَ النَّصَارَى فَذَكَرَ مِثْلَهُ،فَقالَ: لَنْ تَكُونَ علَى دِينِنَا حتَّى تَأْخُذَ بنَصِيبِكَ مِن لَعْنَةِ اللَّهِ، قالَ: ما أفِرُّ إلَّا مِن لَعْنَةِ اللَّهِ، ولَا أحْمِلُ مِن لَعْنَةِ اللَّهِ، ولَا مِن غَضَبِهِ شيئًا أبَدًا، وأنَّى أسْتَطِيعُ! فَهلْ تَدُلُّنِي علَى غيرِهِ؟ قالَ: ما أعْلَمُهُ إلَّا أنْ يَكونَ حَنِيفًا، قالَ: وما الحَنِيفُ؟قالَ: دِينُ إبْرَاهِيمَ؛ لَمْ يَكُنْ يَهُودِيًّا، ولَا نَصْرَانِيًّا، ولَايَعْبُدُ إلَّا اللَّهَ، فَلَمَّا رَأَى زَيْدٌ قَوْلَهُمْ في إبْرَاهِيمَ عليه السَّلَامُ خَرَجَ، فَلَمَّا بَرَزَ رَفَعَ يَدَيْهِ فَقالَ: اللَّهُمَّ إنِّي أشْهَدُ أنِّي علَى دِينِ إبْرَاهِيمَ."الراوي : عبدالله بن عمر - صحيح البخاري.الدرر . "أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لَقِيَ زَيْدَ بنَ عَمْرِو بنِ نُفَيْلٍ بأَسْفَلِبَلْدَحٍ قَبْلَ أنْ يَنْزِلَ علَى النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الوَحْيُ،فَقُدِّمَتْ إلى النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سُفْرَةٌ، فأبَى أنْ يَأْكُلَمنها، ثُمَّ قَالَ زَيْدٌ: إنِّي لَسْتُ آكُلُ ممَّا تَذْبَحُونَ علَىأنْصَابِكُمْ، ولَا آكُلُ إلَّا ما ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عليه، وأنَّ زَيْدَ بنَ عَمْرٍو كانَ يَعِيبُ علَى قُرَيْشٍ ذَبَائِحَهُمْ، ويقولُ: الشَّاةُ خَلَقَهَا اللَّهُ، وأَنْزَلَ لَهَا مِنَ السَّمَاءِ المَاءَ، وأَنْبَتَ لَهَا مِنَ الأرْضِ،ثُمَّ تَذْبَحُونَهَا علَى غيرِ اسْمِ اللَّهِ! إنْكَارًا لِذلكَ وإعْظَامًا له."الراوي : عبدالله بن عمر - صحيح البخاري الشرح: كانَ في الجاهِليَّةِ -وهي حِقْبةُ ما قبْلَ الإسْلامِ- مَن يَعبُدُ اللهَ سُبحانَه وتعالَى وحْدَه، ويَرفُضُ ما تَدْعو إليه هذه الجاهلِيَّةُ مِن عِبادةِ غَيرِ اللهِ والإشْراكِ به، ومِن هؤلاء زَيدُ بنُ عَمرِو بنِ نُفَيلٍ. وفي هذا الحَديثِ يَرْوي عبدُ اللهِ بنُ عُمَرَرَضيَ اللهُ عنهما أنَّ النَّبيَّصلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لَقيَ زَيدَ بنَ عَمرِو بنِ نُفَيلٍ ببَلْدَحٍ، وهو وادٍ قِبلَ مكَّةَ مِن جِهةِ المَغرِبِ، أو مَكانٌ في طَريقِ التَّنْعيمِ، وزَيدٌ هو ابنُ عَمِّ عُمَرَ بنِ الخطَّابِ بنِ نُفَيلٍ،وكان ممَّن طلَبَ التَّوْحيدَ وخلَعَ الأوْثانَ، وجانَبَ الشِّركَ، لكنَّه ماتَ قَبْلَ مَبعَثِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وكان يَقولُ: أنا على دِينِ إبْراهيمَ، وكان إنْكارُه على قُرَيشٍ ما همْ فيه مِن قُوَّةِ يَقَظتِه، وجَوْدةِ فَهمِه، ومَنِ استعَمَلَ عَقلَه وفَهْمَه، دلَّه على الخالِقِ سُبحانَه. وفي هذا اللِّقاءِ قُدِّمَت إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سُفْرةٌ، أي: طَعامٌ يتَّخِذُه المُسافِرُ ويُحمَلُ في جِلدٍ مُستَديرٍ، فأبَى زَيدُ بنُ عَمرِو بنِنُفَيلٍ أنْ يَأكُلَ منها، ثمَّ خاطَب الَّذين قدَّموا السُّفْرةَ، فقال: إنِّيلَستُ آكُلُ ممَّا تَذبَحونَ على أنْصابِكم، وهي الأحْجارُ الَّتي كانت حَولَالكَعْبةِ يَذبَحونَ عليها للأصْنامِ، ولا آكُلُ إلَّا ما ذُكِرَ اسمُ اللهِ عليه. وكان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قبْلَ مَبعثِه لا يَأكُلُ مِن ذَبائِحهم لأصْنامِهم، وكان زَيدٌ يَعيبُ على قُرَيشٍ ذَبائحَهمُ الَّتي يَذبَحونَها لغَيرِ اللهِ،ويَقولُ لهم إنْكارًا لذلك الفِعلِ وإعْظامًا له: الشَّاةُ خلَقَها اللهُ، وأنزَلَ لها منَ السَّماءِ الماءَ لتَشرَبَه، وأنبَتَ لها منَ الأرضِ الكَلَأَ لتَأكُلَه،ثُمَّ تَذبَحونَها على غَيرِ اسمِ اللهِ! فتُشرِكونَ معَه غَيرَه في الذَّبحِ، وهذا مِن كُفرِ النِّعمةِ ومنَ الشِّركِ! الدرر. - قال ابن بطال – رحمه الله " كانت السفرة لقريش فقدموها للنبي – صلى الله عليه وسلم – فأبى أن يأكل منها ، فقدمها النبي – صلى الله عليه وسلم – لزيد بن عمرو ، فأبى أن يأكل منها ، وقال مخاطبًا لقريش الذين قدموها أولًا : إنا لا نأكل ما ذبح على أنصابكم " عمدة القاري 11/540" وكان زيد يُحيي الموؤدةَ : يُبعثُ أمَّةً وحدَه يومَ القيامةِ : "......ماتَ زيدُ بنُ عمرو بنِ نُفَيْلٍ قَبلَ أن يبعثَ، فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّه عليهِ وعلى آلِهِ وسلَّمَ:يأتي يومَ القيامةِ أمَّةً واحدة"الراوي :زيد بن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم - المحدث : الوادعي - المصدر :الصحيح المسند -الصفحة أو الرقم: 362 - خلاصة حكم المحدث : حسن. *سَعيد بنَ زَيدٍ بنَ عمرِو بنِ نُفَيْلٍ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بنَ زَيْدٍ، يقولُ لِلْقَوْمِ: لو رَأَيْتُنِي مُوثِقِي عُمَرُ علَى الإسْلَامِ، أنَا وأُخْتُهُ، وما أسْلَمَ، ولو أنَّ أُحُدًا انْقَضَّ لِما صَنَعْتُمْ بعُثْمَانَ، لَكانَ مَحْقُوقًا أنْ يَنْقَضَّ."الراوي : قيس بن أبي حازم-صحيح البخاري.إسلامُه المُبَكِّرُ: عن قَيسِ بنِ أبي حازِمٍ قال: سَمِعتُ سَعيدَ بنَ زَيدٍ يَقولُ للقَومِ في مَسجِدِ الكُوفةِ "واللهِ لقَد رَأيتُني وإنَّ عُمَرَ لِمُوثِقي عَلى الإسلامِ قَبلَ أن يُسْلِمَ عُمَرُ، ولو أنَّ أحَدًا ارفَضَّ للَّذي صَنَعتُم بعُثمانَ لكانَ مَحقوقًا أن يَرفَضَّ"صحيح البخاري. "أنَّ أَرْوَى بنْتَ أُوَيْسٍ، ادَّعَتْ علَى سَعِيدِ بنِ زَيْدٍ أنَّهُ أَخَذَ شيئًا مِن أَرْضِهَا، فَخَاصَمَتْهُ إلى مَرْوَانَ بنِ الحَكَمِ، فَقالَ سَعِيدٌ: أَنَا كُنْتُ آخُذُ مِن أَرْضِهَا شيئًا بَعْدَ الذي سَمِعْتُ مِن رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، قالَ: وَما سَمِعْتَ مِن رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ؟ قالَ: سَمِعْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: مَن أَخَذَ شِبْرًا مِنَ الأرْضِ ظُلْمًا، طُوِّقَهُ إلى سَبْعِ أَرَضِينَ، فَقالَ له مَرْوَانُ: لا أَسْأَلُكَ بَيِّنَةً بَعْدَ هذا. فَقالَ: اللَّهُمَّ، إنْ كَانَتْ كَاذِبَةً فَعَمِّ بَصَرَهَا، وَاقْتُلْهَا في أَرْضِهَا. قالَ: فَما مَاتَتْ حتَّى ذَهَبَ بَصَرُهَا، ثُمَّ بيْنَا هي تَمْشِي في أَرْضِهَا، إذْ وَقَعَتْ في حُفْرَةٍ فَمَاتَتْ".الراوي : عروة بن الزبير-صحيح مسلم.شرح الحديث: اللهُ سُبحانَه وتعالَى يَهْدي لنُورِه مَن يَشاءُ؛ فقدْ كان عُمَرُ بنُ الخطَّابِ رَضيَ اللهُ عنه مِن أشدِّ النَّاسِ عَداوةً للمُسلِمينَ بادئَ الأمرِ، ثُمَّ منَّ اللهُ تعالَى عليه بالإسْلامِ، فكان إسْلامُه نَصرًا للمُسلِمينَ، ولم يزَلْ مَصدَرَ عِزَّةٍ للإسْلامِ وأهلِه إلى أنْ قُتِلَ رَضيَ اللهُ عنه. وفي هذا الحَديثِ يَذكُرُ سَعيدُ بنُ زَيدِ بنِ عَمرِو بنِ نُفَيلٍ رَضيَ اللهُ عنه -وكان زَوجَ فاطمةَ بنتِ الخَطَّابِ رَضيَ اللهُ عنها أُختِ عُمَرَ، وكان يُحدِّثُ بهذا الحَديثِ في مَسجِدِ الكوفةِ: أنَّ عُمَرَ بنَ الخطَّابِ رَضيَ اللهُ عنه كان يُوثِقُه على الإسْلامِ، أي: يَربِطُه بحَبلٍ ونَحوِه بسبَبِ إسْلامِه؛ إهانةً له، وإلزامًا له للرُّجوعِ عنِ الإسْلامِ. ثُمَّ يقولُ سَعيدُ بنُ زَيدٍ رَضيَ اللهُ عنه"ولو أنَّ أُحُدًا ارْفَضَّ للَّذي صنَعْتُم بعُثْمانَ لكان!" أي: لو أنَّ أُحُدًا -وهو الجَبَلُ المَعروفُ بالمَدينةِ المُنوَّرةِ- انقَضَّ وزالَ مِن مَكانِه، وتَفرَّقَتْ أجْزاؤُه؛ لِمَا وقَعَ لعُثْمانَ بنِ عفَّانَ رَضيَ اللهُ عنه منَ القَتلِ – " لَكانَ مَحْقُوقًا أنْ يَنْقَضَّ." أو " لكانَ مَحقوقًا أن يَرفَضَّ "لكان حَقيقًا بهذا الارْفِضاضِ، وإنَّما قال سَعيدٌ رَضيَ اللهُ عنه ذلك؛ لعِظَمِ جَريمةِ قَتلِ عُثْمانَ رَضيَ اللهُ عنه. وفي ذِكرِ ما فعَل عُمَرُ معَ ما صَنَعوا بعُثْمانَ، وتَعقيبِه بقولِه"ولَو أَنَّ أُحُدًا ارْفَضَّ" إشارةٌ لَطيفةٌ؛ وهي أنَّ الأحْوالَ قد تُفْضِي بالنَّاسِ إلى أنْ يَكونوا على ضَلالةٍ وهُمْ يَحْسَبونَ أنَّهم مُهْتَدونَ، كما أنَّ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنه كان قبْلَ إسْلامِه يَرى خَطأَه صَوابًا في ربْطِ أُخْتِه وزَوجِها؛ ليَرُدَّهما إلى الكُفرِ وعنِ الإسْلامِ؛ فكذلك مَن رَأى ما فُعِلَ بعُثْمانَ صَوابًا، كأنَّ سَعيدَ بنَ زَيدٍ رَضيَ اللهُ عنه يَتعجَّبُ مِن انْقِلابِ الزَّمانِ في هذه المُدَّةِ اليَسيرةِ، حيثُ إنَّ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنه كان حبَسَه على الإسْلامِ وهو كافرٌ، وأنتمْ قتَلْتُم عُثْمانَ وأنتم مُسلِمونَ، وهو على الإسْلامِ أيضًا، فكيف انقَلَبَ الزَّمانُ على هذا الحالِ! والمَعنى: أنَّ هذا الَّذي فعَلْتُم بعُثْمانَ -يا مَن رَأيْتُموه صَوابًا- هو مِن ذلك الجِنسِ وذلك الحَيِّزِ، وأنَّه عندَ مَن يُؤمِنُ باللهِ العَظيمِ عظيمٌ وخطيرٌ، حتَّى لو قدْ زالَ وانقَضَّ له جَبلُ أُحُدٍ، لكان جَديرًا به هذا الزَّوالُ؛ لعِظَمِ ما صنَعْتُم وهَولِه. وفي الحَديثِ: فَضيلةُ سَعيدِ بنِ زَيدٍ رَضيَ اللهُ عنه بثَباتِه على الحقِّ بِدايةَ إسْلامِه، وإنْكارِه على قَتَلةِ عُثْمانَ بنِ عفَّانَ رَضيَ اللهُ عنه.الدرر. من كرامة الله -عز وجل- لسعيد بن زيد أن الله أجاب دعوته لما ظُلِم وشاهدها حيًّا قبل أن يموت: "أنَّ أَرْوَى خَاصَمَتْهُ في بَعْضِ دَارِهِ، فَقالَ: دَعُوهَا وإيَّاهَا، فإنِّي سَمِعْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: مَن أَخَذَ شِبْرًا مِنَ الأرْضِ بغيرِ حَقِّهِ، طُوِّقَهُ في سَبْعِ أَرَضِينَ يَومَ القِيَامَةِ، اللَّهُمَّ، إنْ كَانَتْ كَاذِبَةً فأعْمِ بَصَرَهَا، وَاجْعَلْ قَبْرَهَا في دَارِهَا. قالَ: فَرَأَيْتُهَا عَمْيَاءَ تَلْتَمِسُ الجُدُرَ تَقُولُ: أَصَابَتْنِي دَعْوَةُ سَعِيدِ بنِ زَيْدٍ، فَبيْنَما هي تَمْشِي في الدَّارِ مَرَّتْ علَى بئْرٍ في الدَّارِ، فَوَقَعَتْ فِيهَا، فَكَانَتْ قَبْرَهَا." الراوي : سعيد بن زيد/صحيح مسلم. في الحَديثِ: أنَّ المالَ المُقتَطَعَ مِنَ المُسلِمِ بغَيرِ وَجْهِ حَقٍّ؛ لا يُبارَكُ فيه. "أشْهدُ على التِّسعةِ أنَّهم في الجنَّةِ ولو شَهدتُ على العاشرِ لم آثَمْ. قيلَ وَكيفَ ذلِكَ قالَ كنَّا معَ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّه عليه وسلم بحِراءَ فقالَ "اثبت حراءُ فإنَّهُ ليسَ عليْكَ إلاَّ نبِيٌّ أو صدِّيقٌ أو شَهيدٌ "قيلَ ومن هم قالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّه عليه وسلم "وأبو بَكرٍ وعمرُ وعثمانُ وعليٌّ وطلحةُ والزُّبيرُ وسعدٌ وعبدُ الرَّحمنِ بنُ عوفٍ." قيلَ فمنِ العاشرُ قالَ أنا .الراوي :سعيد بن زيد-المحدث : الألباني-المصدر :صحيح الترمذي.وقَولُه "شِبرٍ" ليسَ المَقصودُ منه المِقدارَ، بلِ المَقصودُ التَّقليلُ؛ فيَشمَلُ ما فَوقَه وما دُونَه. طُوِّقَهُ في سَبْعِ أَرَضِينَ يَومَ القِيَامَةِ :والمقصود من هذا الحذر من ظلم الأرض والتَّعدي عليها، وأن ذلك مما يؤدي إلى هذه العقوبة العظيمة، طُوِّقَهُ إلى سَبْعِ أَرَضِينَ: قيل: - طُوِّقَه مِن سَبعِ أرَضينَ يَومَ القيامةِ، فيُجعَلُ هذا المِقدارُ مِنَ الأرضِ كالطَّوقِ يُحيطُ به يَومَ القيامةِ؛ عِقابًا له، وقيلَ: يُطوَّقُ ما يَكونُ ثِقَلَ المَغصوبِ مِن سَبْعِ أرَضينَ، وقيلَ: مَعناه: أنَّه يُخسَفُ به الأرضُ؛ فتَصيرُ البُقعةُ المَغصوبةُ في عُنُقِه كالطَّوقِ، وقيلَ: مَعناه: يُطوَّقُ حَمْلَها يَومَ القيامةِ، ويَستَمِرُّ ذلك حتَّى يُفرَغَ مِن حِسابِ النَّاسِ. ومِن مَناقِبِه رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أخبَرَ بأنَّه مِنَ الصِّدِّيقين أوِ الشُّهداءِ. ففي هذا فضيلة عظيمة لسعيد بن زيد -رضي الله عنه- حيث شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالشهادة وإن مات على فراشه فهو شهيد لخبر الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام بذلك. أنَّ سَعِيدَ بنَ زَيْدِ بنِ عَمْرِو بنِ نُفَيْلٍ -وكانَ بَدْرِيًّا- مَرِضَ في يَومِ جُمُعَةٍ، فَرَكِبَ إلَيْهِ بَعْدَ أنْ تَعَالَى النَّهَارُ، واقْتَرَبَتِ الجُمُعَةُ، وتَرَكَ الجُمُعَةَ."الراوي : عبدالله بن عمر – صحيح البخاري.شرح الحديث: حقُّ المُسلِمِ على أخيه المُسلِمِ عَظيمٌ، ويَعظُمُ هذا الحقُّ إذا وقَع المُسلِمُ في ضِيقٍ، أو كَرْبٍ، أوِ اشتَدَّ عليه المرَضُ. وفي هذا الحَديثِ يَرْوي التَّابِعيُّ نافِعٌ مَوْلى عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، أنَّ الصَّحابيَّ سَعيدَ بنَ زَيدٍ رَضيَ اللهُ عنه مرِضَ في يَومِ جُمُعةٍ، وكان بَدْريًّا، وهو مِن العَشَرةِ المُبشَّرينَ بالجَنَّةِ، وإنَّما نُسِبَ إليه كَوْنُه بَدْريًّا معَ أنَّه لم يَشهَدْ بَدرًا؛ لأنَّه كان ممَّن ضَرَب له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بسَهْمِه وأجْرِه؛ وذلك لأنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بعَثَه وطَلْحةَ بنَ عُبَيدِ اللهِ رَضيَ اللهُ عنهما إلى طَريقِ الشَّامِ يتَحَسَّسانِ الأخْبارَ عن عِيرِ وقافِلةِ أهلِ مكَّةَ، ففاتَهما وَقْعةُ بَدرٍ، فضرَبَ لهما النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بسَهْمَيْهما وأجْرَيْهما، فعُدَّا بذلك مِن أهلِ بَدرٍ. فلمَّا ذُكِرَ لعَبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّ سَعيدَ بنَ زَيدٍ رَضيَ اللهُ عنه مرِضَ، ركِبَ دابَّتَه ليَعودَه في مرَضِه، وذلك بعْدَ أنْ تَعالَى النَّهارُ، أي: ظهَر وارتَفَعَ، واقتَرَبَ دُخولُ وَقتِ الجُمُعةِ، فترَكَ ابنُ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما صَلاةَ الجُمُعةِ، وذهَبَ إليه يَزورُه؛ وذلك لعُذْرٍ، وهو إشْرافُ قَريبِه على الهَلاكِ، ولشدَّةِ حاجةِ الميِّتِ حينَئذٍ إلى مَن يَنظُرُ منه، ويَرفُقُ به، ويَقومُ عليه، وقدْ كان سَعيدٌ ابنَ عمِّ عُمَرَ بنِ الخطَّابِ، وزَوجَ أُختِه، وقد رُوِيَ ذلك صَريحًا في السُّنَنِ الكُبْرى للبَيْهَقيِّ: أنَّ ابنَ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما دُعيَ إلى سَعيدِ بنِ زَيدٍ رَضيَ اللهُ عنه وهو يَموتُ، وقد كان ابنُ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما حينَها يَستَجمِرُ، ويَتطَيَّبُ استِعْدادًا للجُمُعةِ. وفي الحَديثِ: بَيانُ مَكانةِ سَعيدِ بنِ زَيدٍ ومَنْقَبَتِه. وفيه: بَيانُ أنَّ القيامَ على الميِّتِ رُخْصةٌ تُبيحُ تَرْكَ الواجِباتِ. الدرر. وفاة سعيد بن زَيْد بن عَمْرِو بن نُفَيْل: بعد عُمر عامر بالجهاد والعطاء، وحياة مليئة بالكفاح في دين الله، توفي الصحابي الجليل، وأحد المبشرين بالجنّة، بمكان يدعَى العقيق، وحُمِل على رقاب الرجال، فدفن بالمدينة، ونزل في حفرته سعد ابن أبي وقاص، وعبد الله بن عمر، وذلك سنة خمسين أو إحدى وخمسين، وكان يوم مات ابن بضع وسبعين سنة. أخرجه ابن سعد في الطبقات: 3/379.. |
