العودة   ملتقى طالبات العلم > ๑¤๑ أرشيف الدروات العلمية ๑¤๑ > دورات رياض الجنة (انتهت)

الملاحظات


دورات رياض الجنة (انتهت) إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا، رياض الجنة مشروع علمي في استماع أشرطة مختارة

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 14-12-08, 11:07 PM   #21
أم أسماء
جُهدٌ لا يُنسى
 
تاريخ التسجيل: 22-05-2007
المشاركات: 7,201
أم أسماء is on a distinguished road
افتراضي

تفريغ الدرس السابع عشر
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين .
اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً وعملاًَ يا أكرم الأكرمين.
كنا وقفنا على الدرجة الأولى من الدرجات المختصة بحروف المعاني قد ذكرنا سابقاً بأن حروف المعاني من الممكن أن تقسم إلى ثلاث درجات تسيراً لفهمها وإدراكها ومعرفة ما فيها من العلم وذلك كما سبق الكلام عنه أيضاً أن هناك بعد كبير جداً عما يتعلق بمعرفة هذه المعاني ودلالاتها هذا البعد كان وقع في الأمة أو في المعتنين بالتفسير وقع من زمن ليس بالقليل من زمن قديم كانت العناية كبيرة جداً فيما يتعلق بحروف المعاني في زمن الصحابة في زمن التابعين أتباع التابعين في القرن الرابع في القرن الخامس كان هناك عناية كبيرة جداً في هذا وإلا فالأئمة رحمهم الله مصنفات كثيرة جداً في دلالات الحروف حتى أن الزجاج رحمه الله ألف كتاباً خاصاً رسالة خاصة في اللامات فقط وصنف غيره مصنفات خاصة في بعض الحروف وقد حشى سيبويه رحمه الله رحمة واسعة كتابه العظيم الكتاب بالكلام عن حروف المعاني ملئ هذا الكتاب بشكل كبير جداً بالكلام عن حروف المعاني وما زال هذا الأمر موجود في الأمة إلا أنه ضعف في العصور المتأخرة ولكن بقت بقية من أهل العلم ما زالوا إلى هذا العصر يتكلمون عن هذه الحروف ويبينونها ويشرحون أثرها ولكن كلامهم فيه شيء من الدقة فيه شيء من العمق الذي يجعل كثيراً من طلبة العلم يبتعدون عنها ولا يحبون الاقتراب منها ولا مدارستها لأنها يشعر أنه إن اقترب منها وأراد أن يفهم دلالتها فيحتاج إلى سنوات طويلة وإلى جهد كبير وإلى بحث وإتقان ومراجعة وأشياء كثيرة فلذا لصعوبة هذا الأمر بل لصعوبة هذه المصنفات المعاصرة التي صنفت في هذا الباب وكثرة الاختلاف لأن الذي حصل في التأليفات المعاصرة أن من وقف على شيء من كلام أهل العلم ممن تقدم جمعه إلى الكتاب الذي عنده فمن وقف على كلام لمثلا للكسائي للسيبويه للأخفش سواء كان الأوسط أو الكبير أو الأصغر أو لغيره من الأئمة وكذلك لمن دونهم من أهل العلم لابن جني أو لابن فارس أو من غيرهم من أهل اللغة فإنه يجمع كل ما كتب في هذا الباب فيأخذ في جمع كبير ويقوم بعد ذلك عسير لأنك تقف أمام مادة علمية كبيرة جداً لا تستطيع أن تفهم الراجح منها من المرجوح وكيف تتعامل معها وستجد اختلاف كبير جداً في تحديد المراد في هذا الموطن وفي ذاك الموطن وفى هل بالفعل الباء لها أكثر من معنى أو ليس لها إلا معنى وهكذا تدخل في مسائل أنت تعلم يقيناً مما آتاك الله عزّ وجلّ من الإدراك أنك لن تستطيع أن تخرج من هذا الخلاف الكبير بشيء تخلص إلى فائدة محددة معينة في هذا الأمر ولذا سبب هذا رهبة وسبب بعد عن هذا العلم خشية من أن يقطع الإنسان عن غيره من العلوم التي قد تكون هي أهم منه فلذا حاولت أن ألخص لك هذا الأمر في هذا الباب فيما يتعلق بحروف المعاني في دروسنا هذا حاولت أن أولاً ما يتعلق بكثرة الخلاف الواسع كذلك حاولت أن أبعد ما يتعلق بالمعاني البعيدة التي قد تكون وردت للحرف مرة أو مرتين أو ثلاثة في لغة العرب فضلاً عن كتاب الله عزّ وجلّ يعني فقد يكون أمامك ملخص يسير بالنسبة لصعوبة ما تقدم من الكلام عن هذه الحروف فهذا الملخص قد يعنيك على فهم الأصول الكبيرة في هذا الباب فيما يتعلق بحروف المعاني ثم بعد ذلك الأمر يسير فمتى ما أحببت ووجدت من نفسك نشاطاً فابحث وجدت أن النفس منقبضة ليس لها قوة على البحث والتنقيب فإن اكتفيت بما ذكر لك لعله أن يكون وافياً في الباب إن شاء الله، أكمل واقرأ الدرجة الأولى مرة أخرى.
قرأ الطالب :
الدرجة الأولى ، إدراك المعاني المشهورة لكل حرف مثل ال في كتاب الله تعالى لها معنيان مشهوران عهدية أو جنسية ولكل منهما أنواع الفاء له عدة معاني سببية الفصيحة، العاطفة، الجوابية.
الباء لها عدة معان أيضاً فالإلصاق، التبعيض، السببية، القسم في أصل معانيها الظرفية وتأتي للتعليل والاستعلاء والمقايصة وهذا يكون بالمطالعة كما يكون أكثر بالممارسة.
أكمل الشيخ :
نعم هذه بالنسبة للدرجة الأولى التي تتعلق بحروف المعاني هناك معاني مشهورة ومن أهم ما يكون بالنسبة لحروف المعاني أن تدرك وأن تعرف المعاني المشهورة لأنها هي الأصل في الاستعمال فلما مثلاً نقول ففي أصل معانيها ماذا؟ الظرفية الباء اصل معانيها الاستعانة يعني إن قلت الاستعانة صح ولكن أصل المعاني عند النحويين هو الإلصاق يعني دلالتها على الإلصاق فهي إن كان من جهة الدقى في العبارة الأولى أن نقول الإلصاق فأصل معاني الباء في لغة العرب هي الإلصاق بل إن سيبويه في الكتاب لم يذكر معنى آخر إلا الإلصاق وهذا صحيح فما تكاد تخلو هذه الباء من الدلالة على الإلصاق ولكنها أيضاً تحمل دلالات أخري ومعاني أخرى سيأتي الإشارة إليها بإذن الله عزّ وجلّ كذلك إن نظرت إلى حرف على مثلاًَ أصل المعنى بالنسبة لحرف على هو ماذا؟ هو الاستعلاء كذلك بالنسبة لعن أصل المعنى هو التجاوز، المجاوزة وهكذا تجد هناك معاني أصلية لعدد من الحروف ينبغي أن تدرك ما هو المعنى الأصلي وكما قلنا في الكلمة الأصلية في لغة العرب إذا حورت وتطورت واستخدمت استخداماً آخر فإنه ينبغي ألا تنسى ولا تنسخ المعنى الأصلي فكذلك بالنسبة لحروف المعاني فعندما يتطور الاستخدام فتأتي مثلاً فاء في غير موطنها لا تأتي للظرفية فلا يغب عن بالك ذاك المعني وهو معني الظرفية لأن هذا المعنى في الأغلب سيكون موجوداً باقياً لم ينمحي ويزول تماماً لا وإنما سيكون هناك رابط بين المعنى الجديد الذي دل عليه السياق وبين المعني الأصلي لهذا الحرف الذي هو أصل معناه في لغة العرب كذلك بالنسبة لعلى قد يستخدم بمعنى في قد يستخدم بمعنى عن وهذا كثير ولكنه أيضاً يبقى هذا المعنى وهو معنى الاستعلاء يبقى هذا المعني موجوداً عند استخدامك لهذا الحرف في غير موطنه الأصلي وفى غير معناه الأصلي الذي وضع له .

نعم معرفة ذلك معرفة المعني الأصلي ونحو ذلك هناك مشهورة معروفة مثل ما ذكرنا لك في في وفى على وفى عن وغيرها وهناك معاني وهناك حروف لا يمكن أن تقول إن لها معنى أصلي مثل الفاء، الفاء لا يمكن أن تقول إن الفاء أصل معانيها هي مثلا العطف لا فالفاء تستخدم تارة للعطف وتستخدم تارة للسببية وتستخدم تارة للإستئناف وتستخدم تارة أيضاً كذلك تسمى الفاء الفصيحة وغير ذلك من أنواع الاستعمال فما هناك معني أصلى نستطيع أن نقول إن الفاء معناها الأصلي هو كذا وكذا لكن هناك معاني متعددة السياق يدل على المعني المراد هذه الأحرف التي ليس لها معني أصلى لابد وأن تنتبه كثيراً للسياق لتحدد المعنى يعني أضرب لك مثلاً هنا بالنسبة للفاء انظر إلى قوله سبحانه وتعالى ﴿
أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ[الماعون:1] ثم ﴿فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ[الماعون:2] الفاء هنا ما معناها وما الذب جاءت له هل هي مجرد عاطفة ﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ﴾ هي عاطفة مجرد عاطف ؟ تأمل المعني أنت ﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ ﴾ هل المراد وذلك الذي يدع اليتيم هل هذا هو المعني هنا يضعف المعني كثيراً ولذا من زعم أن الفاء هنا عاطفة لعله لم يشعر بأنه قصر في معنى هذه الآية كثيراً كيف تكون الفاء عاطفة هنا أرأيت الذي يكذب بالدين وذلك الذي يدع اليتيم، يعني كأنها عطف مجرد أو عطف بالفاء بعده بزمن أو نحو ذلك؟ لا هذا غير مراد أبداً بل إن الآية أو سياق الآية يرده ولذا قال من قال من المفسرين بأن الفاء هنا فصيحة، كيف تكون فصحية يعني أفصحت عن شيء محذوف هناك مقدر في الكلام أفصحت عنه هذه الفاء فهناك من يقول بأن معنى الآية مثلا ﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ﴾ فمن كان هذه صفته من كان هناك شرط مقدر من كانت هذه صفته أي أنه يكذب بالدين ﴿فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ﴾ أي من كان هذا حاله وهذا وصفه فهو الذي يدع اليتيم ومعني هذا أن الذي يصدق بيوم الدين لا يكذب بيوم الدين معناه أنه لا يمكن أن ماذا أن يدع اليتيم فمن دعا اليتيم فقد وقع في وصف ليس هو من وصف الذين يصدقون بيوم الدين وإنما وقع في صفة هي من صفات الذين يكذبون بيوم الدين وهذا هو الظاهر في دلالة الآية هذا هو الظاهر في دلالة الآية أن هذه الآيات جاءت لتدل على أن هذا الوصف هذا الفعل من دع اليتيم ومن عدم الحث مجرد الحث فقط على إطعام المسكين وعدم إعطاء الماعون الذي تستغني عنه ولا تحتاج إليه أن هذه الصفات أبداً ليست من صفات الذين يكذبون بيوم الدين وإنما هي من صفات الذين يكذبون بيوم الدين فالفاء جاءت هنا لتفصح لك عن هذا الشرط المقدر عن هذا المعنى الذي يراد من هذه الآية أن الذي يكذب بيوم الدين من كان حاله كذلك فإنه هو الذي يفعل هذه الأفعال أما الذي لا يكذب بيوم الدين بل يصدق به فإنه لا يقع في هذه الأفعال أي أن هذه الصفات ليست من صفات المؤمنين وإنما هي من صفات المكذبين

واضح ؟ ففرق كبير جداً في أنك تجعل هذه الفاء على هذا المعني أو على ذاك المعنى ويتضح الكلام ويقوى ويجلو لك ويقع في قلبك تعظيم لكلام الله سبحانه وتعالى في دلالة هذه المعاني على المراد في مثل هذا السياق نعم الدرجة الثانية، اقرأ.


قرأ الطالب :


الدرجة الثانية، إدراك المعنى المراد تقريباً لكل حرف بحسب موضعه مثلا ال في قوله تعلى ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾


[الفاتحة:2] جنسية تفيد الاستغراق .

الفاء: في قوله تعالى ﴿ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ﴾


[لأعراف: 160] فصحية أي تفصح على شيء محذوف الباء في قوله تعالى ﴿بِسْمِ اللَّهِ﴾[الفاتحة:1] للإستعانة.

في: في قوله تعالى ﴿وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ﴾


[طـه:71] للعلو مع الظرفية.

عن: في قوله تعالى ﴿ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ ﴾


[محمد: 38] للمجاوزة .

أكمل الشيخ :


نعم هذه الدرجة الثانية من درجات حروف المعاني وهي أن هناك مع المعاني الكلية لبعض هذه الحروف هناك معاني تحتاج أن تقف عليها في كل موطن في كل موطن يعني هناك معاني لهذه الأحرف لن تستطيع أن تقول أن هناك معنى كلى لا وإنما هناك معنى في هذا الموطن في هذا الموضع لوحده تستطيع أن تقول أن هذا المعنى هو كذا وكذا ومن هذه الأمثلة في قوله سبحانه وتعالى ﴿


الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ[الفاتحة:2] ال هنا في الحمد لله ال هذه ما نوعها ؟ هذه جنسية، الجنسية تارة تفيد الاستغراق وتارة لا يلزم أن تفيد الاستغراق هنا أفادت جنسية أفادت ماذا؟ أفادت الاستغراق كيف نعلم أنها أفادت الاستغراق أو لم تفيد الاستغراق فيه علامة وإشارة ذكرها أهل العلم وهي أن تأتي إلى ال هذه فتأخذها وتزيلها وترى مكانها كل فإن ركبت كل في مكان ال وصلح الكلام واستقام فعندئذ تكون ال هذه إيش؟ جنسية تفيد الاستغراق فقوله سبحانه وتعالى ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ جرّب هذا خذ ال وضع محلها كل كأنك تقول كل حمد لله رب العالمين، وهذا هو أن الحمد كله من أوله إلى آخره مستغرق ومتوجه ومنحصر إلى الله سبحانه وتعالى فالحمد كله إليه جلّ وعلا وهذا هو المراد أن تعلم أن هذا الحمد الذي يقع منك لله سبحانه وتعالى في حالة السراء في حالة الضراء في حالة الغني في حالة الفقر في حال الصحة في حال المرض في حال الضحك في حال الحزن في كل أحوالك، الحمد مستحق لله سبحانه وتعالى لا يمكن أن يمر عليك حال لا يكون فيها الرب سبحانه وتعالى مستحق للحمد أبداً فكل أحوالك من أولها إلى آخرها من حين منشأك وخروجك إلى هذه الحياة الدنيا بل قبل ذلك إلى موتك بل بعد ذلك كل هذه الأحوال من أولها إلى آخرها أنت في حال يستحق ربنا سبحانه وتعالى استحقاقاً واجباً كاملاً له يستحق الحمد المطلق من دون استثناء وهذا هو المعني الذي جاءت به هذه الآية ولذا سميت هذه الآية من سورة تسمى بأم القرآن جمعت كل المعاني فكل حمد من أي سورة من القرآن راجع إلى هذه الآية العظيمة التي وردت في أم القرآن فالحمد كله لله سبحانه وتعالى لا ثاني له كل حمد له جلّ وعلا لأنه رب العالمين أي الذي ربى العالمين كلهم من أولهم إلى آخرهم رباهم سبحانه وتعالى بنعمه ورباهم بفضله ورباهم بعطائه ورباهم بما أعطاهم من أنواع النعم يصبحهم ويمسيهم بأنواع من النعم الكثيرة أن تصبح في عافية من الله عزّ وجلّ تصبح في رزق تصبح في هداية تصبح في أنعام لا تحصيها كل ذلك من الله سبحانه وتعالى............. سبحانه وتعالى ومن شر النفاثات جاءت ال وهناك لم تأتي ال ﴿وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ[الفلق:5] ما الفرق بينهما تأمل هذا ولعله إن تيسر بإذن الله عزّ وجلّ في حلقات قادمة نبين هذا الأمر بإذن الله.

فانظر أيضاً إلى الأمثلة الأخرى الفاء في قوله ﴿


أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ ﴾ هل هي انبجست لما أمره الله عزّ وجلّ أن يضرب هل هو كذلك ؟ لا إنما انبجست بعد أن ضرب هل ذكر الضرب ؟ لم يذكر الضرب لم يذكر وإنما دلت عليه الفاء أي قلنا اضرب بعصاك الحجر فضرب فانبجست، هي لم تنبجس من مجرد الضرب وإنما انبجست بعد الضرب.

أيها الأحبة فاصل قصير ثم نعود للكلام عن حروف المعاني بإذن الله.


فـاصل تلـيفزيـوني


بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين .


كنا أيها الأحبة في الكلام عن حروف المعاني وبالتحديد في الكلام عن الدرجة الثانية من حروف المعاني في إدراك المعنى المراد لكل حرف في موطنه، في موضعه الذي جاء من كتاب الله عزّ وجلّ ما المعنى المراد هنا وكان الكلام في أمثلة مرت وسبقت منها قوله سبحانه وتعالى في أول سورة الفاتحة ﴿


الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ وكذلك في سورة الفلق ﴿ وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ [الفلق:4-5] وفى الفرق بين هذه الآية الأولى التي جاءت فيها ال التي تفيد الاستغراق والجنسية وبين الآية الأخرى التي جاءت بدون ال ﴿وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ﴾ وهناك أمثلة كثيرة جداً على ما يتعلق بحروف المعاني التي ترتبط بموضوع محدد موطن معين ويكون لها معنى في هذا الموطن قد يختلف في موطن آخر ومن ذلك ما ذكر الله عزّ وجلّ في قوله سبحانه ﴿وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ﴾ فمن المعلوم أن التصليب عندما يكون على جذع نخلة أو على أي جذع كان فإن هذا التصليب يكون ولأصلبنكم على جذوع النخل هذا هو الأصل في الكلام لما نذكر التصليب تعليق شيء على جدار تعليق شيء على بعض الأعمدة ونحو ذلك يكون في باستخدام عبارة على- صلبته على جذع النخلة صلبته على الجدار لا نستخدم عادة في مثل هذا الموطن حرف في فنقول صلبته في جذع النخلة صلبته في الجدار ونحو ذلك لا ، وإنما نقول صلبته على الجدار صلبته على جذع النخلة لكن الآية هنا جاءت على نحو مغاير للمعهود فجاءت الآية ﴿وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ﴾ وكان المعتاد أن يقال ولأصلبنكم على جذوع النخل فلما جاءت فيه هنا محل على سيأتي الكلام مفصلاً بإذن الله جلّ وعلا على هذه الآية كذلك في قوله سبحانه وتعالى ﴿ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ ﴾ عن هنا في هذا الموطن أفادت المجاوزة أي فمن يبخل فإنما يجاوز نفسه الحسنات التي لو أنه بذل وتصدق بماله لحصلها ولكانت في رصيده في يوم القيامة ولكنه لما بخل بهذا المال جاوز نفسه هذه الحسنات بمعني كأن الحسنات قد قدمت إليه فأبى هو ذلك وجعل هذه الحسنات تجاوزه وتتعداه من دون أن ينال منها شيئاً ﴿ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ ﴾ أي يجاوز نفسه هذه الحسنات التي اقتربت منه والتي جاءت إليه فجاء هذا الحرف هنا ليدل على المجاوزة بينما قد لا يكون حرف على يدل على هذا المعنى وكان مناسباً لو جاء أيضاً كذلك لأن مما ورد في كتاب الله عزّ وجلّ استخدام حرف على في مثل هذا الموطن ومن يبخل فإنما يبخل على نفسه، أو يبخل عن نفسه هذا وذاك جاءا في كتاب الله سبحانه وتعالى، ننتقل بعد ذلك إلى الدرجة الثالثة المتعلقة بحروف المعاني لعلك تقرأ .

قرأ الطالب :


الدرجة الثالثة، التحقيق عند اختلاف أقوال المحققين في المضائق لكي يحمل الكلام على أفصح الوجوه بلاغة وحكماً وإحكاماً ومن أمثلة ذلك دلالة التعاقب بين الواو والفاء في أوائل سورتي المرسلات والنازعات، دلالة الفاء في قوله تعالى ﴿فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَاناً قَصِيّاً * فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ ﴾


[مريم:22-23] دلالة في، في قوله تعالى ﴿ أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ ﴾[الملك:16] والذي نطمح إليه في هذه الرسالة هو إتقان الدرجة الثانية أما الثالثة فدرجة تحتاج بعد ما سبق إلى كثير من الممارسة والمدارسة مع أهل الفن وينبغي أن يعلم أن الوقوف على معنى أو معاني الكلمات أسهل بكثير من الوقوف على دلالة حروف المعاني في كل موضع بحسبه لا أقول ذلك تسبيقاً لكن حفظاً للأذهان لتستعد لأمر قد يشق عليها في بادئ الأمر ذلك أن عدداً ليس بالقليل من هذه الحروف لها عدد كبير من المعاني المغايرة حيناً والمتداخلة حيناً آخر، ولا يحدد المعنى المراد إلا السياق وحمل الكلام على أفصح الوجوه مع عدم مخالفة ما تقرر في تفسير السلف الصالح لهذه الآيات.

أكمل الشيخ :


أحسن بارك الله فيك، الكلام الآن عن ما يتعلق بالدرجة الثالثة وهي أن عندنا بعض الحروف حصل فيها اختلاف في تحديد معناها وهذا الاختلاف حقيقة تارة يكون بين الأئمة الأكابر رحمهم الله تارة بين السلف رضوان الله عليهم تارة بين المحققين من المتأخرين وهذا الاختلاف تحتاج حقيقة في النظر إليه إلى آلالات وإلى عدد في كلام الله سبحانه وتعالى من خلال هذه الأدوات هذه الآلات تنظر في الخلاف ثم ترجح وكما سمعت لا أريد أن أصعب لك هذه المرحلة كثيراً ولكني أيضاً لا أريد أن تظن أنها يسيرة وسهلة والأمر فيها ليس بالعسير أبداً لا الأمر بين هذا وذاك وبتوفيق من الله عزّ وجلّ وإعانة تستطيع بإذن الله ولكنك بالإقبال الكامل على كتاب الله وبالنظر في كلام المفسرين والتدقيق والتأني وترك العجلة هذا كله مما تحتاج إليه في النظر بحروف المعاني في هذه الدرجة عند اختلاف أقوال المفسرين مثلاً من الآيات التي مرت عليكم من الأمثلة التي ذكرت لك ما ذكره الله عزّ وجلّ في أوئل سورة النازعات ﴿


وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا * وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا * وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا * فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا * فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا [النازعات:1-5] هذا التغاير بين الواو والفاء بين العطف تارة بالواو والعطف تارة بالفاء ما المراد منه وهل هو مقصود أو ليس بمقصود؟ سؤال أنا أسألكم إياه هل هو مقصود أو ليس بمقصود ؟ التغاير بين الواو والفاء هنا في هذه الآية هل ممكن أن يقال بأن الفاء تأتي محل الواو والواو تأتي محل الفاء ولا فرق بين قوله سبحانه وتعالى ﴿وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا * وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا * وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا * فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا ﴾ فلو كان محل هذه الفاء محلها الواو لكان الأمر سيان لا فرق، هل ممكن أن يقال هذا ؟ لا يمكن أن يقال لا يمكن لأن القرآن على أفصح ما يكون الكلام فلا يمكن أن نتصرف في كتاب الله عزّ وجلّ وجل بأهوائنا فإن الله سبحانه وتعالى لما غاير بين الواو وبين الفاء علم أن هناك فرق بين العطف بالواو في أول الآيات ثم العطف بالفاء في أواخر الآيات ومن تتطلب العلم النافع أن تتطلب هذا الفرق لتدرك عظمة هذا القرآن عندما تنظر في قوله سبحانه وتعالى ﴿ وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا * وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا * وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا ﴾ هذه الآيات كلها عطفت بالأولى هذه واوا القسم ﴿وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا ﴾ هذا مقسم به لكن جاء العطف بعد ذلك ﴿ وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا * وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا ﴾ عطف ﴿ وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا ﴾ عطف ثم غاير الله سبحانه وتعالى بحرف العطف فجاء بالفاء ترك الواو العطف بالواو ثم جاء سبحانه وتعالى بالعطف هنا بحرف الفاء فقال ﴿ فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا ﴾ فما الفرق بين هذه وتلك تكلم ابن القيم رحمه الله كلاماً جميلاً جداً في هذا الموطن وتكلم أيضاً غيره عن هذه الفروق بين الواو والفاء وسأذكر لك ما يكون قريباً من ذهنك وما يعني أرجو من الله أن ييسر فهمه عليك حتى تفهم السر الفرق بين هذه المتعاطفات في كتاب الله سبحانه وتعالى فالله عزّ وجلّ قال ﴿ وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا ﴾ ومن المعلوم أن الإقسام هنا نزل وجاء بالملائكة الذين ينزعون هذه الأرواح هذا تفسير مشهور عند السلف وهناك تفسير آخر وليس الكلام عن اختلاف المفسرين في معنى النازعات وإنما الكلام هنا أن من المعاني المشهورة جداً في قوله سبحانه وتعالى ﴿ وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا ﴾ أن المراد هنا أن الملائكة تنزع أرواح الكافرين أرواح الأشقياء تنزعها غرقا ﴿ وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا ﴾ أي أنها تغرق في نزع هذه الأرواح من أطراف الأجساد أولاً نزع كلمة تدل على الشدة فالنزع لا يكون أخذ بسهولة وإنما يكون أخذ بقوة أخذ نزع تنزعه نزعاً ثم أيضاً كذلك جاء فقال سبحانه وتعالى في هذه الآية ﴿ وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا ﴾ فهذا النزع ليس نزعاً مجرداً وإنما نزع فيه إغراق فكأن هذا النزع كان من مكان بعيد غائر في الأرض جداً فنزع هذا الشيء نزعاً شديداً من هذا المكان الغائر ، والمراد هنا أن النزع لأرواح الكافرين وأرواح المجرمين كانت من أطراف الأجساد فهذه الأرواح كما ثبت في السنة هذه الروح الفاجرة الكافرة لما رأت ملائكة الموت رأت ملك الموت ومن معه من أعوانه فإنه تغور في أطراف الجسد تذهب فتختبئ في أطراف الجسد في أطراف القدمين وفى أطراف اليدين خوفاً مما ينتظرها من النزع فيأتي ملك الموت ومن معه فينزعون هذه الروح من أطراف الجسد كما ينتزع الصوف المبلول من الشوك يعني نزعاً شديداً يُنتزع هذه الروح تنتزع من أطراف الجسد على هذا النحو فعندئذ يكون هناك نزع وهناك أيضاً مع هذا النزع وصف آخر وهو غرق أي نزع فيه إغراق في سحب هذه الروح الكافرة من أطراف الجسم فيه شدة وفيه قوة في سحبها فهي تختبئ والملائكة تنزعها نزعاً شديداً قوياً فهنا كانت الآية في وصف هذا الحال ﴿ وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا * وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا ﴾ أي أيضاً هذه الملائكة الذي هو ملك الموت ومن معه هذه الملائكة هي بنفسها لما تقبض أرواح المؤمنين فإنها تقبضها بماذا ؟ بسهولة بيسر ولا تنزعها نزعاً؟ هذه الأرواح المؤمنة أصلاً حينما تري نعيم الله عزّ وجلّ فإنها تنشط هي للخروج والمؤمن من المعلوم أنه في مرض موته يُبتلى ويزيد عليه الكرب كما كان حال النبي صلى الله عليه وسلم حين قوله ( إني لأوعك وعك رجلين ) أما خروج روحه فإنها تخرج كما تخرج القطرة حينما تنزل من الوعاء أو الصنبور أو تنزل نزلاً يسيراً مريحاً ليس فيه شدة ولا ألم وإنما تخرج خروجاً يسيراً جداً فالمرض أما عند الموت لا إنما هناك الراحة والطمأنينة والسهولة واليسر بل إن روح المؤمن عندما ترى النعيم الذي أعده الله عزّ وجلّ لها تنشط هي للخروج ولذا جاءت الآية هنا أيضا بهذا الوصف ﴿ وَالنَّاشِطَاتِ ﴾ أي الملائكة هي التي تنشط ﴿ وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا ﴾ هو أخذ لكنه أخذ بيسر وسهولة ورغبة لأن هذه الروح تعين على نفسها بخلاف تلك الروح التي ذهب إلى أطراف الأجساد فهذه تعين على نفسها لأنها رأت ما يسرها فأرادت الخروج إلى ذاك النعيم المقيم فهي نفس الملائكة النازعات الملائكة التي تقبض كذلك بالنسبة للناشطات هي نفس الملائكة أيضاً كذلك ﴿ وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا * وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا * وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا ﴾ هذه الملائكة التي قبضت هذه الأرواح أخذتها نزل ملك الموت ومن معه أخذوا هذه الأرواح فسبحوا بها في السماء سبحوا بها إلى السماء من المعلوم أن كما ثبت في حديث البراء من المعلوم كما ثبت في حديث البراء أن هذه الأرواح ترفع إلى السماء أما بالنسبة للروح المؤمنة الطيبة فإنها تفتح لها أبواب السماء أما بالنسبة للروح الخبيثة فقد قال الله عزّ وجلّ عنهم ﴿ لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ [لأعراف:40] لا تفتح لأرواحهم أبواب السماء أبداً لا تفتح أبواب السماء لهذه الأرواح الكافرة الفاجرة لا تفتح لهم أبواب السماء وإنما يرمون رمياً كما ثبت أيضاً في حديث البراء سيرمى من أعلى السماوات من حين أن تغلق دونه الأبواب فإنه يرمى حتى يعود إلى مكانه في هذه الأرض ينتظر عذاب الله عزّ وجلّ في الآخرة فالملائكة هى التي تسبح بها أيضا ﴿ وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا ﴾ أي نفس الملائكة التي قبضت الأرواح فلما تغير الأمر العطف كان لأن الملائكة هي هي العطف بالواو جاء لأن الملائكة يعني الملائكة التي نزعت والملائكة التي نشطت والملائكة التي سبحت هي هي الجنس هو الملائكة والنوع هم نفس النوع من الملائكة فلما ثبت الجنس وتغير النوع تغير العطف فقال الله سبحانه وتعالى ﴿فَالسَّابِقَاتِ سَبْقاً ﴾ الجنس هو الملائكة بقي كما هو ولكن الذي تغير هو فالسابقات سبقا أي نوع آخر من الملائكة أخذوا هذه الأرواح سواء الروح المؤمنة أو الروح الكافرة فهذه الروح المؤمنة أخذتها ملائكة الرحمة من ملائكة الموت فسابقت في تنفيذ أمر الله عزّ وجلّ بتنعيمها وإكرامها وفتح باب من أبواب الجنة لها وتلك أخذتها ملائكة العذاب فسابقت في تعذيبها وإهانتها والنكال بها وفتح باب من أبواب النار عليها فهنا ﴿فَالسَّابِقَاتِ سَبْقاً ﴾ ليس هو نفس نوع الملائكة وإنما تغير النوع بينما الجنس جنس الملائكة هو هو، فلما تغير النوع جاء العطف ﴿فَالسَّابِقَاتِ سَبْقاً ﴾ ثم جاء بعد ذلك نوع ثالث وهو ما قاله الله عزّ وجلّ ما أخبر به سبحانه وتعالى ﴿ فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً [النازعـات:5] وهو نوع آخر من الملائكة يدبر أمور هذه الأرواح بعد أن تستقر في مستقرها تأتي هذه الملائكة التي تدبر أمور هذه الأرواح وهم نوع ثالث فلذا جاء العطف بالفاء مغايراً لما كان قبلها من الملائكة المسابقة وجاء العطف في ﴿فَالسَّابِقَاتِ سَبْق﴾ بالفاء مغايراً لنوع الملائكة الذين تولوا هذه الأرواح.




توقيع أم أسماء
قال ابن القيم رحمه الله:
(القلب يمرض كما يمرض البدن، وشفاؤه في التوبة والحمية
ويصدأ كما تصدأ المرآة وجلاؤه بالذكر
ويعرى كما يعرى الجسم وزينته التقوى
ويجوع ويظمأ كما يجوع البدن وطعامه وشرابه المعرفة والمحبة والتوكل والإنابة والخدمة)
أم أسماء غير متواجد حالياً  
قديم 15-12-08, 03:15 PM   #22
أم أسماء
جُهدٌ لا يُنسى
 
تاريخ التسجيل: 22-05-2007
المشاركات: 7,201
أم أسماء is on a distinguished road
افتراضي

هذا ملخص ميسر لما ذكره ابن القيم رحمه الله وما ذكره غيره من الأئمة في بيان الفرق بين العطف والواو والفاء والكلام في هذا قد يطول قليلاً وإنما أردت من ذلك ضرب المثال.
نعم لكن هذه المواطن كما تشعر هي ذكرت في الدرجة إيش؟ الثالثة، وهذه الدرجة الثالثة تلحظ حتى بالنسبة للعنوان التحقيق عند اختلاف أقوال المحققين في المضائق فهذه من المسائل الدقيقة في تتعب نفسك بها لكن إن جاءتك من إنسان وأهداك إياها فافرح بها وتمسك بها وعض عليها بالنواجذ افرح بها أن تجد من يبين لك هذا افرح بها لأنها قد تتعب كثيراً في تحصليها ولكن لا تتعب نفسك في كل موطن تريد أن تصل إلى الراجح فيه فإن هذا لا ينقضي وتكون أتعبت نفسك في درجة لن تصل إليها إلا بعد سنين عدداً بينما هناك من الدرجات ما هي أهم منها وكذلك هي أيسر فلا تتطلب الأعسر وهو أيضاً أقل أهمية من غيره فلا تتطلب هذا الأمر العسير وتترك اليسير الذي فيه من النفع ما ليس في ذاك واضح الكلام ؟ لعلك تقرأ.
الآن نتعرض لشيء من الكلام عن جدول يوضح أشهر المعاني لهذه الحروف لجملة من هذه الحروف، والذي نقصده من هذا الجدول هو أن تتبين أن هذه الحروف عندما تنظر في كتب حروف المعاني قد تجد معاني طويلة جداً فتتعبك ولكن يكفيك ما ذكر لك الآن يكفيك ما سيذكر لك الآن من المعاني لكل حرف أن ما ذكر لك هو المعنى الأغلب الذي إما أن يستخدم دائماً وإما أن يستخدم غالباً وإما أن يكون هو المعتاد في الاستخدام هناك معاني أقل من هذه المعاني، معاني نادرة معاني شاذة معاني تستطيع أن تنظر فيها في موطن قريب جداً من الكتاب العربي سواء كان ذلك في الكتاب أو السنة أو في غير ذلك ولكن لا تشغل نفسك بهذا الأمر كما ذكرت لك لأنه قد يشق وقد يعسر عليك الآن إدراكه دعه إلى حينه بإذن الله جلّ وعلا سنتكلم الآن عن بعض الحروف أمثلة فيما يتعلق مثلاً بـ - ال – تأتي بأي شيء في لغة العرب وهذا من المهم جداً من المهم جداً أن تعرف ال هذه في لغة العرب تأتي بأي شيء تأتي هي لما ذكرت من معانيها إيش ؟ التعريف، هل تأتي لغير التعريف؟ قد تأتي لغير التعريف في مواطن يسيرة جداً لكن هذه المواطن لا تشغل نفسك بها لأني كما ذكرت لك قد تتعبك الآن ولكن ستحصلها بإذن الله عزّ وجلّ بعد مدد من الزمن وأنت إذا دخلت في الأمر هان عليك ولكن إذا كنت بعيداً عنه فإنه يبدو لك عسراً شديداً ولكن ادخل في الأمر سيتبين الأمر شيئاً فشيئاً حتى يسهل عليك ويكون الأمر قابل بإذن الله للأخذ في المدارسة ثم الفهم ثم بعد ذلك العلم ثم التعليم بإذن من الله سبحانه وتعالى، نقرأ في ال فقط في المثال ثم نواصل.
قرأ الطالب :
هذا الجدول يوضح أشهر المعاني لجملة من هذه الحروف الأداة، المعانين ثم الأمثلة.
الـ للتعريف تكون عهدية مثل ما جاءت في قول الله تعالى ﴿

أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ [الفيل:1] الـ هنا عهدية تكون جنسية في قوله تعالى ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ[الفاتحة:2] ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ [الناس:1].

تكون للناهية مثل ﴿


وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ [الأنبياء:30].

أكمل الشيخ :
أحسنت بارك الله فيك، هذا بالنسبة لـ ال وما تأتي عليه في كتاب الله عزّ وجلّ وسنأتي إلى توضيح هذه الحروف وما يتعلق بها من المعاني وذكر أشهرها في الحلقات القادمة بإذن الله سبحانه وتعالى اسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجعلني وإياكم من أهل القرآن الذين هم أهل وخاصته اللهم اجعل هذا القرآن ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء أحزاننا وذهاب همومنا اللهم أصلحنا به واجعلنا به هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين اللهم اجعله قائدنا وقائد آبائنا وذرياتنا وجميع أحبابنا وأصحابنا يا ذا الجلال والإكرام إلى جناتك جنات النعيم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً .

