|
02-01-08, 09:23 PM | #1 |
~صديقة الملتقى~
تاريخ التسجيل:
22-10-2007
المشاركات: 952
|
المتكبر ــ الكبير
جل جلاله وتقدست أسماؤه المعنى اللغوي : يقال كبر بالضم .. يكبر أي : عظم فهم كبير. قال ابن سيده : الكبر : نقيض الصغر، وكبر الأمر : جعله كبيراً، واستكبره رآه كبيراً كقوله تعالى : فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ (يوسف: من الآية31) أي : أعظمنه. والتكبير: التعظيم، والكبر : الرقعة في الشرف، والكبرياء : الملك، كقوله تعالى : وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ (يونس: من الآية78) والكبرياء أيضاً : العظمة والتجبر. ورود الاسمين في القرآن الكريم : سمى الله سبحانه وتعالى نفسه بـ (المتكبر) في آية واحدة من القرآن الكريم في قوله الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ (الحشر: من الآية23). وأما اسمه (الكبير) فقد ورد في ستة مواضع من القرآن الكريم: منها قوله تعالى : عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ (الرعد:9) . وقوله : وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (الحج: من الآية62) . وقد جاء مقترناً باسمه (العلي) و (المتعال). معنى الاسمين في حق الله تعالى : قال قتادة :(المتكبر) أي : تكبر عن كل شيء . قال الخطابي : هو المتعالي عن صفات الخلق، ويقال : هو الذي يتكبر على عتاة خلقه إذا نازعوه العظمة . وقال القرطبي (المتكبر) : الذي تكبر بربوبيته فلا شيء مثله. وقيل : (المتكبر): عن كل سوء، المتعظم عنا لا يليق به من صفات الحدث والذم. وأصل الكبر والكبرياء الامتناع: ما قاله العلماء في معنى اسمه (الكبير): # مشابه لما ذكرنا من معنى (المتكبر). #قال : ابن جرير : (الكبير) يعني العظيم الذي كل شيء دونه ولا شيء أعظم من #وقال الخطابي : (الكبير) هو الموصوف بالجلال وكبر الشأن فصغر دون جلاله كل كبير، ويقال : هو الذي كبر عن شبه المخلوقين: وعلى هذا يكون معنى (المتكبر) و (الكبير) : 1-الذي تكبر عن كل سوء وشر وظلم. 2-الذي تكبر وتعالى عن صفات الخلق فلا شيء مثله. 3-الذي كبر وعظم فكل شيء دون جلاله صغير وحقير. 4-الذي له الكبرياء في السموات والأرض، أي : السلطان والعظمة. آثار الإيمان بهذين الاسمين : -(1)إن الله أكبر من كل شيء، وأكبر من أن يعرف كنه كبريائه وعظمته وأكبر من أن يحيط به علماً. قال تعالى : وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً (طـه: من الآية110)، فالله جلت عظمته أكبر من أن تعرف كيفية ذاته أو صفاته ولذلك نهينا عن التفكير في الله لأننا لن ندرك ذلك يعقولنا الصغيرة القاصرة المحدودة، فقد قال : (تفكروا في آلاء الله ولا تفكروا في الله عز وجل) وقد وقع الفلاسفة في ذلك وحاولوا أن يدركوا كيفية وماهية ربهم بعقولهم فتاهوا وضلوا ضلالاً بعيداً ولم يجنوا سوى الحيرة والتخبط والتناقض فيما سطروه من الأقوال والمعتقدات. فمن أراد معرفي ربه وصفاته فعليه بطريق الرسول لأنه أعلم الخلق بالله وصفاته، فعليه أُنزل الكتاب العزيز الذي لا تكاد الآية منه تخلو من صفة الله سبحانه سواء كانت ذاتية أو فعلية أو اسم من أسمائه الحسنى، وعليه أيضاً أُنزلت السنة الشارحة والمفضلة للكتاب، فطريقه هو الطريق الأسلم ومنهجه هو المنهج الأقوم، فمن اتبعه كان من الناجين، ولذلك بين في الحديث الصحيح أن الفرقة الناجية هي ما كان عليه هو وأصحابه رضوان الله عليهم أجمعين في المعتقد والعبادة والسلوك. (2)إن التكبر لا