27-04-23, 11:24 PM | #35 |
نفع الله بك الأمة
|
المجلس الرابع والثلاثون شرح أصول السنة للإمام أحمد بن حنبل ثُمَّ-مِنْ-بَعْدِ أَصْحَابِ الشُّورَى أَهْلُ بَدْرٍ مِنَ المُهَاجِرِينَ، ثُمَّ أَهْلُ بَدْرٍ مِنَ الأَنْصَارِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-عَلَى قَدْرِ الهِجْرَةِ وَالسَّابِقَةِ أَوَّلاً فَأَوَّلًا،......... الشرح: أفضل الصحابة : أبو بكر الصديق ، ثم عمر بن الخطاب ، ثم عثمان بن عفان ، ثم علي بن أبي طالب ، ثم الزبير بن العوام ، وطلحة بن عبيد الله ، وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن أبي وقاص ، وأبو عبيدة بن الجراح ، وسعيد بن زيد رضي الله عنهم أجمعين ، وهؤلاء هم العشرة المبشرون بالجنة ، وكلهم من المهاجرين . ثم من بعد أصحاب الشورى أهل بدر من المهاجرين، ثم أهل بدر من الأنصار، ويتفاضلون على قدر الهجرة والسابقة للإسلام، أولا فأول، يعني من تقدمت هجرته أفضل، ومن تقدم إسلامه أفضل. المهاجرون هم الذين أسلموا قبل فتح مكة وهاجروا إلى المدينة بعدما ضيّقت عليهم قريش وآذتهم، فتركوا بلادهم وأموالهم وأهليهم، رغبة فيما عند الله، وابتغاء مرضاته، ونصرة لهذا الدين، وبلغ عددهم تسعون وقيل مئة. من الآيات التي أثنى الله فيها على المهاجرين : قول تعالى " لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ"الحشر:8. وهذه شهادة من الله عز وجل لهم بطهارة قلوبهم ، وأنهم ما خرجوا من ديارهم وأموالهم من أجل دنيا يصيبونها ، وإنما خرجوا طلبًا فيما عند الله ، ونصرة لدينه ، وكانوا صادقين في إيمانهم وأعمالهم وأقوالهم . الأنصار هم الصحابة الكرام، الذين استقبلوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، والمهاجرين -رضي الله عنهم- في المدينة المنورة بعدما هاجروا من مكّة إليهم، فنصروهم وأكرموهم، وآثروهم على أنفسم رغم ما بهم من ضيق الحال، وكانوا مثالًا يُقتدى به في الكرم والإخاء وصدق المحبّة للنبي عليه الصّلاة والسّلام، وأثنى الله تعالى على الأنصار فقال " وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ" الحشر/ 9. أي : الذين سكنوا المدينة النبوية قبل المهاجرين ، وآمنوا قبل كثير من المهاجرين ، فهؤلاء الأنصار أحبوا الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه المهاجرين محبة صادقة " يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ " ولم يحسدوا المهاجرين على ما أعطاهم الله عز وجل من الفضل والشرف ، لأن المهاجرين أفضل من الأنصار ، ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم " لَوْلَا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنْ الْأَنْصَارِ " رواه البخاري :4330 . أرادَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بهذا الكلامِ إكرامَ الأنصارِ، وبيانَ أنَّه لا رُتْبةَ بعدَ الهِجرةِ أعلى مِنَ النُّصرةِ، وبيانَ أنَّهم بلَغوا مِنَ الكرامةِ مَبْلغًا لولا أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِنَ الْمُهاجرينَ إلى المدينةِ لَعَدَّ نفْسَه مِنَ الأنصارِ؛ وهذا لِأَنَّ فضْلَ المهاجرينَ السَّابقينَ الَّذينَ أُخْرِجوا مِن دِيارِهم، وقُطِعوا عن أقارِبهم وأحبابِهم، وحُرِموا أوطانَهم وأموالَهم- أكبرُ مِنَ الأنصارِ.الدرر. فإن المهاجرين أفضل من الأنصار وفي كل خير. معركة بدر: ك: ثُمَّ- مِنْ-بَعْدِ أَصْحَابِ الشُّورَى أَهْلُ بَدْرٍ مِنَ المُهَاجِرِينَ، ثُمَّ أَهْلُ بَدْرٍ مِنَ الأَنْصَارِ. ش:فأهل بدر قسمان: مهاجرون وأنصار، فالمهاجرون من أهل بدر أفضل، ثم يليهم الأنصار من أهل بدر كما سبق توضيحه. لذلك يقال في تراجم الصحابة إذا كان الصحابي شهد غزوة بدر ؛يقال عنه بدري ،لأن أهل بدر لهم فضيلة خاصة أكرمهم بها الله عز وجل . " لَعَلَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ اطَّلَعَ علَى أهْلِ بَدْرٍ فَقالَ: اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ فقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ " الراوي : علي بن أبي طالب-صحيح البخاري. وقعت معركة بدر في صبيحة يوم الإثنين السابع عشر من شهر رمضان في السنة الثانية للهجرة، وبدر ماء مشهور بين مكة والمدينة. قال الرَّسولُ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ لأصحابِه" هذه عيرُ قُريشٍ، فيها أموالُهم، فاخرُجوا إليها، لعلَّ اللهَ يُنفِلُكُموها ."الراوي : عبدالله بن عباس - المحدث : الألباني - المصدر : فقه السيرة- الصفحة أو الرقم : 218 - خلاصة حكم المحدث : صحيح. الشرح:بعَثَ اللهُ نَبيَّه بالرِّسالةِ لدَعْوةِ قَومِه، ولكنَّه لاقى مِن كُفَّارِ مكَّةَ الصَّدَّ والإعراضَ وتَعذيبَ أصحابِه، ولمَّا هاجَروا إلى المَدينةِ، ترَكوا دورَهم وأمْوالَهم، وفَرُّوا إلى اللهِ ولنُصرةِ دِينِه، ولمَّا كانتْ رِحلةُ قُرَيشٍ بالتِّجارةِ إلى الشَّامِ ذَهابًا وإيابًا، تَمُرُّ قَريبًا مِن المَدينةِ، فقال الرَّسولُ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ لأصحابِه "هذه عِيرُ قُرَيشٍ"، أي: جِمالُ قُرَيشٍ التي تَحمِلُ تِجارتَهم وأمْوالَهم، في طريقِ العَودةِ مِن الشَّامِ إلى مكَّةَ، "فيها أمْوالُهم، فاخرُجوا إليها"؛ لمُلاقاتِها والتَّعرُّضِ لها، "لعلَّ اللهَ يُنفِّلُكموها"، نفَل القائدُ الجُندَ: جعَل لهم ما غَنِموا. وهذا رَجاءٌ مِن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يُمكِّنَهم اللهُ مِن الحُصولِ على هذه القافلةِ؛ تَعويضًا عن أمْوالِهم التي ترَكوها في مكَّةَ.الدرر السنية. فقد بلغ المسلمون تحرك قافلة كبيرة تحمل أموالًا عظيمة لقريش عائدة من الشام بقيادة أبي سفيان، صخر بن حرب، فانتدب النبي، صلى الله عليه وسلم، أصحابه للخروج، وتعجل بمن كان مستعدًا للخروج دون انتظار سكان العوالي لئلا تفوتهم القافلة، ولذلك لم يكن خروج المسلمين بكامل طاقتهم العسكرية في معركة بدر، فهم خرجوا لأخذ القافلة، ولم يكن في حسبانهم مواجهة جيش قريش.وقد خرج من المسلمين ثلاثمائة وبضعة عشر رجلًا. ولم يكن معهم إلا فَرَسان، وسبعون بعيًرا يتعاقبون على ركوبها. وانتصر المسلمون انتصارًا ساحقًا وأبلوا بلاء حسنًا فغيروا وجه الأرض ووجه التاريخ، وأذلوا وأرغموا أنوف صناديد الكفر في مكة، بل وفي شبه الجزيرة العربية كلها، وفر بقية المشركين، لا يلوون على شيء، تاركين وراءهم غنائم كثيرة في أرض المعركة.وقال رسول اللهصلى الله عليه وسلم في أهل بدر الذين خاضوا المعركة معه" لَعَلَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ اطَّلَعَ علَى أهْلِ بَدْرٍ فَقالَ:اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ فقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ " الراوي : علي بن أبي طالب-صحيح البخاري.عن عبدِ اللَّهِ بنِ مسعودٍ قالَ: كُنّا يومَ بدرٍ كلُّ ثلاثةٍ على بعيرٍ.الوادعي ، الصحيح المسند ، حسن. فوعد اللّه المؤمنين إحدى الطائفتين، إما أن يظفروا بالعير، أو بالنفير.قال تعالى"وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَن يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ"الأنفال:7. وعلِمَ أبو سفيان بخروج المسلمين لأخذ القافلة، فسلك بها طريق الساحل ونجا من المسلمين ؛لكن أبي جهل أصر على حرب المسلمين . ولم يعد هدف قريش نجاة القافلة، بل تأديب المسلمين، وتأمين طرق التجارة، وإعلام العرب بقوة قريش وهيبتها.وجهز أبو جهل جيش عدده ألف مقاتل.ولما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم نجاة القافلة، وإصرار قريش على قتاله صلى الله عليه وسلم شاور أصحابه ، وقرر قتال المشركين، ووصل إلى ماء بدر قبل المشركين.وبدأت المعركة. ثم التقى الجيشان في ملحمة كبيرة، وأمد الله سبحانه وتعالى المسلمين بالملائكة يوم المعركة، قال تعالى"إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ" الأنفال: 9-10، لما قارب التقاؤكم بعدوكم، استغثتم بربكم، وطلبتم منه أن يعينكم وينصركم فَاسْتَجَابَ لَكُمْ وأغاثكم بعدة أمور:. منها: أن اللّه أمدكم بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ أي: يردف بعضهم بعضا، أي متلاحقين.. وقال"إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ فَضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ" الأنفال: 12. أوحى اللهُ إلى الملائكةِ أَنِّي مَعَكُمْ بالعون والنصر والتأييد، فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا أي: ألقوا في قلوبهم، وألهموهم الجراءة على عدوهم، ورغبوهم في الجهاد وفضله. سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ الذي هو أعظم جند لكم عليهم،فإن اللّه إذا ثبت المؤمنين وألقى الرعب في قلوب الكافرين، لم يقدر الكافرون على الثبات لهم ومنحهم اللّه أكتافهم.فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأعْنَاقِ: أي: على الرقاب. وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ:أي: كل مفصل.تفسير السعدي. "لَمَّا كانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ إلى المُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ، وَأَصْحَابُهُ ثَلَاثُ مِئَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا، فَاسْتَقْبَلَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ القِبْلَةَ، ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ، فَجَعَلَ يَهْتِفُ برَبِّهِ: اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لي ما وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ آتِ ما وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ إنْ تُهْلِكْ هذِه العِصَابَةَ مِن أَهْلِ الإسْلَامِ لا تُعْبَدْ في الأرْضِ، فَما زَالَ يَهْتِفُ برَبِّهِ، مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ القِبْلَةِ، حتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عن مَنْكِبَيْهِ، فأتَاهُ أَبُو بَكْرٍ فأخَذَ رِدَاءَهُ، فألْقَاهُ علَى مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ التَزَمَهُ مِن وَرَائِهِ، وَقالَ: يا نَبِيَّ اللهِ، كَفَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ، فإنَّه سَيُنْجِزُ لكَ ما وَعَدَكَ، فأنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ"إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بأَلْفٍ مِنَ المَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ" فأمَدَّهُ اللَّهُ بالمَلَائِكَةِ. قالَ أَبُو زُمَيْلٍ: فَحدَّثَني ابنُ عَبَّاسٍ، قالَ: بيْنَما رَجُلٌ مِنَ المُسْلِمِينَ يَومَئذٍ يَشْتَدُّ في أَثَرِ رَجُلٍ مِنَ المُشْرِكِينَ أَمَامَهُ، إذْ سَمِعَ ضَرْبَةً بالسَّوْطِ فَوْقَهُ وَصَوْتَ الفَارِسِ يقولُ: أَقْدِمْ حَيْزُومُ، فَنَظَرَ إلى المُشْرِكِ أَمَامَهُ فَخَرَّ مُسْتَلْقِيًا، فَنَظَرَ إلَيْهِ فَإِذَا هو قدْ خُطِمَ أَنْفُهُ، وَشُقَّ وَجْهُهُ، كَضَرْبَةِ السَّوْطِ فَاخْضَرَّ ذلكَ أَجْمَعُ، فَجَاءَ الأنْصَارِيُّ، فَحَدَّثَ بذلكَ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَقالَ: صَدَقْتَ، ذلكَ مِن مَدَدِ السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ، فَقَتَلُوا يَومَئذٍ سَبْعِينَ، وَأَسَرُوا سَبْعِينَ.قالَ أَبُو زُمَيْلٍ، قالَ ابنُ عَبَّاسٍ: فَلَمَّا أَسَرُوا الأُسَارَى، قالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ لأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ: ما تَرَوْنَ في هَؤُلَاءِ الأُسَارَى؟ فَقالَ أَبُو بَكْرٍ: يا نَبِيَّ اللهِ، هُمْ بَنُو العَمِّ وَالْعَشِيرَةِ، أَرَى أَنْ تَأْخُذَ منهمْ فِدْيَةً فَتَكُونُ لَنَا قُوَّةً علَى الكُفَّارِ، فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُمْ لِلإِسْلَامِ، فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: ما تَرَى يا ابْنَ الخَطَّابِ؟ قُلتُ: لا وَاللَّهِ يا رَسولَ اللهِ، ما أَرَى الذي رَأَى أَبُو بَكْرٍ، وَلَكِنِّي أَرَى أَنْ تُمَكِّنَّا فَنَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ، فَتُمَكِّنَ عَلِيًّا مِن عَقِيلٍ فَيَضْرِبَ عُنُقَهُ، وَتُمَكِّنِّي مِن فُلَانٍ نَسِيبًا لِعُمَرَ، فأضْرِبَ عُنُقَهُ، فإنَّ هَؤُلَاءِ أَئِمَّةُ الكُفْرِ وَصَنَادِيدُهَا، فَهَوِيَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ ما قالَ أَبُو بَكْرٍ، وَلَمْ يَهْوَ ما قُلتُ، فَلَمَّا كانَ مِنَ الغَدِ جِئْتُ، فَإِذَا رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ قَاعِدَيْنِ يَبْكِيَانِ، قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، أَخْبِرْنِي مِن أَيِّ شيءٍ تَبْكِي أَنْتَ وَصَاحِبُكَ؟ فإنْ وَجَدْتُ بُكَاءً بَكَيْتُ، وإنْ لَمْ أَجِدْ بُكَاءً تَبَاكَيْتُ لِبُكَائِكُمَا، فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: أَبْكِي لِلَّذِي عَرَضَ عَلَيَّ أَصْحَابُكَ مِن أَخْذِهِمِ الفِدَاءَ، لقَدْ عُرِضَ عَلَيَّ عَذَابُهُمْ أَدْنَى مِن هذِه الشَّجَرَةِ، شَجَرَةٍ قَرِيبَةٍ مِن نَبِيِّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ"ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكونَ له أَسْرَى حتَّى يُثْخِنَ في الأرْضِ" إلى قَوْلِهِ "فَكُلُوا ممَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا" فأحَلَّ اللَّهُ الغَنِيمَةَ لهمْ.