أم أسماء غير متواجد حالياً  
قديم 15-12-08, 03:20 PM   #23
أم أسماء
جُهدٌ لا يُنسى
 
تاريخ التسجيل: 22-05-2007
المشاركات: 7,201
أم أسماء is on a distinguished road
افتراضي

تفريغ الدرس الثامن عشر:معنى أداة التعريف "ال":


بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين .
اللهم عملنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً وعملاًَ يا أكرم الأكرمين.
كان الكلام فيما سبق يختص بحروف المعاني ووقفنا عند معاني هذه الحروف التي اشتهر ذكرها في كتب أهل العلم وكنا في الحديث عن جدول يوضح أشهر المعاني لجملة من هذه الحروف وسبق أن قرأنا عليكم ما يتعلق بمعنى حرف ال في كتاب الله عزّ وجلّ وسنعيد القراءة الآن ليكون هناك شيء من الشرح لمعاني هذا الحرف في كتاب الله.

قرأ الطالب:
هذا الجدول يوضح أشهر المعاني لجملة من هذه الحروف :الأداة، المعاني ثم الأمثلة.
الـ تكون للتعريف عهدية مثل ما جاءت في قول الله تعالى ﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ [الفيل:1]
أكمل الشيخ:
نعم ال هنا المراد في قوله سبحانه وتعالى ﴿ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ ﴾ فالفيل هنا معهود معروف أنه الفيل الذي جاءوا به ليهدم الكعبة فأنزل الله على هؤلاء مع فيلهم أنزل الله عليهم هذه الطير الأبابيل التي رمتهم بحجارة من سجيل، فالمراد هنا من هذا المثال هو قوله سبحانه وتعالى ﴿ الْفِيلِ ﴾ فال هنا عهدية عائدة إلى ذاك الفيل المعهود عند السامع، نعم.
قرأ الطالب:
وتكون جنسية مثل قوله تعالى ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ[الفاتحة:2] ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ[الناس:1].
أكمل الشيخ:
نعم عندك الحمد في ال هذه وال هذه جنسية كذلك في قوله سبحانه وتعالى ﴿الْعَالَمِينَ ﴾ ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ ال هذه أيضاً جنسية أي رب كل العالمين من أولهم إلى أخرهم كذلك في الآية الثانية ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ﴾ أي برب كل الناس ف"ال" أيضاً هذه جنسية تفيد الاستغراق.
قرأ الطالب:
وتكون للماهية مثل ﴿ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ [الأنبياء:30].
أكمل الشيخ:
نعم الماهية هنا أيضاً هي تسمى عند بعض أهل اللغة جنسية ولكنها جنسية لا تفيد الاستغراق وإنما جنسية تدل على الماهية كما في قوله سبحانه وتعالى ﴿ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ﴾ في كلمة الْمَاءِ الماء هنا هذه ال جنسية تفيد الماهية أي ماهية الماء فالمراد هنا أن الماء أياً كان هذا الماء هو جعله الله سبحانه وتعالى حياة لهذه المخلوقات، نعم.
قرأ الطالب:
قد، تكون مع الماضي للتحقيق والتقريب .
أكمل الشيخ:
نعم الآن اخترنا لكم الحرف الآخر قد، هناك حروف أخرى كثيرة عندنا الباء عند السين، سوف، على، عن، الفاء، في، وكذلك غيرها من الحروف ولكن من أجل الاختصار ومن أجل ضرب المثال فقط سنأخذ الآن الكلام عن قد، وهي حرف معنى في كتاب الله عزّ وجلّ.
قرأ الطالب:
تكون مع الماضي للتحقيق والتقريب مثل قوله تعالى ﴿ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا [المجادلة:1] و ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا [الشمس:9].
وتكون مع المضارع للتقليل أو التكثير، وهي في القرآن الكريم في ثمانية مواضع كلها عند التحقيق للتكثير منها ﴿ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْه [النور:64] ﴿ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ [الصف:5].
أكمل الشيخ:
أحسن بارك الله فيك، بالنسبة لقد، قد تأتي تارة وتسبق الفعل الماضي كما في قوله سبحانه وتعالى ﴿ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ ﴾ فقد هنا سبقت الفعل الماضي الذي هو إيش؟ سمع ﴿ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ ﴾ فإذا أتت قبل الفعل الماضي فإنه تدل على التحقيق وتدل على معنى آخر في كثير من المواطن وهو التقريب أي أن السماع قد تحقق وأيضاً أن هذا السماع من قرب هذا بالنسبة إذا كانت قد، قد تقدمت على الفعل الماضي أما إذا تقدمت على الفعل المضارع فإنها تارة تفيد التكثير وتارة تفيد التقليل، يعني تقول: قد يجود البخيل، فما مرادك هنا بقولك قد يجود هل قد هنا للتكثير أو للتقليل؟ للتقليل لأن البخيل الأصل فيه أنه لا يجود ولكن لما جاد هنا أخبرت أنه قد يجود، قد يجود البخيل، بينما في أمثلة كثيرة ﴿ قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ [الأحزاب:18] هنا قد هل هي للتقليل أو للتكثير؟ هنا للتكثير ﴿ قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ ﴾ يعني الإخبار بأن الله عزيز مطلع وأن هذا الاطلاع صفته الكثرة والاطلاع الكامل فقد إذا جاءت بعد الفعل المضارع تارة تفيد التقليل وتارة تفيد التكثير فإذا جاءت في كتاب الله سبحانه وتعالى فإنها في الأغلب تفيد التكثير لا التقليل لأن قد عندما جاءت في كتاب الله سبحانه وتعالى وتقدمت على الفعل المضارع حُسبت هذه المواطن في كتاب الله وجد أنها ثمانية، ثمانية مواطن جاءت عندنا قد وجاء بعدها فعل مضارع ثمانية مواطن في كتاب الله إذا نظرت إلى هذه المواطن الثمانية منها سبعة لا تحتمل إلا التكثير إلا في موطن واحد فإنه يحتمل أن يراد به التقليل أو أن يراد به التكثير وهذا الموطن الأصوب أن يُحمل على التكثير وهذه الأمثلة موجودة في كتاب الله عزّ وجلّ وقد جمعها عدد من المفسرين ومن هذه الأمثلة قوله سبحانه وتعالى ﴿ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْه ﴾ وقوله أيضاً ﴿ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ ﴾ والمراد هنا بقوله سبحانه وتعالى على لسان موسى عليه السلام ﴿ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ ﴾ هنا المراد على القول الراجح من كلام المفسرين هو التحقيق الذي هو التكثير لا التقليل لأنهم هم أي بني إسرائيل يعلمون علماً ظاهراً بيناً أن موسى عليه السلام رسولٌ من رب العالمين فموسى يقول لهم ﴿ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ ﴾ لمَ تؤذونني وأنتم تعلمون أني رسول الله إليكم ليس المراد هنا التقليل وإنما المراد هنا التكثير وبيان أن هذه الصفة ظاهرة بينة عندهم ليست بالصفة القليلة التي ليست يعني واضحة في استقرارها في أذهانهم وأيضاً كذلك قرارها في قلوبهم؟ لا، وإنما هي صفة ظاهرة مستقرة عندهم في النفوس وفى القلوب، نعم.
قرأ الطالب:
اللام الجارة أصل معانيها الاختصاص وهو معنى لا يكاد يفارقها مثل ﴿ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ [التوبة:60] وتأتي للسيرورة مثل قوله تعالى ﴿ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ [هود:119] وتأتي للعلة مثل ﴿ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ [القمر:17] وتأتي للصلة مثل قوله تعالى ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ [الحجر:28].
أكمل الشيخ:
نعم هذه اللام الجارة اللام المكسورة التي تجر ما بعدها إذا جاءت في كتاب الله عزّ وجلّ فأصل معانيها الاختصاص وهذا المعنى مهم جداً وله أثر في أشياء كثيرة جداً في فهم كلام بل حتى في فهم الآيات في دلالتها على مسائل في العقيدة وعلى مسائل في الفقه وعلى مسائل في غير ذلك من أمور الدين فعندما مثلاً تقرأ قول الله عزّ وجلّ ﴿ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ ﴾ معناها أن الصدقات يختص بها الفقراء لأن اللام هنا جاءت للاختصاص على أصل معناها فأصل معناها الاختصاص وهناك معاني أخرى لهذه اللام كما في قوله جلّ وعلا ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ ﴾ أي ما الحكمة وما العلة من تيسير هذا القرآن لأي شيء ؟ للذكر، العلة هي الذكر ﴿ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ ﴾ من أجل ماذا؟ من أجل أن تتذكروا به وأن تستخدموه للذكرى فهذه هي العلة من إنزال القرآن.

كذلك أيضاً هناك معنى ثالث وهو ما يسمى بالصلة وهذا المعنى أيضاً لابد من الانتباه له لأنه يتعلق بعدد من المسائل مهمة في دين الله عزّ وجلّ وهو معنى الصلة في هذه اللام أي أنها تصل بين شيئين كما في قوله سبحانه وتعالى ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ ﴾ هذه اللام هل هي لام الاختصاص؟ لا ، ليست لام الاختصاص، هل هي لام العلة ؟ وإذا قال ربك لعلة الملائكة من أجل الملائكة ؟ لا، إنما هي هنا لام إيش؟ لام الصلة بمعنى أنه قال سبحانه وتعالى موصلاً هذا الكلام للملائكة، كما تقول أنت سجدت لله هذه اللام سجدت لله لام الصلة أي سجدت موصلاً سجودي لله فهذه تكون بين المعاني وسيأتي متى تكون اللام تارة للصلة وتارة للعلة وتارة للاختصاص بحسب السياق الذي تجيء فيه، نعم نأخذ مثال أخير.
قرأ الطالب:
ما الاسمية تكون شرطية وموصولة تفيدان العموم مثل قوله تعالى ﴿وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ [البقرة:197] ومثل ﴿ فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاع [النساء:3] وتكون استفهامية مثل قوله تعالى ﴿الْحَاقَّةُ * مَا الْحَاقَّةُ [الحاقة:1-2] وتكون تعجبية مثل قوله ﴿ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ [البقرة: 175].
أكمل الشيخ:
نعم، عندنا ما الاسمية ما في القرآن تأتي على نوعين: تكون تارة حرفية وتارة اسمية ويجب أن تنتبه لهذا ليست كل ما في القرآن على نحو واحد بل هناك ما، في القرآن حرفية لا يعني محل لها في الإعراب أما هناك ما الاسمية فلها محل في الإعراب تعرب إما أن تعرب مبتدأ تعرب خبر بحسب موطنها في الآية فتنتبه لهذا فلابد أن تفرق بين ما الحرفية وما الاسمية في كتاب الله عزّ وجلّ عندنا ما الاسمية لها دلالات كثيرة في القرآن فتارة تكون شرطية كما في قوله سبحانه وتعالى ﴿ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ [البقرة: 197] فهي شرطية هنا في دلالتها وهي ظاهرة من جهة الدلالة كذلك بالنسبة لـ ما الموصولة وهي كثيرة ولها دلالة يعني ظاهرة في كتاب الله سبحانه وتعالى كما قال تعالى ﴿ فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ ﴾ أي فانكحوا الذي طاب لكم وما الشرطية وما الموصولة من ألفاظ العموم في القرآن: ما معنى هذا؟ معناه أن ما الشرطية إذا جاءت في كتاب الله عزّ وجلّ فإنها تدل على العموم ما الموصولة إذا جاءت في كتاب الله عزّ وجلّ فإنها تدل أيضاً على العموم فعندما مثلاً نقرأ قول الله سبحانه وتعالى ﴿ فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ ﴾ أي فانحكوا الذي طاب لكم أي انحكوا ما طاب لكم عامة انكحوا ما شئتم من النساء ما طاب لكم من النساء إن لم يكن هذه النساء لم يكن ممن حرم الله عزّ وجلّ فهذه الألفاظ تدل على العموم في كتاب الله سبحانه وتعالى.
كذلك هناك الاستفهامية وهي كثيرة كما في قوله تعالى ﴿الْحَاقَّةُ * مَا الْحَاقَّةُ ﴾ ﴿ الْقَارِعَةُ * مَا الْقَارِعَةُ [القارعة:1-2] هذه كلها من قبيل ما الاستفهامية وهناك أيضاً التعجبية التي تدل على شيء من التعجب كما في قوله سبحانه وتعالى ﴿ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ ﴾ وكذلك في قوله سبحانه وتعالى والذي يعني مما يدل على التعجب في قوله جلّ وعلا ﴿عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ[النبأ:1] ونحو ذلك هذه كلها حروف تدل على نوع من المعاني وهنا تدل على التعجب.
نقف بالنسبة للأمثلة عند هذا الحد وإلا فالكلام كما ذكرت لكم طويل ولكن نرجئ الكلام عن هذه الحروف تفصيلاً إلى موطن آخر ونأخذ الآن في مسألة مهمة جداً وهي ما يتعلق بكيفية الوصول إلى معرفة دلالة هذا الحرف في كتاب الله عزّ وجلّ: أنا أقرأ في القرآن وأقرأ مثلاً قول سبحانه وتعالى ﴿ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ [الكوثر:1-2] الآن عندي ربط بين هاتين الآيتين حرف يقال له الفاء ﴿ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ﴾ هذه الفاء ما دلالتها ؟ كيف أقف على دلالة هذا الحرف في هذا الموطن ؟ هذا الذي نريد أن نعرفه وخذ أمثلة كثيرة جداً على هذا الأمر خذ أمثلة كثيرة جداً في كتاب الله سبحانه وتعالى على هذا الأمر فكيف نصل إلى معنى الحرف إذا مر علينا في كتاب الله سبحانه وتعالى هذه هي المسألة التي سنتكلم عنها بإذن الله فيما بقي لنا من الكلام عن حروف المعاني، لعلك تقرأ.
قرأ الطالب:
بقي كيفية الوصول إلى معرفة دلالة حروف المعاني في الآية سبق أن اخترنا مرجعاً واحداً فقط هو معجم حروف المعاني في القرآن الكريم.
أكمل الشيخ:
نعم هذا الكتاب هو الذي أشرنا إليه سابقاً وهو ما يسمى بمعجم حروف المعاني في القرآن الكريم معجم حروف المعاني ولكن خاص بالقرآن الكريم معجم حروف المعاني في القرآن الكريم من مؤلفه ؟ من يذكر اسمه ؟ ذكرنا اسمه من قبل.
أجاب الطلبة:
محمد حسن الشريف.
أكمل الشيخ:
أحسنتم بارك الله فيكم ، محمد حسن الشريف، نعم وهو في كم مجلد ؟
أجاب الطلبة:
في ثلاثة مجلدات .
أكمل الشيخ:
في ثلاثة مجلدات، هذا الكتاب ذكرنا عنه بعضاً من الكلام فيما سبق والآن سنذكر كيف نستفيد منه في هذا الموطن الذي نحتاج إليه، نعم اقرأ.
قرأ الطالب:
مع الجدول السابق فإذا مر بك حرف من هذه الحروف في القرآن الكريم فاسلك الخطوات التالية:
أولاً: انظر الجدول السابق وتأمل المعاني المشهورة للحرف.
ثانياً: راجع هذه المعاني في الكتاب السابق بشكل أوسع.
ثالثاً: تأمل في المعنى الذي اختاره المؤلف وافهم سبب اختياره وقد تحتاج مع هذه الخطوات إلى من يذلل لك بعض الصعوبات.
أكمل الشيخ:
نعم هذه الخطوات أنا أقترح عليك لكي تصل إلى دلالة هذا الحرف في كتاب الله سبحانه وتعالى بدءًا حتى أُيسر لك الأمر إذا وقفت على حرف وأشكل عليك فعندئذ بإمكانك أن ترجع إلى هذا الجدول الذي تراه في بيان دلالة هذا الحرف وما له من المعاني ستقف على أشهر المعاني بعد ذلك إن أردت زيادة في الاطلاع على دلالة هذا الحرف بإمكانك أن ترجع إلى هذا الكتاب معجم حروف المعاني ستنظر ماذا ذكر من المعاني وتنظر في اختياره هو تنظر في اختياره هو لدلالة هذا الحرف في هذا الموطن إذا نظرت إلى دلالة الحرف في هذا الموطن عندئذ بعد ذلك ستقف على معنى يذكره هو توافقه أو تخالفه الأمر يسير إذا أردت أن تعرف هل ما قاله صواب أو لا ؟فقط انظر إلى الكلام السلف رحمهم الله وكلام محقق المفسرين في معنى هذه الآية لأن دلالة حرف المعنى الذي ذكره هذا المؤلف إما أنه يوافق ما ذكروه وإما أن يخالف ما ذكروه فإن وافق ما ذكروه فما اختاره صواب وإن خالف ما ذكروه فما ذكره ماذا ؟ ليس بصواب ، فهمت معي؟ فأنت الآن تريد أن تقف على حرف المعنى انظر إلى ما ذكر ثم ارجع إلى كلام السلف رحمهم الله وكلام المحققين من المفسرين بالطريقة السابقة التي أشرنا إليها بعد ذلك تستطيع أن تختار القول الراجح فيما سبق بدلالة هذا الحرف وهذا ليس بالكثير، كثير من الحروف ستقف على معناها بظهور ولكن قد تحتاج حيناً إلى شيء من التحقيق.
نأخذ مثلاً واحداً يبين لك ماذا نريد من حروف المعاني وكيف نصل إلى دلالة الحرف منها لعلك تقرأ.
قرأ الطالب:
أمثلة توضح ما سبق، المثال الأول قوله تعالى ﴿ وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ [الفلق:4-5] في مثل هذه المواطن ينبغي لقارئ القرآن أن يسأل نفسه لما جاءت ال مع النفاثات ولم تأتي مع حاسدٍ وبعبارة أخرى لما جاءت مع السحر ولم تأتي مع الحسد؟
أكمل الشيخ:
نعم ينبغي أن تسأل نفسك يعني سورة الفلق كم قرأناها من مرة ؟ عشر مرات مائة، ألف، آلاف قرأناها كثيراً فلما لا تنتبه إلى كتاب الله عزّ وجلّ وأنت تقرأه؟ أنت تقرأ القرآن تقرأ كلام الله سبحانه وتعالى فلما لا تنتبه حينما تقرأ هذا القرآن؟
سورة الفلق ميز الله عزّ وجلّ فيها بين طائفتين من أنواع الشرور نوع من الشر ذكر فيه ال ونوع من الشر لم يذكر فيه ال فانتبه لهذا، إذا كنت تنتبه لهذا ستبحث عن الجواب لكن المشكلة إذا كنت أصلاً لم تنتبه لهذا مطلقاً وهذه عبارة عن غفلة عن ما ذكره الله عزّ وجلّ في هذا القرآن، نعم سنتكلم الآن عن الفرق بين الآيتين.
قرأ الطالب:
والجواب أنه لما كان السحر باختلاف أنواعه وأشكاله وأغراضه شراً كله جاءت ال هذه مفيدة للاستغراق والشمول حتى تحقق الاستعاذة منه كله، أما الحسد فمنه المذموم ومنه الممدوح وهو الغبطة، فلم تأتي ال معه حتى لا تشمل الاستعاذة أيضاً ما هو ممدوح منه فإن ذلك لا يستعاذ منه بل يتطلب العبد حضوره وحصوله.
أكمل الشيخ:
أحسنت بارك الله فيك، أيها الأحبة فاصل قصير ثم نعود للكلام عن هاتين الآيتين والفرق بينهما بإذن الله .

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين حياكم الله أيها الأحبة في روضة من رياض الجنة.
نعود إلى ما كنا نتكلم عنه فيما يتعلق بالمثال الأول وهو الفرق بين الآيتين في قوله سبحانه وتعالى ﴿ وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ ﴾ وقوله سبحانه وتعالى ﴿ وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ ﴾:
نعم قرأنا عليكم بيان هذا الفرق بين هاتين الآيتين وأنا الآن سأذكر لكم شرح هذا الكلام لعله أن يتضح بشكل أجلى وأوضح فالله سبحانه وتعالى قال في الآية الأولى ﴿ وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ ﴾ وقلنا لكم سابقاً بأن ال هنا هي قد جاءت لإفادة معنى الاستغراق فهي جنسية استغراقية أي أن نوعها للجنس ودلالتها وفائدتها في علم البلاغة هي الاستغراق ف"ال "هنا ﴿ وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ ﴾ معناها ودلالتها كأنك تقول ومن شر كل نفاثة في العقد بل إن دلالة ال هنا أقوى من دلالة كل بل إن لأن كل تارة كما هو معلوم في أصول الفقه كل تارة تدل على العموم الكامل المستغرق وتارة تدل على العموم الظاهر الأغلبي الذي لا يستغرق فال هنا إنما جاءت للدلالة الاستغراقية الكاملة لكل أنواع ما دخلت عليه فعندنا ﴿ وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ﴾ جاءت ال هنا الاستغراقية للدلالة على أن السحر شر كله من أوله إلى آخره جاءت للدلالة هنا على أن السحر شرٌ كله من أوله إلى آخره لا خير فيه مطلقاً البتة لأحد من الناس فشره غالب على خيره في كل موطن وفى كل زمن وفى كل مكان فليس عندنا سحر يكون تارة فيه خير فيه نفع وسحر فيه ضرر وفيه شر وإيذاء أبداً وهذا الذي يظنه بعض الناس قد جاءت الآية لإبطاله ولدحضه ولإزالته من الأذهان تماماً فليس هناك سحر يكون لعمل الخير سحر يكون للربط بين الزوجين سحر للتأليف بين القلوب سحر للبحث عن المفقود سحر للدلالة عن أمر يكون لك فيه حاجة ونحو ذلك أو في تحصيل خير تبحث عنه ومن هذا الكلام أبداً كل السحر من أوله إلى آخره كله شرٌ في شر وبلاء في بلاء ومعصية في معصية فليس هناك نوع من أنواع السحر فيه خير مطلقاً بدليل ماذا؟ بدليل آيات منها هذه الآية فالله عزّ وجلّ هنا قال ﴿ وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ ﴾ أي أمرك أيها المؤمن أن تستعيذ بهذه السورة العظيمة الجليلة من كتاب الله سبحانه وتعالى أن تستعيذ من شر كل نفاثة في العقد انظر من شر كل نفاثة في العقد من دون استثناء أبداً فكل ساحرة أو ساحرو إنما جاء هنا بذكر المؤنث هنا من أجل الأغلبية فقط لأن أغلب من كان ينفث بالسحر في وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم كن الساحرات فجاء هنا ذكر الساحرات بلفظ المؤنث لبيان حال الأغلب هناك فكل سحر من أوله إلى آخره هو شر في شر من دون استثناء ولذا جاءت ال هنا لتؤكد هذه الحقيقة وتقرر هذه المسألة وتجليها وتوضحها بكل أنواع العموم المستغرق الذي لا يخرج منه شيء بل السحر شرٌ كله من أوله إلى آخره إذا هذه هي الآية الأولى ما الذي يدل على هذا المعنى؟ وما الذي يؤكده ؟ يؤكده الآية التي تليها مباشرة، لأن الله سبحانه وتعالى هنا قال ﴿ وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ ﴾ أي استعذ برب الفلق من شر كل نفاثة في العقد ثم لما جاء الحسد لم يأتي الأمر على هذا النحو بل قال سبحانه وتعالى ﴿ وَمِنْ شَرِّ ﴾ ماذا؟ ﴿ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ ﴾ أي استعذ برب الفلق من شر حاسد إذا حسد، لما لم تأتي ال هنا ؟ لما لم تأتي الآية على هذه الصيغة :ومن شر الحاسد إذا حسد؟ لما المغايرة بينهما لا شك أنها مقصودة فأنت تقرأ كتاب الله لا تقرأ مجلة من المجلات أنت تقرأ كلام العليم الخبير سبحانه وتعالى فغاير بينهما ليبين لك أن هناك فرق بين السحر الذي هو شرٌ كله من أوله إلى آخره وبين الحسد الذي يستثنى منه شيء يسير فمنه ما هو خير ومنه ما هو محمود ومنه ما هو مطلوب من المرء المسلم فلأجل هذا المطلوب هذا المرغوب من الحسد لم تُذكر ال ليبين لك أيضاً في مفهوم المخالفة أن السحر ليس فيه خير مطلقاً لأن الحسد لما كان فيه شيء من الخير لم تأتي ال معه لأن ال لو جاءت هنا لاستغرقت كل أنواع الحسد بينما الحسد كما ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( لا حسد إلا في اثنتين ) فنفى الحسد ونهى عنه لكنه استثنى نوعين من أنواع الحسد. إذا الحسد كله شرٌ ولكنه يسثنى منه شيء يسير فللإشارة إلى هذا المستثنى اليسير لم تأتي ال هنا لأنها لو جاءت لشملت كل أنواع الحسد من دون استثناء ولكن لكي يتحقق المرء من العموم المقصود في قوله سبحانه وتعالى ومن شر كل نفاثة في العقد جاءت المغايرة بينهما فالعموم في مسألة الحسد وإن كان التنكير يفيد شيئاً من العموم ولكن هذا التنكير لا يدل على العموم الذي دلت عليه ال فانظر إلى التفريق الذي جاء في هذه السورة وهو ظاهر بيّن من كل وجه خصوصاً إذا جمعت بين الآيتين فهنا يتبين لك أن ربك سبحانه وتعالى أراد أن يخبرك أنك يجب عليك أن تستعيذ من شر السحر كله أوله وآخره ولا تظن أن هناك شيئا من السحر فيه خير أما بالنسبة للحسد فاستعذ منه وهذا الأصل فيه أنه شر ولكن لا تستعذ منه استعاذة كاملة مستغرقة لكل أنواعه لأن منه ما هو خير وهو قليل ويسير كما سبق في حديث النبي صلى الله عليه وسلم، واضح الكلام، واضح للجميع؟ اقرأ المثال الثاني.
قرأ الطالب:
المثال الثاني :قوله تعالى ﴿ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ [طـه: 71] لما قال تعالى في ولم يقل على ؟ مع أن الظاهر إرادة التصليب والتعليق، تجد في كثير من كتب التفسير أن في هنا بمعنى على وهذا وإن كان مشهوراًَ في كتب التفسير لكنه تفسير لجزء من المعنى لذا فهو ليس بجيد إذا أُريد إيضاحه.
أكمل الشيخ:
قف قليلاً هنا، الآن أنا أريدك أن تنتبه لقضية وهي أن هذا التفسير تفسير في بمعنى ﴿ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ ﴾ تفسير في بمعنى على هنا هذا تفسير لكنه تفسير إيش؟ لجزء من المعنى فلا تظن أنا نقول عن هذا التفسير أنه خطأ، لا وإنما أقول لك إن هذا تفسير إيش؟ لجزء من المعنى لأني لو قلت لك أنك خطأ ستذهب إلى كتب التفسير فتجد أن أئمة كثرة فسروا في هنا بمعنى على وهذا ليس خطأ ولكن الكلام أن هذا التفسيرهو تفسير بجزء من المعنى وليس تفسير لكامل المعنى فكامل المعنى سيأتيك أما تفسير في بمعنى على فهو تفسير لجزء من المعنى، واصل بارك الله فيك.
قرأ الطالب:
لذا فهو ليس بجيدٍ إذا أُريد إيضاح المعنى الكامل للآية لأن الله تعالى لو أراده لقال على ولم يقل في وإنما المراد أن فرعون من شدة غيظه عليهم هددهم بأنه سيصلبنهم تصليباً شديداً حتى كأنهم من شدة التصليب ستحفر أجسادهم في وسط الجذوع كما لو أدخلت مسمار في جدار فحرف في دل على العلو مع الظرفية وهذا المعنى لا يؤديه حرف على كما هو ظاهر.
أكمل الشيخ:
نعم هذا هو المراد فعندما تقرأ قول الله سبحانه وتعالى ﴿ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ ﴾ من المتكلم الآن ؟
أجاب أحد الطلبة:
فرعون.
أكمل الشيخ:
على لسان من ؟ على لسان فرعون، فرعون عليه لعنة الله يخاطب من؟ يخاطب السحرة الذين آمنوا بموسى عليه السلام فيهددهم ويتوعدهم فيقول لهم ﴿ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ ﴾ فالآن تهديد ولأصلبنكم اللام هذه اللام الواقعة في إيش؟
أجاب أحد الطلبة:
لام القسم .
أكمل الشيخ:
لام القسم واقعة في جواب القسم تقدير الكلام ماذا؟
أجاب أحد الطلبة:
والله لأصلبنكم.
أكمل الشيخ:
والله لأصلبنكم، تقدير الكلام والله لأصلبنكم وأيضاً جاءت نون التوكيد وتعالى ﴿وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ ﴾ فكل الكلام تأكيد في تأكيد فهو قد امتلأ حنقاً وغيظاً من هؤلاء السحرة الذي كان من قبل يستعين بهم إذا هم قد آمنوا بموسى وأصبحوا عليه لا له فانقلب عليه الأمر رأساً على عقب فهددهم تهديداً شديداً :والله لأصلبنكم في جذوع النخل، في جذوع النخل جاءت في هنا للدلالة على معنى للظرفية مناسبٌ هنا معنى الاستعلاء باقي لم يذهب وهذا الذي قلت لك بأن حروف المعاني التي لها معنى أصلي لا تذهب المعنى الأصلي بل المعني الأصلي يبقى ولكن هناك معنى زائد جاء ليضاف إلى المعنى الأصلي معنى فيه هنا معناها إيش؟ الظرفية ودل السياق على أن المراد أنهم سيعلقون على جذوع النخل فإذاً اجتمع عندنا هنا حرفان، حرف ظاهر وهو في وحرف ليس بظاهر حرف مخفي وهو إيش؟
أجاب أحد الطلبة:
على .
أكمل الشيخ:
على، فهو يهددهم بأنه سيصلبهم على جذوع النخل وهذا التصليب لن يكون تصليباً عادياً معتاداً لأنه يعلقهم تعليقاً على جذوع النخل؟ لا، وإنما من شدة التصليب ستحفر أجسادهم في هذه الجذوع التي صلبها عليهم تصليباً شديداً قوياً فليس التثبيت بمسمار ولا اثنين ولا ثلاثة ولا غير ذلك وإنما هو تصليب شديد وتعليق قوي جداً حتى أنه من شدة هذا التصليب مما في قلبه من الغيظ والحنق عليهم أراد أن يحفر لأجسادهم في هذه الجذوع ولذا جاء حرف في هنا ﴿ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ ﴾ فكأنه جعل هذه الجذوع ظرف لهؤلاء السحرة لأجساد هؤلاء السحرة الذين آمنوا بموسى عليهم السلام وعلى من آمن معه فإذاً أراد من هذا التصليب أن يكون قوياً مبالغاً فيه جداً فجاءت هذه الآية بهذا الحرف للدلالة على المعنى الظاهر لو قلنا لكم أن حرف على حل محل في هنا هل تدل على هذا المعنى؟ ما دلالة حرف على هنا ؟ الاستعلاء المجرد يعني لو فرض أن الآية كانت على هذا النحو ولأصلبنكم على جذوع النخل لكان الأمر إيش؟ مجرد أنه سيصلبهم ويعلقهم على جذوع النخل ولكن لما جاءت فيه دلت على معنى آخر أن هذا التصليب شديد جداً يناسب ما في قلبه من الحنق والغيظ على هؤلاء المؤمنين وأنه سيجعل هذه الجذوع ظرف لهم وسيدخلهم فيها واضح الكلام، تفضل اقرأ.
قرأ الطالب:
المثال الثالث قوله تعالى ﴿ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً [مريم:47] السين الأولى أتت هنا للدلالة على المستقبل القريب أي أن إبراهيم عليه السلام وعد أباه أنه سيستغفر له في الزمن القريب ولو قال سوف أستغفر لك ربي لدل على زمن أبعد وهو خلاف مراد إبراهيم عليه السلام الذي بلغ من إحسانه لأبيه وحرصه على هدايته ما بلغ من شدة ما لقيه منه من وعيد وطرد وتهديد وغير ذلك، فهذه السين إشارة إلى نوع من الكمالات الخلقية التي اختص الله بها هذا النبي الكريم ومن وُفق من عباده الصالحين .
أكمل الشيخ:
أحسنت بارك الله فيك، الآن انظر إلى كلمة ﴿ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي ﴾ من إبراهيم الخليل عليه السلام إلى أبيه يعني تقرؤون في كتاب الله عزّ وجلّ ما نال إبراهيم الخليل عليه السلام من أبيه ناله شيء كبير جداً وهدده بالطرد وهدده بأنه سيرميه وأنه وأنه هدده تهديدات كثيرة فهذا النبي الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم كيف قابل أباه؟ قابله بكثير من ماذا ؟ بكثير من الرحمة كثير من الشفقة كثير من المحبة لهدايته والحرص البالغ على إخراجه مما هو فيه وهذا خلق نبوي اختص به بعض الأنبياء وليس أيضاً كل الأنبياء بل كانت الصفة الكاملة والكمال في هذا الخلق لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم حينما قال للملكين ( لا لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله عزّ وجلّ ) أن يخرج ممن ؟ من أصلابهم، إبراهيم الخليل كان أيضاً كذلك في رحمته وشفقته وعطفه على الناس لم يكن شديداً قوياً وإنما كانت الشدة والقوة من صفة من أنبياء الله عليهم جميعاً الصلاة والتسليم من ؟ موسى ونوح عليهم السلام أما بالنسبة لمحمد صلوات ربي وسلامه عليه كذلك إبراهيم الخليل عليه السلام كانت من صفتهم الرحمة والشفقة واللين الزائد والتحمل الكبير جداً ولذا كانت هذه من صفات الكمال التي اختص بها ربنا سبحانه وتعالى نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم ونبيه الخليل عليه أفضل الصلاة والسلام .
إذاً هذا الأمر هو عبارة عن كمالات خلقية للدلالة على هذا الكمال الخلقي منه عليه الصلاة والسلام جاء حرف السين عندما قال سبحانه وتعالى عن حاله وهو يتكلم مع أبيه سأستغفر لك ربي بمعنى إيش؟ سأستغفر إيش؟ قريب لأن السين للتنفس ولإعطاء شيء من الأمد القريب أما بالنسبة لسوف فإنها تدل على التنفيس ماذا؟ التنفيس البعيد، فلم يقل سوف استغفر سيكون هناك مدة، لكن سأستغفر بمعنى أني سأستغفر الآن لك وهذا من كمال خلقه ويعني ما جعل الله في قلبه من الرحمة والشفقة على من؟ على الناس جميعاً حتى على من ابتعد عن نور الله وكفر بعبادة الله سبحانه وتعالى، اقرأ .
قرأ الطالب:
وقريبا منه ما قاله عطاء الخرساني في المقارنة التي عقدها بين استغفار يوسف ويعقوب عليهما السلام قال: طلب الحوائج من الشباب أسهل منه من الشيوخ.
أكمل الشيخ:
تأمل هذه العبارة، وانظر إلى موطن الاستدلال من القرآن طلب الحوائج من الشباب أسهل منه من الشيوخ يعني تطلبها من شاب غير أنك تطلبها من كبير في السن أين الدلالة من كتاب الله عزّ وجلّ على هذا المعنى انظر إلى استدلال هذا الإمام رحمه الله.
أكمل الطالب:
ألم ترى قول يوسف عليه السلام ﴿ قَالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ [يوسف:92] وقال يعقوب عليه السلام ﴿ قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي [يوسف:98].
أكمل الشيخ:
نعم بالنسبة ليوسف شباب فوعد اخوته بماذا ؟ ﴿ قَالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ ﴾ يعني مباشرة فلم يأتي بأي حرف من حروف إيش؟ التنفيس لا السين ولا سوف لم يأتي بشيء بل قال ﴿ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ ﴾ كأنه جزم لأنه حقه فكأنه أعطاهم إياه فرجا من الله سبحانه وتعالى أن يعفو عن اخوته فيما فعلوه به وبأخيه فقال ﴿ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ ﴾ بالنسبة للأب يعقوب عليه السلام ماذا قال؟ ﴿ قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي ﴾ فاستدل بهذا عطاء الخرساني رحمه الله على أن طلب الحوائج من الشباب من يوسف ومن كان في هذا أسهل منه من الشيوخ لما حصل في نفس يعقوب عليه السلام على هؤلاء الأبناء الذين فعلوا به ما فعلوا فقال ﴿ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي ﴾ وهذا موطن قد يُوافق عليه عطاء وقد يخالف يعني المسألة مسألة استنباط ويعني تدرج في الأخذ من كتاب الله عزّ وجلّ إن وافقت أو خالفت الأمر في ذلك يسير، من الممكن أيضاً كذلك أن نأخذ في بعض الأمثلة التي جاءت في كتاب الله عزّ وجلّ في هذا الباب وقد ذكر الله سبحانه وتعالى لنا في هذا الشأن أمثلة ليست بالقليلة مطلقاً لكن سنترك الكلام عن بقية الأمثلة فيما يتعلق بحروف المعاني إلى ما نستقبل وقبل ذلك أريد منكم أن تتأملوا معي أنتم أن تتأملوا معي بعض حروف المعاني في كتاب الله عزّ وجلّ دعني أنا وإياكم نأخذ في قوله سبحانه وتعالى في سورة الكوثر سورة قصيرة في قوله سبحانه وتعالى ﴿ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ [الكوثر:1-2] هذه الفاء من الممكن أن تكون ماذا؟ هل ممكن أن تكون عاطفة ؟ نأخذ مثلا على ذلك هل ممكن أن تكون عاطفة ؟ لا يمكن أن تكون عاطفة لا معنى لها على أنها عاطفة، هل ممكن أن تكون سببية ؟ ﴿ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ﴾ فبسبب ما أعطيناك ﴿ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ﴾ هل ممكن أن تكون سببية؟ ممكن، ممكن تكون أيضاً، هل ممكن أن تكون شرطية؟ في جواب الشرط؟ لا ما في شرط هنا أليس كذلك؟ هل ممكن أن تكون فصيحة أي تفصح عن شيء محذوف ﴿ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ﴾ فبما أعطيناك ﴿ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ﴾ ممكن ؟ ممكن لكن أقربها إلى الذهن ما هو؟ استئناف كامل ﴿ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ﴾ كأنه فيه انقطاع بيّن بين الآية الأولى وبين الآية الثانية ؟ لا ، أقربها ما هو أن تكون إيش؟ سببية لأن المفروض هنا ﴿ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ﴾ فبسبب ما أعطيناك وأنعمنا عليك إيش؟ ﴿ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ﴾ فبسبب هذا بسبب ما أوليناك من النعم عندئذ صلِّ لله عزّ وجلّ وانحر له سبحانه وتعالى.
اسأل الله عزّ وجلّ بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يرزقنا وإياكم علماً نافعاً وعملاً صالحاً وأن يجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهله وخاصته. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً .

التعديل الأخير تم بواسطة أم أسماء ; 17-12-08 الساعة 03:13 PM
أم أسماء غير متواجد حالياً  
قديم 15-12-08, 03:24 PM   #24
أم أسماء
جُهدٌ لا يُنسى
 
تاريخ التسجيل: 22-05-2007
المشاركات: 7,201
أم أسماء is on a distinguished road
افتراضي

تفريغ الدرس التاسع عشر:




بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين أيها الأحبة حياكم الله مرة أخرة في مجلس من مجالس الجنة أسأل الله عز وجل كما جمعنا وإياكم في مثل هذه المجالس المباركة أن يجمعنا جميعاً ومن يستمع إلينا في الفردوس الأعلى من الجنة .
كنا في الحديث عن المرحلة الثانية المتعلقة بحروف المعاني وقد سمعنا وقرأنا أمثلة على حروف المعاني وعلى أثرها في فهم كتاب الله عز وجل وفي هذه الحلقة نواصل ما كنا بدأناه في ضرب هذه الأمثلة وإن كان هناك من سؤال قبل أن ننتقل إلى بقية الأمثلة أرجو ذلك.
قال أحد الطلبة :
بسم الله الرحمن الرحيم . المثال الرابع في قوله تعالى : ﴿ وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ[مريم: 25]. الهز تحريك الشيء وفعله يتعدى لنفسه فنقول هز الرمح أو الشجرة ونحو ذلك وفي هذه الآية أعده بإلى ليضمن الهز معنى الإدناء والإماله والتقعيد من فاعل الهز وهي مريم عليها السلام وفي هذا مزيد كرامة لمريهم عليها السلام .
أجاب الشيخ :
أحسنت بارك الله فيك، الآن اكتبوا الآية : ﴿ وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ﴾. أصل الهز في لغة العرب هو تحريك الشيء وهذا الفعل في اللغة لا يحتاج إلى حرف يتعدى به فأنت تقول لأحد هز الرمح أو تقول هززت الشجرة ونحو ذلك من الكلمات والعبارات لا تحتاج أن تعدي هذا الفعل بحرف فلا تقول هززت إلى الشجرة أو هز إلى الرمح ونحو ذلك لكن هذه الآية الكريمة عدي فيها هذا الفعل بقول سبحانه وتعالى: ﴿ وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ﴾ فما سر ذلك وما سببه؟
قال أحد الطلبة :
بيان ذلك أن المنصوص عليه في الآية أنها جاءت إلى جذع نخلة لا إلى نخلة كاملة ومع هذا أمرت أن تهز الجذع وتميله نحوها ومن كرامة الله لها أن الجذع لم يستجيب لهزها فقط بل وسيميل نحوها إجابة لجذبها لها بيديها الضعيفتين غاية الضعف وهذا أبلغ في الإعجاز وأدل على قدرة العزيز الوهاب جل وعلا ثم جاءت الباء في ﴿ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ﴾ وهي للإلصاق لتؤكد عليها أن تمكن يديها من الجزع حال هزها غاية ما تستطيع من التمكن وهذا أمر لها بفعل كل ما في وسعها من الأسباب الدنيوية.
أجاب الشيخ :
نعم هذا هو ما يبين لك بعض أسرار هذه الآية الكريمة الله سبحانه وتعالى يقول فيها : ﴿ وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ﴾ كما ذكرنا سابقاً الهز لا يحتاج إلى حرف يتعدى به ولكنها عديت هنا بالباء لقوله سبحانه وتعالى: ﴿ وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ﴾ هذه الباء كما ذكرنا أن من معانيها الإلصاق فالمقصود هنا أن تتمسك بهذه الشجرة تمسكاً قوياً شديداً جداً بحيث أنها عندما تمسك بها يكون هذا المسك مسكاً قوياً شديداً متمكناً منها فهذه من جهة الباء ودلالتها على الإلصاق وأيضاً جاء حرف إلى ﴿ وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ﴾ ليكون هذا الهز فيه جر وجذب إليها هذا الجزع وهو جزع فيما يظهر كما قاله جماعة من السلف أنه مجرد جزع لا نخلة كاملة لأن الله عز وجل إنما ذكر جذع نخلة ﴿ وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ﴾ ولم يقل وهزي إليك النخلة وإنما ذكر جذع النخلة قد يقال بأنه ذكر الآن بعض ما يهز من أجل أنه هو المقصود بالمسك والجذب يعني ذكر شيئاً وأراد الكل قد يقال هذا وهذا له وجه صحيح في العربية ولكن ظاهر اللفظ ولا مانع البقاء على ظاهر اللفظ لأنه ليس هناك ما يمنع منه أبداً ظاهر اللفظ إنه إنما هزت جذع نخلة وجذع النخلة لا يكون معه رأس فيها ثمرة وفيه جذوع ولكن هو جذع مجرد من صلب هذه الشجرة وهذا الجذع فيه ما فيه من أنواع اليبس قد يكون ميتاً أصلاً ليس بحي إذا كان جذعاً مجرداً ليس نخلة كاملة فعندئذٍ أمر الله سبحانه وتعالى هذه المرأة الضعيفة التي هي في حال المخاض أمرها أن تهز جذع النخلة وأن يكون هذا الهز في حال كونها ممسكة إمساكاً قوياً شديداً بهذا الجذع وأيضاً كذلك أن تجذب هذا الجذع إليها هذه الأوامر لهذه المرأة الضعيفة في مثل هذه الحال هل هي أوامر مجردة من وقوع الأثر والاستجابة من هذا الجذع لهذه المرأة الضعيفة مثل هذه الحالة التي لا تستطيعه معها المرأة أن تفعل أدنى شيء كيف بأن تهز جذع نخلة كاملة لكنه بدأ أمر من أجل أن نتعلم نحن جميعاً أن المطلوب والمأمور به في شرع الله سبحانه وتعالى أن تفعل ما تستطيع ما تقدر عليه تفعله ما لاتستطيع فلست مطالباً به ولا يطلب منك ولا تؤمر أن تتكلفه أبداً ولكن تفعل ما تستطيع من الأمور ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَ[البقرة: 286]. فالآن هي أمرت أن تفعل ما تسطيع فإذا فعلت ألم يحصل الأثر نعم سيحصل الأثر ألم يحصل ما تقصده سيحصل لها لأن الأمر جاء من الله جل وعلا وهذه الأوامر ليست عبثاً وإنما هي جاءت من الله سبحانه وتعالى لترى هذه المرأة الضعيفة الصالحة قدرة الله سبحانه وتعالى في إنقاذها وفي فعل ما لا يمكن أن يحدث لولا أن الله سبحانه وتعالى قدر ويسره لهذه المرأة إذاً فالقضية في قدرة بالله سبحانه وتعالى أراد أن يظهرها لهذه المرأة الضعيفة أمرها بأوامر فطبقت هذه الأوامر فحصل ما أمر به هذا الجذع من الاستجابة لهذه المرأة الضعيفة ﴿ وَهُزِّي إِلَيْكِ﴾ يدنو إليك ﴿بِجِذْعِ النَّخْلَةِ﴾ هذه كلها أوامر جاءت في حال يكون فيها الإنسان في غاية الضعف فإذا حصل للعبد في هذه الحياة الدنيا شيء من ذلك من حال المسكنة حال الضعف حال قلة الناصر حال الفقر الشديد حال بعد الأحبة والأخوة فإنه عندئذٍ ماذا يفعل الواجب عليك أيها العبد أن تفعل كما فعلت هذه المرأة الصالحة أن تفعل كل سبب تستطيعه من أجل درء هذا البلاء الذي حل بك تفعل ما تسطيع ولا تدخر شيئاً أبداً افعل كل ما تستطيع مما له سبب في دفع هذا البلاء الذي حل بك عندئذٍ سيتولى بقية الأمر ربنا سبحانه وتعالى وسيدرء عنك ما تخشى سواء كان في الحياة الدينا أو الحياة الأخرى.
قال أحد الطلبة :
المثال الخامس قوله تعالى : ﴿ وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعً[الاسراء: 109]. اللام المفردة لها معاني كثيرة جداً وأصل معانيها الاستفاضة قال ابو السعود في تفسيره لهذه الآية اي يسقطون على وجوههم سجداً تعظيماً لأمر الله تعالى أو شكراً لإنجاز ما وعد به في تلك الكتب من بعثته وتخصيص الأذقان بالذكر للدلالة على كمال التذلل إذ حين إذاً يتحقق الخرور عليها و ... اللام للدلالة على .. الخرور بها كما في قولك فخر سريعاً لليدين وللفم الذقن معروف والمقصود به هنا الوجه.
أجاب الشيخ :
الذقن معروف عند الجميع الله سبحانه وتعالى يصف هؤلاء أنهم ﴿يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ﴾ سبحان الله هل الخرور يكون للأذقان أم يكون على الجبهه؟ الأصل يكون على الجبهة وعلى الأنف فلما الله سبحانه وتعالى ترك الجبهة هنا ولم يذكرها ترك الأنف لم يذكره هنا وإنما ذكر الذقن فكيف كان الخرور إلى الذقن هذا أمر يحتاج إلى وقفة ﴿يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ﴾ كيف يخرون للأذقان؟! تأمل معي هذه الآية .
قال أحد الطلبة :
الذقن معروف والمقصود به هنا الوجه كله كما قاله ابن عباس وقتادة وإنما خصت الأذقان بالذكر للدلالة على كمال التذلل وهذا ليس مقصودنا هنا وإنما المقصود أن ذكر اللام هنا عوضاً عن على في قوله : ﴿ لِلْأَذْقَانِ﴾ للدلالة على معنين.
أجاب الشيخ :
أحسنت بارك الله فيك لماذا ليس مقصود هنا؟ لأن الكلام عن الذقن تابع للمرحلة الأولى لأن الأولى الكلام فيها عن دلالة الكلمات وأما هذه المرحلة الثانية الكلام فيها عن دلالة المعاني إذاً الأولى الكلام فيها عن دلالة الكلمات ونحن الآن نتكلم عن دلالة حروف المعاني فليس لها علاقة هنا لما خص ذكر الذقن في الآية ولم الوجه كاملاً هذا ليس محله هنا وإنما محله في المرحلة الأولى عندما تتأمل الكلمات ترجع كلمة الذقن في اللغة وماذا تعني ولما خص الذقن هنا في هذه الآية وترك الكلام عن الوجه كاملاً ولم فسر ابن عباس وقتادة وغيرهم من أئمة أهل التفسير فسروا الأذقان هنا بالوجوه لما فسروه بهذا ليس هذا الموطن لأن الكلام هنا عن حروف المعاني فالكلام هنا عن قوله سبحانه وتعالى ﴿يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ﴾ عن اللام هنا ﴿يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ﴾ الأصل يكون الخرور للأذقان أم على الأذقان يكون على الأذقان لأنه يخر عليها لا يخر لها ولذا جاء هنا حرف اللام عن حرف على لدلالة معينة ستذكر لكن حتى لا أشوش عليك الذهن سأذكر لك لما ذكرت الأذقان هنا ولم تذكر الوجوه سر ذلك أيها المبارك أن الخرور عندما يكون للأذقان يكون أشد ما يكون خضوعا وخنوعاً وذلة ومسكنة لله سبحانه وتعالى كيف هذا؟ أنت قد تخر على جبهتك على أنفك لكن هذا الخرور وإن وقع إلا أن بالنسبة للأذقان لا تصل إلى الأرض وهذا هو الأصل تأمل هيئتك وأنت ساجد إذا سجدت ما الذي يصل إلى الأرض وما الذي لا يصل ما الذي يمس الأرض وما الذي لا يمسها الذي يمس الأرض هو الجبهة والأنف هل بالنسبة للذقن يمس الأرض ؟ لا يمس الأرض فإذا خر الانسان خروراً في تعظيم لله سبحانه وتعالى أي فيه تعظيم كامل لله عز وجل فإن هذا الخرور سيكون معه خرور للأذقان إذا الذقن إلى الأرض فما حال الجبهة ما حال الأنف من باب أولى بل إن الخرور عليها سيكون عظيماً جداً بمعنى إنك تخر للأرض فيه تعيظماً كاملاً لله سبحانه وتعالى فيه إجلالاً لله فيه خوفاً من الله فيه خنوع فيه مسكنه كاملة تامة لربك سبحانه وتعالى هذا الخرور إذا للأذقان فإنه يكون أتم وأعظم وأكمل من أن لو كان للوجوه والجباه والأنف واضح الكلام لم تذكر الجبهة والأنف هنا من أجل أن الخرور على الأذقان أو للأذقان هو الأبلغ فعندما ذكر الأبلغ لم يحتاج إلى ذكر ما هو أقل منه في الدلالة على الخضوع والخشية لله سبحانه وتعالى بقي الآن عندنا مسألة وهي محل الكلام هنا فيما يتعلق لما ذكر حرف اللام ولم يذكر حرف على في هذا الموطن.
قال أحد الطلبة :
وإنما المقصود أن ذكر اللام هنا عوضاً عن على في قوله ﴿لِلْأَذْقَانِ﴾ للدلالة على معنين معنى على وهو الاستعلاء لأن الخرور وقع عليها ومعنى الاختصاص أي اختصاصها بالخرور وخصت هذه الأعضاء بالذكر مع أن اليدين والقدمين تخران أيضاً لأنها هي المقصود الأعظم من الخرور لأن كمال الذل والخضوع إنما يكون بها.
أجاب الشيخ :
أحسنت بارك الله فيك حرف اللام هذه اللام لها دلالة في لغة العرب وهذه الدلالة هنا هي الاختصاص وكأنه خص الأذقان بالخرور على الأرض لما جاء لام الاختصاص هنا ولم تأتي على؟ لأن على لو جاءت هنا لدلت على الاستعلاء المجرد دلت على أنك جعلت هذا الذقن مستعلياً على الأرض يعني لامس الأرض مستعلياً عليها في خرورك وسجودك لله سبحانه وتعالى ولكن لم تأتي على هذه لم تأتي بمعنى جديد لم تأتي بمعنى كامل يبين شدة ما وقع لهذا العبد من الخرور وشدة ما وقع له من خشية الله سبحانه وتعالى وإن كان الكلام الآن عن أئمة في دين الله عز وجل مع عباد الله سبحانه وتعالى عندهم كمال خشوع وكمال خشية وكمال خوف لربنا سبحانه وتعالى أثنى الله عليهم في هذه الآية ﴿ويَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ﴾ فأثنى عليهم بهذا الخرور فخرورهم ليس كخرور غيرهم من الناس يعني سقوطهم على الأرض في سجودهم لله سبحانه وتعالى ليس كسجود غيرهم وإنما لهم سجود خاص يدل على كمال التعظيم لهم كمال سجود هذا السجود في صفته يدل على عظيم تعظيمهم لله سبحانه وتعالى فلذا ذكر السجود على هذا النحو ﴿ويَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ﴾ اي أنهم خصوا الأذقان بالسجود فسجد مع الوجه سجد أيضاً الذقن سجد مع الجبهة والأنف أيضاً كذلك الذقن فكان الخرور على أكمل ما يكون في توجه العبد لله سبحانه وتعالى حال سجوده وسقوطه على الأرض طالباً التقرب إلى الله سبحانه وتعالى هذا هو المقصود من هذه الحروف التي جاءت والتي قبلها.
قال أحد الطلبة :
ومثله ﴿ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ[الصافات: 103]. فاللام هنا عوضاً عن على للدلالة عن المعنين السابقين اللذين هما الاستعلاء والاختصاص والمعنى أن إبراهيم عليه السلام صرع ابنه اسماعيل عليه السلام على الأرض كما يفهم من السياق وخص الجبين وهما جانبين الرأس من الأمام وبينهم الجبهة بالذكر هنا ليبين أن هناك صرعاً خاصاً بها واقعاً عليها فإبراهيم عليه السلام حتى لا ينظر في وجه ابنه حال ذبحه فيقع منه رحمة له فيتردد جعل وجه اسماعيل عليه السلام جهة الأرض حال إرادته ذبحاً وهذا ليس بتكلف ولا تقول بل هو الذي دلت عليه الآية بكلماتها وأدواتها وسياقها لذا صرح جماعة من السلف بأن هذه هي الهيئة التي أرادها إبراهيم عليه السلام أن يذبح عليها إسماعيل عليه السلام منهم ابن عباس وقتادة ومجاهد وغيرهم.
أجاب الشيخ :
أحسنت بارك الله فيك انظر إلى هذه الآية وتأمل معي أيها المبارك تأمل معي عظيم فهم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم لكلام ربهم وقبل ذلك سأحكي لك حكاية الآن الآن فيما يتعلق بفهم هذه الآية الله سبحانه وتعالى يقول هنا في هذه الاية العظيمة في سورة الصافات: ﴿ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ﴾ الكلام الآن عن من؟ عن إبراهيم عليه السلام وعن ابنه اسماعيل ﴿ فَلَمَّا أَسْلَمَ﴾ أي ابراهيم واسماعيل عليهما السلام وتل ابراهيم الخليل عليه السلام تل ابنه اسماعيل ﴿ وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ﴾ إذا ذهبت للتفسير في المأثور تنظر مثلاً إلى تفسير ابن جرير رحمه الله فتقف على هذه الآية لتقرأ تفسير ابن عباس لهذه الآية فيقول لك إن ابراهيم الخليل عليه السلام لما أراد أن يذبح ابنه لم يذبحه على الصفة المعهودة الصفة المعهودة أن يوضع هذا الانسان أو كذلك عندما تريد أن تذبح بهيمة ونحو ذلك أن تضع على جنب أليس كذلك على جنب من الجانبين ثم تقوم بالذبح ابراهيم الخليل عليه السلام لما أراد أن يذبح ابنه اسماعيل عليه السلام لما هم بالذبح لم يفعل هذا لم يجعل ابنه اسماعيل على جنب من الجانبين أبداً لا جنبه الأيمن ولا على كذلك جنبه الأيسر وإنما فعل صفة أخرى ما هي هذه الصفة؟ أنه جعل وجه ابنه اسماعيل عليه السلام إلى الأرض ثم لما أراد الذبح أخذ هذه السكين فأدخلها من تحت حلق ابنه اسماعيل عليه السلام وهم بالذبح على هذه الصفة فالوجه الآن وجه اسماعيل عليه السلام على الصفة وابراهيم الخليل يذبح على هذه الصفة ابن عباس لما ذكر هذا الكلام من أين أتى به كثير من طلبة العلم بل كثير من الناس لما يقرأ هذه الآية يظن أن هذا الوصف لهذه العملية التي حصلت قضية ابراهيم انه أراد أن يذبح ابنه اسماعيل أن هذا من ما أخذه ابن عباس من بني إسرائيل وهذا ليس بصحيح أبين ذلك بعد الفاصل .
فاصل تلفزيوني
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين حياكم الله مرة أخرى أيها الأحبة ونعود للكلام عن قوله سبحانه وتعالى: ﴿ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ﴾ هذه الآية التي وصف الله عز وجل بها اسلام إبراهيم الخليل وكذلك ابنه اسماعيل لله عز وجل في هذا الأمر العظيم ذكر هذه الصفة وذكرت أن ابن عباس من معه .. قتادة ومجاهد وغيرهم من الأئمة فسروا هذه الآية وفجعلوا ذبح أو إرادة ذبح ابراهيم الخليل لابنه اسماعيل عليهما السلام على صفة محددة وهي أن ابراهيم الخليل جعل ابنه اسماعيل على جهة يكون فيها الوجه متجهاً إلى الأرض واراد أن يذبحه على هذه الصفة هذا الكلام من ابن عباس ومن وافقه على هذا الأمر لم يأتي من كتب بني إسرائيل ولم يأخذه عن صحف تقدمت من الكتب السابقة صفحة ما جرى بين ابراهيم الخليل وبين ابنه اسماعيل أبداً وإنما أخذه من هذه الآية وهذا ما أريد أن تنتبه له عندما لا تفهم كلام ابن عباس أو كلام ابن مسعود أو كلام أحد من أئمة أهل العلم من الباب لا تجنح كثيراً إلى أن تقول هذا من ما أخذ عن بني إسرائيل وهذا من ما نقله فلان عن الصحف السابقة وعن الكتب التي تقدمت أمة محمد صلى عليه وسلم أبداً لا تجنح في هذا فإنهم رحمهم الله وإن أخذوا عن بني إسرائيل شيئاً مما لا يخالف ما نحن فيه من ديننا إلا أنه أبداً لم يكثروا من هذا مطلقاً وعندما تنظر في تفسيرهم رحمهم الله سواء كان ذلك في الدر المنثور او تفسير ابن جرير أو تفسير ابن كثير أو في تفسير البغوي أو في غير ذلك من التفاسير أكثر ما نقل عنهم رحمهم الله إنما هو تفسير فهموه من كلام الله عز وجل لا يأخذوه عن بني إسرائيل ولا غيرهم وإنما فهموه من الكلام العربي المبين الذي جاء في كتاب الله عز وجل فلا تجنح كثيراً إذا لم تفهم الكلام أن تقول هذا ما أخذ عن بني إسرائيل لا لم يؤخذ عن بني إسرائيل وإنما أخذ من كتاب الله لكن المسألة إنك لم تفقه ما فقهوه من القرآن ولم تفهم ما فهموه هم من القرآن ولم تدرك من كلمات القرآن ودلالتها ومن حروف المعاني ودلالتها ما أدركوه هم الذين هم أخذوا القرآن واستمعوا إليه وفهموه وهم أصحاب لغة يتكلمون بلسان عربي بين واضح لا لبس فيه فلما تقرأ هذه الآية ﴿ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ﴾ أولاً ابراهيم الخليل عليه السلام أمر بماذا؟ بالذبح المجرد أليس كذلك قال الله عز وجل في حكاية هذا الأمر : ﴿ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ[الصافات: 102]. هل أمر أن يذبح على صفة معينة؟ لا إنما أمر أن يذبح ما كيفية الصفة لم يحدد الله عز وجل هذه الصفة هذا النبي الكريم الخليل الذي وصفه الله عز وجل فقال : ﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ[التوبة: 114]. ابراهيم كان من الرحمة وكان من الشفقة وكان من الحلم وكان فيه من ما جعله الله عز وجل في قلب هذا النبي من السؤده والرفق بالناس شيء لا يوصف وهذا من كمال وعظمة هذا النبي ولذا كان هو أفضل الأنبياء بعد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ولذا كان نبينا صلوات ربي وسلامه عليه يكثر من ذكر ابراهيم الخليل يكثر من ذكره جداً ويكثر من الثناء عليه يقول إن الله عز وجل هو الذي تولى الثناء على ابراهيم الخليل في كتابه في كثير من المواقف هذا النبي أمر بالذبح ولم يؤمر بكيفية معينة للذبح فقد خيره الله عز وجل في ذلك فاختار صفة ينفذ فيها الأمر الذي جاء من الله عز وجل وأيضاً يجمع بين استجابته لأمر الله وبين رحمته لابنه التي جعلها الله عز وجل في قلبه فجمع بين الأمرين وهذا من كمال تنفيذ أوامر الله سبحانه وتعالى لأنه نفذ الأمرين هو مأمور بأن يرحم ابنه وأن يشفق عليه وأن يكون لطيفاً به مراعياً لجميع أحواله ومأمور أيضاً أن لا يرتكب شيئاً يكون فيه أثر على نفسه ويكون فيه بقية فكر تتعلق بأمر من أوامر الله عز وجل فجمع بين هذا كله بين الرحمة التي جعلها الله في قلبه بل التي أمر الله عز وجل نبيه ابراهيم وأمر غيره أيضاً أن تكون في قلوب الآباء على الأبناء هذه الرحمة الفطرية المغروسة بين الأبن وأبيه هذه موجودة وباقية وهي شرعية وفطرية وكونية موجودة في قلب الخليل إبراهيم لم يبعدها ابراهيم ولم يزلها لما استمع إلى أمر الله سبحانه وتعالى بل نفذ الأمران جميعاً أما الأمر الأول هو أنه سيذبح ولم يرده شيئاً عن أن يقدم ابنه قرباناً لله سبحانه وتعالى استجابة لأمره لم يرده شيء عن ذلك ولكنه أيضاً يجمع مع ذلك الرحمة واللطف والرأفة والشفقة بهذا الابن وبنفسه أيضاً في حاله مع ابنه فجاء على هذه الصفة بأن رمى ابراهيم ابنه اسماعيل على الأرض تله تلاً قوياً شديداً حتى لا يفكر ولا يتردد فتله والتل لا يكون إلا بقوة وشدة ﴿ فَلَمَّا أَسْلَمَ﴾ الجميع أسلم لله عز وجل وأريد أن تتخيل هذا الموقف ايها المؤمن المسألة ليست هينة ليست القضية ذبيحة تذبحها وتقدمها لله عز وجل تشتريها بمبلغ من مال القضية أنها عندك ابنك وهو أحب الناس إليك وما جاءك إلا بعد تعب وجهد وزمن وتحبه محبة شديدة جداً ترى الدنيا كلها في هذا الابن ابن صالح ابن تقي ابن بار بأبيه ابن قد جمع الله عز وجل فيه أنواع من ما يجعل الأب شديد التعلق بهذا الابن شديد المحبة له ولذا قال ابن القيم رحمه الله في كلامه عن هذه الآية وعن تفسيره إن ربنا سبحانه وتعالى لعله اطلع على تعلق ابراهيم الخليل بهذا الابن وشدة محبة الله فأراد أن يخلص محبة الله عز وجل التي قلب ابراهيم الخليل لربه سبحانه وتعالى فلا يخالطها شيء لا يليق بها حتى وإن كانت محبة الأب لابنه وهذا الذي جرى ايضاً لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم مع ابنه ابراهيم عليهم جميعاً أفضل الصلاة وأتم التسليم فكذلك ابراهيم مع ابنه اسماعيل فأمره هذا الأمر فاستجاب لله سبحانه وتعالى فجعل وجه ابنه اسماعيل إلى الأرض جعل هاتين العينين اللتين قد ينظران إلى ابراهيم الخليل وهو يقدم على ذبح ابنه اسماعيل في هذه الحال الشديدة مع الإسلام الكامل لله سبحانه وتعالى لله سبحانه وتعالى في هذا الموقف العظيم والسكين بيد ابراهيم الخليل وهو يقدم على ذبح هذا الابن الكريم البار الرحيم بل هو نبي من أنبياء الله عز وجل يقدم على هذا الذبح فجعل وجه إلى الأرض وأخذ السكين يريد أن يذبح وقد استجابا جميعاً وأسلما لله سبحانه وتعالى ﴿ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ[الصافات: 103، 104]. هذه الصفة كاملة هي التي أشار إليها ابن عباس ومجاهد وقتادة ودلت عليها الآية في حرف من حروف المعنى وهو قوله سبحانه وتعالى: ﴿ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ﴾ أي أن التل كان من جهة الجبين وهذا التل هو الذي أوصل هذا الرأس إلى الأرض والتل كان من جهة الجبين ﴿ وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ﴾ أي تله تلاً يوصل به جبينه إلى الأرض فوصل الجبين هنا "ال" هذه في الجبين "ال" جنسية بمعنى أنه أوصل كل الجبين فإذا أوصل كل الجبين معناه أنه أوصل طرفي الجبين هذا وذلك أوصله جميعاً إلى الأرض لم يوصل طرفاً واحداً دون طرف وإنما أوصل الطرفين جميعاً طرفي الجبين إلى الله سبحانه وتعالى أوصلهما طاعة لله قرباناً إلى الله فجعلهما يماسان الأرض هكذا من جهته حتى لا ينظر هو إلى عين ابنه اسماعيل حال الذبح فلم يأمره الله سبحانه وتعالى بذلك فلم القسوة ولم الجفاء لم يأمره الله سبحانه وتعالى أن يضع عينيه بعيني ابنه اسماعيل حال ذبحه أبداً لم يأمره بذلك وإنما أمره بالذبح مطلقاً وهذا هو كمال الإيمان وكمال اليقين وكمال الرحمة وكمال الشفقة التي يحبها الله سبحانه وتعالى من عبده حين تنفذ الأمر الذي يأتيك من الله عز وجل وتنفذ معه أيضاً هذا الأمر المعين وتنفذ معه أيضاً الأوامر الأخرى التي جاءتك من الله سبحانه وتعالى بأن شفيقاً رحيماً بالناس من أولهم لآخرهم فأنت عندما تريد أن تنكر منكراً أو تنفذ أمراً تأمر وتنهى وقلبك مليء بالرحمة مليء بالشفقة مليء بالرأفة على هؤلاء الناس الذين تريد انت أن تخرجهم من الظلمات التي هم يعيشون فيها إلى النور الذي أراد الله عز وجل أن يهدي الخلق إليه هذا هو بعض ما يتعلق بهذا الآية ولكني أردت الإشارة فقط إلى حرفين من حروف المعنى في هذه الآية وهو أولاً اللام الموصلة لام الصلة هذه وأل الجنسية في قول ﴿ لِلْجَبِينِ﴾ الكلام واضح .
قال أحد الطلبة :
وهذه أمثلة أخرى أدعها للقارئ الكريم المثال السادس قوله تعالى: ﴿ أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ[الملك: 16]. اتفق أئمة السلف على أن الذي في السماء هو الله جل في علاه.
أجاب الشيخ :
نعم وهذا بلا خلاف بينهم أن الذي في السماء هو الله سبحانه وتعالى وهذه هي عقيدة ليست هي عقيدة أهل السنة والجماعة فقط بل هذه عقيدة المسلمين من أولهم إلى آخرهم حتى دخلت فيهم البدع الله سبحانه وتعالى هو الذي على السماء ولا يكون سبحانه وتعالى إلا على هذه الصفة جل في علاه فالعلو المطلق له سبحانه وتعالى علو الذات وعلو القهر وكل أنواع العلو ثابتة له سبحانه وتعالى ولا ينكر ذلك إلا من فسدت فطرته هو الذي ينكر هذا العلو فتارة يقول إن الله في كل مكان أعاذنا الله سبحانه وتعالى من مثل هذا القول ومنهم من يقول أن الله سبحانه وتعالى لا يوجد في هذا الكون ليس في علو ولا في سفل ولا في يمين ولا في شمال ونحو ذلك مما يقوله بعض الفلسفة فالله سبحانه وتعالى قد أثبت له العلو المطلق في أكثر من ثلاثمائة آية في كتاب الله وفي السنة أحاديث كثيرة في هذا الباب بل إن في ما ترى من أحوال المخلوقات حتى من غير الانسان ما يثبت علو الله سبحانه وتعالى وأنت تنظر إلى البهائم إذا ارادت أن تجرأ وأن تبتهل إلى الله سبحانه وتعالى بالدعاء وأن تتضرع إليه جل وعلى في أمر من الأمور إنما هي أن ترفع رأسها إلى السماء وقد شوهد ذلك النظر في القديم والحديث إذا أرادت أن تستسقي الله سبحانه وتعالى فإنها تستسقي بأن ترفع عينيها ورأسها إلى العلي الكبير سبحانه وتعالى هذه حقيقة ثابتة في الفطرة بل إنها عقيدة ثابتة في قلب الانسان لا يستطيع أحد أن ينكرها مطلقاً عندما تريد أن تدعوا الله أين تتجه في دعاءك إلى ربك سبحانه وتعالى تتجه إلى اليمين تقول هكذا يا رب تتجه إلى الشمال أو إلى الأمام أو الأسفل أو إلى الخلف أين تتجه إذا أردت أن تدعو الله سبحانه وتعالى ليس لك إلا الله وأين الله ؟ الله في العلو المطلق سبحانه وتعالى هذه عقيدة ثابتة هي ثابتة عند المسلمين جميعاً عند الصغار والكبار وقد سألت طفل في الخامسة من عمره كنت معه فقلت إذا أردت أن تدعوا الله ماذا تقول قال أقول يارب "كلمة غير مفهومة) قال ربي فوق والله في الخامسة من عمره .
سألت أخر في السادسة من عمره قلت حبيبي إذا أردت أن تدعوا الله عز وجل كيف تدعو؟ قال أقول يارب أدخل أبي وأمي الجنة قال ربي أنا .
يا سبحان الله يا أخي هذه عقيدة موجودة في الفطرة تريد أن تنكرها من أجل فلسفة وكلام فارغ دعوا هذا عنا جميعاً أيها المسلمون دعوا عنا هذا الكلام الفارغ الذي لا معنى له أن ينكر الانسان علو ربه سبحانه وتعالى فهذه جريمة من أعظم الجرائم ولذا حصل لبعض هؤلاء المبتدعة من بعض هؤلاء الفسقة الفجرة في حق ربهم سبحانه وتعالى عندما أن يسبح ربه يقدس ربه كما سمع .. الريفي وهو ساجد يدعو يقول سبحان ربي الأسفل يقول هكذا سمع وهو يدعو في سجوده يقول سبحان ربي الأسفل لأنه لا يريد أن يثبت العلو الذي أثبته الله لنفسه وهكذا يصل عقل الانسان إلى هذا الحد الأدنى في عدم تعظيمه لله سبحانه وتعالى ينزل الأمر من الله عز وجل بتسبيحه سبحانه وتعالى بأنه الأعلى ويأمرك في حال سجودك في حال أدنى موضع تكون فيه أنت في حال أن يصل هذا الرأس بما فيه من الجبهة والأنف بل حتى الذقن يصل إلى الأرض فتقول سبحان ربي الأعلى تنزه الرب في هذا الموطن لأنه الآن أنت في موطن تحتاج فيه أن تثبت علو ربك سبحانه وتعالى الذي فوق عرشه جل وعلا ثم يقول هذا الخسيس هذا الفاجر ، سبحان ربي الأسفل . وكل مؤمن بل إن رسولنا صلى الله عليه وسلم ومن تبعه بإحسان إلى يومنا هذا لا يقولون إلا سبحان ربي الأعلى هذه العقيدة هي المؤمنة لا أريد أن أدخل في كلام المنطق طويلاً في هذه القضية لكن يكفي بالفطرة التي أورثها الله عز وجل في قلبك إياك إياك أن تتعرض لهذه الفطرة بشيء يفسدها وبشيء يكدرها فإن ربك سبحانه وتعالى هو العلي المتعال سبحانه وتعالى هو العلي المتعال جل في علاه استوى على عرشه وهو يقضي بين خلقه وهو مستوي استواء يليق بجلاله وعظمته سبحانه وتعالى كيف الله أعلم . تريد أن أصف لك استواء الرب كيف يكون هذا من الذي يعلم ذات الرب سبحانه وتعالى وكيفية هذه الذات حتى يستطيع أن يصف استواءه جل وعلا على عرشه لا ندري ولكن نعلم ما معنى الاستواء ونثبت هذا يقيناً وحقاً طاعة لله عز وجل في كتابه وطاعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في سنته واتباعاً لإجماع المسلمين إجماعاً يقينياً قطعياً في هذه المسائل أسأل الله عز وجل أن يهديني وإياكم للتي هي أقوم.
قال أحد الطلبة :
لكنه متفق أيضاً على أن السماء على أي تأويل كانت لا يمكن أن تكون ظرفاً للكبير المتعال سبحانه وتعالى فإذاً ما المراد بـ "في" هذه الآية قيل بمعنى على وهذا حقاً ولكن بقي في معناها بقية فتأمل.
أجاب الشيخ :
نعم أكمل هذه أمثلة للأذهان يعني الإنسان يفكر فيها أو يتأمل وينظر في كلام أهل العلم.
قال أحد الطلبة :
المثال السابع: قوله تعالى: ﴿ وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ[الفرقان: 25].
المثال الثامن: قوله تعالى : ﴿ السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ[المزمل: 18].
أجاب الشيخ :
هذه الحروف الباء في ﴿بِالْغَمَامِ﴾ الباء في ﴿ السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ﴾ لها دلالة تأملها راجع في كتب التفسير ستجد كلاماً يبين لك المعنى ويوضح لك المراد.
قال أحد الطلبة :
المثال التاسع: الفعل مر – ومروا – ويمرون ، ونحو ذلك في كتاب الله تعالى تارة يتعدى بالباء وتارة يتعدى بعلى كما في قوله تعالى: ﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ[يوسف: 105]. مع قوله تعالى : ﴿ وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ[المطففين: 30]. فلما عدي في الآية الأولى بعلى ولما عدي في الآية الثانية بالباء .
أجاب الشيخ :
نعم هذه المغايرة لابد أن تنبته لها تارة فعل مر بعلى وتارة يتعدى بالباء فلما هذا لسر وحكمة ممكن أن نطلع على كتب التفسير وعلى ما ذكرنا لك من الكتب المعينة في حروف المعاني ستجد أن هناك فرق في الدلالة السياق كان يناسب هنا أن يأتي حرف الباء وهناك في السياق ما يجعل المناسب في هذا الموطن أن يأتي حرف على تدل الاستعلاء وباء تدل على الملاصقة فتارة المرور يناسب أن يكون بملاصقة وتارة المرور يناسب أن يكون بعلو وهذا من إعجاز كتاب الله سبحانه وتعالى.
قال أحد الطلبة : المثال العاشر التغاير بين العطف بالواو والفاءفي أوائل سورتي المرسلات والنازعات.

