العودة   ملتقى طالبات العلم > ๑¤๑ أرشيف الدروات العلمية ๑¤๑ > دورات رياض الجنة (انتهت)

الملاحظات


دورات رياض الجنة (انتهت) إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا، رياض الجنة مشروع علمي في استماع أشرطة مختارة

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 13-11-08, 05:44 PM   #11
أم الشهداء
جُهدٌ لا يُنسى
افتراضي الدرس التاسع .. مجموعة بالعلم نرتقي

بداية المرحلة الثانية للعيش مع القرآن


الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين إياه نعبد وإياه وحده سبحانه وتعالى نستعين ثم أصلي واسلم على نبينا وحبيبنا ومصطفى ربنا محمد صلى الله عليه وسلم صلاة دائمة مادام الليل والنهار .
أيها الأحبة :
كنا تكلمنا في ما سبق عن المستوى الأول الذي ذكرنا لكم انه موجه إلى عموم المسلمين وان المقصود منه أن نكون من أهل القرآن وان نكون من أهل الله عز وجل لأن أهل القرآن هم أهل الله وخاصته وان نكون أيضا من طلاب شفاعة القرآن في يوم القيامة بإذن الله جل وعلا ، وتكلمنا عن المرحلة الأولى التي لابد منها لمن أراد أن يكون حقيقا بهذه الأوصاف العظيمة أن يحدد بدءا بماذا يبدأ من كتاب الله عز وجل
قبل أن يدخل في هذا الكتاب العظيم المتين الشديد الكبير لابد وان يحدد بأي شيء يبدأ ؟
هل يبدأ بقصار السور ؟ أم بطوالها ؟
هل يبدأ بالسور التي تكلمت عن مسائل الحلال والحرام ؟ أم يبدأ بالسور التي تكلمت عن الوعد والوعيد ؟
وذكرنا لكم من كلام صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن طرائق أهل العلم بل ومن طريقة القرآن في تنزله على نبينا صلى الله عليه وسلم ما يبين أن الذي ينبغي للمؤمن إذا توجه إلى كتاب الله عز وجل توجها يكون فيه تدبر ويكون فيه تأمل يكون فيه تفكر أي يكون هذا أول ما يكون في سور المفصل لأنها هي التي تكلمت عن الوعد والوعيد عن الجنة والنار عن اليوم الآخر عن ما يترتب على أعمالك في هذه الحياة الدنيا سوءا كانت صالحة أم كانت على الضد من ذلك .

فإذا كان الأمر على هذا النحو فقد أيضا قدمتُ نصيحة من نفسي بحكم تجربة سابقة مع كتاب الله عز وجل في بيانه من نفسي أولا ثم للناس أن مما يناسب أي يطرح على عموم المسلمين بكتاب الله عز وجل أن يكون البدء بجزء عم لان هذا الجزء قد حوا اغلب ما جاءت الشريعة في أول أمرها بتقريره وبيانه و توضيحه بل وتأكيده والنص عليه على انه لابد للمسلم قبل كل شيء أن تتأصل هذه الحقائق التي جاءت في هذا الجزء العظيم قبل أن ينتقل بعد ذلك إلى الحقائق الأخرى وإلى الأوامر والنواهي التي أمر الله عز وجل بها أو نهى عنها سبحانه وتعالى .

إذا كان الأمر كذلك وحصل الاتفاق على هذا الأمر من جهة بأي شيء نبدأ ، عندئذٍ لابد وان ننتقل إلى المرحلة الثانية ، وهذه المرحلة مبنية على المرحلة الأولى ولابد منهما جميعا فإذا قطعنا الشوط الأول سندخل بإذن الله سبحانه وتعالى إلى الأمر الآخر وهو لا يقل أبدا علاوة وشأنا وقدرا وأهمية عن المرحلة الأولى .
لا يقل عن ذلك أبدا ولكن الثاني مترتب على الأول ، فإذا حددت واخترت بماذا تبدأ به في كتاب الله عز وجل إذا فاعلم يقينا أيها المؤمن أيها المبارك أيها الموفق يا من تقرأ كتاب الله سبحانه وتعالى اعلم يقينا أن المرحلة الثانية التي ينبغي لك مع كتاب الله عز وجل هي التأني في القراءة وترك العجلة المذمومة .
نعم التأني في القراءة وترك العجلة المذمومة عند تلاوة القرآن ، إذا اخترت ما اخترت من كتاب الله عز وجل ومن سور المفصل لتكون خليلة لك لتكون صاحبة لك عندئذٍ لابد وان تقرأ ما اخترت ، ولنضرب مثلا " انك اخترت سورة تبارك " فعندئذٍ إذا قرأت هذه السورة فلا تقرأها قراءة عجلة ولا تقرأها قراءة فيها سرعة مذمومة وعجلة لا يريدها الله عز وجل منك في هذا الموطن وإنما لا بد وان تكون القراءة قراءة متأنية قراءة مترفلة قراءة فيها ترتيل وفيها تدبر وفيها تفكر وفيها تكرار للآيات التي تظن أن فيها حياة لقلبك ، لابد من ذلك إذا أردت أن يكون هذا القرآن هو خليلك هو صاحبك هو شفيعك في يوم القيامة .

إذا فالمرحلة الثانية بعنوان التأني في القراءة وترك العجلة المذمومة عند تلاوة القرآن

هذه المرحلة أخذت من عبارة مشهورة ذكرها السلف الصالح رضوان الله عليهم أجمعين فأصل هذه المرحلة مأخوذة من كلمة مشهورة جاءت عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتناولها الأئمة من بعدهم وهذه الكلمة هي " الإيمان قبل القرآن " وهذه العبارة بهذا النص قد جاءت عن عدد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءت عن عبد الله ابن عمر ، وجاءت عن عبد الله ابن جندب رضي الله عنهم أجمعين ونقلها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بل ونقلها من قبله من الأئمة وكذلك ذكرها الإمام السيوطي رحمه الله في عدد من كتبه وغيرهم ذكروها في كتبهم بيانا لأهمية هذه القاعدة العظيمة وهي أن الإيمان يجب أن يستقر في القلوب قبل القرآن وسيأتي شرح هذه العبارة لأنها قد تشكل ، وهل الإيمان شيء مستقل عن القران ؟ لا ليس القرآن غير الإيمان ، ولا الإيمان غير القرآن وإنما هما شيء واحد ولكن أراد السلف رضوان الله عليهم أجمعين أن يبينوا لك الوسيلة لمن أراد أن يستقر الإيمان في قلبه ما هي الوسيلة ماهي الطريقة ؟ ما هو المنهج لمن أراد أن يكون عظيما في إيمانه قويا في يقينه راسخا في اعتقاده بربه لابد وان يكون الإيمان قبل أن يأتي القرآن وسيأتي هذا مبينا من كلامهم رحمهم الله ورضي الله عنهم أجمعين

ولذا قال حذيفة بن اليمان رحمه الله كما في الصحيحين وهو يحكي عن أصحاب رسول الله صلى اله عليه وسلم يقول : إن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال ثم نزل القرآن فعلموا من القرآن وعلموا من السنة

وأنا أريدك أن تنتبه لهذه القضية المهمة التي يحكي فيها حذيفة بن اليمان ما كان عليه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يفوتك ولا يغيب عن بالك إننا نتكلم عن مسألة سبقت الإشارة إليها وهي كيف اثر القرآن في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكيف يؤثر فينا كما اثر في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
هذا هو المقصود ، هذا الذي نريده نحن لا نريد أن نعلو فوق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وان ننال درجة لم ينالوها رضوان الله عليهم أجمعين لا وكلا ولا يمكن هذا أن يكون لأحد من الخلق كائنا من كان لأنهم أعلى الناس إيمانا وأقواهم يقينا بربهم وأعلمهم بكتاب الله عز وجل وبما فيه .
ولذا إنما نسعى لأن نسير على دربهم فاسمع إلى حديث حذيفة وهو يحكي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والحديث في الصحيحين " إن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال " ما هي الأمانة ؟
فسرها العلماء رحمهم الله فقالوا الأمانة أي الإيمان واليقين
الأمانة المقصود بها هنا في حديث حذيفة هي الإيمان واليقين التام بكتاب الله عز وجل وبصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الأمانة أي هذا الإيمان وهذا اليقين وهذا التصديق الكامل نزل في جذر قلوب الرجال بدأ ثم جاء القرآن أي جاءت الأحكام من الحلال والحرام من الأوامر والنواهي في كتاب الله عز وجل فعلموا من القران وعلموا من السنة .


هكذا كان موقف صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم من تعلمهم لكتاب الله عز وجل نزل الإيمان بدأ واستقر اليقين في أول الأمر ثم جاء القرآن بأوامره ونواهيه فكان له اثر عظيم على هؤلاء الناس فكانوا بل خير امة أخرجت للناس
ولذا أخرج الطبراني عن ابن عمر رضي الله عنه وعن أبيه قال :" لقد عشت دهرا من عمري وإن أحدنا ليؤتى الإيمان قبل القرآن " هذا هو منهج صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الإيمان أولا ثم القرآن وقد بينت لك ما معنى الإيمان وما مرادهم بالقرآن هنا لقد عشتُ دهراً من عمري وإن أحدنا ليؤتى الأيمان قبل القرآن هذا هو المنهج الحق وهذا هو المنهج الصواب وهذا الذي لا يمكن أن يهتدي إنسان كائن من كان إلا من خلاله وبسلوك دربه وبالسير على منهجه ولذا حكى هذا الصحابي الجليل الفقيه العالم الكبير ابن عمر رضي الله عنه وعن أبيه حكى حال الناس بعد ذلك وكأنه ينظر إلينا في هذا الزمان
نعم والله .كأنه ينظر إلينا من مكان عال ينظر إلى حال الناس مع كتاب الله عز وجل ،ينظر إلى حال الناس مع الأيمان والقرآن ، حال الناس اللذين لهم اهتمام بكتاب الله عز وجل أما من ليس كذلك فليس الخطاب معه هنا
وإنما الكلام عن حال كثير من الناس ممن لهم عناية بكتاب الله ...أي عناية بتلاوة حروفه وقراءة ألفاظه .
حالهم أن أحدهم يريد أن يتعلم القرآن قبل أن يؤتى الإيمان
..فلا يسعى إلى الأيمان حتى يستقر في جذر قلبه ،ثم بعد ذلك يتعلم القرآن أي يتعلم أحكام القرآن ، لا...يعكس هذه المسألة ،وأنظر إلى كلام هذا الصحابي الجليل وهو يبين لنا حال الناس يقول رضي الله عنه وأرضاه ثم لقد رأيت رجالاً!!!! أنظر الحالة العكسية إلى الخطأ في المنهج إلى الخطأ في الطريقة في تعلم العلم وفى معاملة القرآن ( ثم لقد رأيت رجالاً يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان ) أي يحفظ كتاب الله عز وجل يحسن أن يقيم حروفه وألفاظه .
يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان فيقرأ مابين فاتحة الكتاب إلى خاتمته ما يدرى ما أمره ولا زاجره ولا ما ينبغي أن يقف عنده منه لما خلط في المنهج لما خلط في الطريقة لما أراد أن يصعد السلم من أعلاه حصل له هذا النكس وحصل له هذا النقص ..بل وحصل له هذا الخلل والخطأ الكبير في طريقته مع كتاب ربه سبحانه وتعالى
يريد أن يؤتى الإيمان ولكن كيف يتعلم القرآن قبل أن يتسبب بالأسباب التي تجعل الإيمان يستقر في قلبه.
وهذا المنهج ليس بصحيح أبدأ مع كتاب الله سبحانه وتعالى ، لا يمكن أبداً أن يستقر الإيمان المقصود والهدف المنشود في قلب امرئ وهو يقبل على القرآن على أحكامه على نواهيه على ما يتعلق بالحلال والحرام منه ونحو ذلك والإيمان لم يستقر في قلبه والإيمان كيف يستقر ؟؟ الإيمان يستقر في القلب بآيات الوعد والوعيد بآيات اليوم الآخر بآيات الزجر والنهى عن اقتراف الكبائر التي لها من الأثر كذا وكذا ولها من العقاب كذا وكذا هذه الآيات التي تبين لك أثر الإحسان وثوابه عند الله عز وجل وأثر الإساءة وعذابها عند الله سبحانه وتعالى هي التي تجعلك لمّا تستقبل الأمر والنهى تستقبله استقبال من يؤمن بالله سبحانه وتعالى إيماناً كاملاً تاماً ، أما إذا غيرت فقد غيرت وإذا بدلت فقد نكست تكون كالكوز مجخياً يأتيك العلم بعد ذلك ..علم القرآن فلا ينفعك ولا يهديك ولا يؤثر فيك بعد ذلك كيف يؤثر في قلب لم يتعمق فيه الإيمان ولم تمتد شجرة الإيمان بجذورها في قلبه هذا لا يكون أبدا ...

لذا تأمل هذا السلف الصالح رضوان الله عليهم أجمعين ووعوه وعياً تاماً كاملاً وكان من هؤلاء عدد كبير من الأئمة رحمهم الله سيأتي إلى ذكرهم في حال موقفهم من قراءة كتاب الله كيف كانوا يقرؤون القرآن وكيف كانوا يقفون مع القرآن ولكن هنا أردت أن أقدم لك مقدمة فيما يتعلق بما لابد أن يكون من قراءتك ما فيه تدبر ما فيه
تأنى ما فيه ،ترك العجلة المذمومة في قراءة كتاب الله سبحانه وتعالى .....
لما هذا لأن هذا مأخوذ من القاعدة المشهورة وهى(الأيمان قبل القرآن ) وهى بعبارة أسهل وأوضح في هذا الزمان نشرحها لأنفسنا وللناس غرس الأيمان قبل الإكثار من القرآن .هذا معنى كلامهم رحمهم الله غرس الإيمان قبل الإكثار من القرآن هذا هو مرادهم من قولهم الإيمان قبل القرآن


وقد أشار ابن القيم رحمه الله لهذا المعنى
فتدبر القرآن إن رمت الهدى *** فالعلم تحت تدبر القرآن
وقال الأخر.
وأتلو بفهم كتاب الله فيه أتت *** كل العلوم تدبره ترى العجب


كل العلوم أيها المؤمن إذا أردتها فإنها تكون بتدبر كتاب الله سبحانه وتعالى ولذا أريدك أن تنتبه لهذه المسألة فيما نستقبل من الكلام لأن المرحلة الثانية أكرر لك وأبين وأعيد لأن القرآن ثنى في الكلام كثيراً القرآن مثانى
فنحن لا بد أن نسير على طريقة القرآن في هذه الأمور العضال نثنى فيها ونكررها ونبينها من هنا وهناك حتى تتضح وحتى تنجلي وحتى لا يكون هناك أدنى شك في تقريرها وفى تحقيق أهميتها لكل مؤمن على وجه هذه البسيطة .
إذن أيها المؤمن لابد أن يكون هناك حرص عل غرس الأيمان قبل أن نتناول القرآن
كيف نغرس الإيمان ؟ نقلنا لك ذكرنا أن هذا يكون بالآيات الأولى والسور الأولى التي تنزلت على محمد صلى الله عليه وسلم في بدء أمره وهذه السور هي التي جاءت في سور المفصل قد اخترنا لكم منها ما يتعلق بجزء عم لهذا الأمر ، لكي نستطيع أن نغرس الإيمان ن في قلوبنا قبل أن نتعلم من القرآن
غرس الإيمان بهذه السور وتعلم القرآن بالسور الطوال التي فيها بيان الأحكام الحلال والحرام ولذا ثبت عن أبى عبد الرحمن السلمي رضي الله عنه وأرضاه وهذا من أكابر أتباع صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (حدثنا من كان يقرأنا القرآن من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يأخذون القرآن عشراً عشرً قال فتعلمنا العلم والعمل معاً) مشكلة كثير من الناس أنه يتعلم العلم لا العمل ولكن من أخذ القرآن على طريقة الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين عشراً عشراً أي أن المراد شيئا شيئا وليس المراد الحد
عشر آيات عشر آيات و المقصود أن تأخذ شيئا فشيئا من القرآن حتى ينغرس الإيمان في القلب. ثم بعد ذلك تتعلم أحكام القرآن ، فلما ينزل عليك الحكم من الله سبحانه وتعالى ينزل على قلب قد روضه الإيمان و هيئه اليقين واستعد و رضي بحكم الله سبحانه وتعالى عليه في كل أموره

فاصل قصير

مرحبا بكم أيها الإخوة مرة أخرى في روضة من رياض القرآن
بعد هذا نعيد الكلام ..عن الوسائل التي من خلالها نحقق هذه المرحلة
نحن عندنا الآن المرحلة الثانية ..وهذه المرحلة هي التأني والوقوف مع الآيات وترك العجلة في تدبر كتاب الله سبحانه وتعالى

هذه المرحلة ..هناك وسائل نستعين بها لكي نحقق هذه المرحلة لأنها من أهم ما يكون فلابد أن نتخذ وسائل نستعين بها بعد الله عز وجل في أن نكون من الذين أعانهم الله عز وجل فتجاوزوا هذه المرحلة وتخطوها إلى ما بعدها
هذه المرحلة ،وهي مرحلة التأني والتدبر وترك العجلة ..لابد أن نستعين فيها بوسائل ..أولى هذه الوسائل ..
واهم هذه الوسائل هي أنك أيها المبارك ..أيها المؤمن عند سماع آيات القرآن لابد من إلقاء السمع مع جمع القلب على القرآن ...
لابد من سمع لكنه ليس سمعاً معتاداً كسمع الكلام الذي يقال بين الناس لا..وإنما هو أن تلقي سمعك وأن تجمع قلبك وأنت تتوجه إلى كتاب الله سبحانه وتعالى
لابد من إلقاء السمع وجمع القلب على القرآن عند سماعه ... وهذا الشرط أو وهذه الوسيلة أيضا كذلك قد أشار الله عز وجل إليها في كتابه فقال (إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ) إن في ذلك- والضمير هنا عائد على القرآن – لمن ؟ قال: لمن كان له قلب ..أي لمن كان له قلب حي ..عندما استمع إلى كتاب الله سبحانه وتعالى جمع قلبه في سماع كتاب ربه (أو ألقى السمع وهو شهيد) ..
كيف ألقى السمع ؟ تأمل كلمة الإلقاء هنا (أو ألقى السمع) الإلقاء معروف في لغة العرب –تأخذ شيء فتلقيه ..ترمي به- فأنت كأنك جعلت سمعك هذا كأنه حجر من الأحجار أخذته ورميته رميا ...فتأخذ سمعك فترمي به إلى كتاب الله سبحانه وتعالى ..ترمي به كأنه لا كلام في الدنيا إلا القرآن ..ولا حديث في الدنيا الآن إلا القرآن ....تلقي سمعك إلى كتاب الله عز وجل
(أو ألقى السمع وهو شهيد )وهو شهيد أي وهو شاهد حاضر يستمع بكل جوارحه من أولها إلى أخرها إلى كتاب ربه
هذا الذي يريد أن يستفيد من سماعه لكتاب ربه ..لابد أن يكون على هذه الصفة ... ولابد وأن يستخدم هذه الوسيلة ..هذه الوسيلة أيها المؤمن بين يديك ..تستطيع أنت أن تقوم بها وأن تعملها ..وأن تتكلفها في أول الأمر ..إن لم تكن نفسك قد أقبلت على كتاب الله فلابد وأن تجاهدها مجاهدة حتى تلقي سمعك إلى كتاب ربك ثم بعد ذلك تحضر هذا القلب وهو يستمع إلى كلام الله عز وجل .
إذاً الله سبحانه وتعالى قد بين لنا أن هذا الكتاب ذكرى ..لكن لمن ؟ لمن كان له قلب
وهل المقصود أن له قلب بمعنى له قلب موجود فقط ؟ لا كل الناس لهم قلوب ما في حي إلا وله قلب ..ما من بشر إلا وله قلب ..ولكن المقصود أن له قلب نافع يستحضره ويشهده عند سماع آيات ربه
ولذا أيها المؤمن لابد من هذين الأمرين ..لابد أن تفتح قلبك وتجمعه في توجهه إلى كتاب الله سبحانه وتعالى ..وتلقي هذا السمع إلى كتاب الله فإذا ألقيت السمع وأحضرت القلب فأبشر بالخير من كتاب ربك ..هذه هي الوسيلة الأولى
وإن أردت زيادة الفائدة في هذه المسألة بعينها فأنظر إلى كلام بن القيم رحمه الله في كتابه الفوائد ...فقد أطال الكلام جدا عن هذه الآية بعينها بذاتها ..أطال الكلام وتكلم بكلام نفيس ..لولا أني أخشى ألا يفهمه كثير من الناس لذكرته في هذا الموطن ولكن فيه شيء من الصعوبة تركته لمن أراد أن يقف عليه ...أرجع إليه في كتاب الفوائد ستجد فوائد عظيمة جدا كلها مستنبطة من هذه الآية العظيمة
الوسيلة الثانية
لمن أراد أن يجتاز هذه المرحلة هي الترسل والترتيل عند قراءة القرآن
أنت الآن جمعت قلبك وأحضرت سمعك ..بعد ذلك ما الذي ينبغي لك ..إذا كنت تاليا لكتاب الله سبحانه وتعالى فإياك إياك والعجلة ..
إياك إياك والهدرمة إياك وإياك والحدر الزائد الذي لا يكون فيه شيء من التدبر والترسل عند تلاوة آيات الكتاب
لان هذا الأمر الذي هو العجلة والهدرمة وسرعة القراءة لكتاب الله سبحانه وتعالى ..هذا الأمر خلاف هدي النبي صلى الله عليه وسلم عند تلاوته لآيات القرآن ..
وهذه الوسيلة أيضا لابد منها لمن أراد أن يكون من أهل القرآن ..لأنها طريقة محمد صلى الله عليه وسلم وطريقة الصحابة وطريقة السلف رضي الله عنهم أجمعين مع كتاب ربهم فقد أخرج مسلم في صحيحة من حديث حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في ليلة من رمضان فقام يقرأ فقرأ بسورة البقرة ثم افتتح سورة آل عمران وفي لفظ أنه قرأ سورة النساء ثم افتتح بعد ذلك بسورة آل عمران كل ذلك في ركعة واحدة ....يقول حذيفة في وصف صلاة النبي صلى الله عليه وسلم فقرأها مترسلا أي قرأ السور الثلاث (البقرة ، والنساء ، وآل عمران ) قرأها مترسلا ..إذا مر بآية تسبيح سبح ...وإذا مر بسؤال سأل ...وإذا مر بتعوذ تعوذ .
تأمل رجل يقرأ هذه السور الطوال ولكنه مع ذلك إذا مر بآية فيها شيء من ذكر الجنة سأل الله عز وجل ...شيء من ذكر الخير سأل الله سبحانه وتعالى ...مر بآية فيها ذكر النار تعوذ بالله منها ..إذا كان فيها شيء من ذكر الشر تعوذ بالله عز وجل من هذا الشر ...وكذا أيضا التسبيح والتحميد والتهليل لله سبحانه وتعالى ...هذا يبينه صلوات ربي وسلامه عليه إذا قرأ القرآن قرأه قراءة متدبر متأمل متفكر لما يتلوه من الآيات العظيمة .
أيضا هذا أخذه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ...فابن عباس كما حكى عنه بن أبي مليكه يقول : سافرت مع ابن عباس فقام في وسط الليل يقرأ ...ولك أيضا أن تتخيل أن هذه الصلاة في حال سفر...والإنسان عادة في حال السفر يكون متعبا مجهدا ليس في نشاطه الذي يكون عليه في حال الحضر ....فهو الآن مسافر رضي الله عنه وأرضاه ومع ذلك يقوم نصف الليل فيقرأ القرآن حرفا حرفا يبكي حتى نسمع له نشيجا ...
فهذا ابن عباس رضي الله عنه وعن أبيه...يقوم ويصلي من الليل في حال السفر فإذا قرأ القران قرأه حرفا حرفا حتى يسمع له نشيج وبكاء وهو يتلو كتاب الله سبحانه وتعالى

وكذلك غيره أيضا من الأئمة ، فقد حكى عن الفضيل بن عياض رحمه الله رحمة واسعة أنه كان إذا قرأ القرآن قرأه قراءة مترسلة حزينة شجية كأنه يخاطب إنسانا .
أنظر إلى وصف قراءة الفضيل بن عياض رحمه الله رحمة واسعة كان إذا قرأ القرآن كانت قراءته حزينة شجية كأنه يخاطب إنسانا ، وهذه هي قراءة السلف رضوان الله عليهم أجمعين ، يقرءون القرآن قراءة حزينة مترسلة بطيئة شجية على نحو يتلذذ فيها المرء عند تلاوته لآيات الكتاب ولا يكون فيها شيء من الجفاء وشيء من السرعة وشيء من الهذرمة التي لا تليق بكتاب الله سبحانه وتعالى ، هذه الوسيلة الثانية لمن أراد أن يجتاز المرحلة الثانية معنا في هذا المستوى الذي يتعلق بكيف نكون من أهل القرآن وكيف نكون من أصحاب القرآن .

عندنا وسيلة ثالثة
أيضا لابد منها في هذه المرحلة وهذه الوسيلة هي تكرار الآيات عند الحاجة . فتكرار الآيات سنة نبوية ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم وثبتت أيضا عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وثبتت أيضا عن التابعين وأتباع التابعين وثبتت عن غيرهم من الأئمة إلى زمننا هذا فعن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي ذر وإسناده صحيح فقد صححه ابن القيم رحمه الله وصحح الحديث الحاكم وكذلك البوصيري وجماعة من أهل العلم .
عدد كبير من أهل العلم صححوا هذا الحديث " أن رسول الله قام بآية يرددها حتى الصباح " إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم " هذه الآية قام بها صلى الله عليه وسلم يرددها حتى الصباح وهو يبكي صلوات ربي وسلامه عليه لأنه وجد في هذه الآية شيئا وافق ما في نفسه صلى الله عليه وسلم من رحمته بأمته ومن شفقته عليهم فلما قرأ قول الله عز وجل "إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم " أراد أن يستجلب رحمة الله لأمته لأمة محمد صلى الله عليه وسلم فكرر هذه الآية وأخذ يرددها حتى الصباح .

وكذلك غيره أيضا ممن تلقوا عنه صلى الله عليه وسلم ، فقد حكى عبادة بن حمزة انه دخل على أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها وعن أبيها وهي تقرأ " فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم " يقول فجلست عندها وهي تكرر الآية حتى مللت ثم خرجت إلى السوق ثم عدت إليها وهي تكرر الآية " فمن الله علينا ووقانا عذاب ا لسموم "
هذه آية واحدة كان لها أثر في قلب هذه الصحابية الجليلة فأخذت ترددها وترددها زمنا طويلا
كذلك أيضا جاء ذلك عن التابعين ، فعن سعيد بن جبير رضي الله عنه وأرضاه انه قرأ
" واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله " فأخذ يرددها ويرددها ويرددها كثيرا
وجاء ذلك أيضا عن الضحاك بن مزاحم رحمه الله رحمة واسعة وهو يقرأ قول الله سبحانه و تعالى" لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل " فأخذ يرددها كثيرا كثيرا كثيرا ويبكي رحمه الله رحمة واسعة
ولذا جاء عنهم في هذا الباب أشياء كثيرة لا تنتهي ومن تأمل كلامهم في هذا الشأن وجد عجبا حتى أن محمد بن كعب القرضي رحمه الله رحمة واسعة كان يقول لئن أقرأ _ وتأمل كلامه _ يقول لئن اقرأ سورة الزلزلة إذا زلزلت الأرض زلزالها وسورة القارعة " القارعة ما لقارعة " لئن أقرا هاتين السورتين أحب إلي من أن أقرأ القرآن هزا
يقرأ سورتين قصيرتين من كتاب الله عز وجل أحب إليه من أن يقرأ القرآن هزا ، لما؟؟ لأن تكرار هاتين الآيتين أو تكرار أيضا هاتين السورتين أو تكرار آية أثرت في قلبك ووجدت لها نفعا في فؤادك هذا له أثر عظيم على هذا القلب حتى يتحرك وحتى يحيا وحتى ينعصر لكتاب الله عز وجل فيدمع القلب ثم تدمع العين
بعد ذلك من أثر وتأثير كتاب الله سبحانه وتعالى على الإنسان

إذاً أيها المؤمن إذا أردت أن تجتاز هذه المرحلة وترك العجلة فلابد وأن تستعين بشيء من الوسائل وهذه الوسائل هي
أولاً أن تلقي سمعك وأن تحضر قلبك عند قراءة كتاب ربك إذا فعلت ذلك فعند إذ بعدها
فكن أيه المبارك مترسلا في قراءة آيات الكتاب مترسلاً متأنياً في قراءة
آيات الكتاب ثم بعد ذلك إذا مرت بك أيه شعرت أن نفسك بحاجة إليها وأن لها
أثر على هذا القلب حينئذ أيها المؤمن قف عندها وكررها ورددها كثيراً
فإن لهذه الآية في قلبك آثر ليس بالهين ، وقد يحي الله عز وجل قلبك بآية واحده من كتاب ربك قد يحي الله سبحانه وتعالى قلبك حياة لا موت بعدها بإذن الله جل وعلى بآية واحدة من القرآن وهذا جرى لأناس كثر نعم جرى لأناس كثر سمعوا آية من كتاب الله سبحانه وتعالى فعاشوا بها دهراً وتنوروا بها عمرا طويلاً أذكر من ذلك في هذا العصر أن شاباً قد وقع في الفاحشة الكبرى وكان يواقع هذه الفاحشة مرات كثيرة في أزمنة متقاربة يقول فكنت مرة في رمضان فأثرت ألا أسمع الغناء وإنما أسمع كتاب الله سبحانه وتعالى فجعلت شريط للقرآن وأنا أسير في السيارة فأستمع إلى أحد القراء وهو يقرأ سورة يوسف فمر على قول الله سبحانه وتعالى ( كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين ) هو أستمع إلى هذه الآية فانتبه إلى أن الله عز وجل علل صرف السوء والفحشاء عن هذا النبي الكريم لأنه من عباد الله المخلصين فأعاد الآية مرة ثانيه ثم أعادها الثالثة فلما عادها الثالثة تبين له أن من كان من عباد الله المخلصين لا يمكن أن يقع في السوء والفحشاء لأن الله عز وجل صرف عن يوسف عليه السلام السوء والفحشاء ، لأي علة ولأي سبب لأنه من عباد الله المخلصين فأخذ يبكي ويردد في نفسه يقول إذاً أنا ليس من عباد الله المخلصين لأني وقعت في السوء والفحشاء أنا لست من عباد الله المخلصين لأني وقعت في السوء والفحشاء أنا لست من عباد الله المخلصين لأني وقعت في السوء والفحشاء ثم أخذ يردد الآية رابعة وخامسة وعاشرة يقول ساعة كاملة وقد أوقفت السيارة جانبا ما استطعت أن أكمل القيادة وأنا استمع إلى الآية وابكي وابكي ساعة كاملة وهو يكرر الآية ويرددها ويبكي بكاء شديدا ، يقول والله الذي لا إله إلا هو أني ما حركت السيارة بعد هذا الموقف إلا قد عاهدت ربي ألا أعود إلى فاحشة أبداً وما عدت إليها إلى ساعتي هذه بآية واحدة من كتاب الله عز وجل رددها و تأملها وتفكر فيها وهذا هو السر الذي نريد أن نصل إليه

في هذا الكلام هذا الذي نريد أن نصل إليه بإذن الله جل في علاه إذاً هذه الوسائل
أيها المؤمن حاول أن تستفيد منها في أن تحدث قلبك لكتاب ربك في أن تتجاوز
هذه المراحل لتكون من أهل القرآن ومن أهل شفاعة هذا القرآن العظيم
لعلنا نقف عند هذا الحد ونواصل بإذن الله سبحانه وتعالى فيما نستقبل

أسال الله عز وجل لي ولكم أن يجعل هذا القرآن هادينا و في الدنيا والآخرة
اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى ياذا الجلال والإكرام يا رب العالمين
اللهم أن نسألك برحمتك نسألك بجودك نسألك بكرمك نسألك بواسع فضلك وعطائك
أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا ونور أبصارنا وجلاء أحزاننا وذهاب همومنا بجودك وكرمك ياذا الجلال والإكرام
وصلى الله على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم .



توقيع أم الشهداء
إلى الذين يظنون أن هذه الأمة تموت قهرًا ..
نقول لهم : إنكم واهمون
فإن أرحام المؤمنات ..
لم تعقم
!!
أم الشهداء غير متواجد حالياً  
قديم 23-11-08, 12:41 AM   #12
أم الشهداء
جُهدٌ لا يُنسى
افتراضي الدرس العاشر .. مجموعة العزيمة الصادقة

التأني في قراءة القرآن


بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين .. والصلاة والسلام على رسول الله .. وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين..
نواصل ما كنا ذكرناه .. وقد كنا نتكلم عن الحلقة التي تتعلق بالمستوى الأول .. وعن المرحلة الثانية فيما يتعلق بالتأني وقراءة القرآن بدون عجلة .
وذكرنا هدي رسول الله –صلى الله عليه وسلم- في هذا الباب .. ثم هدي السلف الصالح –رضوان الله عليهم أجمعين- في قراءة القرآن.
وأريد قبل أن أنتقل إلى المرحلة الثالثة المتعلقة في هذا الباب .. نريد أن نأخذ نموذجا نقرأ فيه آيات من كتاب الله –سبحانه وتعالى- على طريقة أولئك الأوائل .. أولئك الأئمة الذين هداهم الله –سبحانه وتعالى- قبل أن نلج إلى المرحلة الثالثة .. فمن منكم يقرأ علينا آيات من كتاب الله –سبحانه وتعالى- ولكن يقرؤها قراءة مترسلة .. يرتلها ترتيلا يقف عند الآيات ويعتني ببيان ما في هذه الآيات من المعاني العظام .. سالكا في ذلك طريقته –صلوات ربي وسلامه عليه- عند قراءته لكتاب ربه ؟ من منكم؟
قرأ أحد الطلبة:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
(يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه * وصاحبته وأخيه * وفصيلته التي تؤويه * ومن في الأرض جميعا ثم ينجيه * كلا إنها لظى * نزاعة للشوى * تدعو من أدبر وتولى * وجمع فأوعى * إن الإنسان خلق هلوعا * إذا مسه الشر جزوعا * وإذا مسه الخسر منوعا * إلا المصلين * الذين هم على صلاتهم دائمون)
أحسنت .. يا بارك الله فيك
هذه آيات عظيمات .. قرأت لكم قراءة كما كانوا –رحمهم الله ورضي الله عنهم وأرضاهم- يتلون كتاب الله –سبحانه وتعالى- .. تأمل هذه الآيات وأنت تقرؤها قراءة مترسلة متأنية .. ترتلها ترتيلا .. وتتأمل في معانيها
هذه الآيات ليس فيها ما هو صعب .. ليس فيها ما هو مغلق على الفهم أبدا .. وإنما هي آيات يعرفها ويفهمها .. ويدرك المراد منها كل من كان له لسان عربي ، وبيان يفهم به هذه اللغة ، (يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه * وصاحبته وأخيه) صاحبته : زوجته (وأخيه * وفصيلته التي تؤويه) قبيلته .. عشيرته كلها من أولها إلى آخرها .. يريد أن يأخذ بهم ، ويرمي بهم في نار جهنم ، من أجل أن ينجو هو .. نعم .. موقف لكنه عظيم .. وموقف ولكنه شديد .. وموقف ولكنه –والله- ليس بالهين أبدا..
لو تأمله الإنسان وأعطاه حقه وهو يقرأ في كتاب الله –عز وجل- (يودُّ المجرم) من هو المجرم؟ المجرم: الذي أجرم في حق ربه –سبحانه وتعالى- ، وأجرم في حق نفسه ، وأجرم في حق الناس من حوله..
كيف يكون حاله؟ (يود) يرغب .. يحب .. أن يأخذ بأمه أقرب الناس إلى قلبه .. أن يأخذ بأبيه .. أن يأخذ بابنته .. أن يأخذ بابنه .. وقد كان في الدنيا من أشفق الناس بهم .. وأرحم الناس بأبنائه وبناته ..
إذا هو في يوم القيامة يود ويحب ويرغب أن يأخذهم جميعا .. فيلقي بهم في نار جهنم .. وهو يرى حر نار جهنم .. حتى ينقذ نفسه ! .. فالموقف عظيم..
(يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه * وصاحبته وأخيه * وفصيلته التي تؤويه...) ثم من؟ (ومن في الأرض جميعا) لا إله إلا الله .. لمَ؟ (ثم ينجيه) .. ما السر ؟ ما السبب؟ .. ما الحكمة؟ .. ما العلة؟ .. بين الله عز وجل ذلك ، وقال: (كلا إنها لظى) .. (يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه * وصاحبته وأخيه * وفصيلته التي تؤويه * ومن في الأرض جميعا ثم ينجيه ) يا رب لمَ هذا كله؟ .. وما سببه؟ .. ما علته؟ .. وما شأنه؟ .. لم يود هذا؟ .. هذا الإنسان أليس له قلب ؟! .. أليس فيه رحمة؟! .. أليس فيه شفقة؟! .. بلى .. كل ذلك وكثير ..
لقد كان في دنياه من أبر الناس بأمه .. ومن أحسن الناس معاملة لأبيه.. ومن ألطف الناس بأبنائه وبناته .. ولكن الأمر عظيم .. والهول شديد ؛ ولذا قال الله –عز وجل- وهو يبين علة ذلك: (كلا) كلا ماذا يارب؟ (كلا إنها لظى) .. هو رأى لظى ولم ير شيئا آخر.. لما رآها تمنى هذه الأمنيه .. وود هذا الود ..
(كلا إنها لظى * نزاعة للشوى) نزّاعة: جاءت بصيغة المبالغة ؛ أي أنها تنزع كل ما هو قابل للشوي نزعا شديدا .. هذا الشعر.. هذا الجلد .. وما يتبع ذلك..
كل ما كان قابلا للشوي فإنه يسقط بمجرد أن تلفحه النار لفحة واحدة ..!
ولذا قال الله عز وجل –في السورة الأخرى: (لواحة للبشر) أي أنها تلوحهم وتضربهم ضربا .. كما تضرب الخشبة العرضة .. كما يضرب اللوح البشرة .. أو كما يضرب اللوح الحيوان أو عير ذلك..
هكذا النار .. تضرب وجوه هؤلاء المجرمين..
(لواحة للبشر) فلما تلوحهم بضربتها القوية العريضة .. لست ضربة نحيفة .. وليست ضربة محددة في موضع دون موضع .. وإنما هي ضربة عامة .. كما تضرب الخشبة العريضة الجسد إذا وصلت إليه .. وإذا لامسته وأوجعته .. كذلك النار .. تضرب تلك البشرة .. وتضرب هذه الجلود ضربا كاملا هكذا كضرب اللوح .. ثم يحصل بعد ذلك أن ينزع كل ما هو قابل للشوى
ولذا قال الله –عز وجل- هنا: (كلا إنها لظى * نزاعة للشوى) أي شوى يا رب؟ (تدعو من أدبر وتولى * وجمع فأوعى) .. أدبر عن ماذا؟
أدبر عن القرآن .. وتولى عن كتاب ربه الرحمن .. وعاش في أحضان الشيطان .. في هذه الحياة الفانية .. فكان جزاؤه هذه النار ..
كان جزاؤه لظى .. التي تنزع منه ما كان قابلا للشوى.. (تدعو من أدبر وتولى * وجمع فأوعى * إن الإنسان خلق هلوعا * إذا مسه الشر جزوعا * وإذا مسه الخير منوعا) ثم انظر إلى الاستثناء العظيم .. الذي جاء في هذه السورة العظيمة..
من الذي ينجو من ذلك يا رب؟ .. ومن الذي يسلم من هذا كله؟ .. يا جبار السماوات والأرض.. انظر إلى جميل الاستثناء في هذه الآيات العظيمات .. فالذين ينجون من هذا البلاء العظيم هم صنف واحد من الناس .. من كان من المصلين.. وهل هو أي مصلٍ؟ .. لا .. وإنما هو مصلٍ لكنه على صلاته دائم .. فمن لم يكن من المصلين .. ومن الذين يديمون الصلاة .. ويحافظون عليها .. ولا يفرطون في شيء منها .. لا يصلون وقتا ويتركون أوقاتا .. ولا يضيعوم صلاةً فلا يصلونها إذا خرج وقتها .. هؤلاء هم الذين ينجون من لظى النزاعة للشوى..
أما من لم يكن كذلك .. فإنه لن ينجو منها أبدا .. ومن لم يكن من المصلين الدائمين على صلاتهم .. لن ينجو من ذلك أبدا .. بل إن جزاؤه أنه سيقف في موقف عظيم وهو يود أن يرمي بكل الناس وينجو من هذا الموقف المخزي .. سيرمي أقرب الناس إليه .. وسيرمي أحب الناس إليه.. وسيرمي أبعد الناس عنه أيضا .. من لم يره مرة من الزمن .. سيرمي بهؤلاء جميعا لكي ينجو هو .. ولن يحصل له ذلك .. إلا إذا كان من المصلين الذين هم على صلاتهم دائمون ..
وهذا يبين لك أن هذه الآية من أعظم الآيات التي تبين لك أهمية الصلوات المفروضة .. وتبين لكل مسلم أن من ضيع هذه الصلوات المفروضة فإنه حقيق بخزي من الله وعذاب .. وحقيق بوعيد شديد من جبار السموات والأرض..
ولكن لو قرأها وتأمل فيها قليلا قليلا .. لوجد ذلك أشد ما يكون بيانا .. وأشد ما يكون وضوحا .. الآيات ظاهرة .. لا تحتاج إلى مفسر .. ولا إلى كتاب .. ولا إلى مراجعة تفسير ابن جرير .. ولا إلى مراجعة لتفسير ابن كثير .. ولا لتفسير أبي السعود .. ولا إلى البيضاوي .. ولا إلى غيرها من كتب التفسير ..
وإنما هي بحاجة لشيء واحد فقط : وهو أن تقبل على كتاب ربك .. وأن تتلو هذا القرآن وأنت تعلم أنه من عند الرحمن –سبحانه وتعالى- فتقرأ قراءة متأنية .. متأملة .. متفكرة .. رابطا بين أوائل الآيات وبين أواخر الآيات .. تأمل هذا في هذا المقطع من هذه السورة .. أو تأمله أيضا من سور كثيرة أخرى .. ستجده أحسن ما يكون وأكمل ما يكون في علاجه لأمراض قلبك .. وفي إصلاحه لكل شؤون حياتك ..
ننتقل بعد ذلك إلى المرحلة الثالثة..
المرحلة الثالثة هي: الاستعانة بكتاب مختصر في التفسير عند الحاجة ..
وأعيد وأكرر أن هذا المستوى خاص لعامة المسلمين .. فعامة المسلمين ممن يريد أن يكون من أهل القرآن بدءاً يحدد السورة او السور التي سيقرؤها ويفتتح بها تدبره لكتاب ربه .. ثم بعد ذلك إذا اختار سورة من السور .. فإنه يقرؤها قراءة متأنية .. مترسلة .. يرتلها ترتيلا .. يكررها عند الحاجة ..
فإذا فعل ذلك ؛ فعندئذٍ بقي عليه أمر واحد فقط:
إذا مرَّت به آية وهو يتلو كتاب الله –سبحانه وتعالى- .. ولم يفهم كلمة من القرآن .. ولم يعلم معنى جملة من كتاب الله –سبحانه وتعالى- .. عندئذٍ .. فإن الله منّ علينا بكتب في التفسير .. ميسرة وسهلة .. يرجع إليها هذا القارئ لكتاب الله –عز وجل- ويستفيد منها ..عندئذٍ سينجلي ما كان غامضا .. ويتبين ما كان دقيقا .. ويصبح واضحا ظاهرا له أشد ما يكون الظهور ..

كتب التفسير الميسرة الظاهرة ليست بالقليلة , بل هي ولله الحمد والمنة كثيرة , وإن كان ليس منها ما هو جامع لكل ما تريد , هذا صحيح فليس هناك كتاب في التفسير تستطيع أن تقول إنه قد جمع ما تريد وتشاء وترغب من معاني تفسير الله عز وجل .. ولكن ولله الحمد والمنة أن هناك كتب قد صنفت تناسب عموم المسلمين يمكن أن نستفيد منها , وهذا الكلام فيما يتعلق بفهم ألفاظ وكلمات كتاب الله سبحانه وتعالى التي فيها شيء من الغموض وعدم الظهور لا بد منه من أجل أن يكمل فهمك لكتاب ربك .
ولذا يقول إمام المفسرين ابن جرير رحمه الله , وهو يحكي لك عبارة جليلة عظيمة خرجت من إنسان عارف بكتاب الله عز وجل , يقول : إني لأعجب ممن قرأ القرآن ولم يعلم تأويله كيف يتلذَّذ بقراءته ...اهـ .

انظر إلى كلمة هذا الإمام رحمه الله : إني لأعجب ممن قرأ القرآن ولم يعلم تأويله كيف يتلذذ بقراءته , معنى لم يعلم تأويله أي لم يعلم تفسيره ومعاني كلماته وما المراد منه , كيف يتلذذ بقراءته , نعم لن يتلذذ بقراءة القرآن , هذه اللذة التي يجدها من اقترب من كتاب الله , وفهم معانيه لن يجدها هذا لأنه لم يعلم تأويل كتاب الله سبحانه وتعالى , وهذه الكلمة خرجت من إمام عارف بكتاب الله سبحانه وتعالى , وكان من أهل القرآن الذين آتاهم الله عز وجل الفقه والتأويل لكتابه سبحانه وتعالى .

اختيار الكتاب المناسب قد يشق على الإنسان حقيقة , لأن في كل كتاب ما هو جميل وما هو مفيد للناس , عندما تنظر مثلا في : تفسير زبدة التفسير الذي اختصره الشيخ : سليمان الأشقر من كتاب فتح القدير , تجد أن فيه أشياء كثيرة ترجح هذا التفسير على غيره , فهو سهل ويسير وفيه بيان للآيات بشكل واضح جلي , وقد جمع الكلام عن كثير من الكلمات الغامضة بعبارة سهلة يسيرة , فهو من هذا الجانب من أحسن ما يكون , ومن أتم ما في هذا الكتاب ومن أحسن ما يوصف به هذا الكتاب أنه >>> أوضح الآيات الغامضات بكلمات سهلة يسيرة ليست بالعسيرة أبدا .
لكن ننظر إلى تفسير آخر مثل تفسير الشيخ العلامة : عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله .. تيسير الكريم المنان , فتجد أن في هذا التفسير أشياء كثيرة ليست موجودة في زبدة التفسير .
تجد أن في هذا التفسير مثلا : أنه يتكلم عن الفوائد من الآيات ويتكلم عن الأشياء التي فيها تربية وتهذيب وتأديب وتعليم وتزكية للنفس والفؤاد والقلب , وهذه الأشياء ليست موجودة في كتاب زبدة التفسير , بل إن تفسير العلامة السعدي رحمه الله قد فاق غيره من كتب التفسير الطوال في هذا الباب .
عندما تنظر مثلا في تفسير الجلالين , فإن هذا التفسير تجد فيه من أنواع النفع وأنواع الفوائد ليست بالقليلة أبدا , فهذا الكتاب أول ما يميزه أنه مختصر بشكل كبير جدا , الشيء الآخر أن الكلمات التي فسرت بها الآيات فسرت بعبارة دقيقة جدا إلى الغاية هي من أسلم ما يكون , فتفسير الجلالين لأن من ألفه كان إمام في اللغة والبيان والبلاغة فإنهم رحمهم الله ألفوا هذا الكتاب بعبارة دقيقة تعجب منها فأنت تنظر في تفسير الآية وتنظر في الكتب الطوال التي شرحت هذه الآية في كتب اللغة وفي كتب التفسير التي اعتنت بشرح الكلمات الغريبة وغير ذلك من الكتب المهمة في الباب , ثم ترجع إلى تفسير الجلالين فتجد ان هذين الإمام رحمهم الله رحمة واسعة قد بينوا لك هذه الكلمة بعبارة جلية جميلة دقيقة جدا في بيان دلالة الآية , وهذا الميزة في تفسير الجلالين ليست موجودة في كتب التفسير الأخرى المختصرة , وإنما تميز بها هذا التفسير العظيم .

ولكن يشكل على تفسير الجلالين أمور :
أولا : أن عبارته حينا تكون دقيقة غامضة على كثير من الناس , تحتاج هي إلى من يبينها ويوضحها .
ثانيا : أن الإمامين رحمه الله رحمة واسعة قد سلكا في بيان مسائل الأسماء والصفات في هذا التفسير العظيم قد سلكا مسلك أهل التأويل , فأولوا كثيرا في آيات الأسماء والصفات ولم يسلكوا طريقة السلف الصالح رضوان الله عليهم أجمعين من إجراء هذه الصفات والأسماء على ظاهرها من غير تأويل ولا تحريف ولا تمثيل ولا تكيف كما هي طريقة أهل السنة والجماعة في هذا الباب , فننتبه لهذا الأمر .

وسنختار من هذه الكتب ومن غيرها أيضا كتاب واحد وهو المسمى بتفسير الإمام السعدي رحمه الله , اخترناه ليكون هو المختصر الذي نرشحه لعموم المسلمين لكي يستفيدوا منه وينهلوا من علمه الذي سطره هذا الإمام رحمه الله رحمة واسعة , والكلام عن تفسير الإمام السعدي كلام قد يطول , ولكن ليس هو المراد هنا , ولكن المراد أن نذكر شيئا يسيرا من أسباب هذا الكتاب , فأختصر من مميزات هذا الكتاب ميزتين اثنتين :

الميزة الأولى : أن هذا الكتاب صنفه هذا الإمام وتكلم فيه في مسائل توحيد الربوبية والإلوهية والأسماء والصفات على طريقة السلف الصالح رضوان الله عليهم أجمعين , وعندما نذكر السلف الصالح فإننا نريد رسول الله صلى الله عليه وسلم , وصحابته الكرام والتابعين لهم بإحسان وتابع التابعين ومن سار على دربهم إلى يوم الدين .. هؤلاء لهم درب ولهم طريقة , ولهم منهج ولهم عقيدة فيما يتعلق بالتوحيد من أوله إلى آخره بأنواعه الثلاث , فهذا الكتاب سار على طريقة أولئك الركب رحمهم الله رحمه واسعة , فتكلم عن مسائل التوحيد بكلام بين سهل يسير تقبله فطرة كل مسلم من دون استثناء , كل مسلم لم تخالطه شيء من البدعة , ولم يخالطه شيء من الشبهات التي تبعده عن نور هذا الكتاب العظيم وعن هذه الآيات بسهولها ويسرها ووضوحها وبيانها في الكلام عن الله عز وجل وعن ربوبيته سبحانه وتعالى , وعن ملكه لهذا الكون العظيم , وعن أنه لا بأمره جل في علاه , وعن توحيده بمعنى أنه هو المقصود بالعبادة , وأنه لا يتوجه أحد مخلوق من المخلوقات كائنا من كان في عبادة من العبادات , بل إنما يصرف الخوف له سبحانه وتعالى , والرجاء إليه جل في علاه , وكذلك الرغبة والرهبة والتوكل , كل هذا وغيرها من عبادات القلوب إنما تتوجه إليه سبحانه وتعالى كما قال جل في علاه في أعظم سورة في كتابه { إياك نعبد وإياك نستعين } فكل عبادة له سبحانه وتعالى , وكل استعانة إنما به وعليه جل في علاه , فهذا الكتاب تميز بهذا الميزة وهي ميزة عظيمة , انه سار في هذا الشأن العظيم على طريقة أولئك الركب رحمهم الله , فهو لم يسلك درب التأويل , ونريد بالتأويل هنا : التحريف , تحريف آيات الأسماء والصفات عن ظاهرها , فيؤول صفة الرحمة إلى الإرادة , وصفة الإنعام إلى إرادة الخير وغير ذلك من أنواع التأويل , فإن هذا المنهج الذي اختاره جماعة ممن تكلموا في الأسماء والصفات منهج غير مرتضى أبدا , فإن المنهج المرتضى هو ما سار عليه أولئك الركب رحمهم الله رحمة واسعة , وهو مع انه ظاهر في حجبته بين في أدلته إلا أنه أيضا موافق لفطرة عموم المسلمين , تجد أن فطرة المسلم بسهولتها وظهورها ووضوحها وبياضها التي لم تشبها شائبة تجد انه يقبل هذا الأمر من دون عناء ومن دون مشقة , وإنما يتكدر معها من شابه شيء من البدعة , يتكدر معها من شابه شيء من الشبه الذي دخلت عليه في هذا الباب العظيم .. هذه هي الميزة الأولى ..

الميزة الثانية : وقد سبق الإشارة عليها وهو ان هذا الغمام جعل من تفسيره تربية وجعل منه منهجا في تأديب الناس بكتاب الله سبحانه وتعالى ..
لما تقرأ في هذا التفسير تجد عجبا , تجد أنه يريد من الناس أن يزكيهم .. أن يربيهم .. أن يهذبهم .. أن يؤدبهم .. أن يأخذ بأيديهم إلى أخلاق أهل الإسلام .. أن يأخذ بأيديهم إلى هدي أهل الإسلام .. أن يأخذ بأيديهم إلى خلق القرآن , ولذا تجد انه اعتنى عناية فائقة في هذا الباب , فمن أراد أن يتربى بالقرآن فإن هذا الكتاب من أفضل الوسائل الناجعة والناجحة والنافعة في تربيته أي تربية نفسه , وتربية من حلوه بهذا القرآن العظيم ..

سنأخذ نماذج على ذلك , ولكني قبل أن آخذ نموذجا واحدا من سورة واحدة من تفسير هذا الإمام رحمه الله أريد أن أبين لك أمر وهو فيما يتعلق : لما الحاجة إلى الاستعانة بكتاب من كتب التفسير ؟؟
سبب هذه الحاجة >> أنك عندما تقرا في كتاب الله عز وجل ستلحظ أن الكلمات الواردة في هذا الكتاب العظيم على نوعين :
الأول : هو عبارة عن كلمات واضحة ظاهرة جلية لا إشكال فيها يفهمها كل قارئ لكتاب الله عز وجل إذا كان يتكلم بلسان عربي مثل كلمة : الشجر – الشمس – القمر – الليل – النهار ... ونحو ذلك من الكلمات , هذه الكلمات لا تحتاج إلى بيان ولا إلى تفسير , ظاهرة واضحة ..
الثاني : ولكن هناك كلمات تحتاج إلى شيء من البيان والتوضيح , لأن ألسنة الناس في هذا الزمان قد تغيرت عن اللسان العربي الفصيح , عن اللسان العربي المبين , قد نقصت عربية الناس في كلامهم ودخلت عليهم العجمة , فحينا تمر الكلمة ولا يفهمون معناها وهذا كثير في كتاب الله عز وجل , لأن الناس ابتعدوا عن لغتهم كثيرا مثل : ( غسلين ) – ( الصمد ) – ( الفلق ) – ( من شر الوسواس الخناس ) ما الفرق بين الوسواس والخناس في لغة العرب , وهكذا تمر عليك عبارات تحتاج إليها أن ترجع إلى كتاب من كتب التفسير يبين لك ما معناها ..
مثلا : تقرأ في أوائل سورة النازعات ( والنازعات غرقا * والناشطات نشطا *و السابحات سبحا * فالسابقات سبقا * فالمدبرات أمرا ) ماذا تعني هذه الآيات ؟؟؟ ماذا يراد منها ؟ ماذا يقصد بها ؟ تحتاج إلى أحد يعينك من أهل العلم على فهم هذا الكلمات وهذه الجمل وهذا الآيات بعد إن أتصل بعضها إلى بعض , فعندئذ إذا مر بك شيء من هذا في كتاب الله عز وجل لا بد بأن تستعين بكتاب من كتب التفسير الميسرة المسهلة التي صنفت من أجلك ومن أجل عامة المسلمين .

نأخذ بعد ذلك مثالا من تفسير هذا الإمام العظيم , من هذا الكتاب العظيم , ونقرا من كلامه وأريد أن أبين لك بعض ما ذكره هو في هذا الكتاب , وأنا أقول لك هذا من أجل أن عندما تقرأ في هذا التفسير أيضا يا أخي المؤمن يا أخي المبارك لا تقرأ قراءة عجلة , هذه القراءة المستعجلة , القراءة السريعة الهذرمة حتى لكلام أهل العلم لا تنفعك شيئا ولا تفيدك شيئا .. قراءة الجرائد قراءة المجلات قراءة القصص ونحو هذه من القراءات هذه لا تصلح مع كتب أهل العلم أيا كانت , ففرق بين كتاب تقراه تبحث فيه عن خبر , أو صحيفة تقرأها تنظر فيها عن موضوع عامي دارج , وبين أن تقرأ كتب أهل العلم .. على رسلك , في كتب أهل العلم لابد أن تكون القراءة نوعا ما فيها شيء من الاهتمام بهذا الكتاب .. فيها شيء من التركيز .. فيها شيء من التأني .. فيها شيء من النظر .. فيها شيء من الانتباه لما تقرأ فنريد أن نقرا كلام هذا الإمام في تفسير سورة من السور , ثم نقف عند كلامه رحمه الله , ومن أين له هذا الكلام في تفسيره لكلام المنان , فنختار سورة من السور , ولعلها أن تكون سورة المطففين بناءا على طلب إحدى الأخوات , وأن نقرا كلام هذا الإمام فيما يتعلق بهذه السورة , ثم نعلق ثم نعلق تعليقا يسيرا أرجوا أن يكون نافعا ...

قال تعالى { وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ }


قال الشيخ رحمه الله في تفسيره : [ويل" كلمة عذاب و عقاب للمطففين و فسر الله المطففين بأنهم (( الذين إذا اكتالوا على الناس)) أي أخذوا منهم وفاء لهم ((يستوفون)) ذلك كاملا من غير نقص ((و إذا كالوهم أو وزنوهم)) أي إذا أعطوا الناس حقهم الذي لهم عليهم بكيل أو وزن ((يخسرون)) أي ينقصوهم ذلك إما بمكيال أو ميزان ناقصين أو بعدم ملء المكيال و الميزان أو بغير ذلك، فهذا سرقة لأموال الناس و عدم إنصاف لهم منهم ]انتهى كلام الشيخ رحمه الله.
الآن الإمام رحمه الله يتكلم عن قول الله عز وجل(( وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ))، فالله سبحانه و تعالى يتوعد نوعا من الناس، هؤلاء الناس أسماهم الله عز وجل بالمطففين .
كلمة المطففين هنا تدل على مجمل التطفيف، فكل من كان مطففا فإنه داخل في هذا الوعيد ، ثم بين الله عز و جل صفة واحدة من صفات الذين يطففون في الموازين و يبخسون الناس حقوقهم ، و أريدك أن تتأمل أن هذه المسألة ليست راجعة إلى مسائل الاعتقاد بل إلى معاملة الناس بعضهم مع بعض ، و مع ذلك جاء الكلام عنها في سورة قصيرة من كتاب الله عز و جل ؛ ليبين لك أن هذا الأمر الذي يتعلق بالعدل بينك و بين الناس و بإيفاء الناس حقوقهم من المسائل المهمة في دين الله عز وجل، فإن مما يجب على المسلم الذي اعتقد دينا أن الله ربه و أن محمدا صلى الله عليه و سلم رسوله و أن هذا القرآن من عند الله عز و جل، أن يعتني عناية كاملة تامة بأن يعدل في تعامله مع الناس، فإذا أخذ حقه من الناس وافيا فكذلك يعطي الناس حقهم وافيا و لا يبخسهم شيئا من حقوقهم.
و أريدك و أنت تقرأ كلام الشيخ أن تلاحظ أن الشيخ يعمم في الكلام و قصده من هذا التعميم أن يبين لك أن أي تطفيف فهو داخل في الوعيد الذي جاء في الآيات، و أضرب لك مثلا معاصرا حتى تفقه كلام الشيخ، و سيأتي من كلامه ما يؤكد هذا ، و لكني سأذكر لك ما يفتح ذهنك إلى قصده رحمه الله: انظر مثلا إلى حال الناس الذين يبيعون بعض المعلبات أو بعض الأشياء التي تغلف بأنواع من البلاستيك أو الكرتون و نحو ذلك، هذه الأشياء يوضع عليها وزن من الأوزان، فعندما يقال هذه العلبة فيها مائتين و خمسين جراما أو لتر أو نصف لتر و نحو ذلك ، تصور أيها المبارك لو أن واحدا من هؤلاء و هو ينتج واحدا من هذه المنتجات التي تباع في الأسواق بالآلاف ؛ بل عشرات الآلاف و مئات الآلاف ، لو أنه بخس الناس في هذا الأمر في شيء يسير من حقوقهم، كأن يكتب على العلبة مائتين و خمسين جراما، ووزنها الحقيقي مثلا مائتين و خمسة و أربعين جراما، هي نسبة قليلة، و لكن عندما تنظر في أن هذا الوزن القليل قد عم الناس من أولهم لآخرهم ممن تعامل مع هذه المادة و ممن اشتراها و أعاد بيعها، من تأمل هذا و أن هذا المنتِج قد أصبح من المطففين و أن الوعيد عليه هنا جاء بقول الله عز و جل ((ويل للمطففين)). إذا استوعبت هذا المعنى بشكل كامل، عندئذ أيها المؤمن ستدرك أنك إن قرأت هذه السورة قراءة كاملة تامة ، قراءة فيها فهم و تدبر لن تفعل هذا الفعل و لو مرة واحدة في حياتك، و لن تظلم مسلما و لو أنك بعت له شيئا يسيرا ، فإن استطعت أن تبخسه من حقه لن تفعل لأن الأمر عظيم ، و لذا استمع لكلام هذا الإمام و هو يتكلم عن قول الله عز و جل ((ويل للمطففين )) و يبين لك عموم التطفيف في حال كثير من الناس في البيع و الشراء و في الأقوال و الأفعال و في غير ذلك .
قال: [و إذا كان هذا وعيدا على الذين يبخسون الناس بالمكيال و الميزان ، فالذي يأخذ أموالهم قهرا و سرقة أولى بهذا الوعيد من المطففين، و دلت الآية الكريمة على أن الإنسان كما يأخذ من الناس الذي له يجب أن يعطيهم كل ما لهم من الأموال و المعاملات؛ بل يدخل في عموم هذا الحجج و المقالات، فإنه كما أن المتناظرين قد جرت العادة أن كل واحد منهما يحرص على ما له من الحجج فيجب عليه أيضا أن يبين ما لخصمه من الحجة التي لا يعلمها و أن ينظر في أدلة خصمه كما ينظر في أدلته هو، و في هذا الموضع يعرف إنصاف الإنسان من تعصبه و اعتسافه، و تواضعه من كبره و عقله من سفهه]
انظر إلى كلامه رحمه الله، هذا الإمام ذهب مذهبا بعيدا في تفسيره لكلمة المطففين، فيقول لك إن صفة التطفيف هنا و إن كانت جاءت بدءا فيما يتعلق بالمكاييل و الموازين و نحو ذلك مما يشتري به الناس و يتبايعون، الأمر أعظم من هذا بكثير ، بل إنه يقول لك و هو يبين بعد نظره رحمه الله : بل إن التطفيف قد يكون بالحجج و المناظرات ، فأنت تحاج آخر قد يكون مسلما و قد يكون كافرا ، تناظره في مسألة من المسائل، فيقول إن كنت تعلم حجة لا يعلمها صاحبك و هي تنفع له فأخفيتها عنه و أنت تريد أن تبين له الحق الذي عندك تكون في هذه الحال من المطففين، و تكون متوعدا ب "ويل" التي جاءت في أول هذه السورة حتى في مسألة المناظرة و المجادلة، فما بالك بأشياء كثيرة ؟ فالتطفيف واسع جدا ، و الإمام أراد أن يضرب لك مثلا في هذا الباب، فالتطفيف حينا يكون بينك و بين زوجتك فأنت رجل البيت الآمر الناهي الذي له القوامة و هي ضعيفة مسكينة في البيت، فقد تخطئ أنت خطأ فتحمّلها إياه، و قد تخطئ هي خطأ كخطئك أنت قبل ذلك فخطؤك مغفور أما خطؤها هي فغير مغفور ؛ بل هو محفوظ عليها تعاتبها عليه ليلا و نهارا ، و قد تحاسبها و تشتمها و تتكلم في هذا الأمر كثيرا و تأخذ و تعطي، فهل هذا من العدل أم من التطفيف؟ و حتى مع أولادك و جيرانك و أصحابك و أحبابك، عامل الناس بما تحب أن يعاملوك به و إلا كنت من أهل التطفيف الذين قال الله عز و جل فيهم ((ويل للمطففين)).

أسأل الله عز و جل بأسمائه الحسنى و صفاته العلى أن يجعلنا و إياكم من أهل القرآن ،
و أن ينير قلوبنا بكتابه، و أن ينير أبصارنا بكتابه، و أن ينير أسماعنا بكتابه،
اللهم اجعل لنا من كتابك حظا يا ذا الجلال و الإكرام،
و صلى الله و سلم على نبينا محمد

التعديل الأخير تم بواسطة أم أسماء ; 26-11-08 الساعة 09:54 PM
أم الشهداء غير متواجد حالياً  
قديم 27-11-08, 01:18 AM   #13
أم أسماء
جُهدٌ لا يُنسى
 
تاريخ التسجيل: 22-05-2007
المشاركات: 7,201
أم أسماء is on a distinguished road
افتراضي

تفريغ الدرس الحادي عشر: تابع الحديث عن تفسير السعدي



بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وأتباعه وأنَّا معهم برحمتك يا رب العالمين.
كنا تكلمنا سابقاً عن تفسير الإمام السعدي رحمه الله رحمة واسعة تفسير الكريم المنان، وهذا التفسير ذكرنا لكم شيئاً من مميزاته وستدركون كثيراً من هذه المميزات وهذه الميزات إذا كنتم معنا في كلامه رحمه الله في تفسيره هذه السورة قد أخذنا المقطع الأول من كلامه على تفسير أوائل سورة المطففين، والآن نواصل بإذن الله جلا وعلا قراءة كلامه في تفسير أواسط هذه السورة، ثم بعد ذلك في تفسير أواخرها بإذن الله جلّ وعلا.
قرأ أحد الطلبة :
( قال نسأل الله التوفيق لكل خير، ثم توعد تعالى المطففين وتعجب من حالهم وإقامتهم على ما هم عليه فقال ﴿ أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾[المطففين:4-6].
فالذين جرأهم على التطفيف عدم إيمانهم باليوم الآخر، وإلا فلو آمنوا به وعرفوا أنهم سيقومون بين يدي الله سيحاسبهم على القليل والكثير لأقلعوا عن ذلك وتابوا منه).

أكمل الشيخ :
انظر إلى لطيف كلامه رحمه الله، لما الناس تطفف في المكاييل، لما تظلم؟ لما تبخس الناس حقوقها؟ لما يكون من الإنسان أنواع من الظلم؟ بل قد يوقع الظلم على أقرب الناس له يوقع الظلم على أناس لم يؤذوه يوماً من الدهر أبداً يوقع الظلم على أناس هم قد أحسنوا إليه دهراً طويلاً من عمره، ثم بعد ذلك يظلم ويطفف سواء كان هذا التطفيف في المكاييل في الموازين في الكلام في الظلم في غير ذلك من أموره مع الناس بل في أموره مع نفسه؟ بل أيضا كذلك في أموره مع خاصته وأهله وأحبابه وأصحابه لما يقع هذا من كثير من الناس؟ ما السبب ؟ ما السر ؟ لما لا يعدل في معاملاته مع نفسه، في معاملاته مع من حوله، في معاملاته مع ربه جلّ جل في علاه لما لا يعدل؟ هو سبب واحد، هو سر واحد هى علة واحدة بينها الله سبحانه وتعالى وأشار إليها هذا الإمام في هذا التفسير ﴿ أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ﴾ هذا هو السبب، من ظن أي من اعتقد اعتقاداً جازماً والظن في القرآن كما تعلمون على نوعين: الظن يأتي بمعنى اليقين وهذا ورد كثيرٌ في كتاب الله عزّ وجلّ بل أكثر كلمات الظن في كتاب الله سبحانه وتعالى جاءت في هذا المعني، ويأتي بمعني غلبة الظن أو الوهم ونحو ذلك، فالظن يأتي على هذين النوعين في كتاب الله سبحانه وتعالى، فالآن هنا يقول الله عزّ وجلّ ﴿ أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ ﴾ أي ألا يعتقد اعتقاداً جازماً أو ألا يعتقد اعتقاداً غالباًَ أنهم سيبعثون؟! الإنسان الذي يعتقد اعتقاداً جازماً أنه سيبعث أو أيضاً يغلب على ظنه أنه سيبعث هل سيفعل هذا الفعل القبيح هذا الفعل السيئ سيطفف في المكاييل والموازين سيظلم الناس سيبخس الناس حقوقهم؟ لا. لن يفعل ذلك أبداً؛ لأنه إن فعله سينظر ما ينتظره عند الله عزّ وجلّ من الحساب والعذاب.
ولذا إن فعله فإنه يعود مباشرة إلى الله عزّ وجلّ يعود تائبا آيبا خائفا راجياً ويستغفر ربه سبحانه وتعالى ويتوب إليه، أما إذا لم يعتقد بوجود اليوم الأخر أو لم يغلب على ظنه غلبة سيطرت على هذا القلب بمعني أنها حركته إلى الخوف مما ينتظر في ذلك الموقف العظيم؛ عندئذ سيبخس الناس في حقوقهم، وأنت ترى في حال الناس كثيراًَ من يبخس كثيراً من يظلم كثيراً من يطفف، ما سر ذلك، ما سببه؟ سببه شيء واحد هو أنه لم يعتقد اعتقاداً جازماً يقينا كاملاً تاماًَ بأنه سيبعث في اليوم الأخر، إذ لو استقر هذا الاعتقاد في القلب واستقرهذا الإيمان في الفؤاد سيطر على جوارحه جميعاً فما تجد جارحة من جوارحه تظلم ولا تبخس ولا تطفف ولا غير ذلك، وإن وقع منه تاب وعاد وأناب وأعاد إلى الناس حقوقهم، هذا شيء من إشارة هذا الإمام في تفسير قول الله عزّ وجلّ ﴿ أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ ﴾ فمن وقع في شيء من التطفيف فليعلم أن في إيمانه بالله عزّ وجلّ وفى إيمانه بالبعث والنشور وفى إيمانه بالحشر بعد الموت في إيمانه خلل وفى إيمانه نقص وفى إيمانه ضعف، إذ لو كان الإيمان صحيحاً ولو كان الإيمان قوياً ولو كان اليقين تاماً كاملاً لما وقع في هذا الفعل وإن وقع عاد سريعاً، نكمل بقية الآيات.
قرأ أحد الطلبة :
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿ إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آَيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ * كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ * ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ * ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ ﴾[المطففين:13-17].