الراوي : عبدالله بن عباس وعمر بن الخطاب - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم-الصفحة أو الرقم : 1763 - خلاصة حكم المحدث :صحيح. حَيْزومُ، أي: يا حَيْزومُ، وهو اسمُ فرَسِه. وقد ضرب صلى الله عليه وسلم لتسعة من الصحابة لم يحضروا غزوة بدر لأعمال كلفهم بها، ومنهم: عثمان بن عفان، رضي الله عنه، وطلحةُ بنُ عُبيدِ اللهِ ، و سعيد بن زَيْد بن عَمْرِو بن نُفَيْل ...... وأهل بدر يتفاضلون في أنفسهم حسب الهجرة والسبق للإسلام. وهذا نموذج لبدري وهو الصحابي البدري المهاجري؛ حاطب بن أبي بلتعة، فعل ما يستوجب العقاب ولكن شفع له كونه بدريًّا : *قال عَليُّ بنُ أبي طالبٍ رَضيَ اللهُ عنه : بَعَثَنِي رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَا، والزُّبَيْرَ، والمِقْدَادَ، فَقالَ: انْطَلِقُوا حتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ؛ فإنَّ بهَا ظَعِينَةً معهَا كِتَابٌ، فَخُذُوه منها. قالَ: فَانْطَلَقْنَا تَعَادَى بنَا خَيْلُنَا حتَّى أتَيْنَا الرَّوْضَةَ، فَإِذَا نَحْنُ بالظَّعِينَةِ، قُلْنَا لَهَا: أخْرِجِي الكِتَابَ،قالَتْ: ما مَعِي كِتَابٌ،فَقُلْنَا: لَتُخْرِجِنَّ الكِتَابَ، أوْ لَنُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ، قالَ: فأخْرَجَتْهُ مِن عِقَاصِهَا، فأتَيْنَا به رَسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَإِذَا فِيهِ: مِن حَاطِبِ بنِ أبِي بَلْتَعَةَ، إلى نَاسٍ بمَكَّةَ مِنَ المُشْرِكِينَ، يُخْبِرُهُمْ ببَعْضِ أمْرِ رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: يا حَاطِبُ، ما هذا؟!قالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، لا تَعْجَلْ عَلَيَّ؛ إنِّي كُنْتُ امْرَأً مُلْصَقًا في قُرَيْشٍ -يقولُ: كُنْتُ حَلِيفًا، ولَمْ أكُنْ مِن أنْفُسِهَا- وكانَ مَن معكَ مِنَ المُهَاجِرِينَ مَن لهمْ قَرَابَاتٌ يَحْمُونَ أهْلِيهِمْ وأَمْوَالَهُمْ، فأحْبَبْتُ -إذْ فَاتَنِي ذلكَ مِنَ النَّسَبِ فيهم- أنْ أتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَدًا يَحْمُونَ قَرَابَتِي، ولَمْ أفْعَلْهُ ارْتِدَادًا عن دِينِي، ولَا رِضًا بالكُفْرِ بَعْدَ الإسْلَامِ،، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أمَا إنَّه قدْ صَدَقَكُمْ، فَقالَ عُمَرُ: يا رَسولَ اللَّهِ، دَعْنِي أضْرِبْ عُنُقَ هذا المُنَافِقِ، فَقالَ: إنَّه قدْ شَهِدَ بَدْرًا، وما يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ علَى مَن شَهِدَ بَدْرًا، فَقالَ: اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ؛ فقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ. فأنْزَلَ اللَّهُ السُّورَةَ"يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ" إلى قَوْلِهِ"فقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ"الممتحنة: 1.الراوي : علي بن أبي طالب -صحيح البخاري. الشرح:الخَطأُ والتَّقصيرُ صِفةٌ مُلازِمةٌ لجَميعِ البشَرِ، إلَّا مَن عصَمَهمُ اللهُ عزَّ وجلَّ مِن أنْبيائِه ورُسُلِه، والْتِماسُ الأعْذارِ للصَّالِحينَ وأصْحابِ سابِقاتِ الخَيرِ مِن شِيَمِ الكِرامِ. وفي هذا الحَديثِ يَحْكي عَليُّ بنُ أبي طالبٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أمَرَه هو، والزُّبَيرَ بنَ العَوَّامِ، والمِقْدادَ بنَ الأسوَدِ رَضيَ اللهُ عنهم؛ أنْ يَنطَلِقوا حتَّى يَأْتوا "رَوْضةَ خاخٍ"، وهي مَوضِعٌ بيْن مكَّةَ والمَدينةِ، يَبعُدُ عنِ المَدينةِ اثنَيْ عشَرَ ميلًا؛ فإنَّ بهذا المَكانِ ظَعينةً، أي: امْرأةً مُسافِرةً في هَودَجٍ - معَها رسالةٌ مكتوبةٌ، فلْيَأخُذوا منها هذه الرِّسالةَ. فانطَلَقوا تَجْري بهم خَيلُهم حتَّى أتَوُا الرَّوْضةَ الَّتي ذكَرَها لهم رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فوَجَدوا المرأةَ، وأمَروها أنْ تُخرِجَ الكِتابَ الَّذي معَها، فأنكَرَتْ أنَّ معَها كِتابًا، فأخْبَروها إمَّا أنْ تُخرِجَ الكِتابَ، أو يَخْلَعوا بأنفُسِهم عنها ثِيابَها حتَّىيَجِدوا الكتابَ، وهذا تَهديدٌ شَديدٌ لها، فأخرَجَتْه مِن عِقاصِها، وهو الشَّعرُ المَضْفورُ، أو الخَيْطُ الَّذي يُشَدُّ به أطْرافُ ذَوائبِ الشَّعرِ. وأحْضَروا الكتابَ إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقُرِئَ، فإذامكتوبٌ فيه: مِن حاطِبِ بنِ أبي بَلْتَعةَ، إلى ناسٍ بمكَّةَ منَ المُشرِكينَ،قيلَ: همْ صَفْوانُ بنُ أُمَيَّةَ، وسُهَيلُ بنُ عَمْرٍو، وعِكْرِمةُ بنُ أبي جَهلٍ. ويُخبِرُهم حاطبٌ رَضيَ اللهُ عنه في هذا الكتابِ ببَعضِ أمرِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ مِن كَونِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قدْ عزَمَ على غَزوِ مكَّةَ، وتَجهَّزَ لفَتحِها. فسَألَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حاطِبًا عن رِسالَتِه تلك وقال" ما هذا؟"، فطَلَبَ حاطبٌ رَضيَ اللهُ عنه مِن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ألَّا يَعجَلَ عَليه، وبيَّن سَببَ فِعلِه.......، وأنَّه لم يَفعَلْ ذلك ارْتِدادًا عن دِينِ اللهِ عزَّ وجلَّ، ولا رِضًا بالكُفرِ بعْدَ الإسْلامِ، فقالَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أمَا أنَّه قدْ صَدَقَكم، فقال عُمَرُ رَضيَ اللهُ عنه: يا رَسولَ اللهِ، دَعْني أضرِبْ عُنُقَ هذا المُنافِقِ......، ولم يَأذَنْ رَسولُ اللهِ في قَتلِ حاطِبٍ رَضيَ اللهُ عنه، وبيَّنَ العِلَّةَ في تَرْكِ قَتلِه؛ فقالصلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ "إنَّه قد شَهِدَ بَدرًا، وما يُدْريكَ لعَلَّ اللهَ اطَّلَعَ على مَن شَهِدَ بَدرًا فقال:اعْمَلوا ما شِئْتم؛ فقدْ غفَرْتُ لكم"، وهذا خِطابُ تَشريفٍ وإكْرامٍ "اعْمَلوا ما شِئْتم"، أي: في المُستَقبَلِ؛ فقدْ غفَرْتُ لكم، والمُرادُ الغُفْرانُ لهم في الآخِرةِ، وعبَّرَ عمَّا سيَأْتي في الآخِرةِ بالفعلِ الماضي مُبالَغةً في تَحقُّقِه. و قبِلَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عُذرَ حاطبٍ رَضيَ اللهُ عنه؛ لمَا علِمَ مِن صحَّةِ عَقيدَتِه، وسَلامةِ قَلبِه....... وفي الحَديثِ: البَيانُ عَن بَعضِ أعْلامِ النُّبوَّةِ؛ وذلك إعْلامُ اللهِ تعالَى نَبيَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بخَبَرِ المَرْأةِ الحامِلةِ كِتابَ حاطِبٍ إلى قُرَيشٍ، ومَكانِها الَّذي هي به، وذلك كُلُّه بالوَحيِ.الدرر. ثم يلي أهل بدرأهل بيعة الرضوان: ثم من بعد هؤلاء أهل بيعة الرضوان، وهم الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة، وكانوا ألفًا وأربعمائة. فبايعوه تحت شجرة على قتال المشركين، وأن لا يفروا ولو كانوا في حال يجوز الفرار فيها حتى يموتوا .فأثنى الله عليهم وعلى صدقهم ،وكل هذا لزيادة التأكيد والتقوية، وحملهم على الوفاء بها. قال الله تعالى"لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ "الفتح:18، وقال الله تعالى"إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ....." الفتح:10. قال صلى الله عليه وسلم"لا يَدْخُلُ النَّارَ، إنْ شاءَ اللَّهُ، مِن أصْحابِ الشَّجَرَةِ أحَدٌ، الَّذِينَ بايَعُوا تَحْتَها "قالَتْ: بَلَى، يا رَسولَ اللهِ،فانْتَهَرَها، فقالَتْ حَفْصَةُ"وَإنْ مِنكُم إلَّا وارِدُها" فقالَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: قدْ قالَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ "ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا ونَذَرُ الظّالِمِينَ فيها جِثِيًّا" الراوي : أم مبشر الأنصارية- المحدث : مسلم -المصدر : صحيح مسلم -الصفحة أو الرقم : 2496- خلاصة حكم المحدث : صحيح. أَخْبَرَ النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو في بيتِ حَفْصَةَ أنَّه لا يَدْخلُ النَّارَ- إنْ شاءَ اللهُ- مِن أصحابِ الشَّجرةِ أحدٌ، وأصحابُ الشَّجرةِ هُمْ أهلُ بيعةِ الرِّضوانِ، وهم الَّذِينَ بَايَعوا تَحْتَ هذه الشَّجرةِ، أي: على الجهادِ والإسلامِ، فَردَّتْ حَفْصَةُ: بلى يا رسولَ الله؛ "فَانْتَهَرَهَا"، أي: زَجَرَهَا؛ فقالتْ حَفْصَةُ"وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا"مريم: 71، أي: وما منكم إلَّا مارٌّ بها أو حاضِرُها، وكانَتْ حَفْصَةُ ظَنَّتْ أنَّ مَعْنَى "وَارِدُهَا": دَاخِلُها؛ فقالَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: قَدْ قالَ اللهُ عزَّ وجلَّ"ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرَ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا"مريم: 72، أي: إذا مَرَّ الخلائقُ كلُّهم على النَّارِ، وَسقطَ فيها مَنْ سَقطَ مِنَ الكفَّارِ وَالعُصاةِ ذَوي الْمَعاصي، بِحَسَبِهم، نَجَّى اللهُ تعالى المؤمنينَ الْمتَّقِينَ منها بِحَسَبِ أَعمالِهم؛ فَجَوازُهم على الصِّراطِ وسُرعَتُهم بِقَدْرِ أعمالِهمُ الَّتي كانتْ في الدُّنيا. في الحديثِ: فَضلُ أصحابِ الشجرةِ أهلِ بَيعةِ الرِّضوانِ رضِي اللهُ عنهم.الدرر. |
27-04-23, 11:25 PM | #36 |
نفع الله بك الأمة
|
المجلس الخامس والثلاثون شرح أصول السنة للإمام أحمد بن حنبل ثمَّ أَفْضَلُ النَّاسِ بَعْدَ هَؤُلاءِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -القَرْنُ الَّذِي بُعِثَ فِيهِم،كُلُّ مَنْ صَحِبَهُ سَنَةً أَوْ شَهْرًا أَوْ يَوْمًا أَوْ سَاعَةً أَوْ رَآهُ فَهُوَ مِنْ أَصْحَابِهِ لَهُ مِنَ الصُّحْبَةِ عَلَى قَدْرِ مَا صَحِبَهُ،وَكَانَتْ سَابِقَتُهُ مَعَهُ وَسَمِعَ إِلَيْهِ وَنَظَرَ إِلَيْهِ - نَظْرَةً- ،فَأَدْنَاهُمْ صُحْبَةً هُوَ أَفْضَلُ مِنَ القَرْنِ الَّذِينَ لَمْ يَرَوْهُ،وَلَوْ لَقُو اللهَ بِجَمِيعِ الأَعْمَالِ؛ كَانَ هَؤُلاءِ الَّذِينَ صَحِبُوا النَّبِيَّ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-،وَرَأَوْهُ وَسَمِعُوا مِنْهُ،وَمَنْ رَآهُ بِعَيْنِهِ وَآمَنَ بِهِ وَلَوْ سَاعَةً أَفْضَلُ لِصُحْبَتِهِ مِنَ التَّابِعِينَ وَلَوْ عَمِلُوا كُلَّ أَعْمَالِ الخَيْرِ. الشرح: "سُئِلَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أيُّ النَّاسِ خَيْرٌ؟ قَالَ: قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ "صحيح البخاري. فالصَّحابةُ همْ أفضلُ المسلمينَ؛ لأنَّهم عاصَروا النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ووضَّح لهمْ أُمورَ الدِّينِ وأخَذُوه عنه مُباشرةً، فهمْ أفضلُ النَّاسِ عِلمًا بسُنَّةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ومَقاصدِ التَّشْريعِ، وعلى أَيديهمْ تمَّ نَشْرُ الدِّينِ في الفُتوحاتِ والغَزواتِ. وفي الحَديثِ: إشارةٌ إلى لُزومِ اتِّباعِ سَبيلِ القُرونِ الثَّلاثةِ الأُولى؛ فإنَّ مَن قَرُبَ زَمنُه مِن زَمنِ النُّبوَّةِ فهو أَوْلَى بالفضْلِ والعِلمِ والتَّأسِّي والاقتداءِ بهَدْيِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.الدرر السنية. الصحابي هو كل من اجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم مؤمنًا به ومات على ذلك، ولو لم يره لعارض، فعدم الرؤية قد يكون لعارض كالعمى مثلًا، كما هو حال بعض الصحابة كابن أم مكتوم ونحوه، ولو لم تطل الصحبة. عَنْ مَحْمُودِ بنِ الرَّبِيعِ، قالَ" عَقَلْتُ مِنَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مَجَّةً مَجَّها في وجْهِي وأنا ابنُ خَمْسِ سِنِينَ مِن دَلْوٍ."الراوي : محمود بن الربيع الأنصاري – صحيح البخاري. مَحْمُود بن الرَّبِيع نال الصحبة بمداعبته بمجة مجها الرسول صلى الله عليه وسلم في وجهه. قد أدرَكَ ذلك ووَعاهُ وتَذكَّرَه وأدَّاه بعْدَ بُلوغِه.ورَشُّ الماءِ في وجْهِه مِن مُلاطَفةِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الصِّبيانَ، وتَأنيسِهم، وإكرامِ آبائِهم بذلك، مع تَعليمِه للناسِ أنَّ مُلاطَفةَ الصِّبيانِ والأهلِ لا تُقلِّلُ مِن شَأنِ ذَوي الهَيئاتِ والسُّلطانِ. وفي الحديثِ: أنَّ فِعلَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ذلك؛ لأجْلِ البركةِ منه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.وفيه: صِحَّةُ سَماعِ الصَّبيِّ إذا كان عاقلًا لِمَا يَسمَعُ.الدرر. الصَّحابةُ رَضيَ اللهُ عنهم همْ أفضَلُ جِيلٍ في الأمَّةِ الإسْلاميَّةِ، ولهم مَكانَتُهمُ السَّامِقةُ الَّتي لا يُضاهِيها جِيلٌ آخَرُ؛وهم أولى بالترحم والترضي عنهم ، فهمْ أوَّلُ مَن آمَنَ باللهِ ورَسولِه، وحَمَلوا عنه الوَحيَ والسُّنَّةَ، وجاهَدوا في سَبيلِ اللهِ حتَّى انتَشَرَتِ الدَّعْوةُ.لذا قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تَسُبُّوا أصْحابِي؛ فلوْ أنَّ أحَدَكُمْ أنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا، ما بَلَغَ مُدَّ أحَدِهِمْ ولا نَصِيفَهُ."الراوي : أبو سعيد الخدري- صحيح البخاري. " فلوْ أنَّ أحَدَكُمْ أنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا، ما بَلَغَ مُدَّ أحَدِهِمْ ولا نَصِيفَهُ"ومَعْناه: لو أنفَقَ أحَدُكم مِثلَ جبَلِ أُحدٍ ذَهبًا، ما بَلَغ ثَوابُه في ذلك ثَوابَ نَفَقةِ أحَدِ أصْحابي مُدًّا، وهو ما يَمْلأُ الكَفَّينِ، والنَّصيفُ: النِّصفُ. فبيَّنَ أنَّ جُهدَ المُقِلِّ منَ الصَّحابةِ، واليَسيرَ منَ النَّفَقةِ الَّذي أنْفَقوه في سَبيلِ اللهِ، معَ شدَّةِ العَيشِ والضِّيقِ الَّذي كانوا فيه، أوْفى عندَ اللهِ، وأزْكى منَ الكَثيرِ الَّذي يُنفِقُه مَن بَعدَهم، فالقَليلُ الَّذي أنفَقَه أحَدُهم أكثَرُ ثَوابًا منَ الكَثيرِ الَّذي يُنفِقُه غَيرُهم؛ وذلك لمَّا كان يُقارِنُ عمَلَ الصَّحابةِ منَ السَّبْقِ، ومَزيدِ الإخْلاصِ، وصِدقِ النِّيَّةِ، وكَمالِ النَّفْسِ، بخِلافِ غيرِهم. وفي الحَديثِ: تَفْضيلُ الصَّحابةِ كلِّهم على جَميعِ مَن بعْدَهم.