أجاب الشيخ :
نعم سبق الكلام عن سورة النازعات بالنسبة لسورة المرسلات تأملها أنت بنفسك وستجد بإذن الله ما يفرج صدرك.
ننتقل بعد ذلك إلى قضية لها علاقة بحروف المعاني نعرضها لها سريعاً وهي ما يسمى بالتضمين هذا المصطلح التضمين مصطلح له علاقة قوية جداً بحروف المعاني لابد أن نعرض له عرضاً سريعاً حتى يتضح لك الأمر بشكل أتم وأكمل فنعرض لمصطلح التضمين الوارد عند البيانيين وعند النحاة بل وعند المفسرين سنعرض لهذا المصطلح ونبين المقصود منه وننقل لك أمثلة يسيرة عليه ثم بعد ذلك ننتقل بإذن من الله سبحانه وتعالى وإعانة إلى المرحلة الثامنة.
قال أحد الطلبة :
التضمين كلمة تدور في كتب اللغة بين العروبيين والأدباء والنحويين والبيانيين ولكل طائفة من هؤلاء معنى خاص يفسرون به التضمين والذي يهمنا من هؤلاء هم طائفة البيانيين وكذلك بعض النحاة فالتضمين الذي نقصده هنا هو إشراب الفعل معنى فعل آخر ليدل الفعل الأول على معناه الأصلى وعلى المعنى الذي دل عليه السياق.
أجاب الشيخ : نعم هذا الدرس سنقف عنده طويلاً بإذن الله عز وجل في حلقة قادمة أسأل الله عز وجل لي ولكم علماً نافعاً وعملاً صالحاً اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى أن تجعلنا من أهل الفقه في الدين ومن أهل التأويل اللهم إنا نسألك الفقه في الدين وأن تعلمنا التأويل وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً .

التعديل الأخير تم بواسطة أم أسماء ; 15-12-08 الساعة 03:44 PM
أم أسماء غير متواجد حالياً  
قديم 15-12-08, 03:47 PM   #25
أم أسماء
جُهدٌ لا يُنسى
 
تاريخ التسجيل: 22-05-2007
المشاركات: 7,201
أم أسماء is on a distinguished road
افتراضي

تفريغ الدرس العشرين:التضميـــــــن



بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وآله وصحبه وسل تسليماً كثيراً إلى يوم الدين أيها الأحبة حياكم الله مرة أخرى في روضة من رياض الجنة وأسأل الله عز وجل أن يرزقنا وإياكم علماً نافعاً وعملاً صالحاً وقلباً خاشعاً وإيماناً كاملاً ولساناً ذاكراً وعيناً من خشيته دامعة اللهم ومن ثم الفردوس الأعلى في جناتك جنات النعيم مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
كنا في الكلام عن حروف المعاني ووقفنا عند مسألة التضمين ولعلنا نواصل بإذن الله في هذه الحلقة ولكن لعلنا نعيد القراءة من أول مسألة التضمين.
قال أحد الطلبة :
التضمين: كلمة تدور في كتب اللغة بين العروبيين والأدباء والنحويين والبيانيين ولكل طائفة من هؤلاء معنى خاص يفسرون به التضمين والذي يهمنا من هؤلاء هم طائفة البيانيين وكذلك بعض النحاة فالتضمين الذي نقصده هنا هو إشراب الفعل معنى فعل آخر ليدل الفعل الأول على معناه الأصلى وعلى المعنى الذي دل عليه السياق وهذا التضمين لايقول به كل النحاة وإنما يقول به الخليل وسيبويه وتبعهم على ذلك البصريون ونصره بن جني في الخصائص وبن القيم في بدائع الفوائد وبه يقول جمهور المفسرين وعلى رأسهم بن جرير الطبري وأبو السعود والقرطبي وغيرهم كثير يقول بن جني في الخصائص :ولو جمع التضمين لجاء منه كتاب يكون منه مئين أوراقاً ويقول أيضاً ووجدت في اللغة من هذا الفن شيئاً كثيراً لا يكاد يحاط به ولعله لو جمع أكثره لا جميعه لجاء كتاباً ضخماً ثم قال فإنه فصل من العربية حسن لطيف .
أجاب الشيخ :
أحسنت بارك الله فيك هذا بالنسبة للتضمين وكذلك بالنسبة لتعريف التضمين ومن يقول به من أهل العلم التضمين هو أن تأتي بفعل وهذا الفعل من المعلوم أن له معنى ثم تعدي هذا الفعل بحرف لا يناسب هذا الفعل في أصله وإنما جاء هذا الحرف جاء ليعدي هذا الفعل تعدية يكون فيها تضمين للفعل الأول الفعل الأصلي يضمن فعل آخر يناسب السياق الذي جاء في الآية فهذا هو التضمين التضمين في أصله ما هو عندنا فعل جاء وهذا الفعل من المعلوم إنه لمعنى أصلي في اللغة مثل أن نقول ذهب أو أكل أو قرأ أو صلى ونحو ذلك من الكلمات والأفعال في كتاب الله عز وجل هذه الكلمات عندما تنظر فيها فإنها لا معنى أصلي في لغة العرب لا إشكال في ذلك .مثلاً كلمة يريدون في القرآن الإرادة لها معنى أصلي أليس كذلك معنى الإرادة يهم بالشيء يريد أن يفعل شيئاً فلها معنى معلوم عند الناس جميعاً هذه الإرادة في أصل المعنى هناك حيناً يأتي ما يراد به أن يضاف لها معنى آخر كيف يكون هذا في لغة العرب أن تعد الإرادة بحرف لا يناسبها في الأصل ليدل هذا الحرف على معنى آخر على معنى أيضاً كذلك على فعل آخر يضمن هذا الفعل الأصلي فيدل الآن بدلاً أن كان يدل على معنى واحد أصبح يدل على معنين بل حيناً يدل على أكثر من معنين يدل على ثلاثة معاني ونحو ذلك هذا النوع من البلاغة في كتاب الله عز وجل يسمى بالتضمين وهذا النوع من البيان أو هذا النوع من علم المعاني لم يقول به كل النحاة بل إن الكوفيين رحمهم الله من النحاة لا يقولوا به بل أنكروه وجعلوا بدل هذا جعلوا أن الحرف هو الذي يتنقل في المعنى فإذا مثلاً جاءنا كما في قوله تعالى في الآية السابقة: ﴿ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ[طه: 71]. ذكرنا الكلام عن مسألة في وتضمينها للحرف الآخر وهو على بالنسبة للكوفيين ماذا يقولون؟ يقولون بأن في هنا جاءت وحلت محل على وانتهى الأمر يعني أن الحروف تتناوب فتارة في تأتي في محل على وتارة على تأتي في محل في وهكذا أي أنها كل حرف يقوم مقام الآخر هذا القول هو الذي يقول به الكوفييون أما جمهور النحاة وهو القول الذي يقول به المحققون من علماء اللغة وكذلك يقول به جمهور المفسرين أن هناك تضمين في مثل هذه الآيات لأن التضمين يعطي نوعاً من البلاغة من الفصاحة من البيان زائد عن ما كان في الأصل ومن تأمله في كتاب الله عز وجل وجده كثيراً جداً ولذا لعلك استمعت لقول بن جني أن هذا لو جمع في لغة العرب لجاء في مئين أوراقاً يعني في أوراق من مئات الأوراق من الأمثلة التي جاءت في لغة العرب ووقع فيه التضمين وهذا القول أصبح هو القول السائر الآن عند المفسرين بل حتى عند أهل اللغة وأصبح القول الثاني ضعيف جداً قلما تجد أهل العلم من يقول بالقول الثاني الذي قال به الكوفيون.
قال أحد الطلبة :
وقد أقر استعمال التضمين المجمع اللغوي في القاهرة بثلاث شروط :
الشرط الأول: تحقيق المناسبة بين الفعلين والتي تسمى العلاقة .
الشرط الثاني: وجود قرينة تدل على المعنى الملحوظ مع الأمن من اللبس.
الشرط الثالث: ملائمة التضمين للذوق العربي.
أجاب الشيخ :
نعم هذه شروط التي ذكرها المجمع اللغوي في القاهرة ووافق على التضمين وعلى إثباته وأنه أسلوب من أساليب الفصاحة في لغة العرب ولكنه اشترط شروطاً ثلاث وهذه الشروط موافق لما جاء في النص العربي موافقة لما جاء في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وموافقة أيضاً لما جاء في الشعر والنثر العربي الفصيح فتحقيق المناسبة بين الفعلين لابد أن يكون هناك مناسبة بين الفعلين وايضاً لابد من وجود قرينة بين هذين الفعلين تدل على هذا المعنى الجديد الذي طرأ على المعنى الأول كذلك أن يكون هذا التضمين ملائم للذوق العربي لا يكون من ما ينفر عنه الذوق العربي السليم فإن هذا لا يصلح تارة بعض التضمين يكون متكلَّفاً شديد التكلف مثل هذا التضمين لا معنى له لأن التضمين إنما جاء ليزيد الكلام قوة وفصاحة وبيان فلا يكون متكلفاً عندئذ لا يزيد الكلام قوة وفصاحة وإنما يزيده ضعفاً وانكساراً وانحطاطاً فلا يصلح التضمين أبداً أن يكون متكلفاً يحتاج إلى كثير من البيان وكثير من الإيضاح وإلى مقدمات ونحو ذلك لا يصلح التضمين أن يكون بهذا الشكل أبداً وإنما التضمين يكون مناسباً للذوق العربي بمعنى إنك إذا ذكرته لمستمع يتكلم بلسان عربي وإن كان ليس فصيحاً فصاحة كاملة ولكنه يعرف اللسان العربي ويتكلم به عندما يسمع التضمين الذي تذكره في آية من الآيات أو في نثر من النثر العربي عندما يسمع هذا التضمين يجد أنه مناسب ملائم للذوق لا يشعر أنه متكلف يحتاج إلى دليل وإلى قرينة وإلى برهان واضح وإلى مقدمات ونحو ذلك من الكلام هذا لا يناسب ما نحن فيه لأن التضمين إنما هو فصاحة وبيان وقوة في التعبير لايناسبها التكلف أبداً سنأتي بعد ذلك إلى فائد التضمين وإلى أمثلة وأنا أعلم أن الأمثلة هي التي ستوضح المعنى قد يكون المعنى فيه شيئاً من اللبس ولكن الأمثلة ستوضح لك هذا جلياً بإذن الله جل وعلا.
قال أحد الطلبة :
فائدة التضمين: فائدته الإيجاز والاختصار بدل استخدام كلمتين استخدمنا كلمة واحدة الأمثلة على ذلك المثال الأول قوله تعالى : ﴿ عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا[الانسان: 6].
أجاب الشيخ :
نعم انتبه معي إلى المثال الآن الفائدة هي الإيجاز والاختصار وهذا مقصد من مقاصد اللغة العربية أن تأتي بالكلام بإيجاز باختصار يعني في الكلام المتين في الكلام الفصيح في الكلام الذي ينظم نظماً ونحو ذلك هذا الأفضل فيه أن يكون مختصراً أما في الكلام الذي يكون فيه شرح وبسط ونحو ذلك هذا يكون واضحاً للسامع بشكل أكبر أما بالنسبة للكلام الذي يُنظَم نَظْماً أو يأتي بعبارة عربية فصيحة بليغة فإنه غالباً ما يستخدم فيه الإيجاز والإيضاح، ومن أدوات الإيجاز والإيضاح ما يسمى بالتضمين نأخذ الآن الأمثلة مثالاً مثالاً.
قال أحد الطلبة :
المثال الأول قوله تعالى: ﴿ عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا﴾ ﴿ يَشْرَبُ بِهَ﴾ عادة فعل يشرب أن يعدى بمن وقد عدي هنا بحرف الباء والسر في ذلك بتضمين فعل يشرب بفعل يروى فيكون المعنى عيناً يشرب منها ويروى بها عباد الله فجاءت الآية في أتم أساليب البلاغة والإيجاز لأن المقصود ليس شربهم فقط بل يشربوا ويَرْوَوْا لذا عديت بالباء ولو قال يروى فقط بدل الشرب لما دلت على لذة الشرب.
أجاب الشيخ :
الآن تأمل هذه الآية ﴿ عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا﴾ الشرب عادة عندما تتكلم أنت بلسانك في هذا العصر عندما تريد أن تتكلم عن الشرب هل تعد الشرب بالباء أم ماذا؟ شربت بالكأس أو شربت من الكأس؟ تقول شربت من الكأس هذا هو المعتاد في الكلام جاءت الآية على غير هذا الاستعمال المعتاد جاءت الآية لتقول ﴿ عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا﴾فعندما تتأمل الحال هذه عين وهذه العين عادة يشرب منها ولا يشرب بها العين كيف يشرب بها الكأس ممكن أن يشرب به لكن العين كيف يشرب بها لا يمكن أن يشرب بها فعينا يشرب بها وكان الأصل في الاستعمال المعتاد ﴿ عَيْنًا يَشْرَبُ﴾منها ﴿عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا﴾ فلما جاءت الباء هنا محل من هذا هو الكلام عندك الآن لفظ يشرب إذا عديت بمن فهي على أصلها أنه شرب هذا الماء وانتهى الأمر لكن بالنسبة لها إذا عديت بالباء فإنها تضمن معنى آخر الفعل الأصلي يبقى على معناه الأصلي وهو الشرب ﴿ عَيْنًا يَشْرَبُ﴾ ولكن أضيف لهذا الفعل يشرب أضيف له معنى آخر وهذا المعنى الآخر تضمنه فعل آخر هو يروى لأن يروى عادة تعد بماذا؟ تقول ارتويت بالماء فعادة هذا الفعل يروى في لغة العرب يعد بالباء فجاءت الباء هنا لتلفت نظرك إلى فعل لم يذكر ولكنه مضمن لفعل يشرب كأن الآية جاءتك على هذا النحو ﴿ عَيْنًا يَشْرَبُ منها ويروى ﴿بِهَا عِبَادُ اللَّهِ﴾ .
ما الذي حصل ﴿ عَيْنًا يَشْرَبُ﴾ منها جاء فعل يشرب وبقي وحذف منها ثم ويروى حذف الفعل وبقي حرف التعدية الذي يناسب الفعل الآخر وجيء بفعل واحد الفعل الأول وجيء بحرف واحد الذي يناسب الفعل الذي حذف بقي عندنا فعل وحذف الحرف الذي يتعدى به وبقي عندنا حرف وحذف الفعل الذي يعدي به هذا الحرف فمن الأربعة حذف اثنان وبقي اثنان والآية باقية على معناها بأوجز عبارة وأوضح إشارة وأفصح كلام ﴿ عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَ أي عيناً يشرب منها ويروى بها عباد الله فهم لا يشربون الشرب مجرد لا يشربون شرباً يكون معه ارتواء ليس شرب مجرد في الجنة ما في شرب والله أن تبقى ظمآن قليلاً بل إن الشرب يقدرونه تقديراً بمعنى ماذا ؟ تشرب حتى تروى ما فيه زيادة ولا نقص يعني بعضنا فإن كان ظمآن جداً فإنه يشرب ويشرب بحسيباً فمن الشرب هذا قد أصابته التخمة من الماء تأذى من كثرة ما شرب سواء من الماء أو من أنواع العصير ونحو ذلك في هذه الحياة الدنيا فيشرب يشرب يظن أنه بحاجة فإذا انتهى فإذا هو قد جاوز أو انه لا يجد ما يريد فيشرب قليلاً ويبقى عنده شيئاً من الظمأ، في الجنة ما في هذا الكلام تشرب وتروى وارتواءك بقدر حاجتك يقدروها تقديرا مقدرة فتشرب تشرب ينتهي الشراب أنت ارتويت استوفيت حقك تماماً من هذا الشراب فشربت بقدر ما تحتاج إليه في جنات عدن أسأل الله لنا جميعاً من فضله.
قال أحد الطلبة :
المثال الثاني قوله تعالى: ﴿ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ[الحج:25]. ﴿ يُرِدْ فِيهِ ﴾ أصل فعل الإرادة يتعدى بنفسه ولا يحتاج إلى فعل حتى يعديه فتقول أردت كذا وكذا وأراد فلان كذا وكذا من غير حاجة إلى فعل يعديه إلى مفعوله .
أجاب الشيخ :
بالنسبة للأفعال في اللغة العربية منها ما يتعدى بنفسه تقول أردت الخير لفلان أردت العلم لفلان أردت الصحة لفلان أردت كذا وكذا أردت المال أريد أن أخذ مال أردت الدعوة أردت الصلاة أردت قراءة القرآن وهكذا فهذا الفعل فعل الإرادة أراد يتعدى بنفسه لا يحتاج إلى حرف يعديه بينما عندنا أفعال تحتاج إلى حرف يعديه مثل ما مر علينا بفعل الشرب تقول شربت من الماء لا تقول شربت الماء هكذا إلا إذا كنت تريد شرب الماء مجرداً فعندما تتأمل هذه الأفعال في لغة العرب تجد أنها تختلف منها ما يتعدى بحرف ومنها ما لا يتعدى بحرف مثلاً أن تقول ذهبت ذهبت هل ممكن أن تلغي حرف التعدية الذي يأتي بعد ذهب فتقول ذهبت المدرسة ذهبت المسجد ذهبت الحلقة هكذا لا وإنما لابد من حرف تعدية فتقول ذهبت إلى المسجد قدمت من المسجد وهكذا ونحو ذلك عندنا إذاً كلمات في اللغة لابد من حرف يعديها حتى في استخدامنا نحن ، في السليقة موجودة إلى الآن لابد من حروف لبعض الأفعال وهناك بعض الأفعال لا تحتاج إلى حروف بالنسبة للإراد الواردة في هذه الآية ﴿ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ﴾ الإرادة من المعلوم أن تتعدى بنفسها لا تحتاج إلى حرف يعديها ابداً فلِمَ عديت بحرف فيه هنا في هذا الموطن من كتاب الله عز وجل.
قال أحد الطلبة :
فالآية هنا عدت فعل يرد بـ فيه وهو حرف جر ليضمن والله أعلم فعل الإرادة معنى مناسباً لحرف الجر وهو فعل الهم كما ذكره بن القيم رحمه الله في زاد الميعاد فيكون المعنى ومن يرد أن يلحد في البيت الحرام أو يهم فيه بهم ظلم وسوء وإلحاد فإن الله سيذيقه من العذاب الأليم.
أجاب الشيخ :
احسنت بارك الله فيك تأملتم المعنى جيداً لأن الآن الله سبحانه وتعالى يريد أن يحذر من جاء إلى هذا البيت الحرام أن يعتدي فيه بأي نوعا من الاعتداء مهما كان هذا الاعتداء أي إلحاد في البيت الحرام أي أي ميل عن السبيل الحق عن الصراط المستقيم في البلد الحرام أمره يختلف ليس كغيره فالآية تقول لك ﴿ وَمَنْ يُرِدٍْ﴾ يرد فيه الإرادة أصلها ماذا؟ هي عادة تطلق على الإرادة الجازمة بأن يرد إرادة جازمة كاملة تامة بالبيت الحرام أن يفعل فيه شيء فيه إلحاد في فسق فيه فجور فيه اعتداء على الأعراض فيه اعتداء على الدماء فيه اعتداء على الأموال فهذا التهديد من الله سبحانه وتعالى ﴿ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ﴾ لكن هل المراد فقط الذي يريد فيه إرادة جازمة كاملة تامة فقط هذا هو الآن جاءه الوعيد من الله سبحانه وتعالى بأن يذيقه من عذاب أليم فقط هل هذا هو المراد ؟ لا لو كان هذا هو المراد لاقتصرت الآية على قوله سبحانه وتعالى : ﴿ وَمَنْ يُرِدْ ﴾إلحاداً ﴿بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ بدون" في "لم تأتي الآية على هذا ﴿ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ﴾ وإنما تأتي الآية ﴿ وَمَنْ يُرِدْ﴾ إلحاد ﴿بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ فمجيء فيه هنا له مغزى.

فاصل قصير أيها الأحبة نبين بعد بإذن الله عز وجل مجيء هذا في هذه الآية وما مغزاة في كتاب الله سبحانه وتعالى .

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين حياكم الله أيها الأحبة كنا نعيش مع قول سبحانه وتعالى : ﴿ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ ذكرنا لكم أن الإرادة لو كان المراد هنا فقط الإرادة الجازمة أن يرد أن يلحد بهذا البيت العظيم إلحاداً ظاهراً بيناً لا يمنعه إلا مانع منه وأن هذا التهديد وهذا الوعيد إنما جاء لمثل هذا الذي أراد إرادة كاملة تامة فلم تأتي "في" هنا كانت الآية تقول لك : ﴿ وَمَنْ يُرِدْ ﴾ إلحاداً ﴿بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ ولكن مجيء فيه هنا يدلك على معنى آخر نبه عليه ابن القيم رحمه الله ونبه عليه غيره أيضاً من أئمة أهل التفسير وهو أن الإراد هنا ضمنت معنى الهم وهذا المعنى يدركه الأئمة رحمهم الله ولذا يحرمون ويشددون وينكرون على من هم ولو مجرد الهم في الإلحاد بالبيت الحرام من أي أخذوا هذا المعنى أخذوه من هذه الآية فإذا حرم الأئمة رحمهم الله عليكم أن يكون هناك هم مجرد في محاولة الإلحاد في البيت العظيم أي محاولة الإلحاد ما هو الإلحاد أن تميل عن الصراط المستقيم هناك شيء من المحادة لله سبحانه وتعالى بأي شيء من أنواع المحادة أن تقترف معصية كبيرة أن تجاهر بنوع فسق في البيت الحرام أن تعتدي على مسلم سواء في عرضه تسبه تشتمه تعتدي على امرأة مسلمة ترميها في عرضها ونحو ذلك أو كذلك في مالاً تعتدي على مسلم فتأخذ ماله تعتدي عليه في بدنه وتضربه فتسبب له أذى لا يستحقه هذا كله من الإلحاد بالبيت العظيم ولذا جاءت الآية: ﴿ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ﴾ الفي هنا دلت في بادئ الأمر على ماذا؟ على الظرفية واضح أي أن الإلحاد وقع في البيت الحرام ثم جاء بعد ذلك هذا الحرف الباء ﴿ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ﴾ عندنا إذاً كم حرف ؟ حرفان عندنا فيه الحرف الأول وعندنا بعد ذلك الباء فالفي دلت على الظرفية أن هذا الإلحاد وقع في البلد الحرام والباء هنا دلت على الإلصاق المجرد هي دلت على الإلصاق أن هذا الهم وهذه الإرادة ألصقت بالبلد الحرام لكنها جاءت هذه الباء تكلمنا عن "فيه" وانتهينا منها الآن سنتكلم على حرف الباء هنا ﴿ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ﴾ الفي دلت على الظرفية بظاهرها ولكن الباء هنا دلت على معنى آخر وهو تضمي فعل الإرادة فعل الهم بمعنى أن الله سبحانه وتعالى ينهاك فيقول لك ﴿ وَمَنْ يُرِدْفي البيت الحرام إلحاداً بظلم هذا هو المعنى الأول الذي دل عليه ظاهر المعنى الثاني ومن يهم بالبيت الحرام بإلحاد ﴿نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ فضمن فعل الإرادة فعلاً آخر وهو فعل الهم ما الذي دلنا على فعل الهم هذا أي حرف؟ الباء الذي سبق كلمة إلحاد. من أين أخذنا هذا أخذناه لأن الإرادة أصلاً تتعدى بنفسها لا تحتاج إلى هذه الباء فلما جاءت الباء دلتنا على أن الفعل الذي سبقها ضمن بمعنى آخر وهو الهم هنا لم الهم؟ لأن الباء تعدي عادة فعل الهم ولأن السياق دل على هذا الفعل واضح الباء لأن عندما تقول هممت تقول بكذا وكذا أو هممت كذا وكذا هممت بدخول الجامعة هممت بالسفر إلى كذا وكذا لابد وأن تعدي فعل الهم بحرف الباء فالباء إذاً هنا دلت على فعل هذا ما هو ؟ هو الهم لم هو الهم ؟ لأنه من المعتاد أن تعد هذه الكلمة بحرف الباء ولأن السياق دل على أن هذا الفعل هو المناسب لهذه الكلمة وهي الإرادة والإلحاد ﴿ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ﴾ فإذاً أيضاً كذلك عندنا الآن في الاية عندنا كلمتان دلت على معنين عندنا كلمتان في الأصل أنهما يدلان على معنى واحد ودل على معنين دل على معنى أربع كلمات لأن الإرادة لا تحتاج إلى تعدية بل تتجاوز مباشرة تذهب إلى المفعول به وهو الإلحاد يرد الإلحاد ثم عندنا الهم يتعدى بالباء فحذفت كلمة الهم حذفت هذه وجيء بالباء للدلالة عليها وأيضاً كذلك بالنسبة للإرادة عدي الباء للدلالة على الفعل وهكذا المقصود هنا أن تتبين أن هذا الاختصار دل على معنى مضمن في الكلمة الأولى ومن هنا تفهم استنباط الأئمة لهذا الأحكام من مثل هذه الآيات فلم يحرموا مجرد الهم لم يأتوا بشيء جديد من عنده وإنما جاء بشيء أخذوه وفهموه من كتاب الله سبحانه وتعالى .
وهذا يبين لك عظم الأماكن المقدسة وأن أمرها عند الله عز وجل جليل ليس بالهين أبداً وأنها أماكن لها قدرها لها عظمتها ولها حرمتها عند الله سبحانه وتعالى يبين ذلك ايضاً الآيات كثيرة جداً في كتاب الله سبحانه وتعالى لكن ليس الكلام عن الآيات الأخرى ولكن الكلام عن هذه الآية وإلا يكفيك في هذا سورة البلد التي استفتحها الله سبحانه وتعالى بقوله : ﴿ لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ * وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ[البلد: 1، 2]. أي يا محمد إنما أحل لك هذا البلد ساعة من النهار فقط ثم عادت حرمته إلى يوم القيام والآيات في هذا المعنى كثيرة جداً التي تبين لك هذا التعظيم الذي جعله الله عز وجل لهذا المكان المقدس وهو يبين لك لم حرم الله عز وجل مجرد الهم فقط أن يكون عندك هم بشيء من الإلحاد في البلد الحرام فإنك عندئذٍ متوعد من الله سبحانه وتعالى بالعذاب الأليم ﴿ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ وهذا العذاب يكون في الدنيا قبل الآخرة كما بين الله عز وجل شيئاً من ذلك في سورة الفيل .
قال أحد الطلبة :
المثال الثالث قوله تعالى: ﴿ وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ[الأنبياء: 77]. ﴿ وَنَصَرْنَاهُ مِنَ﴾ الأصل في نصر أن يتعدى بعلى فيقال نصرت فلان على فلان ونصرت المحسنين على الكافرين فالآية هنا عدت فعل نصر بلفظ من لتضمين نصرناه بمعنى انتقمنا له فيكون المعنى انتقمنا من الذين كفروا بأن نصرناه عليهم .
أجاب الشيخ :
نعم هذا أضاح أيضاً من جهة التضمين ﴿ وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُو﴾ فإن نقرأ من المعلوم أنه يتعدى بحرف على فتقول نصرت المسلمين على الكافرين أسأل الله عز وجل أن ينصر أمة الإسلام على أمم الكفر جميعاً فهذا الفعل نصر يتعدى عادة بعلى تقول نصرت فلاناً على فلان ولكن الآية لم تأتي بهذا الآية جاءت ﴿ وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِما هو الفعل المناسب للسياق الذي يتعدى بمن هنا؟ هو فعل انتقم فعندنا انتقم تقول انتقمت من فلان أو تقول انتقم فلان من فلان فالله سبحانه وتعالى عدى هذه الكلمة ﴿ وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِعداه بهذا الحرف من ليبين لك أنه ليس انتصاراً مجرداً لم يكن هذا نصر للنبي على قومه وهو انتصار مجرد لا وهو انتصار فيه انتقام ﴿ وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ﴾ أي ونصرناه على القوم وانتقمنا منهم فهو انتصار متضمن للإنتقام لأن من هنا يناسبها اللانتقام في مثل هذا السياق.
قال أحد الطلبة :
المثال الرابع في قوله تعالى: ﴿ وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرً[النساء: 2]. ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى﴾ الأصل في فعل أكل أن يتعدى بنفسه فتقول أكلت كذا وكذا فالآية هنا عدت فعل الأكل بحرف إلى لتضمين الأكل معنى الجمع والضم فيكون المعنى ولا تأكلوا أموالهم ولا تجمعوها وتضموها إلى أموالكم حال كون هذا الضم فيه من الإضرار ما في أكل أموالهم بالباطل إذ ليس النهي عن مجرد الأكل فقط وإنما النهي عن أي ضرر وإضرار بأموال الأيتام حتى لو لم يكن أكلاً وهذا المعنى دلت عليه كلمة إلى .
أجاب الشيخ :
أحسنت بارك الله فيك الآن تأمل هذه الآية : ﴿ وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ﴾ الأكل من المعلوم أنه يتعدى بنفسه تقول أكلت كذا وكذا لا يحتاج إلى حرف" إلى" لا يحتاج حرف يتعدى به ولا تقول أكلت إلى كذا وكذا وإنما يتعدى بنفسه كما هو معلوم في الكلام المعتاد فالآية لم تأتي على هذا النحو وإنما جاءت ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ﴾ فما فائدة هذا الحرف؟ الفائدة هنا أن كثيراً من الناس يظن أن النهي إنما جاء فقط عن الأكل وإذا قلت له كيف فهمت هذا ؟ قال لك الآية إنما نهى فقط عن أكل أموال اليتامى ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ﴾ وإذا سمع أحد يقول له يا أخي لا يجوز الإضرار بمال اليتيم والضعيف والمسكين والمرأة والصغير والسفيه ونحو ذلك لا يجوز أن تتعدى عليه بأي نوع من الأنواع الضرر مطلقاً حتى وإن كان هذا الضرر مجرد جمع تجمعه إلى مالك أن تضعه مع مالك فيتضرر من جهة خفية فلا يجوز لك هذا محرم بل هو من أكبر الكبائر من الكبائر العظيمة جداً عند الله سبحانه وتعالى يقول لك يا أخي وين هذا أين هذا من كتاب الله سبحانه وتعالى هذا مسطر في كتاب الله وبين وواضح وعندما تكلم أهل العلم في ذلك تكلموا عن علم وبيان وعن استدلال من كتاب الله فالنهي هنا عندما جاء في هذه الآية ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ﴾ إلى هذه ليس لها معنى لو كان المقصود مجرد فقط الأكل لأن هذا الفعل لا يتعدى بإلى أبداً في لغة العرب لما جاء هذا الحرف هنا دل على هذه التعدية المهمة التي توضح المنهي عنه في هذه الآية ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ﴾ جاءت هنا لتبين لك أن مجرد الإضرار لا يناسب أبداً لم لأن الأكل هنا لو تأملنا الأكل هو أخذ هذا المال وأكله يأكل هذا المال بمعنى أنه يستعمله استعمال مباشر في ما يحتاج إليه من أمور دنياه إلى ما الكلمة التي تناسب السياق هنا وتناسب الحرف الذي عدي به هذا الفعل فعل الأكل الذي هو إلى هنا ما الكلمة التي تناسب هذا السياق وتناسب هذا الحرف إلى في هذا الموطن ما هي الكلمة؟ الجمع والضم معنى الكلام إذاً يكون: ولا تأكلوا وتضموا ولا تجمعوا أيضاً أموالهم إلى أموالكم أي في حال كون هذا الجمع والضم فيه إضرار عليهم كل ذلك منهي عنه مجرد الجمع والضم لأن الكلمة المناسبة هنا للسياق والتي أيضاً تناسب حرف التعدية إلى هي الجمع والضم هي الجمع فجاء النهي عن أكل المال وجاء النهي عن أيضاً مجرد الجمع والضم الذي فيه إضرار لهؤلاء الأيتام من أين أتينا بهذا المعنى الجمع والضم أتينا به من حرف التعدية الذي هو إلى لأن الذي يناسب السياق هي هذه الكلمة الجمع والضم حرف التعدية" إلى" واضح الكلام فإذاً النهي عن جميع الأحوال التي فيها شيء من الإضرار بأموال الأيتام بأي طريقة كانت فإن الله عز وجل حرم هذا الإضرار أشد التحريم بأي نوع كان هذا الإضرار بالأكل أو بغير الأكل .
قال أحد الطلبة :
جزاكم الله خيراً يا شيخ سبق وشرحت فضيلتك قول الله عز وجل : ﴿ فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ[مريم: 23]. فلو طبقنا هذه القاعدة فنقول يكفي أن يقال فجاءها المخاض إلى لأن جاء هذا الفعل يتعدى بنفسه جاء فلان كذا أو فجاءها المخاض إلى فستقوم بنفس المعنى فلم أضيف الألف ليصبح المعنى ﴿ فَأَلجأها﴾ ؟
أجاب الشيخ :
يعني ألف التعدية لما جاء هنا هو المقصود إذا أردنا أن نطبق هذه القاعدة المقصود هنا في هذه القاعدة هو التضمين فالذي حصل الآن أن فعل جاء ضمن فعل آخر وهو فعل ألجأ فعندنا جاء أصلاً فعل وعندنا ألجأ فعل مضمن بهذا الفعل أما بالنسبة لأجاء فأجاء هذه للتعدية وقد ذكرت لك سابقاً الفرق بين مثلاً عندما نقول نام وأنام ذهب وأذهب ما الفرق بينهما يعني الآن مسألة الإلجاء من أين جاءتنا؟ جاءتنا من هذه الهمزة من همزة التعدية .
(وسأل أحد الطلبة) فجاءها المخاض فألجأها إلى .
أجاب الشيخ :
جاءت للاثنين معاً لكن همزة التعدية لها دلالة كبيرة جداً في مسألة الإلجاء يعني أن تقول جاء محمد إلى خالد هل هناك إلجاء إذاً فالإلجاء في إلى لم يأتي واضحاً صريحاً وإنما جاء معنى الإلجاء هنا جاء من شيئين جاء من همزة التعدية الآن ما الذي جاء بمريم عليها السلام إلى جذع النخلة ما الذي جاء بها؟ جاء بها المخاض أليس كذلك فأنا أقول كأني قلت مثلاً ذهب وأذهب ذهب محمد إلى كذا أذهب محمد فلان كذا فمحمد هو الذي اضطر فلان هذا إلى الذهاب يعني هو الذي فعل بفلان الذهاب لأن هو الذي هو أذهبه كذلك أنام لما أقول نام محمد أنام محمد محمد الآن هو الذي ماذا هل هو الذي نام أم هو الذي أنام ؟ هو الذي أنام سمع وأسمع هو الذي أسمع فالمخاض هو الذي فعل ماذا؟ فعل المجيء بمريم إلى جذع النخلة فهذا الذي حصل الآن ﴿ فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ﴾ أي أن المخاض هو الذي جاء بمريم ليس من اختيارها وليس من هواها ورغبتها لما جاء المخاض إلى جذع النخلة ما هناك دلالة على أن المجيء من المخاض جاء المخاض لمريم عند جذع النخلة لكن أجاء معناه أن الذي جاء بمريم عند جذع النخلة هو ماذا؟ هو المخاض هو الذي جاء بمريم عند جذع النخلة فأجاءها هو الذي فعل بها المجيء أما مسألة الإلجاء فهي فُهِمت من مجموع هذا الكلام مع السياق ودلالة السياق دلالة لابد أن تكون ثابتة في هذا كله فعندنا دلالة الحرف ودلالة السياق فالمجيء ثابت والإلجاء إلى المجيء ثابت والذي دلنا على هذا المعنى هو السياق مع حرف التعدية مع أيضاً كذلك إلى هنا لأنه جاء كما تعرف تارة تتعدى بنفسها وتارة لا تتعدى بنفسها فعديت بنفسها هنا لبيان مزيد حال المجيء لأنها واصلة بين مريم وبين مجيئها إلى جذع هذه النخلة.
قال أحد الطلبة :
المثال الخامس قوله تعالى : ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ[النور: 63]. ﴿يُخَالِفُونَ عَنْ﴾ الأصل تعديته بنفسه وقد عدي بعن لتضمن مخالفة معى الإعراض أي يخالفون حال كونهم معرضين .
أجاب الشيخ :
نعم ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ﴾ الأصل كما هو معلوم أن تقول خالفت فلاناً والآية لو جاء على هذا النحو ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ﴾ أمره لكان الكلام مستقيم في الظاهر ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ﴾ أمر الله سبحانه وتعالى بل إن هذا هو الأصل المعتاد فلم جاءت عن هنا ما سر مجيء عن هنا تأملوها؟ تضمين ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ﴾ أي أن هذه المخالفة لم تكن غير مقصودة وإنما مخالفة فيها إعراض لأن عن تقول أعرضت عن كذا وكذا فجاءت عن للدلالة على الفعل المحذوف وهو الإعراض ويقول الله سبحانه وتعالى: ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ﴾ أمره حال كونهم معرضين عن أن الذي يخالف وهو ليس بالمعرض ليس الخطاب له هنا. نقف عند هذا الحد . أسأل الله عز وجل لنا ولكم علماً نافعاً وعملاً صالحاً وأسأله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهله وخاصته اللهم أنر قلوبنا بكتابك وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

التعديل الأخير تم بواسطة أم أسماء ; 18-12-08 الساعة 01:42 AM
أم أسماء غير متواجد حالياً  
قديم 15-12-08, 03:50 PM   #26
أم أسماء
جُهدٌ لا يُنسى
 
تاريخ التسجيل: 22-05-2007
المشاركات: 7,201
أم أسماء is on a distinguished road
افتراضي

تفريغ الدرس الواحد و العشرين:بداية المرحلة الثالثة:



بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنياء والمرسلمين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً وعملاً يا أكرم الأكرمين.
حياكم الله أيها الأحبة في روضة من رياض الجنة، وكنا تكلمنا سابقاً عما يتعلق بالمرحلة الثانية والتي تدور في محورها عن حروف المعاني وأنا أشعر بل وأعلم أن الكلام عن حروف المعاني في كتاب الله عز وجل لا يمكن أن يكون بمثل هذه العجالة، ولكن يكفينا ضرب المثال في هذا الباب تأصيل القواعد العامة وذكر الحدود التي لابد منها في هذا الباب، أما ما يتعلق ببعض التفاصيل والدخول في بعض الحروف وذكر بعض المعاني وذكر الخلاف عند شدة النظر في المضائق فهذه مسألة أخرى بإمكان طالب العلم أن يتجوازها بإذن الله عز وجل وبإعانة منه إذا دأب على دراسة هذا الأمر وعلى تفحصه والبحث فيه والنظر في كلام أهل العلم وهو أمر ليس بالعسير أبداً ولكن يحتاج إلى شيء من الهمة شيء من بذل ما في الوسع في تعلم العلم الشرعي، والذي من أعظمه وأكبره وأكمله وأتمه ما يتعلق بكتاب الله سبحانه وتعالى، إذاً هذه المراحل يكفي فيها ما سبق من جهة التقعيد ،وكذلك من جهة ضرب المثل يكفي فيها ما سبق. وننتقل بعد ذلك حتى لا يطول بنا المقام ننتقل إلى المرحلة الثالثة إن كان هناك من سؤال قبل الانتقال إلى المرحلة الثالثة فمن الآن.