أكمل الشيخ :
أحسنت يا بارك الله فيك، إذا استمع المؤمن هذه الآيات سيأتي إلى خاطره معاني عدة لأن الآيات تنزلت بلسان عربي ظاهر، بلسان عربي مبين فعندما يستمع إلى قول الله عزّ وجلّ: ﴿ ﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ سيفهم، يعني سيفهم فهماً عاماً معني هذه الآية، ثم يستمع إلى قول الله عزّ وجلّ ﴿ كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ﴾ سيفهم فهماً عاماً أيضاً، ولكن هذا الفهم العام انظر كيف سيكون؟ وكيف سيتسع؟ وكيف سينجلي بدون حجب؟ إذا استمعت إلى كلام هذا الإمام في تفسيره لهذه الآية .
قرأ أحد الطلبة :
قال الإمام رحمه الله في تفسيره ( لأن الله تعالى قد أقام عليه من الأدلة القاطعة والبراهين ما يجعله حق اليقين وصار ببصائره بمنزلة الشمس للأبصار بخلاف من ران على قلبه كسبه وغطته معاصيه فإنه محجوب عن الحق ولهذا جُزي على ذلك بأن حُجب عن الله كما حجب قبله عن آيات الله ثم إنهم مع هذه العقوبة البليغة لصالوا الجحيم ثم يقال لهم توبيخاً وتقريعاً هذا الذي كنتم به تكذبون فذكر لهم ثلاث أنواع من العذاب عذاب الجحيم، وعذاب التوبيخ واللوم وعذاب الحجاب عن رب العالمين ).
أكمل الشيخ :
أحسنت يا بارك الله فيك، انظر إلى كلام هذا الإمام وهو يفسر هذه الآيات يقول لك في تفسير قول الله عزّ وجلّ ﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ﴾ يقول لك إن الله أقام من الأدلة القاطعة والبراهين ما يجعله حق اليقين وصار لبصائرهم بمنزلة الشمس للأبصار، صار لبصائرهم أي لنور قلوبهم مثل الشمس للأبصار، الشمس الآن إذا غابت ولم يكن هناك نور هل ممكن أن يرى هذا البصر؟ هل ممكن أن يرى هذا البصر؟ لا يمكن كذلك بالنسبة لنور البصيرة لا يمكن أن يرى القلب ببصيرته حتى يكون القرآن دليله وهو هاديه النور الذي يكشف الظلمات من أمامه، ثم قال رحمه الله: بخلاف من ران على قلبه كسبه وغطته معاصيه فإنه محجوب عن الحق. الآن الإنسان إذا أكثر من المعاصي يعني أضرب لك أمثلة إنسان يخرج في صباحه في أول النهار فيمشي في الشارع فيرى امرأة متبرجة سافرة فينظر إليها ويتأمل فيها هذه معصية أليس كذلك؟ وهو يمشي رأى رجلاً كسيراً كسيحاً فقيراً قد تكون ملابسه متسخة قد تكون هيئته ليست بذاك قد تكون حالته حال البائس الفقير الضعيف الذي اعترضته الدنيا من كل جهة وأثرت فيه وجعلته لينظر إليه يشعر بالشفقة عليه فيرمي كلمة من الاستهزاء وشيئاً من السخرية يسمعها ذاك أو لا يسمعها فتأتي أيضاً معصية أخرى، يمشي فيتكلم مع صديق له مع زميل فيذكرون زميل لهم آخر أو يذكرون رجلاً آخر غريباً عنهم أو يذكرون كذا وكذا من الناس فيتكلمون عن فلان فجاءت معصية ثالثة، يركب مع إنسان فيتعرض لشيء من المضايقة في الطريق سيارة تعرضت له ضايقته في شيء فيأخذ يسب يشتم يلعن بلسانه وهكذا، يرجع إلى بيته وهو متعب من عمله من دراسته فإذا دخل البيت ووجد أخيه الصغير وجد أخته الصغيرة وجد كذا وكذا فعندئذ يأخذ يتعامل معهم بشيء من العنت شيء من الظلم فيضرب يتكلم في هذا يأخذ حق هذا، يقابله والده يريد منه خدمة وكذا فيرفض يأبى يتعنت يخرج كلمات أف وغير ذلك من الكلمات التي هي أعظم من أف، والدته تطلب منه أمراً فتقول والله يا فلان نقص علينا في الغداء كذا نقص علينا في العشاء كذا أتمنى أنك تذهب وتحضرها حتى لا يأتي والدك ويكون الغداء غير جاهز فيرمي كلمة على أمه يرفض أن يذهب أنا متعب يخلد إلى الراحة وغير ذلك من الأمور فما ينتهي اليوم إلا وقد جمع أنواعاً من المعاصي، وأعظم من ذلك كله أن يقع في قلبه شيء من محبة لا تليق إلا بالله عزّ وجلّ فيحب مثلاً فناناً من الفنانين أو يحب مغنية من المغنيات أو فاسقا من الفساق أو فاجرة من هؤلاء الفاجرات أو كافراًَ من الكفار فيقع في قلبه محبة عظيمة لهذا، أو كذلك يقع في قلبه توكل على غير الله عزّ وجلّ، خوف لا يليق إلا بالله سبحانه، رغبة لا تنبغي إلا إليه جلّ في علاه، أو يقع في لفظة محرمة شرك يحلف بغير الله عزّ وجلّ، أو يدعو غير الله سبحانه وتعالى، أو يتقرب إلى جن أو ساحر أو شيطان ومن هذا القبيل يريد يحصل على فلانة من الناس تقبل به زوجاً أو أن ترغبه ويكون بينه وبينها محبة، فيذهب إلى ساحر إلى مشعوذ وغير ذلك من الأمور، تتم هذه الأمور على قلب هذا الإنسان فتكون عليه طبقات من الظلمات يكون في حصن حصين لكن ليس حصناً من الله وإنما حصناً بناه الشيطان ورده عن نور هذا القرآن فعندئذ هذا الوضع هو الذي يجعل الإنسان ﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ فجاء العقاب من الله عزّ وجلّ الآن هذه الحجب وهذه الحصون المظلمة وهذه الأغطية على القلب من الذي جعلها على قلبه؟ هو الإنسان بفعله بظلمه لنفسه فكان الجزاء من جنس العمل فقال الله عزّ وجلّ ﴿ كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ﴾ فلما حجبوا هم قلوبهم عن نور الله عزّ وجلّ بمعاصيهم وما اقترفوه من الكبائر والذنوب حجب الله عزّ وجلّ وجهه الجليل عنهم يوم القيامة فلا يرونه فكان الجزاء من جنس العمل.
هذا ذكره هذا الإمام في أوجز عبارة وأوقف إشارة رحمه الله رحمة واسعة فقال هنا: ولهذا جُزي على ذلك بأن حجب عن الله كما حجب قلبه عن آيات الله لما حجب قلبه بهذه الذنوب بهذا الران حَجَبَه الله عزّ وجلّ عنه سبحانه وتعالى من أن يراه، فانظر إلى لطيف عبارته رحمه الله ولكنها تحتاج أن تقرأها وأن تتأمل في كلامه البديع في كلامه الجميل في كلامه الرائع الذي يحي الله عزّ وجلّ به القلوب، ثم بيّن لك أمراً آخر لطيف أيضاًَ: فالله عزّ وجلّ لما ذكر حال هؤلاء المكذبين ذكر أنواعاً من العذاب وهذه الأنواع هي ثلاثة بينها الله سبحانه وتعالى في هذه الآيات:
الأول من أنواع العذاب لهؤلاء المكذبين هو عذاب الجحيم فالله سبحانه وتعالى بعذاب الجحيم فقال سبحانه وتعالى ﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ * ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ ﴾ فذكر أنهم سيجزون بسبب هذه الأعمال الفاسدة سيجزون الجحيم وسيصلون بها هذا هو الجزاء الأول.
الجزاء الثاني هو أنهم سيوبخون وسيأتيهم التقريع واللوم من الله عزّ وجلّ وهذا يزيدهم عذابا فوق العذاب، فقال الله عزّ وجلّ هنا: ﴿ ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ ﴾ ثم يقال أي يقال لهؤلاء المكذبين ﴿ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ ﴾ كنتم تكذبون بالبعث، تكذبون بالحشر، تكذبون بيوم القيامة، تكذبون بالجنة، تكذبون بالنار، سواء كان هذا التكذيب باللسان بأن يقول أنا أكذب، أو كان هذا التكذيب تكذيب بالفعل أن يقول الإنسان أنا أصدق وأنا أؤمن بها جميعاً، ولكنه في حقيقة الأمر من يتأمل فعله ويتأمل حاله ويتأمل واقعه ويتأمل أفعاله مع ربه وأفعاله مع نفسه وأفعاله مع الناس فإنه عندئذ يعلم أنه من المكذبين بيوم الدين وإن زعم ما زعم فيكون حاله كحال المنافقين، فالله عزّ وجلّ هنا يقول وهو يبين النوع الثاني من أنواع العذاب لهؤلاء ﴿ ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ ﴾ هذا هو العذاب الثاني التوبيخ واللوم وما أشده في ذلك الموقف العظيم وما أشد وقعه على الإنسان في ذلك الموقف الكبير الجليل.
ثم ذكر النوع الثالث من أنواع العذاب فقال: ﴿كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ﴾ وهو أن يحجبوا عن رؤية وجه الله سبحانه وتعالى الذي رؤيته هي أعظم ما ينعم الله به سبحانه وتعالى على عباده المؤمنين، وأعظم ما يعاقب به الكافر أنه يحجب عن النظر إلى وجه ربه الجميل، الله عزّ وجلّ هو خالق الجمال، وهو سبحانه وتعالى الذي أودع كل جمال في هذا الكون هو الذي خلقه، فكل جمال فإنما هو أثر من صفة الجميل له سبحانه وتعالى كما ذكر ذلك ابن القيم رحمه الله رحمة واسعة، كل جمال في الكون إنما هو أثر من آثار صفة الجمال له سبحانه وتعالى، وقد صرح بذلك النبي صلى الله عليه وسلم أن الله متصف بهذه الصفة فقال ( إن الله جميل يجب الجمال ) والله له الجمال المطلق، وافهم معي الجمال المطلق أنت ترى الآن في هذه الحياة مناظر جميلة تبهر ناظريك لا تستطيع أن تبعد عينيك عنها من شدة جمال المنظر ترى مخلوقًا جميل جداً، ترى منظراً بهياً لطيفاً، ترى شيئاً يسرك عند النظر إليه، هذا المنظر أيها المؤمن أيها المبارك إنما هو أثر يسيرٌ جدا من أثر صفة الله الجميل سبحانه وتعالى، فعندما تنظر إلى ذي الجمال المطلق جلَ في علاه يوم القيامة كيف سيكون حالك ؟! وكيف ستسر بهذا النظر العظيم وجه الجميل الجليل سبحانه وتعالى؟! أولئك يعلمون أن أهل الإيمان نظروا إلى وجهه فتأكلهم الحسرات وتفعل بهم الزفرات وأنواع الندم ما يفعل أشد ما يكون نوع من العذاب أشد ما يفعل العذاب يفعل بهم هذا النوع من العذاب يفعل بهم أشد النكال؛ لأنهم حجبوا عن ربهم سبحانه وتعالى ولذا ذكر هذا النوع هنا فقال ﴿ كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ ﴾ متي ؟ ﴿ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ﴾ .
أيها الأخوة فاصل قصير ثم نواصل مع تفسير هذا الإمام العظيم.
- فاصل تلفزيوني -
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحياكم الله مرة أخرى، ونعود أيضاً مع تفسير هذا الإمام في سورة المطففين، ونقرأ المقطع الأخير من هذه السورة العظيمة الجليلة الكبيرة فيما ذكرته من المعاني والعظات والعبر، ثم نقرأ بعد ذلك تفسير الإمام السعدي في بيانه لهذه الآيات .
قرأ أحد الطلبة :
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿ إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ * تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ * يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ * خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ * وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ ﴾[المطففين:22-28].
أكمل الشيخ :
أحسنت بارك الله فيك، أقرأ يا أخى.
قرأ أحد الطلبة :
قال الإمام رحمه الله في تفسيره: ( عيناً ﴿ يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ صرفاً وهي أعلى أشربة الجنة على الإطلاق فلذلك كانت خالصة للمقربين الذين هم أعلى الخلق منزلة وممزوجة لأصحاب اليمين أي مخلوطة بالرحيق وغيره من الأشربة اللذيذة )
أكمل الشيخ :
نعم، هذه كلامه رحمه الله في تفسير قول الله عزّ وجلّ ﴿ وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ ﴾ الله عزّ وجلّ تكلم في أوائل الآيات عن جزاء الأبرار ﴿ إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ ﴾ إن الأبرار لفي نعيم فتكلم عن جزاء الأبرار، وذكر ما للأبرار من النعيم وهذا النعيم الذي ذكره الله سبحانه وتعالى للأبرار قد بينه في آيات كثيرة وذكر منه شيئاً ليس باليسير سواء في سورة الرحمن أو في سورة الواقعة أو في غير ذلك من السور الكثيرة، ولكن هنا نبه على نوع خاص من النعيم لأناس موصوفين بصفة خاصة، هؤلاء الناس لهم وصف ولهم أيضا نعيم مقابل لهذا الوصف وفائدة معرفة هذا الوصف ومعرفة المتصفين به أن تعلو همة الإنسان وأن ترقى به إلى أن يكون من أهل هذا النعيم فإن الأمر ليس بالعسير أبداً إنما هي يا أخي المبارك إنما هي أيام خوالي تبذل فيها ما تستطيع من عبادة ربك ومن التقرب إليه سبحانه وتعالى من أنواع من العبادات سواء كانت هذه العبادة بالعلم سواء كانت بالدعوة سواء كانت بالعبادة سواء كانت بأي أمر من الأمور ببرك لوالديك بصلتك لأرحامك بعطفك على المسكين والفقير واليتيم والمحتاج ونحو ذلك أنواع من العبادات كثيرة ترقى بها إلى هذه الدرجة. فيقول الله عزّ وجلّ بعد أن ذكر جزاء الأبرار أشار إلى جزاء المقربين أهل الدرجات العالية في الجنات فقال هنا ﴿ وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ ﴾ مزاج ماذا؟ مزاج شراب أهل جنة الأبرار ليس المقربين، الأبرار يسقون من رحيق مختوم أليس كذلك ؟ ختامه مسك ﴿ يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ ﴾ فشرابهم من رحيق .
والرحيق هو ماذا ؟ هو أي شراب له رائحة طيبة، كل ما كان له رائحة طيبة زكية جميلة فإنه يطلق عليه في لغة العرب رحيق، له رائحة جميلة طيبة فيشربون من هذا الرحيق .
وهذا الرحيق مختوم: مختوم بماذا ؟ قال ﴿ خِتَامُهُ مِسْكٌ ﴾ أي أنه في آخره من عادة الأشربة التي يشربها الناس في هذه الحياة الدنيا خصوصاً إذا كان هذا الشراب مسكر وهو ما يسمى بالخمر في هذه الحياة الدنيا، هذا الخمر في غالبه أن آخره يكون قذراً ولذلك تجد في الآنية التي تنبذ فيها هذه الخمور تجد أن في خلاصتها تكون رائحتها منتنة عفنة لا تكاد الناس تقبلها مطلقاً بل لا يكاد الإنسان أن يأخذ منها ولو شمة واحدة من سوئها ونتن رائحتها؛ فبالنسبة لخمر الجنة وشراب أهل الجنة الأمر يختلف معكوس تماماً فإنه يشرب من رحيق مختوم: يشرب شراباً رائحته طيبة جميلة زكية جداً وهو عندما يشرب في نهاية هذا الأمر يكون ختام هذا الشراب مسك في آخره يعني تزداد رائحته جمالاً وحسناً وطيباًَ عندما يكون في آخره.
﴿خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴾ يتسابق المتسابقون هؤلاء الذين يريدون الجنان ليهرعوا ليتسابقوا ليجروا في ذهابهم وتسارعهم إلى جنات الله عزّ وجلّ فلما حصلت المنافسة ذكر الله عزّ وجلّ بعد ذلك حال المقربين لعله أن يكون من يستمع إلى هذه الآيات في قلبه همة فيرقى سريعاً ويجري إلى الله عزّ وجلّ ويحاول أن يكون من هؤلاء المقربين فيسبق الأبرار في سيره إلى الله عزّ وجلّ: ما جزاؤهم يا رب؟ سأبذل زيادة من العبادة فأكون باذلاً لوقتي، لمهجتي ،لأموالي، بل لأولادي في سبيلك ، يا ربنا ما جزائي؟ ما الذي لي ؟ فوق كل ما لأولئك أخبرك هنا سبحانه وتعالى فقال: ﴿ وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ ﴾ أي أن شراب الأبرار يمزج بتسنيم.
تسنيم هذه عين منبعها من أعلى الجنان من الفردوس الأعلى في الجنة فهي عين من أزكى عيون جنات الله سبحانه وتعالى فهي عين عظيمة جليلة ليست من حظ الأبرار أبدا وإنما من حظ الأبرار فقط أنه يمزج لهم من شدة علو درجة هذه العين التي في أعلى جنان الله سبحانه وتعالى في الفردوس الأعلى من الجنة من شدة عظمتها ورفعة قدرها عند الله سبحانه وتعالى أنه لم يعطها حتى للأبرار حتى الأبرار ما يشربون منها صرفاً أبداً وإنما يمزج لهم مزجاً من هذه العين العظيمة، إذاً يا رب من الذي يشربها؟ صرفاً هكذا من دون مزج؟
أولئك يشربون من شراب طيب له رائحة زكية وطيبة ومختومة بالمسك، والختم أيضاً يكون في الأعلى كما يكون في الأسفل فآنيتهم تأتيهم مختومة من الأعلى فمختومة ومغطى من الأعلى كما تأتيك الأشربة في هذه الدنيا إذا كانت خاصة بك، لك أنت ليست لأحد من الناس ونحو ذلك تأتيك مغلفة لكنها تغلفتها أيضاً من المسك ما تغلفت ببلاستيك ولا بأنواع من الأغلفة الموجودة المعدن ونحو ذلك أو الأغلفة القديمة بالطين ونحو ذلك من الأغلفة والشمع وإنما تغلف من الأعلى بالمسك، فإذا فتحتها وكشفتها من الأعلى فإن هذا الغطاء من مسك من رائحة طيبة فتشرب من أعلاه فإذا هو طيب كرائحة المسك ثم إذا انتهيت فإذا هو أيضاً برائحة المسك فهو طيب من هنا وهناك، ولكن الأبرار ليسوا كالمقربين أبداً هؤلاء لهم جزاء وأولئك لهم جزاء ،فمِنَ الجزاء الذي فرق الله عزّ وجلّ بين الأبرار وبين المقربين :هذا الشراب الذي ذكره سبحانه وتعالى ﴿ وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ ﴾ يمزج للأبرار من هذه العين التي تسمى تسنيم ثم قال عينا أي تسنيم ﴿ عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ ﴾ أي يشربون منها شرباً صافياً صرفاً لا كدر معه ولا مزج فيه بل هم يشربون من هذه العين كما هي من دون أن يمزج لهم من غيرها شيء أبدا وهذا لأنهم ماذا؟ في الدنيا أخلصوا العمل لله تعالى فلم يخلطوا وانظر إلى هذا الميزان الدقيق من الله سبحانه وتعالى إنسان في هذه الحياة الدنيا يطيع الله سبحانه وتعالى ولكنه يمزج هذه الطاعة بأنواع من التقصير يمزج هذه الطاعة بأنواع من المعاصي اليسيرة حيناً يمزج هذه الطاعة بأنواع من الكسل قد تفوته الصلاة قد تفوته تكبيرة الإحرام مرات قد ينشغل في المباحات زمناً من عمره فيشغل نفسه بأنواع من المباحات ونحو ذلك، هذا عَمِل صالحاً ولكنه خلط هذا بذاك خلط هذا الصالح بشيء من المباح الكثير خلط هذا الصالح بشيء من أنواع المعاصي اليسيرة الصغيرة ونحو ذلك خلط بين هذا وذاك فكان جزاؤه في يوم القيامة وإن دخل الجنان إلا أنه يمزج له من تسنيم لأن الأعمال الخالصة لله عزّ وجلّ لم تكن كاملة تامة وإنما خلطها شيء آخر فمُزج له هذا بذاك أما بالنسبة للمقرب لما صفى في عمله وأقبل على الله عزّ وجلّ بكل حاله ولم يخلط سيره إلى الله سبحانه وتعالى وتقربه إليه بأنواع الطاعات لم يخلطها بأنواع من التقصير وإنما كان في أغلب حاله قوياً سائراً سيراً شديداً إلى ربه سبحانه وتعالى لا تجده تارة ينشغل بكثير من المباحات وإنما في أحيان يسيرة جداً بل مع نيته تكون من الأعمال الصالحة لا تجده يخلط هذه الطاعات بأنواع من المعاصي لا تجده يفوت الصلوات لا تجده لا يخشع حين يقبل على ربه في صلاته لا تجده يفرط في ما وجب عليه من الزكاة لا تجده يفرط فيما وجب عليه من الصيام لا تجده يفرط فيما وجب عليه من الحج ونحو ذلك من أركان هذا الإسلام هذا الدين العظيم ونحو ذلك إنما تجده مقبلاً على الله سبحانه وتعالى إذا أخذ أمراًَ من الله أخذه بقوة وإذا جاءه نهي من الله أيضاً اجتنبه بقوة ابتعد عنه وتركه لايخلط هذا بذاك فكان جزاؤه أن شرب صرفاً من تسنيم لأنه أيضاً كانت أعماله صرفه خالصة كلها طاعة لله سبحانه وتعالى فكان هذا وذاك عبارة عن جزاء من جنس العمل الجزاء من جنس العمل وقاعدة الجزاء من جنس العمل من القواعد الكبار التي دلَّ عليها كتاب الله عزّ وجلّ ودلت عليها سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ودلَّ عليها الأئمة كثيراً في كتبهم تكلم الإمام السعدي رحمه الله كثيراً في كتبه في كلامه عن مسائل أصول الفقه وعن القواعد الفقهية وتكلم عنها قبله أيضاً كذلك شيخ الإسلام بن تيميه رحمه الله وابن القيم وتكلم عنها قبل هؤلاء أيضاً كذلك الإمام أحمد والإمام الشافعي والإمام مالك وغيرهم كثير تكلموا عن هذه القاعدة ودلُّوا عليها من كتاب الله سبحانه وتعالى وهذا كثير جدا.

فالجزاء من جنس العمل :لأن هذا هو العدل والفضل زيادة من الله سبحانه وتعالى وقد عبر عن ذلك ابن القيم رحمه الله في نونيته بعبارة جميلة رائقة عبر عن هذا المعني فقال رحمه الله :
وشرابهم من سلسبيل مزاجه ***الكافور ذاك شراب ذى الإحسان
شراب الأبرار يتكلم الآن عن شراب الأبرار فيقول :
وشرابهم من سلسبيل مزاجه*** الكافور ذاك شراب ذى الإحسان
صفاً مقرب سعيه فصفى له ***ذاك الشراب فتلك تصفيتان
لكن أصحاب اليمين فأهل مزج ***بالمباح وليس بالعصيان
مزج الشراب لهم كما مزجوا ***هم الأعمال ذاك المزج بالميزان

لما صفَّى المقرب شرب من تسنيم ومن سلسبيل شراباًَ صافيا ،
ولما خَلِط هذا المؤمن بعض أعماله بشيء من الكدر عندئذ تغير الأمر عليه قليلا وقل النعيم بقدر ما خلط على نفسه في هذه الحياة الدنيا .
---ولذا أريدك أن تنتبه إلى قضية في هذه الآيات العظيمة أريدك أن تنتبه إلى المسألة أن بمقدار خلطك الأعمال الصالحة بغيرها من الأعمال المباحة أو ما هو أسوأ من ذلك ما فيه معصية لله عزّ وجلّ بقدر ما سيخلط لك شراب تسنيم من الشراب الأخر، يعني بعض الناس قد يكون يعمل صالحاً كثيراً ولكنه يخلط بشيء يسير من المباحات أو بشيء يسير أيضاً من المعاصي من صغائر المعاصي التي تكفرها الصلوات والصيام ونحو ذلك هذا الخلط اليسير إذا كتب الله عزّ وجلّ أنه دخل الجنة وكان من الأبرار هل سيكون شراب هذا في مزجه بتسنيم كشراب إنسان من الأبرار ولكنه قلل قليلا في الطاعات وأكثر من المباحات وارتكب أيضا أكثر فيما يتعلق بالمعاصي والصغائر ونحو ذلك هل سيكون هذا كذاك؟ لا، المزج أيضا بالنسبة للأبرار كل بحسبه فبمقدار مزجك لأعمالك الصالحة بالمباحات ونحوه ذلك سيكون المزج لك في يوم القيامة :فأنت الذي تختار: ما الشراب الذي تشربه في الجنان ؟إن أردت الشراب العالي الذي في أحسن ما يكون وأجود ما يكون فلك ذلك فاختر الآن مادمتَ في دار الإمكان وإن أردت المزج فسيمزج لك بقدر أعمالك في هذه الحياة الدنيا.
هذا المعنى اللطيف عبر عنه هذا الإمام رحمه الله بهذه العبارة الجميلة حينما قال، وهى أعلى أشربة الجنة : أي تسنيم على الإطلاق فلذلك كانت خالصة للمقربين الذين هم أعلى الخلق منزلة وممزوجة لأصحاب اليمين أي مخلوطة بالرحيق وغيره من الأشربة اللذيذة .
وهذا المعني أيها المؤمن أيها المبارك عندما تدركه يتغير حالك في نظرك لربك سبحانه وتعالى من جهة ما ينبغي لله عزّ وجلّ من أنواع العبادة أنت قد تصلي الفرائض وقد تؤدى شيئا من النوافل لكن ما الذي يمنعك من أن تسعى جاهداً لأن تكون من المقربين ما الذي يمنعك ؟ يمنعك حقيقة أن الفرق العظيم بين درجة الأبرار ودرجة المقربين لم تستقر في قلبك ولو استقرت استقراراً صحيحاً كاملاً في نفسك لسعيت جاهداً أن تكون من المقربين، نعم أن تكون من المقربين، يعني ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين أنه قال ( إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرفات كما يتراءى الإنسان في هذه الحياة الدنيا الكوكب الدري الغابر في الأفق ) هذه المنزلة بين من ومن ؟ الرسول صلى الله عليه وسلم الآن يصف لك حال نوعين من الناس كما بين الله عزّ وجلّ هنا الفرق بين الأبرار والمقربين بين لك النبي صلى الله عليه وسلم في تفسيره هذه الآية بياناً أيضاً آخر يبين لك ما يوضح لك الفرق العظيم بين الطائفتين وبين الفئتين، إن أهل الجنة يعني الذين هم في ربض الجنة وفى أوساط الجنة ليسوا في الدرجات العالية من الجنة إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرفات من هم ؟ أهل الدرجات العالية أهل الغرفات هم أهل الدرجات العالية في الجنان فأهل الغرفة هم الذين يسكنهم الله سبحانه وتعالى في أعالي الجنان هؤلاء هم أهل الغرفات فالرسول صلى الله عليه وسلم يبين لك الفرق بين الطائفتين فيقول لك ( إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرفات – أي الذين في أعلى الجنة – كما تتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق ) انظر ثلاثة أوصاف :
-كما تتراءون الكوكب الدري :كوكب معني أنه في أعلى السماء يكون بعيداً عن الأرض جداً فأنت ترى النجم بعيداً عنك جداً لكنه ليس كوكب فقط، لا.وإنما زيادة الوصف والبعد أنه كوكب دري وغابر: كوكب دري غابر في الأفق أي أنه بعيد جداً في الأفق يعني في أبعد الأفق فهو كوكب دري هذا وصفه الأول وهو غابر هذا وصفه الثاني
وهو أيضاً في الأفق ومعني في الأفق أي أنه في أطراف السماء ليس في وسط السماء تراه من فوق رأسك لا وإنما هو في أطراف السماء ومعني ذلك أنه بعيد وبعيد وبعيد جداً، هكذا يرى من كان في ربض الجنة وفي وسط الجنة يرون أهل الدرجات العالية في الجنات تصور الآن معي أنت إذا خرجت في الليل انظر إلى كوكب بعيد جداً إلى الغاية بعيد لا ترى منه إلا ضوء يسير في أعلى السماء واتصف بأنه كوكب دري له نور ثم بعد ذلك هذا الكوكب أيضاًَ كذلك ماذا ؟ غابر بعيد جداً ومع ذلك أيضاًَ ليس فوقك وإنما هو في أطراف السماء إما من جهة الشرق أو الغرب تراه في أطراف السماء.
هذا أيها المؤمن إذا كنت أنت من الأبرار في الجنان وزميلك وكان زميلك من المقربين سترى أنت صاحبك وزميلك ستراه هناك ألن تتحسر هذه الحسرة لن تأتيك لأن الله منعك منها ولكن هو سيفرح فرحاً عظيماً أن أنزله الله عزّ وجلّ تلك المنازل العالية الجملية الرفيعة التي هي أقرب ما يكون لله عزّ وجلّ والتي هي في جوار خليل الله سبحانه وتعالى إلى محمد صلوات ربي وسلامه عليه.

أسأل الله لي ولكم ولعموم المسلمين ممن أقبلوا على كتاب الله عزّ وجلّ وتأملوه وتدبروه وتفكروا فيه أسأل الله لنا جميعاً أن نكون من أهل الدرجات العالية في الجنات، اللهم إنا نسألك الفردوس الأعلى في الجنة اللهم إنا نسألك الفردوس الأعلى في الجنة اللهم ارفعنا بهذا القرآن العظيم اللهم انفعنا بهذا القرآن العظيم اللهم أحيى به قلوبنا اللهم أحيى به قلوبنا اللهم أحيى به قلوبنا يا ذا الجلال والإكرام اللهم إنا نسألك بمنتك وكرمك وجودك وفضلك أن تجعل القرآن العظيم ربيع صدورنا ونور قلوبنا وجلاء أحزاننا وذهاب همومنا بمنتك وكرمك ياذا الجلال والإكرام. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

أم أسماء غير متواجد حالياً  
قديم 27-11-08, 01:25 AM   #14
أم أسماء
جُهدٌ لا يُنسى
 
تاريخ التسجيل: 22-05-2007
المشاركات: 7,201
أم أسماء is on a distinguished road
افتراضي

تفريغ الدرس الثاني عشر:


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا وعلى آله وصحبه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين .
كنا فيما سبق تكلمنا عن المستوى الأول الذي كان الخطاب فيه موجه إلى عموم المسلمين، وكان الهدف منه والمقصود من هذا المستوى ما الطريقة التي نكون فيها من أهل القرآن؟ وكيف نكون من أصحاب القرآن؟ وكيف ننال شفاعة القرآن؟ وقلنا بأن هذا الهدف لعموم المسلمين من الممكن أن يتحقق، أو هذا المقصود لعامة أهل الإسلام من الممكن أن يتحقق لهم، ولكن إذا استعانوا بعد الله عزّ وجلّ بثلاث مراحل، هذه المراحل عبارة عن أمور نظر فيها فوجد فيها أثر على هذا الإنسان على هذا المسلم القارئ للقرآن، فإذا استعان بعد الله عزّ وجلّ بها؛ فإنه يتبع هذه المراحل مرة تلو مرة وحيناً بعد حين، ثم بإذن من الله سبحانه وتعالى، وبمباركة منه جلّ وعلا، يكون من أهل القرآن، ويكون طالباً لنيل شفاعة القرآن طلباً حقاً، يتبعه عمل فيه صدق، وفيه إخلاص، وفيه بذل، وفيه مجاهدة، وفيه رغبة أكيدة.
بعد ذلك سننتقل بإذن الله سبحانه وتعالى إلى نوع آخر من الخطاب انتهينا من الكلام عن ما يتعلق بعموم المسلمين، وسننتقل إلى كلام آخر يتعلق بطلبة العلم فتلك المراحل كان الخطاب فيها من أولها إلى أخرها موجه إلى عامة أهل الإسلام، أما الآن فالكلام سيكون مع طلبة العلم ممن تجاوزوا هذه المراحل السابقة، وقصدوا بصدق وإخلاص، وعزيمة وهمة أن يقتربوا من كتاب الله سبحانه وتعالى، وأن يطلبوا ما فيه من العلم، وأن يستزيدوا مما فيه من النور، هذه المراحل التي تتعلق بطلبة العلم سيكون الكلام فيها يختلف عن الكلام السابق، قد أقول إن الاختلاف فيها كبير جداً بين الطرفين فكان الكلام أولاًَ عاماً فيه شيئاً من السهولة شيئاً من اليسر لكي يناسب عامة أهل الإسلام، أما الآن فسيكون الكلام فيه شيء من الدقة شيء من التفصيل شيء من الاعتماد على القواعد التي جاءت في كتاب الله، وعلى القواعد المستنبطة من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى القواعد التي أصّلها أهل العلم في كتبهم من كتب التفسير، والحديث، والفقه، والأصول، وغير ذلك، بل وأيضاً على القواعد التي أصّلها وقعّدها أهل اللغة، وهم أهل اللغة العربية التي نزل بها هذا القرآن المبين، قبل أن ننتقل إلى المراحل السابعة أحب أن يكون هناك مراجعة لما سبق؛ حتى نعرف من أين بدأنا وإلى أين وصلنا، وما الذي بإذن الله سنقدم عليه، فأحب أن أسألكم عما مضى، كنا في بداية الأمر قد عنونّا لهذه الحلقات التي أرجو من الله عزّ وجلّ أن يجعلها مباركة بـ"روائع البيان في بدائع القرآن" ثم بعد ذلك تكلمنا عن مسألة مهمة، فما هذه المسألة التي بدأنا بها الحديث ؟
أجاب أحد الطلبة :
هي ثلاثة أهداف:
الهدف الأول أن يدرك ما مفهوم الحياة في القرآن، وأن نعرف الفرق بين الحياة والحياة الآخرة، وأن هذه دار متاع، وتلك دار قرار، ثم بعد ذلك نعرف قدر الكافر ولا نعجب بالكافر، قال الله عزّ وجلّ ﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ﴾[الأعراف:179]. ثم بعد ذلك نبدأ ونعيش مع القرآن.
أكمل الشيخ :
هذا هو الهدف الثاني الآن.
أكمل الطالب :
نعم، هذا هو الهدف الثاني، ثم بعد ذلك نأخذ الهدف الثاني وهو: كيف نعيش مع القرآن؟ قال الله عزّ وجلّ ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾[الزمر:23].
ثم بعد ذلك نأتي إلى الهدف الثالث: وهو كيف نبني بيتاً في أرض القرآن أحجاره من القرآن وملاطه من القرآن وزخارفه من القرآن؟ وضربنا مثلاً لذلك كيف نزل القرآن سورة سورة ثم أخذنا منها التفسير والله تعالى أعلى وأعلم.
أكمل الشيخ :
أحسنت، يابارك الله فيك، نعم هذا هو ملخص الأهداف التي ذكرناها لكم في بداية هذه الدروس، وبعد ذلك ذكرنا قواعد خمس لابد من استيعابها، من فهمها، من إدراكها، حتى نستطيع أن نسير بعد ذلك في المقصود من هذه الحلقات، فما هذه القواعد الخمس ؟
أجاب أحد الطلبة :
أول القواعد أن الإنسان مع كتاب الله عزّ وجلّ حي وبدونه ميت، ومع كتاب الله مبصر، وبدونه أعمى، وأنه مع كتاب الله مهتدٍ وبدونه ضال.
القاعدة الثانية: أن الأصل في خطاب القرآن موجه إلى القلب.
أكمل الشيخ :
أحسنت، بارك الله فيك يكفي، إذاً القاعدة الأولى أنك مع كتاب الله حي وبدونه ميت، وأنك أيضاً مع كتاب الله مبصر وبدونه أعمي، وأنك مع كتاب الله عزّ وجلّ مهتدٍ وبدونه ضال، هذه هي القاعدة الأولى.
القاعدة الثانية: أن هذا الخطاب موجه إلى القلب أصلاً، في الأصل الأمر الخطاب موجه إلى القلب، من يذكر لنا القاعدة الثالثة ؟
أجاب أحد الطلبة :
القاعدة الثالثة: هي أن المقصود من القرآن هو التدبر أولاً قبل العمل.
أكمل الشيخ :
نعم، هذه هي القاعدة الثالثة، المقصود الأعظم من كتاب الله عزّ وجلّ التدبر، ثم بعد ذلك يأتي العمل.
بالنسبة لقراءة القرآن هل هي مقصود أو ليست بمقصود ؟
أجاب أحد الطلبة :
هي مقصودة، ولكن المقصود الأعظم هو التدبر.
أكمل الشيخ :
نعم ،هي مقصودة، ولكنها هي ليست القصد الأعظم من تنزل كتاب الله عزّ وجلّ.
القاعدة الرابعة ؟
أكمل الطالب :
القاعدة الرابعة أن القرآن ثقيل ومتين، وقال صلى الله عليه وسلم (إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق).
أكمل الشيخ :
أحسنت بارك الله فيك، كتاب الله عزّ وجلّ ثقيل متين كبير ﴿إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا ﴾[المزمل:5]. نعم، هذه هي القاعدة الرابعة، القاعدة الخامسة التي ذكرناها لكم ؟
أجاب أحد الطلبة :
القاعدة الخامسة هي التدرج، وهى سنة كونية شرعية ضرورية.
أكمل الشيخ :
القاعدة الخامسة أن التدرج سنة كونية شرعية ضرورية، وهذه لها علاقة بما نحن فيه وقد بينا هذه العلاقة بين التدرج وبين ما يتعلق بكتاب الله عزّ وجلّ، بعد ذلك تكلمنا عن المستوى الأول ودخلنا في لب موضوعنا في هذه الدروس وهو ما يتعلق بالمستوى الأول،
ذكرنا سؤالاً كبيراً هذا السؤال مفاده كيف يؤثر فينا القرآن كما أثر في صحابة رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ؟
وهذا السؤال الكبير الجواب عنه جوابًا تطبيقيًا عمليًا ذكرنا أنه بقسمة الناس على مستويين :
المستوى الأول والمقصود به هنا عامة أهل الإسلام عموم المسلمين، والهدف من هذا المستوى أن نكون من أهل القرآن، من أصحاب القرآن، من أهل شفاعة القرآن، هذا هو المقصود من هذا المستوى، ولكن ذكرنا أنه لا يمكن، أو لا نقول لا يمكن أنه من الوسائل التي تعين طالب العلم بل تعين كل مسلم على أن يكون من أهل القرآن، هناك مراحل نقطعها ونستعين بها بعد الله عز وجل لكي نصل إلى هذا الهدف النبيل وإلى هذا المقصد الأسمى، فما هذه المراحل الثلاث التي تتعلق بالمستوى الأول الذي يوجه فيه الخطاب لعموم المسلمين؟ فما المراحل الثلاث؟
طالب يجيب:
نعم، ذكرنا ثلاث مراحل في المستوى الأول
وقلنا أن المرحلة الأولى: هي لماذا نبدأ من القرآن؟ وفي هذه المرحلة ذكرتم فضيلتكم أنه من الأفضل أن يبدأ بالمفصل لما ثبت عن عائشة رضي الله عنها،
ثم ذكرنا المرحلة الثانية وهي التأني في القراءة، وترك العجلة المذمومة، والوقوف عند الآيات المؤثرة، وتكرارها والتي كانت مأخوذة من قاعدة مشهورة عن الصحابة ومن بعدهم من السلف الصالح "أنهم كانوا يأتَوْنَ الإيمان قبل القرآن" وذكرنا فيها ثلاثة وسائل لتحقيق هذه المرحلة وهي:
الوسيلة الأولى: جمع القلب على القرآن واستحضار الذهن عند سماع الآيات.
الوسيلة الثانية لتحقيق هذه المرحلة: الترسل والترتيل عند القراءة، وذكرنا أمثلة على ذلك بدأ من نبينا عليه الصلاة والسلام، وعن صحابة رسول الله، ومن بعدهم من التابعين والسلف الصالح.
ثم الوسيلة الثالثة لتحقيق هذه المرحلة أيضًا: وهي تكرار الآيات عند الحاجة، وهي سنة ثابتة عن النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ كذلك عن الصحابة ومن بعدهم.
المرحلة الثالثة في هذا المستوى الأول الذي هو لعموم المسلمين: اختيار كتاب أو مختصر من التفاسير، واخترنا في ذلك تفسير الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي عليه رحمة الله عافية من مميزات عديدة ذكرنا منها ميزة أن هذا التفسير ويشتمل على ترسيخ عقيدة العقيدة السليمة واشتمل على ذلك من ذكر أنواع التوحيد الثلاثة من غير ذلك من مميزات التي ذكرناها.