الدرر السنية. - إنِّي تارِكٌ فيكُم ما إن تمسَّكتُمْ بِهِ لن تضلُّوا بَعدي أحدُهُما أعظَمُ منَ الآخرِ: كتابُ اللَّهِ حَبلٌ ممدودٌ منَ السَّماءِ إلى الأرضِ. وعِترتي أَهْلُ بيتي، ولَن يتفرَّقا حتَّى يَرِدا عليَّ الحوضَ فانظُروا كيفَ تخلُفوني فيهِما"الراوي : زيد بن أرقم -المحدث : الألباني -المصدر : صحيح الترمذي . وعِترتي أَهْلُ بيتي: أي: أحبُّوهم وتَمسَّكوا بما كانوا عليه واهْتَدُوا بهَديِهم وسِيرتِهم، وعِترتُه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم هم أزواجُه ونِساؤُه وقرابتُه، الَّذين ساروا على طَريقِه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، المتَّبِعون لسُنَّتِه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، فلهُم الحبُّ والتَّكريمُ والتَّوقيرُ والإحسانُ إليهم، كعَليٍّ وبَنيه، والعبَّاسِ وبَنيه، وأَهْلُ الْبَيْتِ غَالِبًا يَكونونَ أَعرَفَ بِصاحِبِ البَيْتِ وأَحوالِه، فالمُرادُ بِهم أهلُ العِلْمِ مِنْهم المُطَّلِعونَ على سيرَتِه، الواقِفونَ على طَريقَتِه، العارِفونَ بحُكْمِه وحِكْمَتِه، ولِهَذا جاز أن يُعطَفوا على كتابِ اللهِ سُبْحانه كما قال"وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ"الحِكْمَة السُّنة وبيان الشرائع.الدرر السنية. وأهل السنة والجماعة كذلك يحبون أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، لكن حب باعتدال بغير إفراط ولا تفريط؛ لأن أهل السنة والجماعة لا يعطون للنبي ما لا يجوز إلا لله عز وجل، ولا يعطون للصحابة ما لا يجوز إلا للنبي عليه الصلاة والسلام، ولا يعطون لعموم الأمة ما هو خاص بأصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، فكل له قدره، ولكل منزلته عند أهل السنة والجماعة.فأهل بيت النبي عليه الصلاة والسلام هم في عموم أصحابه عليه الصلاة والسلام، فلهم حق الصحبة، ويحبهم أهل السنة والجماعة للصحبة والنصرة والتأييد، والإيمان والعمل الصالح، كما أنهم يزيدون على عموم الأصحاب بقرابتهم من النبي عليه الصلاة والسلام، فهذا حق زائد لهم عن عموم أصحابه عليه الصلاة والسلام. كتاب أصول أهل السنة والجماعةحسن أبو الأشبال الزهيري ولا بدَّ أن نعلم أن الصحابة رضي الله عنهم ليسوا بمعصومين ، وهذا هو مذهبُ أهل السنة والجماعة ، وإنما هم بشرٌ يجوزُ عليهم ما يجوز على غيرهم .وما صدر من بعضهم من المعاصي أو الأخطاء ، فهو إلى جانبِ شرفِ الصحبة وفضلِها مُغْتَفَرٌ ومَعْفُوٌّ عن صاحبه ، والحسناتِ يُذْهِبْنَ السيئات ، ومقامُ أَحَدِ الصحابة مع النبي صلى الله عليه وسلم لحظة من اللحظات في سبيل هذا الدين لا يعدلها شيء . يقول شيخ الإسلام رحمه الله " وأهل السنة تحسن القول فيهم وتترحم عليهم وتستغفر لهم ، لكن لا يعتقدون العصمة من الإقرار على الذنوب وعلى الخطأ في الاجتهاد إلا لرسول الله ، ومن سواه فيجوز عليه الإقرار على الذنب والخطأ ، لكن هم كما قال تعالى " أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ "الاحقاف/16 الآية ، وفضائل الأعمال إنما هي بنتائجها وعواقبها لا بصورها " مجموع الفتاوي 4/434 . وأهل السنة والجماعة يعتقدون أن ما وقع من النزاع بين الصحابة لم يقع عن هوى، إنما وقع عن اجتهاد.وعقيدتهم الكف عما شجر بينهم.كتاب أصول أهل السنة والجماعة. ثم من بعدِهم التابعين الذين تعلموا على يد الصحابة واتبعوهم على هدي النبي صلى الله عليه وسلم ثم تابعي التابعين لقوله صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الخيرية " قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ" |
27-04-23, 11:27 PM | #37 |
نفع الله بك الأمة
|
المجلس السادس والثلاثون شرح أصول السنة للإمام أحمد بن حنبل ش-هذه عقيدة أهل السنة أنهم يسمعون ويطيعون للإمام وولاة الأمور ، وأمير المؤمنين سواء كان بَرًّا أو فاجرًا ولا يخرجون عليه. الفاجر يعني العاصي، ولو كان يعمل بعض الكبائر يعمل بعض المعاصي، تثبت له الولاية.الأئمة هم الذين تتم لهم الولاية؛ ويستولون على الأمة الإسلامية سواء كان ذلك الوالي عهد إليه مَن قَبْلَه ،أو أخذها بالقوة وتولى عليهم بالغلبة، كل هذا بلا شك إذا تمت له الولاية وجبت الطاعة والسمع له، وحَرُمَ الخروجُ عليه؛ وذلك لأن الخروج على الأئمة يسبب فتنًا وضررًا على المسلمين، وكم حصل بسببه من القتل؟! وكم حصل بسببه من السجن وإضرار المسلمين وإضرار علماء المسلمين. شرح أصول السنة للإمام أحمد .ابن جبرين. فلأجل ذلك قالوا:يجب السمع والطاعة لولاة الأمور،واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم "اسْمَعُوا وأَطِيعُوا، وإنِ اسْتُعْمِلَ علَيْكُم عَبْدٌ حَبَشِيٌّ، كَأنَّ رَأْسَهُ زَبِيبَةٌ."الراوي : أنس بن مالك- صحيح البخاري. الشرح: أمَرَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بطاعةِ وُلاةِ الأُمورِ في المَعروفِ، دُونَ المُنكَرِ؛ لِمَا في الخُروجِ عليهم مِنَ المَفاسِدِ الكَبيرةِ، وحَذَّرَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن شَقِّ عَصا الطَّاعةِ ومُفارَقةِ الجَماعةِ. وفي هذا الحَديثِ بَيانُ ذلك؛ حيثُ قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ"اسْمَعوا وأطِيعوا، وإنِ استُعمِلَ حَبَشيٌّ، كأنَّ رأْسَه زَبيبةٌ"، يَعني: وإنْ وُلِّيَ عليكم رَجُلٌ مِنَ الحَبَشةِ، كأنَّ رأْسَه مِثلُ الزَّبيبةِ، إشارةً إلى سَوادِ اللَّونِ، وتَجَعُّدِ الشَّعرِ، ومَقصودُه: التَّنبيهُ على ازدِراءِ الناسِ له عادةً، والمَعنى: أنَّ المُؤمِنَ يَجِبُ عليه طاعةُ وَليِّ أمْرِه ومَن وَلَّاه عليه وَليُّ أمْرِه، أيًّا كان جِنسُه أو لَونُه؛ ما دامَ لم يَأمُرْ بمَعصيةِ اللهِ عزَّ وجلَّ.الدرر السنية. *عن حذيفة بن اليمان :قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، إنَّا كُنَّا بشَرٍّ، فَجَاءَ اللَّهُ بخَيْرٍ، فَنَحْنُ فِيهِ، فَهلْ مِن وَرَاءِ هذا الخَيْرِ شَرٌّ؟ قالَ: نَعَمْ، قُلتُ: هلْ وَرَاءَ ذلكَ الشَّرِّ خَيْرٌ؟ قالَ: نَعَمْ، قُلتُ: فَهلْ وَرَاءَ ذلكَ الخَيْرِ شَرٌّ؟قالَ: نَعَمْ، قُلتُ: كيفَ؟ قالَ: يَكونُ بَعْدِي أَئِمَّةٌ لا يَهْتَدُونَ بهُدَايَ، وَلَا يَسْتَنُّونَ بسُنَّتِي، وَسَيَقُومُ فيهم رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ في جُثْمَانِ إنْسٍ، قالَ: قُلتُ: كيفَ أَصْنَعُ يا رَسولَ اللهِ، إنْ أَدْرَكْتُ ذلكَ؟ قالَ: تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلأَمِيرِ، وإنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ، وَأُخِذَ مَالُكَ، فَاسْمَعْ وَأَطِعْ."الراوي : حذيفة بن اليمان- صحيح مسلم. *قال تعالى"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ"النساء:59. *قال صلى الله عليه وسلم"لا طاعةَ لِمخلُوقٍ في معصيةِ الخالِقِ"الراوي: عمران بن الحصين والحكم بن عمرو الغفاري-المحدث : الألباني-المصدر : صحيح الجامع. *يقول عبادة بن الصامت " بَايَعْنَا رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ علَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ في العُسْرِ وَالْيُسْرِ، وَالْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ، وعلَى أَثَرَةٍ عَلَيْنَا، وعلَى أَنْ لا نُنَازِعَ الأمْرَ أَهْلَهُ، وعلَى أَنْ نَقُولَ بالحَقِّ أَيْنَما كُنَّا، لا نَخَافُ في اللهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ."الراوي : عبادة بن الصامت- صحيح مسلم. الشرح:أمَرَ اللهُ سُبحانَه وتعالَى عِبادَه المُؤمِنينَ بالاعتصامِ بحَبْلِ اللهِ وعَدَمِ التَّفرُّقِ، ومِن لَوازمِ هذا الاعتصامِ اجتماعُ المسلمينَ على كَلمةٍ واحدةٍ وإمامٍ واحدٍ؛ فإنَّهم إذا تَعدَّدَتْ كَلِمتُهم وتفرَّقَ أمراؤُهم ضعُفَ شأنُهم وذهبَتْ شَوْكتُهم، وظَهَرَ عليهم عَدوُّهم.بايَعَهم النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على السَّمْعِ والطاعةِ في "َالْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ" في حالِ نَشَاطِهم وقُوَّتِهم، ويكوُن ذلك في الأمرِ الَّذي إذا أُمِرَ به الإنسانُ نَشِطَ له؛ لأنَّه يُوافِقُ هَواهُ، وفي حالِ ما يَكْرَهُون، ويكونُ ذلك في الأمرِ الَّذي إذا أُمِرَ به الإنسانُ لم يَكُنْ نَشِيطًا فيه؛ لأنَّه يَكرَهُه، وكذلك بايعوا على أن يَسمَعوا ويُطيعوا في حالِ عُسْرِهم ويُسرهم" في العُسْرِ وَالْيُسْرِ "، أي: في حالِ الفَقْرِ والغِنَى، فيما أمَرَ به وُلاةُ الأمْرِ، " وعلَى أَثَرَةٍ عَلَيْنَا" أي: ولو اخْتَصَّ وَلِيُّ الأمرِ نفْسَه ببَعضِ الدُّنيا دُونَهم ظُلمًا وتَعدِّيًا منه، أو إذا فضَّل وَلِيُّ الأمرِ عليهم غيْرَهم في الاستِحقاقِ ومَنَعَهم حقَّهم، فعليهم أن يصْبِروا ولا يُخالِفوه، وبايعهم على ألَّا يُنازِعوا المُلكَ أهْلَه " لا نُنَازِعَ الأمْرَ أَهْلَهُ "، فلا يَخرُجوا على الإمامِ بالقِتالِ. وفي الحَديثِ: الأمرُ بطاعةِ الأُمَراءِ على كلِّ حالٍ فيما يُرضِي اللهَ عزَّ وجلَّ.الدرر السنية. فولاة الأمور إنما يطاعون في طاعة الله، وفي الأمور المباحة. أما المعاصي فلا يطاع فيها ولي الأمر، ولكن ليس معنى ذلك أن الإنسان يتمرد على ولي الأمر ويخرج لا، لا يطيعه في خصوص المعصية، خصوص المعصية ما يطاع فيها أحد، ولي الأمر ما يطاع في المعصية، قال اشرب الخمر لا تطعه، قال لك تعامل بالربا لا تطعه، قال لك اقتل فلان بغير حق لا تطعه، لكن ليس معنى ذلك أنك تتمرد عليه وتخرج وتنقض بيعته وتؤلب الناس عليه لا، لا تطعه في خصوص المعصية وتطعه فيما عدا ذلك. أمير الجيش لا يطاع في المعصية، أمير السرية لا يطاع في المعصية، الأب إذا أمر ابنه بالمعصية لا يطيعه، أب قال لولده اشتر دخانا أو خمرا ما يطيعه، الزوجة لا تطيع زوجها في المعصية ، العبد إذا أمره سيده بالمعصية لا يطيعه، ومع ذلك لا بد من التلطف والخطاب اللين، يعني يخاطب الأمير بما يليق به يقول يا فلان هذا لا يجوز، يخاطب: هذا محرم، هذا كذا، يخاطب باللين والرفق، والخطاب المناسب لولاة الأمور، يبين لهم، تكون المناصحة من قبل أهل الحل والعقد، ومن قبل أهل العلم. كذلك الابن يقول يا أبي لا يجوز لي أن أرتكب معصية هذا محرم، هذا لا يجوز لي ...والزوجة كذلك، تتلطف مع زوجها تقول أنا لا أطيعك في المعصية، هذا محرم، والعبد كذلك يتلطف مع سيده. ثبت في صحيح البخاري : عن علي بن أبي طالب"بَعَثَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ سَرِيَّةً، وَاسْتَعْمَلَ عليهم رَجُلًا مِنَ الأنْصَارِ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَسْمَعُوا له وَيُطِيعُوا، فأغْضَبُوهُ في شيءٍ، فَقالَ: اجْمَعُوا لي حَطَبًا، فَجَمَعُوا له، ثُمَّ قالَ:أَوْقِدُوا نَارًا، فأوْقَدُوا، ثُمَّ قالَ: أَلَمْ يَأْمُرْكُمْ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ أَنْ تَسْمَعُوا لي وَتُطِيعُوا؟ قالوا: بَلَى، قالَ: فَادْخُلُوهَا، قالَ: فَنَظَرَ بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ، فَقالوا: إنَّما فَرَرْنَا إلى رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ مِنَ النَّارِ، فَكَانُوا كَذلكَ، وَسَكَنَ غَضَبُهُ، وَطُفِئَتِ النَّارُ، فَلَمَّا رَجَعُوا ذَكَرُوا ذلكَ للنبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ:لو دَخَلُوهَا ما خَرَجُوا منها، إنَّما الطَّاعَةُ في المَعروفِ."صحيح البخاري. يعني هذا وعيد شديد، يعني لو دخلوها لاستمر عذاب الآخرة مع عذاب الدنيا، لو دخلوها ما خرجوا منها إنما الطاعة في المعروف، هذا أمير الجيش ما يطاع في المعصية.شرح أصول السنة للإمام أحمد بن حنبل.موقع حلقات جامع شيخ الإسلام ابن تيمية المتن:وَالْغَزْوُ مَاضٍ مَعَ اَلْأَمِيرِ إِلَى يَوْمِ اَلْقِيَامَةِ البَرِّ وَالْفَاجِرِ لَا يُتْرَكُ. الشرح:أما الأعمال التي تعمل معهم فإن الإمام غالبًا هو الذي يتولى الغزو، ويتولى الحج،كما يقول العلماء: الحج والجهاد ماضيان مع الأمراء أبرارًا كانوا أو فجارًا؛ فإن هذا من خير أعمالهم.فإذا تولى على الجيش الذي يغزو والٍ وكان فيه شيء من الفسق كشرب الخمر أو سماع الغناء أو نحو ذلك، لم يكن ذلك مسببًا لنزع اليد من طاعته، وكذلك لو أقام الحج أحد الولاة والأمراء المعروفين بشيء من الفسق فإن ذلك أيضًا من حسناتهم ولا يجوز نزع الطاعة ولا الخروج عليهم. لأن بعض المعاصي تخصه، والغزو مصلحة للإسلام والمسلمين نجاهد معه ونقاتل الكفار مع الأمير ولو كان فاجرًا.شرح أصول السنة للإمام أحمد بن حنبل.موقع حلقات جامع شيخ الإسلام ابن تيمية- الشيخ الراجحي. المتن:وَقِسْمَةُ الفَيْءِ،وَإِقَامَةُ الحُدُودِ إِلَى الأَئِمَّةِ مَاضٍ،لَيْسَ لأَحَدٍ أَنْ يَطْعَنَ عَلَيْهِمْ،وَلا يُنَازِعُهُمْ،وَدَفْعُ الصَّدَقَاتِ إِلَيْهِمْ جَائِزَةٌ وَنَافِذَةٌ،مَنْ دَفَعَهَا إِلَيْهِمْ أَجْزَأَتْ عَنْهُ،بَرًّا كَانَ أَوْ فَاجِرًا. ش:وكذلك أيضًا هم الذين يقسمون الأموال؛ لأن قسمة الفيء وقسمة الغنائم وقسمة الأموال تكون إليهم، يضعونها كما أمر الله، ويفرقونها على مستحقيها وتقبل منهم. الغنيمة ما غنمه المسلمون واستولوا عليه من أموال العدو ومعداتهم ... بالقوة والقتال..فهذا يقسم بين المقاتلين بعد خصم خمسه وجعله في بيت مال المسلمين لصرفه في المصالح العامة. قال الله تعالى: وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُوَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ..الأنفال:41. وأما الفَيء فهو ما حصل عليه المسلمون من أموال بدون قتال. وهذا مرجعه إلى بيت المال واجتهاد ولي أمر المسلمين قال الله تعالى" مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ.".الحشر:7.إسلام ويب. المتن: وَدَفْعُ الصَّدَقَاتِ إِلَيْهِمْ جَائِزَةٌ وَنَافِذَةٌ،مَنْ دَفَعَهَا إِلَيْهِمْ أَجْزَأَتْ عَنْهُ،بَرًّا كَانَ أَوْ فَاجِرًا. ش:المراد بالصدقات، الصدقات الفريضة ، فإذا طلب ولي الأمرالزكاة تدفعها إليه، وحينئذ تبرأ ذمتك، ولهذا قال المؤلف: ودفع الصدقات إليهم جائزة نافعة، يعني صحيحة، من دفعها إليهم أجزأت عنه بَرًّا كان أو فاجرًا، ومن دفعها إليهم فإنه تبرأ ذمته ولا يلزمه أنه يخرجها مرة أخرى. . شرح أصول السنة للإمام أحمد ابن جبرين بتصرف يسير.