سأل أحد الطلبة :
جزاكم الله خيراً يا شيخ ، ذكرنا في الحلقة السابق ﴿ أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ[الملك: 16]. وعلمنا أن الله عز وجل في السماء وقلنا أن "في" بمعنى "على" فكيف يكون ﴿أَأَمِنْتُمْ مَنْ﴾. "على" السماء، فمن باب أولى أن الله عز وجل استعلى فوق السماء واستعلى فوق كل شيء.
أجاب الشيخ :
هذه المسألة راجعة إلى تقعيد هذه المسألة، والكلام فيها راجع إلى مسألة عقدية كبيرة جداً وتكلمنا عنها سابقاً في مسألة علو الله سبحانه وتعالى، والدخول في هذه الآية تبدأ بمجيء حرف "في" محل حرف "على" هنا قد لا يناسبه هذا المقام ولكن أشير إلى ذلك إشارة، أولاً المراد قطعاً ويقيناً أنه سبحانه وتعالى "على" السماء لأنه جل وعلا ليس في السماء بمنع الظرف ليس هكذا أبداً بل المراد أن الله سبحانه وتعالى على السماء فهو جل وعلا عالٍ فوق سمواته سبحانه وتعالى فهذا هو المراد يقيناً لكن الكلام في مسألة أخرى، وهي لما جاء حرف "في" مكان حرف "على" في هذه الآية، ما سر ذلك إذا كان المراد هو العلو والاستعلاء المطلق لله سبحانه وتعالى على خلقه وليس العلو المجرد وإنما العلو الذي فيها قهر وفيه غلبة لأن المقام الآن مقام تهديد ومقام ووعيد ﴿ أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ[الملك: 16]. ﴿ أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبً[الملك: 17]. الكلام كله من قبيل التهديد والوعيد مع فلما جاء حرف "في" مع حرف "على" هنا هذا خلاف بلاغي لا علاقة له بالمسألة العقدية ولكن ينظر فيها المتأمل ويحاول أن يبحث في أسرار الله سبحانه وتعالى ليبحث ما السر في مجيء هذا الحرف مكان هذا الحرف أما كمسألة عقدية فهي مقررة ومبسوطة في كتب العقائد الجواب عن السؤال الأخير لما جاء هذا الحرف مكان هذا الحرف قد يجول في ذلك الفكر ولكن مما سبق أن تباحثت به مع بعض طلبة العلم ممن لهم عناية في هذا الباب فكأننا خرجنا بأن حرف "في"، جاء هنا لبيان مزيد تمكن قدرة الرب سبحانه وتعالى ـ من الخلق في جميع أحواله لأن حرف "على" يدل على الاستعلاء: استعلاء قهر استعلاء غلبة استعلاء ذات من الله سبحانه وتعالى، وحرف يدل على معنى الظرفية. فقوة الرب سبحانه وتعالى وغلبته وقهره لعباده جل وعلا هو ليس فقط من العلو المطلق إنما هناك جنود لله سبحانه وتعالى في السماء والأرض فجنوده سبحانه وتعالى منها الملائكة وجنوده سبحانه وتعالى منها الرياح وجنوده سبحانه وتعالى منها هذه النجوم وجنوده سبحانه وتعالى هذه الكائنات الصغيرة والكبيرة في هذا الخلق فكل الخلق من أوله لأخره إنما هو من جند الرب سبحانه وتعالى فهناك جنود عظام كبار وهناك جنود بلغوا من الدقة مابلغوا وأنت ترى أن هذه الدنيا قد يفعل بها هذا الجندي الصغير مثل الأمراض الفتاكة التي تكون من بعض الفيروسات التي لا ترى إلا بالمجاهر التي تكبر مساحات شاسعة جداً أضعاف لا تكاد تعرف لها قدراً و حداً هذه الفيروسات الصغيرة تجد أنها في المكان والتأثير على هذه المخلوقات أعظم من المخلوقات الكبيرة ،أولاً لأنها شديدة الأثر وثانياً أنها دقيقة جداً ، فالمقصود أن جنود الله سبحانه وتعالى في سماءه وفي أرضه ليس لهم حد وليس لهم حصر فيناسب هنا في هذا الموطن، والإشارة الآن إلى التهديد والوعيد بقوة الله سبحانه وتعالى، وبما له سبحانه وتعالى من الجنود في السماء والأرض، يناسب هنا أن يأتي حرف في لأن هؤلاء الجنود هم محيطين بك هم معك في هذه الأرض فيناسب هنا ذكر الظرفية ﴿ أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ﴾. الله سبحانه وتعالى في علوه ولكن جنوده في السماء والأرض فيناسب ذكر "في" هنا الدالة على الظرفية في السماء والدالة على الظرفية في الأرض ﴿ أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ[الملك: 16]. فالكلام عن السماء ﴿ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا﴾. والكلام عن الأرض، ﴿ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ﴾. ففي السماء له سبحانه وتعالى جنود وفي الأرض له جنود فناسب أن تأتي الإشارة هنا إلى شيء من جنوده جل وعلا الذين جعلهم الله سبحانه وتعالى في سماءه وهناك من الجنود من هم أيضاً في أرضه جل في علا فقيل: ﴿ أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ﴾، فمن في السماء تضمنت الإشارة إلى علو الله عز وجل لأنها على معناها الأصلي في الاستعلاء الظرفية هنا باقية والمعنى الذي جاء في هذه هو الاستعلاء لأن الكلام عن الله سبحانه وتعالى، وفي ذلك إشارة إلى جنود الله سبحانه وتعالى الذين هم في السماء وهذه الإشارة دل عليها هذا الحرف الذي هو حرف "في" .واضح هذا اجتهاد في الاستنباط قد يصيب وقد يخطئ ولكن ذكرت لك ما وقفنا عليه بعد تباحث ونظر طويل في هذه الآية والله عز وجل أعلم بمراده.

سأل أحد الطلبة :
جزاك الله خيراً عن هذا الشرح والإيجاز لكن هنا في سؤال نرى كل هذا الإعجاز البلاغي في القرآن من تضمن ومعاني في الحروف حجة على أن هذا القرآن ليس من كلام البشر وإنما هو تنزيل رب العالمين، ولكن كيف يكون حجة على الأعاجم؟

أجاب الشيخ :
أحسنت بارك الله فيك هذا السؤال ليس له علاقة مباشرة بما نحن وفيه ولكن يتعلق بعموم هذه الدروس التي تتكلم شيء من إعجاز كتاب الله سبحانه وتعالى من جهة والفصاحة والبيان والبلاغة والبديع ونحو ذلك :هذا القرآن نزل حجة في هذا الجانب على من يتكلم بلسان عربي مبين سواء كان هذا الكلام أخذه سليقة عربية :عاش بين العرب فأخذه عنهم أو تعلمه بعد ذلك وأدرك فصاحة هذه اللغة وأدرك ما فيها من أنواع العلوم التي تتعلق بالمعاني تتعلق بالبديع تتعلق بالبيان تتعلق بأمور راجعة كلها إلى مسألة الفصاحة وعلو الكعب في إيضاح المقصود فهو في أصله ليس إلى كل يعني هذا الإعجاز ليس موجه إلى كل الناس أولهم وآخرهم إنما هو في مبدئه موجه إلى من يتكلم بلسان عربي مبين هذا الأمر والأمر الآخر وهو أننا حقيقة لا نريد كل من يتكلم بلسان عربي مبين بمثل هذه الدروس وبمثل هذا البيان وإنما نريد من يقرأ كلام الله عز وجل ومن له اهتمام وعناية بهذا القرآن أما من لا عنده شيء من الاهتمام بكتاب الله سبحانه وتعالى ،من لا يطالع هذا القرآن ولا يقرأه مجرد قراءة ،كل مدة طويل قد يمكث عن كتاب الله عز وجل اسبوع أو اسبوعين أو ثلاثة وأربعة ما اطلع على كتاب ،الله ليس له ورد يومي من كتاب الله سبحانه وتعالى فأيضاً هذه الدروس خصوصاً فيما يتعلق بالمراحل السبعة لطالب فهم القرآن ليست له وإنما الكلام مع من له همة في فهم كتاب الله عز وجل له رغبة في معرفة هذا إعجاز هذا القرآن حتى يقر هذا الإعجاز في قلبه بدءاً يعني حتى يقر هذا التعظيم هذا الإجلال لكتاب الله في قلبه هو أصلاً ونحن الآن وللأسف الشديد نعيش في زمن تعظيم كتاب الله سبحانه وتعالى قد ضعف في أفئدة كثير من المسلمين بل وضعف في أفئدة كثير من طلبة العلم فتجد أن علاقته مع كتاب الله سبحانه وتعالى أن قراءته لهذا القرآن أن تدبره بالقرآن أن حياته مع كتاب الله سبحانه وتعالى ،أن خضوعه ، ذله ،بكاءه مع كتاب الله هذا ضعيف جداً سبب ذلك هو عدم فهمه الفهم الوافي الكافي لكتاب الله سبحانه وتعالى فالدروس إذن في هذه المرحلة هو موجه لطلبة العلم لأجل أن يقتربوا من كتاب الله عز وجل أكثر وأكثر ولأجل أن يدركوا عظمة هذا القرآن ولأجل أيضاً أن ينقلوا بعد ذلك ما تعلموه وما فهموه إلى عموم المسلمين باسلوب يكون سهلاً ميسراً قريبا إلى أذهانهم قريباً إلى أفئدتهم يكون معه شيء من جذب هؤلاء المسلمين إلى كتاب ربهم لأن الدعوة الحقة لا تكون إلا من خلال كتاب الله سبحانه وتعالى فإذا رأيت دعوة من الدعوات لا تتعلق بكتاب الله تعلقاً كاملاً فاعلم أن هذه الدعوة ليست دعوة حقة وليست دعوة سليمة بل هي دعوة يعتبرها النقص يتخللها الخطأ والخطأ البين، وإنما الدعوة تكون من كتاب الله سبحانه وتعالى وهداية الناس تكون من كتاب الله سبحانه وتعالى وربط الناس بدين الله يكون من خلال كتاب الله جل وعلا فمن أنسب ما يكون إذا تعلمت ذلك وفهمته وأدركته وجلست أمام الناس تريد أن تعلمهم أن تهديهم أن تبين لهم أن يكون ذلك من القرآن فأنت فهمت فهماً خذ من هذا الفهم ما ترى أن الناس يستوعبونه أن الناس يفهمونه وأوصله لهم وبذلك تربط بينهم وبين كتاب الله وأنت إذا ربطت بين أي مسلم وبين كتاب الله سبحانه وتعالى تكون قد هديته إلى صراط المستقيم واتركه بعد ذلك فإن كتاب الله هو الذي سيتولاه وهذا القرآن مع كل الناس في كل أوقاتهم في كل أماكنهم يستطيعوا أن يقرءوا القرآن في السيارة في الطيارة وهو ماشي على قدمية وهو في بيته وهو متكئ وهو مضطجع وهو في شغله وعمله وهو في فراغه وراحته هذا القرآن مع الناس في كل وقت يستطيع أن يقرأ ولو من قصارى السور فإذا ربطته بكتاب الله ودخلته مع هذا القرآن عندئذٍ قد تكون حقاً قد هديته إلى صراط الله المستقيم. هذا الذي نريده الآن أما الكلام مع غير المتكلمين باللغة العربية فلهم كلام آخر ولهم حديث آخر قد يكون هذا النوع من الحديث يناسبهم ولكن من وجه آخر ، وقد يكون هناك أنواع من الكلام أنواع من الحديث أنواع الحوار تناسبهم أكثر من هذا النوع من البيان والإيضاح واضح يا إسلام جزاك الله خير.

قرأ أحد الطلبة :
المرحلة الثالثة: معرفة دلالة الجملة الواحدة وما يتعلق بها ثم دلالة الجمل التي تتكون منها الآية :
تمهيد الجمل لها أثر في معرفة الترجيح وإدراك أكمل المعاني وأتم أوجه التفسير عند الكلام عن كتاب الله عز وجل ولذلك فلا بد أن يكون طالب العلم عارفاً بكثير من قواعد النحو واللغة وأوجه الإعراب و معاني الجمل التي تدل عليها في علم البلاغة وفي الأخص علم المعاني والبديع .
أجاب الشيخ :
أحسنت بارك الله فيك هذه المرحلة هي المرحلة الثالثة انتهينا من موضوع الكلمة ثم انتقلنا بعد ذلك إلى حروف المعاني ثم بعد حروف المعاني ارتبطت هذه الكلمات بهذه الحروف فكونت لنا جمل فالكلام الآن إذن عن المرحلة الثالثة المتعلقة بالجمل والمقصود هنا معرفة دلالة الجملة: لكل جملة دلالة في لغة العرب هناك هذه الجمل لها دلالة لن نقف طويلاً عند هذه المرحلة لا وإنما سنعرض لها عرضاً يكون مناسباً للحال لأن الكلام عن الجمل قد يكون فيه شيء من المشقة شيء من الصعوبة نؤجل هذا إلى دروس أخرى ولكن الذي أريده الآن منك في هذه الدروس أن تفهم فهماً مبدئياً لما يتعلق بالجمل في كتاب الله عز وجل حتى لا يعسر عليك هذا الأمر حتى لا ينخرم معك هذا التسلسل: عندك تسلسلاً الآن تسير عليه عندك درج تصعد من خلاله تريد أن تصل إلى فهم كتاب الله سبحانه وتعالى هذا التسلسل خذه مرحلة مرحلة إذن لابد أن نمر على الجمل ولو لم نقف عليها طويلاً لكن لابد أن نمر عليها حتى تفهمها ولو فهماً يسيراً يكون معه فتح مجرد أبواب ونوافذ يسيرة في هذا الشأن بعده بإذن الله عز وجل لك أن تواصل ما شئت.
إذا معنى المرحلة الثالثة ما يتعلق بمعرفة دلالة الجملة في كتاب الله سبحانه وتعالى هذه الجملة لها دلالة وإذا تكونت مع جمل أخرى يكون لها دلالة هامة.
دلالة الجملة في كتاب الله سبحانه وتعالى إذا جاءتنا جملة فإن لها ولاشك دلالة معينة وهذه الدلالة تختلف: فحيناً تكون دلالة هذه الجملة تكون بحسب موقعها من الإعراب قد تكون الجملة كلها من أولها لأخرها قد تكون جملة ابتدائية قد تكون جملة خبرية يعني واقعة في محل رفع خبر قد تكون في محل نصب خبر كان في محل نصب اسم إن ونحو ذلك فالجملة قد تكون في أصلها الجملة لا تكون إلا أردناها من جهة الإعراب الجملة لا تكون إلا خبراً من المعلوم أن المبتدأ لا يكون إلا مفرداً ن المبتدأ في العرب لا يكون إلا مفرداً فما يتعلق بالجمل الجمل لا تكون إلا بالنسبة للجمل إذا أردت أن تكون منها جملة إسمية فإن المبتدأ يكون مفرداً لا يكون جملة أبدا وعندنا الخبر قد يكون مفرداً وقد يكون جملة.
من جهة دلالة الجملة عندئذ الجملة لا تكون إلا خبراً هذه مسألة والأمر الآخر هذه الجملة قد تكون فعلية وقد تكون اسمية وللجملة الفعلية دلالة وللجملة الاسمية دلالة أخرى الجملة أيضاً قد تكون حالية ودلالتها إذا كانت حالية لها معنى آخر قد تكون كذلك جملة اعتراضية تعترض بين الجمل الأخرى فهذه لها دلالة. قد تكون هذه الجملة تفسيرية تفسر ما قبلها ونحو ذلك من أنواع الجمل في كتاب الله عز وجل لن نعرض هذا كله وإنما أذكره لك الآن فقط لمجرد العلم حتى في ذهنك بعدئذٍ بإمكانك أن تبحث عنه ما شئت ولكن سأختص هنا بالكلام عن الجملة الإسمية والجملة الفعلية وذلك أن الجملة الإسمية وردت كثيراً في كتاب الله جل وعلا والجملة الفعلية قد وردت كثيراً في كتاب الله فنريد أن نقصر الكلام على الجملة الأسمية والجملة الفعلية أما ما عدا ذلك فأولاً هذه الجمل قد لا تكون تكررت كما تكررت الجمل الإسمية والفعلية وأيضاً بإمكانك أن تقف عليها بعد حين بإذن الله بالاستعانة ببعض المراجع التي تكلمت في هذا الشأن.

قرأ أحد الطلبة :
الجملة تنقسم في لغة العرب إلى اعتبارات :
اعتبار محلها من الإعراب .
اعتبار الجمل ليس لها محل من الإعراب .
وهناك تقسيم آخر للجمل جملة إسمية وجملة فعلية وجملة وشبه الجملة فشبه الجملية إما أن ظرفية أو جار ومجرور وإنما المهم من جهة التفسير ما له علاقة بعلم المعاني مما له أثر في تفسير القرآن الكريم وهذه الجمل هي الجملة الإسمية ودلالتها الجملة الفعلية ودلالتها الجملة الحالية الجملة المعترِضة الجملة التفسيرية وسنقصر كلامنا في هذا البحث على جملتين أولاً الجملة الإسمية وقد اخترنا منها الجملة الابتدائية أو الاستئنافية على قول ابن هشام.
الجملة الاسمية تتكون من مبتدأ وخبر وهذا دليل على أنها جملة إسمية فالجملة الإسمية التي صدرها إسم ، فكل جملة صدرها إسم فهي في علم المعاني تدل غالباً على الدوام واللزوم والاستمرار .
أجاب الشيخ :
انظروا الآن إلى الانتقال بما يتعلق بعلم النحو إلى الانتقال فيما يتعلق بعلم المعاني فعندنا الآن في مبدأ الكلام كنا نقول بعدها جملة إسمية نسيمها هكذا جملة إسمية لما جئنا إلى علم المعاني أردنا أن نفهم ما الذي تدل عليه الجملة الإسمية الجملة الإسمية في علم المعاني لها دلالة هي في علم النحو تسمى جملة إسمية أما في علم المعاني ماذا لها من الدلالة تدل على الدوام واللزوم والاستمرار.

فاصل تليفـزيـونـي

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين حياكم الله مرة أخرى أيها الأحبة ونواصل الكلام عن الجملة الإسمية .
الجملة الإسمية لها دلالة في علم المعاني وذكرنا هذه الدلالة وهي الدوام واللزوم والاستمرار هذه هي دلالة الجملة الإسمية .
الجملة الفعلية هذه تسميتها في علم النحو لكن من جهة علم المعاني لها دلالة ما هي دلالة الجملة الفعلية في علم المعاني تدل على معنى مغاير للمعنى الأول فتدل على الحدوث والتجدد إذن الجملة الإسمية تدل على اللزوم والاستمرار والدوام والجملة الفعلية تدل على الحدوث والتجدد هذه الدلالة للجمل في لغة العرب لابد من العناية بها عندما تريد أن تفهم فهماً كاملاً لكتاب الله عز وجل فهما عالياً فهماً يكون معه إدراك لغالب ما جاءت دلالة الآيات عليه.
نأخذ بعض الأمثلة لأنه كما يقال بالمثال يتضح المقال أخشى أن يكون الكلام فيه صعوبه لكن بإذن الله بأخذ الأمثلة وشرحها وبسطها يتضح المقال وإن كان هناك من سؤال بالمباشرة يسأل عن الأمر حتى يكون الوضوح على أكمل وجه بإذن الله جل وعلا .
قرأ أحد الطلبة :
الجملة الإسمية مثالها ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ[الفاتحة:2]. ﴿ اللَّهُ الصَّمَدُ[الإخلاص:2]. ﴿ ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ[البقرة:2]. ﴿ يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ[يس: 1، 2]. وغيرها كثير الحمد دائما لازما له سبحانه لا ينفك عنه بأي وجه من الوجوه .
أجاب الشيخ :
نعم نقف قليلاً هنا الآن الآية ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ . هذه الجملة هل هي جملة إسمية أو جملة فعلية جملة إسمية لأن الحمد إسم : إذا أردنا أن نعربها إعرابا سريعاً ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ ماذا نقول ﴿الْحَمْدُ﴾ مبتدأ ﴿ لِلَّهِ﴾ جار ومجرور ﴿ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ مضاف ومضاف إليه : ربِّ بدل، نعم إما خبر وإما بدل وإما أيضاً كذلك يجوز أن تعرب صفة: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ ﴿الْحَمْدُ﴾ إذن جملة إسمية جاءت مبتدأ فهذه الجملة الآن لو أردنا أن نفهم دلالتها في علم المعاني لما أعربنا هذا الإعراب تابع لعلم النحو والآن سننتقل لعلم المعاني لأنه هو الذي له أثر كبير جداً فيما يتعلق بعلم التفسير علم المعاني يقول لك أن هذه الجملة تدل على الدوام اللزوم والاستمرار ﴿الْحَمْدُ﴾ بالنسبة لله سبحانه وتعالى هل هو مستحق للحمد تارة دون تارة وحينا دون حين وزمنا دون زمن وفي مكان دون مكان أم أنه مستحق دائماً سبحانه وتعالى للحمد مستحق استحقاق دائم وكامل للحمد الله سبحانه وتعالى يستحق هذا الحمد دون انقطاع فأنت لما تقرأ ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ كأنك تحمد الله سبحانه وتعالى حمداً دائماً ثابتاً مستقراً لازماً لا ينفك عنه بأي حال من الأحوال هذه دلالة الجملة الإسمية أيضاً كذلك عندما تقول ﴿ اللَّهُ الصَّمَدُ﴾ هذه جملة إسمية عبارة عن مبتدأ وخبر ﴿ اللَّهُ الصَّمَدُ﴾ هذه الجملة الإسمية مبتدأ وخبر تدل على الدوام على اللزوم على الاستمرار لأن صفة الصمدية عن الله سبحانه وتعالى لا تنفك عنه أبداً فهو صمد سبحانه وتعالى دائماً لا تنفك عنه هذه الصفة بأي حال من الأحوال مطلقاً إذن أيضاً كذلك نأخذ المثال الثالث ﴿ ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ﴾ هذه جملة أيضاً إسمية ﴿ ذَلِكَ﴾ إسم إشارة ﴿ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ﴾ فإذن هذه الجملة الإسمية تدل على أن هذه الصفة للكتاب صفة مستمرة دائمة ثابتة لا تنفك عنه مطلقا.
أيضاً كذلك في سورة يس ﴿ يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ﴾ هذه الصفة ﴿ وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ﴾ هذه جملة إسمية في وصف كتاب الله سبحانه وتعالى ﴿ يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ﴾ هذه الدلالة بالنسبة للجملة الإسمية هي دالة على الدوام و الثبوث والاستمرار بحيث لا ينفك هذا الوصف مطلقاً .هذا بما يتعلق بالجملة الإسمية وتأمل هذا كثيراً في كتاب الله سبحانه وتعالى وسيأتي لك أمثلة يتبين فيها الفرق بين دلالة الجملة الإسمية ودلالة الجملة الفعلية وإنك إذا خلطت بين دلالة هذه مع تلك فعندئذ يحصل نوع من ضعف المعنى وهذا لا ينبغي أبدا بل ينبغي أن تحمل الكلام على أتم الوجوه وأكمل أنواع البيان والفصاحة.
اقرأ ما يتعلق بالجملة الفعلية وكما قيل: وبضدها يتبين الأشياء يتبين لك الآن الفرق بين الجملة الإسمية والجملة الفعلية ويكتمل المعنى بإذن الله .
قال أحد الطلبة :
ثانياً الجملة الفعلية الأصل في دلالتها أنها تدل على الحدوث والتجدد مثال ذلك ﴿ يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّ[مريم: 12]. ﴿ وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيّاً[مريم:15].
أجاب الشيخ :
أحسنت بارك الله فيك بالنسبة للآية الأولى ﴿ يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ﴾ قوله سبحانه وتعالى ﴿ خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ﴾ هذه جملة فعلية ﴿ خُذِ﴾ فعل أمر الفاعل ضمير مستتر تقديره أنت يعني خذ يا يحيى الكتاب بقوة فالأمر من الله عز وجل أمر الله سبحانه وتعالى نبيه يحيى بأن يأخذ الكتاب بقوة تقدير الكلام خذ أنت الكتاب بقوة خذ إذن جملة فعلية الآن دلالة الجملة الفعلية هنا ﴿ يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ﴾ دلالة الجملة الفعلية هل بنفسها دلالة الجملة الإسمية لا بدليل أنك ستفرق الآن بين دلالة هذه الجملة وبين دلالة الآية الأخرى وهي قوله سبحانه وتعالى ﴿ وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيّاً﴾ سترى الفرق بين دلالة هذه الآية ودلالة تلك الآية فالآية الأولى جاءت فيها الجملة فعلية والآية الثانية جاءت الجملة فيها إسمية انظر الفرق بين دلالة الجملتين.
قرأ أحد الطلبة :
وجه الدلالة الأخذ الذي أمر به يحيى وصف أنه يكون بقوة خذ فعل أمر وهذا الأخذ يحتاج إلى تجدد في الأخذ وهذا يتبين في حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه : (إنه ليغان على قلبي فأستغفر الله سبعين مرة) وفي لفظ (مائة مرة) .
أجاب الشيخ :
الحديث في صحيح مسلم كما هو معلوم وذكر في هذا الحديث من أجل بيان ما الذي أمر به يحيى. الله سبحانه وتعالى يقول لنبيه يحيى عليه السلام ﴿ يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ﴾ الآن هذه الجملة الفعلية التي أمر بها يحيى فعل الأمر هذا: دل على شيء هذه الدلالة هي دلالة التجدد والحدوث معنى هذا الكلام أن الله عز وجل أمر نبيه يحيى أن يأخذ هذا الكتاب بقوة ويتابع هذا الأخذ مرة بعد مرة وتارة بعد تارة وحيناً بعد حيناً لأنه لا يمكن أن يستديم نبي الله يحيى أخذ الكتاب بقوة في كل أحواله هو لا يستطيع ذلك لا يستطيع ذلك عليه السلام وإنما المطلوب منه هو أن يجدد الأخذ فيأخذ مرة ثم يجدد هذا الأخذ مرة ثانية ثم ثالثة يتابع نفسه فيما يتعلق بأخذ الكتاب بقوة ﴿ يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ﴾ فهو أمر له بأن يأخذ هذا الكتاب بقوة وأن يتابع نفسه وأن يجدد هذا الأخذ مرة بعد مرة وحيناً بعد حين لأنه لن يستطيع أن يستديم أخذ الكتاب بقوة لما لم يستطع أخذ الكتاب بقوة داعياً في كل أحواله ؟هذا غير مستطاع من البشر، بدليل ماذا؟ بدليل أن النبي صلى عليه وسلم أخبر عن نفسه كما في صحيح مسلم (أنه ليغان على قلبي فأستغفر الله سبعين مرة) ما معنى يغان على قلبي ؟ يعني يفتر صلى الله عليه وسلم عن الذكر شيئا من الوقت يغفل عن ذكر الله سبحانه وتعالى من عاداته صلوات ربي وسلامه عليه أنه دائم الذكر لله عز وجل حيناً يفتر صلوات ربي وسلامه عليه كما القاضي عياض وكما قال النووي وكما قال غيرهما من أهل العلم ليغان على قلبي أي أنه يحصل في قلبه صلوات ربي وسلامه عليه بعد قليل فتور قليل عن مسألة الذكر عن مسألة إدامة الذكر الكامل التام لله سبحانه وتعالى لأنه غير مستطاع للبشر والله عز وجل لا يكلف نفساً إلا وسعها فيحصل منه صلى الله عليه وسلم حيناً أنه يفتر عن الذكر قليلاً فإذا ذكر بعد ذلك صلى الله عليه وسلم استغفر الله سبعين مرة في لفظ آخر استغفر الله مائة مرة هذا هو المفروض فيحصل للإنسان ضعف يسير في ذكره لله عز وجل وفي عدم مداومته على الاتصال بالله سبحانه وتعالى الاتصال الكامل التام فيحصل ضعف يسير فيستغفر صلى الله عليه وسلم لإزالة هذا الغان: الغان هو أن يكون هناك شيء غبار يسير جداً يقع على قلب بعض الصالحين بل على كل الصالحين على رأسهم إمامهم صلى الله عليه وسلم فإنه يغان على قلبه قليلاً ثم ينتبه فيذكر الله عز وجل فيستغفره سبعين أو مئة مرة .
إذا كان هذا يقع من محمد صلى الله عليه وسلم وهو أكمل الخلق وأشرف الخلق وأفضل الخلق صلوات ربي وسلامه عليه فكيف بيحيى عليه السلام ولا شك أنه دونه في المنزلة فإذاً الذي أمر به يحيى أن يأخذ الكتاب ولكن أخذ الكتاب بقوة والاستمرار على ذلك وهذا اللزوم الدائم والتام لا يمكن أن يكون من بشر لا يمكن أن يقع من بشر كائن من كان ولذا أمر بهذا الفعل حتى يكون تجدد وهذا تنبيه لك أنت أيها المؤمن وهذا الذي أقصده لا أقصد أن تفهم الآية فهماً مجرداً عن واقعك وعن حياتك التي تعيشها أنت فالكلام ليس عن يحيى وحده ولكن الكلام عنك أنت تستفيد بما ذكره الله عز وجل عن نبيه يحيى فالكلام بالنسبة لك هو موجه من أجلك من أجل أن تعتبر أن تتعظ أن تأخذ الموعظة والذكرى الحسنة التي يحيا بها قلبك الكلام عن يحيى عليه السلام من أجلك أنت من أجل ماذا من أجل أن تأخذ هذا الكتاب بقوة وتعلم يقيناً أنك حينما تريد أن تأخذ هذا الكتاب بقوة والكتاب بالنسبة لنا هو القرآن فنحن مأمرون أن نأخذ الكتاب ولكن هذا الأخذ لا يمكن ان يكون على صفة الاستدامة دائماً وإنما من الممكن أن يكون أن أجدد وأن أتابع نفسي فأنا أخذ أوامر القرآن وأترك نواهي القرآن وأفعل ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم وأترك ما نهى عنه صلوات ربي وسلامي عليه ولكني أعلم يقيناً أنني لن أستطيع أن أستديم على ذلك في كل حياتي من أولها لآخرها ولذا شكى الصحابة رضوان الله عليهم ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا (إذا كنا معك ذكرنا الجنة والنار) أصبحوا في حالة من الإيمان عظيمة جداً لكنهم إذا عافسوا النساء وخالطوا الأولاد ذهب هذا منهم حتى أن حنظله قال عن نفسه "نافق حنظلة نافق حنظلة" وليس هذا هو كذلك ليس هو النفاق وإنما هو أن المؤمن في أحيان يرتفع وفي أحيان يضعف قليلاً يأتيه غان على قلبه يأتيه ما يغطي هذا القلب من غشاء خفيف الذي يبعده عن ربه سبحان وتعالى فيحتاج بعد ذلك إلى تجدد إلى حدوث إلى أن يزيل هذا الغان إلى أن يذكر هذا الإيمان إلى أن ينظف هذا القلب فهذا هو المراد هنا ﴿ يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍونحن مأمورون أن نأخذ الكتاب بقوة فهذا هو أخذ الكتاب بقوة أن نقبل على كتاب الله سبحانه وتعالى بقوة تجدد الإيمان مرة بعد مرة ولذا جعلت لنا هذه المحطات عندنا في اليوم الواحد كم محطة :عندنا الفجر هذه محطة تقترب فيها من الله وتكون صلاتك مخبتة وخاضعة لله سبحانه وتعالى ،وبعد الفجر في ذكر وورد عظيم الناس في هدوء والليل قد غطى والصبح بتوه قد بدأ هناك سكون في هذه المحطة لتجدد فيها عهدك بالله وتجدد فيها قربك منه جل وعلا ثم تلهى في دنياك وتعمل وتشقى وتخالط وتعاكس وتكلم هذا وتخاصم هذا ثم تعود إلى المحطة الثانية :وهي صلاة الظهر فتعطيك شيئاً من الإيمان ثم تذهب قد ترتاح وقد تعمل ثم صلاة العصر تجدد لك الإيمان قليلاً ثم المغرب ثم العشاء ثم إذا جاء الليل جاءتك محطة كبيرة جداً تسمى قيام الليل هذا القيام يجدد لك إيمانك يجدد لك صلتك بربك ولهذا ذكرنا لك سابقاً ما يتعلق بقوله سبحانه وتعالى في سورة المزمل:﴿ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلً[المزمل: 1، 2]. وأن هذا الأمر جاء في أوائل بعثته صلى الله عليه وسلم ولم لأنه بحاجة ماسة إلى الغذاء بحاجة ماسة إلى هذا الارتباط بحاجة ماسة إلى هذه العلاقة القوية المتينة بينه وبين ربه سبحانه وتعالى في حال الدعوة في حال مخالطة الناس في حال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بل في حال أيضاً طلب الرزق الحلال وهو بحاجة إلى محطات بحاجة إلى تجديد ولذا جعلت محطات يومية ومحطات شهرية مثل صيام ثلاثة أيام من كل شهر ومحطات سنوية مثل شهر رمضان تجدد فيه الإيمان لسنة كاملة عندك أيضاً الحج عندك فرصة أن تجدد إيمانك مع الله عز وجل بالحج إلى بيت الله الحرام هذه كلها عبارة عن محطات تقوي إيمانك بعد أن يهدى وضعك قليلاً وهذا هو المقصود ﴿ يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ﴾. جاء الأمر هنا بالجملة الفعلية ليبين لك أنك بحاجة دائمة إلى التجديد إلى الإحداث إلى إحداث إيمان بعد أن يضعف تحتاج إلى إحداث إما أن تظن أنك بإمكانك أن تستمر في أعلى عليين في مسألة الإيمان فهذا لا يمكن ولن يحصل لأحد كائن من كان إن هذه هي الحياة الدنيا وقد أوجدها الله عز وجل وأوجدك فيها من أجل أن تخالط الناس ولذ إذا خالط الناس سينقص إيمانك ولو حشرت نفسك في صومعة من الصوامع وأخذت تتعبد إلى الله سبحانه وتعالى قد لا ينقص الأمر الروحاني الذي في قلبك ولكن الإيمان سينقص كثيراً لأن المأمور به بالنسبة لك أن تخالط الناس وأن تصبر على آذاهم في سبيل الله عز وجل. نعم هذه المخالطة قد تجعل هذا الإيمان يضعف قليلاً قد تشعرك بشيء من قسوة القلب قد تشعر بشيء من الظلمة في قلبك بسبب مخالطة هؤلاء الناس الذين ابتعدوا عن نور الله عن وحي الله عن هداية الله عن دين الله ولكن كيف تعيد لنفسك النشاط بالتجدد والإحداث الذي دلت عليه هذه الجملة الفعلية . نأخذ الجملة الإسمية ليتبين لنا هذا من ذاك. اقرأ فيما يتعلق بتفسير قول الله عز وجل ﴿ وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيّاَ﴾.