الشيخ:
أحسنت يابارك الله فيك: نعم، هذا ملخص لكل ما سبق قد ذكرناه في الحلقات السابقة بعد ذلك انتهينا من المستوى العام ذكرنا لكم أن بعده سننتقل إلى المستوى الذي هو موجه في الخطاب إلى طلبة العلم بعد الخطاب الموجه إلى عامة المسلمين هناك خطاب موجه إلى طلبة العلم، هذا المستوى ذكرت لكم أنه يختلف كثيرًا فيما يتعلق بأسلوب الخطاب، لأن الكلام مع عامة المسلمين لا يمكن أن يكون هو الكلام أيضًا مع طلبة العلم، فالكلمة عندما تكون ملقاة ليسمعها عموم المسلمين حتى وإن كانت في خطبة جمعة أو في محاضرة عامة ونحو ذلك، لا ينبغي أن تكون أبدًا كما لو كانت موجهة إلى خاصة من الناس من طلبة العلم ممن لهم دراية بأدلة الكتاب، وأدلة السنة، وطريقة الاستنباط، وكلام أهل العلم، والقواعد التي هي محل اتفاق بينهم، فإن لهؤلاء خطاب ولهؤلاء أيضًا خطاب آخر، ولكن قبل أن أدخل في المراحل السبعة لطالب فهم القرآن؟ هل هناك إشكال فيما تقدم من المسائل التي ذكرناها؟
طالب:
جزاك الله خيرًا يا شيخ، إلى أي شيء يرجع اتخاذ لهذه المراحل أو تحديد لهذه المراحل هل هو من السنة أم ورد في عهد السلف لم حددنا هذه المراحل بالضبط؟
الشيخ:
عندما قلنا المستوى الأول يحتاج إلى ثلاث مراحل من أجل أن نقطعها حتى نصل إلى المقصود ومنها إلى إلى الهدف منها، وهو أن يكون القرآن شفيع لهذا المسلم، أو أن يكون القرآن صاحب له، أو يكون القرآن خليلًا له فقصدك بالسؤال لم حددناها بالثلاث ؟
الطالب:
هل هي ثابتة على هذه الثلاث فقط أم الأمر متسع أم إلى أي شيء ترجع؟
الشيخ:
جيد هذا سؤال جيد، كأنك تسأل لم حددناها بثلاث؟ وكذلك أيضًا شبيهًا بهذا، يسأل السائل لم جعلنا لطلبة العلم المراحل سبعة، فجعلنا لها ثلاثة، ولطلبة العلم هناك مراحل سبعة، فهذا التحديد بهذا العدد ما دليله، هل هناك دليل من القرآن؟ هل هناك دليل من السنة؟ هل هناك دليل من الإجماع؟ هل هناك دليل من القياس؟ هل هناك دليل من كلام أهل العلم؟ نبنى عليه ما حددناه من الأعداد، هذا سؤال في غاية الجودة.
والجواب عنه: نعم، هناك دليل، ولكن الأدلة بالنسبة لأهل العلم، عند ما يعرضون مثل هذه المسائل الأدلة تارة تكون نصية أي يأتي النص من الكتاب يأتي النص من السنة يأتي النص من كلام أهل العلم ويتتابعون على ذلك، وتارة تكون الأدلة استنباطية مبنية على الاستقراء التام أو على الاستقراء الأغلبي، وهذا وذاك، هذا دليل وذاك أيضًا دليل، فتارة يأتي الدليل ظاهر واضح نص لا إشكال من ذلك، وتارة لا، وإنما يأتي الدليل بالمفهوم بما يفهمه طالب العلم، يفهمه العالم، يفهمه الفقيه، يفهمه المحدث، يفهمه المفسر، فعندما يستقرأ نوعًا من أنواع العلوم، مسألة من المسائل، قضية من القضايا في كتاب الله أو في سنة رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ، فيأت فيقول بناءً على هذا الاستقراء سواء كان هذا الاستقراء تام أم استقراء فلن يأتي فيبني عليها مسألة ما من المسائل، ونحن في هذه المراحل بنيناها على مسألة ليست فيها نص من كتاب الله ولا من سنة رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ، وإنما بنيناها على استقراء لما جاء في كتاب الله، ولما جاء في سنة رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ، ولما جاء من كلام أهل العلم المحققين في هذا الباب، فعندما أضرب لك مثلاً حتى يتضح الأمر أكثر عندما تنظر مثلاً في الأربعين النووية، من مؤلف الأربعين النووية؟ الإمام النووي رحمه الله رحمة واسعة، هذا الإمام ألف الأربعين نووية ما معنى الأربعين نووية؟ هي ماذا؟ هي أربعون حديثا من أحاديث رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ جمعها هذا الإمام في كتاب، وأسمى هذا الكتاب الأربعون هذا الكتاب اسمه الأربعون النووية، وإن قلت الأربعين النووية كلها صحيحة، فعندئذ هذه الأربعين لو أن إنسانا جاء ليسأل الإمام النووي رحمه الله فيقول له الأربعون النووية كيف خصصت هذا العدد ولم تجعل هذه الأحاديث خمسين أو ثلاثين أو أكثر من ذلك أو أقل؟ هل هذا السؤال وارد عن الإمام النووي رحمه الله؟ لا، أو من عمل مثل عمله هو بالنسبة لوروده وارد، لكنه لا إشكال فيه؛ لأن أهل العلم من عادتهم أن ينظروا ما جاء في الكتاب، ما جاء في السنة، ما جاء في أقوال أهل العلم، فيحصروها حصراً بعددًا يكون مناسبًا للناس، الإمام النووي رحمه الله ارتأ واختار أن ينتقي من أحاديث الرسول ـ صلى الله عليه و سلم ـ عددًا من الأحاديث يكون هذا العدد مناسب ليس بالطويل ولا أيضًا بالقصير جدًا الذي يكون فيه شيء من الاختصار المخل، فاختار أربعين حديثًا شاملة لأصول أحاديث النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ ،وقبل أهل العلم منه ذلك، ولم يأتي أحد فيقول: يا أيها الإمام كيف خصصت هؤلاء الأربعين واعترض عليه بذلك أبدًا، وإنما قبلها منه الأئمة رحمهم الله من بعد النووي وأخذوا منه هذه الأربعين، ومازالوا يشرحونها، ويبينونها، ويستفيدون منها، ويأمرون طلبة العلم بحفظها، والاهتمام بها، انظر أيضًا بعد ذلك جاء مثلاً شيخ الإسلام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله خالف رسالته العظيمة المسماة بالأصول الثلاثة، وألف رسالة أخرى المسماة بالقواعد الأربعة، القواعد الأربع والأصول الثلاثة هذه الأعداد التي حصر بها هذا الأمام هذه الأصول الثلاثة القواعد الأربع، هل هي مبنية على نص من كتاب الله، أو على نص من رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ، أو على نص من صحابة رسول الله؟ لا، وإنما بناها هذا الإمام على الاستقراء، نظر في أصول هذه الدين فوجد أنها ثلاثة، فسمى رسالته الأصول الثلاثة، نظر في القواعد المهمة فيما يتعلق بالتوحيد ونحوه فأسماها الأصول الأربعة، وهذا كلام كثير في كلام الأئمة لا حصر لها، وأنت تجده في كلام المفسرين كثيرًا، وفي كلام الفقهاء أيضًا كثيرًا جدا، فالفقهاء يتكلمون في هذا النحو كثيرًا من جهة الاستقراء، وهو أيضًا موجود ومبسوط في كتب الحديث وفي غيرها من كتب العلم بناءًا على الاستقراء لقواعد وأصول هذا الدين، فاصل قصير أيها الأخوة ثم نعود لاستكمال الكلام عن هذه المراحل بإذن الله عز وجل.
فــــاصل تلـــــيفزيوني
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ، حياكم الله وأسأل الله عز وجل أن يجعل مجلسنا هذا مجلسا مباركا علينا وعليكم في الدنيا والآخرة، كان الكلام فيما يتعلق بحصر هذه المراحل بثلاث فيما يتعلق بعموم المسلمين، وكذلك حصرها بسبع مراحل فيما يتعلق بطلبة العلم، وذكرت أن هذا وأمثاله كثير مما وقع لأهل العلم وللمصنفين من الأئمة رحمهم الله فصنفوا في هذا كثيرًا جدًا، ومن تأمل أيضًا كلام ابن القيم رحمه الله في كثير من كتبه وجده على هذ النحو، بل لو تأمل كتابه العظيم مدارج السالكين في منازل إياك نعبد وإياك نستعين، فإنها مراحل مائة صنفها شيخ الإسلام الهروي رحمه الله على تلك المنازل، ثم جاء بن القيم رحمه الله فشرح هذه المنازل فبناها على ماذا في عدها أنها مائة؟ إنما بناها على الاستقراء، إنما بناها على الاستقراء، لما ذكر الله عز وجل في القرآن، وما ذكر الرسول ـ صلى الله عليه و سلم ـ في السنة وهذا كثير جدًا في كلام أهل العلم، فنحن إنما فعلنا ما فعلوا، وإنما اخترنا هذا العدد تيسير على المسلمين ومهمة أهل العلم وطلبة العلم في كل زمان ومكان أي يُسْهِلُ العلوم لأهل زمانهم، أهل عملوا سراعا يدنوهم، وإنما الواجب عليهم أن ينظروا في العلوم فإن كان فيها عسر على أهل الزمان؛ لبعدهم عن نور الوحي، وعن بعدهم عن السليقة السلمية في كلام العرب، لبعدهم عن قواعد وأصول أهل العلم، فمهمة أهل العلم أن ينظروا فيما ييسر على الناس نيل هذا العلم بأيسر وأسهل طريق، هذا هو الذي ينبغي على أهل العلم وطلبة العلم؛ فلذا كانت المصنفات في كل زمان بل وفي كل مكان تختلف بحسب حاجة الناس، انظر مثلاً إلى عهد رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ هل هناك مصنفات غير كتاب الله عز وجل الذي كان يكتبه كتاب الوحي من رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ؟ هل كان هناك شيء غير القرآن؟ أبداً إنما كان القرآن ينزل به جبريل على رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ ويكتبه كتاب الوحي من فيّ رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ، ولا غير ثم بعد ذلك احتاج الناس إلى تدوين السنة بعد أن توثقت الأمة من شأن القرآن، ولم يخف على القرآن أن يختلط فيه شيء من السنة أبدًا، فأمر أول ما أمر عمر بن عبد العزيز رحمه الله رحمة واسعة هذا الخليفة الراشد أمر أئمة الحديث في ذاك الزمان أن يكتبوا الحديث وأن يجمعوه، وأن يوثقوه، وأن يضبطوه،فقام بذلك عدد من الأئمة على رأسهم الإمام الزهري رحمه الله رحمة واسعة، ثم بعد ذلك احتاج أهل العلم إلى تدوين الآثار، والأخبار عن الصحابة، عن التابعين، عن أتباع التابعين، فدونوا الآثار ثم بعد ذلك احتاج أهل العلم إلى تدوين كلام الأئمة الفقهاء الأكابر، فكان أحمد بن حنبل رحمه الله مثلاً في مبدأه كان ينهى أن يدون لكلامه، وينهى طلبته أن يكتبوا فتاويه في مسائل فإذا سئل وأفتى ينهاهم يقول: "لا تكتبوا ما أقول لكم وإنما خذوا من حيث أخذنا" فكان في بادئ أمره ينهى عن ذلك، ثم لما رأى حاجة الناس إلى هذا سمح لهم، وأذن لهم أن يكتبوا عنه، لما رأى حاجة الناس إلى أن يدونوا المسائل عن أهل العلم، ثم ما زال الأمر في تغير في تطور بحسب حاجة أهل الزمان فدونت بعد ذلك المصنفات، فجاء مثلا الإمام البخاري رحمه الله فنظر أن صحيح الحديث قد اختلط بضعيفه، وقد اختلط الأمر على الناس فلم يصبحوا يميزوا بين ما ثبت عن رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ وبين ما لا يثبت عنه، فجاء فدون هذا الصحيح العظيم صحيح الإمام البخاري فصنفه وضبطه وجوده وأتقنه، ثم بعد ذلك سار على دربه الإمام مسلم رحمه الله، وهكذا أهل العلم، حتى جاء السابع فدون أهل العلم كتب كثيرة في الأصول وفي الفقه وفي المصطلح ونحو ذلك عبارة عن قواعد، لم؟ لأن الناس في القرن السابع لم يصبح عندهم من الملكة، ومن الفقه، ومن الإدراك، الذي كان عند أهل الزمان في القرن الرابع وفي القرن الثالث، احتاجوا إلى أدوات وآلات يستعينوا بها على نيل العلم في ذاك الزمان، فلما جاء القرن الثامن والتاسع والعاشر احتاج الناس إلى أدوات أكثر وإلى آلات أبلغ وأقوى؛ لكي يصلوا إلى العلم الذي أمرهم الله عز وجل أن يتعلموه، وأن يطلبوه، وأن يبحثوا عنه، وأن يعلموه للناس، فما زال أهل العلم في مثل هذا التأليف ومثل وهذا التصنيف حتى جاء زمننا هذا، وأيضا ما زال أهل العلم كل إمام من الأئمة يصنف مصنفًا يبسط فيه المسائل للناس يوضحها ييسرها يوصلها لهم بقدر فهومهم بقدر حاجاتهم بقدر إدراكهم لكل زمان ولكل مكان ما يميز هذا الزمان وهذا المكان مما يبين حاجة أهله أن يصنف لهم أو يدون لهم أو يقام لهم من حلقات العلم وحلقات الدرس ما يستعينوا به على فهم كتاب الله عز وجل وعلى فهم سنة رسوله ـ صلى الله عليه و سلم ـ، إذن ما نحن فيه ليس بدعة من البدع، وإنما هي طريقة سار عليها الأئمة رحمهم الله قديمًا بل وحديثًا أيضًا، هل هناك سؤال آخر أم ننتقل إلى المراحل السبع.
ننتقل للكلام عن المراحل السبع لطالب فهم القرآن، المراحل السبعة لطالب فهم القرآن، هذا هو المستوى الثاني الخاص بطلاب العلم، وهذه المراحل كما سبق مبناها على الاستقراء، عندما تستقرأ حال الناس، حال طلبة العلم، حال المهتمين بكتاب الله عز وجل ممن لهم عناية بهذا القرآن، تنظر في حالهم، وتنظر في سبب النقص والخلل عندهم في فهمهم وإدراكهم لعظمة القرآن، لإعجاز القرآن، لبليغ دلالة القرآن، فعندئذ تحتاج أن توجد أمرًا يكون فيه مساعدة فيه إعانة على فهم هذا القرآن، هذا الأمر هو ما أسميته بالمراحل السبعة لطالب فهم القرآن، وهذه المراحل السبعة مبنية كما ذكرت لكم على الاستقراء، هذه المراحل السبعة مبنية على الاستقراء، وهذا الاستقراء أصله مأخوذ من النظر في تنزل كتاب الله عز وجل وفي كيفية التنزل، فإنكم تعلمون أن كتاب الله عز وجل هو مبناه على آيات أوقل قبل ذلك مبناه على سور، وهذه السور تحتوي على آيات أليس كذلك؟ السور تحتوي على آيات، هذه الآيات تحتوي على جمل، وهذه الجمل تحتوي على كلمات، وهذه الكلمات عبارة عن ماذا؟ عن حروف، فنحن إذًا إذا أردنا أن نفهم كتاب الله عز وجل فنحتاج أن نبدأ من الأصل من الأساس، فعندنا كلمات هذه الكلمات تكوّن كلام الله عز وجل الذي تكلم به بلسان عربي مبين، تكلم به جبار السماوات والأرض سبحانه وتعالى، تكلم بهذه الكلمات جل في علاه، هذه الكلمات حينًا يكون منها ما هو مفهوم واضح، ومنها ما يكون يحتاج إلى بيان هذه الكلمة المفردة، عندما تنظر فيها فإنها لا يمكن أن تصل بأختها، وأن تتفق معها، وأن يكون بينهما جملة كاملة لها دلالة ظاهرة بينة واضحة على أمر محدد بيّن حتى يأتي بينها مايسمى بحروف المعاني، ما يسمى بحروف المعاني هذه الحروف حروف المعاني هذه تأتي بين الكلمات فتصل بين الكلمة والكلمة، فإذًا أصل الكلام عندنا عبارة عن كلمات، ما الذي يصل بين هذه الكلمات؟ هي حروف المعاني، دعني أضرب لك مثلاً واضحًا عندما تقول: ذهب محمد إلى المسجد، ذهب أليست كلمة؟ نعم وهي عبارة عن ماذا؟ فعل، محمد فعل أم اسم؟ اسم، إعرابه فاعل، إلى حرف جر، المسجد اسم مجرور، هذه الجملة الآن تكونت من كم كلمة؟ من ثلاث كلمات هي ذهب، ومحمد، والمسجد، وجاء معها حرف وهو إلى، هذا الحرف يسمى حرف معنى؛ لأن له دلالة، له معنى، هذا المعنى ماذا دل عليه؟ حرف إلى هنا دل على أن محمد وصل إلى المسجد، أو أنه ذهب إلى المسجد، إذًا فالدلالة التي أفادتني إلى هنا في هذا الموطن أن غاية محمد من الذهاب هي أن يصل إلى المسجد، فأفادتني شيء يسمى إيش الغاية؟ غايته أن يذهب إلى المسجد، ذهب محمد إلى المسجد، عندما تقول مثال آخر شربت من الكأس عندنا شربت هذه ماذا؟ فعل وفاعل، عندنا هنا كم كلمة؟ كلمتين كلمة فعل، وفاعل، من حرف جر، والكأس اسم مجرور، من دلت على ماذا؟ دلت على أن الشرب مبدأه كان من الكأس؟ فقولوا دخلت في البيت دخل كلمة، والتاء فاعل، والبيت اسم مجرور، هذه كلها كلمات ظاهرة فعل، وفاعل، لكن عندنا الآن دخل حرف في بين كلمتين ما الذي أفاده هذا الحرف؟ الظرفية أني أنا حين دخلت دخلت في البيت، أني الآن موجود في البيت، وأن البيت أصبح ظرفًا لي، إذًا عندنا هنا كلمة وعندنا حرف معنى، إذا اجتمعت كلمة وكلمة مع حرف معنى عندئذ يحصل لنا من هذا كله ما يسمى بـ....
طالب:
الجملة
الشيخ:
أحسنت يابارك الله فيك يسمى الجملة، عندنا كلمة ثم بعد ذلك عندنا حروف معاني ثم بعد ذلك إيش؟ جملة تكونت هذه الجملة بعد هذه الجملة عندما ننظر في الآية، نجد الآية تتكون من عدة جمل هذه الجملة ثم بعد ذلك جملة ثانية جملة ثالثة جملة رابعة جملة خامسة، نجد أن هذه الآية تكونت من عدة جمل من عدة جمل، هذه الجمل لما اتحدت واجتمعت فإنها عندئذ كونت لنا ما نعرفه بالآية، فمثلاً أضرب لك مثلا على ما يتعلق بالجمل، عندما مثلاً نقرأ قول الله سبحانه وتعالى ﴿ فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الكُبْرَى ﴾[النازعات:34] ﴿فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ* يَوْمَ يَفِرُّ المَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ﴾[عبس:37:33] دعونا نأخذ هذه الآيات ونفصلها شيئًا شيئًا حتى نصل إلى مرادنا من هذه القسمة وإلى بيان هذا الاستقراء الذي دلنا على هذه المراحل، لما نأتي إلى قول الله عز وجل ﴿ فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ ﴾ ﴿ فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ ﴾ نفصل هذه الآية حتى ننظر ماذا فيها فعندنا ﴿ فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ ﴾ إذا عبارة عن ماذا ظرف، جاءت فعل ماضٍ، الصاخة فاعل ﴿ فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ * يَوْمَ يَفِرُّ المَرْءُ مِنْ أَخِيهِ ﴾ ويوم عبارة عن ماذا؟ ظرف زمان شبه جملة، يفر فعل، المرء فاعل، من أخيه، فتكونت عندنا كم جملة؟ جملة فعلية، وشبه الجملة، هذه الجملة وشبه الجملة كونت ماذا؟ كونت آية، كونت آية كاملة، لو نأخذ الآية التي تليها يتضح الكلام أكثر ﴿ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ﴾لكل هذه إيش؟ جار ومجرور شبه جملة، يومئذ شبه جملة ظرف، شأن يغنيه، فعندئذ عندنا عدة جمل، جملة اسمية، وجملة فعلية، تجمعت فكونت لنا ما يسمى بآية، ما يسمى بآية، سأفصل لك هذا وأوضح فيما نستقبل وأنما أريد الآن أن يتضح لك المراد من ضرب المثل قي هذا ،خذ مثلًا أخير في هذ الباب قوله سبحانه وتعالى في سورة العصر ﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾[العصر:3:1] في الآية الأخيرة كم جملة عندنا؟ ﴿ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُو﴾هذه جملة، ثم جاء حرف العطف﴿ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾ هذه جملة ﴿ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ ﴾ جملة فعلية ﴿ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ جملة فعلية أيضًا، فعندنا كم جملة فعلية في هذه الآية فقط وحدها؟ اربع جمل كونت آية واحدة، إذًا بعد ذلك فكلمة وحروف معاني ارتبطت ببعضها كونت جملة، وعدة جمل كونت آية، وقد تكون الآية من جملة واحدة، ولكن أغلب الآيات تتكون من عدة جمل، هذه الجمل لما اجتمعت وتكونت لنا هذه الآية،هذه الآية عبارة عن آية ضمن آيات، أليس كذلك؟ ما عندنا سورة في كتاب الله عز وجل تكونت من آية واحدة أبدًا، ليس عندنا سورة من كتاب الله عز وجل تكونت من آية واحدة أبدًا، فعندنا إذًا الآية لما تجتمع مع أخواتها من الآيات الأخرى فعندئذ يتكون ما نسميه بالسورة، فهذه الآيات اجتمعت فكونت السورة، هذه السورة هل هي جاءت جاءت لوحدها مبتورة أم أن لها ما يسبقها أو لها ما يلحقها؟ لها ما يسبقها ولها ما يلحق بها، اللهم إلا أطراف كتاب الله عز وجل من جهة إن كان المقصود هذا التدوين في المصاحف أول الآيات وآخرها أو أيضًا كذلك ما كان من تنزل القرآن أول ما بدأ بسورة العلق إلى آخر ’آية نزلت من كتاب الله عز وجل، هذا الترتيب بالنسبة لكلمات القرآن، حروف القرآن، جمل القرآن، آيات القرآن، سور القرآن، ثم القرآن كله من أوله إلى آخره، هذا الترتيب هو الذي سيعينك على فهم الآية كما ينبغي، كيف هذا؟ سيعينك في أنك عندما تقرأ في القرآن ستمر بك يا أخي المبارك كلمة قد لا تفهم معناها فتحتاج ماذا؟ إلى أنك تفهم معنى هذه الكلمة، طيب فهمت معنى الكلمة هل فهمت الجملة من أولها إلى آخرها؟ لن تستطيع أن تفهم الجملة حتى تعرف ما يتعلق بحروف المعاني بدلالة هذه الحروف، فإذا فهمت دلالة هذه الحروف على وجهها عندئذ تكون الجملة كاملة، ولن تفهم الآية كاملة حتى تفهم هذه الجملة وتلك الجملة التي تكونت منها الآية، كل جملة وما دلت عليه؛ لأن الجمل كما تعلمون منها يكون جملة ابتدائية، ومنها ما تكون جملة فعلية، هناك جملة حالية، وغير ذلك من الجمل في لغة العرب، لكل جملة نوعًا من أنواع الدلالة، فعندما تجتمع هذه الجمل هذه جملة ابتدائية لها دلالة، وهذه جملة فعلية لها دلالة، وهذه جملة خبرية، وهذه جملة حالية، ونحو ذلك، عندما تجتمع هذه الدلائل من الجمل تعطيك دلالة كاملة للآية من أولها إلى آخرها، عندما تضم هذه الآية مع آياتها الأخرى في نفس السورة مع ما سبقها من الآيات مع سبق هذه الآية من الآيات ومع ما لحق بها من الآيات وهو ما يسمى بالسياق يتضح لك المعنى جليا بيّنا ظاهرا، بعد ذلك تأتي بالسورة من أولها إلى آخرها وتنظر في مضمون السورة وفي مقصودها وفي موضوعها الذي تنزلت من أجله هذه السورة، ثم تنظر في موضوع السورة التي هو عنوانها التي سطر المصحف الشريف عليها، السورة عندك اسمها سورة المسد، سورة الإخلاص، سورة الكافرون، ونحو ذلك هذه الأسماء تنظر فيها وفي الأسماء الأخرى المدونة في كتب التفسير ستعطيك شيئًا من الدلالة.

هذا الحديث عبارة عن تمهيد المراحل السبعة واضح الكلام الآن، هذا إنما هو تمهيد حتى تفهم ماذا نعني بالمراحل السبعة، بعدها سندخل بإذن الله إلى مضمون هذه المراحل السبع، وأرجو أن تكون مستعدًا استعدادًا كاملاً من جهة الذهن ومن جهة أيضًا القلب والرغبة، فإن الأمر يحتاج قليلاً إلى حضور الذهن استحضار القلب.

أسال الله عز وجل لنا ولكم علمًا نافعًا، وعملاً صالحًا، وقلبًا خاشعًا، وإيمانًا كاملاً، ولسانًا ذاكرًا، وعين من خشيته دامعة، اللهم إنا نسألك لنا جميعًا الفردوس الأعلى في الجنة، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أم أسماء غير متواجد حالياً  
قديم 27-11-08, 01:28 AM   #15
أم أسماء
جُهدٌ لا يُنسى
 
تاريخ التسجيل: 22-05-2007
المشاركات: 7,201
أم أسماء is on a distinguished road
افتراضي

تفريغ الدرس الثالث عشر:


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين، اللهم إنا نسألك علمًا نافعًا وعملاً صالحًا يا ذا الجلال والإكرام، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علمًا وعملاً يا أكرم الأكرمين، كنا تكلمنا في الحلقة السابقة عن مقدمة يسيرة تتعلق برسالة المراحل السبعة لطالب فهم القرآن وكان الكلام عن أصل هذه المراحل، وسبب جعلها على سبع مراحل، وكذلك عن ما هية هذه المراحل، وكيفية منشأها، وكيفية مبدؤها، وكيفية مبدأها، وذكرنا لكم أن أصل هذه المراحل عبارة عن النظر في كلمات هذا القرآن العظيم كلمة ثم حرف معنى يربط بين هذه الكلمات ثم جملة تتكون من هذه الكلمات ومن حروف المعاني ثم جمل تكون الآية ثم آيات تكون السورة وهكذا، هذا هو أصل منشأ هذه الرسالة وسنبدأ بإذن الله عز وجل في هذه الحلقة بقراءة لرسالة كتبت في العام الماضي تخص هذه المراحل، وهي المراحل السبعة لطالب فهم القرآن وسنقرأ الآن بدءًا في تمهيد لهذه المراحل يبين أساسها ومنشأها ثم نذكر هذه المراحل ونستعين بالمولى عز وجل في شرحها وبيانها واحدة تلو أخرى.
طالب يقرأ:
( بسم الله الرحمن الرحيم، تمهيد القرآن العظيم كلام الله عز وجل، تكلم به حقيقة علاما يليق بجلال قدره وعظيم سلطانه، وهذا الكلام منه جل وعلا نزل بلسان عربي مبين والكلام في لغة العرب إنما هو بحرف وصوت والحروف على نوعين).
الشيخ:
نعم، هذه كلها مقدمة، هذه كلها مقدمات لنتطرق إلى ما نحن فيه فالله سبحانه وتعالى تكلم بهذا القرآن فإذًا القرآن هو كلام الله عز وجل، القرآن هو كلام الله عز وجل وهذه حقيقة جاء بها القرآن بينتها السنة أجمع عليها صحابة رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ، وأجمع عليها السلف الصالح وهي عقيدة مؤسسة مقررة في كتب أهل السنة والجماعة لابد من الإيمان بها وهو أن الله عز وجل تكلم بهذا القرآن كلاما يليق بجلاله وعظمته سبحانه، وتعالى وهذا الكلام قد جاء بيانه في كتاب الله أنه بلسان عربي مبين، أنه بلسان عربي مبين أي واضح ظاهر لا لبس فيه، وهذا الكلام في لغة العرب أبدًا لا يكون إلا أن يتكون من صوت وحرف، عندنا حرف وهي هذه الحروف وعندنا صوت ينشأ عنه الكلام العربي، فالكلام في لغة العرب لا يكون إلا بصوت وحرف، بل إن الكلام عند الناس أجمعين سواء أن كانوا من العرب أو من غير العرب لا يكون إلا بحرف وصوت من المعلوم أن الكلام ما هو؟ إنما هو صوت يخرج من فم المتكلم، وهذا الصوت عبارة عن اجتماع مجموعة من الأصوات تخرج على صفة بعض الحروف، فعندما تريد أن تتكلم مثلاً بكلمة سجد فإنك تنطق بحرف السين وهو عبارة عن ماذا؟ عن صوت، هذا الصوت تحرك اللسان، تحرك الشفتين، تحرك مخارج الحروف، عندك حتى تخرج هذا الحرف "السين"، ثم كذلك حرف الجيم، ثم كذلك حرف الدال، فتخرج هذه الأحرف وتجمع بينها فتخرج لنا كلمة هي كلمة سجد، وهذا في كل اللغات بلا استثناء، ولكن الكلام هنا عن لغة العرب، فالكلام في لغة العرب لا يكون إلا بحرف وصوت، الكلام في لغة العرب لا يكون إلا بحرف وصوت، ولا يعقل أصلاً أن يكون هناك كلام من غير حرف وصوت، إذًا فالقرآن كلام الله سبحانه وتعالى، وهذا القرآن تكلم به الله عز وجل وأنزله على نبيه ـ صلى الله عليه و سلم ـ بلسان عربي مبين، والكلام في لغة العرب لا يكون إلا بحرف وصوت، وهذه الحروف التي نتكلم عنها لأنه بالنسبة للأصوات، الأصوات لا علاقة لها بما نتكلم عنه في مجال التفسير، وإنما هناك علم خاص وهو علم واسع طويل يسمى بعلم الأصوات، وهذا علم من علوم اللغات وهو علم واسع كبير جدًا له تشقيقات وله تفريعات كثيرة عند أهل الاختصاص العالمين به، ولكنه لا يعنينا في شيء فيما يتعلق بتفسير كتاب الله عز وجل، وإنما الذي يعنينا هو ما يتعلق بالحرف وهو ما يتعلق بالحرف نعم أكمل.
الطالب:
(والحروف على نوعين حروف مبانٍ وحروف معانٍ، حروف مبانٍ أي يبني منها الكلام وهي ليست لها معنًا في نفسها، ولكن لها دلالة بعد التركيب مثل الميم من محمد، والعين من سعد، والراء من عمر، ونحو ذلك، ولا علاقة لنا بها في هذه المباحث).
الشيخ:
أحسنت، الحروف في لغة العرب على نوعين حروف تسمى بحروف المباني أي يبنى منها الكلام، فعندما ننطق مثلاً كلمة عمر، أو كلمة شجرة، أو كلمة زهرة، أو كلمة سحاب هذه الكلمات جميعًا تتكون من حروف أي تبنى من حروف، فكلمة عمر عندما نريد أن نكونها فننظر فيها إذا هي تتكون من حرف العين، وتتكون من حرف الميم، وتتكون من حرف الراء، عندما ننظر في كلمة سحاب مثلًا فهي تتكون من حرف ماذا؟ السين، ثم حرف الحاء، ثم حرف الألف، ثم حرف الباء، كلمة سحاب تتكون من هذه الحروف الأربعة، هذه الحروف باصطلاح أهل اللغة تسمى حروف مبانٍ، تسمى حروف مبانٍ أي يبنى منها الكلام، والكلام في لغة العرب بل أيضًا في كل اللغات لابد وأن يبنى من حروف، لابد وأن يبنى من حروف لكن هذه الحروف التي تسمى بحروف المباني، لا علاقة لنا بها أيضًا في هذه المباحث لم؟ لأنها إنما يؤتى بها لتركيب الكلام، ونحن إنما نتكلم عن التفسير، والتفسير هو شرح للمعنى، يتعلق بالمعنى، ولا يتعلق بالمبنى، فكلامنا نحن هنا يتعلق بالمعنى وليس لنا علاقة بالكلام عن المبنى، وإنما يتكلم عن المبنى مَن؟ أهل اللغة ممن يتكلم عن اللغة، أصل اشتقاق الكلمات، وكذلك أهل النحو يتكلمون عن مثل هذه المسائل، أما بالنسبة لنا فكلامنا يتعلق بالنوع الآخر من الحروف والذي يسمى بحروف المعاني والذي يسمى بحروف المعاني.
الطالب:
( ثانيًا حروف المعاني وهي التي تربط بين الكلمات لتعطي دلالة معينة يقصدها المتحدث، مثل دلالة حرف الباء على الاستعانة في كلمة بسم الله، ودلالة حرف اللام على التعليل في قوله تعالى: ﴿ يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا ﴾، ودلالة حرف على الظرفية في قوله تعالى ﴿وَدَخَلَ المَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا ﴾، وهذا المبحث له علاقة كبيرة جدًا بموضوع الرسالة).
الشيخ:
نعم، هذه حروف المعاني، حروف المعاني المقصود بها أن عندنا حروف لها معنى في اللغة، العين من عمر لا معنى لها في اللغة إنما هو حرف يبنى منه، أما بالنسبة لمن "في قولك مثلاً جئت من البيت، أو قولك مثلاً ذهبت من العمل، أوقولك مثلاً في حرف مثلاً الفاء ظمئت فشربت، هذه الحروف لها معنى وليست للمبنى، وإنما لها معنى، أي لها دلالة تدل عليها، هذه الحروف لها دلالة في لغة العرب تدل عليها، وهذه الدلالة تختلف مثلاً وأخذنا حرف الباء في قوله سبحانه وتعالى: بسم الله الرحمن الرحيم هذه الباء أصل الكلمة اسم الله فجاءت هذه الباء فدخلت على اسم الله سبحانه وتعالى، فما الذي تدل عليه عندما أقول بسم الله الرحمن الرحيم؟ هذه الباء تدل على ماذا؟ تدل على الاستعانة، تدل على الاستعانة، من جهة المعنى تدل على الاستعانة أي ابتدئ دلالة على الابتداء ولكن الدلالة الأساسية هي دلالة الاستعانة فالمقصود بها ابتدئ مستعينًا بالله عز وجل، أريد أن أيشرب ماءًا بسم الله فالمراد هنا اشرب مستعينًا بالله بسم الله، أريد أن أكتب كتابا فأقول بسم الله أي أكتب مستعينا باسم الله، أريد أن أقرأ كتاب الله عز وجل فأقول باسم الله أي ماذا؟ أي أقرا كتاب الله عز وجل مستعينًا بالله سبحانه وتعالى أي يعينني على قراءة القرآن.
وقت صلاة العصر
واللام لها دلالات كثيرة ومعانٍ سيأتي ذكر شيء منها في قوله تعالى ﴿ يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ ﴾ اللام هنا ماالمراد منها؟ ما المعنى الذي تدل عليه؟ العلة؛ لأنهم يريدون ماذا؟ يريدون ليطفئوا نور الله،أي يريدون من هذه الأفعال التي فعلوها أن يطفئوا نور الله سبحانه وتعالى بهذه الأفعال القبيحة والصد عن سبيل الله يريدون من ذلك أمرًا ما هو؟ هو علة هذه الأفعال أنهم يريودن ليطفئوا نور الله سبحانه وتعالى، تأمل مثلاً حرف على الأصل في معنى على هو ماذا؟ هو الفرقية وهو ما يسمى بالاستعلاء، أصل معنى على في لغة العرب هو الدلالة على الاستعلاء، وهذا المعنى لا يفارقه أبدًا، هذا المعنى لا يفارقها مطلقًا، ولكنها تأتي حينًا للدلالة مع الاستعلاء على معاني أخرى، لتدل على معاني أخرى، مثلاً خذ قول الله عز وجل ﴿ وَدَخَلَ المَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا ﴾ ﴿ وَدَخَلَ المَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا ﴾ ﴿ وَدَخَلَ المَدِينَةَ ﴾ من هو الذي دخل المدينة موسى ـ عليه السلام ـ، دخل المدينة على حين، الآن هو لما أراد أن يدخل إلى المدينة هل دخوله إلى المدينة وهو مستعل على المدينة كلها من أولها إلى آخرها؟ لا، وإنما كان الأصل في الخطاب المعتاد في مثل هذه المواطن أن يقال دخل المدينة في حين غفلة من أهلها، أنه دخل المدينة فأصبح في المدينة، أما أنه يعلو على المدينة فلا يعلم أن هناك بشر دخل في المدينة فإذا هو قد علا عليها من أولها إلى آخرها، وإنما يدخل فيها؛ ولذا وأنت في خطابك المعتاد تقول دخلت مدينة مكة، دخلت مدينة المدينة، دخلت مدينة الرياض، دخلت مدينة القاهرة، دخلت كذا وكذا، يعني أنك دخلت في وسط هذه المدينة فأصل دلالة هنا أن تكون ظرفية، لا أن تكون دالة على الاستعلاء، ولكن جاء الخطاب هنا بحرف على الدال على الاستعلاء؛ ليبين لك أمرًا أراده القرآن من استخدام هذا الحرف في موطن استخدام ذاك الحرف الآخر، بدل أن تأتي في هنا جاءت على، وكأنه ـ عليه السلام ـ حينما دخل هذه المدينة وهو خائف وجل؛ لأنه دخل هاربًا ـ عليه السلام ـ دخل المدينة في وقت الناس في سكون وفي راحة وفي طمأنينة وفي دعة، لا ينتبه إليه أحد حين أراد أن يدخل المدينة استعان في دخوله لهذه المدينة بغفلة أهلها ونومهم وراحتهم، فكأنه استعلى على هذه الغفلة، واستعلى على هذا النوم وعلى هذه الراحة، وركبها، فدخل المدينة في حينها في وقتها، كأن الغفلة أصبحت ماذا؟ دابة ومركب ركبها ـ عليه السلام ـ، فدخل المدينة عليها، فلو جاء حرف في هنا لما دل على هذا المعنى اللطيف الجميل الذي دلت عليه حرف على في هذا الموطن، فجاء هذا الحرف أعطاك دلالة جديدة وجميلة وقوية في هذه المعنى وفي هذا الموضع من السورة، وهو لو كان غيره لما أتاك هذه الدلالة أبدًا فتغيير الحروف هنا إذًا في تقليدها بين مواطنها في استخدام على محل في حينًا، وفى محل من حينا، وهكذا هذا له دلالة عظيمة في كتاب الله عز وجل، سيأتي مبحث كامل طويل وجليل يسمى مبحث التضمين في كتاب الله عز وجل كله تابع وداخل في هذا المعنى الذي نتكلم عنه نعم أكمل.
الطالب:
(فحروف المباني تتكون منها الكلمات، وهذه الكلمات يربط بينها بحروف المعاني فتتكون الجمل، والجمل مع بعضها يتكون منها الكلام التام، كذلك الحال في كتاب الله، فالآية تتكون من كلمات، وهذه الكلمات تربط بينها حروف المعاني، فتتكون الجمل، والجمل مع بعضها تتكون منها الآيات إذا فهم هذا فلتفسير أي آية من كتاب الله تعالى تفسيرًا يتضح معه المعنى الكامل للآية نظمًا وفهمًا وإعجازًا ودلالة وتربية نحتاج إلى تجاوز مراحل سبعة).
الشيخ:
أحسنت يابارك الله فيك إذا فهم ما سبق، فلتفسير أي آية من كتاب الله عز وجل تفسيرًا يتضح معه المعنى الكامل، أنت قد تفهم شيء من دلالة الآية، وتدرك معنًا من المعاني التي جاءت في هذه السورة، جاءت في هذا الموطن من كتاب الله عز وجل، ولكن إن أردت الإدراك الكامل لمعاني كتاب الله عز وجل فاستعن بالله عز وجل، ثم استعن بهذه المراحل، استعن بها لتدرك المعنى الكامل، أما المعنى الجزئي فقد تدركه بنظرك بالقراءة في أدنى كتاب من كتب التفسير، قد تدركه بالمراحل الثلاث التي سبقت الإشارة إليها، أما إذا أردت المعنى الكامل فتحتاج إلى أدوات، إلى آلات، إلى طرق، إلى وسائل، سواء أكانت هذه المراحل السبعة أو غيرها، ولكن المقصود لابد وأن يكون هناك عندك من الوسائل والأدوات ما تستعين بها على الفهم الكامل للآية التي تنظر فيها نظر طالب علم قاصدًا للعلم من كتاب الله عز وجل، فالكلام هنا مع طلبة العلم، والحديث في مثل هذا الموطن عن الإدراك الكامل من معنى الآية، وليس المقصود هو الإدراك الكامل لكل دلالة الآيات من أولها إلى آخرها، فهذا لا نطمع فيه مطلقًا فهذا لا نطمع فيه مطلقًا خصوصًا لمثلنا في هذا الزمان بل من أزمان، ولكن نريد أن ندرك معنًا كاملاً كليًا يحيط على الأقل بمعظم دلالة الآية بأغلب ما جاءت من أجله، إذا أردت ذلك فعندئذ بإمكانك أن تستعين بعد الله عز وجل بهذه المراحل السبع، وبهذا الإدراك يشمل إدراك إعجاز القرآن في نظمه، أو في أيضًا في تربيته، أو في دلالته، أو أيضًا كذلك فيما يتعلق بأثره على قلبك، وعلى نفسك، في تهذبيها، وتنقيتها، وتخليصها، مما يشوبها من أنواع الأمراض، والأنواع الأمراض، وأنواع الفساد الذي قد يكون نخر ودخل في قلبك؛ بسبب الشوائب التي تمر عليك في هذه الحياة الدنيا، إذًا نستعين بعد الله عز وجل ونحن في هذا المجلس المبارك بهذه المراحل في إدراك المعنى الكامل لكتاب الله عز وجل، أيها الأخوة فاصل ثم نعود للكلام عن هذه المراحل السبعة.
فاصـــل تلــــيفزيوني
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ، مرة أخرى نعود للكلام عن المراحل السبعة، لعلك تتفضل لتقرأ علينا.
الطالب:
( نحتاج إلى تجاوز مراحل سبعة:

أولاً: إدراك المعاني اللغوية للكلمة في لغة العرب، ثم تحديد المعنى اللغوي المراد في الآية.