و شرح أصول السنة للإمام أحمد بن حنبل.موقع حلقات جامع شيخ الإسلام ابن تيمية.الشيخ الراجحي. المتن:وَصَلاةُ الجُمُعَةِ خَلْفَهُ،وَخَلْفَ مَنْ وَلَّاهُ جَائِزَةٌ بَاقِيَةٌ تَامَّةٌ رَكْعَتَيْنِ،مَنْ أَعَادَهُمَا فَهُوَ مُبْتَدِعٌ،تَارِكٌ لِلآثَارِ،مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ،لَيْسَ لَهُ مِنْ فَضْلِ الجُمُعَةِ شَيءٌ؛إِذَا لَمْ يَرَ الصَّلاةَ خَلْفَ الأَئِمَّةِ مَنْ كَانُوا: بَرّهم وفاجِرْهم فَالسُّنَّةُ أَنْ تُصَلِّيَ مَعَهُمْ رَكْعَتَيْنِ،-مَنْ أَعَادَهُمَا فَهُوَ مُبْتَدِعٌ-،وَيَدِينُ بِأَنَّهَا تَامَّةٌ،لايَكُنْ فِي صَدْرِكَ مِنْ ذَلِكَ شَكٌّ، ش:كذلك أيضًا تصح الصلاة خلفهم، وكان الوُلَاة هم الذين يصلون الجُمَع والأعياد، والوالِي هو الذي يتولَّى صلاة الجُمعة والعيد، ولو كان فيه شيء من الفسق أو من المعاصي.وقد كان الصحابة يصلون خلف الأئمة والأمراء الذين عليهم، وفيهم شيء من الفسق ولا يعيدون الصلاة. فَمَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ وَالْجَمَاعَةَ خَلْفَ الإِمَامِ الْفَاجِرِ فَهُوَ مُبْتَدِعٌ عِنْدَ الإِمَامِ أَحْمَد وَغَيْرِهِ مِنْ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ .. والشاهد من هذا أن الصحابة يصلون خلف الولاة والأمراء ولو كانوا فسقة، والحكمة في ذلك جمع الكلمة، جمع الكلمة وعدم الفُرْقَة؛ ولهذا قال المؤلف: مَنْ أَعَادَهُمَا فَهُوَ مُبْتَدِعٌ،تَارِكٌ لِلآثَارِ،مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ،لَيْسَ لَهُ مِنْ فَضْلِ الجُمُعَةِ شَيءٌ ، لماذا مبتدع؟ لأنه خالف الجماعة، وتسبب في الفُرْقَة تارك للآثار للأحاديث ومخالف للسنة، ليس له من فضل الجماعة شيء، وليس له من فضل الجمعة شيء .وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُصَلِّيهَا وَلا يُعِيدُهَا؛ فَإِنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يُصَلُّونَ الْجُمُعَةَ وَالْجَمَاعَةَ خَلْفَ الأَئِمَّةِ الْفُجَّارِ وَلا يُعِيدُونَ ، كَمَا كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُصَلِّي خَلْفَ الْحَجَّاجِ ، وَابْنُ مَسْعُودٍ وَغَيْرُهُ يُصَلُّونَ خَلْفَ الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ وَكَانَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ ؛ حَتَّى إنَّهُ صَلَّى بِهِمْ مَرَّةً الصُّبْحَ أَرْبَعًا ، ثُمَّ قَالَ : أَزِيدُكُمْ ؟ فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ : مَا زِلْنَا مَعَك مُنْذُ الْيَوْمَ فِي زِيَادَةٍ !! وَلِهَذَا رَفَعُوهُ إلَى عُثْمَان... ونستأنس بهذا الأثر الصحيح الوارد في صحيح البخاري: يحكي عُبَيدُ اللهِ بنُ عَدِيّ:أنَّهُ دَخَلَ علَى عُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عنْه - وهو مَحْصُورٌ - فَقالَ: إنَّكَ إمَامُ عَامَّةٍ، ونَزَلَ بكَ ما نَرَى،ويُصَلِّي لَنَا إمَامُ فِتْنَةٍ، ونَتَحَرَّجُ؟ فَقالَ" الصَّلَاةُ أَحْسَنُ ما يَعْمَلُ النَّاسُ، فَإِذَا أَحْسَنَ النَّاسُ فأحْسِنْ معهُمْ، وإذَا أَسَاؤُوا فَاجْتَنِبْ إسَاءَتَهُمْ."الراوي : عبيدالله بن عدي بن الخيار - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم : 695 - خلاصة حكم المحدث : صحيح. فلمَّا سَمِعَ عُثمانُ رَضيَ اللهُ عنه مِن عُبَيدِ اللهِ بنِ عَدِيٍّ ذلك، أجابَ بأنَّ الصَّلاةَ هي أفضَلُ ما يُمكِنُ لِهؤلاءِ فِعلُه مِن عَمَلٍ، ولا يَعني هذا أنَّ عُثمانَ رَضيَ اللهُ عنه يَمدَحُ دُعاةَ الفِتنةِ ورُؤساءَها، وإنَّما ظاهِرُ كَلامِ عُثمانَ رَضيَ اللهُ تعالَى عنه أنَّه يُرَخِّصُ له في الصَّلاةِ معهم، كأنَّه يَقولُ له: لا يَضُرُّكَ كَونُهم مَفتونينَ، إذا أحسَنوا فوافِقْهم على إحسانِهم، وَإذا أساؤوا -لِكَونِهم فَتَنوا أوِ ابتَدَعوا- فلا يَضُرُّ المُصلِّيَ خَلفَهم ذلك؛ لِأنَّه يَتَّبِعُهم في صَلاتِهم، ويُنكِرُ عليهم ما همْ فيه مِن فِتنةٍ وبِدعةٍ.وقيلَ: إنَّ مَعنى قولِه" ويُصَلِّي لَنَا إمَامُ فِتْنَةٍ" أنَّ غَيرَ إمامِهم يُصَلِّي لهم في حِين الفِتنةِ، ليس أنَّ ذلك الإمامَ يَدعو إلى فِتنةٍ ويَسعى فيها، ويَدُلُّ على ذلك قَولُ عُثمانَ" الصَّلَاةُ أَحْسَنُ ما يَعْمَلُ النَّاسُ، فَإِذَا أَحْسَنَ النَّاسُ فأحْسِنْ معهُمْ، وإذَا أَسَاؤُوا فَاجْتَنِبْ إسَاءَتَهُمْ." ولم يَذكُرِ الذي أمَّهم بمَكروهٍ، وذَكَرَ أنَّ فِعلَه مِن أحسَنِ الأعمالِ، وحَذَّرَه مِنَ الدُّخولِ في الفِتنةِ. وفي الحَديثِ: أنَّ الصَّلاةَ خَلْفَ مَن تُكرَهُ الصَّلاةُ خَلْفَه أَوْلى مِن تَعطيلِ الجَماعةِ. وفيه: تَحذيرٌ مِنَ الفِتنةِ والدُّخولِ فيها، ومِن جَميعِ ما يُنكَرُ؛ مِن قَولٍ، أو فِعلٍ، أوِ اعتِقادٍ.الدرر السنية. إِذَا لَمْ يَرَ الصَّلاةَ خَلْفَ الأَئِمَّةِ مَنْ كَانُوا: بَرّهم وفاجِرْهم فَالسُّنَّةُ ، يعني سواء كان عدلًا أو فاجرًا أو عاصيًا. قال فَالسُّنَّةُ أَنْ تُصَلِّيَ مَعَهُمْ رَكْعَتَيْنِ،-مَنْ أَعَادَهُمَا فَهُوَ مُبْتَدِعٌ-،وَيَدِينُ بِأَنَّهَا تَامَّةٌ ، ما معنى َيَدِينُ، أي يعتقد دينًا أنها صحيحة، وأنها تامة، يدين بهذا، يدين الله يعتقد أنها صحيحة وأن هذا دين، ولهذا قال، لايَكُنْ فِي صَدْرِكَ مِنْ ذَلِكَ شَكٌّ. هل غير الأئمة تصح الصلاة خلف الفاسق غير الإمام، أو الجمعة؟ هذا فيه تفصيل ، إن كان لا يوجد إلا جمعة واحدة في البلد، وإمامها فاسق يُصَلَّى خلفه، لأنك لو لم تصلِ خلفه تصلِّي وحدك وهذا بدعة، إذا لم يوجد إلا هذه الجمعة أو هذا الجامع الذي إمامه فاسق يصلى خلفه عند عامة أهل السنة، ومن تركه ولم يصل خلفه فهو مبتدع، إذا صلى وحده فهو مبتدع. إذا وجد إمام جامع آخر مسجد آخر جمعة أو جماعة، وأحدهما إمامه فاسق، والآخر إمامه عادل، وصلى خلف الفاسق مع وجود العادل، فهل تصح صلاته أو لا تصح؟ إن كان يترتب على ترك الصلاة خلف الفاسق مفسدة، فيصلي خلف الفاسق، كأن يكون مثلا إذا لم يصلّ خلفه يتحزب الناس حزبين حزب مع الإمام وحزب معه ويحصل فُرقة واختلاف، فهذا يصلى خلفه. إذا لم يترتب على هذا مفسدة، وصلى خلف الفاسق مع وجود العادل ففيه خلاف بين العلماء، من العلماء من قال تصح، ومنهم من قال لا تصح، ومنهم من قال تصح ويعيد، ومنهم من قال لا يعيد، والسبب في ذلك أنه إذا صلى خلف فاسق، لم ينكر المنكر عليه أقره على المنكر، والواجب إنكار المنكر. فإذًا يصلى خلف الفاسق إذا كان إمام المسلمين،ويصلى خلف الفاسق إذا كان من ولاه إمام المسلمين، ويصلى خلف الفاسق إذا لم يوجد جماعة أخرى أو جمعة، ويصلى خلف الفاسق إذا وجدت جماعة أخرى أو جمعة، لكن يترتب على تركها مفسدة. أما إذا صلى خلف الفاسق ووجد إمام غيره، ولا يترتب على هذا مفسدة، هذا محل الخلاف بين أهل العلم، من العلماء من قال تصح،ومنهم من قال لا تصح، ومنهم من قال تصح وتعاد. شرح أصول السنة للإمام أحمد بن حنبل.موقع حلقات جامع شيخ الإسلام ابن تيمية.الشيخ الراجحي. |
27-04-23, 11:28 PM | #38 |
نفع الله بك الأمة
|
المجلس السابع والثلاثون شرح أصول السنة للإمام أحمد بن حنبل المتن - وَمَنْ خَرَجَ عَلَى إِمَامٍ - مِنْ أَئِمَّةِ- المُسْلِمِينَ،وَقَدْ كَانَ النَّاسُ اجْتَمَعُوا عَلَيْهِ،وَأَقَرُّوا لَهُ بِالخِلافَةِ،بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ بِالرِّضَا أَوْ بِالغَلَبَةِ فَقَدْ شَقَّ هَذَا الخَارِجُ عَصَا المُسْلِمِينَ،وَخَالَفَ الآثَارَ عَنْ رَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-فَإِنْ مَاتَ الخَارِجُ عَلَيْهِ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً،وَلايَحِلُّ قِتَالُ السُّلْطَانِ وَلا الخُرُوجُ عَلَيْهِ لأَحَدٍ مِنَالنَّاسِ،فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ مُبْتَدِعٌ عَلَى غَيْرِ السُّنَّةِ وَالطَّرِيقِ. الشرح:لا نجاة للعبد ولا فوز ولا فلاح إلا باتباع كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإن أهم ما جاء به الكتاب والسنة مسائل الاعتقاد، فيجب على كل مسلم أخذ عقيدته وتوحيده من هذين المصدرين على فهم سلف الأمة، ومن تلك العقائد: عدم الخروج على ولاة الأمر، والصلاة خلفهم وطاعتهم بالمعروف،.... ولا يحل قتال السلطان، ولا الخروج عليه لأحد من الناس، فمن فعل ذلك فهو مبتدع على غير السنة والطريق. من خرج على إمام من أئمة المسلمين بعد أن اجتمعت الأمة عليه، كانوا اجتمعوا عليه وأقروا له بالخلافة بأي وجه كان، يعني بواحدة من الأمور الثلاثة، إما باختيار أهل الحل والعقد، أو بولاية العهد، أو بالقوة والغلبة بأن غلبهم بسيفه وسلطانه حتى ثبتت له الخلافة فلا يجوز الخروج عليه أيضًا ، ولهذا قال بأي وجه كان. *قال صلى الله عليه وسلم "مَن رَأَى مِن أمِيرِهِ شيئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ، فإنَّه مَن فارَقَ الجَماعَةَ شِبْرًا، فَماتَ، فَمِيتَةٌ جاهِلِيَّةٌ."الراوي : عبدالله بن عباس -صحيح مسلم. في هذا الحديثِ يُرشِدُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أُمَّتَه بأنَّ مَن كَرِهَ مِن أميرِه وحاكِمِه شيئًا، فإنَّه يَنْبغي عليه أنْ يَصبِرَ على هذا المكروهِ ولا يَخرُجَ على سُلطانِه وأميرِه؛ لأنَّ مَن خرَجَ على السُّلطانِ ووَليِّ الأمرِ ولو قَدْرَ شِبرٍ -يعني: ولو في شَيْءٍ يَسيرٍ- ماتَ مِيتةً جاهليَّةً، أي: كما يَموتُ أهلُ الجاهليةِ مِنَ الضَّلالةِ والفُرقةِ وليْس لهم إمامٌ يُطاعُ، وليس المرادُ أنَّه يموتُ كافِرًا. وفي الحديثِ: الزَّجرُ والتحذيرُ مِنَ الخُروجِ على وَليِّ الأمرِ.الدرر السنية. الحكمة في عدم الخروج على ولي الأمر إذا فعل المعاصي والكبائر،الحكمة أن الشريعة جاءت لتحصيل المصالح وتكميلها وبدرء المفاسد وتقليلها وذلك أن الخروج من قواعد الشريعة أنه إذا اجتمع مفسدتان كبرى وصغرى لا يستطاع تركهما لا بد من فعل واحدة من المفسدتين نرتكب المفسدة الصغرى لفوات الكبرى.وإذا وجد مصلحتان، كبرى وصغرى، لا نستطيع فعلهما فإننا نفوت المصلحة الصغرى ونفعل المصلحة الكبرى، هذه قاعدة من قواعد الشرع، دل عليها نصوص كثيرة، من أدلة هذه القواعد أو هذه القاعدة قول النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح لعائشة" يا عائِشَةُ، لَوْلا أنَّ قَوْمَكِ حَديثُو عَهْدٍ بشِرْكٍ، لَهَدَمْتُ الكَعْبَةَ، فألْزَقْتُها بالأرْضِ، وجَعَلْتُ لها بابَيْنِ: بابًا شَرْقِيًّا، وبابًا غَرْبِيًّا، وزِدْتُ فيها سِتَّةَ أذْرُعٍ مِنَ الحِجْرِ، فإنَّ قُرَيْشًا اقْتَصَرَتْها حَيْثُ بَنَتِ الكَعْبَةَ.".الراوي : عائشة أم المؤمنين – صحيح مسلم. فالخروج على الأئمة يحصل به مفاسد كثيرة، فيحصل به فتن وقتل واضطهاد لأهل الخير، ويحصل به إذلال لأهل الدين ولأهل الإيمان ولأهل العلم ولأهل العمل الصالح، وقد جُرّب ذلك في العصور الأولى، فالذين خرجوا على الحجاج في ولايته كـ ابن الأشعث لما أن خلع بيعة أمير المؤمنين عبد الملك، وخلع طاعة والي العراق الذي هو الحجاج، واجتمع معه خلق كثير حتى أن منهم كثيرًا من علماء التابعين في ذلك الوقت، فماذا حصل؟ حصل أنه لما انتصر عليهم الحجاج أخذوا وقتل بذلك خلق كثير، وكان من آخرهم سعيد بن جبير رحمه الله. في آخر عهد بني أمية خرج زيد بن علي بن الحسين وحاول أن يتم له الأمر فقُتل، وقُتل من معه واضطهدوا.وأمثلة كثيرة عبر العصور حدثت فيها نفس المفاسد. *قِتَالُ اَللُّصُوصِ وَالْخَوَارِجِ: المتن : وَقِتَالُ اَللُّصُوصِ وَالْخَوَارِجِ جَائِزٌ إِذَا عَرَضُوا لِلرَّجُلِ فِي نَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَهُ أَنْ يُقَاتِلَ عَنْ نَفْسِهِ وَمَالِهِ، وَيَدْفَعُ عَنْهَا بِكُلِّ مَا يَقْدِرُ، وَلَيْسَ لَهُ إِذَا فَارَقُوهُ أَوْ تَرَكُوهُ أَنْ يَطْلُبَهُمْ، وَلَا يَتْبَعَ آثَارَهُمْ، لَيْسَ لِأَحَدٍ إِلَّا اَلْإِمَامَ أَوْ وُلَاةَ اَلْمُسْلِمِينَ، إِنَّمَا لَهُ أَنْ يَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ فِي مَقَامِهِ ذَلِكَ، وَيَنْوِيَ بِجُهْدِهِ أَنْ لَا يَقْتُلَ أَحَدًا، فَإِنْ مَاتَ عَلَى يَدَيْهِ فِي دَفْعِهِ عَنْ نَفْسِهِ فِي اَلْمَعْرَكَةِ فَأَبْعَدَ اَللَّهُ اَلْمَقْتُولَ، وَإِنْ قُتِلَ هَذَا فِي تِلْكَ اَلْحَالِ وَهُوَ يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ وَمَالِهِ، رَجَوْتُ لَهُ اَلشَّهَادَةَ، كَمَا جَاءَ فِي اَلْأَحَادِيثِ وَجَمِيعِ اَلْآثَارِ فِي هَذَا إِنَّمَا أُمِرَ بِقِتَالِهِ، وَلَمْ يُؤْمَرْ بِقَتْلِهِ وَلَا اِتِّبَاعِهِ، وَلَا يُجْهِزُ عَلَيْهِ إِنْ صُرِعَ أَوْ كَانَ جَرِيحًا، وَإِنْ أَخَذَهُ أَسِيرًا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْتُلَهُ، وَلَا يُقِيمَ عَلَيْهِ اَلْحَدَّ، وَلَكِنْ يَرْفَعُ أَمْرَهُ إِلَى مَنْ وَلَّاهُ اَللَّهُ، فَيَحْكُمُ فِيهِ. الشرح: اللصوص هم الذين يعتدون على الأموال، ومثلهم أيضًا المحاربون وقطاع الطريق ونحوهم، وهؤلاء بلا شك أنهم فيما يظهر من المسلمين، فإذا شهروا سلاحهم فإنهم يُقَاتَلُونَ بما يندفعون به. جاءَ رَجُلٌ إلى رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فقالَ: يا رَسولَاللهِ، أرَأَيْتَ إنْ جاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أخْذَ مالِي؟ قالَ: فلا تُعْطِهِ مالَكَ،قالَ: أرَأَيْتَ إنْ قاتَلَنِي؟ قالَ: قاتِلْهُ ،قالَ: أرَأَيْتَ إنْ قَتَلَنِي؟ قالَ: فأنْتَ شَهِيدٌ، قالَ: أرَأَيْتَ إنْ قَتَلْتُهُ؟ قالَ: هو في النَّارِ."