قرأ أحد الطلبة :
أما قوله تعالى ﴿ وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيّاً﴾. أي سلمه وهو عبارة عن تنزيه وتخلية وهي ثابتة له فدلت على الاستمرار والثبوت فكانت جملة إسمية.

أجاب الشيخ :
واضح هذا الفرق بين الجملتين الآن سأوضح لك الفرق وأريد منك أن تعيد لي الفرق لأن هذا الفرق سيوضح لك دلالة الجملة الإسمية ودلالة الجملة الفعلية فكونوا معي في هذا الأمر عندنا الآن دلالة الجملة الفعلية قد تقدم وهي الحدوث والتجدد وضربنا لها مثلاً بالنسبة للجملة الإسمية التي تلتها مباشرة ﴿ وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيّاً﴾. فدلالة الجملة الإسمية هنا جاءت الدلالة على الاستمرار على اللزوم على الدوام كيف كان هذا ؟
الآن هذا السلام الذي منح ليحيى عليه السلام ممن كان؟ من الله سبحانه وتعالى وهي صفة ثابتة دائمة لا تنفك عنه ﴿ وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ﴾ حين ولد جاءه السلام ﴿ وَيَوْمَ يَمُوتُ﴾ كذلك حين موته فهو أيضاً متصف بهذه الصفة وحين ﴿ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيّاً﴾. فهذه المواطن الثلاث والتي تتضمن حياة الإنسان من أولها إلى آخرها يولد ثم يموت ثم يحيا الحياة الأخرى الكاملة السرمدية هذه المواطن الثلاث تكون حياته كلها من أولها إلى آخرها فالسلام عليه ثابت في كل هذه المواطن فلا يناسب هنا أن تأتي الجملة الفعلية التي تدل على الحدوث والتجدد وإنما صفة ثابتة لازمة يناسبها الجملة الإسمية ولذا كانت الآية التي قبلها جملة فعلية وهنا جاءت الجملة جملة إسمية واقرن هذا بذاك في آيات كثيرة من كتاب الله عز وجل تأمل أيضاً في سورة الكافرون ستجد هذا واضحاً بيناً في دلالة الآيات عند المغايرة في هاتين الجملتين .
نسأل الله عز وجل علماً نافعاً وعملاً صالحاً اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى أن تجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهلك وخاصتك اللهم إنا نسألك الفقه في الدين وأن تعلمنا التأويل وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً .

التعديل الأخير تم بواسطة أم أسماء ; 18-12-08 الساعة 01:32 AM
أم أسماء غير متواجد حالياً  
قديم 20-12-08, 02:19 AM   #27
أم أسماء
جُهدٌ لا يُنسى
 
تاريخ التسجيل: 22-05-2007
المشاركات: 7,201
أم أسماء is on a distinguished road
افتراضي

الدرس الثاني والعشرون :بداية المرحلة الرابعة ـ دلالة السياق


بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً وعملاً يا أكرم الأكرمين .
أيها الأحبة حياكم الله في روضة جديدة من رياض الجنة وكنا قد قطعنا سابقاً شوطاً في الكلام عن المراحل السبعة : فتكلمنا عن المرحلة الأولى وعن المرحلة الثانية وعن المرحلة الثالثة وبإذن الله في هذه الحلقة التي أسأل الله عز وجل أن يجعلها مباركة سنتكلم عن مرحلة مهمة بل هي غاية في الأهمية وهي المرحلة الرابعة التي تتعلق بدلالة السياق دلالة السباق واللحاق فكنا من قبل تكلمنا عن مسألة الكلمة في المرحلة الأولى ثم في الثانية تكلمنا عن حروف المعاني التي تربط بين هذه الكلمات ثم تكلمنا في المرحلة الثالثة عن الجمل التي تتكون من هذه الكلمات وهذه الحروف تكونت الجملة ثم تكونت الجمل هذه الجمل جميعاً كونت آية هذه الآية دخلت في سياق قبلها آيات وبعدها آيات فما تأثير دلالة السياق على هذه الآية ونقصد بالسياق السباق واللحاق أي ما يسبقها وما يلحق بها سيكون الكلام بإذن الله عز وجل في هذه المرحلة عن دلالة السياق.
قال أحد الطلبة :
بسم الله الرحمن الرحيم المرحلة الرابعة دلالة السياق من اللحاق والسباق في فهم كلام الله جل وعلا:
ودلالة السياق من الدلالات المهمة التي يكاد يطبق أهل التفسير على اعتبارها وقد نص على أهمية دلالة السياق وعلى اعتباره من أهم الدلالات التي ينبغي للمفسر أن يعتبرها جماعة من أهل العلم منهم مسلم بن يسار فقال إذا حدثت عن الله فقف حتى تنظر ما قبله وما بعده. ذكره بن كثير ومن التابعين سليمان بن يسار ممن صرح بدلالة السياق والأخذ بها وممن قال ذلك أيضاً صالح بن كيسان الإمام المشهور ومنهم بن جرير والعز بن عبد السلام وبن عطية صاحب المحرر الوجيز في التفسير وهو من أجود كتب التفسير والقرطبي رحمه الله في تفسيره وشيخ الإسلام بن تيمية في عدد كثير من المواطن في المجموع وغير ذلك كثير، وأيضاً بن القيم رحمه الله خصوصاً في كتاب التبيان في أقسام القرآن وهو من أجود كتبه رحمه الله كذلك أبو السعود في تفسيره وبن كثير وكذلك الراجي صاحب التفسير الكبير ومنهم الزركشي كما في كتابه البرهان ومنهم أيضاً بن جزي الكلبي وكذلك الآلوسي والشوكاني وصديق حسن خان وغيره من أهل العلم.
أجاب الشيخ :
نعم هؤلاء جميعاً أيها الأحبة هؤلاء جميعاً نصوا على أهمية دلالة السياق في فهم الآيات ، كل من وقفت على قولهم من أهل العلم فإنه يؤكد على أهمية دلالة السياق في فهم الآيات فإذا غاب عنك هذا المعنى فافهم أنك قد فقدت شيئاً عظيماً في فهم دلالة السياق المؤثرة جداً على معنى هذه الآية التي تنظر فيها فإذا نظرت في آية من الآيات لابد وأن تنظر فيما قبلها وما بعدها حتى تتبين المعنى الكامل لهذه الآية في ضمن الآيات جميعاً فإن الآية هذه لم تأتي منفردة هكذا مقطوعة مبتورة ليس لها علاقة بما قبلها وما بعدها وإنما جاءت في ضمن سياق محدد معين هي عبارة عن حلقة في سلسلة فإذا انقطعت هذه السلسلة ولم يبقى إلا حلقة واحدة عندئذٍ ينخرم المعنى ويضعف كثيراً فأرجوا أن تنتبه لهذا لأن كما ترى أكثرت من ذكر العلماء الذين قالوا بهذا الكلام لأجل أن تتقرر الحقيقة هذا الكلام ليس كلام واحد من أهل العلم أو اثنين أو ثلاثة أو أربعة أو خمسة لو أراد الإنسان أن يجمع كلام أهل العلم في هذه المسألة في مسألة دلالة السياق لجمع بذلك مجلد كبيراً فقط في الإشارة بل والدلالة النصية على أهمية دلالة السياق في فهم الآيات فمن المتقدمين عدد من أهل العلم ومن المحققين عدد ومن المتأخرين عدد وممن صنف في هذا العصر أيضاً عدد كبير من أهل العلم كلهم يؤكدون على أهمية دلالة السياق في فهم الآية وسنضرب لك بإذن الله عز وجل أمثلة توضح هذا بجلاء، توضح أهمية فهم دلالة السياق في أثره في إدراك المعنى الكامل للآية .
قال أحد الطلبة :
ودلالة السياق إما أنها تخصص العام أو تقيد المطلق وفي مقابل ذلك تطلق المقيد أو تعمم الخاص أو أيضاً ترجح عند اختلاف المفسرين والأمثلة في هذا أكثر من أن تحصى ولو أن طالب علم تفرغ لها لجمع فيها شيئاً كثيراً. ومن أمثلة ذلك:
المثال الأول قوله سبحانه وتعالى في سورة النازعات: ﴿ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى * إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى [النازعات: 15، 16]. إلى آخر الآيات فأنت حينما تقرأ هذه القصة في كتاب الله جل وعلا فإنك تعجب من موضعها فالسورة كلها من أولها لآخرها في النزع والموت ثم ما بعد الموت ثم الراجفة ثم الرادفة والحافرة ثم في قيام الطامة الكبرى فما علاقة قصة موسى عليه السلام بهذه السورة ؟
أجاب الشيخ :
أحسنت بارك الله فيك ما علاقة قصة موسى عليه السلام بهذه السورة؟
أنت تنظر سورة النازعات أصلاً سميت ماذا سميت النازعة الكلام كله عن النزع عن الموت عن القيامة عن الراجفة عن الرادفة عن الكفار إذا أنكروا البعث ما الدليل على إثبات هذا البعث وكل الآيات تتكلم عن الموت عن البعث عن ما يتعلق باليوم الآخر عن أهوال يوم القيام وثم في آخر السورة ﴿فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى * يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى * وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى[النازعات: 34-36]. فالكلام كله من أوله لآخره يتعلق بالموت والحشر وقيام الساعة فقصة موسى مع فرعون ما علاقتها بهذه الأحداث؟ ما علاقتها بالموت؟ وما علاقتها بالبعث؟ ما علاقتها بأهوال اليوم الآخر؟
هذا السؤال هنا وإذا أدركت هذه العلاقة بين هذه القصة وبين هذه السورة ستدرك عظمة هذا القرآن ستدرك بديع ما تفهمه من كتاب الله عز وجل إذا تأملت وتدبرت هذه الآيات العظيمة وستدرك أيضاً أن هناك من المعاني الكثيرة الجليلة غائبة عن ذهنك وبعيدة عن تأملك وتدبرك وسبب ذلك أن هناك انفصام كبير وقلة اهتمام فيما يتعلق بتفسير كتاب الله عز وجل وإلا كان في الأصل من المفروض أن مثل هذه القصة إذا جاءت في مثل هذا الموطن أن يسأل الإنسان نفسه لم تأتي مثل هذه القصة في مثل هذا السياق ﴿ فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ *فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ * هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى[النازعات: 13-15]. ماالرابط بينهم هل هناك انفصال بين هذه الآيات وبين قصة موسى أم هناك رابط متكامل بين هذه الآيات وهذه القصة نعم هناك رابط يكمل بين هذه الآيات ما هو نسمع :
قرأ الطالب :
والذي لا يتأمل في دلالة هذا السياق يغيب عنه جداً هذا المعنى إذا تمر عليه قصة موسى عليه السلام وكأنها في أية سورة أخرى ذكر الله فيها هذه القصة وهذه غفلة عن دلالة السياق فإن الله لما قص هذه القصة في هذه السورة كان لابد أن يكون لها معنى خاص في هذا السياق وهذا المعنى الذي دل عليه السياق هو أن الله عز وجل لما ذكر تكذيب كفار أهل مكة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عنهم أنهم قالوا: ﴿ يَقُولُونَ أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ *أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً *قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ *فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ *فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ *هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى [النازعات: 10-15]. فلما ذكر تكذيبهم وردهم لخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن الساعة ثم أخبر عن قوته جل وعلا ﴿ فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ * فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ
أجاب الشيخ :
أحسنت بارك الله فيك الآن تأمل هذه الآيات وتأمل السياق: الآيات تقول لك بعد أن ذكر الله عز وجل الموت وما يتعلق بالبعث يعني أخبر عنها خبراً ثم ذكر تكذيب هؤلاء الكفار لمحمد صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بالبعث فقال سبحانه وتعالى حكاية عنهم، ﴿ أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ *أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً *قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ ﴾ يعني إذا حصل هذا فهذا خسران،﴿ قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ ﴾ فقال الله عز وجل: ﴿فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ ﴾ يعني إنما زجرة نفخة واحدة قوية زجرة نفخة فيها قوة ﴿فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ ﴾ كذبوا فعاد الرب سبحانه وتعالى لإثبات حقيقة البعث ثم أخبر الله سبحانه وتعالى عن قصة موسى فقال ﴿فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ *فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ ﴾ ما جزاء هؤلاء المكذبين؟ قال: ﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى فالرابط بينهما هنا أن هؤلاء المكذبين إن أصروا على تكذيبهم وعلى استبعادهم لقيام الأرواح بعد الموت وأنكروا البعث وأنكروا الحياة الآخرة فاتركهم ودعهم وذكرهم إن أرادوا أن يتذكروا بشيء قد سبق من أحوال الأمم السابقة وهو ما جرى لموسى مع قومه ﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى﴾ يا محمد صلى الله عليه وسلم إن أنكر هؤلاء وكفروا وردوا ما أخبرت به ولم يؤمنوا بهذه المعجزة العظيمة التي جاءت مع محمد صلى الله عليه وسلم لا تكترث لهم كثيراً ولا تظن أنهم غلبوا في الأرض وأنهم على قوة يمتنعون فيها عن عذاب الله سبحانه وتعالى أبداً لكن ذكرهم بما جرى لموسى مع قومه ﴿فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ *فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ﴾ فإن أنكروا ﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى﴾ ماالذي جرى مع موسى وقومه ﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى * إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى * اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى [النازعات: 15-17]. إلى آخر هذه الآيات فهو تذكير لما جرى مع موسى وقومه والذي جرى مع موسى وقومه قص الله عز وجل في هذه السورة وتأمل ما قص لأن قصة موسى واسعة طويلة مكررة في كتاب الله عز وجل لم يذكر منها الله سبحانه وتعالى في هذا الموطن إلا ما يناسب هذه السورة وفقط وهو ذكر جزاء هؤلاء الكافرين المعاندين الذين أبوا دعوة موسى عليه السلام ذكر الله خبرهم بدءاً ثم ذكر جزاءهم ذكر خبرهم في تكذيبهم ثم ذكر جزاءهم وكأنه يشير إلى هؤلاء القوم أنكم إذا كذبتهم وأنكرتم الحافرة وزعمتم أنه ليس هناك زجرة وليس هناك ساهرة فإن جزاءكم سيكون كجزاء قوم موسى حين كذبوا موسى عليه السلام .
قال أحد الطلبة :
قال سبحانه وتعالى : ﴿ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى﴾ أي إن لم يؤمن هؤلاء الكفار بالبعث والنشور ولم يصدقك يا رسول الله بما أخبرت به فدعهم فإن مصيرهم كمصير قوم موسى ﴿ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى * إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى﴾ ويدل على ذلك قوله جل وعلا: ﴿ فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى[النازعات: 25]. وذلك لأن كلمة "نكال" إنما تطلق في اللغة على التعذيب والتأديب الذي يكون فيه عبرة للغير لأن النكال في أصل اللغة يدل إنما هو الرجوع يقول نكلت عن كذا أي رجعت عنه فأخذ الله عز وجل فرعون وقومه أخذة يكونوا فيها عبرة وعظة لمن جاء بعده إن كانوا يعقلوا ، فذكَّر الله أهل مكة بما جرى لفرعون وقومه تهديداً لهم بأنهم إن كذبوا محمداً كما كذب فرعون وقومه موسى عليه السلام فإن مصيرهم كمصير أولئك .
أجاب الشيخ :
أحسنت بارك الله فيك واضح الآن وجه الرابط هذه القصة جاءت كما ذكرت لك إنما ذكر فيها ما يناسب السياق ومن أنسب ما يكون لهذا السياق هو ما ذكره الله عز وجل في قصة موسى من قوله سبحانه وتعالى: ﴿ فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى﴾ فذكر هذا النكال أن الله عز وجل أخذه نكالاً والنكال إنما هو العذاب الذي يقع على إنسان من هؤلاء الناس يقع عليه عذاب ويكون فيه عبرة لغيره وهذه العبرة تكون سبباً في رد غيره عن سلوك طريقه ﴿ فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ﴾ هنا ليس المقصود النكال الذي هو العذاب المجرد لا وكان بالإمكان استخدام هذه الكلمة كلمة العذاب ولكن المراد هنا ان هذا الذي وقع من الله سبحانه وتعالى في تعذيبه لقوم موسى عبارة عن أمر شديد عظيم حتى أنه بلغ من عظمته وشدته أنه أصبح نكالاً وعبرة لغيرهم أن يسلكوا طريقهم فكل من أراد أن يسلك طريقهم ودربهم وما فعلوه مع نبيهم عليه السلام فإنه ينكل ويرجع ويعود لأنه رأى ما حل بهم فالله سبحانه وتعالى يذكر هؤلاء بالنكال الذي وقع على قوم موسى عليه السلام لكي ينكلهم عن طريقهم ويعودوا عن تكذيبهم كما كذب أولئك وإن أصروا فإن مصيرهم كمصير أولئك القوم لذا عادت الآيات بعد ذلك للتذكير بأمور الآخرة والسماء الدنيا وما خلق الله عز وجل في هذه الحياة الدنيا لهم ثم بعد ذلك جاء الكلام عن أهوال يوم القيامة.
قال أحد الطلبة :
هذا هو المعنى الذي دل عليه السياق وهو معنى زائد عن دلالة الآيات بمفردها ولكن السياق دل على هذا المعنى بوضوح وهذا النوع من الدلالة هو من الدلالة على أمر زائد على دلالة اللفظ وهذا أحد أنواع دلالات السياق أن يدل السياق على شيء جديد لم يدل عليه اللفظ .
أجاب الشيخ :
أحسنت بارك الله فيك نعم هذا هو المقصود وتأمل الآيات في قصة موسى ستجد هذا واضحاً بيناً وخصوصاً في آخرها ﴿ فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى[النازعات: 25، 26]. يعني إن كنتم تخشون ففي ذلك عبرة لكم يأهل مكة ويا من أنكر بما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من قيام البعث بعد الموت نأخذ المثال الثاني .
قال أحد الطلبة :
المثال الثاني في سورة الصف قوله تعالى ﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ[الصف: 5]. من المتقرر أن سورة الصف من أولها إلى آخرها في الجهاد فقص الله تعالى قصة موسى عليه السلام والذي يظهر أنها ليست لها علاقة بالجهاد ولكن دلالة السياق لها دلالة هنا لابد أن تظهر وإلا يكون الكلام منقطعاً بعضه عن بعض وهذا لا يَرِدُ في كتاب تعالى.
أجاب الشيخ :
أحسنت بارك الله فيك نعم هذا المثال نريد منه أيضاً أن نقرر دلالة السياق وأثر هذه الدلالة في فهم الآية بنفسها فهذه الآية مرت وذكرت ضمن آيات وهي في سورة تتكلم عن الجهاد وفيها أن موسى عليه السلام يقول: ﴿يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ﴾. لو أردت أن أخذ هذه الآيات بمجردها بمفردها لَفهمت فهماً أن موسى يشتكي إلى الله عز وجل من حال قومه ويخاطب قومه فيقول لم تؤذونني وأنتم تعلمون أني رسول حق من عند الله سبحانه وتعالى فهذا الفهم لهذه الآية بهذه السورة المجردة فقط يعطيك جزء من المعنى فقط ، أما كامل المعنى الذي جيء بالآية في هذه السورة من أجله لن يتبين لك مطلقاً يعني لو سئِلت لما جاءت هذه الآية في هذه السورة ما الجواب نعم أنا فهمت دلالة الآية بمفردها وهذا ظاهر ولكن ما دلالة هذه الآية في السورة بكاملها وما علاقة هذه الآية بما قبلها وما بعدها هل هناك انقطاع كامل بين هذه الآية وبين ما سبق وبين ما لحق لا وإنما هناك اتصال وتكامل بين هذه الآيات في الدلالة على المراد وهذا التكامل يظهر لك عند النظر في حال هذه السورة وفي قصة موسى عليه السلام.
السورة كما ذكرنا لك في الجهاد بدليل أن الله عز وجل قد حكى في أولها : ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ[الصف: 4]. وكذلك بالنسبة لآخر السورة : ﴿ يأيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ[الصف: 10، 11]. فالكلام إذن عن الجهاد في أول السورة وفي آخرها فكيف نربط بين هذه الآية وبين ما تقدم وبين ما تأخر هذا ما سنتكلم عنه بإذن الله جل وعلا.

فـاصـــــــــــــل تليفـزيـونـــــــــــــــــــــي

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين حياكم الله مرة أخرى في روضة من رياض الجنة .
كنا نتكلم عن هذه الآية وعن علاقتها بالسورة بما تقدم وما تأخر وأريد أن أؤكد على قضية وهو أن فهم الآية بمجردها هذا يلغي كثيراً من المعنى يعني عندما تتبين في هذه السورة وفي دلالة هذه السورة وفي السياق الذي جاء الكلام عنه ومن أجله في هذه السورة :عدم الربط بين الآيات يلغي كثيراً من هذا المعنى وهذا لا يناسب ابداً في كتاب الله سبحانه وتعالى لا يناسب ابداً أن تقول بأن هذه الآية جاءت في الكلام عن قصة موسى وقصة عيسى عليهما السلام وانتهى الأمر ما علاقة ما تقدم وما تأخر هذا لا يكون حتى في الكلام العربي الفصيح لا يكون حتى في الكلام العربي الذي تتناقله أو تأخذه عن عربي فصيح اما شعراً أو نثراً أو نحو ذلك فكيف إذا كان الكلام عن كتاب الله عز وجل وكان النظر في كلام الله سبحانه وتعالى في هذا القرآن المعجز في كل أحواله ومن أحواله في الإعجاز الإعجاز في البيان والفصاحة والقوة في إيراد المعنى المراد على أكمل وجه من دون أن يكون هناك شيء من الضعف وشيء من الانقطاع في دلالة المعاني هذا لا يكون أبداً في كلام الله سبحانه وتعالى وإنما يكون في أفهامنا نحن إنما يكون لقصور في ادراكاتنا أما في كلام الله عز وجل فثق ثقة كاملة أن هذا لا يمكن أن يكون في كلام الله سبحانه وتعالى في هذا القرآن العظيم الذي هو أعظم ما نزل الله سبحانه وتعالى على عبدٍ من عباده فإذاً لنأخذ في هذه الآية ونحاول أن نقف على سر إراد هذه الآية والآية التي تليها في هذا السياق فالسياق في شأن وهذه القصة في ظاهرها في شأن فما سر الجمع بينهما ؟هذا من نريد أن نقف عليه.
قال أحد الطلبة :
فعند تأمل قوله تعالى : ﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي﴾ تجد في هذا إشارة إلى قصة موسى عليه السلام في سورة المائدة قوله تعالى: ﴿ يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ[المائدة: 21]. إلى قوله : ﴿ قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ[المائدة: 24]. فأشارت الآيات إلى نوع من أذى قوم موسى له وهو التخلي عنه في موضع الجهاد حيث خذلوه في اشد المواقف الذي هو في أشد حاجة إليهم فلما ذكرت الآية هذه القصة من موسى وقومه أرادت أن تذكر امة محمد أن لا يقولوا له كما قال قوم موسى له ﴿ فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَا هُنَا قَاعِدُونَ ﴾.
أجاب الشيخ :
أحسنت بارك الله فيك الآن عندما تنظر في قوم موسى مع موسى عليه السلام ماذا كان جواب قوم موسى لموسى عندما دعاهم للجهاد ؟
موسى دعاهم للجهاد قد أخبر الله عز وجل عن ذلك في سورة المائدة دعاهم إلى الجهاد فقال لهم: ﴿ يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ[المائدة: 21]. فدعاهم إلى الجهاد دعاهم أن يدخلوا الأرض المقدسة أن يقوموا إلى الجهاد في سبيل الله وان يدخلو الأرض المقدسة وأن الله سبحانه وتعالى سيفتح لهم هذه الأرض المقدسة ماذا كان جواب قوم موسى لموسى عليه السلام : ﴿ فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ﴾. موقف في غاية الخزي في غاية الخسة قلة المروءة فضلاً أن يكون هناك دين وفضلاً أن يكون هناك طمع في ما عند الله عز وجل في الآخرة لوكان هؤلاء الناس لهم طمع في المروءة فقط لو كان لهم طمع في مكارم الأخلاق لما قالوا هذا الكلام فكيف والأمر أعظم من هذا بكثير الذي يأمرهم هو الآن نبي من الأنبياء بل من أولي العزم من الرسل فيقول لهم : ﴿ يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ فيأتونه بهذا الجواب الذي هو في غاية اللؤم يقولون لنبيهم عليه السلام ﴿ فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَا هُنَا قَاعِدُونَ ﴾. هذا الجواب يقولونه لقائد لهم فضلاً أن يقوله قوم لنبيهم عليه السلام فالله عز وجل اراد أن يذكر أتباع محمد صلى الله عليه وسلم حين أمرهم بالقتال وذلك أن سورة الصف تنزلت في أوائل الأمر بالجهاد فجاءت هذه الآيات في أوائل السنة الثانية من الهجرة في بداية القتال والجهاد وكان الرسول صلى الله عليه وسلم قد بدأ كما تعلمون الغزوات بالمهاجرين بدءاً ثم شيئاً فشيئاً حتى وقعت موقعة بدر الكبرى فتنزلت هذه السورة في هذا الحين حتى تنبه أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أن لا تقول لمحمد صلى الله عليه وسلم كما قال اليهود عليهم من الله اللعنة والغضب كما قالوا لنبيهم موسى عليه السلام فلا يقول لنبيهم محمد : ﴿ فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَ﴾ وإنما يقولا له قولاً يليق بمقامه صلى الله عليه وسلم فكان هذا كان أن تنبه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا الأمر وإلى هذا التحذير والوعيد الشديد الذي حصل ووقع لبني إسرائيل بسبب معصيتهم لنبيهم موسى عليه السلام فاستجابوا لأمر محمد صلى الله عليه وسلم وقاموا إلى داعي الجهاد وقالوا كلمات عظيمة جليلة ما زال التاريخ يحفظها في مقابل مقولة أولئك القوم لنبيهم قبحهم الله.
قال أحد الطلبة :
وإنما يقولون كما قال المقداد بن الأسود "إنا لا نقول كما قال قوم موسى ﴿ فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَا هُنَا قَاعِدُونَ ﴾ وإنما نقول اذهب انت وربك فقاتلا إنا معكم مقاتلون" .
لذلك فقد جاءت إشارة لهذا المعنى في أول السورة : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ[الصف:2] وأن الذي يقول ما لا يفعل يكون مصيره مصير موسى وقومه.
أجاب الشيخ :
أحسنت بارك الله فيك وهذا الذي نريد أن نصل إليه والآن سأبين لك أمر فيما يتعلق بسورة الصف واربطه بما تقدم من الكلام سورة الصف ما السبب في نزولها ما السبب في نزول سورة الصف؟ ذكر الترمذي رحمه الله في سننه وكذلك غيره أن سبب نزول سورة الصف أن عدد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وكان منهم عبد الله بن سلام رضي الله عنه جلسوا مجلساً في المدينة فقالوا: لِنسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أفضل العمل فلما اجتمعوا على هذا كأنهم يريدون الجهاد فذهبوا إليه صلوات ربي وسلامه عليه فسألوه فأنزل الله عز وجل الأمر بالجهاد أنزل فرضية الجهاد فلما علموا أن الذي فرض عليهم والذي سألوا عنه كان سبباً في وجوب الجهاد عليهم كأنهم شعروا بأنهم قد استعجلوا أمراً كان لهم فيه أناه فهم الآن يشعرون بأنهم لم يستعدوا استعداداً كاملاً للجهاد وسألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن أفضل العمل في هذا الحين فتنزل الأمر بالجهاد عليهم فشعروا من أنفسهم ضعفاً عن القيام بواجب الجهاد فكأنهم ترددوا في الأمر فأنزل الله عز وجل هذه الآية مباشرة على هؤلاء الصحابة الذين سألوا عن أفضل العمل فأجيبوا بالجهاد في مثل هذا الحين أن أفضل العمل في مثل هذه الأوقات هو الجهاد فتنزل عليهم الأمر بالجهاد فلما ترددوا وتلكؤوا بعد أن كان هم السبب في طلب أفضل العمل وفي سبب فرضية الجهاد على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم تنزلت عليهم هذه الآية: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ﴾ قبل السؤال وقبل الفرض كان الأمر فيه سعة لما سألتهم ونزل الفرض اختلف الأمر فليس لكم الآن أن تنكصوا وتتراجعوا قد فرض الجهاد فتنزل قول الله سبحانه وتعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾ . تطلبون الجهاد وتريدونه ثم لم فرض تتراجعون تتلكأون لا ليس لكم هذا ﴿ كَبُرَ مَقْتًا﴾ المقت هو شدة الغضب ﴿ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ[الصف: 3] . انظر كيف تغير الأمر كان في البدء سؤال عن أفضل الأعمال فنزل عليهم فرض الجهاد فلما تلكئوا تغير الأمر نزل وانتهى نزل الفرض من الله سبحانه وتعالى والإجابة فنزلت : ﴿ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾ أن تقولوا قولاً ثم لا تفعلون بموجب هذا القول وهذا الحديث قد حكم عليه الترمذي حسن صحيح وكذلك ممن صححه شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله والحديث صحيح إسناده صحيح ذكرت لك من حكم بالصحة عليه من أهل العلم إذاً هذا الكلام من مبدأه إلى نهايته في الجهاد وفي النكول عن الجهاد بعد فرضيته وهذا الذي حذر الله منه عز وجل قوم محمد صلى الله عليه وسلم ممن آمنوا به أن يقعوا في ما وقع فيه قوم موسى بعد أن آمنوا به عليه السلام واضح بين الآن كيف جاءت هذه القصة في هذا السياق في هذه السورة .
قال أحد الطلبة :
المثال الثالث :اختلف السلف رحمهم الله تعالى في المراد بقول الله تعالى : ﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ *الْجَوَارِ الْكُنَّسِ[التكوير: 15، 16]. في سورة التكوير:
- فمنهم من قال هي الكواكب والنجوم جاء ذلك عن علي وابن عباس رضي الله عنهما واختاره جماعة من السلف .
-ثانياً: قالوا المراد بالخنس والجواري الكنس البقر الوحشي والضباع التي تكون في الصحاري والبراري فإنها تخنس إذا رأت الانسان والخنوس هو الاختباء والاختفاء مع تأخر .
والكنس أي أنها تكنس وتعود أي أنها ترجع إلى أماكنها التي تسمى الكناسة
أجاب الشيخ :
والكناسة تطلق على المكان الذي يعود إليه من يختبيء فالكناسة مكان يخفى فيه الشيء يختبيء فيه الانسان يختبيء فيه الحيوان يخفى فيه أي أمر كان لحاجة من الحاجات
أكمل الطالب :
وتعود إلى أماكنها الكناسة هي المكان الذي يبيت فيه الحيوان ونحوه جاء ذلك عن جماعة من السلف مجاهد وإبراهيم النخعي .
ومن المرجحات التي ترجح القول الأول دلالة السياق فإن السورة من أولها جاءت بذكر الكواكب والنجوم والصبح والليل فكان أولى بالذكر بعد هذه الكواكب هو ما يناسبها من أحوال بقية الكواكب الأخرى لذلك كان أظهر في قوله سبحانه وتعالى: ﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ *الْجَوَارِ الْكُنَّسِ﴾ هي الكواكب التي تخنس وتختفي وتتأخر حيناً وتجري في حين آخر في وقت الليل ثم تكنس فتبيت قليلاً في مكان لا يعلمه إلا الله عز وجل ثم تعود إلى شريانها وخلوصها .
أجاب الشيخ :
أحسنت بارك الله فيك الآن لو تأملت في كلام المفسرين في قوله سبحانه وتعالى ﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ *الْجَوَارِ الْكُنَّسِ﴾ تجد أن هناك من يقول أن هذه الجواري وهذه الأشياء التي تخنس منهم من يقول أنها النجوم والكواكب ومنهم من يقول أنها البقار والضباع ونحو ذلك لأنها هذه كما أنها تخنس هذه الكواكب و نحوها والنجوم فكذلك هذه تخنس لأنها إذا اشتد عليها الحر واحتاجت إلى الراحة فإنها تدخل من مكانها التي هي فيه وتذهب إلى أماكن تناسبها فتبيت فيها فاختلف المفسرون في هذه الآية هل المراد الكواكب والنجوم أو المراد البقر الوحشي والضباع وما في معناها ما الذي يرجح هذا من ذاك؟
-يرجحه السياق .
ماذا يرجح السياق؟
-يرجح أن المعنى الأول هو الأظهر وهو أن المراد الكواكب والنجوم والدليل أن السورة في أولها ﴿ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ *[التكوير: 1، 2]. فالكلام كله عن الكواكب وعن النجوم وعن السماء ...وإذا جاء كلام بعد هذا يحتمل هذا أو ذاك فإن قرينة السياق تدل على أن المراد هي الكواكب والنجوم وما في معناها واضح الآن الترجيح بدلالة السياق.
قال أحد الطلبة :
المثال الرابع من سورة الماعون قال تعالى: ﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ[الماعون: 1، 2]. فدلالة السياق أن هذه الصفات ليست من صفات أهل الإيمان بل هي من صفات الكافرين المكذبين فلا يمكن أن مؤمناً كامل الإيمان وهو يدع اليتيم ولا يحض على طعام المسكين فدلالة السياق هي التي تظهر المعنى الكلي .
أجاب الشيخ :
أحسنت بارك الله فيك الآن تأمل في سورة الماعون وقد تكلمت إشارة في هذا السورة فيما تقدم والآن نريد أن نقف قليلا معها بشكل أوضح وأكمل.
الآن هذه السورة أولاً هل هي من آواخر ما نزل على محمد صلى الله عليه وسلم أو من أوائل ما نزل ؟ من أوائل ما نزل سورة مكية ونزلت في أوئل البعثة هذه السورة بما تأمر وعن ماذا تنهى ؟
السورة في أولها يقول الله سبحانه وتعالى فيها : ﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ *وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ﴾ عندما تريد أن تفسر هذه السورة تفسيراً فيه فهم جزئي للآيات فعندئذٍ ﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ﴾ أي أن هذا الذي يكذب بالدين ايضاً كذلك ﴿يَدُعُّ الْيَتِيمَ﴾ ﴿وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ﴾ ونحو ذلك لكن هذا الفهم لهذه السورة وهو الذي يقع في قلوب كثير من الناس وللأسف الشديد عندما يسمع هذه السورة لا يعرض في باله أن الله عز وجل قرن بين أمور عظيمة جليلة كبيرة الشأن جداً الآن.
لو تأملت الاقتران الذي جعله الله عز وجل بين هذه الآيات لهذه السورة لظهر لك معنى جلي معنى واضح لابد أن تقف عليه لابد أن تتأمله كثيراً خصوصاً وأن هذه السورة نزلت من أوائل ما نزل فمعناها أنك لابد أن تخاطب نفسك هل أنت قد فعلت بمضمون هذه السورة أو ان المسألة غائبة عنك أنت الآن في نفسك أنك مسلم وأنك ولله الحمد حافظت على أصول دينك وأنك فعلت كثيراً من الواجبات وتركت كثيراً من المنهيات هل هذا حق أو ليس بحق؟ هل هذا من جهة الواقع واقع نفسك أنت واقع هذه النفس هل هو كما تقول أنت الآن عن نفسك بأنك والله قد فعلت ما ينبغي وتركت ما لا ينبغي؟
تأمل هذه السورة وانظر في نفسك هذه السورة من أوائل ما نزل، فالرسول صلى الله عليه وسلم أُمِر بها وأَمَر بها من معه من أمته من أجل أن يلتفتوا في هذا الشأن هل طبقوه حقاً أم انهم قد أهملوه وإن كانوا أهملوا فلينظر الانسان في نفسه فقد أخل بشيء يجب عليه أن يأتي به من أوائل ما يجب في أوائل تربيته لنفسه وفي أوائل تزكيته لها وفي اوئل وقوفه مع هذه النفس في ترقيتها إلى الله عز وجل أما ان يؤخر هذا الأمر إلى سنوات قادمة فليس بصحيح أنت في الحقيقة قد تجاوزت هذه السورة فإن لم تفعل بمضمونها يجب عليك الآن أن تعود إلى الوراء لتعود إلى حد السورة وتقف معها قليلاً فما الذي يأمر به الله عز وجل في هذه السورة يقول: ﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ ﴾ ما صفته ﴿فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ ﴾ ذكرنا قبل أن هذه الفاء فاء الفصيحة معناه تفصح عن شيء محذوف والمحذوف هنا شرط مقدم معنى الكلام: أرأيت الذي يكذب بالدين فمن كان هذا حاله فإن صفته إنه يدع اليتيم ولا يحض على طعام المسكين ، إذاً قف قليلاً مع هذه الآيات ﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ﴾ اي أن من صفة الذي يكذب بالدين أنه يدع اليتيم وأيضاً ﴿وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ ﴾ سبحان الله مجرد عدم الحض معناه أن الانسان قد تلبس بصفة هي من صفات الذين يكذبون بيوم الدين فالذي يكذب بيوم الدين في حقيقته هو الذي يتصف بهذه الصفات أما من كان لا يكذب بيوم الدين وكان من المؤمنين بهذا اليوم فهو أبداً لا يكون ممن يدع اليتيم ولا يكون ممن لا يحض على طعام المسكين انظر النهي مجرد أنه فقط لا يحض فلو كان أيضاً يحسن إلى المسكين لكن لا يحض الناس هذا قد وقع في صفة منكرة من صفات الذي يكذب بالدين وكذلك ما بعدها من الآيات : ﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ * فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ ﴾أيضاً هذه من صفات الذين يكذبون بيوم الدين ﴿الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ﴾ إلى أن قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ [سورة الماعون] . يمنع الماعون يعني القلم الذي معك تمنع وأنت لا تحتاج إليه قد تقع في صفة من صفات الذين يكذبون بيوم الدين نقف عند هذا الحد ونكمل بإذن الله عز وجل في حلقات قادمة.
نسأل الله عز وجل أن يرزقني وإياكم علماً نافعاً وعملاً صالحاً وأن يجمعنا في مستقر رحمته وأن يجعلنا جميعاً من أهل جنته.
اللهم بمنك وكرمك وجودك اجمعنا في الفردوس الأعلى من الجنة يا ذا الجلال والإكرام وصلى الله عليه نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً .

التعديل الأخير تم بواسطة أم أسماء ; 10-01-09 الساعة 12:36 AM
أم أسماء غير متواجد حالياً  
قديم 22-12-08, 02:43 AM   #28
أم أسماء
جُهدٌ لا يُنسى
 
تاريخ التسجيل: 22-05-2007
المشاركات: 7,201
أم أسماء is on a distinguished road
افتراضي

تفريغ الدرس الثالث والعشرين :تابع الأمثلة على المرحلة الرابعة


بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وازدنا علماً وعملاً يا أكرم الأكرمين.
تكلمنا في الحلقة السابقة عما يتعلق بالمرحلة الرابعة وهي في دلالة السياق من السباق واللحاق وتأثيره في مفهوم الآية في دلالة الآية وفى فهم المعنى الكامل للآية الواحدة وهذا الأمر كما ذكرت سابقاً هو في غاية الأهمية وهذه الأهمية تأتي من وجوه كثيرة جداً يعني تأتي أولاً من تأثيرها في فهم هذه الآية وما تدل عليه أيضاً كذلك أهميتها تأتي من كثرة كلام أهل العلم في أثر دلالة السياق في فهم الآيات وهي من أوجه كثيرة وقد مر أمثلة على ذلك وبقي عندنا أيضا عدداً من الأمثلة سنأخذ فيها بإذن الله عزّ وجلّ فنكمل الآن المثال الخامس معنا أو المثال الرابع، المثال الرابع ثم المثال الخامس ثم إن كان هناك من أسئلة أو نقاش أو حوار لا بأس به بل إنه يزيد الموضوع إثراءً ويعطيه شيء من الفهم الذي قد يكون معه شيء من اللبس في السابق فنزيده وضوحاً وجلاءًا بإذن الله جلّ وعلا، نعم تفضل يا أخي اقرأ.
قرأ الطالب:
بسم الله الرحمن الرحيم المثال الرابع :من سورة الماعون قوله تعالى ﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ﴾[الماعون:1-3].
فدلالة السياق أن هذه الصفات ليست من صفات أهل الإيمان بل هي من صفات الكافرين المكذبين، فلا يمكن أن يكون مؤمناً كامل الإيمان وهو يدع اليتيم ولا يحض على طعام المسكين، فدلالة السياق هي التي تظهر المعني الكلي وكذلك أن منع الماعون ليس من صفات المؤمنين بل هو من صفات الكافرين فسورة الماعون تحث على الأخلاق والصفات التي يجب أن يتحلى بها المؤمنون؛ لأن الله جعل البراءة منها من صفات المؤمنين والذي يقع فيها فيه صفة من صفات الذي يكذب بيوم الدين وهذا المعنى المترابط لا تفهمه إلا بالربط بين معاني الآيات من أولها إلى آخرها.
أكمل الشيخ:
أحسنت بارك الله فيك، نعم هذا بالنسبة لدلالة السياق الذي أثر في فهم هذه السورة من أولها إلى أخرها وأنا أؤكد على فهم هذه السورة فهماً جلياً واضحاً لأنه أيها المبارك لا يمكن أبداً أن تُقبل منك دعوة ولا أن يُقبل منك أمر ولا أن يُقبل منك أيضا نهي لا في بيتك في داخل بيتك إن كنت متزوجاً مع زوجتك ومع أولادك ولا يمكن أيضاً كذلك أن يقبل منك أمر ونهيٌ ودعوة إلى خير حتى مع أصحابك بين جيرانك بين الناس في عملك في الشارع في أي مكان آخر لا تظن أن ما معك من الحق الذي تريد أن توصله إلى الناس كاف في قبول دعوتك للناس بسبب هذا الحق الذي بين يديك لا أيها المبارك لابد مع هذا الحق الذي معك لابد وأن يكون معك وسائل ولابد أن تتخذ طرق سليمة وهذه الطرق شُرعت في بعثة محمد صلى الله عليه وسلم أوائل ما بُعث شُرعت له أمور صلى الله عليه وسلم هذه الأمور تعين على قبول الدعوة، تعين على أن تسد الأفواه التي تريد أن تتكلم في هذه الداعية تعين على ألا يجد هذا المدعو في هذا الداعية نوع إخلال في حق من حقوقه نوع تقصير في شيء من أموره التي تخصه فيدخل منها الشيطان على أخيك فيجعل هذا الأمر سبباً في رد دعوتك، هذه المنافذ للشيطان جاءت هذه الشريعة المطهرة لسدها وبإغلاقها بل وبإحكام الإغلاق من كل وجه كيف يكون هذا ؟أمرتك هذه الشريعة بأن تتحلى بمكارم الأخلاق الكاملة في أوائل دعوتك للناس قبل أن تنطلق داعية إلى الله عزّ وجلّ أمرتك أن تتخذ الزاد الكامل من الأخلاق الوافية الكاملة الشاملة حتى تُقبل منك هذه الدعوة ومن ذلك ما جاء في هذه السورة ولك أن تتأمل أمور قصيرة جداً أمور يسيرة أمور يعني بعض الناس يسميها حقيرة ليست بشيء هذه السورة تنزل في أوائل ما نزل على محمد صلى الله عليه وسلم فتخاطبه بماذا؟ أرايت الذي يكذب بالدين ومحمد صلى الله عليه وسلم إنما جاء لإخراج الناس من تكذيبهم بيوم الدين لأجل أن يصدقوا بيوم الدين هذا هو الأمر الأهم الذي بعث من أجله صلوات ربي وسلامه عليه ثم بعد ذلك أرأيت الذي يكذب بيوم الدين في آخر الآيات ويمنعون الماعون، إيش الرابط بين هذا وذاك؟ ما الرابط بين التكذيب بالدين وبين منع الماعون، منع الماعون أن تمنع شيئاً فضلة: لا تحتاجه وليس لك فيه كبير حاجة الآن وكانوا في القديم يضربون مثلاً على ذلك بالقدر وبالفأس ونحو ذلك وفى هذا الزمن عندك حاجات كثيرة يحتاجها الناس جاءك جارك يطلب درايل مثلاً محتاج يحصد حاجة حتى إنه ما يكون موجود في كل البيوت طلب مثلاً حاجة من هذه الحاجات طلب آلة تنظيف طلب منك جهازاً من الأجهزة التي لا توجد عنده أو صاحب لك أو زميل أو إنسان في الشارع طلب منك قلماً وقال يا أخي أريد أن أكتب وأنت معك قلماً أو طلب منك ورقة وأنت معك ورق زائد فضلة لا تحتاج إليه وخذ ما شئت من الأمثلة، طلب منك جارك أيضاً كذلك أن تعيره شيئا لا تحتاج إليه ولا يتأثر باستعماله هو ومن ذلك مثلاًَ يطلب منك يقول والله أنا محتاج الآن وعندي ظرف طارئ وأريدك أن توصلني إلى المكان الفلاني بسيارتك أنا ما معي سيارة فمنعته أنت الماعون الذي هو سيارتك وأنت عندك وقت وعندك قدرة أن توصله وليس هناك ما يمنع فتمتنع من ذلك وأنت تعلم حاجته إلى هذا، هذا كله يا أخي المبارك من منع الماعون، هذا كله أيها المبارك من منع الماعون الذي لا يجوز، كذلك بين النساء بين النساء طلبت منها صحناً تحتاج إليه في تقديم طعام عندها للضيوف والجارة عندها أشياء طيبة وجيدة وجميلة فطلبتها منها فقالت لا بأس يعني أن تعطيها إياه ثم أعطته المرة الأولى فلما بعد مدة طلبته المرة الثانية قالت إيش إللي حاصل؟ المرة الأولى، الثانية، الثالثة فأغلقت الباب ومنعت الماعون هي ما تحتاج إليه والجارة لم يعهد منها لا تكسير ولا إضرار بهذا الماعون الذي بين يديها والذي رزقها الله عزّ وجلّ إياه فتمنعها من ذلك بدون سبب بدون يعني إضرار وقع من هذه الجارة عليها وخذ ما شئت من الأمثلة الكثيرة، يا أخي الماعون هذا هو الدائر بين الناس في أمورهم فيأتي الله عزّ وجلّ ليصف أن الذي يكذب بيوم الدين أن من أوصافه أنه يمنع الماعون، هذا كله تحذير من هذه الأوصاف التي لا ينبغي أبداً أن يتحلى بها إنسان كائناً من كان فضلا عن مسلم فضلا عن داعية.
فهذه ليست من أوصاف أهل الإيمان أبداً و إنما هي من أوصاف الذين يكذبون بيوم الدين.
فما تمنع شيء ليس عليك فيه ضرر، ولصاحبك فيه مصلحة أو لجارك فيه مصلحة أو لأخيك فيه مصلحة لا تمنع شيئاً من ذلك فإن هذه ليست من صفات المؤمنين، وإنما من صفات الذين يكذبون بيوم الدين لأن من يصدق بيوم الدين ويعلم إنه إن قدم هذا فإن هناك جزاء في يوم الدين فإذاً هو ينتظر الثواب الذي سيأتيه في اليوم الآخر في يوم الدين وقت الحساب فلذا لن يمنع بل يقدم وإنما يمنع من لم يكن ينتظر الثواب لأجل هذه الدنيا نعم صحيح، قد تعطيه قلمك فيستعمله يعني الحبر يقل قليلاً قد يتأثر شيئاً ما، لكنك إن حسبت أمر الآخرة فإنه إذًا الحسبة ظاهرة بينة أن الراجح الذي لا إشكال فيه أنك تقدم أنك تنتظر شيئاً عند الله عزّ وجلّ فيه إحسان أحسنت به إلى أحد من الناس سواء كان مسلماً أو كافراًَ سواء كان إنساناًَ أو حيواناً كل ذلك مما أمر الله عزّ وجلّ بالإحسان فيه بل حتى ولم يكن حيوان حتى بالنسبة للشجرة والحشرة ونحو ذلك، أنت مما أمرت أن تحسن حتى إلى هذه الأشياء فضلا عما هو أعلى منه فضلا عن أخيك المسلم فضلا أن يكون من أقرب الناس إليك ومن أهل رحمك وممن لهم حق عليك هذا أمر يختلف.
إذا فهذه السورة أيها المبارك عندما تتأمل فيها وتنظر تجد أن القضية ليست بالهينة أبداً أنها تأمرك أمراً واضحاً جلياً بما يتعلق بمكارم الأخلاق مع الناس جميعاً وهذا ذكرت لك سابقاً وأعيده الآن أنه لا يمكن أبداً أن تقبل دعوة من إنسان كائناً من كان حتى يتحلى بهذه الأخلاق الكريمة التي أمر الله عزّ وجلّ نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بها في أوائل دعوته وفى أوائل مبعثه وقد ذكرت لكم حديث مالك بن عوف الجشمي لما قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في مسند الإمام أحمد بإسناد صحيح قال يا رسول الله إلى ما تدعو؟ قال ( لا شيء إلا الله والرحم ) لا شيء ما عندي شيء أخر إلا الله والرحيم، وكذلك في حديث عمرو بن عبس السلمي في صحيح مسلم قال بأي شيء أرسلك الله؟ قال ( بصلة الأرحام وكسر الأوثان ) وفى حديث أبي ذر لما أرسل أخاه أُنيس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له إلى ما يدعو؟ قال: يدعو إلى عبادة الله وحده لا شريك له وبمكارم الأخلاق.
انظر إلى أمر عجيب جداً في التواصي بين هذه وتلك وهذا كله مأخوذ من هذه السورة لن نفهمه من قوله سبحانه وتعالى ﴿ فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ ﴾ ولا من قوله سبحانه وتعالى ﴿ وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ ﴾ ولا من قوله سبحانه وتعالى ﴿وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ ﴾ لا، إنما فهمناه من مجموع السورة من السياق الذي جاء فيه الأمر بهذه الأشياء في هذه السورة القصيرة لأن مبدأها كان بقوله سبحانه وتعالى ﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ﴾ واضح الكلام ؟ أكمل قراءة.
قرأ الطالب:
المثال الخامس :قوله تعالى في آخر آية الديّن ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ﴾[البقرة:282].
أكمل الشيخ:
نعم الآية طويلة في سورة البقرة آية الدين معروفة في آخرها ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ﴾ هذا الأمر أنا أريد أن أسألكم قبل أن تقرأ يا أخي الفاضل الآن ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ﴾ هل تسمعون مني أستدل بهذه الآية على أن تقوى الله شرط في طلب العلم أليس كذلك؟ لأن الله عزّ وجلّ يقول ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ﴾ فيقول لك بأن تقوى الله شرط في تحصيل العلم؛ لأن الله عزّ وجلّ قال ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ﴾ وهذا الكلام إن نظرت إليه على وجه الدقة هذا الكلام ليس بصحيح أبداً من جهة كونها شرط؛ لأن الآية هنا لم تدل على الشرطية أبداً ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ﴾ أين الشرط ؟ الواو هذه لا تدل على الشرطية مطلقاً وإنما أن تكون عاطفة أو غير ذلك هذا بحسب السياق ولكنها ليس هناك شيء في لغة العرب يدل على الشرطية وهو يتعلق بالواو، الواو لا تكون دالة على الشرط في أي حال من أحوالها مطلقاًَ بمعني بأسلوب آخر ليس هناك واو شرطية في لغة العرب واضح ليس هناك واو شرطية في لغة العرب مطلقاً فمن أين أخذنا هذه الفائدة أن التقوى لابد منها لتحصيل العلم؟ إذا كان ليس هناك شرط ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ﴾ وليست هذه الواو شرطية فمن أين أخذنا هذه الفائدة ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ﴾ كيف أخذناها؟ طالب العلم عندما يتكلم عن هذه المسائل لابد أن يتكلم بعلم لا يرمِي الكلام هكذا يستدل بآية ولا يدرى من أين جاءت الدلالة فيها فإن ظن أن هناك شرط فليس فيه شرطاً أبداً وكما قال شيخ الإسلام بن تيميه رحمه الله في هذه الآية قال: لا معني للشرط هنا أبداً في تفسيره لهذه الآية قال لا معني للشرط هنا أبداً ليس هناك ما يدل على الشرطية مطلقاً، إذاً من أين جاءت الدلالة أو الاشتراط أو يعني أنه لابد من التقوى حتى تحصل العلم من أين أخذنا هذا؟ لعلنا نسمع، أقرأ.
قرأ الطالب:
الرابط بين هاتين الجملتين هي الواو والواو في لغة العرب لا تأتي للشرط أبداً وكثير من الناس يستنبط أن تقوى الله شرط في التعليم وليس في الآية ما يدل على ذلك أبداً ولكن هناك في لغة العرب ما يسمى بدلالة الاقتران والالتزام وهي من أنواع دلالة السياق فهذه الواو دلت على وجود اقتران والتزام.
أكمل الشيخ:
بين ماذا وماذا على وجود اقتران والتزام بين ماذا وماذا؟ بين التقوى والعلم هناك دلالة إيش دلالة؟ دلالة الاقتران والالتزام ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ﴾ هذه الواو هي وإن كانت عاطفة لكن هذا العطف ليس عطفاً مجرداً وإنما عطف قرن بين تقوى الله وبين العلم فدل هذا السياق بهذا الاقتران على أنه لمن أراد أن يطلب العلم لابد له من تقوى الله سبحانه وتعالى هذه الدلالة وكثير من النحاة بل كثير من البلاغيين ينكرون هذه الدلالة لا يقولون بها وإنما يقول بها جماعة من المحققين وممن يعني ذكر هذا المعنى في هذه الآية شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله وهو من أئمة هذا الفن،.
أكمل القراءة لآخر المثال ثم نوضح الأمر أكثر وأكثر بإذن الله تعالى.
قرأ الطالب:
فآية الدين اشتملت على مسائل يجب على الإنسان تعلمها وخُتمت الآية بقوله تعالى ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ﴾ فدلت الآية على أن هذا العلم يحتاج إلى تقوى فهذه الواو لا تدل على ذلك بل التي دلت على معنى الشرط هي دلالة السياق.
أكمل الشيخ:
نعم واضح الآن، الآن لما تتأمل آية الدين آية الدين تتكلم عن ماذا؟ عن المعاملات، عن كتابة الدين وعن المرأة إذا شهدت، وكذلك إذا احتيج إلى كتابة، الآية كلها تتكلم عن ماذا ؟عن أحكام المعاملات التي فيها توثيق للعقود التي تحصل بين الناس، هناك عقود بين الناس نزلت هذه الآية لبيان ما يتعلق بهذه العقود ومتى تلزم الكتابة ومتى لا تلزم الكتابة فالآية كلها تتكلم عن أحكام دقيقة جداً تتعلق بمعاملات تدور بين الناس وأنتم تعلمون أن المعاملات التي تدور بين الناس خصوصاً في المعاملات المالية التي فيها دين وفيها يعني قرض وانتفاع وهبة ونحو ذلك هذه المسائل غالباً ما يكون فيها ماذا؟ يكون فيها إيش؟ يكون فيها إشكال بين الناس، أليس؟ كذلك تجد أن أكثر خلاف الناس الآن يتعلق بالأمور إيش المالية وتجد أن بعضهم مثلا أدان فلان فلم يكتب عليه فأنكر الآخر وهكذا تجد أن أكثر مشاكل الناس في هذا الزمن بل من أزمان إنما هي مشاكل مالية تتعلق بعدم الكتابة أو هناك كتابة ضاعت أو أن هناك إرث ولكن هذا الإرث لم يسجل بالكامل ولم يحصر الورثة ونحو ذلك فهي مشاكل تتعلق بمعاملات الناس هذه المشاكل التي تتعلق بمعاملات الناس تحتاج أنت حتى تدرك أحكامها بشكل واضح جلي لأن المشكلة فيها ليست في إدراك الأحكام الكلية لا ليس في أن تدرس كتاب مثلا كتاب البيوع أو كتاب القضاء أو كتاب الحدود والقصاص في كتب الفقه تدرس هذه الكتب في الفقه ثم بعد ذلك تكون عالماً جليلا قادراً على الحكم بين الناس والفصل بين الخلق، لا. هذا لا يكفى أنت تدرس في كتب الفقه أصول هذه المسائل لكن إذا دخلت للفصل بين الناس عندئذ تحتاج إلى أشياء كثيرة جداً تحتاج إلى فهم واقعة المتخاصمين قبل أن تأخذ هذه الواقعة ثم تعرضها على الكتاب والسنة وعلى أقوال أهل العلم، فتحتاج أولاً أن تفهم هذه الواقعة وأن تفهم صورتها وتحتاج إلى أشياء كثيرة جداً حتى تستطيع أن تحكم بين الناس وأن تقضي بين هذا وذاك وأن تصلح بين الناس في خصوماتهم وأن تحكم للمظلوم وتأخذ بحقه من الظالم وكذلك بالنسبة للمعتدي والمعتدى عليه وأشياء كثيرة جداً تقع بين الناس، هذه الأمور يا أخي المبارك ليست بالهينة وليست بالقليلة تحتاج منك إلى ممارسة للعلم وممارسة لأحوال الناس علم بأحوال الناس أيضاً كذلك وعلم بالأحكام الشرعية وعلم بتنزيل هذه الأحكام على أحوال الناس على واقعهم هذه الأمور أيها المبارك هي أمور ليست بالهينة أمور عظيمة جداً وحتى تتعلمها تعلماً يعني كاملاً أو شبه كامل وحتى تكون من أهل العلم فيها اللذين يدان لهم بأن يحكموا على الناس في هذه المسائل ويؤهل أن يكون قوياً للفصل بين الخلائق في هذا الباب لابد وأن يكون ماذا؟ معه علم يصحبه تقوى، فربط الله عزّ وجلّ بين التقوى هنا التي تكون سبباً في تحصيل العلم الذي تعرف به هذه المسائل العظيمة من أولها إلى آخرها ولذا قال ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ﴾ العلم النافع في مثل هذه المواطن التي هي موطن مهلك لكثير من الناس.
أيها الأحبة فاصل قصير ثم نعود للكلام عن هذه المرحلة بإذن الله .

- فاصــــــــــــــــــل تلفزيونـــــــــــــــــــــي-

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين حياكم الله أيها الأحبة في مجلس من مجالس الجنة.
كنا تكلمنا عما يتعلق بقوله سبحانه وتعالى ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ﴾ وذكرنا كلام شيخ الإسلام بن تيميه رحمه الله في الإشارة إلى أن دلالة الاشتراك بين العلم والتقوى في هذه الآية لم تأتِ من مجرد الحرف العطف فإن الواو العاطفة هنا ليس فيها شرط مطلق ليس فيها شرط مطلق وإنما هذه الدلالة التي أخذها أهل العلم من أنه لابد من أجل العلم النافع أن يكون هناك تقوى أخذوها من دلالة السياق لأن هذه الواو لما قرنت بينهما جمعت بين التقوى والعلم في سياق واحد فعلم أنه لزوماً من أجل العلم أن يكون هناك تقوى والمقصود بالعلم هنا هو العلم إيش ؟ النافع، المقصود بالعلم هنا هو العلم النافع، نعم هو العلم النافع هو الذي لابد من أجل تحصيله أن يكون هناك تقوى، تقوى لله سبحانه وتعالى.
ننتقل بعد ذلك إلى مسألة مهمة جداً فيما يتعلق بالسياق وهي أنك تقرأ في كتاب الله عزّ وجلّ قصص كثيرة، الكتاب هذا الكتاب العظيم القرآن فيه قصص كثيرة هذه القصص في كتاب الله عزّ وجلّ عندما تتأمل في سياقها تجد عجبا نعم تجد عجبا لما؟ لأن هذه القصص عندما تذكر لا تجد أنها تذكر بحسب واقعها التاريخي، يعني كيف وقعت في بداية الأمر قصة كذا وكذا ثم في نهاية الأمر انتهت على كذا وكذا هذا لا تجده في كتاب الله عزّ وجلّ إلا قليلاً نعم هو موجود لكنه قليل، وتعجب من هذا الأمر تأمل القصص في كتاب الله من هذه القصص التي ذُكرت ترتيباً قصة يوسف عليه السلام، لكن بالنسبة لكثير من القصص الواردة في كتاب الله لم تأتي على هذا النحو وإنما تنظر إليها تنظر إلى القصة بحسب تسلسلها من جهة الزمن فتجد أن الله سبحانه وتعالى ذكر القصة على وجه لم تترتب معه ترتيباً زمنياً واضحاً محدداً بل إنه يذكر لك أوسط القصة في أول الآيات ثم يذكر لك حيناً يذكر لك ما وقع في أول القصة من جهة الزمن يذكره في آخر القصة، أضرب لكم مثلا على هذا أنتم تتذكرون على هذا في كتاب الله عزّ وجلّ في جزء عمّ وقع هذا أيضاً عندما تتأمل في سورة عبس تأمل في سورة عبس كيف ذكرها الله عزّ وجلّ في مبدئها ماذا ؟ ﴿عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى[عبس:1-3] هل هذه القصة من جهة الترتيب الزمني وقعت على هذا النحو؟ هل أول ما فُعل في هذه القصة وأول حدث وقع في هذه القصة هو أنه صلوات ربي وسلامه عليه عبس في وجه هذا الأعمى؟ لا، وإنما قبل ذلك ماذا؟ جاء الأعمى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم دخل عليه وقال: علمني مما علمك الله، كما هو معلوم في أسباب النزول وقد ذكرها الترمذي رحمه الله في الجامع وذكرها غيره فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: علمني مما علمك الله، فأعرض عنه صلوات ربي وسلامه عليه وكان منشغلاً بصناديد قريش يعلمهم، ثم جاء مرة ثانية فألح على النبي صلى الله عليه وسلم علمني مما علمك الله فأعرض عنه ثم جاء ثالثة علمني مما علمك الله فزجره النبي صلى الله عليه وسلم قليلاً، نهره قليلاً صلوات ربي وسلامه عليه عندئذ انظر في هذه السورة هل نزلت على هذا النحو هل قيل جاء الأعمى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فطلب أن يعلمه ثم كذا وكذا إلى آخر السورة هل جاء على هذا النحو؟ لا، لم يأتي هكذا لما ما السبب ما السر؟ لم بدأ الرب سبحانه وتعالى في هذه السورة بهذه الآية ﴿عَبَسَ وَتَوَلَّى ﴾ فكأنه بدأ من إيش ؟ من منتصف السورة أليس كذلك؟ لم يبدأ من أولها وإنما بدأ من منتصفها هذا العبوس الذي وقع منه صلوات ربي وسلامه عليه وقع في منتصف القصة فأخذ الله عزّ وجلّ هذه الواقعة هذه الحادثة ذكرها في أول السورة في مبدأ ذكر القصة ما السر في ذلك وما سببه؟ هذا من دلالة السياق .
الآن أنا لو سألتك هذه السورة التي تنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم المسماة بسورة عبس ما الحكمة من تنزلها عليه صلوات ربي عليه وسلامه؟هل هي ذكر هذه الحادثة هذه الواقعة أن تحفظ تاريخياً هل هذا هو المراد؟ لا، ليس هذا هو المراد، أبداً إذاً فعندما نتأمل قوله سبحانه وتعالى ﴿عَبَسَ وَتَوَلَّى ﴾ تأمل هذا جيداً عبس وتولى في مبدأ القصة لم ؟ لأن هذه السورة حين تنزلت على محمد صلى الله عليه وسلم لم تتنزل من أجل أن تحكي لنا حكاية وتروي لنا قصة أبداً لم يكن هذا مطلقاً وإنما تنزلت لتبين أمراً عظيماً جليلاً مأخوذًا ومستفادًا من هذه القصة أن الداعية إذا أقبل إليه من أراد أن يتعلم دين الله عزّ وجلّ شريفاً كان أو وضيعاً أميراً كان أو مأموراً وزيراًَ كان أم صغيراً أيا كان حاله غنياً أم فقيراً امرأة كانت أم رجلا كبيراً كان أم صغيراً أياً كان حاله من أقبل على دعوة الله عزّ وجلّ فإنه الأولى بأن يعلم كائناً من كان غيره لأنه إذا أقبل فحقه عليك أيها الداعية أن تقبل عليه ولا أن تنشغل بغيره فإذا انشغلت بغيره مهما كان هذا الغير فإنك قد خالفت المنهج الذي ارتضاه الله عزّ وجلّ وأمر به محمد صلى الله عليه وسلم بل وعاتب محمد صلى الله عليه وسلم على حادثة وقعت في هذا الأمر وفى هذا الشأن. واضح الكلام؟
المقصود هو التنبيه هو التربية هو التأديب هو التهذيب هو التزكية المأخوذة من هذه القصة، فالذي حدث هو العبوس وهو موطن القصة وهو المراد فذكر في أولها واضح ؟
تأمل هذا في مثال آخر وستراه جلياً بإذن الله عزّ وجلّ نعم لعلك تقرأ.
قرأ الطالب:
التقديم والتأخير في السياق له حكمة مثال قصة موسى عندما أمر قومه أن يذبحوا بقرة فجاءت هذه في أول السورة ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً﴾[البقرة:67] وكان المتبادر أن يأتي بأول القصة الواردة في قوله تعالى ﴿وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا ﴾[البقرة:72] والسر في ذلك والله أعلم.
أكمل الشيخ:
قف هنا.
أكمل الشيخ:
الآن تأمل معي قصة موسى عليه السلام مع قومه التي قصه الله عزّ وجلّ في سورة البقرة يقول الله عزّ وجلّ ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً﴾ على لسان موسى عليه السلام يتوجه لقومه يقول لهم ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً ﴾ هذه أول القصة لو تأملت القصة التي جاءت في هذا الموطن من كتاب الله سبحانه وتعالى ثم اقرأ أكمل القراءة في سورة البقرة ستجد أن الله قال بعد ذلك في حكاية ما جرى لهؤلاء القوم قال ﴿ وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا ﴾ أليس هذا هو أول ما وقع في هذه الحادثة؟ أول ما وقع من هؤلاء القوم أن واحداً منهم قتل آخر واحداً من بني إسرائيل قتل رجلاً آخر فاختلفوا في هذا المقتول من الذي قتله وأرادوا أن يترافعوا إلى موسى عليه السلام في شأن هذا القتيل.
إذًا فقوله سبحانه وتعالى ﴿ وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا ﴾ هل هذا من أول ما وقع من جهة الزمن في هذه الواقعة هل هو كذلك ؟ هو كذلك بلى، وإذ قتلتم نفساً هو كذلك وقع في أول القصة زمناً لكن هو من جهة ترتيبه في القرآن هل هو أول ما ذكر في كتاب الله عزّ وجلّ حينما ذكرت هذه القصة؟ لا، وإنما ذكر في آخرها في آخرها تماماً تأمل أن الله عزّ وجلّ قد ذكرها في الآخر تماماً فلم سبحانه وتعالى أخر ذكر أول القصة لآخرها آول القصة زمناً لآخر القصة ذكراً في القرآن وقدم ما وقع في وسط القصة زمناً قدمه فذكره في أول القرآن حين ذكر هذه القصة؟ ما السر في ذلك هل أشكل عليك قبل ذلك أصلاً وأنت تقرأ سورة البقرة؟ هل تأملت لما التقديم والتأخير في هذه القصة؟ أنا أريدك بعد ذلك أن تنتبه لهذا فإن كثير من قصص القرآن حصل فيها هذا فإذا كنت لم تنتبه قبل فانتبه الآن ومن الملام مما يلام عليه طالب العلم في هذا ألا ينتبه لأنك لست كأحد الناس مع كتاب الله أنت طالب علم لكتاب الله سبحانه وتعالى فلابد أن تنتبه ألا يمر عليك الأمر هكذا مروراًَ سريعاً وإنما تتفقه في كتاب تتفهم تتدبر شيئاً ما.
فانظر إلى سر ذكر القصة على هذا النحو وعدم ترتيبها على جهة الزمن كما هو المعتاد في ذكر القصص أياً كانت.
قرأ الطالب:
والسر في ذلك والله أعلم أن المقصود من ذكر هذه القصة هو ذكر إعراض اليهود قبحهم الله عن تنفيذ أوامر الله عزّ وجلّ وليس المقصود من إيرادها ذكر حادثة القتل ﴿ وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا ﴾ وهذا تلحظه بيناً في قصة أصحاب الكهف وفى سورة الأنفال في موقعة بدر.
أكمل الشيخ:
أحسنت يا بارك الله فيك، الآن الكلام الذي سمعت هو في بيان السر في هذا الموطن تأمل أنت معي هذه القصة، هذه القصة سيقت من أجل ماذا؟ من أجل ماذا سيقت؟ من أجل بيان إيش ؟ شدة إعراض اليهود عن أمر الله عزّ وجلّ فكان المناسب إذا كان هذا هو المقصود وليس المقصود هو ذكر القصة وذكر الحكايات وإنما المقصود أخذ العبرة منها ولذا ما كان موطناً لأخذ العبرة يذكر في أوائل الكلام في أوائل القصة حتى ما تشغلك القصة عن المقصود لو ذُكرت القصة هكذا بترتيبها الزمني قد تنشغل عن المقصود بالحادثة وما جرت عليه وكيف فعل موسى معهم وكيف فعلوا هم، وهل هذا الرجل الذي ضرب بجزء من البقرة التي ذبحوها بالفعل رجعت له الحياة ثم ماذا قال ومن اتهم قد تنشغل بهذا وهذا ليس هو المقصود بل المقصود هنا أن تنتبه للحكمة والغاية والهدف الذي من أجله سيقت هذه القصة ما هو؟ هو بيان شدة إعراض هؤلاء اليهود عن أمر الله سبحانه وتعالى ولذا جاء الكلام في أولها في مبدئها في قول موسى عليه السلام ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً ﴾ قالوا ماذا ؟ ﴿ أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً ﴾ قبحهم الله من الذي يأمر الآن مهرج من المهرجين إنسان من عامة الناس إنسان لا يعقل لا يفهم لا يدرك؟ صبي من الصبيان ؟
يأمرهم موسى عليه السلام نبي الله يأمرهم فيقول إن الله يعني ما يقول تقول على الله أنتم تؤمنون أنه نبي فهل من الممكن أن يأتي نبي فيتقول على الله عزّ وجلّ ويمزح معكم في موطن كهذا يسخر معكم في قضية من هذه القضايا فيقول إن الله كذا فتقول أتتخذنا هزوا تمزح معنا تلعب تهزأ بنا، لا حول ولا قوة إلا بالله لذا جاء الكلام في أولها في بيان حال هؤلاء اليهود مع موسى عليه السلام و بيان حال شدة إعراض هؤلاء اليهود وشدة قسوة قلوبهم في تقبلهم لأوامر الله سبحانه وتعالى إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة القصة معروفة عندكم والله عزّ وجلّ يأمركم أن تذبحوا بقرة لتزيلوا هذا الإشكال ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾ ولو فعله صلى الله عليه وسلم لكان بالفعل من الجاهلين يحكي عن الله عزّ وجلّ أمراً وأنتم تظنونه سخرية وضحك ولعب ﴿ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾ فبين الله عزّ وجلّ مبدأً قدم ما يتعلق ببيان شدة إعراض هؤلاء اليهود عن أوامر ربهم سبحانه وتعالى وعن قسوة قلوبهم وعن قبح تصرفهم وعن قبح كلامهم وتعبيرهم في حديثهم عن ربهم جلّ وعلا ولذا قالوا في الآيات الأخرى يد الله إيش؟ مغلولة، انظر كيف التعبير تعبير سيئ قبيح فأراد الله سبحانه وتعالى أن يبين لنا حال هؤلاء اليهود وهذا هو المقصود هنا ولذا سورة البقرة لو تأملت سورة البقرة جاءت لتبين لأهل الإسلام كيف يتعاملون مع هؤلاء اليهود.
من معاني سورة البقرة –جاءت لعدة معاني- أنها جاءت لتبين لنا الطريقة التي نتعامل بها مع اليهود، وبالنسبة لسورة آل عمران جاءت لبيان حال أهل الكتاب من النصارى وكيف نتعامل معهم وما حالهم وما شأنهم وكيف يكون أمرهم مع أهل الإسلام ثم جاءت بعد ذلك سورة النساء لتبين هذا كله مع أهل الكفر مع أهل الكتاب من اليهود مع أهل الكتاب من النصارى فهذه السور العظام الثلاث سورة البقرة آل عمران النساء من مقاصدها العظام ومما تنزلت من أجلها وكانت هذه الأمور من لب ما جاءت في هذه السور هو الكلام عن كيفية تعامل أهل الإسلام مع اليهود بدءاً ثم مع النصارى ثم مع عموم الكفار، واضح هذا في هذه القصة؟
انظر أيضاًَ كذلك فيما يتعلق بقصة أصحاب الكهف ستجد هذا بينا فيما يتعلق بسورة الأنفال في قصة موقعة بدر وما جرى فيها تجد هذا بينا ﴿ يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ﴾[لأنفال:1] فبدءاً كان الكلام هل هو عن قصة بدر وما جرى وكيف خرجوا وكيف وقع القتال وكيف وكيف؟ لا وإنما جاء الكلام في سورة الأنفال عن موقعة بدر كل ذلك جاء تبعاً لأي شيء؟ للكلام عن الأنفال لأن هذا هو المقصود من تنزل السورة بدءاً الكلام عن الأنفال وما حكم الله عزّ وجلّ فيه وكيف يكون حال الناس فيه ولأن بعض الصحابة تكلموا في هذه المسألة يريدون الغنائم كما كانت توزع عليهم الغنائم وكما كانوا يريدون أن توزع الغنائم فطلبوا أمراً ليس لهم فأنزل الله عزّ وجلّ ﴿ يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ ﴾ [لأنفال:1] فجاء الكلام في يسألونك عن الأنفال لأنها هي المقصود الأعظم من تنزل هذه السورة العظيمة في الكلام عن ما يتعلق بحقوق الخلق وبحق الرب سبحانه وتعالى وفى تقسيم الرب سبحانه وتعالى للحقوق بين الخلائق ثم جاء بعد ذلك مايتعلق بموقعة بدر وهذا الذي ينبغي أن تنتبه له فيما يتعلق بالنظر في قصص القرآن.
سأل أحد الطلبة :
يا شيخ ذكرتم يعني يلزم في السياق أن يكون مشتملاً على رابط، يعني كيف يكون الرابط ؟
أجاب الشيخ:
الرابط يعني السياق هو الرابط بنفسه تارة يكون الرابط ظاهراً واضحاً يعني ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ﴾ الرابط هنا ما هو ؟
أجاب أحد الطلبة :
نحن نسأل عن الرابط.
أكمل الشيخ:
هل هناك أحد منكم ممكن أن يخبرنا عن الرابط هنا ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ﴾ أنا سمعت كلمة، من قال العطف؟ ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ﴾ الرابط هنا هو ماذا؟
أجاب أحد الطلبة :
الواو .
أكمل الشيخ:
هو الواو بين الجملة الأولى والجملة الثانية ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾ جملة ﴿وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ﴾ جملة ثانية، جاءت هذه الواو للربط بين الجملتين لما نظرنا إلى هاتين الجملتين بهذا الرابط بهذا السياق بالسياق الذي سبق في الكلام عن مسائل الدين والكتابة ونحوها عندئذ أخذنا هذا المعني فهذا هو الرابط، الرابط تارة يكون ملحوظاً مذكوراً وتارة يكون خفياً يدل عليه السياق. واضح، لكن لابد من الرابط يعني في قصة موسى في سورة الصف ﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ ﴾[الصف:5] الرابط ما هو هنا؟ المذكور الظاهر الصريح؟
أجاب أحد الطلبة :
الواو أيضاً .
أكمل الشيخ:
أيضا الواو﴿ وَإِذْ قَتَلْتُمْ ﴾ يعني الآن لو كان الكلام منقطعاً مبتورًا على ما قبله لجاء الكلام هكذا إذ قتلتم نفساً، إذا قال موسى لقومه بدون الواو فجاء هذه الواو لتعطف على ما تقدم لتدل على أن هناك ترابط بين هذا وذاك نقف عند هذا الحد نريد أن نأخذ دقيقتان فقط فسريعاً أريد أسئلة.
أم أسماء غير متواجد حالياً  
قديم 22-12-08, 02:44 AM   #29
أم أسماء
جُهدٌ لا يُنسى
 