ثانيًا: معرفة دلالة حروف المعاني التي تربط بين الكلمات.

ثالثًا: معرفة دلالة الجملة الواحدة وما يتعلق بها ثم دلالة الجمل التي تتكون منها الآية.

رابعًا: فهم دلالة السياق السباق واللحاق.

خامسًا: الإحاطة بالمقصود العام للسورة.

سادسًا ثم الآية الأخرى التي تكلمت عن الموضوع نفسه ليكتمل المعنى المراد للآية.

سابعًا معرفة القواعد والقرائن المرجحة عند اختلاف المفسرين).
الشيخ:
نعم، هذه هي المراحل السبع نذكرها الآن على جهة الإجمال، المراحل السبعة هي هذه، سنأتي إلى كل مرحلة ونتكلم عنها تفصيلاً بإذن الله نجمع فيها بين بيان المقصود من هذه المرحلة، ثم بعد ذلك نضرب الأمثلة الكثيرة والمتنوعة من كلام الله عز وجل، ومن كلام رسوله ـ صلى الله عليه و سلم ـ، ومن كلام أئمة أهل التفسير في توضيح هذه القاعدة، وسأكثر بإذن الله جل وعلا من ضرب الأمثلة في هذا الباب حتى يتضح المقال؛ لأنه كما قيل: "بالمثال يتضح المقال" بالمثال، خصوصًا وأننا في مواطن هي تعتبر من المضائق في الحقيقة يعني تحتاج إلى كثير من الإيضاح إلى كثير من البسط عند مواطن الإشكال، تحتاج إلى أن تكثر من ضرب الأمثلة التي يزول بها الإشكال إن بقى في الذهن إشكال، فهذه المراحل السبعة من أولها إلى آخرها سنأتي عليها مرحلة مرحلة في شرح معناها، ثم في ضرب الأمثلة التي توضح المراد بإذن الله سبحانه وتعالى الشيخ أكمل.
الطالب:
(هذه المراحل كلها تدور حول علم التفسير وأدواته، وهذا العلم أي علم التفسير هو أوسع العلوم على الإطلاق، وهو في الظاهر من أسهل العلوم وأيسرها، فهو كما قيل قصر سوره من جريد وأبواب غرفه من حديد).
الشيخ:
حتنعم: أحسنت، قصر سوره من جريد، تعرفون الجريد جريد النخل، هذا يعني قصر لما تنظر إلى السور فإذا هو من جريد، يعني سهل تستطيع أن تتجاوزه، تستطيع أن تخترقه، تستطيع أن تدفعه، أن تجد فيه فرجة هذا التفسير عندما تراه من الخارج من الظاهر فتراه قصر، ولكن هذا القصر يتكون سوره من جريد، تظنه سهل ويسير، وإذا سألت إنسان عن تفسير آية من كتاب الله عز وجل، أو قلت له تعرف التفسير، تجد مباشرة يقول لك: نعم، الأمر يسير تفسير يعني هذا كلام الله عز وجل عرفناه وقرأناه ووقفنا على شيء من تفسيره، فيظن أن التفسير أمره يسير لم؟لأنه عندما يراه يرى قصرًا في الحقيقة سوره من جريد، قد أحاط به الجريد جريد النخل سهل، ولكنه أيضًا في حقيقة الأمر عندما يدخل داخل هذا القصر سيجد أن أبواب غرفه من حديد، عندما يدخل في بحر علم التفسير سيتضح له الأمر جليًا، ستضح له أن بحاجة إلى كل العلوم بلا استثناء حتى يصل إلى علم التفسير، وأنه بحاجة إلى حاجة كثيرة بحاجة إلى أشياء تتعلق بعلم اللغة، بحاجة إلى أشياء تتعلق بعلم اللغة بأنواعها وأشكالها، ليس اللغة المراد هنا النحو، النحو لا علاقة علاقة كبيرة في هذا الباب، وإن كان له شيء من التأثير، ولكن هناك أنواع من علوم اللغة لها علاقة متينة وقوية جدًا فيما يتعلق بعلم التفسير، عندك ما يسمى بعلم اللغة يعني علم الكلمات وفهم معاني الكلمة في لغة العرب، وهذا له أثر كبير جدًا في فهم تفسير كتاب الله عز وجل، عندك ما يسمى بعلم البلاغة بأنواعها الثلاثة، سواء أن كان ما يسمى بعلم البيان، أو علم البديع، أو علم المعاني، هذه العلوم البلاغة الثلاثة لها أثر كبير جدًا في تفسير كتاب الله عز وجل خصوصًا منها ما يسمى بعلم المعاني، هذا العلم له أثر كبير جدًا بل إن أثره لا يكاد يحاط به من سعته وعظيم أثره في كتاب الله عز وجل، هذا العلم المسمى بعمل المعاني له أثر كبير جدًا في فهم كتاب الله عز وجل، فهناك أنواع من العلوم لابد منها ما يسمى بعلم حروف المعاني، وقد صنفت مصنفات كبيرة في حروف المعاني، بل إن بعض حروف المعاني قد صنفت فيها مصنفات الزجاج قديمًا الإمام الفحل الكبير في علم اللغة صنف مصنفًا كاملاً أسماه اللامات في الكلام عن اللامات، وكذا غيره من الأئمة الأوائل والأواخر بل والمعاصرين صنفوا مصنفات كبيرة جدًا في ما يتعلق بحروف المعاني، هذا كله راجع إلى ما يسمى بعلم اللغة هذا كله راجع إلى ما يسمى بعلم اللغة، وهذا العلم هو علم من العلوم التي يحتاجها المفسر، وهو يحتاج أيضًا إلى علوم أخرى، يحتاج إلى أن يدرس ما يتعلق بعلوم القرآن عندك كتب ألفها الأئمة رحمهم الله في بيان علوم القرآن:
ألف الإمام السيوطي رحمه الله رسالته العظيمة في علوم القرآن المسماة بماذا؟ "الإتقان" .
وهناك الكتاب الأخرى المسمى بـ"البرهان"، وكتب كثيرة جدًا مصنفة في علوم القرآن، وألف شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله رسالته الجليلة المسماة "بمقدمة في التفسير"، وصنف أيضًا الأئمة رحمهم الله في ذلك أنواع من المصنفات سواء أن كان ذلك في القديم أو في الحديث، هذه المصنفات على أنواعها واختلافها أنت بحاجة أن تقف عليها؛ حتى تدرك بعض ما يتعلق من الآلة المعينة على تفسير كتاب الله عز وجل، فأنت إذا دخلت في تفسير كلام الله سبحانه وتعالى ستدرك أن هذا التفسير وإن كان في الظاهر أنه هين سهل إلا أنك حين دخلت فيه دخلت في قصر عظيم، دخلت في قصر شاسع كبير، دخلت في قصر نعم أبوابه من حديد، ولكن أحمد الله عز وجل أن هيأ لك من أهل العلم الأوائل من صحابة رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ، وكذلك من بعدهم إلى عصرك هذا من ذللوا لك الطرق، ومن يسروا لك السبل، ومن هونوا لك العلوم، وذللوها، وبينوها، ويسروها، بالمصنفات العظيمة التي صنفوها في هذا الشأن.
الطالب:
( ما قبل البدء في صلب الموضوع سأحصر المراجع التي نحتاج إليها حاجة ماسة؛ لتجاوز هذه المراحل، حتى لا تتشعب بنا الطرق في كتب اللغة والتفسير وما أكثرها، فمن هذه الكتب "جامع البيان في تأويل القرآن" لابن جرير أو "مختصره لابن كثير"
ثانيًا: تفسير العلامة عبدالرحمن السعدي "مجلد واحد" التفسير المسند الصحيح "تفسير التحرير والتنوير للطاهربن عاشور "معجم حروف المعان للقرآن الكريم لمحمد حسن شريف "لسان العرب "لابن منظور أو "المحيط" للفيروزآبادي "الجدول في إعراب القرآن").
الشيخ:
هذه الكتب أيها المبارك تم اختيارها بعد نظر واسع جدًا في كتب التفسير، وفي كتب اللغة وفي الكتب المعينة في تفسير كتاب الله عز وجل، والناظر في كتب التفسير المجردة التي صنفت للتفسير فقط سيجد أنها تبلغ أكثر من مائة كتاب، والمصنف في التفسير فقط تبلغ أكثر من مائة كتاب، بل هي أكثر من ذلك بكثير، إذا نظرت إلى الأجزاء الصغيرة والمؤلفات التي ليست بالطويلة فإن كتب التفسير أكثر من ذلك بكثير: ثم إذا نظرت إلى كتب اللغة، وإلى الفنون الأخرى ستجد أن الأمر واسع جدًا؛ ولذا اخترت لك من بين هذا الكم الهائل من الكتب، كتبًا أرى أن فيها كفاية، قد تلحظ أن بعض الكتب هناك ما هو أهم منها وهذا صحيح، ولكن لم أختر ذاك الكتاب مع أنه أهم ما وجد هنا؛ لأن في هذه المجموعة ما يغني عن ذاك المتروك، ذاك الذي تركناه ولم نضفه إلى هذه المجموعة إلى هذه الكتب المنتخبة، هناك من يغني عنه من الكتب المختارة المصطفاة في هذه المجموعة المنتخبة هناك من يغني عنه من الكتب المختارة المصطفاة في هذه المجموعة، فتم اختيار هذه الكتب ليغطي كل كتاب؛ ليغطي جانبًا.
فعندما ننظر مثلاً في جامع البيان في تأويل القرآن لابن جرير، وفي مختصره للإمام بن كثير رحمهم الله جميعًا هذا يتعلق بالتفسير بالمأثور، أي بذكر كلام أئمة السلف رحمهم الله في تفسيرهم لكلام الله، وبإمكانك أيضًا إن أردت بإمكانك أن تستغنى عن تفسير ابن جرير، أو عن تفسير ابن كثير بتفسير الإمام السيوطي رحمه الله المسمى بالدر المنثور في التفسير بالمأثور "هذه الكتب الثلاثة، وأجمعها وأشملها وأكثرها إحاطة بالآثار هو كتاب الدر المنثور هو أشملها من جهة جمع الآثار، فإن هذا الإمام قد جاء من الآثار في كتاب الله عز وجل من تفسير صحابة رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ، و تفسير التابعين، و أتباع التابعين جمع فيه ما لم يجمعه غيره أبدًا، لم يفعل أحد ممن تقدمه بل ولامن تأخره ممن جمع في التفسير، لم يحصل أن أحدًا جمع كتاب في التفسير المأثور كما جمعه هذا الإمام في كتابه العظيم الدر المنثور في التفسير بالمأثور، ولكن إن أردت شيئًا آخر غير التفسير بالمأثور مع هذا الكتاب عندئذ ننظر إلى تفسير ابن جرير فإنه ذكر التفسير بالأثر، ولكنه أضاف إليه أيضًا أنواع من التفسير الأخرى، وهي ما يسمى بالتفسير من جهة اللغة التفسير بالرأي والاستنباط والفهم ونحو ذلك، فعندئذ هناك ما أضافه ابن جرير رحمه الله على كتابه زيادة على التفسير المأثور؛ فلذا قد يختاره البعض ويقدمه على التفسير الدر المنثور، هذا بالنسبة للكتاب الأول.
بالنسبة للكتاب الثاني هو تفسير العلامة عبد الرحمن السعدي وقد سبق الكلام عن ذلك مطولاً وسبب اختياري هنا، هو أنه جمع ما يتعلق بمسائل التربية، وتهذيب النفس، وتقويم الخلق مع الله عز وجل، ومع النفس ومع الناس، فتم اختياره ضمن هذه المجموعة؛ لأنه سد هذه الثغرة فيما يتعلق بالتربية.
هناك أيضًا بعد ذلك التفسير المسند الصحيح وهو للدكتور حكمت ياسين، وهو طالب علم معاصر موجود الآن ومصنف هذا من أفضل ما يكون بالنسبة لانتفاء الأحاديث الصحيحة بل وكذلك الآثار الصحيحة في تفسير كلام الله عز وجل، فإنه اجتهد في النظر بالأحاديث الصحيحة، بل وكذلك الآثار الصحيحة في تفسير كلام الله عز وجل، فإنه اجتهد في النظر بالأحاديث، وكذلك بالنظر في الآثار، واجتهد في الحكم عليها وهو جيد مفيد؛ لأنه يخرج الحديث، ويخرج الأثر، ويذكر من حكم عليه، ويحاول أيضًا هو من نفسه أن يحكم على هذه الأحاديث، و على هذه الآثار، ولكن لا يغني أبدًا مطلقًا عن كتاب التفسير "كتاب الدرّ المنثور" أو عن كتاب تفسير ابن جرير بالنسبة للتفسير بالأثر.
الكتاب الرابع عندكم تفسير التحرير والتنوير للطاهر ابن عاشور وهذا التفسير من أجل ما صنف في علم تفسير كتاب الله عز وجل، وقد أمضى فيه المصنف رحمه الله أمضى فيه أكثر من خمس وثلاثين سنة وهو مصنف هذا الكتاب قرابة ست وثلاثين سنة، وهو يكتب هذا التفسير مع جلالة المصنف الطاهر بن عاشور رحمه الله مع جلالته وشدة فقهه وفهمه وإدراكه خصوصًا فيما يتعلق باللغة، جانب البلاغة هو إمام في هذا الباب لا يكاد يباري رحمه الله في جانب البلاغة إضافة إلى ما يتعلق باللغة، ومع ذلك هو صاحب فقه، وصاحب نظر، بل وصاحب ديانة رحمه الله رحمة واسعة، فالاستفادة من هذا الكتاب وهو كتاب كبير جدًا في التفسير، هذا الكتاب لابد لمن أراد الحقيقة في علم التفسير وفي علم الاستنباط والمعاني والبلاغة ونحو ذلك أن يستفيد من هذا الكتاب العظيم، وما سألت منصفًا من أهل التفسير في بلادنا في المملكة العربية السعودية أو في خارجها إلا وأثنى على هذا الكتاب خيرًا، فهذا الكتاب فيه علم غزير، وفيه فائدة ليست بالهينة أبدًا، فيستفاد منه في هذا الباب، ولكن يحذر فيما يتعلق ببعض التأويل أو التحريف لما يتعلق بمسائل الأسماء والصفات، فإن الطاهر بن عاشور رحمه الله لم يكن على جادة واحدة في هذا الباب، فتارة يجنح إلى التأويل والتحريف لمسائل الأسماء والصفات، وتارة يجنح إلى ترك الأسماء والصفات على حالها ونحو ذلك، فينتبه لهذا الأمر ويستفاد منه في الجوانب الأخرى.
خامسًا: بين أيديكم كتاب معجم حروف المعاني للقرآن الكريم لمحمد حسن شريف، هذا الكتاب حقيقة أقولها بدون مبالغة من أعجب ما رأيت، أقولها من دون مبالغة أعجب ما رأيت من المصنفات، جاء إلى الحروف في كتاب الله عز وجل فأخذها حرفًا حرفًا، كيف حرفًا حرفًا؟ جاء إلى حرف الألف من كتاب الله سبحانه وتعالى فبدأ من فاتحة الكتاب إلى سورة الناس فوضعها في جدول لك ووضع لكل حرف معنى في هذا الموطن؛ لأن الحروف تختلف معانيها بحسب موقعها وبحسب دلالة السياق، فجاء مثلاً إلى حرف الباء، وكذلك إلى حرف الفاء، وكذلك إلى حرف "إلى" ،وكذلك إلى حرف "من"، كذلك إلى كل الحروف إلى "اللام" جاء أيضًا إلى "عن" جاء إلى كل الحروف المتعلقة بالمعنى في كتاب الله عز وجل فأخذها، تصور مثلاً أنه جاء إلى الفاء في كتاب الله عز وجل فأخذها من أول القرآن إلى آخره فوضع لها جدولاً في كتابه هذا،ة وقال لك هذه الفاء في هذا الموطن لها معنى كذا وكذا هنا عاطفة، هنا استئنافيةن هنا تدل على كذا، فأخذ يذكر معاني الفاء في كتاب الله عز وجل من أوله إلى آخره، وخذ ما شئت بعد ذلك من أنواع الحروف كل حروف المعاني من أخذها على هذا النحو، وفي مقدمة كل حرف يذكر ما يتعلق بهذا الحرف واختلاف النحاة أو البلاغيين في هذا الحرف من جهة دلالته ومن جهة تقسيمه في تنوع الدلالة حسب السياق ونحو ذلك، تكلم عن هذا كله في مقدمة كل حرف فجاء في ثلاثة مجلدات، ولكنه حقيقة قد عمل فيه جهد يحتاج إلى أكثر من ثلاثين سنة، فهو يشكر شكرًا ليس بالهين أبدًا على ما عمله في هذا الكتاب، وإن كان قد لا يوافق على شيء كثير مما ذكره في هذا الكتاب، ولكنه في نفسه في جهده هذا هو جهد عظيم،ة ولو لم يكن فيه إلا الإحصاء،ة ولو لم يكن فيه إلا أنه أحصى هذه الحروف وذكر لها اجتهد في استنباط المعاني لكفاه،ة فكيف وقد عمل ما عمل، شكر الله له ورزقنا وإياه الإخلاص في القول والعمل.
بعد ذلك الكتاب السادس معكم هو كتاب لسان العرب والكتاب مشهور جدًا لا حاجة للكلام عنه وهو لابن منظور،وهذا الكتاب ميزته التي من أجلها جعلناه هو المختار من بين كتب اللغة جميعًا أنه حوى وجمع وإن من المعلوم أن هناك من كتب اللغة ما هو أدق في العبارة وأكثر تحرير في اختيار المعنى، ولكن اخترته هنا لأجل أنه جمع ونحن بحاجة إلى الجمع في هذا الموطن لتتسع دلالة الآية بمعرفة دلالة الكلمة في لغة العرب، فالكلمة في لغة العرب قد يكون لها معنى واثنين وثلاثة وأربعة وخمسة وستة، بالنسبة للفيروزآبادي رحمه الله في كتاب هذا في لسان العرب ميزته التي بالنسبة لنا التي تكون من أهم ما يكون أنه جمع المعاني ولم يختصر، وإنما جمعها وهذا يفيد طالب العلم جدًا فيما يتعلق بالتفسير.
في الأخير كتاب الجدول في إعراب القرآن، وهو كتاب عظيم وجميل جدًا يتعلق بإعراب كتاب الله عز وجل آية آية وحرفًا حرفًا، وهناك كتب أخرى في إعراب القرآن، لكن هذا من أجودها وأحسنها يعني رصًا، وأحسنها اهتمامًا أيضًا كذلك فيما يتعلق بإعراب الجمل، هناك كتب أخرى، كتاب التبيان في إعراب القرآن للدرويش وغيرها، ولكن هذا الكتاب للصافي حفظه الله اهتم ببيان مواقع الجمل في كتاب الله عز وجل. نقف عند هذا الحد، وأسأل الله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، أن يرزقنا الفقه في الدين، وأن يعلمنا التأويل، اللهم نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى يا ذا الجلال والإكرام نسألك بكرمك وبجودك وإحسانك وفضلك يا ربنا يا خالقنا أن ترزقنا من كتابك العظيم علمًا، اللهم اجعل لنا من هذا الكتاب العظيم علمًا يا رب العالمين، اللهم اجعله هادينا وقائدنا إلى جناتك جنات النعيم، اللهم اجعله حجة لنا لا حجة علينا، اللهم اجعله حجة لنا لا حجة علينا، اللهم شفعه فينا يا ذا الجلال والإكرام، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

التعديل الأخير تم بواسطة أم أسماء ; 01-12-08 الساعة 04:50 PM
أم أسماء غير متواجد حالياً  
قديم 27-11-08, 01:30 AM   #16
أم أسماء
جُهدٌ لا يُنسى
 
تاريخ التسجيل: 22-05-2007
المشاركات: 7,201
أم أسماء is on a distinguished road
افتراضي

تفريغ الدرس الرابع عشر:



بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله بســم الله الرحمٰن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
أما بعد، فقد تكلمنا سابقًا عن تمهيدٍ لهذه المراحل السبعة لطالب فهم كتاب الله عزّ وجلّ، ونواصل في هذه الحلقة بإذن المولى وبإعانةٍ منه سبحانه وتعالى الكلام عن شيءٍ من هذا التمهيد أيضًا، ثم ندخل في المرحلة الأولى من المراحل السبعة.
وقبل الكلام عن ما بقي من التمهيد أريد أن أعرض سريعًا لبعض الكتب التي ذكرناها البارحة حتى نزيل بعض الإشكال الذي قد يكون ورد في بعض الأذهان، أولا فيما يتعلق بـ"جامع البيان في تأويل القرآن" للإمام ابن جرير رحمه الله، مسألة "تأويل القرآن" أو "كلمة تأويل القرآن" عند ابن جرير رحمه الله وعند من كان في طبقته من الأئمة لا تعني ما يُفهم عادةً من هذه الكلمة عند المتأخرين، فكلمة التأويل عندهم رحمهم الله تعني التفسير، أما كلمة التأويل عند من تأخر من أهل العلم فتعني صرف اللفظ عن ظاهره إلى معنًى آخر بقرينة دلت على ذلك.
ومراد ابن جرير رحمه الله بهذا العنوان ليس هذا المعنى الذي هو صرف اللفظ من المعنى الظاهر إلى معنى آخر بقرينة دلت على ذلك، وإنما هو أراد التأويل بمعنى التفسير أي بمعنى ما يؤول إليه الكلام أو ما تؤول إليه حقيقة الكلام، فهذا هو مرادهم رحمهم الله من كلمة التأويل في عموم كلامهم سواءً كان هذا في كتب التفسير أو في غيرها أيضًا من الكتب الأخرى، فكلمة التأويل ينبغي أن يُعلم وأن يُفهم أن لها معنى عندهم غير ما يتبادر إلى أذهان كثيرٍ من طلبة العلم في هذا الزمان.
الأمر الآخر وهو فيما يتعلق بتفسير "التحرير والتنوير" للطاهر بن عاشور رحمه الله، قد يقول كثيرٌ من طلبة العلم بأن هذا التفسير العظيم –وقد سبقت الإشارة إلى جلالة هذا التفسير- فيه شيءٌ من العسر، فيه شيءٌ من الطول، فيه شيءٌ من الاستطراد في بيان ما يتعلق بكتاب الله عزّ وجلّ، وهذا حقٌ في هذا الكتاب، ولكن أيها المُبارك نتكلم الآن مع طلبة العلم وليس مع عامة المسلمين، ونتكلم الآن عمن أراد أن يبذل وقته وذهنه وجهده وفكره في تأمل كتاب الله سبحانه وتعالى، ومن كان على هذا النحو لن يضيره أن يقف وقفات مع كتابٍ مثل هذا الكتاب العظيم.
لا أقول لك اقرأ هذا الكتاب من أوله إلى آخره، فلن تستطيع ذلك غالبًا ولن تستفيد منه أيضًا كذلك الفائدة التي تريدها، لأنك لن تستفيد من تفسير الطاهر بن عاشور رحمه الله إلا إذا أخذت ما عنده وقرنته بما عند الأئمة الأُخر في كلامهم عن الآية المعينة التي تبحث عن تفسيرها وعن تأويلها.
ولذلك قرنت لك بين تفسير الطاهر بن عاشور رحمه الله وبين تفسير ابن جرير حتى تمزج بين التفسير بالمأثور الذي هو تفسيرٌ عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، يأتيك التفسير عن ابن مسعود وعن ابن عباس وعن أبي هريرة وعن هؤلاء الأكابر رحمهم الله رحمةٌ واسعة، ويأتيك التفسير أيضًا عن مجاهد ويأتيك التفسير عن قتادة ويأتيك التفسير عن الضحاك وعن سعيد بن جبير وهؤلاء الطبقة العالية من أهل العلم والفضل، تمزج بين هذا وبين تفسير الطاهر بن عاشور رحمه الله فيما يتعلق باللغة واستنباط المعاني البلاغية.
لم نحتاج إلى تفسير الطاهر بن عاشور؟ لأن أولئك الأئمة رحمهم الله رحمةً من أئمة السلف وصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم لم يكونوا بحاجةٍ إلى أن تُبيَّن لهم ما يتعلق ببلاغة الكلام وفصاحته وبيانه وعلوِّ كعبه في الدلالة على المراد، هذا لم يكن يحتاجون إليه أبدًا لأنهم قد أدركوا لغة العرب بالطبيعة التي نشئوا عليها، وبالسليقة التي تربوا عليها، فإنهم كانوا زمنٍ كانت اللغة على أصلها وكانت سليمة بين الناس يتكلمون هم بلسانٍ عربيٍّ مبين، فكانوا يفهمون الكلام العربي على أتم وجه، وعلى أكمل معنًى، لكن لما ضعفت اللغة في الأزمان المتأخرة احتاج أهل العلم إلى بيان هذه المسائل حتى يستنبطوها ويستخرجوها من كتاب الله عزّ وجلّ ويُبيِّنوها للناس من بعدهم، بل ويبينوها لطلبة العلم من بعدهم ممن ضعفت هذه الملكة لديهم.
ولذا ذكرنا لك هذا الكتاب فستستفيد منه كثيرًا في هذا الشأن، فيما يتعلق باستنباط واستخراج البلاغات، في فهم المعنى فهمًا كاملا دقيقًا، في فهم أصل الكلمة التي جاءت في كتاب الله عزّ وجلّ وما تدل عليه من المعاني الأخرى التي قد لا تكون طرأت لك على بال.
ثم ذكرنا لك أيضًا الكتاب المُسمَّى بـ"معجم حروف المعاني"، وهذا الكتاب تكلمنا عنه سابقًا فيما يتعلق بفائدة هذا الكتاب وجلالة قدره وما بذله هذا المصنف حفظه الله وشكر الله سعيه فيما يتعلق بجمع حروف المعاني من أولها إلى آخرها في كتاب الله سبحانه وتعالى، وأؤكد على قضية وهي مهمة جدًا فيما يتعلق باختياراتك لمعاني هذه الحروف، ذكرنا لك أن ما بذله هذا المُصنف هو مما قد يعجز عنه كثير من الناس، بل بدون مُبالغة أن ما فعله وما بذله وما تعب من أجله في جمع هذه المادة لو أنه وُكل إلى جامعةٍ كاملةٍ من أولها إلى آخرها لأجل جمع هذه المادة قد تتعب هذه الجامعة بما فيها وما معها من الكوادر العلمية، ولكن هو بذل نفسه واستغرق أوقاتًا كثيرةً جدًا في جمع هذه المادة فشكر الله له.
أما ما يتعلق باختياره للمعنى الخاص بكل آية فيما يتعلق بحروف المعاني فلا، قد يُخالَف كثيرًا فيه هذا الشأن، وسيأتيك أمثلة على ذلك كثيرة، ولكن هذا لا يُقلل في نفسك وفي ذهنك من أهمية هذا الكتاب، فإن فيه من الجهد ما ليس بالهيِّن أبدًا.
بعد ذلك ذكرنا كتاب "لسان العرب"، وقلنا أن مصنفه هو الفيروزابادي، وهذا خطأٌ ليس بالصحيح، فمن المعلوم عند عامة طلبة العلم أن مؤلف هذا الكتاب هو ابن منظور رحمه الله رحمةً واسعةً، وإنما كتاب الفيروزابادي هو كتاب "القاموس المحيط"، القاموس هو الذي للفيروزابادي، و"لسان العرب" لابن منظور.
فيما يتعلق بهذين الكتابين ذكرنا لك سبب اختيار "لسان العرب" وتقديمه على كتاب "القاموس المحيط"، وذلك أن "لسان العرب" قد جمع المادة العلمية وحواها، فأخذ ما قبله من الكتب وجمع كل ما فيها، جمع فيه خمس كتب عظام من كتب اللغة العربية، فعندما تُريد أن تبحث عن معنًى من معاني الله سبحانه وتعالى وتنظر في كلمة من كلمات هذا القرآن تعود لكتاب "لسان العرب" فتجد أنه ذكر أغلب المعاني المتعلقة بهذه الآية، ولذا اخترناه من بين الكتب مع أن هناك كتبًا أخرى قد تكون أكثر تحقيقًا وأكثر تدقيقًا في ذكر المعاني المتعلقة بالكلمات في لغة العرب.
بعد هذا نريد أن نواصل فيما كنا قرأنا به في الحلقة السابقة.
( إن مُداومة النظر في هذه الكتب مجتمعةً يعني بشكلٍ واضحٍ على فهم كلام السلف، ويدرأ المرء عن وصمة الاستهانة بكلام السلف في التفسير، لأنه سيدرك حينها أن العطب في فهمه لا في كلامهم، وأنه وإن فهم بعضها فهو لم يحط بكل ما قصدوه من المعاني لجهله بأساليب العرب في كلامها، فإذا استقر ذلك عنده فلن يجرأ على مخالفتهم في غير مسائل الإجماع حتى يفهم التفسير ومغزاه ومبناه ويعرف أصولهم وقواعدهم في الاستنباط، ثم إن بدا له بعد ذلك أن يجتهد فليجتهد سدد الله خطاه )
هذه الغاية وهذا الهدف هو من أهم ما يكون، الذي نريده من طلبة العلم في هذا الزمان أنهم عندما يقرءوا كلامًا للسلف رحمهم الله في تفسير كتاب الله عزّ وجلّ إياهم ثم إياهم أن يقع في قلوبهم أن تفسير ابن عبّاس ليس كبير شيء، وأن تفسير مجاهد وتفسير قتادة وتفسير الضحاك وتفسير فلان وفلان من أئمة أهل العلم في ذاك الزمان ليس فيه كبير معنى، وهذا وللأسف قد وقع واستقر في قلوب كثيرٍ من المهتمين بتفسير كتاب الله عزّ وجلّ، فيقول لك يا أخي أنا قرأت في تفسير ابن كثير وقرأت في تفسير ابن جرير وقرأت في "الدر المنثور في التفسير بالمأثور" فما وجدت ما تتكلمون عنه من جهة قوة ودقة كلام السلف رحمهم الله في تفسير كلام الله عزّ وجلّ.
لم لا يجد هذا؟ لا يجد هذا لأنه لم يفهم كلامهم رحمهم الله، السر في ذلك وسببه لأنه لم يفهم كلامهم هم، هو لم يفهم الآية وفقط، لم يفهم الآية ولم يفهم مع ذلك كلامهم هم رحمهم الله في تفسيرهم للآية، وسبب ذلك أنه عندما نظر في كلام السلف رحمهم الله لم يكن عنده من الآلة ولم يكن عنده من الأداة ما يفهم به كلامهم فضلا عن أن يفهم كلام الرب سبحانه وتعالى.
هذا الأمر الذي وقع فيه كثيرٌ من الناس بل كثيرٌ من طلبة العلم لا نريده أن يقع أيضًا كذلك منا نحن في تفسيرنا لكلام الله سبحانه وتعالى، بل في فهمنا لكلام السلف رضوان الله عليهم أجمعين، العلة والسبب هي فينا نحن، ليست في كلامهم، هم يتكلمون بلسانٍ عربيٍّ مبين، يتكلمون كلامًا من كان في زمنهم ومن كان مُدركًا لمعاني كلام العرب.
فمن لم يفهم كلامهم فلتكن الملامة بدءًا إلى نفسه، وليعد على نفسه بالذم والقدح ولا يعد على كلامهم رحمهم الله بشيءٍ من ذلك أبدًا، فإنه قد شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعلم، فابن عباس رضي الله عنه وعن أبيه قد دعا صلوات ربي وسلامه عليه بماذا؟ أن يفقهه في الدين وأن يعلمه التأويل، وهذه الدعوة قُبلت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وبان أثراها وظهرت ثمرتها على كلامه في كتاب الله عزّ وجلّ حتى شهد لابن عبّاس رضي الله عنه وعن أبيه أكابر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بل وكل الناس ممن علم شيئًا من كتاب الله كلهم شهدوا لهذا الإمام لهذا الحبر لهذا البحر في كتاب الله عزّ وجلّ بالجلالة، شهد له بالفهم، وشهد له بسعة العلم في كتاب الله سبحانه وتعالى.
فلما تقرأ كلامًا لابن عبّاس فلم تفهمه أو لم يقع في خلدك أن هذا الكلام فيه كبير شيءٍ من توضيح المعنى المُراد من هذه الآية فعد على نفسك بدءًا باللوم، لأنك قد خالفت إجماع علماء أمة محمدٍ صلى الله عليه وسلم على جلالة هذا الإمام في فنه في تفسيره لكتاب الله سبحانه وتعالى.
فإذًا ما السر في أن كثيرًا منا لم يفهم كلام السلف رضوان الله عليهم أجمعين في تفسيرهم لكلام سبحانه وتعالى؟ السر أن الأداة والآلة التي كانت موجودة عندهم ليست موجودةً عندنا بالشكل المرضي الكافي لأن نفهم ذاك الكلام، لكن بدءًا لن تستطيع أن تأخذ هذه الآلات ولا أن تحصل هذه الأدوات حتى يقر في نفسك أن العيب فيك لا فيهم، وأن النقص في فهمك لا فيما جاء عنهم، إذا تبين ذلك واستقر في نفسك أيها المؤمن يا طالب العلم عندئذٍ أبشر بخير، فإن أول الطريق أن تدرك أنك لست على جادةٍ في مخالفتك لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي مخالفتك لأئمة الدين من العلماء المفسرين لكتاب الله سبحانه وتعالى.
هذا مقصدٌ عظيمٌ وهدفٌ سامٍ نريده بإذن الله عزّ وجلّ أن يتحقق من هذه الدروس، أريدك بدءًا أن يتضح لك الأمر جليًّا أنَّ النقص عندنا نحن لا عندهم، نعم قد يُخطئ الصحابي في تفسير آيةٍ من كتاب الله عزّ وجلّ، وهذا واقع، قد يُخطئ ابن عباس رضي الله عنه وعن أبيه، وقد يُخطئ ابن مسعود، بل قد يُختلفون فيأتي ابن عباس فيُفسر الآية تفسيرًا ثم يأتي ابن مسعود فيُفسرها تفسيرًا مُخالفًا لتفسير ابن عباس، ويأتي قتادة فيخالف ابن عباس، ويأتي مجاهد فيُخالف سعيد بن جبير، وهكذا، لا إشكال في ذلك أبدًا، وإن كان هذا ليس بكثيرٍ بينهم أبدًا، ولكن هذا الخلاف إنما يكون دائرًا في محيط أهل العلم وفي دائرة العلم، لا في الاعتراض عليهم جميعًا رحمهم الله فيما جاء عنهم من تفسير كلام الله سبحانه وتعالى.
ففرقٌ كبيرٌ بين هذين الأمرين، فرقٌ أن تخالفهم جميعًا في تفسيرهم لكلام الله سبحانه وتعالى بل ألا يروق لك ما جاء عنهم من بيانٍ وتوضيحٍ لكلام الله، وفرقٌ أن تجتهد في مسألةٍ فتجد أن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنه قد قال في آيةٍ من الآيات كذا وكذا في بيان معناها فتجتهد أنت وتبحث في كلام أهل العلم وتجد من كلامهم ما يؤيد كلامك فتختار قولا يُخالف كلام ابن عبّاس أو كلام ابن مسعود أو كلام فلان وفلان من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أو من كلام التابعين، لا بأس في ذلك ولك أن تجتهد، ولكن لا يكون هذا ديدنًا لك، ولا يكون عن تنقيصٍ لكلامهم رحمهم الله، وإنما يكون في أفرادٍ من المسائل، فإذا كثُر ذلك عندك فاعلم أنك لم تسر على خطاهم ولم تقتفي آثارهم رحمهم الله في فهمهم لكلام الله عزّ وجلّ وهم أعلم الناس وخير الناس وأفضل الناس وأتقى الناس وأقرب الناس إلى الحق بشهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم.
بعد ذلك ندخل في المراحل السبعة مرحلةً مرحلة، ونستعين الله عزّ وجلّ بالبدء بالمرحلة الأولى.
( المراحل السبعة لطالب فهم القرآن:

إذا تبيّن ما سبق فهذه هي المراحل:

المرحلة الأولى: إدراك المعاني اللغوية التي تحتملها لغة العرب للكلمات الواردة في الآية، ثم تحديد المعنى أو المعاني اللغوية المُرادة في الآية نفسها، هذا الأمر من الأهمية بمكان، ذلك أن كلمات القرآن العظيم من جهة الوضوح وعدمه يمكن جعلها على ثلاث مراتب:

المرتبة الأولى: كلماتٌ مشهورة واضحة المعنى والدلالة، مثل الناس، الشمس، القمر، البحر، الشجر، السمع، البصر، النور، آل ياسين، الفقير

المرتبة الثانية: كلماتٌ مُتداولة واضحة المعنى الظاهر لكن من يتأمل معنى هذه الكلمات في كتب التفسير ودواوين اللغة فيجد أنها تنطوي على عددٍ من المعاني البديعة التي لم تخطر له على بالٍ وهي معاني يحتملها السياق، فكثيرٌ منها قد جاء التصريح بها أو التلميح عنها من السلف الصالح في كتب التفسير المأثور، لكن لعدم ورود احتمال هذه المعاني أصالةً في خاطره فإن الناظر في تفسير السلف لا يتأمل هذه المعاني في كلامهم، بل قد يستنكر على المحققين من المتأخرين الخوض في هذه المسائل، ومن جهل شيئًا عاداه، ومن أمثلة هذه الكلمات تؤزهم، حرثكم، وشددنا أسرهم، فأجاءها المخاض، كُوِّرت، كُشطت، كالدهان، الصمد، التغابن، رفرف، عبقري، أحقابًا، صليًا، باخع، جمالات صفر، عتيًّا.