الراوي : أبو هريرة -صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم : 140 - خلاصة حكم المحدث : صحيح. *عن عبدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو :قال سَمِعْتُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: مَن قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهو شَهِيدٌ." صحيح البخاري. ووردت قاعدة مفيدة في منظومة القواعد الفقهية للسعدي رحمه الله: 31 ـ وَمُتْلفُ مُؤْذِيهِ لَيْسَ يَضْمَنُ*بَعْدَ الدِّفاعِ بِالتي هِيَ أَحْسَنُ. ومعنى كلام الناظم ـ رحمه الله ـ : أن من أتلف صائلًا - الصائل : هو الذي يهاجم ويعتدي- لدفع أذاه فلا ضمان عليه ؛ لأن الصائلَ هو المعتدي والظالم ، ولكن بشرط الدَّفع بالتي هي أحسنُ ، أي : لا يكون الدَّافعُ متعديًا في دفعِه ، فمن أمكن دفعُه بالتهديد فلا يُضرَبُ ، ومن أمكن دفعه بالضرب فلا يجوز دفعه بالقتلِ وهكذا ؛ لقوله تعالى "ادْفَعَ بِالَّتِي هِي أَحْسَنُ " . سورة فصلت / آية : 34 . فإذا دخل اللصوص في بيت من البيوت لأخذ مال فإن صاحب البيت يدفعهم بالتي هي أحسن، ولا يبدؤهم بالقتال رأسًا، فإنهم لم يبلغوا أن يقاتلُوا، إنما دخلوا لأخذ مال أو للاختلاس أو نحو ذلك، ولكن إذا رأى منهم القوة ورأى منهم الجد قاتلهم.فيهددهم ويخوفهم بعدما يذكرهم، فإذا لم ينفع فيهم التذكير ولا التخويف ولا التهديد أظهر لهم أن عنده من القوة ما يدفعهم وما يردهم، فإذا لم يندفعوا استعمل القوة بأدنى مراتبها، فإن كانوا يُكفون بضربهم بالعصي اكتفى بذلك ولم يستعمل السلاح، فإذا لم يكفوا استعمل السكين دون السيف، وإذا لم يكفوا استعمل السيف أو نحوه مما يقاتل به في هذه الأزمنة، كالرصاص ونحوه، فله أن يستعمل ذلك لدفع كيدهم ولدفع شرهم، وسواء كان اعتداؤهم لأجل قتله أو لأجل ماله أو لأجل محارمه أو ما أشبه ذلك، فكل هؤلاء من اللصوص المعتدين يُدْفَعون بما يندفع به شرهم أو يرفع بأمرهم إلى من يأخذ على أيديهم.شرح أصول السنة للإمام أحمد .لابن جبرين. إذًا أنت مأمورٌ بالدفاع عن نفسك، لكن لا تنوي قتله، وإنما تدفع بالأسهل فالأسهل، ولا تُجْهِز عليه إذا سقط صريعًا أو جريحًا، وإن أخذته أسيرًا فلا تقتله ولا تقم عليه الحد، ولكن تسلمه إلى ولاة الأمور، وإن هرب فلا تتبعه. فالمقصود أن قتال اللصوص وقتال الخوارج، إنما يقاتلهم الإنسان قتال دفاع، ويدفعهم بالأسهل فالأسهل.شرح الشيخ الراجحي. لا نَشْهَدُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ اَلْقِبْلَةِ بِعَمَلٍ يَعْمَلُهُ بِجَنَّةٍ وَلَا نَارٍ الشرح: من عقيدة أهل السنة أنهم لا يجزمون لأحد بجنة ولا نار ولو انطبقت عليه بعض الأحاديث، وهناك أحاديث في الوعيد، وهناك أحاديث في الوعد، فيقولون: إن أمره إلى الله تعالى.إلا من جزم له النبي صلى الله عليه وسلم كالعشرة المبشرين بالجنة ونحوهم من الذين ورد تسميتهم أنهم من أهل الجنة. قال صلى الله عليه وسلم "أبو بكر في الجنة ، وعمر في الجنة ، وعثمان في الجنة ، وعلي في الجنة ، وطلحة في الجنة ، والزبير في الجنة ، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة ، ، وسعد بن أبي وقاص في الجنة ، وسعيد بن زيد في الجنة ، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة"الراوي: سعيد بن زيد و عبدالرحمن بن عوف المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 50-خلاصة حكم المحدث: صحيح. "لا يَدْخُلُ النارَ أحدٌ ممَن بايعَ تحتَ الشجرةِ."الراوي : جابر بن عبدالله - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح أبي داود . " الحسَنُ والحُسَيْنُ سيِّدا شَبابِ أَهْلِ الجنَّةِ ."الراوي : أبو سعيد الخدري- المحدث : الوادعي - المصدر : الصحيح المسند. وكالذين ورد أنهم من أهل النار كـ أبي لهب كما في قوله تعالى"سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ"المسد:3. ونحوهم ممن وردت النصوص في أنهم من أهل العذاب.الجبرين. "أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ ذُكِرَ عِنْدَهُ عَمُّهُ أبو طالِبٍ فقالَ: لَعَلَّهُ تَنْفَعُهُ شَفاعَتي يَومَ القِيامَةِ، فيُجْعَلُ في ضَحْضاحٍ مِن نارٍ يَبْلُغُ كَعْبَيْهِ، يَغْلِي منه دِماغُهُ."الراوي : أبو سعيد الخدري - صحيح مسلم. العباسُ بنُ عبدِ المطلب قَالَ للنبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ما أغْنَيْتَ عن عَمِّكَ، فإنَّه كانَ يَحُوطُكَ ويَغْضَبُ لَكَ؟ قَالَ: هو في ضَحْضَاحٍ مِن نَارٍ، ولَوْلَا أنَا لَكانَ في الدَّرَكِ الأسْفَلِ مِنَ النَّارِ."الراوي : العباس بن عبدالمطلب - صحيح البخاري. "بيْنَما رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قَائِمٌ يُصَلِّي عِنْدَ الكَعْبَةِ وجَمْعُ قُرَيْشٍ في مَجَالِسِهِمْ، إذْ قَالَ قَائِلٌ منهمْ: ألَا تَنْظُرُونَ إلى هذا المُرَائِي أيُّكُمْ يَقُومُ إلى جَزُورِ آلِ فُلَانٍ، فَيَعْمِدُ إلى فَرْثِهَا ودَمِهَا وسَلَاهَا، فَيَجِيءُ به، ثُمَّ يُمْهِلُهُ حتَّى إذَا سَجَدَ وضَعَهُ بيْنَ كَتِفَيْهِ، فَانْبَعَثَ أشْقَاهُمْ، فَلَمَّا سَجَدَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وضَعَهُ بيْنَ كَتِفَيْهِ، وثَبَتَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سَاجِدًا، فَضَحِكُوا حتَّى مَالَ بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ مِنَ الضَّحِكِ، فَانْطَلَقَ مُنْطَلِقٌ إلى فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلَامُ - وهي جُوَيْرِيَةٌ -، فأقْبَلَتْ تَسْعَى، وثَبَتَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سَاجِدًا حتَّى ألْقَتْهُ عنْه، وأَقْبَلَتْ عليهم تَسُبُّهُمْ، فَلَمَّا قَضَى رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الصَّلَاةَ، قَالَ: اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بقُرَيْشٍ، اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بقُرَيْشٍ، اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بقُرَيْشٍ، ثُمَّ سَمَّى: اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بعَمْرِو بنِ هِشَامٍ، وعُتْبَةَ بنِ رَبِيعَةَ، وشيبَةَ بنِ رَبِيعَةَ، والوَلِيدِ بنِ عُتْبَةَ، وأُمَيَّةَ بنِ خَلَفٍ، وعُقْبَةَ بنِ أبِي مُعَيْطٍ، وعُمَارَةَ بنِ الوَلِيدِ. قَالَ عبدُ اللَّهِ: فَوَاللَّهِ لقَدْ رَأَيْتُهُمْ صَرْعَى يَومَ بَدْرٍ، ثُمَّ سُحِبُوا إلى القَلِيبِ، قَلِيبِ بَدْرٍ، ثُمَّ قَالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: وأُتْبِعَ أصْحَابُ القَلِيبِ لَعْنَةً."الراوي : عبدالله بن مسعود - صحيح البخاري. " وأُتْبِعَ أصْحَابُ القَلِيبِ لَعْنَةً "يَعني: أنَّ اللهَ أتبَعَهم لَعنةً، فكما أنَّهم مَقتولونَ في الدُّنيا، هم مَطرودونَ في الآخِرةِ مِن رَحمةِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ.فنجزم لهؤلاء أنهم من أهل النار لورود النص الصريح في حقهم.لأنه يلزم من طردهم من رحمة الله أنهم من أهل النار. فهذه عقيدة أهل السنة والجماعة لا يشهدون للمعين بجنة ولا نار- إلا ما ورد فيه نص-، لكن يرجون للمحسن ويخافون على المسيء، من رأيناه مستقيمًا على طاعة الله، وعمل الطاعات نرجو له الجنة لكن ما نشهد له بالجنة بعينه جزمًا، ومن رأيناه يعمل المعاصي والمخالفات نخاف عليه من النار، ولكن لا نشهد له بالنار بعينه، ولكن نشهد بالعموم.الراجحي. ولكن نشهد بالعموم: أي نشهد بأن المتن - وَمَنْ لَقِيَ اَللَّهَ بِذَنْبٍ يَجِبُ لَهُ بِهِ اَلنَّارُ تَائِبًا غَيْرَ مُصِرٍّ عَلَيْهِ فَإِنَّ اَللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ، وَيَقْبَلُ اَلتَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ، وَيَعْفُو عَنْ اَلسَّيِّئَاتِ، وَمَنْ لَقِيَهُ وَقَدْ أُقِيمَ عَلَيْهِ حَدُّ ذَلِكَ اَلذَّنْبِ فِي اَلدُّنْيَا، فَهُوَ كَفَّارَتُهُ، كَمَا جَاءَ فِي اَلْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَمَنْ لَقِيَهُ مُصِرًّا غَيْرَ تَائِبٍ مِنْ اَلذُّنُوبِ اَلَّتِي قَدْ اِسْتَوْجَبَ بِهَا اَلْعُقُوبَةَ فَأَمْرُهُ إِلَى اَللَّهِ، إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ، وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ، وَمِنْ لَقِيَهُ وَهُوَ كَافِرٌ عَذَّبَهُ وَلَمْ يَغْفِرْ لَهُ. الشرح: *وَمَنْ لَقِيَ اَللَّهَ بِذَنْبٍ يَجِبُ لَهُ بِهِ اَلنَّارُ تَائِبًا غَيْرَ مُصِرٍّ عَلَيْهِ فَإِنَّ اَللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ، وَيَقْبَلُ اَلتَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ، وَيَعْفُو عَنْ اَلسَّيِّئَاتِ: قال تعالى "وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ"الشورى:25. هذا بيان لكمال كرم الله تعالى وسعة جوده وتمام لطفه، بقبول التوبة الصادرة من عباده حين يقلعون عن ذنوبهم ويندمون عليها، ويعزمون على أن لا يعاودوها، إذا قصدوا بذلك وجه ربهم، فإن الله يقبلها بعد ما انعقدت سببًا للهلاك، ووقوع العقوبات الدنيوية والدينية. " وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ " ويمحوها، ويمحو أثرها من العيوب، وما اقتضته من العقوبات، ويعود التائب عنده كريما، كأنه ما عمل سوءا قط، ويحبه ويوفقه لما يقر به إليه. ولما كانت التوبة من الأعمال العظيمة، التي قد تكون كاملة بسبب تمام الإخلاص والصدق فيها، وقد تكون ناقصة عند نقصهما، وقد تكون فاسدة إذا كان القصد منها بلوغ غرض من الأغراض الدنيوية، وكان محل ذلك القلب الذي لا يعلمه إلا الله، ختم هذه الآية بقوله" وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ".تفسير السعدي. بِذَنْبٍ يَجِبُ لَهُ بِهِ اَلنَّارُ: وهي الكبائر. جمع كبيرة . وأصح ما قيل في تعريف الكبيرة من الأقوال الكثيرة، أن الكبيرة: كل ذنب وجب فيه حد في الدنيا، أو وعيد في الآخرة، كل ذنب ترتب عليه حد في الدنيا أو وعيد في الآخرة بالنار، أو اللعن، أو الغضب مثل الذنب الذي وجب فيه حد في الدنيا مثل الزنا فيها الرجم أو الجلد، مثل السرقة فيها قطع اليد، مثل شرب الخمر فيه الجلد. أو وعيد في الآخرة بالنار، مثل من أكل مال اليتيم توعد عليه بالنار " إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا "النساء:10. ومثل القتل توعد عليه بالنار واللعنة والغضب. قال تعالى "وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا"النساء:93. * وَمَنْ لَقِيَهُ وَقَدْ أُقِيمَ عَلَيْهِ حَدُّ ذَلِكَ اَلذَّنْبِ فِي اَلدُّنْيَا، فَهُوَ كَفَّارَتُهُ، كَمَا جَاءَ فِي اَلْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم: الشرح:يقول عُبادةُ بنُ الصَّامِتِ رضي الله عنه " بَايَعْتُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في رَهْطٍ، فَقالَ:أُبَايِعُكُمْ علَى أنْ لا تُشْرِكُوا باللَّهِ شيئًا، ولَا تَسْرِقُوا، ولَا تَزْنُوا، ولَا تَقْتُلُوا أوْلَادَكُمْ، ولَا تَأْتُوا ببُهْتَانٍ تَفْتَرُونَهُ بيْنَ أيْدِيكُمْ وأَرْجُلِكُمْ، ولَا تَعْصُونِي في مَعروفٍ، فمَن وفَى مِنكُم فأجْرُهُ علَى اللَّهِ، ومَن أصَابَ مِن ذلكَ شيئًا فَأُخِذَ به في الدُّنْيَا، فَهو له كَفَّارَةٌ وطَهُورٌ، ومَن سَتَرَهُ اللَّهُ، فَذلكَ إلى اللَّهِ: إنْ شَاءَ عَذَّبَهُ، وإنْ شَاءَ غَفَرَله."الراوي : عبادة بن الصامت -صحيح البخاري. قال الحافظ في الفتح :1/6" ويستفاد من الحديث أن إقامة الحدّ كفارة للذنب ولو لم يتب المحدود وهو قول الجمهور وقيل لا بدّ من التوبة وبذلك جزم بعض التابعين .ا.هـ. قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأُحِبُّ لِمَنْ أَصَابَ ذَنْبًا فَسَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتُرَ عَلَى نَفْسِهِ وَيَتُوبَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ أَنَّهُمَا أَمَرَا رَجُلا أَنْ يَسْتُرَ عَلَى نَفْسِهِ . سنن الترمذي 1439 . فلا يحتاج إذن من أصاب حدّا أن يذهب إلى القاضي ويعترف ويطلب إقامة الحدّ عليه وإنما يُندب له أن يستر نفسه ويتوب فيما بينه وبين الله عزّ وجلّ ، ويُكثر من عمل الصّالحات ، والحسنات يُذهبن السيئات والتائب من الذّنب كمن لا ذنب له . نسأل الله العافية والمغفرة.الإسلام سؤال وجواب. قال صلى الله عليه وسلم"كُلُّ أُمَّتي مُعافًى إلَّا المُجاهِرِينَ، وإنَّ مِنَ المُجاهَرَةِ أنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ باللَّيْلِ عَمَلًا، ثُمَّ يُصْبِحَ وقدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عليه، فَيَقُولَ: يا فُلانُ، عَمِلْتُ البارِحَةَ كَذا وكَذا، وقدْ باتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، ويُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عنْه"الراوي : أبو هريرة /صحيح البخاري. وفي الحَديثِ: أنَّ على مَن ابتُليَ بمَعصيةٍ أنْ يَستُرَ على نفْسِه. وفيه: أنَّ ارتِكابَ المعصيةِ مع سَتْرِها أهونُ وأخفُّ مِن المجاهَرةِ بها.الدرر. "أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلم قام بعد أنْ رجَم الأسْلَميَّ فقال: اجتنِبوا هذه القاذوراتِ التي نهى اللهُ تعالى عنها ، فمن ألَمَّ بشيءٍ منها فلْيستَتِرْ بسِترِ اللهِ ، و لْيَتُبْ إلى اللهِ ، فإنه من يُبدِ لنا صفحتَه ، نُقِمْ عليه كتابَ اللهِ"الراوي : عبدالله بن عمر - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم : 149 - خلاصة حكم المحدث : صحيح. في هذا الحَديثِ يُخبِرُ عبدُ اللهِ بن عُمَرَ رضِيَ اللهُ عنهما "أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قام بعد أن رَجَمَ الأسْلَميَّ"، وهو ماعِزُ بنُ مالكٍ الأسْلَميُّ، وكان رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أقامَ عليه حَدَّ الزاني المُحْصَنِ وهو الرَّجْمُ، وكان ماعزٌ قد أقرَّ لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالزِّنا كما جاء في الرِّواياتِ الأُخرَى، ثم قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ "اجْتَنِبوا هذه القاذوراتِ التي نَهى اللهُ تعالى عنها"، والمُرادُ بالقاذوراتِ: الأفعالُ القَبيحةُ والسيِّئةُ التي نَهى عنها الشَّرْعُ، ومنها الزنا؛ "فمَن ألمَّ بشَيءٍ منها"، أي: وَقَعَ فيها وفَعَلَها، "فلْيَسْتَتِرْ بسِتْرِ اللهِ"، أي: يَمْتنعْ أنْ يَتحدَّثَ أو يُخبِرَ أحدًا، "ولْيَتُبْ إلى اللهِ"، أي: ولْيُسارِعْ في التَّوبَةِ من ذَنْبِهِ الذي أذْنَبَهُ؛ "فإنَّه مَن يُبْدِ لنا صَفْحَتَه"، بأنْ أظْهَرَ لنا وأَطْلَعَنا على فَعْلتِهِ وذَنْبِهِ، "نُقِمْ عليه كِتابَ اللهِ"، أي: نَحكُمْ عليه بحُكْمِ اللهِ عزَّ وجلَّ، ونقم عليه الحَدَّ الذي ذَكرَه اللهُ تعالى في كِتابِه. وفي الحديثِ: أنَّ العبْدَ يُؤاخذُ في الدُّنْيا بما يُظهِرُه، وأمَّا ما خَفِيَ فأمْرُهُ إلى اللهِ تعالى.