تاريخ التسجيل: 22-05-2007
المشاركات: 7,201
أم أسماء is on a distinguished road
افتراضي

سأل أحد الطلبة :
لم كانت ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ﴾ ولم تكن فيعلمكم الله بدل من ويعلمكم الله؟
أجاب الشيخ:
لم هنا يحتاج الأمر إلى شيء من الإيضاح في الفرق بين الواو والفاء للدلالة هنا جاءت من خلال العطف لم تأتي من خلال الفاء التي تارة قد تكون للشرط ليس المراد بالشرط هنا لم هذا؟ لأن هناك ليس شرط، وإنما هناك دلالة اقتران والتزام بين هذا وذاك، لعلى أقتصر على هذا البيان حتى ما يأخذ علينا الجواب أكثر من هذا الأمر قد يحتاج إلى شيء من التفصيل فإن كان هناك أسئلة أخرى؟
سأل أحد الطلبة :
أثابكم الله فضيلة الشيخ ذكرتم أن عدم الربط بين الكلام فيه إخلال بل لا يكون في كلام الله عزّ وجلّ فهناك آية مثلاً في سورة الرحمن أو آيات يعني لها سباق ولها لحاق وهي قول الله عزّ وجلّ ﴿ يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ﴾[الرحمن:33] ذكر بعض المعاصرين ممن يفسر القرآن بما يسمى بالإعجاز العلمي أن هذه الآية هي في الصعود إلى القمر والصعود إلى ما وراء ذلك والآية معلوم أن ما قبلها تتكلم عن يوم الحساب ﴿سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلانِ﴾[الرحمن:31] وما بعدها أيضاً يتكلم عن يوم القيامة ﴿ يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ﴾[الرحمن:41] فما موقفنا من هذا التفسير .
أجاب الشيخ:
كلام جيد ولكن يظهر أن السؤال يحتاج إلى شيء من التطويل والتفصيل في الإجابة والوقت قد أزف لم يبقَ معنا عدد من الثواني قليلة ولذا أستسمحكم عذراً أن نؤجل هذه الأسئلة إلى الحلقة القادمة بإذن الله وسنجعلها في الأسئلة حتى ننتهي من الإجابة عن جميع الإشكالات قبل ننتقل إلى المرحلة التي تليها.
أسأل الله عزّ وجلّ أن يرزقنا وإياكم علماً نافعاً وعملاً صالحاً .
اللهم نور قلوبنا بكتابك اللهم نور قلوبنا بكتابك يا ذا الجلال والإكرام
اللهم اجعله قائدنا وهادينا إلى صراطك صراط الحق يا رب العالمين. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أم أسماء غير متواجد حالياً  
قديم 24-12-08, 03:00 AM   #30
أم أسماء
جُهدٌ لا يُنسى
 
تاريخ التسجيل: 22-05-2007
المشاركات: 7,201
أم أسماء is on a distinguished road
افتراضي

تفريغ الدرس الرابع والعشرين :
موضوع السورة



بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
حياكم الله أيها الأخوة في روضة من رياض الجنة أسال الله عزّ وجلّ أن يجعلها مباركة عليّ وعليكم وعلى جميع الأخوة المستمعين.
كنا فيما سبق تكلمنا عن المرحلة الرابعة وأخذنا في الحديث عن دلالة السياق والتي تتعلق بالسباق واللحاق، ووقفنا على بعض الأسئلة لبعض الأخوة، تفضل .
سأل أحد الطلبة :
أحسن الله إليكم فضيلة الشيخ، ذكرتم في المرحلة السابقة أن عدم الربط بين الكلام فيه إخلال بالمعنى بل لا يكون في كلام الله عزّ وجلّ فنجد مثلاً آية في سورة الرحمن فسرها بعض المعاصرين ممن يفسر بالتفسير العلمي أو الإعجاز العلمي، يعني سلك في ذلك مسلكاً غريباً وعدم مضيه على نمط السلف فالآية قلبها سباق وبعدها لحاق وسياق الآية كله في يوم القيامة ويوم الحساب والجزاء فالآية التي هي ﴿ يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا [الرحمن:33] فسر هذه الآية بأنه الصعود للقمر مع أن الآية ما قبلها يتكلم عن يوم الحساب ﴿سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلانِ﴾ وما بعدها أيضا عن يوم الجزاء،﴿ فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ [الرحمن:39].﴿ يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ [الرحمن:41] فما موقفنا من هذا التفسير.
أكمل الشيخ :
نعم أحسنت بارك الله فيك، يعني بالنسبة لمثل هذه الآية وعند النظر في سباقها وفى لحاقها يُعلم يقيناً بدءاً أن الآية تنزلت حين تنزلت لبيان هذا الغرض وهو ما يتعلق باليوم الآخر ولكن هذا المعني لازم أن يكون خاصاً فيما جاء فيه السياق يعني قد يستنبط من السياق دلالة أو قد يستنبط من الآية نفسها دلالة قد لا يكون السياق يدل عليها مباشرة مبدءاً، ولكن لا مانع عند توسيع النظر في الآية أن يكون هناك نوع استنباط من الآية نوع فهم لها فهما يكون فيه شيئاً من السعة لدلالة الآية فعندئذ أصل الآية تكون في الكلام عن اليوم الأخر وفى بيان ما يجرى في ذلك اليوم وأن الإنسان في حاله وفى قوته هذه إنما هو ضعيف لا يستطيع شيئاً إلا بسلطان من الله سبحانه وتعالى والتحدي هنا جاء فيما يتعلق بأن ينفذ هذا الإنسان الضعيف في ملكوت الله سبحانه وتعالى بقوته وحوله فأصل الكلام جاء فيما يتعلق باليوم الآخر وقوة هذا الإنسان في ذلك اليوم العظيم ولكن لا بأس أن يكون هناك استنباط لدلالة يدل عليها ألفاظ الآية تدل عليها الكلمات التي وردت في الآية يدل عليه سياق الآية بنفسها وإن خارجاً عن السياق العام للآيات يكون استنباطاً زائداً خارجاً ويعني ممكن أن يسمى بأنه استنباط يعني من عموم كلمات الآية فعموم كلمات الآية وإن كان السياق لا يدل على هذا المعني بنفسه إلا أن عموم هذه الألفاظ للكلمات هي تدل أيضاً على أن التحدي هذا إذا كان في اليوم الآخر فهو أيضاً ثابت في الحياة الدنيا فهو في مبدئه وفى أصله متوجه إلى التحدي في ذلك الموقف العظيم لأن السياق دل عليه ولكن أيضاً كذلك هذا التحدي أيضاً ثابت في الحياة الدنيا ولن يستطيع أحد أن ينفذ في أقطار السماوات والأرض إلا بسلطان من الله سبحانه وتعالى.
أما الكلام عن الوصول إلى القمر ونحو ذلك فهذا لا ينبغي أبداً في تفسير كلام الله سبحانه وتعالى، لأن أصلاً أقول هذه النظرية في أن الإنسان وصل إلى القمر ونحو ذلك يعني كثير من أهل العقل ينكرها ويقول إنه الإنسان لم يصل حقيقة إلى سطح القمر وأن هذا الذي يجرى إنما هو عبارة عن خدع إنما هي كما يقال سينما ليس هناك شيء حقيقي في الوصول إلى الأرض وأن هذه الإثباتات التي يؤتى بها مدخولة وأن هناك دلائل علمية أن الإنسان لم يصل حقيقة إلى القمر فالدخول في هذا الباب أنه في الدليل على الوصول إلى القمر ونحو ذلك هذا الكلام لا ينبغي حقيقة أن يتقوله إنسان يتكلم عن كلام الله سبحانه وتعالى في تفسيره ونحوه ولكن يتكلم بكلام علمي عام يعني الذي ثبت حقيقة من أن الإنسان استطاع أن ينفذ في أقطار وأن يصل إلى طباق عالية في السماوات وأن هذه الاتصالات الموجودة الآن على وجه هذه الأرض وأصبح الإنسان يستخدمها في كل أموره أن من خلالها استطاع الإنسان أن يصل إلى مدى معين في أقطار هذه السماوات فوصل إليها فاستطاع أن يرسل هذه الدبابات التي من خلالها نقل الصوت نقلت الصورة نقلت أشياء كثيرة جداً من خلال هذه الدبابات، فإذاً يكون الكلام ما ثبت علماً يقيناً أما بعد ذلك مما قد يكون الإنسان فيه شيء من التقول على كلام الله سبحانه وتعالى وشيء من تحميل الكلام ما يحتمل فينبغي للإنسان أن يتركه فإذا الكلام عن مثل هذه الآية مثل هذا المعني لا بأس به، ولكن أيضاً كذلك لابد وأن يكون معه إشارة للمعني الأصلي الذي تكلمت عنه الآية لأن هناك معنى أصلي دل عليه السياق وهناك معنى فرعي دلت عليه الكلمات التي جاءت في هذه الآية، واضح؟ أحسنت بارك الله فيك ، هل هناك سؤال آخر ؟
سأل أحد الطلبة :
جزاك الله خير يا شيخ، سؤال قد يقول قائل لماذا البحث والتدقيق في معاني بعض هذه الجمل التي لا تنبني عليها أحكام عملية شرعية ؟
أكمل الشيخ :
أحسنت بارك الله فيك ، يعني تقصد تضرب مثال لنا في هذا.
أجاب الطالب :
مثال كالجوار الكنس.
أكمل الشيخ :
نعم ﴿ فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الْجَوَارِ الْكُنَّسِ [التكوير:15-16] يعني تقصد لما الكلام عن مثل هذه الآيات وعن معانيها وعن اختلاف السلف فيها وعن الراجح من المرجوح فيها مع أنه لا ينبني عليها حكماً عملياً يعني حكماً فقهياً حلال وحرام ونحو ذلك؟ هذا جيد.
هذا السؤال حقيقة يعني يتبادر إلى أذهان كثير من الناس عند الكلام عن تفسير كلام الله سبحانه وتعالى وهذا النوع من السؤال إنما يرد حقيقة أن الإنسان في تصوره لدين الله سبحانه وتعالى يكون قد حصر نفسه في مسائل الحلال والحرام عندما يتكلم عن مسائل هذا الدين العظيم يكون قد حصر نفسه بين أهم ما يتعلمه في شرع الله هو ما يتعلق بالحلال والحرام، وقد سبق الكلام أن هذا ليس بصحيح أبدا وقد تكلمنا في بداية هذه الحلقات عن كتاب الله عزّ وجلّ وأنه إن هذا الكتاب تنزل على محمد صلى الله عليه وسلم كان هناك قضايا كبرى جداً قبل مسائل الحلال والحرام تكلمنا في مسألة التدرج سمعتم ما ذكرنا في مسألة التدرج وأن هذا الدين عندما جاء لم يبدأ بمسائل الحلال والحرام لا تشربوا الخمر لا تقربوا الزنا، لا، لا أبداً وإنما بدأ بماذا؟ في تقرير حقيقة عظيمة وهي ما يتعلق بالإيمان بالله عزّ وجلّ بالتوحيد توحيد الألوهية توحيد الربوبية ما يتعلق بالإيمان بالله سبحانه وتعالى بتوقيره بتعظيمه بتعزيره، بالخوف منه بالتوكل عليه بالتعلق به بالعلم أنه لا يكون شيء في هذا الكون إلا بأمر منه سبحانه وتعالى .إذاً هذه الحقائق هي التي تنزل القرآن أول ما تنزل من أجلها ولذا لا تجد في السور التي تنزلت في بادئ البعثة لا تجد أبداً أنها تكلمت عن الحلال والحرام إلا قليلاً جداً وإنما كان الحلال والحرام أي المسائل الفقهية الفرعية إنما كان ذلك متأخراً وأكثره جاء في المدينة في السور المدنية أما السور المكية فالكلام كان عن حقيقة أعظم من مسائل الحلال والحرام من جهة الأحكام الفقهية الفرعية الكلام جاء عن تقرير مسائل الإيمان عن التعظيم عن التقديس وهذا الذي رفع أصاحب النبي صلى الله عليه وسلم الذي رفعهم أنهم لما جاء القرآن تعلموه كما تنزل فقر الإيمان في قلوبهم بعد ذلك جاء العمل لكن قبل العمل لابد وأن يكون هناك إيمان ولا يمكن أن يكون هناك عمل أي حلال وحرام بهذه المسائل الفرعية الفقهية إلا وقد استقر الإيمان استقراراً كاملاً في القلب عندئذ إذا ورد الأمر استجاب الإنسان وإذا ورد النهي انتهى الإنسان فإذا يجب أن نعلم أن الدين ليس هو حلال وحرام ليس هو فقه فقط مسائل فرعية فقهية أحكام الطهارة الصلاة الصيام أحكام النكاح والطلاق والحدود والقصاص ونحو ذلك البيوع :لا هذه جزء من دين الله عزّ وجلّ شيء من دين الله عزّ وجلّ ولذا إذا تنبهت إلى تآليف أهل العلم في علوم الشرع تجد ماذا؟
تجد عندنا: كتب اختصت في مسائل ماذا؟ الاعتقاد، وكتب اختصت في مسائل الفقه، وكتب اختصت في مسائل التفسير، وكتب اختصت في الحديث، وكتب اختصت باللغة أيضاً وغير ذلك من أنواع الفنون في شرع الله عزّ وجلّ فإذا الفقه واحد من ماذا؟ واحد من علوم كثيرة وليس هو أهم العلوم أبداً وليس هو أعظم العلوم وأجل العلوم مطلقاً إنما هو ثمرة للعلم بمسائل الكتاب والسنة فيما يتعلق بالحلال والحرام.
أن هناك من العلم : العلم الذي يدخل في القلب. و تعلمون العلم الذي تكلم عنه الصحابة رضوان الله عليهم وكذلك السلف ينقسم إلى قسمين:
- علم الذي يسمى العلم بالله .
-وعلم بأوامر الله سبحانه وتعالى :
والعلم بالله عزّ وجلّ يدخل فيه العلم بألوهيته والعلم بروبوبيته بأسمائه وصفاته ويدخل فيها أيضا العلم بما أخبر به سبحانه وتعالى مما يقع في الآخرة مما يقع عند الموت قبل ذلك مما يقع أيضاً في الجنة والنار فهذه العلوم أكثر بكثير من مسائل الحلال والحرام هذه العلوم ما يتعلق بالعلم بالله بالعلم بما أخبر الله عزّ وجلّ به فيما سيأتي من أهوال يوم القيامة فيما سيقع للإنسان بعد انقسام الناس فريق في الجنة وفريق في السعير هذه المسائل أعظم بكثير مما يتعلق بمسائل الحلال والحرام ولذا أضرب لك مثلاً ولا أطيل وإلا هذا أصل كبير جداً عند أهل العلم يعني يحتاج حقيقة إلى بيان وإيضاح وهذا موطنه لكن لا نستطيع أن نطيل أكثر من ذلك أضرب لك مثلاً فيما يتعلق بصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيما يتعلق بالتابعين أيضاً انظر إلى أفضل الصحابة من هو؟ أبو بكر، بما فضُل أبو بكر على سائر الصحابة بما فَضُل هذا الصحابي على سائر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ؟
أجاب أحد الطلبة :
بشيء وقر في قلبه.
أكمل الشيخ :
بشيء وقر في قلبه، هذا الذي وقر في قلبه ما هو ؟ هل هو من مسائل العلم بالحلال والحرام ؟ أبداً، وإنما هو ماذا ؟ العلم بالله سبحانه وتعالى، والتعظيم لله، والتعظيم لرسول الله صلى الله عليه وسلم هذه هي الحقيقة، ولذا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن أعلم هذه الأمة بالحلال والحرام من ؟
أجاب أحد الطلبة :
معاذ.
أكمل الشيخ :
معاذ رضي الله عنه هو أعلم هذه الأمة بالحلال والحرام ويحشر أمام الناس برتوة أمام أهل العلم برتوة يعني يتقدمهم رضي الله عنه وأرضاه فإذا هذا معاذ أعلم الأمة بالحلال والحرام ومع ذلك هل هو أفضل من أبو بكر ؟
أجاب أحد الطلبة :
لا .
أكمل الشيخ :
لا، أبو بكر أفضل منه بدرجات كثيرة جداً بما؟ بشيء وقر في قلبه.
ولذلك انظر إلى مثل آخر يوضح لك هذه القضية تماماً بل هو يمكن أوضح في بيان هذه الحقيقة من المثل الأول وهو ما يتعلق بأفضل التابعين من أفضل التابعين ؟
أجاب الطلبة :
سعيد بن المسيب.
أكمل الشيخ :
لا أبداً ليس سعيد بن المسيب، الذي أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم.
أجاب أحد الطلبة :
أويس القرني.
أكمل الشيخ :
أويس القرني، أفضل التابعين بالنص من رسول الله صلى الله عليه وسلم .الرسول صلى الله عليه وسلم لم يترك لنا هذا الأمر أبداً هذا التفضيل لأنه سيعلم أننا سنقيس الأمور بمثل هذه المقاييس معي، سنقيس هذه الأمور بمقاييس من هذا النوع يعني سنأتي ونقول والله سعيد بن المسيب أعلم وأفقه وأخذ الفقه عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان من أجلة التابعين وكان آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر وكان وكان وكان في سيرته كذا وكانت الصلاة لا تفوته أبداً بل تكبيرة الإحرام أربعين عاماً لا تفوته مع الإمام وكان أيضاً كذلك يقول لم أرى ظهر مصلي قط إنما كان يصلى في الصف الأول وغير ذلك كثير في فضائله رحمه الله رحمة واسعة وكان حقيقاً بهذا التفضيل لكن لما نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم بنظر الله عزّ وجلّ بعلم منه سبحانه وتعالى أخبر هذا النبي صلى الله عليه وسلم عن حال التابعين فجاء الخبر ممن ؟ من العليم الخبير سبحانه وتعالى بأن أفضل التابعين من ؟ أويس القرني.
لو قارنا بين علم سعيد بن المسيب رضي الله عنه بالحلال والحرام وبين علم أويس القرني في الحلال والحرام أيهما أكثر علماً بمسائل الحلال والحرام ؟
أجاب الطلبة :
سعيد بن المسيب.
أكمل الشيخ :
سعيد بن المسيب وأين هذا من ذاك، أويس لم يذكر بشيء من كبير العلم بالحلال والحرام أبداً لم يذكر بشيء من هذا مطلقاً لم يكن فقيهاً أبداً ولم يكن يفتي الناس ولم يكن يعلم الناس في مجالس الذكر ولم يكن أيضاً كذلك ممن اختص في هذا الباب أو طلب حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وطلب جمعه ولم يكن أيضاً ممن أخذ عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في فتاويهم في مسائلهم في أقضيتهم كما فعل سعيد بن المسيب إنما كان رحمه الله ورضى عنه وألحقنا به كان تميز بأمر واحد وهو فيما يتعلق بأعمال القلوب يعني اهتمامه بعمل القلب هذا الذي فيه توقير عظيم لله سبحانه وتعالى وفيه تعزير لله وفيه أيضا كذلك تعظيم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه تعزير لرسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الأمر الذي قر في قلب أويس القرني هو الذي جعل أويس أفضل إيش ؟ جعله أفضل التابعين، بينما لو قارنت بينهما فيما يتعلق بمسائل الحلال والحرام والعلم بها قد فضُل سعيد بن المسيب كثيراً على أويس القرني. إذاً التفضيل ليس عائد إلى ما يتعلق بمسائل الحلال والحرام أبداً وإنما هذه من مسائل التفضيل ومما يفضُل به المرء على غيره ولكن ليست هي المناط الكامل والواحد في هذا الباب وإنما هناك مناط آخر وهناك حقيقة أخرى أعظم بمسائل الحلال والحرام مع عظيم قدرها وجليل منزلتها عند الله عزّ وجلّ ولكن أيضاً كذلك هناك ما هو أجل وما هو أعظم العلم بمسائل الحلال والحرام لا شك أنه من الدين ومن أعظم ما يتطلبه المرء ومن العلم النافع ولكن أيضاً هناك ما هو أعظم منه وما هو أجل منه وهو ما يتعلق بالعلم بالله عزّ وجلّ العلم برسول الله صلى الله عليه وسلم العلم بأهوال اليوم الآخر والعلم بحقائق هذه الدنيا الصغيرة الحقيرة والعلم بحقائق ذلك اليوم العظيم المهول فيما يتعلق بيوم القيامة هذا الذي نريده أن يقر وأن يستقر فيما يتعلق بالكلام عن هذه الآيات وغيرها.
عندما تتكلم عن سورة التكوير ﴿ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ[التكوير:1-2] إلى آخرها ثم تتكلم عن الجوار الكنس ﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الْجَوَارِ الْكُنَّسِ * وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ [التكوير:15-17].
هذه الحقائق أيها المبارك إذا فهمتها فهماً جيداً واضحاً جلياً تكون سبباً في ما ذا؟ في توقير الله عزّ وجلّ وفي زيادة الإيمان وهذا هو الأهم وهذا الذي ينبغي أن يكون في البدء قبل العلم بمسائل الحلال والحرام وما أكثر من يعلم مسائل الحلال والحرام الآن بل يفتي الناس وهو يواقع الحرام وهو تارك للواجب، كم من الناس الآن يعلم الحلال والحرام ويفتي الناس ولكنه إن رأيته في نفسه فإذا هو من أبعد الناس عن فعل أوامر الله سبحانه وتعالى ومن المرتكبين للنواهي التي نهي الله عزّ وجلّ لما؟ لأن الإيمان لم يقر في القلب واضح الكلام إذا لما الكلام عن هذه الآيات من أجل هذا؟ هذه الآيات هي التي تغرس الإيمان في القلب هي التي تملأ القلب إيماناً هي التي تحشو هذا الفؤاد يقيناً بالله عزّ وجلّ ولذا يحتاج إليها العبد كثيراً حتى يزيد إيمانه وحتى يرتفع مستوى اليقين والمعرفة بربه سبحانه وتعالى واضح؟ هل هناك سؤال آخر.
سأل أحد الطلبة :
شيخ، كان هناك خلاف كافي في إعراب سورة الفاتحة فلو نمر عليها مراً سريعاً من الجملة الإسمية والفعلية يكون فيه زيادة للإيضاح أكثر.
أكمل الشيخ :
يعني في إعراب سورة الفاتحة والنظر فيما كان منها اسم وما كان منها فعل نجد الجملة الاسمية والفعلية لا بأس لكن لعلي أحيل السؤال عليكم أنتم وأنا معكم، فسريعاً نعرب سورة الفاتحة سريعاً وإن كان هناك من خطأ صححناه لا بأس لكن نريد إعراب سريع بقي خمس دقائق على منتصف الحلقة فنريد أن ننتهي من الإعراب قبله فسريعاً.
أجاب أحد الطلبة :
أعرب السورة ؟
أكمل الشيخ :
من أعوذ بالله .
أكمل الطالب :
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: أعوذ فعل مضارع مرفوع بالضمة الظاهرة في آخره
بالله جار ومجرور متعلق بقوله أعوذ.
أكمل الشيخ :
متعلق بمحذوف تقديره أقرأ أو أعوذ بالفعل، جميل.
أكمل الطالب :
الفاعل ضمير مستتر وجوبه تقديره أنا أعوذ بالله من الشيطان الرجيم من حرف جر والشيطان مجرور والرجيم صفة للشيطان.
بسم الله الرحمن الرحيم: فالباء حرف جر اسم مجرور والجار والمجرور يتعلق بمحذوف ذلك المحذوف عند البصريين يقدرونه اسما أي ابتداء باسم الله وعند الكوفيين يقدرونه فعل أي أن أبدأ بسم الله الرحمن الرحيم، بسم الله ، الله مضاف لكلمة اسم والرحمن نعت لكلمة الله الرحيم نعت أيضاً تابع للنعت الأول.
الحمد لله رب العالمين: الحمد مبتدأ مرفوع بالضمة الظاهرة في آخره لله جر ومجرور متعلق بمحذوف خبر رب العاملين رب بدل لكلمة لله أو صفة، رب مضاف والعالمين مضاف إليه.
أكمل الشيخ :

بدل أو صفة.
أكمل الطالب :

بدل أو بيان أو صفة.
أكمل الشيخ :

و صفة يعني أقصد بيان وفيه بعض شيء .
أكمل الطالب :

الرحمن: أيضاً نعت لكلمة لله أو رب العالمين.
الرحيم: أيضاً نعت تابع للنعت الأول.
مالك يوم الدين: فمالك أيضاً تابع للنعت الأول يوم الدين فمالك مضاف ويوم مضاف إليه يوم مضاف والدين مضاف إليه أيضاً.
إياك نعبد: إياك مفعول مقدم لقوله نعبد، نعبد فعل مضارع مرفوع بالضمة الظاهرة في آخره والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره نحن، وإياك الواو حرف عطف.
إياك: أيضاً معطوف على إياك الأولى فهو مفعول به مقدم على فعله والفعل نستعين.
ونستعين: فعل مضارع مرفوع بالضمة الظاهرة في آخره والفاعل ضمير مستتر وجوباً أيضاً تقديره نحن.
اهدنا الصراط المستقيم: اهدنا فعل أمر وفاعله ضمير مستتر تقديره أنت النون هنا مفعول به مبنى على السكون.
أكمل الشيخ :
يعني فعل أمر هو هنا ماذا يسمى تلطفاً وتأدباً مع الله عزّ وجلّ يقال عنه فعل إيش؟
أجاب الطالب :
يعود الله سبحانه وتعالى.
أكمل الشيخ :
يكون فعل أمر إذا كان الأمر موجه إلى الله سبحانه وتعالى يقال عنه أنه فعل؟
أجاب الطلبة :
فعل دعاء.
أكمل الشيخ :
فاصل قصير ثم نعود إلى استكمال إعراب سورة الفاتحة بإذن الله عزّ وجلّ.

فـاصــــــــــــــل تليفـزيـونـــــــــــــي

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
حياكم الله أيها الأحبة مرة أخرى، وكنا في الحديث عن إعراب سورة الفاتحة سريعاً وقفنا عند قوله سبحانه وتعالى ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ[الفاتحة:6] نعم أكمل .
أكمل الطالب :
قوله تعالى ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ فاهدنا هنا فعل دعاء فاعل ضمير مستتر يعود على الله عزّ وجلّ، النون هنا هو نون الجماعة مبنى على السكون في محل نصب مفعول أول لقوله اهدنا.
الصراط المستقيم: صراط مفعول ثان لإهدنا المستقيم نعت لكلمة الصراط.
﴿ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ﴾ فصراط هذه بدل من الصراط الأولى صراط مضاف.
أكمل الشيخ :
أحسنت، بدل إيش؟ بدل ماذا؟
أجاب الطالب :
بدل من صراط المستقيم.
سأل الشيخ :
نوع البدل؟
أجاب الطالب :
بدل كل من كل.
أكمل الشيخ :
لا ليس كل من كل، اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم، بدل كل من كل، أو بعض من كل؟
أجاب الطالب :
بعض من كل.
أكمل الشيخ :
تأمل من جهة المعني لأنها تتبين من جهة المعنى لأنها تتبين من جهة المعنى ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [الفاتحة:5-6].
هل صراط الذين أنعمت جزء من الصراط المستقيم ؟ أو هو هو؟
أجاب الطلبة :
هو هو .
أكمل الشيخ :
لا يلبس عليك الكلام.
أجاب الطلبة :
هو هو .
أكمل الشيخ :
هو هو، هو صراط واحد فيكون إذا نوع البدل ما هو أنا أردت أن أقف عند هذه بالذات يعني حتى هو ماذا ؟ بدل كل من كل .
أكمل الطالب :
صراط بدل كل من كل من صراط الأولى صراط مضاف
والذين مضاف إليه وهو اسم موصول مبنى في محل جر .
أنعمت عليهم: أنعمت هنا فعل وفاعل والفاعل هو التاء مبنى على الفتح في محل رفع عليهم جار وهو يتعلق بقوله أنعمت والجملة هنا لا محل لها من الإعراب صلة الموصول.
﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ﴾ فغير هذه بدل من الضمير الموجود في عليهم.
أكمل الشيخ :
بدل من عليهم أو بدل من الصراط ؟
أجاب الطالب :
بدل من الضمير الموجود في عليهم، يعني المجرور بعليهم .
سأل الشيخ :
تقدير الكلام، ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ﴾؟
أجاب الطالب :
يعني صراط الذين أنعمت على الذين يعني منعم.
أكمل الشيخ :
أي نعم، غير المغضوب عليهم، يعني أنعمت عليهم إذا كانت بدل من الضمير في عليهم يقود المعني إلى ماذا ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ ﴾ يعني إذا كانت بدل منها أنعمت على غير هؤلاء وليس هذا هو المقصود، أليس كذلك؟﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ﴾ فصراط بدل من ماذا أو غير بدل من ماذا؟ من جهة المعني تأملوا المعنى الآن، الآن ما المقصود ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ﴾ فهي بدل من ماذا؟
أجاب الطالب :
يظهر أنها بدل من الضمير الموجود في عليهم.
أكمل الشيخ :
الذي في عليهم، تقدير الكلام ممكن تعبر لي عن تقدير الكلام إذا كانت بدل من أنعمت عليهم، يعني أنعمت عليهم لو كانت بدل من أنعمت عليهم يكون الكلام أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم يعني أنعمت على غير المغضوب عليهم هذا هو المقصود هنا؟
هكذا البدل يكون يعني من جهة معني الآية هذا هو المراد أو أن المراد صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم، فيكون بدل من صراط؟
أجاب طالب :
لكن لو كانت مثلاً بدل من...
أكمل الشيخ :
أو بدل من المضاف إلى الصراط؟ صراط مضاف أليس كذلك ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ ﴾ أليس هنا مضاف ومضاف إليه.
أجاب أحد الطلبة :
لأن الضمير هنا يعود هو أيضا على الذين.
أكمل الشيخ :
يعود على الذين.
أجاب الطالب :
نعم يعود على الذين أنعم الله عليهم.
أكمل الشيخ :
أحسنت بارك الله فيك، هو ممكن أن يكون هذا من الضمير في عليهم ممكن أن يكون أيضاً من ماذا؟ من المضاف إليه، عندنا مضاف ومضاف إليه أين ؟ في صراط الذين: صراط مضاف ومضاف إليه صراط الذين أنعمت عليهم، فيكون المعنى غير المغضوب عليهم أي صراط غير المغضوب عليهم بدل من المضاف إليه في؟
أجاب أحد الطلبة :
نعم هو بدل من المضاف إليه وقد يكون أيضا بدل من الضمير لأن الضمير هنا يعود على المضاف إليه، الضمير هنا في عليهم يعود على المضاف إليه.
أكمل الشيخ :
يعود على المضاف إليه يعود على المضاف إليه مضاف إلى الصراط.
أجاب الطالب :
نعم.
أكمل الشيخ :
أنعمت عليهم، جيد جميل .
أكمل الطالب :
غير مضاف
والمغضوب عليهم المغضوب إليه إضافة غير إليه عليهم أيضاً جار ومجرور يتعلق بقوله المغضوب لأن المغضوب اسم مفعول، ولا الضالين الواو حرف عطف، لا هنا بمعنى غير فهي معطوفة على غير المتقدمة وظهر إعرابها فيما بعدها فما بعدها الضالين، والضالين هنا اسم مجرور بالياء نيابة عن الكسرة وهذا والله أعلم.
أكمل الشيخ :
أحسنت بارك الله فيك، نفع الله بك يا أخي، هل بقي شيء آخر ؟
إذاً ننتقل إلى المرحلة الخامسة، معنا بإذن الله عزّ وجلّ المرحلة الخامسة والمتعلقة بفهم موضوع السورة وما يتعلق به عندنا شيء يسمى موضوع السورة نحن انتهينا في الحلقة السابقة مما يتعلق بماذا؟ بالسباق واللحاق لكن الآن نعود أيضاً كذلك للمراحل السابعة من أولها بدأنا بإيش أول ما بدأنا بماذا؟ أول مرحلة أو ما بدأنا، بالكلمة أليس كذلك ؟ ثم صعدنا بعد الكلمة إلى ما يتعلق بحروف المعني، ثم صعدنا إلى الجملة، ثم صعدنا إلى السياق لأن هذه الجمل عبارة عن آية في آخر الأمر ثم هذه الآية هناك سباق وهناك لحاق لما انتهينا من هذا السباق واللحاق هذا السباق واللحاق هو عبارة عن آيات أليس كذلك مجموع هذه الآيات تكون ماذا ؟
أجاب الطلبة :
سورة
أكمل الشيخ :
تكون سورة أليس كذلك؟ إذاً تكونت عندناً سورة كاملة هذه السورة بكاملها من أولها إلى آخرها لها غرض لها معنى لها قصد أتت من أجله فإذا الكلام في هذه المرحلة عن ما يتعلق بموضوع السورة أو ما يسمى بمقصود السورة، مقصود السورة من أولها على آخرها بعد أن انتهينا من السباق واللحاق إذاً نتوسع قليلاً إلى درجة أعلى وهو ما يتعلق بالسورة كلها من أولها إلى آخرها، لعلنا نقرأ، من الذي كان يقرأ معنا، اقرأ بارك الله فيك.
أم أسماء غير متواجد حالياً  
 

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

(View-All Members who have read this thread in the last 30 days : 0
There are no names to display.

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
أيهما أولى حفظ القرآن أو طلب العلم الشرعي مسلمة لله روضة آداب طلب العلم 31 02-08-16 12:15 PM
أفلا يتدبرون القرآن؟! /للشيخ عبدالسلام الحصين أم خــالد روضة القرآن وعلومه 15 14-02-10 02:56 AM
نزول القرآن الكريم وتاريخه وما يتعلق به طـريق الشـروق روضة القرآن وعلومه 8 22-12-07 03:50 PM


الساعة الآن 06:43 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024,Jelsoft Enterprises Ltd.
هذه المنتديات لا تتبع أي جماعة ولا حزب ولا تنظيم ولا جمعية ولا تمثل أحدا
هي لكل مسلم محب لدينه وأمته وهي على مذهب أهل السنة والجماعة ولن نقبل اي موضوع يثير الفتنة أو يخالف الشريعة
وكل رأي فيها يعبر عن وجهة نظر صاحبه فقط دون تحمل إدارة المنتدى أي مسؤلية تجاه مشاركات الأعضاء ،
غير أنَّا نسعى جاهدين إلى تصفية المنشور وجعله منضبطا بميزان الشرع المطهر .