وهذا النوع من الكلمات هي التي سنقف عندها طويلا في هذه الرسالة
)
الآن لتوضيح هذه النقطة فيما يتعلق بإدراك المعاني اللغوية لهذه الكلمات التي وردت في كتاب الله عزّ وجلّ، وهذه هي المرحلة الأولى التي ذكرنا لكم سبب جعلها هي المرحلة الأولى، لأنا نظرنا في كتاب الله كما سبق وجدنا أن كتاب الله سبحانه وتعالى عبارة عن سور، وهذه السور تتكون من آيات، وهذه الآيات تتكون من جمل، وهذه الجمل تتكون من كلمات، وهذه الكلمات تربط بينها حروف المعاني، فبدأنا بأقل شيء من الأساس بموضوع الكلمة، بدأنا بأول شيءٍ فيما يتعلق بالكلمة، نأخذ الكلمة لنأخذ معناها ثم ننتقل بعد ذلك إلى ما يليها.
فأول ما أخذنا معنا هنا هو موضوع الكلمة، لابد أن نفهم الكلمة هذه في لغة العرب ماذا تعني، ماذا يُراد بها، وأن نفهم أيضًا كذلك هذه الكلمة في هذا السياق ماذا تعني، فعندنا عدة من الإدراكات لابد أن نُدركها للكلمة، فالكلمة في أصل لغة العرب ماذا تعني، لها معنى ولا شك.
عندما نقول مثلا صلّى، كلمة صلّى هذه عبارة عن ماذا؟ عبارة عن اسم أو فعل؟ فعل ماضي، هذا الفعل الماضي في لغة العرب ماذا يعني؟ حدوث هذا الفعل في زمن الماضي، حدث ماذا هنا؟ هل هو الصلاة التي نعرفها الآن تُفتتح بالتكبير وتُختتم بالتسليم؟ في لغة العرب في أصل اللغة لما نقول صلى قبل بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما نقول فلانٌ صلى، ماذا يقصد؟ يقصد مجرد الدعاء وعموم الدعاء، فإذًا في أصل اللغة هذه الكلمة تُطلق على مجرد الدعاء دون هذه الأفعال التي نفعلها نحن فهذا لم يكن إلا في الإسلام بعد أن أمر النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الصلاة تطبيقًا لما جاء في كتاب الله سبحانه وتعالى، إذًا هذه الكلمة لها معنى في أصل اللغة، لكن بعد أن جاءت في موطنٍ خاصٍّ من كتاب الله سبحانه وتعالى عندئذٍ أصبح لها معنًى آخر يُناسب هذا السياق الذي جاءت به.
أيها الأحبة، فاصلٌ قصيرٌ ثم نعود لنستكمل ما بدأناه بإذن الله سبحانه وتعالى.
فاصلٌ تليفزيوني
بسم الله الرحمن الرحيم حياكم الله أيها الأحبة في روضة من رياض الجنة ونستكمل ما كنا نتكلم عنه في المرحلة الأولى من مراحل فهم كتاب الله عزّ وجلّ ذكرنا أن هذه الكلمات هي في أصلها لها معنى في لغة العرب ثم لما تأتي في سياق محدد معين سواء كان هذا السياق في كلام الله أو في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم أو كلام أحد الناس يكون لها معنى محدداً في هذا الموطن بالذات يدل على ذاك السياق وقلنا مثلاً كلمة صلى كنا نتكلم عنها هذه كلمة صلى أو الصلاة كانت في أصل لغة العرب هي تطلق على مجرد الدعاء فلما يقال فلان صلى أي دعا سواء كان هذا الدعاء لحق به بعد ذلك بعض الأوصاف الزائدة عليه كما أنك مثلا تقول فلان صلى وقد نريد بهذه الصلاة أنه ابتهل ابتهالاً شديداً فيه ركوع وفيه سجود وكان هذا موجود في أيام الجاهلية حتى قدم مبعث محمد صلى الله عليه وسلم بل كان موجود أيضاًَ عند الأنبياء جميعا عليهم الصلاة والسلام فهذه الكلمة في أصل اللغة تدل على مجرد الدعاء وقد يحتف بها أمور أخرى تحدد أو يحدد هذه الأمور القرائن والسياق الذي يجيء في خلل هذه الكلمة إما يسبقها وإما يلحق بها إذاً فالمقصود هنا أن أصل الكلمة لها معنى فلما جاءت في كتاب الله عزّ وجلّ وهذا هو المراد هنا قد يكون لها معاني أخرى ولكن لا ينبغي أبداً أن يغيب المعني الأصلي عن الذهن وهذا هو الأمر الذي نريد أن نؤكده هنا فيما يتعلق بالمرحلة الأولى إياك ثم إياك إذا أردت أن تفهم كلمة من كتاب الله عزّ وجلّ أن يغيب المعنى الأصلي الذي جاءت هذه الكلمة في لغة العرب للدلالة عليه فلا يطغى المعنى الثاني الذي حدث بعد ذلك حدث نتيجة قرينة شرعية نتيجة لقرينة دل عليها السياق وغير ذلك من القرائن لا ينبغي أن يغيب المعني الأصلي بل يبقى المعنى الأصلي موجود في الذهن فكلمة الصلاة أو صلى ذكرنا أنها في أصل اللغة هي الدعاء بعد ذلك عندما تأتي هذه الكلمة في نص من كتاب الله أو من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الصلاة معلومة أن لها هيئة محددة معروفة يعرفها جميع أهل الإسلام إذاً هذه الصلاة لما تغير المراد منها أو بعبارة أدق لما تطور المراد منها فأصبحت الصلاة لها هيئة محددة معلومة لها أقوال لها أفعال تفتتح بالتكبير تختتم بالتسليم ونحو ذلك هذا المعنى في الصلاة المعنى الشرعي لكلمة الصلاة لا ينبغي أن يغيب عن ذهنك المعنى الأصلي للكلمة وهو مسألة ماذا؟ الدعاء وهو معنى الدعاء لهذه الكلمة لأن الصلاة في أصلها إنما هي من قبيل الدعاء والابتهال وهذا يدلك على معنى لابد وأن تفقهه من كتاب الله عزّ وجلّ وهو أن تسمية شريعة من الشرائع أو ركن من الأركان أو واجباً من الواجبات باسم محدد له أصل في اللغة يدل على أن هذا الأصل هو لب هذه الشريعة أو هو لب هذا الركن أو هو لب هذا الواجب الذي جاء من كتاب الله عزّ وجلّ فعندما نتكلم عن الصلاة مثلاً الصلاة قد عرفناها وأدركناها فما لب الصلاة؟ الدعاء لب الصلاة ، لما ؟ لأنّا لم ننسخ ولم نلغي المعنى الأصلي الذي اشتقت هذه الصلاة من لغة العرب اشتقت هذه الصلاة وجعلت هذه التسمية لها من تلك الكلمة الأصلية في لغة العرب فلما اشتقت الصلاة من هذه التسمية من هذه الكلمة علم أن أصل الصلاة ولب الصلاة هو هذا الدعاء فالصلاة من أولها إلى آخرها هي في حقيقتها ماذا؟ هي في حقيقتها دعاء، خذ مثلاً أيضاً كذلك مثال آخر الزكاة في كتاب الله عزّ وجلّ الزكاة في كتاب الله سبحانه وتعالى معلومة تخرج مالاً محدداً بنسبة معينة إذا دار الحول عليك بحسب اختلاف الأموال ونحو ذلك فالزكاة لما تسمع آية من كتاب الله عزّ وجلّ فيها أمر بالزكاة أو كذلك من حديث النبي صلى الله عليه وسلم فيه كلام عن الزكاة فإن الذهن مباشرة ينطلق إلى الزكاة المعهودة المعروفة التي هي ركن من أركان الإسلام لكن هذه الزكاة سُميت زكاة لما ؟ من تزكية الشيء من تهذيبه من تنقيته فإذاً ما الهدف الأسمى من هذه الزكاة أو قل بعبارة أخرى لما شرع الله عزّ وجلّ هذه الزكاة على عبادة هل من أجل أنه سبحانه وتعالى يحتاج إلى شيء من أموالهم هل لأجل أن الله سبحانه وتعالى يريد من ذلك أن يكون فيه تكافل في المجتمع وإن كان هذا مراد لكن أصل المسألة في ماذا في التزكية في التهذيب هي تزكية النفس أولاً ثم تزكية المال الذي هو بعد ذلك تزكية المجتمع من أوله إلى آخره فتزكية النفس بتزكية المال ثم تزكية المجتمع لأن هذه الزكاة إذا فُعلت وعمل بها أهل الإسلام ولم يقصروا فيها فإنها تكون سبباً في تزكيتهم في تهذيبهم في تخليصهم من الشوائب التي تنخر فيهم في إنسان بمفردة أو أيضاً في المجتمع من أوله إلى آخره هذا المعنى الأصلي الذي جاء في كلمات وردت في كتاب الله عزّ وجلّ لا ينبغي أبداً أن يغيب.
خذ أيضاً كذلك الصيام قد ورد في كتاب الله عزّ وجلّ وخذ أمثلة كثيرة جداً تأملها في كتاب الله لابد وأن تفقه هذه المسألة معها وهو أن المعنى الأصلي للكلمة يبقى حاضراً في الذهن ولا يغيب إذا أردت أن تدرك المعنى الكامل وأنا أعيد وأكرر على هذه النقطة أن مرادنا هنا من هذه المراحل السبعة أن ندرك المعنى الكامل يعني الكامل الذي نستطيع أن نصل إليه من آيات كتاب الله سبحانه وتعالى أما المعنى الجزئي الناقص فهذا قد يدركه الإنسان بغير هذا التعني.
سأل أحد الطلبة :
جزاك الله خيراً يا الشيخ، فضيلتك قلت لا ينبغي المعنى الأصلي الذي جاء في الكلمة للدلالة عليها، فكيف إذا جاءت الكلمة بالمعنى الأصلي هل تحمل مثال الصلاة ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ [الأحزاب:56] فهل أحملها على الصلاة أيضاً التي نصليها نحن التي تشتمل على أقوال وأفعال مخصوصة أم تطلق على معناها الأصلي وهي الدعاء؟
أكمل الشيخ :
بارك الله فيك، هذا جميل بالنسبة للمعنى الأصلي إذا جاءت الكلمة في كتاب الله عزّ وجلّ ولم تنقل عن معناها الأصلي فتبقى على المعنى اللغوي التي جاءت في أصل اللغة عليه، ولكن ينبغي أن يدرك أن المعنى الأصلي في اللغة قليلاً ما يبقى على ما هو عليه غالباً أن نصوص الكتاب والسنة إذا جاءت بكلمة من أصل اللغة أنها تضيف عليه معنى مثلاً في الآية قرأتها بارك الله فيك ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ﴾ هل الصلاة هنا مجرد الدعاء؟ لا، ليست الصلاة هنا هي مجرد الدعاء وإنما الصلاة هنا كما فسرها أبو العالية الرياحي رحمه الله وكما جاء عن علماء أهل الإسلام في تفسير هذه الكلمة وهو القول المرتضي الذي ارتضاه جماعة من المحققين أن الصلاة هنا على النبي صلى الله عليه وسلم ليست مجرد الدعاء وإنما هي ثناء الله عزّ وجلّ على نبيه صلى الله عليه وسلم في الملأ الأعلى وهذه منزلة غير منزلة مجرد الدعاء منزلة أرفع وأشرف وأكرم فالله عزّ وجلّ أنت تدعو الله سبحانه وتعالى أن يصلي على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أي أن يثني عليه صلوات ربي وسلامه عليه في الملأ الأعلى عند ملائكته جلّ وعلا، هذا المعنى الزائد المعنى الأصلي لكلمة.
أكمل الطالب :
لا تتوقف على معني.
أكمل الشيخ :
نعم لا تتوقف على معني، بل أن غالباً أن السياق هو الذي يدل على المعنى الزائد الذي جاء به الشرع سواء كان من كتاب الله أو من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بل وأيضاً من كلام أهل العلم السياق هو الذي يدل على هذا المعنى الزائد ذكرنا لك أن الكلمات في كتاب الله يمكن أن تقسم على ثلاث مراتب كلمات ظاهرة واضحة جلية لا تحتاج إلى بيان ولا إلى توضيح فلو قلت لأي إنسان كلمة الناس كلمة الشمس كلمة القمر كلمة الشجر كلمة السمع كلمة البصر كلمة النور اليتيم الفقير هذه الكلمات هل تحتاج إلى شرح وإيضاح؟ هل هناك من يجهل ما معنى هذه الكلمات ؟ لا وهذه جملة ليست بالقليلة من كلمات هذا القرآن العظيم هي على هذا النحو.
هناك مرتبة أخرى للكلمات في كتاب الله عزّ وجلّ وهي كلمات متداولة واضحة المعنى الظاهر لكن من يتأمل معنى هذه الكلمات في كتب التفسير ودواوين اللغة سيجد أنها تنطوي على عدد من المعاني البديعة التي لم ينتبه إليها هو في بادئ الأمر .
وهذه المرتبة الثانية من الكلمات قد سمعت لها بأمثلة من هذه الأمثلة تؤزهم الأز في أصل اللغة كثير من الناس يعرف معنى الأز فيه شيء من الدفع ولكنه دفع يكون فيه شدة ويكون فيه قوة ونحو ذلك لكن كلمة تؤزهم في كتاب الله عزّ وجلّ لما وردت هل أُريد بها مجرد الأز فقط الدفع بقوة ؟ لما قال الله عزّ وجلّ ﴿ تَؤُزُّهُمْ أَزّاً [مريم:83] هل هنا الأز الشياطين هذه للكافرين هل هو مجرد الدفع بقوة فقط ؟ لا ، ارجع إلى كلمة أز في لغة العرب وارجع إلى كلمة أز في كتب التفسير باللغة وارجع إلى كلمة أز في كتب التفسير بالمأثور فتجد أن كلمة أز لها من المعاني ما لم يخطر لك على بال وأنها دلت على حقيقة وعلى أمر عظيم بينه الله عزّ وجلّ في هذه الكلمة ﴿ تَؤُزُّهُمْ أَزّاً ﴾ ومن المعلوم أن معنى كلمة أز هنا ما موقعها من الإعراب ؟
أجب أحد الطلبة :
مفعول مطلق.
أكمل الشيخ :
مفعول مطلق، أحسنت بارك الله فيك، مفعول مطلق ﴿ تَؤُزُّهُمْ أَزّاً ﴾ فجاءت للدلالة على أن هذا الأز قوي وشديد ومتكرر لكن تأمل كلمة الأز ستجد الأز في لغة العرب تطلق على عدد من المعاني على عدة معاني وهذه المعاني سأذكر لك شيئاً منها الآن حتى تتصور معنى المراد هنا بالمرتبة الثانية الكلمات الواضحة لكن لها معنى قد لا يخطر لك على بال كلمة الأز تارة على الامتلاء الشديد بمعنى أنك تأتي بمثل تأتي بقدر أو تأتي بشيء ممكن أن ينفخ نفخاً من الجلد أو البلاستيك ونحو ذلك فتملأه تملأه ملئاً كلمة الأز من معانيها في لغة العرب الامتلاء ليس الدفع بشدة وقوة هذا معناً ثابت لها ولكنها تدل على معنى آخر ما هو؟ هو الامتلاء فيقال في لغة العرب المجلس أز أزيزاً أو يقال امتلأ المجلس امتلاءً فأز المجلس بأهله أو أز المجلس أزيزاً أو امتلأ المجلس امتلاءً هذه كلها بمعنى أن المجلس هذا امتلئ بالناس وانحشر من كثرة الداخلين فيه فكلمة الأز من معانيها تدل على الامتلاء.
أيضاً من معاني الأز في لغة العرب أنها تدل على الاختلاط فيقال في لغة العرب أز الزيت بالماء أي اختلط الزيت بالماء حصل بينهما نوع من الاختلاط أو يقال أز الناس بعضهم ببعض أي اختلطوا فيما بينهم فأصبح بينهم مرج وهرج ومداخلة واختلطوا فيما بينهم واختلط الزيت بالماء ونحو ذلك فهناك شيء من الاختلاط بين هذه الأشياء التي جاءت واصلة بينها هذه الكلمة وأيضاً من معاني الأز في لغة العرب أنها تدل على شيء من الاضطراب والحركة فيقال أز القدر بالماء كيف أز القدر بالماء ؟ بمعنى أن هذا القدر لما غلا فيه الماء واشتد غليان الماء بدأ يتحرك ويضطرب بدأ يتحرك ويضطرب فمن معاني الأز أيضاً الاضطراب هذه المعاني يا أخي المبارك لو تأملتها في هذه الآية في سورة مريم ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزّ[مريم:83] لو تأملت هذه المعاني في لغة العرب لوجدت أنها منطبقة على الكافرين في أز الشياطين لهم فالشياطين تأتي إلى هؤلاء الكافرين فتؤزهم أولاً تخالطهم وتمتزج معهم فتكون كأنهم وهم في جسد واحد وكأنهم وهم ليس افتراق أبداً بل هم شيء واحد الشياطين مع الكافرين أصبحوا كالشيء الواحد ثم إنها خالطتهم مخالطة شديدة جداً ولما خالطتهم أصبحت بعد ذلك قد ملئت هذه الأجساد ونفختها بالشر ونفختها بمعصية الله عزّ وجلّ ونفختها بالرغبة بالاستجابة لإبليس عليه من الله اللعنة فلما خالطتهم ملئتهم رغبة في معصية الله سبحانه وتعالى بل وملئتهم قوة على تجاوز أوامر الله عزّ وجلّ وارتكاب نواهيه وهذا من المراد للشياطين مع هؤلاء الكافرين أنها تزيدهم قوة على قوتهم في الباطل تزيدهم قوة على قوتهم في الشر ثم لما ملئتهم أيضاً أصبح مع هذا كله إيش؟ اضطراب ونوع حركة لكن هذه الحركة موجهة في طاعة الله عزّ وجلّ ؟ لا وإنما هي موجهة في معصية الله سبحانه وتعالى فلما حصلت هذه الحركة والاضطراب حصل هذا الاضطراب وحصلت هذه الحركة من هؤلاء الشياطين مع هؤلاء الكافرين دفعتهم دفعاً قوياً جداً إلى ماذا ؟ إلى معصية الله سبحانه وتعالى هذا المعني في كلمة ﴿ تَؤُزُّهُمْ أَزّاً ﴾ كان في بادئ الأمر المعنى فيه شيء من الظهور ولكن بعد ذلك عندما تتأمل كلمة الأز في لغة العرب وتتأمل كلمة أز من كلام المفسرين رحمهم الله من كلام السلف رضوان الله عليهم أجمعين ستدرك معنى هذا الكلام، وتدرك ما الذي أراده ربنا سبحانه وتعالى أو من معاني ومن دلائل هذه الآية في وصف حال الشياطين مع الكافرين ولذا بعد ذلك كله أيها المبارك أيها المؤمن لا تستغرب ولا تعجب أن ترى من يعان على الشر فيقف مثلاً على رجليه ست سبع ساعات يرقص ست سبع ثمان ساعات وهو والعياذ بالله مع الشيطان وفى الشيطان ولأجل الشيطان تجده أنه سوسته بينما لو أراد إنسان منا أن يلقي كلمة أو يخطب خطبة أو يقف واقفاً في صلاة ونحو ذلك فإن الله سبحانه وتعالى يعطيه من القوة المعتادة التي يريد منه سبحانه وتعالى أن يبذلها في طاعته فإذا وقف ساعة أو ساعتين في الكلام أو في الصلاة فإنه ماذا يحصل له شيء من؟ التعب شيء من المشقة بينما هؤلاء الكافرين وهؤلاء الفاسقين وهؤلاء الفاجرين قد يقف الواحد منهم خمس أو ست ساعات من دون أن يشعر بشيء من التعب والإرهاق وإنما يسقط بعد ذلك سقوطاً كاملاً واحداً.
هذا من أز الشياطين لهم فإن الشياطين تؤزهم أزا لأن الله عاقب هؤلاء الكافرين وعاقب هؤلاء الفاجرين وعاقب هؤلاء الفاسدين بأنه أرسل الشياطين عليهم تؤزهم أزا.
هذا معنى من معاني كلمات أز قد ظهر منه شيء قبل ذلك ثم بان منه أشياء وأنت لو تأملت هذا جيداً في كلام السلف رضوان الله عليهم أجمعين ثم في كلام المفسرين ثم في كتب اللغة لو ما هو أكثر من ذلك بكثير، واضح؟
فإذا كتاب الله سبحانه وتعالى بقدر ما تعطيه بقدر ما يعطيك تأمل الكلمة الثانية التي بعدها ﴿حَرْثَكُم﴾ وهذا معنى ظاهر بديء وقد استنبط منه الفقهاء أنه لا يجوز للرجل أن يأتي المرأة امرأته في دبرها لأن الله عزّ وجلّ أباح له ماذا؟ أباح له موطن الحرث، موطن الحرث الذي يكون فيه مناسبة لأن يضع الرجل ماءه في مكان كالأرض المحروثة له فتنبت هذه الأرض وتأتي بالذرية فهذا هو موطن الحرث، أما بالنسبة للدبر فهو ليس موطناً للحرث، ولذا استدل الشافعي وجماعة في القول الجديد له واستدل أيضاً قبله وهو قول الحنفية بل قول جمهور أهل العلم في هذا الباب أن إتيان المرأة في دبرها لا يجوز واستدلوا بهذه الآية وبأدلة أخرى معلومة من السنة النبوية لكن الكلام عن لفظة ﴿حَرْثَكُم﴾ في كتاب الله عزّ وجلّ أنها جاءت في موطن خاص واضح لدلالة محددة معينة كذلك [الانسان:28] ما معنى ﴿ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ ﴾ ما معنى كلمة أَسْرَهُمْ ؟ وما الذي دلت عليه؟ كذلك ﴿ فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ [مريم:23] وغيرها كثير وأنا لا أريد أن أمر عليها سريعاً ولكن أيضاً بإذن الله سيأتي الكلام عن الأمثلة لأن الوقوف على كلمة والحديث عن معناها وعن دلالتها في كتاب الله عزّ وجلّ قد يطول جداً وإنما المراد هنا أن نذكر أمثلة على ذلك وستأتي أمثلة أوسع وأبسط مع كلام أهل العلم وتطبيق ذلك من كلام السلف وكلام المفسرين وكلام أهل اللغة في تفسيرهم لكلام الله عزّ وجلّ.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقني وإياكم علماً نافعاً وعملاً صالحاً وقلباً خاشعاً وإيماناً كاملاً ولساناً ذاكراً وعيناً من خشيته دامعة، اللهم ومن ثم الفردوس الأعلى في جناتك جنات النعيم مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً، اللهم إنّا نسألك الفقه في الدين وأن تعلمنا التأويل، اللهم إنّا نسألك الفقه في الدين وأن تعلمنا التأويل، اللهم إنّا نسألك الفقه في الدين وأن تعلمنا التأويل. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً .
أم أسماء غير متواجد حالياً  
قديم 12-12-08, 08:14 PM   #17
أم أسماء
جُهدٌ لا يُنسى
 
تاريخ التسجيل: 22-05-2007
المشاركات: 7,201
أم أسماء is on a distinguished road
افتراضي

تفريغ الدرس الخامس عشر:



بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين .
اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً وعملاً يا أكرم الأكرمين .

كنا أيها الأحبة في الكلام عن المرحلة الأولى من المراحل السبعة لطالب فهم القرآن وذكرنا أن الكلمات في كتاب الله عزّ وجلّ على ثلاث مراحل:
منها كلمات ظاهرة واضحة بينة لا تحتاج إلى شرح وإيضاح .
ومنها كلماتٌ لا فيها ما هو بين وظاهرة ولكنها معاني أخري ومغازى ممكن أن يتأملها من نظر في كتب التفسير نظر في كتب اللغة ونحو ذلك ووقفنا عند هذه المرتبة وكنا قد ضربنا مثل في قوله سبحانه وتعالى ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا [مريم:83]. في قوله سبحانه ﴿ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا ﴾ وهناك أمثلة كثيرة جداً على هذه المرتبة سيأتي بإذن الله شيءٌ منها وأريد أن أمر سريعاً على الكلمات التي سمعتم في الحلقة السابقة حتى لا يبقى الذهن مشدوداً معها وينتظم ما فيها من المعاني لأننا لا نستطيع أبداً أن نعرض لكل هذه الكلمات وبيانها ما فيها من المعاني وكيفية فهم هذه المعاني من كتاب الله عزّ وجلّ وكذلك من كلام المفسرين حولها، فالأمثلة التي قُرأت عليكم فيها ﴿تَؤُزُهُم﴾﴿ حَرْثَكُم﴾ ﴿شَدَدَنَا أَسْرَهُم﴾ ﴿فَأَجَاءْهَا المَخَاضُ﴾ ولعل هذه الآية ﴿فَأَجَاءْهَا المَخَاضُ﴾ أن نقف عندها وقفة طويلة بإذن الله سبحانه وتعالى لبيان دقة كلام السلف رحمهم الله في تفسيرهم لهذه الآيات.
أيضاً ﴿كُوَّرَت﴾ ﴿كُشِطَت﴾ ﴿كَالدِهَان﴾:
لو تأمل الإنسان كلمة ﴿كُوَّرَت﴾ في قوله سبحانه وتعالى ﴿إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ﴾ وفى الآية التي تليها ﴿إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ[التكوير:1-2] فتأمل كلام المفسرين رحمهم الله في قوله تعالى ﴿ كُوِّرَتْ ﴾ ماذا تدل عليه؟
التكوير في أصل اللغة هو يدل على جعل الشيء مكوراً أي مدوراً؛ ولذا لما تقف على كلام السلف رحمهم وكذا على كلام من بعدهم من أهل العلم في التفسير يقولوا لك بأن المراد هنا أن الشمس وكذلك النجوم أنها تلف الشمس والقمر تلف كما تلف العمامة ويقول بعضهم تكور كما تكور العمامة،
لكن لفظ كورت عندما تتأمل في كتب اللغة ستجد أن هذه اللفظة تتدل على معنيين :وانظر في كتب أهل العلم ستجد أن هذين المعنيين ثابتين ظاهرين واضحين في كلامهم رحمهم الله فالتكوير يدل بدءاً على اللف وعلى الضم وعلى التدوير ويدل أيضاً على اضمحلال النور الذي في الشيء المكور فيدل تارة على اللف والتدوير ويدل دلالة أخرى على اضمحلال النور والانطفاء ولهذه السطور التي كان فيها فالذي يعمل بالشمس والقمر في يوم القيامة أنها تلف وتدور كما تُدَوَّر العمامة وأيضاً يضمحل هذا النور شيئاً وشيئاً، شيئاًَ فشيئاًَ حتى تنطفئ ما في هذه الكواكب الشمس والقمر ينطفئ ما فيها من النور هذا الوجوه في معني كورت.
وكذلك في قوله سبحانه وتعالى ﴿انْكَدَرَتْالانكدار في أصل اللغة لو اطلعت عليه هو السقوط بشدة، وقوة وأيضاً الانكدار يدل على الاضمحلال ويدل على ذهاب الضوء شيئاً فشيئاً فهو سقوط شديد يصحبه ذهاب نور هذه النجوم واضمحلال هذه الإضاءة شيئاً فشيئاً حتى تنطفئ تماماً وهذا يدلك على أن الكون بعد أمر الله سبحانه وتعالى بالنفخة العظيمة نفخة الصعق والتي تتبعها النفخة الثانية والتي هي نفخة الموت وصعق الناس جميعاً عندنا فزع وعندنا صعق وهذه إن كانت نفخة واحدة أو كانتا نفختين (الأمر يسير خلاف بين أهل العلم) ولكن المقصود بعد نفخة الصعق وبعد موت الخلائق وبعد حدوث الأهوال في هذا الكون يصبح الكون كله من أوله إلى آخره مظلم شديد الظلمة جداً لا نور فيه ذهب نور الشمس وذهب نور القمر وذهب نور النجوم من أولها إلى آخرها فحصل في هذا الكون ظلمة شديدة قاتمة جداً ليس هناك من نور إلا نور جبار السماوات والأرض سبحانه وتعالى ذهب كل نور على وجه هذه البسيطة فلم يبقَ إلا نور الله جلّ في علاه؛ ولذا كما في صحيح مسلم لما سأل صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم :سألوه عن أين يكون الناس حينما تبدل الأرض غير الأرض -حينما تتقلب هذه السماوات وتتبدل هذه الأرض ولا يبقي شيء حينما تتغير هذه الأكوان جميعاً من أولها إلى آخرها ثم يحصل فيها كما يحصل للأرض وكذلك والكون يحصل فيه هذا التغير الكبير الرهيب أين يكون الناس؟- (قالوا يا رسول الله أين يكون الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض ؟ قال : في الظلمة دون الجسر) والحديث في صحيح مسلم قال:( في الظلمة دون الجسر (قبل الجسر هناك ظلمة شديدة في الظلمة دون الجسر) فهذه الظلمة هي الي تقع في هذا الكون بعد حدوث هذه الآيات العظيمات من تكوير الشمس وانكدار النجوم وما يحصل بعد ذلك من الآيات هذا الكلام تأمله في كلام المفسرين ستجده ظاهراً بيناً واضحاً في الكتب التي ذكرت لك.
حتى في قوله سبحانه وتعالى في نفس السورة ﴿ كُشِطَتْ﴾ ﴿وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ[التكوير:11] ما معني الكشط؟
إذا تأملت معني الكشط في لغة العرب ستجد عجباًَ، الكشط جاء تفسيره في قوله سبحانه وتعالى وهذا من تفسير القرآن بالقرآن جاء تفسيره في قوله سبحانه وتعالى ﴿ يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ [الانبياء:104] كيف كطي السجل للكتب؟
طي السجل للكتب، كانوا في القديم يأتون بالجلد الذي يكون على ظهر الكتب يكون من جهة الأرض ثم يؤتى بالكتب إن كان مثل هذا الكتاب أو غيره يؤتى ويوضع هكذا عبارة عن أوراق ليس فيها جلادة فتطوى هكذا فتطوى الكتب بالسجل هكذا،﴿ يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ ﴾ السجل يطوي الأوراق، هكذا فالله سبحانه وتعالى على جهة تليق بعظمته سبحانه وعلى صفة لا نعلمها ولا ندرك كيفيتها يطوي جلّ في علاه هذه السماوات السبع من أولها إلى آخرها يطويها طوياً بين لنا صفة هذا الطوي في قوله سبحانه وتعالى ﴿وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ
معنى كشطت في لغة العرب أي كشعت وأزيلت كما يزال الجلد من على ظهر الكتاب وكما يزال جلد البعير من على لحمه، فالبعير إذا أرد العرب أن يسلخوه فإنهم يزيلون هذا الجلد من على اللحم ويسمون هذا الفعل كشطاً، وهو يشبه السلخ الآن لعموم البهائم هذا السلخ الذي يقع للبهائم تسميه العرب إذا كان للبعير لأنه له صفة خاصة لرقة جلد البعير يسمونه كشطاً، فالله سبحانه وتعالى يكشط هذه السماء من على وجه هذا الكون فيطويها سبحانه وتعالى ﴿ يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ ﴾ وهذا هو بيان قول الله سبحانه وتعالى ﴿وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ﴾ فهذا الفعل وهذا المرحلة هي من أواخر ما يقع من حال السماء؛ لأن السماء تمر بمراحل عظيمة جداً في يوم القيامة بدءاً من الانفطار ﴿إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ[الانفطار:1] في بداية الأمر الانفطار الذي هو بداية الانشقاق ثم بعد ذلك يقع الانشقاق ﴿إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ[الانشقاق:1].
ثم بعد ذلك يحصل ما يلي ذلك حتى يقع ما قاله الله سبحانه وتعالى في سورة عمَّ ﴿وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَاب[النبأ:19] أي أصبحت السماء كل السماء من أولها إلى آخرها أصبحت السماء كلها أبواب لأن الملائكة يتنزلون منها كما قال الله عزّ وجلّ ﴿ وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ ﴾ أي ينزل الغمام الأبيض فيُفَتِّح هذه السماء ﴿وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيل[الفرقان:25] بعد أن تكون أبواب يتنزل الملائكة من خلال هذه السماء ثم بعد ذلك يحصل طى السماء الذي أخبر الله عزّ وجلّ عنه في هذه السورة أو في السورة الأخرى هذا معنى لقوله سبحانه وتعالى ﴿كُشِطَتْ﴾ في سورة التكوير .
كذلك لو تأملنا كلمة الدهان، الصمد، الدهان فيه شيء من الزيت فحال السماء أنها تتغير هذه الزرقة أو هذا الصفاء الذي في السماء لا يبقى هكذا أبداً وإنما يتقلب لون السماء فتصبح في لونها كالورد أي فيه شيء من الحمرة وهذه الحمرة ليست صافية لا وإنما صار فيها شيء من الدهن وتأمل قول الله عزّ وجلّ في سورة الرحمن ﴿فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ[الرحمن:37] تأمل كلام المفسرين في هذه الآية بل تأمل كلام الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين في ادراك معني ما يقع على السماء في ذلك اليوم العظيم.
ثم أيضاً،كذلك تأمل ما بعدها الصمد ما الذي يعنيه الصمد ؟
كلمة الصمد عندما تنظر في لغة العرب يقول لك الصمد هو الذي لا جوف له هذا أصل الكلمة في لغة العرب كما قال ابن عباس وغيره من المفسرين الصمد هو الذي لا جوف له ما معني هذه الكلمة عندما نريد أن نفسر ﴿اللَّهُ الصَّمَدُ[الاخلاص:2] سبحانه وتعالى هم يريدون بذلك الصمد الذي لا جوف له لأن الذي لا جوف له لا يحتاج إلى غيره لا يحتاج إلى غذاء لا يحتاج إلى إخراج ونحو ذلك هذا فالعرب تطلق على الصمد نوع من الصمدية أنه لا يحتاج إلى غيره بل يحتاج غيره إليه فالله سبحانه وتعالى مستغني عن كل الخلق من أولهم إلى أخرهم لا حاجة له بأحد من الخلق كائناً من كان لا من الأنبياء ولا من الملائكة ولا من غيرهم من البشر أبداً وإنما الخلق كلهم من أولهم إلى أخرهم يحتاجون أن يصمدوا إليه سبحانه وتعالى ولذا قال هنا ﴿اللَّهُ الصَّمَدُأي أنه مستغني عن كل الخلق لا حاجة لأحد من الخلق عنده سبحانه وتعالى وإنما الخلق كلهم من أولهم إلى أخرهم يحتاجون إليه في كل أمورهم صغيرها وكبيرها، دقيقها وجليلها يحتاجون إلى أن يصمدوا إليه سبحانه وتعالى هذا بعض معنى كلمة الصمد ولك أن تتأمل هذا المعنى جلي أيها المؤمن أيها المبارك في قوله سبحانه وتعالى ﴿اللَّهُ الصَّمَدُ﴾ لأن هذا المعنى إذا استقر في قلبك ستنسى كل المخلوقين وستتجه إلى رب الخلق سبحانه وتعالى وهذا هو الواجب عليك.
الواجب عليك أن تتعلق بإله السماوات والأرض، أن تتعلق بإله العرش جلّ في علاه أما التعلق بالخلق فهذا دليل على ضعف الإيمان وقلة اليقين في الخلق، فإذا كان الإنسان مؤمناً إيماناً يقينياً بربه سبحانه وتعالى إنما يصمد إلى إله واحد جلّ في علاه، أما البشر أما الناس فأولئك لا يصمد إليهم إلا من ضعفت صلته بالله سبحانه وتعالى قد تحتاج إلى صديق إلى زميل إلى حبيب إلى أخ في حاجة من الحاجات لا بأس وقد وقع ذلك من أشرف الخلق صلى الله عليه وسلم، ووقع من الأنبياء ولكن ما الصمدية؟
هو اللجوء والتوكل وتوكيل الأمر إنما يكون إليه سبحانه وتعالى لا إلى غيره هذا الأمر في قوله سبحانه وتعالى : الصمد.
التغابن: تأمل كلمة التغابن في سورة التغابن .... عندما تشتري شيئاًَ قيمته ريال واحد فتذهب تشتريه بعشرة آلاف ريال أليس هذا غبن؟
شيء قيمته ريال تشتريه بعشرة آلاف ريال؟ شيء قيمته جنيه تشتريه بعشرة آلاف جنيه؟ شيء قيمته درهم تشتريه بعشرة آلاف درهم ؟ تصور أنك تشتري قلم أو تشتري مسواك أو تشتري شيء من الأشياء البسيطة جداً تريد أن تشتريه وكان من المفروض أن تشتريه بهذه القيمة الزهيدة البسيطة إذ أنت تدفع فيه مبلغاً وقدره، أضعاف مضاعفه لا حد لها، ماذا يحصل عندك؟ ألا يحصل في قلبك ندم شعور بالغبن أن هذا الذي باع لك قد ضحك عليك قد غبنك قد أخذ من حقك ؟ هذا الذي يحصل يوم القيامة، الذين ضيعوا حقوق الله عزّ وجلّ يشعرون بغبن شديد جداً ولذا سمى الله عزّ وجلّ هذا اليوم بيوم التغابن ولذا يبحث كل إنسان في يوم القيامة عن إنسان ظلمه هو في الحياة الدنيا يتمني أمنية أن يكون من الناس من لطمه أن يكون من الناس من سبه أن يكون من الناس من أخذ من ماله أن يكون من الناس من صدم سيارته عربيته وذهب ولم يصلحها له يتمنى أن إنسان مر على بيته فكسر زجاجة له يتمنى أن إنسان مر على أحد من أولاده فأخذ منه شيئاًَ يتمنى أنه صلى في المسجد ولم يجد حذاؤه بعد أن خرج من الصلاة يتمنى أمنية في يوم القيامة لما ؟ يبحث عن حسنات في يوم التغابن يريد أن يغبن ذلك الإنسان ليأخذ هو هذه الحسنات لأنه ظلمه في شيء من أموره.
فيوم القيامة يوم التغابن الناس يبحثون عمن غبنهم، ويغبن الآخر بأن له حسنات له صلاة ، له صيام ، له ، له ثم ما يدري إلا وقد جاءه الناس أعداداً كثيرة جاءه أقوام من الخلق كل منهم يطلبه في شيء من حقوقه هذا يأخذ منه لأجل أنه اعتدى عليه في ماله وذلك اعتدى عليه بلسانه وذلك اعتدى عليه بيده وذلك اعتدى في شيء من أموره فيجتمع هؤلاء جميعاً عليه فيأخذون من حسناته يأخذون من حسناته، فيكاد لا يبقى منه شيء هذا هو يوم التغابن وسميت سورة التغابن بهذا الاسم لأجل هذا الغرض ﴿ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ[التغابن: من الآية9] سمى يوم القيامة بيوم التغابن لأجل هذا سيحصل للناس غبن شديد جداً في يوم القيامة بسبب هذا الأمر وسيحصل لهم أيضاً غبن شديد أيضاً لأنهم قصروا في عبادة الله عزّ وجلّ وارتكبوا شيئا من نواهية سبحانه وتعالى.