الدرر. المتن:وَمَنْ لَقِيَهُ مُصِرًّا غَيْرَ تَائِبٍ مِنْ اَلذُّنُوبِ اَلَّتِي قَدْ اِسْتَوْجَبَ بِهَا اَلْعُقُوبَةَ فَأَمْرُهُ إِلَى اَللَّهِ، إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ، وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ، وَمِنْ لَقِيَهُ وَهُوَ كَافِرٌ عَذَّبَهُ وَلَمْ يَغْفِرْ لَهُ. الشرح: من مات على الإسلام ولكنه عاصٍ ولم يتب من ذنبه، فَذَلِكَ مُفَوَّض إلى اللهِ، إنْ شاءَ عَذَّبَه بِعَدْلِه، وإنْ شاءَ غَفَرَ لَه بِفَضلِه. فالخلق إذن دائرون بين عدل الله وفضله، وما أحسن ما نسب إلىالشافعيرحمه الله من قوله: يقول التَّابعيُّ صَفوانُ بنُ مُحرِزٍ المازِنيُّ "بيْنَما أنَا أمْشِي مع ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عنْهما آخِذٌ بيَدِهِ، إذْ عَرَضَ رَجُلٌ، فَقالَ: كيفَ سَمِعْتَ رَسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ في النَّجْوَى؟ فَقالَ: سَمِعْتُ رَسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: إنَّ اللَّهَ يُدْنِي المُؤْمِنَ، فَيَضَعُ عليه كَنَفَهُ ويَسْتُرُهُ، فيَقولُ: أتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ أتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ فيَقولُ: نَعَمْ أيْ رَبِّ، حتَّى إذَا قَرَّرَهُ بذُنُوبِهِ، ورَأَى في نَفْسِهِ أنَّه هَلَكَ، قالَ: سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ في الدُّنْيَا، وأَنَا أغْفِرُهَا لكَ اليَومَ، فيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ، وأَمَّا الكَافِرُ والمُنَافِقُونَ، فيَقولُ الأشْهَادُ"هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ"هود: 18.الراوي : عبدالله بن عمر -المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم 2441 -خلاصة حكم المحدث : صحيحإنْ ُعذِّبُوا فبعدلِهِ أو نُعِّمُوا فبفضلِهِ وهو الكريمُ الواسعُ والله تعالى لا يحب أن يعذب عباده كما قال"مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا"النساء:147، فهو إذن يحب منهم الإيمان والطاعة ليدخلوا الجنة، فإذا عتى الإنسان وتمرد وأبى إلا الكُفْر والمعاصي فلا يلومنَّ إلا نفسه. يَذكُرُ التَّابعيُّ صَفوانُ بنُ مُحرِزٍ المازِنيُّ أنَّه كان يَسيرُ مع عبْدِ اللهِ بنِ عمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما آخِذًا بيَدَيْه، إذ ظَهَرَ له رجُلٌ، وسَأَلَه عن النَّجْوَى، والنَّجوى هي إسرارُ الواحدِ بالكلامِ مع آخَرَ على انفرادٍ، والمرادُ بها هنا: ما يقَعُ بيْن اللهِ تعالَى وبيْن عبْدِه المؤمنِ يومَ القيامةِ،وهو فضْلٌ مِن اللهِ تعالَى، حيث يَذكُرُ المَعاصيَ للعبْدِ سِرًّا. فذَكَرَ ابنُ عمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أخبَرَ أنَّ اللهَ تعالَى يُدْني المؤمنَ، أي: يُقرِّبه إليه يومَ القيامةِ؛ ليُكلِّمَه ويَعرِضَ عليه ذُنوبَه فيما بيْنه وبيْنه، فيَضَعُ عليه كنَفَه، والكَنَفُ في اللُّغةِ: السَّتْرُ والحِرزُ والنَّاحيةُ، ويَستُرُه، أي: يَستُرُ عبْدَه عن رُؤيةِ الخَلْق له؛ لئلَّا يَفتضِحَ أمامَهم فيُخْزى، ويُكلِّمُه فيها سِرًّا فيَقولُ له: أتَعرِفُ ذنْبَ كذا؟ أتَعرِفُ ذنْبَ كذا؟ فيُذكِّرُه بما فعَلَه في الدُّنيا في لُطفٍ وخَفاءٍ، حتَّى إذا قَرَّره بذلك واعتَرَف بذُنوبِه، وتَيقَّن أنَّه داخلٌ النَّارَ لا مَحالةَ إلَّا أنْ يَتَدارَكَه عفْوُ اللهِ؛ يقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ له: سَتَرتُها عليك في الدُّنيا وأنا أغفِرُها لك اليومَ. "إنِّي لَأَعْلَمُ آخِرَ أهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنْها، وآخِرَ أهْلِ الجَنَّةِ دُخُولًا، رَجُلٌ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ كَبْوًا، فيَقولُ اللَّهُ: اذْهَبْ فادْخُلِ الجَنَّةَ، فَيَأْتِيها، فيُخَيَّلُ إلَيْهِ أنَّها مَلْأَى، فَيَرْجِعُ فيَقولُ: يا رَبِّ، وجَدْتُها مَلْأَى، فيَقولُ: اذْهَبْ فادْخُلِ الجَنَّةَ، فَيَأْتِيها فيُخَيَّلُ إلَيْهِ أنَّها مَلْأَى، فَيَرْجِعُ فيَقولُ: يا رَبِّ، وجَدْتُها مَلْأَى، فيَقولُ: اذْهَبْ فادْخُلِ الجَنَّةَ، فإنَّ لكَ مِثْلَ الدُّنْيا وعَشَرَةَ أمْثالِها -أوْ: إنَّ لكَ مِثْلَ عَشَرَةِ أمْثالِ الدُّنْيا- فيَقولُ: تَسْخَرُ مِنِّي -أوْ: تَضْحَكُ مِنِّي- وأَنْتَ المَلِكُ! فَلقَدْ رَأَيْتُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ضَحِكَ حتَّى بَدَتْ نَواجِذُهُ، وكانَ يقولُ: ذاكَ أدْنَى أهْلِ الجَنَّةِ مَنْزِلَةً."الراوي : عبدالله بن مسعود -صحيح البخاري.أمَّا الكافرُ والمنافقُ في عَقيدتِه، فيَقولُ الأشهادُ -وهم الحاضِرون مِن الملائكةِ والنَّبيِّين والجنِّ والإنسِ"هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ"هود: 18، أي: هؤلاء الَّذين كَفَروا ونَسَبوا إلى اللهِ ما لا يَليقُ به مِن الشَّريكِ والولدِ والزَّوجةِ، وغيرِ ذلك، "أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ" أي: ألَا سَخَطُ اللهِ الدَّائمُ وإبعادُه مِن رَحمتِه، على المُعتَدينَ الذين وَضَعوا العبادةَ في غيرِ مَوضِعِها. وفي الحديثِ: إثباتُ صِفةِ الكلامِ للهِ عزَّ وجلَّ على ما يَليقُ بجَلالِه.الدرر السنية. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " عصاة المسلمين ثلاثة أقسام : قسم يغفر الله له ولا يدخل النار أصلاً ، وقسم آخر يدخل النار ويعذب بقدر ذنوبه ثم يخرج ، وقسم ثالث يدخل النار ويعذب ، ولكن يكون له الشفاعة ، فيخرج من النار قبل أن يستكمل ما يستحقه من العذاب" .فتاوى نور على الدرب" 4/ 2: بترقيم الشاملة. فإن من عقيدة أهل السنة والجماعة - أن أهل المعاصي من الموحدين الذين تغلب سيئاتهم حسناتهم، واستوجبوا النار بأعمالهم، لا يخلدون في النار كباقي المشركين؛ ولكنهم يمكثون فيها بقدر معاصيهم، ثم يأمر الله تعالى الملائكة بإخراجهم من النار وإدخالهم الجنة، وذلك للأدلة التالية: "............فيُقَالُ: يا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ، وقُلْ يُسْمَعْ، وسَلْ تُعْطَهْ، واشْفَعْ تُشَفَّعْ، فأقُولُ: يا رَبِّ ائْذَنْ لي فِيمَن قالَ: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، فيَقولُ: وعِزَّتي وجَلَالِي، وكِبْرِيَائِي وعَظَمَتي لَأُخْرِجَنَّ منها مَن قالَ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ."الراوي : أنس بن مالك - صحيح البخاري. وفيه: دليلٌ على أنَّ أهلَ المَعاصي من أُمَّةِ مُحمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لا يُخلَّدونَ في النَّارِ.الدرر السنية. "يَدْخُلُ أهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ، وأَهْلُ النَّارِ النَّارَ، ثُمَّ يقولُ اللَّهُ تَعَالَى:أخْرِجُوا مِنَ النَّارِ مَن كانَ في قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِن خَرْدَلٍ مِن إيمَانٍ. فيُخْرَجُونَ منها قَدِ اسْوَدُّوا، فيُلْقَوْنَ في نَهَرِ الحَيَا، أوِ الحَيَاةِ - شَكَّ مَالِكٌ - فَيَنْبُتُونَ كما تَنْبُتُ الحِبَّةُ في جَانِبِ السَّيْلِ، ألَمْ تَرَ أنَّهَا تَخْرُجُ صَفْرَاءَ مُلْتَوِيَةً." الراوي : أبو سعيد الخدري- صحيح البخاري. وهذا الحَديثُ نصٌّ في أنَّ الإيمانَ في القُلوبِ يَتفاضَلُ، وأنَّ أهلَ الإيمانِ يَتفاضَلون في درَجاتِ إيمانِهم. وفيه أيضًا: أنَّ مُرتكِبَ المعاصي مُعرَّضٌ للعُقوبةِ في الدَّارِ الآخِرةِ، ودُخولِ النَّارِ، إلَّا أنْ يَعفُوَ اللهُ عنه.الدرر السنية. فائدة هامة في مفهوم عدل الله: إقامة العدل بين العباد، إنما يتحقق كاملا في الآخرة عندما توضع موازين القسط ليوم القيامة، فلا تظلم نفس شيئا. وأما في الدنيا فقد يموت المظلوم بمظلمته، ويموت الظالم بظلمه، دون أن يقام العدل بينهما، حتى تُقتَصَّ بينهم المظالم يوم القيامة. إسلام ويب.
وكذلك فإن المحسنين في الدنيا يموت بعضهم دون أن يرى جزاء إحسانه فيها، حتى يُجزَى بذلك يوم القيامة! وذلك أن الدنيا ليست بدار جزاء، وإنما هي دار عمل، بعكس الآخرة فهي دار جزاء وليست دار عمل. وهذا لا يتعارض مع اتصاف الله تعالى بالعدل مطلقًا، فهو سبحانه متصف بذلك أزلا وأبدًا، وإن كان ظهور آثاره للعباد في الدنيا يتفاوت، حتى يظهر جليا للجميع، ويرى حق اليقين، في الآخرة، حيث"تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ "البقرة:281، آل عمران:161، وذلك يوم القيامة، كما قال تعالى" الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ"غافر: 17. |
27-04-23, 11:29 PM | #39 |
نفع الله بك الأمة
|
المجلس الثامن والثلاثون شرح أصول السنة للإمام أحمد بن حنبل المتن - وَالرَّجْمُ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَا وَقَدْ أُحْصِنَ إِذَا اعْتَرَفَ أَوْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ،وَقَدْ رَجَمَ رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-،وَقَدْ رَجَمَتْ الأَئِمَّةُ الرَّاشِدُونَ. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ "أنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَما إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ أحَدُهُمَا: اقْضِ بيْنَنَا بكِتَابِ اللَّهِ، وقالَ الآخَرُ -وهو أفْقَهُهُمَا-: أجَلْ يا رَسولَ اللَّهِ، فَاقْضِ بيْنَنَا بكِتَابِ اللَّهِ، وأْذَنْ لي أنْ أتَكَلَّمَ، قالَ: تَكَلَّمْ، قالَ: إنَّ ابْنِي كانَ عَسِيفًا علَى هذا -قالَ مَالِكٌ: والعَسِيفُ الأجِيرُ - زَنَى بامْرَأَتِهِ، فأخْبَرُونِي أنَّ علَى ابْنِي الرَّجْمَ، فَافْتَدَيْتُ منه بمِائَةِ شَاةٍ وجَارِيَةٍ لِي، ثُمَّ إنِّي سَأَلْتُ أهْلَ العِلْمِ، فأخْبَرُونِي أنَّ ما علَى ابْنِي جَلْدُ مِائَةٍ وتَغْرِيبُ عَامٍ، وإنَّما الرَّجْمُ علَى امْرَأَتِهِ، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أمَا والَّذي نَفْسِي بيَدِهِ، لَأَقْضِيَنَّ بيْنَكُما بكِتَابِ اللَّهِ، أمَّا غَنَمُكَ وجَارِيَتُكَ فَرَدٌّ عَلَيْكَ، وجَلَدَ ابْنَهُ مِائَةً وغَرَّبَهُ عَامًا، وأُمِرَ أُنَيْسٌ الأسْلَمِيُّ أنْ يَأْتِيَ امْرَأَةَ الآخَرِ، فَإِنِ اعْتَرَفَتْ رَجَمَهَا، فَاعْتَرَفَتْفَرَجَمَهَا."الراوي : أبو هريرة وزيد بن خالد الجهني - المحدث : البخاري- المصدر : صحيح البخاري -الصفحة أو الرقم: 6633.الشرح: الزاني المحصن:هو الذي قد تزوج ثم زنا بعدما تزوج زواجًا شرعيًّا ودخل بامرأته . ولا يلزم في إقامة حد الرجم أن يكون - الرجل أو المرأة - متزوجًا حال فعل الزنا ، فمن طلق أو ماتت زوجته بعد الدخول بها ، فإنه محصن إذا توفرت فيه بقية الشروط ، وكذا من طلقت أو مات زوجها ، فإنها محصنة . جاء في الموسوعة الفقهية :2/227" وَمِمَّا تَجْدُرُ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ بَقَاءُ النِّكَاحِ لِبَقَاءِ الْإِحْصَانِ , فَلَوْ نَكَحَ فِي عُمُرِهِ مَرَّةً ثُمَّ طَلَّقَ وَبَقِيَ مُجَرَّدًا , وَزَنَى رُجِمَ " انتهى . فتوى اللجنة الدائمة:من تزوج بزوجة ثم زنا أقيم عليه حد الرجم، سواء كانت زوجته باقية في عصمته، أم ماتت؛ لأنه صار بوطئه زوجته محصنًا، وكذا الحكم في المرأة. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.المصدر:اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء:22/38: عبد الله بن قعود ... عضو عبد الله بن غديان ... عضو عبد الرزاق عفيفي ... نائب الرئيس عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الرئيس. حد الرجم للزاني للمحصن ثابت بالكتاب والسنَّة والإجماع. فالمحصن من السنة أن يرجم حتى يموت إذا قامت عليه البيِّنة، أو اعترف بالزنا أربع مرات وبقي على اعترافه إلى أن يقام عليه الحد. حكم الزاني المحصن فإن حكمه الرجم بالحجارة حتى الموت ، وقد ذُكر في آية قرآنية نزلت وتليت وعمل بها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، ثم نسخت تلاوتها وبقي حكمها ، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال "إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَقِّ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ فَكَانَ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ آيَةُ الرَّجْمِ فَقَرَأْنَاهَا وَعَقَلْنَاهَا وَوَعَيْنَاهَا رَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ فَأَخْشَى إِنْ طَالَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ وَاللَّهِ مَا نَجِدُ آيَةَ الرَّجْمِ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أَنْزَلَهَا اللَّهُ وَالرَّجْمُ فِي كِتَابِ اللَّهِ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى إِذَا أُحْصِنَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ إِذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ أَوْ كَانَ الْحَبَلُ أَوْ الِاعْتِرَافُ " رواه البخاري : 6442- ومسلم : 1691 . عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ فَنَادَاهُ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي زَنَيْتُ ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ حَتَّى رَدَّدَ عَلَيْهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ ، فَلَمَّا شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ دَعَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ " أَبِكَ جُنُونٌ ؟ " قَالَ : لَا قَالَ "فَهَلْ أَحْصَنْتَ " قَالَ : نَعَمْ .فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " اذْهَبُوا بِهِ فَارْجُمُوهُ " .رواه البخاري : 6430 - ومسلم : 1691 . وفي رواية: عن جَابِرِ بنِ عبدِ اللَّهِ الأنْصَارِيِّ قَالَ: كُنْتُ فِيمَن رَجَمَهُ، فَرَجَمْنَاهُ بالمُصَلَّى بالمَدِينَةِ، فَلَمَّا أذْلَقَتْهُ الحِجَارَةُ جَمَزَ حتَّى أدْرَكْنَاهُ بالحَرَّةِ، فَرَجَمْنَاهُ حتَّى مَاتَ."الراوي : أبو هريرة وجابر-المحدث : البخاري -المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 5271. "أَذْلَقَتْه الحِجارةُ" أي: أقْلَقتْه وأَوجَعَتْه، "جَمَزَ" أي: أسرَعَ هارِبًا مِن القَتلِ، فأدْرَكوه بالحَرَّةِ فَرَجَمْوه حَتَّى ماتَ، والحَرَّةُ: مَكانٌ مَعروفٌ بالمَدينةِ مِن الجانِبِ الشَّماليِّ مِنه.الدرر السنية. وفيه: أنَّ الرَّجُل إذا كانَ مُحصَنًا فحَدُّه الرَّجمُ، وإنْ لَم يكُن مُحصَنًا وَزَنى فإنَّه يُجلَدُ مائةَ جَلدةٍ ويُغَرَّبُ عامًا. وفيه: أنَّ من أقَرَّ بالحدِّ وجب على الإمامِ إقامتُه عليه، ولو لم يعتَرِفْ مُشارِكُه في ذلك.الدرر السنية. " أنَّ امرأةً يعني من غامدٍ أتت النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقالت إنِّي قد فجرتُ فقال ارجِعي . فرجعت ، فلمَّا كان الغدُ أتته ، فقالت : لعلَّك أن ترُدَّني كما رددتَ ماعزَ بنَ مالكٍ ! فواللهِ إنِّي لحُبلَى . فقال لها : ارجِعي فرجعت ، فلمَّا كان الغدُ أتته ، فقال لها : ارجِعي حتَّى تلِدي . فرجعت ، فلمَّا ولدت أتته بالصَّبيِّ فقالت : هذا قد ولدتُه ، فقال لها : ارجِعي فأرضعيه حتَّى تَفطميه . فجاءت به وقد فطمته وفي يدِه شيءٌ يأكلُه ، فأمر بالصَّبيِّ فدُفِع إلى رجلٍ من المسلمين ، وأمر بها فحُفِر لها ؛ وأمر بها فرُجِمَت . وكان خالدٌ فيمن يرجمُها فرجمها بحجرٍ فوقعت قطرةٌ من دمِها على وجنتِه ، فسبَّها . فقال له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : مهلًا يا خالدُ فوالَّذي نفسي بيدِه ! لقد تابت توبةً لو تابها صاحبُ مُكسٍ لغُفِر له . وأمر بها فصلَّى عليها ودُفِنت "الراوي : بريدة بن الحصيب الأسلمي- المحدث : الألباني - المصدر : صحيح أبي داود-الصفحة أو الرقم : 4442- خلاصة حكم المحدث : صحيح. صاحبُ مُكسٍ: والْمُكْسُ: الْجبايَةُ،الذي يفرض على الناس ضرائب بغير حق. وغَلَبَ استعمالُه فيما يَأخُذه أعوانُ الظَّلمةِ عِند البيعِ والشِّراءِ. في الحديثِ: أنَّ الحدودَ تُكفِّرُ الذُّنوبَ. وفيه: أنَّ توبةَ الزَّاني لا تُسقِطُ عنه حدّ الزِّنا. وفيه: بيانُ عِظمِ التَّوبةِ، وأنَّها تَجُبُّ الذَّنبَ وإنْ عَظُمَ. وفيه: بيانُ حدِّ الزَّاني إذا كان مُحْصَنًا. وفيه: أنَّ مِن هدْيِه صلَّى الله عليه وسلَّمُ التَّثَبُّتَ مِنَ الأمرِ قدْرَ المستطاعِ خصوصًا فيالحدودِ.الدرر السنية. "............جَاءَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ وَهُمْ جُلُوسٌ، فَسَلَّمَ ثُمَّ جَلَسَ، فَقالَ: اسْتَغْفِرُوا لِمَاعِزِ بنِ مَالِكٍ، قالَ: فَقالوا: غَفَرَ اللَّهُ لِمَاعِزِ بنِ مَالِكٍ،قالَ، فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: لقَدْ تَابَ تَوْبَةً لو قُسِمَتْ بيْنَ أُمَّةٍ لَوَسِعَتْهُمْ."الراوي : بريدة بن الحصيب الأسلمي-صحيح مسلم. *هل تطبيق الحد مُكَفِّر للذنب : عن عبادة بن الصامت قال:كُنَّا مع رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ في مَجْلِسٍ، فَقالَ" تُبَايِعُونِي علَى أَنْ لا تُشْرِكُوا باللَّهِ شيئًا، وَلَا تَزْنُوا، وَلَا تَسْرِقُوا، وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بالحَقِّ، فمَن وَفَى مِنكُم فأجْرُهُ علَى اللهِ، وَمَن أَصَابَ شيئًا مِن ذلكَ فَعُوقِبَ به فَهو كَفَّارَةٌ له، وَمَن أَصَابَ شيئًا مِن ذلكَ فَسَتَرَهُ اللَّهُ عليه، فأمْرُهُ إلى اللهِ، إنْ شَاءَ عَفَا عنْه، وإنْ شَاءَ عَذَّبَهُ".صحيح مسلم " فَعُوقِبَ به فَهو كَفَّارَةٌ له "فَعُوقِبَ بِه في الدُّنْيا بِأَنْ أُقيمَ عليه الحَدُّ، فَهو، أي: العِقابُ كَفارَّة لَه فَلا يُعاقَبُ عليه في الآخِرةِ وطَهور يُطَهِّره اللهُ به مِن دَنَسِ المَعصيةِ. ومَن سَتَرَه اللهُ فَذَلِكَ مُفَوَّض إلى اللهِ، إنْ شاءَ عَذَّبَه بِعَدْلِه، وإنْ شاءَ غَفَرَ لَه بِفَضلِه.الدرر السنية. *هل يُغفر للزاني التائب ولو لم يُقم عليه الحد ؟ إن صدق في التوبة ، وأكثر من الاستغفار فلا يلزمه أن يعترف ليقام عليه الحد ، بل التوبة كافية إن شاء الله تعالى . قال تعالى"وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا*إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا"الفرقان: 68 :70. يَرْوي بُرَيْدةُ بنُ الحُصَيْبِ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ ماعِزَ بنَ مالِكٍ الأسْلَمِيَّ رَضيَ اللهُ عنه :جَاءَ مَاعِزُ بنُ مَالِكٍ إلى النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ: يا رَسولَ اللهِ، طَهِّرْنِي، فَقالَ: وَيْحَكَ! ارْجِعْ فَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ وَتُبْ إلَيْهِ، قالَ: فَرَجَعَ غيرَ بَعِيدٍ، ثُمَّ جَاءَ، فَقالَ: يا رَسولَ اللهِ، طَهِّرْنِي، فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ:وَيْحَكَ! ارْجِعْ فَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ وَتُبْ إلَيْهِ.............."صحيح مسلم. فلما شهد على نفسه أربع شهادات، دعاه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: أبك جنون؟ قال: لا، قال: فهل أحصنت؟ قال: نعم، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: اذهبوا به، فارجموه. قال النووي : وَفِي هَذَا الْحَدِيث دَلِيل عَلَى سُقُوط إِثْم الْمَعَاصِي الْكَبَائِر بِالتَّوْبَةِ , وَهُوَ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ .اهـ . وقال الحافظ ابن حجر : ويؤخذ من قضيته – أي : ماعز عندما أقرَّ بالزنى - أنه يستحب لمن وقع في مثل قضيته أن يتوب إلى الله تعالى ويستر نفسه ولا يذكر ذلك لأحدٍ . . . وبهذا جزم الشافعي رضي الله عنه فقال : أُحبُّ لمن أصاب ذنباً فستره الله عليه أن يستره على نفسه ويتوب اهـ ." فتح الباري " 12 / 124 ، 125 . *ولي الأمر أو من ينوبة فقط هو الذي له حق إقامة الحد : من وقع في الزنا وجب عليه أن يتوب إلى الله توبة نصوحًا، وينبغي أن يستر نفسه بستر الله- عز وجل- ولا يُطالب بإقامة الحد عليه،ولا يقيم الحدود إلا الحاكم المسلم، أو من يقوم مقام الحاكم، ولا يجوز لأفراد المسلمين أن يقيموا الحدود؛ لما يلزم على ذلك من الفوضى والفتنة. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء/الرئيس: عبد/العزيز بن عبد الله بن باز/ عضو: عبد الله بن غديان/عضو: صالح الفوزان/عضو: عبد العزيز آل الشيخ. |
27-04-23, 11:30 PM | #40 |
نفع الله بك الأمة
|
المجلس التاسع والثلاثون شرح أصول السنة للإمام أحمد بن حنبل المتن وَمَنِ انْتَقَصَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-،أَوْأَبْغَضَهُ لِحَدَثٍ كَانَ مِنْهُ،أَوْ ذَكَرَ مَسَاوِئَهُ،كَانَ مُبْتَدِعًا حَتَّى يَتَرَحَّمَ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا،وَيَكُونُ قَلْبُهُ لَهُمْ سَلِيمًا.
الشرح: من عقيدة أهل السنة والجماعة وأصولهم حب أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والذب عنهم، واعتقاد ما ثَبتَ لهم من الفضل والأجر، فإن حبهم دين وإيمان وإحسان وبغضهم كفر ونفاق وطغيان. والصحابي هو من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمنًا، ومات على الإسلام، هذا أصح ما قيل في تعريف الصحابي. من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمنًا ولو لحظة، ثم مات على الإسلام هذا هو الصحابي،وهذا أولى من قول "من رأى النبي صلى الله عليه وسلم" ليشمل العميان، كعبد الله ابن أم مكتوم، فإنه لقي النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنه لم يرهلأنه أعمى، ولكنه لم يره، فهو صحابي،كل الصحابة عدول لا تبحث عنهم. أما من بَعْدَهم لا بدأن يُبْحَث عنهم هل هو عدل أو ليس بعدل، هل هو ثقة أو ليس بثقة، هل هو ضابط أو ليس بضابط، كل واحد من رواة الحديث يبحث عنه .ويشمل ذلك صغار الصحابة وأطفالهم الذين حنكهم النبي صلى الله عليه وسلم فهم صحابة، ولكنهم يتفاوتون؛ يختلفون في الصحبةيختلفون كما سبق وفصلنا.فكانوا رضي الله عنهم وأرضاهم خيرَ صَحْبٍ لخيرِ مَن مشى على وجهِ الأرضِ -رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فإن الصحابة الكرام هم الذين نقلوا إلينا الإسلام، وقد أثنى الله عليهم في القرآن ورضي عنهم ورضوا عنه، وحثنا على الاستغفار لهم والترحم عليهم"وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ"الحشر:10. وَمَنِ انْتَقَصَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَيعني: عابهم أو ذكر مثالبهم أو مساوئهم أو نحو ذلك، فإنه يعتبر بذلك قد ابتدع وتعدى على حرمة الصحابة رضي الله عنهم. قال صلى الله عليه وسلم" لا تَسُبُّوا أصْحابِي؛ فلوْ أنَّ أحَدَكُمْ أنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا، ما بَلَغَ مُدَّ أحَدِهِمْ ولا نَصِيفَهُ".الراوي : أبو سعيد الخدري - صحيح البخاري. وفي الحَديثِ: تَفْضيلُ الصَّحابةِ كلِّهم على جَميعِ مَن بعْدَهم.الدرر السنية. "سُئِلَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أيُّ النَّاسِ خَيْرٌ؟ قَالَ: قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ...."....." الراوي : عبدالله بن مسعود -صحيح البخاري. فاضَلَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بين المُسلِمين على أساسِ قُوَّةِ التدَيُّنِ وقوَّةِ الإيمانِ، كما فاضَلَ في أحاديثَ مُتعَدِّدةٍ بين أصحابِه رَضِيَ اللهُ عنهم وغيرِهم، وفي هذا الحديثُ بَيانٌ جَلِيٌّ لفَضلِ الصَّحابةِ رضِيَ اللهُ عنهم وفَضْلِ التَّابعين وتابِعيهم.فالصَّحابةُ همْ أفضلُ المسلمينَ؛ لأنَّهم عاصَروا النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ووضَّح لهمْ أُمورَ الدِّينِ وأخَذُوه عنه مُباشرةً، فهمْ أفضلُ النَّاسِ عِلمًا بسُنَّةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ومَقاصدِ التَّشْريعِ، وعلى أَيديهمْ تمَّ نَشْرُ الدِّينِ في الفُتوحاتِ والغَزواتِ، ثمَّ أخَذَ التَّابِعونَ العِلمَ مِنهمْ وتابَعوا مَسيرةَ الجِهادِ، وهكذا إلى أنْ يَتباعدَ الزَّمانُ عنْ زَمانِ النُّبوَّةِ، فيَبْعُدونَ عن الهَدْي والسُّنَّةِ وصَحيحِ الدِّينِ شَيئًا فَشيئًا.وفي الحَديثِ: إشارةٌ إلى لُزومِ اتِّباعِ سَبيلِ القُرونِ الثَّلاثةِ الأُولى؛ فإنَّ مَن قَرُبَ زَمنُه مِن زَمنِ النُّبوَّةِ فهو أَوْلَى بالفضْلِ والعِلمِ والتَّأسِّي والاقتداءِ بهَدْيِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.الدرر السنية. يقول عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: "من كان منكم متأسيًا، فليتأسَّ بأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم؛ فإنهم كانوا أبر هذه الأمة قلوبًا، وأعمقها علمًا، وأقلها تكلفًا، وأقومها هديًا، وأحسنها حالًا، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم، وإقامة دينه؛ فاعرِفوا لهم فضلهم، واتبعوهم في آثارهم؛ فإنهم كانوا على الهدى المستقيم"؛جامع بيان العلم وفضله: 2/ 947. قال الطحاوي في عقيدته، عن الصحابة، وحبهم دين وإيمانٌ، وحبهم دين وإيمانٌ وإسلام، وبغضهم كفرٌ ونفاقٌ وطغيان، فبغض الصحابة من علامات النفاق، ومن علامات خبث القلوب، والله تعالى أثنى على المؤمنين في دعائهم لمن سبقهم من المؤمنين، وأنه ليس في قلوبهم غلٌّ لهم، قال الله تعالى" وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ "الحشر: 10 . قال الإمام أبو زُرْعة الرازي - رحمه الله "إِذَا رَأَيْتَ الرَّجُلَ يَنْتَقِصُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَّ- فَاعْلَمْ أَنَّهُ زِنْدِيقٌ, وَذَلِكَ أَنَّ الرَّسُولَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَّ- عِنْدَنَا حَقٌّ, وَالْقُرْآنَ حَقٌّ, وَإِنَّمَا أَدَّى إِلَيْنَا هَذَا الْقُرْآنَ وَالسُّنَنَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَّ-, وَإِنَّمَا يُرِيدُونَ أَنْ يُجَرِّحُوا شُهُودَنَا لِيُبْطِلُوا الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ, وَالْجَرْحُ بِهِمْ أَوْلَى وَهُمْ زَنَادِقَةٌ"رواه الخطيب في الكفاية والحافظ ابن حجر في الإصابة..ا.هـ.الإصابة - ابن حجر قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله "مَا يُنْقَلُ عَنِ الصَّحَابَةِ مِنَ الْمَثَالِبِ فَهُوَ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا: مَا هُوَ كَذِبٌ، إِمَّا كَذِبٌ كُلُّهُ، وَإِمَّا مُحَرَّفٌ قَدْ دَخَلَهُ مِنَ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ مَا يُخْرِجُهُ إِلَى الذَّمِّ وَالطَّعْنِ، وَأَكْثَرُ الْمَنْقُولِ مِنَ الْمَطَاعِنِ الصَّرِيحَةِ هُوَ مِنْ هَذَا الْبَابِ يَرْوِيهَا الْكَذَّابُونَ الْمَعْرُوفُونَ بِالْكَذِبِ... النَّوْعُ الثَّانِي: مَا هُوَ صِدْقٌ، وَأَكْثَرُ هَذِهِ الأُمُورِ لَهُمْ فِيهَا مَعَاذِيرُ تُخْرِجُهَا عَنْ أَنْ تَكُونَ ذُنُوبًا وَتَجْعَلُهَا مِنْ مَوَارِدِ الاجْتِهَادِ الَّتِي إِنْ أَصَابَ الْمُجْتَهِدُ فِيهَا فَلَهُ أَجْرَانِ وَإِنْ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ. وَالصَّحَابَةُ أَحَقُّ بِكُلِّ مَدْحٍ وَنَفْيِ كُلِّ ذَمٍّ مِمَّنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الأُمَّةِ"منهاج السنة النبوية. فيجب الإمساك عما شجر بين الصحابة من فتن، مع اعتقاد عدم عصمتهم وما شجر بينهم من باب الاجتهاد ولا نخوض فيه. اللهم احشرنا مع نبيك وأهل بيته المطهرين، وصحابته الغر الميامين. |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2) | |
(View-All) Members who have read this thread in the last 30 days : 0 | |
There are no names to display. |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
من أحداث السيرة فى شهر شوال .. غزوة الخندق | مسلمة لله | روضة السنة وعلومها | 6 | 08-10-08 01:11 PM |
متن الأربعين النووية (مقسم على أسبوعين) | مسلمة لله | المتون العلمية | 3 | 26-03-08 08:29 AM |
الدليل إلى المتون العلمية | أمةالله | المتون العلمية | 58 | 17-01-08 10:11 PM |