كذلك كلمة رفرف، عبقري، أحقاباً، فرياً، جمالات صفر، عتياً ونحوها من الكلمات المذكورة لك أيها المبارك هذه الكلمات لعله يأتي أمثلة على بعض منها أما المرور عليها جميعاً فهذا لا يمكن أبداً، وأنا أتمنى لو كان هناك من الوقت ما نستطيع أن نبين به هذه الكلمات بل وغيرها أتمنى هذا، ما نبين به معاني هذه الكلمات في كتاب الله عزّ وجلّ بل وغيرها أيضاً .... تكلمنا عنها كلاماً يوضح شيئاً مما جاء في كتاب الله أما الوقوف على كل المعاني فقد نعجز عنه ولكن خذ مثلاً سريعاً في قوله سبحانه وتعالى ﴿رَفْرَف﴾ هذه الآية وردت في أي سورة؟
أجاب أحد الطلبة :
في سورة الرحمن.
أكمل الشيخ:
في سورة الرحمن يقول الله عزّ وجلّ ماذا؟
أكمل الشيخ:
﴿مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ[الرحمن:76]
ما معني ﴿مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ﴾ ؟
عندما تنظر في كلام المفسرين رحمهم الله فيقول لك عندما تنظر في كلام ابن عباس مثلاً، أو في كلام سعيد بن جبير مثلاً، أو في كلام غيرهم من الأئمة أو في كلام المفسرين من المتأخرين يقول لك الرفرف هي البساتين، الرفرف هي أطراف القصور، الرفرف هي الحدائق التي تكون في القصور، الرفرف هي الحدائق التي تكون في القصور الرفرف هي كذا فيذكر لك من هذا النوع من التفسير طبعاً قد تتعجب لما كلمة رفرف؟
هل رفرف حقيقة تدل على كلمة بستان؟ هل رفرف في اللغة معناها بستان؟ هل رفرف في اللغة معناها حديقة؟ هل رفرف في اللغة معناها الأشجار وأطراف الأشجار ونحو ذلك؟ لا
هل رفرف في اللغة البساط وأطراف البسط، يعني الآن البساط يطلق عليه رفرف ونحو ذلك ؟ لا.
ولكن ارجع إلى أصل اللغة حتى تفهم كلامهم رحمهم الله لما تكلموا هؤلاء بهذا النوع من التفسير حتى تفهم الكلام ارجع إلى أصل اللغة: أصل الكلمة في لغة العرب ماذا تدل عليه؟ كلمة رفرف في أصل اللغة تدل على ماذا :تدل على نوع من التدلي، تدل على أن هناك شيء يكون طرفاً لشيء آخر كما تقول مثلاً حتى في استخدامنا المعتاد الآن السيارة أليس لها رفرف؟ ما هو الرفرف في السيارة هو الذي يكون في طرفها أليس كذلك ؟
البيت يقال له رفرفة ما معنى له رفرفة ؟ أي له شيء أيش ؟ متدلي الشباك له رفرفة ونحو ذلك هذه هي الرفرفة في لغة العرب بقيت على معناها إلى زماننا هذا، الرفرفة والرفرف في لغة العرب هو الشيء المتدلى هو الشيء يكون في أطراف شيء أصلى هو تابع له هذا هو الرفرف .
فعندما تقرأ قول الله سبحانه وتعالى ﴿مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ﴾ يعني هم متكئين الآن في الجلسة اتكاء والاتكاء يكون بالميل على أحد الجانبين ونحو ذلك أي جلسة مريحة جداً ﴿مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ﴾ كيف متكئين على رفرف ؟ أي متكئين على أطراف لكن هذه الأطراف أطراف ماذا؟ هذه الأطراف تارة تكون أطراف القصور، ما هي أطراف القصور؟
هي البساتين هي الحدائق فجاء ابن عباس انظر كيف قطع المسافة مباشرة ولكنه ليس رحمه الله ورضى الله عنه وعن أئمة المفسرين في ذات الوقت لم يحتاجوا إلى أن يبينوا لك أن معنى كلمة رفرف هي الطرف وأن القصر له رفرف وأن طرفه هو البستان هذا الكلام الطويل لا يحتاجون إليه يعني لو جاء بن عباس في زمنه وأراد أن يفسر القرآن فقال الكلام الذي قلته لكم الآن لقاموا من مجلسه رحمه الله وتركوه، كلامه معلوم عندهم فلا حاجة إلى تكراره فكلمة رفرف هي الطرف، طيب ابن عباس لما أراد أن يفسر قال لك الطرف رفرف هو البستان.
قال سعيد بن جبير رحمه : الرفرف هو الحديقة،
قال لك الثالث الرفرف هو أطراف الأشجار، قال لك الرابع: الرفرف هو أطراف البسط في الجنة، أنهم يجلسون على أطراف هذه البسط لأنهم ملتمين حلقات متكئين على تلك الأرائك، تلك الكراسي، تلك الأرائك متكئين عليها فكانت جلستهم على هذا النحو، وهذا معني قوله سبحانه وتعالى :﴿مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ﴾ فذكر لك الرفرف ليدلك على عظمة ما هو أجل من الرفرف إذا كان هذا هو الرفرف فما بالك بالأصل، بالقصرنفسه، هذه الحديقة فما بالك بمن كان داخل هذا المنزل العظيم الذي أعده الله عزّ وجلّ لأهل الجنان نسأل الله لنا ولكم من فضله .

أيها الأحبة فاصل قصير ثم نعود للكلام عن المرحلة الأولى بإذن الله سبحانه وتعالى.

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين حياكم الله أيها الأخوة مرة أخرى :

كنا في الكلام عن المرتبة الثانية من مراتب الكلمات الواردة في كتاب الله عزّ وجلّ وهذا النوع من الكلمات هو الذي سنقف عنده طويلا بإذن الله جلّ وعلا بما نستطيع من الوقت سنقف عنده طويلاً لأنه بحاجة حقيقة كما يقولون في لغة العرب بحاجة أن يٌسَوَّر ما فيه وكما قال ابن مسعود :"تأملوا القرآن وسوروا ما فيه فإن فيه علم الأولين والآخرين" أي سوروا ما فيه ابحثوا ما فيه فتشوا عما فيه .
هناك مرتبة ثالثة من الكلمات وهي الكلمات الغامضة :
قرأ أحد الطلبة :
المرتبة الثالثة: كلمات غامضة بالنسبة لكثير من الناس لا يدرك معناه إلا بمراجعة كتب التفسير واللغة مثل : ﴿انكدرت﴾،﴿مقمحون﴾،﴿زرابي﴾،﴿الوتين﴾،﴿حمأة﴾،﴿الترائب﴾،﴿زنيم﴾،﴿أبّ﴾،﴿قضب﴾،﴿أمشاج﴾،﴿جد ربن﴾،﴿سائحات﴾،﴿لكنود﴾.
ومن هذه الكلمات بعد المراجعة ما يلحق بالمرتبة الأولى، ومنها ما يلحق بالثانية.

أكمل الشيخ:
أحسنت وبارك الله فيك ، هذه هي المراتب، بالنسبة للمرتبة الثالثة ذكر أنها بعد البيان وبعد الرجوع إلى كتب التفسير سيتبين إما أنها من النوع الأول واضحة وإما أنها من النوع الثاني فلا حاجة إلى الوقوف عندها لكن قبل أن ننتقل أريد أن أسأل هل هناك إشكال فيما تقدم؟

أجاب أحد الطلبة :
إن كانت هناك كلمة واضحة المعنى ظاهر ، ولكنها تحمل معنيين فإلام أرجع إلى السياق والسباق واللحاق، أما ماذا؟ مثل مثلاً كلمة ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ[التكوير:17] أأرجع إلى اللحاق ﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ ﴾ معناها أقبل وأبر عند العرب فأرجع إلى كلمة ﴿وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ[التكوير:18] وأقول إذ﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ ﴾ أي أدبر أم آخذها على أقبل مثل مثلاً كلمة ﴿قرء﴾ ﴿ وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ[البقرة: 228] فإلام أرجع؟

أكمل الشيخ:
بالنسبة للكلمات إذا احتملت أكثر من معنى فهذا سيكون راجع لاختلاف المفسرين والترجيح عند اختلاف المفسرين هي مرتبة عندنا من المراتب أظنها المرتبة السابعة أو السادسة عندنا في هذه المراحل وهو ما يتعلق بالمرجحات التي نستعين بها على ترجيح قول على قول عند اختلاف المفسرين، المفسرون في أغلب أقوالهم أنهم متفقون والخلاف في التفسير قليل خصوصاً الخلاف بين العلماء الأوائل رحمهم الله يعني عندما تنظر في طبقة الصحابة طبقة التابعين طبقة أتباع التابعين ومن بعدهم أيضاً بقليل هذه الطبقة الخلاف بينهم في تفسير كتاب الله عزّ وجلّ قليل ليس بالكثير كما نبه على ذلك شيخ الإسلام بن تيميه رحمه الله تعالى ونبه على ذلك جماعة كثيرة من أهل العلم وأشار إلى ذلك ابن جرير الطبري رحمه الله رحمة واسعة .
فالخلاف بين المفسرين خصوصاً من أهل العلم والتحقيق قليل ليس بالكثير وهذا من رحمة الله عزّ وجلّ بنا ولكن هناك مسائل اختلفوا فيها ما يسمى باختلاف التضاد أما اختلاف التنوع فهو يسير ليس هناك تعارض.
أما اختلاف التضاد والتعارض فهناك نعم آيات حصل فيها خلاف تعارض بين المفسرين بين أئمة المفسرين وهذا النوع من الخلاف نحتاج فيه إلى مرجحات إلى قرائن إلى قواعد نستطيع بعدها أن نأتي بعدها إلى هذا القول ونقول هذا القول راجح وإلى ذاك القول ونقول هذا القول مرجوح بقرائن كثيرة وهذه القرائن ليست واحدة ولا اثنتين ولا ثلاث بل هي تزيد على الثلاثين قرينة عندنا ما يقارب ثلاثين قرينة من خلالها من خلال النظر فيها والتأمل فيها نستطيع أن نرجح بين أقوال المفسرين ولكن هناك قرائن قوية جداً وهناك قرائن ضعيفة هناك قرائن كثيرة في الاستخدام وهناك قرائن قليلة الاستخدام من أهم القرائن في هذا الباب واستفدنا فيما سألت عنه بارك الله فيك فيما يتعلق بما يسمى بلغة القرآن وهذه يستخدمها ابن عباس رضى الله عنه استخداماً كثيراً ويستخدمها أيضاً من جاء بعده ويستخدمها ابن جرير ويستخدمها أيضاً كذلك ابن كثير، ابن عطية ويستخدمها من أئمة أهل التفسير يستخدمها شيخ الإسلام بن تيميه رحمه الله، ويستخدمها ابن عاشور هؤلاء من أكابر أهل التفسير يستخدمون هذا النوع من الترجيح وهذا النوع من القرائن وهو ما يتعلق بلغة القرآن: تأتي إلى الكلمة، هذه الكلمة في كتب اللغة لها معني وفى كتاب الله سبحانه وتعالى إذا تكررت في كثير من المواطن لها معني تأمل هذه الكلمة في كتاب الله عزّ وجلّ لما تكررت في ثلاثين موطن في أربعين موطن في خمسين موطن لما تتأمل هذه المواطن جميعاً تجد أن هذه الكلمة في أحيان أنها تدور على معنى واحد فإذا جئت إلى موطن الخلاف عندئذٍ فهذا الموطن يكون في الأولى أنه تابع للمواطن إيش ؟ الثانية مثل لفظة الزينة مثلاً في كتاب الله عزّ وجلّ وجل الزينة في كتاب الله تارة تطلق ويراد بها الزينة الظاهرة وتارة تطلق ويراد بها الزينة الباطنة تارة تطلق ويراد بها الزينة الظاهرة وتارة تطلق ويراد بها الزينة الباطنة لكن لما تأتي في مواطن الخلاف مثلا في تفسير ابن عباس وكذلك ابن مسعود لمسألة الزينة التي يجب على المرأة أن تغطيها فالله سبحانه وتعالى أمر النساء بأن ماذا ؟ بألا يبدين زينتهن نهاهن أن تبدى المرأة زينتها هذا النهي الذي جاء في كتاب الله عزّ وجلّ نهى المرأة أن تبدى زينتها ﴿وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ [النور: 31] إلى آخر الآيات فهذا النهي جاء في كتاب الله عزّ وجلّ الزينة هنا التي نهيت المرأة عن إبدائها ما هي ؟ هل هي الزينة الظاهرة أو الزينة الباطنة ؟ التي نهيت عن إبدائها الزينة الظاهرة المراد بها ما يكون من الجسد الظاهر يعني المرأة تتغظى تتحجب تغطي وجهها تغطى يديها تغطي ما أمرت به ثم إذا خرجت في الشارع سيبقى من زينتها ظاهر بدنها سيبقى ما ينظر إليها يعلم أنها طويلة أنها ثمينة أنها قصيرة أنها نحيفة أنها كذا أنها كذا سيجد من مظهرها ما يعتبر زينة بالنسبة لها لكن هناك من الزينة ما لم تستطع المرأة أن تغطيه فلم تؤمر المرأة أن تضع حجاب عليها من أولها إلى آخرها هكذا لا يظهر شيئاً منها مطلقاً هذا لم يكلف الله عزّ وجلّ به المرأة مطلقاً ولم يأمر به الناس ولكن أمرهم أن يغطوا الزينة، فابن مسعود رحمه الله ورضى عنه لما نظر إلى هذه الآية في تفسيرها نظر إلى قوله سبحانه وتعالى ﴿وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ ﴾ ثم أخذ الزينة واختلف الأمر عنده هل الزينة هي الظاهرة أم الزينة الباطنة معنى هل الزينة الظاهرة التي ذكرت لكم أم الزينة الباطنة التي هي الوجه والكفان هل هي الزينة الظاهرة التي هي الوجه والكفان أم أنها الزينة الباطنة نظر إلى هذه وإلى تلك فابن مسعود لما نظر إلى الزينة التي نهيت المرأة أن تبديها في هذه الآية وحصل نوع من الاختلاف والمراد هنا أو هناك وكذلك ابن عباس رضى الله عنهم أجمعين نظروا إلى الآيات الأخرى نظر ابن مسعود وما وافقه إلى الآيات الأخرى التي جاء فيها لفظ الزينة في كتاب الله سبحانه وتعالى وهو ما يقارب تسع وعشرون كلمة لفظة الزينة وردت ما يقارب هذا التكرار في كتاب الله سبحانه وتعالى وعندما تتأمل هذه الزينة ستجد أن لفظة الزينة في كتاب الله سبحانه وتعالى من أول القرآن إلى ختامته تكاد تقطع يقينا بأن هذه المواطن إنما يراد بها الزينة الظاهرة لا الزينة الباطنة تأمل هذا في زينة الأرض التي أخبر الله عزّ وجلّ عنها وكذلك في زينة السماء ﴿وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ[الملك:5] زينة السماء الدنيا مصابيح زينة ظاهرة أو باطنة ؟ ظاهرة ، كذلك زينة الأرض زينة ﴿وازَّينَت﴾ زينة ظاهرة أو باطنة ؟ زينة ظاهرة وهكذا خذ ما شئت ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا[الكهف:46] زينة باطنة أو زينة ؟ زينة ظاهرة، فتأمل كلمة الزينة في كتاب الله عزّ وجلّ ستجد أن الزينة المراد أن الزينة المراد بها في كتاب الله عزّ وجلّ هي الزينة الظاهرة ، لا الزينة الباطنة فلما نحمل هذا الموطن الذي هو أصبح محل خلاف نحمله على المواطن الأخرى يتبين لنا أن المرأة نهيت هنا أن تبدي الزينة الظاهرة أو الباطنة ؟ الظاهرة فعندئذ نرجح بين كلام المفسرين في هذه المسألة بمثل هذا الترجيح كذلك فيما سألت عنه من الأمثلة في مسألة القرء ونحو ذلك هناك أمثلة القرء في كتاب الله القرء في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم القرء عند عامة العرب في أصل الكلام القرائن وغير ذلك ستجد أن هناك قرائن توضح لك المراد واضح الكلام .
بعد ذلك نقرأ في ما يتعلق بكيفية تدبر هذه الكلمات الواردة في كلام الله سبحانه وتعالى .

قرأ أحد الطلبة :
إذا تبين هذا سيبقى عندنا سؤال كبير وهو: كيف يحصل للطالب فهم كتاب الله تعالى إلى معرفة دلالة الكلمة ؟
والجواب: أن دلالة معرفة الكلمة يكون بعرض الكلمات التي تتدبر آياتها على المراتب الثلاث السابقة، ومعرفة درجتها من الوضوح والغموض فعندما تمر بكلمة في كتاب الله وتدرك أن فيها شيئاً من الغموض أو أنها توحي بأن البحث فيها قد يفيد في معرفة دلالة هذه الكلمة بشكل أكبر أوضح فعندها نرجع إلى المصادر التي تساعد في بيان هذه الدلالة إن وجدت.
وهذه المصادر كثيرة متنوعة لكن سأحصر البحث في مصادر محددة تغني الباحث في مراحلة الأولى.
فأقول: نحتاج لفهم كلمات الكتاب العزيز فهماً شبه تام إلى ثلاثة مراجع .
(أكمل الشيخ:
أرجو أن تتأمل كلمة شبة تام، لا نريد المعنى الكامل التام الكلي هذا قد يتيسر ولكن على الأقل يكون المعني شبه تام . )
أكمل الطالب:
إلى ثلاثة مراجع جامع البيان في تأويل القرآن لابن جرير وإلا فتفسير ابن كثير، تفسير التحرير والتنوير للطاهر بن عاشور، لسان العرب لابن منظور، أو القاموس المحيط للفيروزأبادي أما عن كيفية الاستفادة من هذه المصادر فعلى النحو التالي عندما نمر على كلمة في كتاب الله على الصفة السابقة فإننا نعود أولاً إلى تفسير ابن جرير أو ابن كثير مع تفسير التحرير والتنوير وسنجد أن المفسرين بالمأثور يأتون بكلام السلف في بيان المراد بهذه الكلمة فدقق النظر فيه ثم انظر لازماً تفسير التحرير والتنوير فقد يذكر من المعاني ما يوضح كلام السلف وهو ينبه إلى ما كان خافيا عليك منه وقد يضيف معاني صحيحة لم تأتي صريحة فيما سبق .

أكمل الشيخ:
أحسنت بارك الله فيك، الآن نتكلم عن كيف يصل طالب العلم إلى فهم دلالة الكلمة الآن كأنما استوعبنا أن فهم دلالة الكلمة مهم جداً لفهم كلام الله سبحانه وتعالى يعني قبل التفسير نحتاج أن نفهم معني هذه الكلمة في كتاب الله سبحانه وتعالى لكن السؤال الوارد هنا كيف سنصل إلى فهم دلالة الكلمة ؟
عندنا أشياء معينة على هذا الأمر، تمر بك الآية في كتاب الله سبحانه وتعالى وأنت بما آتاك الله من ما بقي لك من لسان العرب ومعرفة بهذه اللغة فأنت تعلم أن هذه الكلمة التي تمر عليك هي كلمة ظاهرة واضحة جداً ليس فيها ما يمكن أن يستنبط من المعاني ونحو ذلك بينما تمر عليك كلمة أخرى ستشعر أن من الممكن أن يخفى عليك شيء من معناها خذ مثلاً في قوله سبحانه وتعالى ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ[الفلق:1] عندما تمر بك هذه الآية قل هل ممكن أن يرد في خاطرك أن فيها معنى لم تقف عليه، معناها ظاهر أليس كذلك؟ قل يعنى القول معروف هناك معنى ظاهر تستطيع أن تقول والله قد يمر عليك ألفاظ ونحو ذلك المعني فإنه معنى متداول معروف ظاهر بين أعوذ، الاستعاذة بنفسها أيضاً كذلك معلومة ولو رجعت إليها قد يزيد لك الأمر بياناً شيء ما لكن قل أعوذ برب الفلق كلمة رب أيضاً كذلك واضحة ظاهرة لكن برب الفلق، الفلق معنى الفلق عندك ظاهر بين تعلم أنت بما تعرف معنى كلمة إيش ؟ الفلق، الفَلَق مأخوذ من ماذا من الفَلْق، والفَلْق هو شيء من الكسر والتحطيم ونحو ذلك.
لكن هذه الكلمة ألا تشعر أنت أنك لو رجعت إلى كلام المفسرين وإلى كلام أيضاً كذلك أهل اللغة في تفسيرهم لكلمة الفلق ألا تشعر أنك قد تستفيد شيئاً بخفاء في معناه وإن كان هذا الخفاء قد يكون ليس تاماً فعند مرور هذه الآية ارجع إلى كلمة الفلق، وأنا أقول لك الآن ارجع إلى كلمة الفلق في كلام الصحابة وارجع إلى كلمة الفلق في كلام المفسرين وتأمل هذا ستجد تناسباً عظيماً جداً وعجيباً في كلمة الفلق وفى وجوب هذا الوصف أو في حصول هذا الوصف في كلام الله سبحانه وتعالى في هذه السورة بعينها هذه السورة سميت سورة الفلق ثم جاءت الاستعاذة مبدأً باسم الرب سبحانه وتعالى برب الفلق فذكرت صفة أنه سبحانه وتعالى أنه ربٌ للفلق وهذه الصفة مناسبة لما نحن فيه من قضية الاستعاذة بالله سبحانه وتعالى لكن هذه المناسبة لو وقفنا في بيانها قد يطول الأمر قليلاً ولا أريد ذلك أبداً لأنه قد يدخل علينا مجموعة من الحلقات التي نحن بأمس الحاجة إليها وإلا فالوقوف هنا جميل جداً فيما يتعلق بالربط بين دلالة الكلمة وبين السورة نحن نتكلم هنا عن الكلمات وعن دلالتها كلمة الفلق هنا لها علاقة وطيدة جداً بكون هذه السورة من سور الاستعاذة التي يتعوذ بها الإنسان لأن الله عزّ وجلّ جعل المعوذات ثلاثة قل هو الله أحد، وهذه هي التي يلجأ فيها الإنسان إلى الله سبحانه وتعالى ثم أمره بالاستعاذة بسورة الفلق التي هي تقيه من الشرور الظاهرة، ثم أمره سبحانه وتعالى بالاستعاذة بسورة الناس التي تخلصه وتقيه من الشرور الباطنة فتلك ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ﴾ ، والفلق عادة ما يكون أمراً خارجاً جاء ليكسر سواد محكم أحاط شيئاً من الأشياء فكذلك هذه السورة تكسر هذه الظلمة التي أحاطت بالإنسان وهذه الشرور التي غلفته .
بالنسبة لسورة الناس لا ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ * مِن شَرِّ ﴾ ماذا ؟ ﴿ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ ﴾ الوسوسة والخنوس هل تكون أمر خارجي يغلف أم أنها أمر باطني خفي ؟ أمر باطني خفي، فتلك سورة الناس تحميك من هذه الوساوس من هذا الخنوس الذي من الشيطان يخنس ويوسوس يأتيك تارة ويخنس تارة يوسوس ثم يخنس وهكذا في سورة الناس فكيف من شره فسورة الناس تقيك من شره هذه الوسوسة الخفية تقيك من شره سورة الفلق تقيك من الشرور الظاهرة التي تحيط بك من الناس سميت بالفلق لأنها تفلق هذه الشرور الظاهرة التي يجعلها الشيطان حول هذا الإنسان المقصود منه أن كلمة الفلق لها معني ولها دلالة ابحث عنه ستجد أنه هناك بالسورة التي تنزلت من أجل غرض محدد بينه الرسول صلى الله عليه وسلم بأمرك بالاستعاذة من الشيطان لسورة منها هذه السورة العظيمة.
أم أسماء غير متواجد حالياً  
قديم 12-12-08, 08:23 PM   #18
أم أسماء
جُهدٌ لا يُنسى
 
تاريخ التسجيل: 22-05-2007
المشاركات: 7,201
أم أسماء is on a distinguished road
افتراضي

تتمة التفريغ الخامس عشر:

فيما يتعلق بعد ذلك إذا مرت بك هذه الكلمات وشعرت بأنك بحاجة أن تراجع شيئاً من الكتب التي تساعدك على فهم دلالة هذه الكلمات ذكرنا لك ثلاثة كتب.
الكتاب الأول هو جامع البيان في تأويل القرآن للإمام بن جرير وكذلك مختصره ابن كثير تفسير ابن كثير وهناك بعد ذلك تفسير التحرير والتنوير للطاهر بن عاشور وهناك الكتاب الثالث لسان العرب لابن منظور أو القاموس المحيط للفيروزأبادي هذه الكتب الثلاثة أيها المبارك تكون قريبة منك في مكتبتك فعندما تحتاج إلى الرجوع إلى كلمة من كتاب الله سبحانه وتعالى فارجع إليها ترجع إليها لتستفيد منها سيفيدك هذا في أمر كبير وجليل وهو أنك عندما ترجع بدءاً إلى تفسير ابن جرير أو تفسير ابن كثير ستفهم كلام السلف ولو جزئياً ثم بعد ذلك ستنظر في تفسير التحرير والتنوير لابن عاشور ستفهم أيضاًَ كذلك مزيد من الفهم لكلام الله عزّ وجلّ إن بقي في ذهنك شيء من المعني قد يكون غامضاً حول هذه الكلمة ارجع بعد ذلك إلى لسان العرب ستجد أن المعني من جهة اللغة قد اتضح لك جلياً وبان لك وهذا سيوسع المعني كثيراً بالنسبة لفهمك للآية التي تبحث عن معناها نذكر الآن أمثلة على هذا الآن ذكرنا لك الطريقة والوسيلة السليمة لكيفية الاستفادة من هذه المرحلة نذكر الآن أمثلة توضح لك هذا الكلام كله من أوله إلى آخره .
قرأ الطالب:
وهذه أمثلة توضح ما ذكر أبدأها بالأيسر فهماً المثال الأول قوله تعالى ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَاناً شَرْقِيّ[مريم:16] .
أكمل الشيخ:
أنا اخترت لك في المثال الأول مثال يسير جداً سهل حتى لا يثقل عليك المعنى لا أريدك أن تنفر لا أريدك أن تشعر بأن الأمر صعب وعسير جداً لا الأمر ليس بالعسير سأذكر لك الأمثلة ماذا أبدأ ؟ نبدأ باليسير ثم ندخل شيئاً فشيئاً فيما هو أدق منه ولعل الله عزّ وجلّ أن ييسر لنا فهم كتابه سبحانه وتعالى . أيها الأحبة نقف عند هذا الحد ونواصل بإذن الله فيما نستقبل أسأل الله عزّ وجلّ لنا ولكم علماً نافعاً وعملاً صالحاً اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى أن تجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين اللهم اهدنا واهد بنا يا ذا الجلال والإكرام، اللهم اهد شباب المسلمين وشيبهم ونساءهم ورجالهم وصغارهم وكبارهم اللهم اجعلنا جميعاً من العاملين بكتابك المقتفين لأثاره المتبعين لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم .



توقيع أم أسماء
قال ابن القيم رحمه الله:
(القلب يمرض كما يمرض البدن، وشفاؤه في التوبة والحمية
ويصدأ كما تصدأ المرآة وجلاؤه بالذكر
ويعرى كما يعرى الجسم وزينته التقوى
ويجوع ويظمأ كما يجوع البدن وطعامه وشرابه المعرفة والمحبة والتوكل والإنابة والخدمة)
أم أسماء غير متواجد حالياً  
قديم 12-12-08, 08:24 PM   #19
أم أسماء
جُهدٌ لا يُنسى
 
تاريخ التسجيل: 22-05-2007
المشاركات: 7,201
أم أسماء is on a distinguished road
افتراضي



تفريغ الدرس السادس عشر


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً إلى يوم الدين .
أيها الأحبة نواصل ما بدأناه فيما يتعلق بالمراحل السبعة لطالب فهم القرآن وأنا أنبه إلى ما يتعلق لأن هذه المراحل أعلم أنه قد يكون فيها شىء من العسر شىء من الحاجة إلى استحضار الذهن شيء أيضا من المراجعة لكتب العلم ولكن الهدف ليس بالهين والغرض ليس بالقليل بل نتطلب أمراً عظيماً جليلاً كبيراً وهذا الأمر يحتاج إلى ما يناسبه من البذل والعطاء ولك أن تتأمل كلام ابن القيم –رحمه الله- حين يقول:
فتدبر القرآن إن رمت الهدى .:. فالعلم تحت تدبر القرآن
كنا في المرحلة الأولى وتكلمنا عن توطئة يسيرة فيما يتعلق بهذه المرحلة إلى أن وصلنا إلى الأمثلة على ماسبق من الكلام فيما يتعلق بقاعدة (إدراك المعاني اللغوية للكلمات القرآنية)
إن كان هناك سؤال قبل أن ننتقل فأرجو أن يكون ذلك .
تفضل :
سؤال : فضيلتك تكلمت في الحلقة الماضية عن (ولا يبدين زنتهن إلا ماظهر منها) فقلت أثناء الشرح : أن الكفين والوجه هذا من الزينة الباطنة ثم قلت بعد ذلك : (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) وشرعت في تفسيرها أن الزينة الظاهرة هي الزينة في جميع القرآن (ولقد زينا السماء الدنيا) وما أشبه ذلك ؛ فما المقصود هاهنا بالزينة ؟ هل هي تغطية الوجه والكفين ؟ أم .....؟
الجــواب : لا نريد الكلام عن المسألة الفقهية المعينة المحددة : هل يجب على المرأة أن تغطي وجهها وكفيها أو لا يجب ؟ هذه المسألة ليس هذا موطن الكلام فيها وإنما الكلام فيها في كتب الفقه في بيان هذه المسألة من جهة الأدلة والنظر فيها وأقوال أهل العلم ونحو ذلك ولكن الكلام الآن هنا عن فهم كلمة الزينة عند اختلاف المفسرين رحمهم الله في كلمة الزينة في هذه الآية (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) اختلفوا في الزينة هنا فمنهم من قال من صحابة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- "إن الزينة المراد بها هنا ما ظهر من الجسد بعد التغطية كما ذكرت لك من الطول والعرض وأن يكون الجسد نحيفاً أو سميناً أو نحو ذلك ، ومنهم من قال : لا ؛ إن المراد هنا الوجه والكفان .
هذا الخلاف بُني على الاختلاف في مسألة الزينة فالمراد بالزينة هنا هل هي الزينة الظاهرة أم الزينة الباطنة لأن الله عز وجل قال (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) هذا الاستثناء (إلا ما ظهر منها) راجع إلى أي شيء ؟ هل هو راجع إلى الزينة الباطنة ؟ أي إلا ما ظهر من الزينة الباطنة ، واضح ؟
والمقصود هنا بالزينة الباطنة كما ذكرت لك هي زينة الوجه والكفين فعلى هذا يجوز أن تبدي المرأة وجهها وكفيها أما على التفسير الآخر ( ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها ) والمقصود هنا بالزينة ، الزينة الظاهرة (إلا ما ظهر منها) أي إلا ما ظهر من الزينة الظاهرة فعندئذ لا يجوز للمرأة أن تبدي وجهها ولا كفيها لأن الله –عز وجل- استثنى فقال : (ولا يبدين زينتهن) أي : من الزينة الظاهرة (إلا ما ظهر منها) أي : ما لم تُظهره هي وإنما ظهر من الزينة الظاهرة لزاماً من غير قصد ظهر من غير قصد في إبداء هذه الزينة ومن المعلوم أن ما ظهر من الزينة من غير قصد هو ما كان من خارج الجسد أما بالنسبة لزينة الوجه والكفين فإنه تتقصد المرأة أن تبديه لا تخرج هكذا من غير قصد ولذا استثنى أيضاً أهل العلم في هذه المسألة بناء على قوله تعالى : (إلا ما ظهر منها) أي ما ظهر من غير قصد فلو أن يد المرأة ظهرت هكذا من غير قصد عمل أو نحوه أو ظهر شيء من وجهها من غير قصد فهذا معفو عنه لأن الله –عز وجل- قال : (إلا ما ظهر منها) أي : إلا ما ظهر من الزينة الظاهرة ، وذكرنا لك أن الراجح من أقوال المفسرين في هذه الآية أن الاستثناء وقع من الزينة الظاهرة أما الزينة الباطنة فإنها لم ترد في كتاب الله عز وجل إلا أقل القليل أما أكثر الآيات الواردة في الزينة إنما يُراد بها الزينة الظاهرة ولذا يكون تفسير الآية (ولا يبدين زينتهن) أي : لا يبدين من زينتهن الظاهرة إلا ما ظهر منها ، واضح ؟
- جزاكم الله خيرا
- بارك الله فيكَ
ثم طلب الشيخ من طالب أن يقرأ .
بسم الله الرحمن الرحيم "وهذه أمثلة توضح ما ذُكر أبدأها بالأيسر فهماً ، المثال الأول : قوله تعالى : (واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقياً فاتخذت من دونهم حجاباً) كثير من الناس يفهم من الآية فهماً سريعاً وهو أن مريم عليها السلام ابتعدت وخرجت عن قومها لتتفرغ لعبادة ربها أو لحاجة لها أو نحو ذلك وهذا فهم صحيح لكن الآية تدل على أبلغ من هذا ، وذلك أن إذا تأملنا كلمة (انتبذت) نجد أن فيها معنىً زائداً يدل على أن خروج مريم ليس خروجاً عادياً وإنما خروجٌ شديدٌ فيه طرحٌ واعتزالٌ ونبذٌ لقومها وكأن أهلها وعشيرتها وقومها شيئاً منبوذاً غير مرغوب فيه بالنسبة لها أخذته وألقته بشدة بعيداً عنها تخلصاً منه وهذا يُفهم من تأمل الكلمة وله أمثلة كثيرة في كتاب الله".
نعم ، أحسنتَ ، بارك الله فيكَ.
انظر إلى كلمة (انتبذت) في كتاب الله سبحانه وتعالى في سورة مريم في هذه الآية .
الله –سبحانه وتعالى- يحكي عن مريم (واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت) هذه الكلمة استخدام كلمة (انتبذت) هنا كان بالإمكان أن تُستخدم أي كلمة أخرى تدل على هذا المعنى إذا كان المعنى أنها ابتعدت وخرجت عن قومها وفقط هذا هو المراد لكان هناك كلمات تدل على هذا المعنى بظهور من دون الحاجة إلى استخدام كلمة (انتبذت) لكن استخدام هذه الكلمة بعينها وهي كلمة (انتبذت) لها دلالة ويُعطي المعنى شيئاً من القوة في الخروج عن قومها وفي الابتعاد عنهم لم يكن أبداً ليُعطيه لو استُخدمت كلمات أخرى فقوله –سبحانه وتعالى- (إذ انتبذت) عندما ترجع إلى كلمة (انتبذت) في لغة العرب وكذلك في استعمال الفصحاء كلمة (اانتبذت) تدل على شيء من ماذا ؟ من الإلقاء شيء من الخروج الذي فيه رمي وترك لهذا الشيء الذي نُبذ فعندما تقول مثلا : نبذت الحجر أو نبذت هذه القطعة من القماش أو نبذت فلاناً من الناس فإنك لا تريد فقط أنك ابتعدت عنها لأنك قد تبتعد عن الصديق تبتعد عن الحبيب قد تبتعد عن إنسان تريد أن تقترب منه فتبتعد عنه لأي غرض كان لظرف طرأ عليك ولكن لا تقول في صديق وحميم وعزيز إلى قلبك نبذته لا تستخدم هذه العبارة وإنما تستخدم هذه الكلمة إنما تُستخدم إذا أردت أن تبتعد عن شيء لا تريده ولا ترغب فيه فمريم عليها السلام لما أرادت أن تخرج عن قومها ماذا فعلت فإنها انتبذت بمعنى أنها تركت قومها وخرجت عنهم خروجا فيه كراهية لهؤلاء القوم فيه بعد بالبدن وبالروح عنهم جميعا فنبذتهم نبذا وتركتهم وهجرتهم هجرا لأنهم كانوا في حال لا تُرضي الله عز وجل وكانوا في اقتراف للمعاصي وفي بعد عن الأوامر وفي شرك بالجبار سبحانه وتعالى جعلت هذه المرأة الصالحة تكره هؤلاء القوم وتكره العيش معهم فما كان منها إلا أنها انتبذت من قومها (واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها) فخرجتهم خروج من كره معاشرة هؤلاء القوم وهذه الكلمة هي التي دلتنا على هذا المعنى اللطيف الذي جاء في هذه الآية .
"المثال الثاني : في قوله تعالى : (وقد بلغت من الكبر عتياً) في سورة مريم ، لننظر أولا في تفسير بعض السلف ، قال مجاهد : "(عتياً) : يعني نحول العظم" وقال ابن زيد : "العتي الذي قد عتى عن الولد فيما يرى نفسه لا يُولد له"؟ ثم لننظر في أصل كلمة (عتيا) هي مأخوذة من العتو وهو كل مبالغ فيه مما يُذم أو يُعاب ويتجلى الأمر أكثر عندما نعود مثلا إلى كتاب (التحرير والتنوير) : فيتبين أن كلمة (عتيا) و (عتوا) تُطلق على الشيء اليابس ، إذا فقد وقع لزكريا –عليه السلام- كبر في السن مبالغ فيه حتى انحلت منه عظامه ويبست يبوسا شديداً ، نخلص من هذا أن زكريا تضرع إلى ربه لضعفه الشديد حيث أنه قد كبر وزاد به السن حتى يبس منه العظم فأصبح لا رطوبة مطلقا في بدنه ينتج منها ماء الولد فكيف له مع ذلك بالولد".
نعم ، هذا بتأمل كلمة واحدة من كتاب الله –عز وجل- من قوله سبحانه وتعالى على لسان زكريا –عليه السلام- : (وقد بلغت من الكبر عتياً) زكريا –عليه السلام- يريد أن يبتهل إلى الله –سبحانه وتعالى- أن يتضرع إليه أن يلجأ إلى ربه أن يتقرب إليه أن يبلغ بالوسيلة إلى ربه –سبحانه وتعالى- بلوغاً يطمع فيه أن يكون معه إجابة من الله –جل وعلا- ومن المعلوم أن من الوسائل التي يهرع إليها العبد في طلب إجابة دعوة الرب –سبحانه وتعالى- أن يتضرع إليه بضعفه بمسكنته بفقره بشدة حاجته إلى الله –عز وجل- هذه المسكنة وهذا الضعف وهذا الفقر وهذا اللجوء وهذا افخبار عن الحال هذا من أعظم أسباب إجابة الدعاء وزكريا عليه السلام أراد أن يتخذ هذه الوسيلة وأن يبتغي بهذا الفعل وسيلة تقربه منه سبحانه وتعالى وتكون سبباً في قبول دعوته فأخبر عن ضعفه الشديد عن شدة ما هو فيه الآن من كبر السن من ضعف ومن نحول العظم ونحو ذلك ، هذا الأمر جاء في كلمة واحدة من كتاب الله –عز وجل- على لسان زكريا –عليه السلام- : (وقد بلغت من الكبر عتياً) كلمة (عتيا) هنا تدل على أشياء كثيرة من أنواع الضعف فهي تدل على نحول العظم ، العظم أصبح نحيلاً جداً ليس بشيء وتدل على أن العظم أيضاً أصبح يابساً كالشجر اليابس بمعنى أن أدنى شيء يعرض له قد يكسره وقد يؤثر فيه وتدل أيضا على أن هذا الجسد الذي بلغ هذا السن قد بلغ منه حتى الماء الذي يُنتج منه الولد فليس فيه ماء مطلقا فمن المعلوم أن الإنسان إذا بلغ سنا كبيرا جدا فإنه يذهب عنه هذا الماء لا يكون معه ماء الرجل الذيب ينتج منه الولد فزكريا –عليه السلام- أخبر عن نحول عظمه وأخبر عن شدة حاله وضعفه وأخبر عن أن عظمه أيضا قد يبس يبوسا شديدا وأخبر أيضا أن الماء الذي في جسده والذي ينتج منه الولد كل هذا قد ذهب وقد بلغ به .
فاصل .
تضرع إلى ربه بإخباره عن حاله وشدة ضعفه وبعد أن يكون له ولد بعد هذا السن وهذا من جميل التضرع إلى الله –سبحانه وتعالى- ولذا جاء الجواب من الله –سبحانه وتعالى- بقبول هذه الدعوة التي انكسر فيها هذا العبد الصالح بين يدي ربه –سبحانه وتعالى- .
أم أسماء غير متواجد حالياً  
قديم 13-12-08, 12:22 AM   #20
أم عبد الملك السلفية
جُهدٌ لا يُنسى
 
تاريخ التسجيل: 25-03-2007
المشاركات: 276
أم عبد الملك السلفية is on a distinguished road
افتراضي

إكمال تفريغ الدرس السادس عشر ، من الدقيقة 13 إلى آخر الشريط .


****
المثال الثالث : قوله تعالى : (فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة) لو تأملنا كلمة (فأجاءها) لوجدنا أنها ليست "جاء" وليست "ألجأ" بل هي كلمة دلت على ما تدل عليه هاتين الكلمتين جميعاً بأبلغ وأوجز عبارة .
أرجو أن تنتبهوا لهذا المثل ، فالمثل الأول والمثل الثاني فيهما شيء من الظهور والوضوح .
الآن سندخل في بعض الأمثلة التي تحتاج إلى استحضار الذهن أن يكون الذهن حياً متوقداً منتبهاً إلى ما سيأتي لأنا سندخل الآن في بعض الكلمات المشكلة في مبدأها ، في ظاهرها وكيف استخدمت في كتاب الله –عز وجل- كلمة (ألجأ) وكلمة "جاء" عبارة عن كلمتين ليست كلمة واحدة في لغة العرب ، لكن جاءنا في كتاب الله –سبحانه وتعالى- كلمة ثالثة في سورة مريم أيضاً (فأجاءها المخاض) كلمة (فأجاء) ليست هي كلمة "جاء" ، كلمة "أجاء" غير "جاء" ، كذلك ليست هي "ألجأ" بل هي كلمة ثالثة في كتب اللغة لم تجد كلمة بهذا الوزن بهذه الأحرف كلمة "أجاء" ليس هناك شيء في كتب اللغة في لغة العرب ليس عندنا شيء يعرف بأنه أو كلمة تدل على معنى محدد معين في عبارة عن "أجاء" (فأجاءها المخاض) .
هذا لا يوجد فكيف جاءت في كتاب الله –سبحانه وتعالى- ؟! وما المراد منها ؟ وكيف فسرها السلف –رضوان الله عليهم أجمعين- ؟
انتبه إلى ذلك فيما سيأتيك من الكلام . نعم
"بيان ذلك أن أصل "أجاء" هو "جاء" ولو وردت الكلمة هكذا "جاء" لكان المعنى أن المخاض جاءها وهذا ليس إلا جزء من المعنى فقط ، فلما دخلت عليها همزة التعدية أضافت لها معنى آخر غير المجيء وهو أن المخاض لما جاءها جاء بها إلى جذع النخلة كالفرق بين "لجأ" و "ألجأ" و "ذهب و "أذهب" و "نام" و "أنام" ، "سمع" و "أسمع" ... وغيرها كثير ... وهذا المجيء لم يكن على سبيل الاختيار وإنما على سبيل الاضطرار كما دل عليه السياق والمراد أن المخاض لما جاءها ألجأها إلى جذع النخلة ولذا جاء تفسير السلف لـ (أجاءها) ألجأها ، وهذا من عظيم إدراكهم لمعاني القرآن الكريم"
نعم ـ، بارك الله فيكَ ، حسبك .
واضح هذا الكلام ؟
الآن كلمة "أجاء" (فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة) هذه الكلمة كما ذكرت لك ليست هي "جاء" وليست هي "ألجأ" وإنما هي كلمة دلت على معنى "جاء" ودلت على معنى "ألجأ" ، عندما تنظر بدءاً في كتب التفسير بالمأثور فسيفسر لك ابن عباس –رضي الله عنه- وكذلك بقية السلف –رضوان الله عليهم أجمعين- هذه الآية (أجاءها) بـ "ألجأها" فعندما تنظر في كتب اللغة لا تجد أبداً أن أجاء أو "جاء" ممكن أن ترد في لغة العرب بمعنى "ألجأ" فجاء غير ألجأ ، فكيف حصل لهؤلاء رحمهم الله من صحابة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وكذلك أئمة أهل التفسير كيف فسروا "أجاء" بـ"ألجأ" ، من أين جاءوا بهذا المعنى ؟ من أين جاءوا بهذا التفسير ؟ وهذا يشكل حقيقة إذا أردت أن تفهم التفسير على هذا النحو فلا بد أن تجد رابطاً بين الكلمة وبين التفسير الذي فسرت به هذه الكلمة لا بد أن يكون هناك رابط أما أن تكون هذه الكلمة "أجاء" وتُفسر بـ"ألجأ" هذا لا رابط بينهما مطلقا ولكن الرابط جاء في قوله –سبحانه وتعالى- (فأجاءها المخاض)
"أجاء" عبارة عن "جاء" دخلت عليها همزة التعدية كما تقول "ذهب وأذهب" ما الفرق بين ذهب وأذهب ؟
ذهب بنفسه ، وأذهب غيره .
عندما تقول "سمع وأسمع" ما الفرق بينهما ؟
سمع بنفسه وأسمع غيره .
عندما تقول "نام وأنام" ما الفرق بينهما ؟
نام هو وأنام غيره .
كذلك بالنسبة لـ"جاء وأجاء" لما دخلت همزة التعدية هنا دلت على أن المجيء هنا ليس من فاعل الفعل "جاء" في أصله ، وإنما هناك من "ألجأه" إلى المجيء هناك ما "ألجأه" إلى المجيء ، فالآية عندنا (فأجاءها المخاض) أجاءها المخاض الآن أصل الكلمة بدون التعدية (فجاءها المخاض) هذا المخاض لما جاء إلى مريم عليها السلام ماذا فعل بها ؟
ألجأها إلى جذع النخلة لما جاءها المخاض هل هو فقط جاءها وانتهى الأمر ؟ ، لا ، وإنما جاءها فألجأها إلى جذع النخلة ، فالآية لو كانت في أصلها "فجاءها المخاض إلى جذع النخلة" لما كان هناك دلالة على الإلجاء إلى الجذع ، بينما هذا قد دل عليه السياق دلالة ظاهرة أن هذا المخاض هو الذي جعلها تضطر إلى جذع النخلة تريد أن تتمسك بشيء .
من المعلوم أن المرأة الحامل الضعيفة الكسيرة التي هي في مثل هذا الموطن من الضعف الشديد تحتاج أن تتمسك بشيء ، أن تتشبث بشيء تريد ماء ، تريد أي شيء تستعين به على هذه الحالة التي هي فيها (فأجاءها الممخاض) جاءها المخاض ، ثم ألجأها المخاض إلى جذع النخلة ، ففسر السلف كلمة "أجاء" بالإلجاء من هذه الجهة .
فاصل قصير .
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آلة وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين .
مرحبا بكم أيها الأحبة مرة أخرى في روضة من رياض الجنة .
كنا نتكلم عن قوله –سبحانه وتعالى- : (فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة) وأن هذه الكلمة إنما جاءت في كتاب الله سبحانه وتعالى دلت على معنيين ، دلت على المجيء ودلت على الإلجاء ، أما دلالتها على المجيء فلأنها في أصلها جاء دخلت عليها همزة التعدية وهذا ظاهر وهذا المعنى يدركه كثير من الناس ولكن المعنى الذي يدركه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم من السلف وأئمة أهل التفسير يدركون مع ذلك معنا آخر هو الذي ذكروه ولم يذكروا معنى المجيء لأنه ظاهر وبين فلا حاجة إلى ذكره فعندما تنظر في كلامهم لا يقولون لك "فأجاءها المخاض" أي جاءها المخاض ، هذا ظاهر بين لا حاجة إلى بيانه وإنما يقولون لك "فألجأها المخاض" فيذكرون لك المعنى الذي يحتاج إلى بيان أما البين فلا حاجة إلى ذكره فقالوا "ألجأها" لأن السياق مع كلمة "جاء" ومع همزة التعدية فعندنا ثلاثة أمور ، عندنا كلمة "جاء" وعندنا همزة التعدية التي دخلت على "جاء" وعندنا السياق الذي يدل على الاضطرار هذه الأمور الثلاثة دلت على معنى الإلجاء .
فعندئذ قيل في تفسير قوله –سبحانه وتعالى- (فأجاءها المخاض إلى جذع النخل) أي : جاءها المخاض فألجأها اضطراراً إلى جذع هذه النخلة وهذا مثل يبين لك عظيم فقههم رحمهم الله في تأويلهم لكلام الله سبحانه وتعالى .
فلا تظن أن كلمة "أجاء" لها معنى في اللغة تدل على الإلجاء ، لا هذا لم يأتِ أصلاً في الغة ولكن الذي جاء هذه الأمور التي ذكرت لك ودلتهم على المعنى الذي ذكروه في تفسير كلام الله سبحانه وتعالى .
نعم ، واضح الكلام ؟
ننتقل إلى المثال الرابع :
اقرأ .
"المثال الرابع ، قوله تعالى : (ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزاً) لننظر أولا في تفسير بعض السلف عن ابن عباس –رضي الله عنه- : تغريهم إغراءاً.
وعن قتادة قال : تزعجهم إزعاجا في معصية الله .
وعندما نرجع إلى لسان العرب في مادة "أزز" نجد أنها تُطلق على أمور منها : الاختلاط ، أيضا الامتلاء تقول العرب "أز المجلس إذا امتلأ وغص بالناس" وأيضا تطلق على الاضطراب والحركة الشديدة كأزيز الماء المغلي في القدر وهذه المعاني كلها مناسبة للسياق وبتأملها يتجلى سر اختيار هذه الكلمة .
فالشياطين أولا تختلط بالكافرين والفاسقين وتعايشهم في كل أمورهم .
ثانياً : ثم تملأ قلوبهم بشبهاتهم وشهواتهم حتى لا يكون فيها محل لغيرهم .
ثالثاً : ثم تحركهم حركة شديدة إلى المعاصي وتهيجهم وتدفعهم إليها دفعاً بل وتقويهم وتعينهم عليه والعياذ بالله" .
نعم ، هذا المثال قد تكلمنا عنه سابقاً وبينت لكم ما يتعلق بكلمة "الأز" في كتاب الله –سبحانه وتعالى- وانظر إلى كلمة الأئمة في تفسير هذه الآية في أنها تغريهم إغراءاً تزعجهم إزعاجا إلى معصية الله –سبحانه وتعالى- ثم إلى هذه الكلمة في لغة العرب فيتبين لك هذه المعاني التي ذكروها رحمهم الله في تفسيرهم لكلام الله سبحانه وتعالى .
المثال الخامس : قوله تعالى : (متكئين على رفرف خضر وعبقري حسان) . فعن علي بن أبي طالب وابن عباس ومجاهد والضحاك وغيرهم أنهم قالوا : هي فضول المحابس -، فضول بمعنى ايش ؟ هي ما يفضل من أطرافها ، هي ما يكون على الأطراف ، هي ما يفضل على الطراف ، المحابس المقصود بها هي الحصر البسط .-
أي الحصر والبسط والفرش ، وقال سعيد ابن جبير : الرفرف رياض الجنة خضر مخضبة ويُروى ذلك عن ابن عباس رضي الله عنه وهناك أقوال أخرى في المعنى المراد بالرفرف في الآية الكريمة أدعها لأبين مأخذ الأقوال السابقة وأن معناها متقارب ثم أيها أقرب إلى مراد الله عز وجل .
قال في اللسان : الرفرف : كسر أي : ذيل الخباء ونحوه وجوانب الدرع وما تدلى منها الواحدة رفرفة وهو أيضا خرقة تخاط في أسفل السرادق والفسطاط ونحوه وقال : والرفرف الشجر الناعم والمسترسل وأيضا هناك أقوال أخرى في كتب اللغة لا أطيل بذكرها ولكن بالتأمل فيما سبق ندرك أن الرفرف يطلق على ما كان طرفا أو فضلة في شيء كالمسترسل من الخيام والبسط والأشجار أو ساحات وحدائق القصور والمنازل أوحركة أطراف جناح الطائر ومنه في هذا اتلعصر رفرف السيارة ونحو ذلك .
نخلص من هذا أن المقصود برفرف خضر ما يلي :
- ساحات وأفنية قصور أهل الجنة فهي ترف وتهتز خضرة ونضرة حتى أن أهل الجنة يتكئون على مسترسل أشجارها .
- ثانياً : أطراف البسط والفرش المنثورة في بساتين ومجالس أهل الجنة .
- ثالثاً : أسرة أهل الجنة لأن الرفرفة تطلق أيضا على المفارش التي تُوضع فوق الأسرة ويكون لها ما تتدلى من على جوانبها إذا تبين هذا فقارن ذلك بما تقدم في نفس السورة المذكورة في قوله تعالى : (متكئين على فرش بطائنها من إستبرق وجنى الجنتين دان) ، والله أعلم .
أحسنت ، بارك الله فيكَ .
نعم ، هذه أيضا قد سبق الكلام عنها بشيء من الاختصار والآن قد استمعت إلى كلام السلف رحمهم الله في تفسير كلمة رفرف وتنوع العبارة منهم وإن كان هذا كله من أوله إلى آخره هو دائر على معنى كلمة رفرف في لغة العرب فرفرف في لغة العرب اتدل على شيء من التدلي وشيء من الطرف فهذا المعنى جاء في كتاب الله سبحانه وتعالى ليبين لك بظهور أن هذه الأرائك التي يتكيء عليها أهل الجنة ليست هي أرائك فقط خاصة بالقصور ونحو ذلك ، لا ، وإنما هي أرائك مع أنها على هذا الوصف العظيم إلا أنها هذه عبارة عما يكون في أطراف الجنان في أطراف القصور فالمرء في تلك الجنان العظيمة المسلم إذا دخل تلك الجنات فإنه كيف يكون حاله ؟
له قصر عظيم كبير يعني مساحته شاسعة جدا ولك أن تتخيل أيها المبارك ، لك أن تتخيل أن الله عز وجل أعطى أدنى أهل الجنة منزلة من مثل هذه الدنيا ، من مثل هذه الكرة الأرضية من أولها إلى آخرها عشر مرات كما في الصحيحين من حديث ابن مسعود وغيره ، "أن الله عز وجل قال لأدنى أهل الجنة منزلة ، قال : "لك الدنيا ومثلها ومثلها ومثلها ومثلها عشر مرات" هذا أدنى أهل الجنة منزلة له مثل الدنيا عشر مرات وكذلك له من مساحة هذه الكرة الأرضية من أولها إلى آخرها عشر مرات لأن الله وعده أن يعطيه من هذه الدنيا عشر مرات ، فله من حجم المساحة مقدار المساحة في تلك الجنان ، أيضا مقدار هذه الكرة الأرضية التي تسمى بالحياة الدنيا له مقدارها عشر مرات أيها المؤمن إذا أراد هذا النقي هذا الصالح الذي دخل هذه الجنة هذه أدنى أهل الجنة منزلة يعني أخرجه الله عز وجل بالتوحيد ليس فيه كبير تقوى ولا صلاح ولا هداية ولا دعوة ولا خير وإنما هو دخل دهرا طويلا جدا مئات السنوات بل هي آلاف السنوات في نار جهنم ثم خرج بعد ذلك ببقية توحيد باقية في قلبه بهذا التوحيد الذي في قلبه أخرجه الله عز وجل به من النار فأعطاه هذه المنزلة العظيمة من الجنة ضعف هذه الدنيا عشر مرات ، إذا كان الأمر كذلك فتصور قصراً في تلك الأرض الشاسعة هذا القصر له رفارف واسعة جدا هذه الرفارف هي عبارة تارة عن حدائق تارة بساتين تارة أشجار عظيمة متدلية مسترسلة ناعمة فتتكيء أنت ومن معك في تلك الجنان (عليها متكئين) على رفرف من الرفرف أيضا ، هذه الأشجار المتدلية شجر عظيم في جنان النعيم فتتدلى فتجلس عليها أنت وأصحابك وأحبابك في تلك الجنان العظيمة هذا شيء من هذا النعيم الذي دلت عليه هذه الآية العظيمة في قوله سبحانه وتعالى : (متكئين على رفرف خضر وعبقري حسان) أي هذه الرفارف ما لونها ؟ خضر وعبقري حسان ، العبقري هو الذي بلغ أحسن ما يكون من جهة جماله ومن جهة حاله فلا يطلق في لغة العرب على شيء أنه عبقري فاق غيره الشيء الذي يفوق غيره سواء أكان في جماله ، سواء أكان في قوته \، سواء أكان في ذكائه ، سواء أكان مثل السيف في حدته ، سواء أكان في عطائه أو نحو ذلك يقال عنه عبقري أي أنه فاق غيره فكل ما فاق غيره في لغة العرب يقال عنه عبقري ، أو أتى بشيء يتعجب منه أهل الزمان فيقال عنه عبقري لأنه أتى بشيء لا يستطاع من مثل أمثاله وأقرانه من الناس فهذه الأرائك من صفتها أنها عبقري أنها بلغت مبلغا لا يشابه ما تعلمون وما تدركون من هذه الأرائك التي بين أيديكم بل هي أرائك فاقت غيرها ، ومن هذه الأرائك التي بين أيديكم بل هي أرائك فاقت غيرها في حسنها وجمالها في راحتها في أمورها في كل شؤونها من أولها إلى آخرها ، ولذا قال الله سبحانه وتعالى (متكئين على رفرف خضر وعبقري حسان) هذا معنى من معاني هذه الآية العظيمة .
بعد ذلك سننتقل إلى المرحلة الثانية فيما يتعلق بمعرفة دلالة حروف المعاني التي تربط بين الكلمات ، أرجو أن يكون الكلام فيما يتعلق بإدراك المعنى اللغوي للكلمة ، أرجو أن يكون واضحا وهي مرحلة وخطوة لابد منها درجة في سلم لابد أن لا يصعد إلى الدرجة التي تليها إلا وقد فقهنا وفهمنا وأدركنا هذه المرحلة إدراكاً جيدا ، لا أقول إدراكاً كاملاً ولكن إدراكاً جيداً يكون معه شيء من الفهم نستطيع أن نبني عليه المرحلة الثانية بإذن الله جل وعلا .
نعم ، لعلك تقرأ .
"المرحلة الثانية : معرفة دلالة حروف المعاني التي تربط بين الكلمات .
هذا الأمر من الأهمية بمكان ، ذلك أن كلمات القرآن العظيم إن فُهم معناها ودلالتها وبقي معرفة دلالة حروف المعاني التي تربط بينها ومعرفة دلالة هذه الحروف له سر عجيب في فهم المعاني فهماً دقيقاً واسعاً يتبين معه سر بديع عظمة كتاب الله عز وجل وسيجد من تذوق دلالة هذه الحروف الفرق الشاسع بين فهمه لآيات الكتاب قبل وبعد وسيقع في قلبه من توقير وتعظيم كتاب الله ما لم يخطر له على بال ، وأكبر من هذا أن الخطأ في تحديد المعنى المراد للحرف في هذا السياق المعين قد يقلب المعنى المراد تماما أو يضعفه أو يخل ببلاغة وفصاحة هذا الكتاب المعجز وقد تقدم الكلام أن الحروف في لغة العرب تنقسم إلى قسمين : حروف مباني وحروف معاني ، وأن حروف المعاني هي الحروف التي تدل على معنى في غيرها وتأتي رابطة بين الكلمات لتعطي دلالة معينة يقصدها المتحدث وتسمى أيضا حروف الربط مثل دلالة حرف الباء على الاستعانة في كلمة "بسم الله" ودلالة حرف اللام على التعليل مع الاختصاص في قوله تعالى : (يريدون ليطفئوا نور الله) ودلالة حرف "على" الظرفية مع الاستعلاء في قوله تعالى : (ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها .
وسيأتي بيان ذلك بشيء من التفصيل إن شاء الله ، ومع كثرة المؤلفات القديمة والحديثة في حروف المعاني إلا أني سأختار مرجعاً واحداص فقط تيسيراً وتسهيلاً وهو معجم حروف المعاني في القرآن الكريم لأن المقصود هنا الوصول إلى المعرفة الولية لمعاني هذه الحروف لا التحقيق والتدقيق في المضائق ولتوضيح ذلك فإن معرفة دلالة حروف المعاني على ثلاث درجات"
نعم ، لا التحقيق والتدقيق في المضائق ، المراد هنا أن ندرك المعنى على الأقل بشكل كاف وافٍ يعني لا نريد الآن أن ندخل في المضائق التي اختلف فيها أهل التفسير اختلافاص بيناً ولكن من المسائل ما جاء عن الأئمة رحمهم الله "من أئمة أهل اللغة ، من أئمة أهل التفسير" ما اختلفوا هم وهم أكابر أهل العلم ، ما اختلفوا في تحديد المراد ، لا نريد هذا ، هذه مرتبة يعني قادمة نستعين الله عز وجل عليها فيما نستقبل إن شاء الله بعد مدد من الزمان الله أعلم بها ولكن المراد هنا أن ندرك المعنى الكلي ، أن ندرك المعنى العام ، أن ندرك شيئاً لأنه وللأسف الشديد أن إدراك معنى حروف المعاني هذا بالنسبة لكثير ليس من عامة أهل العلم وطلبة العلم ، لا وإنما حتى من خاصة من يتعنى ويتطلب علم التفسير تجد أن معرفته بعلم حروف المعاني على الأقل ما يكون تجد أنه أصلاً هذا الاصطلاح لا يكون ، لا يفهم المراد منه ماذا يراد من قول القائل "حروف المعاني" لا يفهم ، ثم إذا فهم المراد من حروف المعاني فإنه بعد ذلك لا يستطيع أن يتبين ما المعنى الذي جاء من أجله حرف الفاء ، حرف الباء ، حرف اللام ، حرف عن ، وهكذا من الحروف التي لها معان في لغة العرب لا يتبين ذلك أبداً فإذا مر بالآية وأراد أن يفسرها فإنه عندئذ لا يتفطن إلى أن حرف المعنى هنا له أثر كبير في بيان المعنى الكامل الوافي لهذه الآية التي جاءت في هذا الموطن ولذا تجد أنه يتساهل كثيرا في هذا الأمر ، في هذه المسألة يتساهل كثيراً لا يتعنى أن يقف قليلاً لا يبحث عن معنى هذا الحرف من أجل أن يدرك ماذا يعطي من قوة المعنى ، ماذا يعطي من قوة الدلالة ، ماذا يعطي من قوة الأمر ، ماذا يعطي من قوة النهي ، لا ، وإنما يمر عليه سريعاً ، وهذا لا ينبغي أبداً ، سيأتيك في الأمثلة ما يوضح بين إدراكك لمعاني هذه الحروف وبين ضعف الإدراك لمعاني هذه الحروف التي لها أثر كبير في فهم كتاب الله عز وجل ، بل إنها أيها المؤمن ، أيها المبارك ، بل إنها عندما تتأمل فيها تجد أنها قد ملأت كتاب الله عز وجل .
حروف المعاني عندما تقرأ من سورة الفاتحة من أولها ، بل من أول جملة في كتاب الله عز وجل وهي "بسم الله الرحمن الرحيم" الباء أصل استفتاح هذا الكتاب ، بدأ بحرف الباء الذي هو حرف معنى ، ثم تقرأ تقرأ إلى أن تصل إلى سورة الناس ، تقرأ في سورة الناس فإذا عندك من حروف المعاني ما تحتاج أن تقف عنده وأن تتأملها يعني خذ مثلاً في آخر سورة الناس (من الجنة والناس) هذه "من" ماذا لها من الدلالة ؟ لها دلالة ، أنت الآن طالب علم ، الكلام مع طلاب العلم ليس مع عامة الناس ، . يجب أن تتفقه في ماذا تعطيك هذه الآية من الدلالة ، هذا الحرف "من" ماذا له من الدلالة ؟
في هذا الموطن ماذا يعطيك من المعنى ؟
ما معنى قوله سبحانه وتعالى : (من الجنة والناس) ؟ لو تأملت هذا الحرف وفقهت معناه سيتبين لك معنى هو بالفعل غير المعنى الذي كان في خاطرك قبل ذلك يعني وليس هو المعنى الجزئي الذي كان في ذهنك وإنما هو معنى أوسع وأشبع واكبر من المعنى الذي كان يتبادر بدءاً إلى ذهنك .
الكلام عن الحروف كلام طويل جداً ولكنا سنبدأ بإذن الله عز وجل في ضرب الأمثلة التي توضح لك المراد فيما يتعلق بهذه الحروف ثم بعد ذلك سنعرض لك بإذن الله جدولاً سريعاً في المعاني الكلية لهذه الحروف ونحاول بإذن الله سبحانه وتعالى أن نوضح هذا الأمر على أتم ما يكون وأكرر لك وأعيد عليك أريدك أن تتحمل قليلاً في طلب العلم في هذه المسألة هناك حاجة أن تبذل من نفسك أن تبذل من جهدك من ذهنك من فكرك من ذكائك في فهم هذه الأمور لأنها لها أثر كبير في فهم كتاب الله عز وجل .
وأنت يا طالب العلم إن لم تبذل من جهدك ، من قوة فكرك ، من ذكائك في هذه المسائل فأي شيء تبذلها ؟ ولأي شيء تجعلها ؟ إنما هي في هذه المسائل وفي أمثالها من المسائل الكبار التي لها أثر في تفسير كلام الله سبحانه وتعالى .
نعم ، هذه الدرجات بالنسبة لما يتعلق بحروف المعاني اخترت أن أقتصر على ثلاث درجات وإلا بالإمكان أن تكون أوسع من ذلك لكن لا داعي إلى أكثر من ذلك خشية أن يكثر الإلباس ويصعب المعنى فهي على ثلاث درجات .
الدرجة الولى :
هي إدراك المعاني المشهورة لكل حرف .
كيف ندرك معاني هذه الحروف ؟
عن طريق النظر في درجات ثلاث .
الدرجة الولى هي : إدراك المعاني المشهورة لكل حرف .
اقرأ :
الدرجة الأولى : : إدراك المعاني المشهورة لكل حرف .
مثل : "الـ" في كتاب الله تعالى لها معنيان مشهوران ، عهدية وجنسية ، ولكل منهما أنواع.
الفاء لها عدة معاني "السببية – الفصيحة – العاطفة – الجوابية" .
الباء لها عدة معاني أيضاً " الإلصاق – التبعيض – السببية – القسم" .
"في" أصل معانيها الظرفية وتأتي للتعليل والاستعلاء والمقايسة وهكذا نقف عند هذا الحد -



انتهى
أم عبد الملك السلفية غير متواجد حالياً  
 

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

(View-All Members who have read this thread in the last 30 days : 0
There are no names to display.

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
أيهما أولى حفظ القرآن أو طلب العلم الشرعي مسلمة لله روضة آداب طلب العلم 31 02-08-16 12:15 PM
أفلا يتدبرون القرآن؟! /للشيخ عبدالسلام الحصين أم خــالد روضة القرآن وعلومه 15 14-02-10 02:56 AM
نزول القرآن الكريم وتاريخه وما يتعلق به طـريق الشـروق روضة القرآن وعلومه 8 22-12-07 03:50 PM


الساعة الآن 12:43 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024,Jelsoft Enterprises Ltd.
هذه المنتديات لا تتبع أي جماعة ولا حزب ولا تنظيم ولا جمعية ولا تمثل أحدا
هي لكل مسلم محب لدينه وأمته وهي على مذهب أهل السنة والجماعة ولن نقبل اي موضوع يثير الفتنة أو يخالف الشريعة
وكل رأي فيها يعبر عن وجهة نظر صاحبه فقط دون تحمل إدارة المنتدى أي مسؤلية تجاه مشاركات الأعضاء ،
غير أنَّا نسعى جاهدين إلى تصفية المنشور وجعله منضبطا بميزان الشرع المطهر .