يليق إلا به سبحانه وتعالى، فصفة السيد التكبر والترفع وأما العبد فصفته التذلل والخضوع والخضوع. وقد توعد الله سبحانه المتكبرين بأشد العذاب يوم القيامة، قال تعالى : فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ (الأقحاف: من الآية20) . وقال : وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ (الزمر:60) . واستكبارهم هذا : هو رفضهم الانقياد لله ولأوامره ورفضهم عبادة ربهم كما قال تعالى : إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ (الصافات:35) ، فرفضوا الإذعان لكلمة التوحيد. وقوله سبحانه : وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْماً مُجْرِمِينَ (الجاثـية:31). يبين أنهم رفضوا الحق الذي جاءت به الرسل وردوه ولم يقبلوه. وقوله سبحانه : قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ) (الشعراء:111) يبين أنهم احتقروا أتباع الرسل لكونهم من ضعفة الناس وفقرائهم فلم يدخلوا في جماعتهم ولم يشاركوهم في الإيمان بما جاءت به الرسل وكان الكبر سبباً للطبع على قلوبهم لفم تعد تعرف معروفاً ولا تنكر منكراً. قال تعالى : كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ (غافر: من الآية35) . فالحاصل أن الكبر كان سبباً في هلاك الأمم السابقة: بل كان السبب في هلاك إبليس عليه لعنة الله وطره من رحمة الله أنه أبى أن يسجد لآدم عليه السلام واستكبر على أمر ربه سبحانه، قال تعالى : فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (البقرة: من الآية34) . (3)-والكبر يمنع أيضاً من طلب العلم والسؤال عنه، لأن المتكبر يترفع عن الجلوس بين يدي العالم للتعلم ويرى أن في ذلك مهانة له، ويؤثر البقاء على جهله، فيجمع بين الكبر والجهل، بل قد يجادل ويناقش ويخوض في المسائل بدون علم حتى لا يقال أنه لا يعلم فيصغر عند الناس، قال تعالى ذكره : وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ * ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ (الحج:8-9) أي : ومن الناس من يجادل في الله بغير علم صحيح ولا نقل صحيح بل بمجرد الرأي والهوى وإذا دعي إلى الحق ثنى عطفه أي : لوي رقبته مستكبراً عما يدعى إليه من الحق كقوله تعالى : وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ (لقمان: من الآية18) فأخبر الله تعالى أن له في الدنيا الخزي وهو الإهانة والذل لأنه استكبر عن آيات الله فجوزى بنقيض قصده وله في الآخرة عذاب النار المحرقة. ونحوه قوله تعالى : إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (غافر:56) وقد ذم السلف الكبر في العلم فمن أقوالهم : (4)من أعجب برأيه ضل، ومن استغنى بعقله زل، ومن تكبر على الناس ذل، ومن خالط الأنذال حقر، ومن جالس العلماء وقر. وقال إبراهيم بن الأشعث : سألت الفضيل بن عياض عن التواضع فقال : أن تخضع للحق وتنقاد له ممن سمعته ولو كان أجهل الناس لزمك أن تقبله منه. وقال سعيد بن جبير : لا يزال الرجل عالماً ما تعلم فإذا ترك التعلم وظن أنه قد استغنى واكتفى بما عنده فهو أجهل ما يكون. ونبي الله موسى عليه السلام لم تمنعه منزلة النبوة من أن يطلب العلم ممن هو دونه فقال للخضر عليه السلام : هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً (الكهف: من الآية66) . ولم يزل علماء السلف يستفيدون من طلبتهم ما ليس عندهم. قال الحميدي وهو تلميذ الشافعي : صحبت الشافعي من مكة إلى مصر فكنت أستفيد منه المسائل وكان يستفيد مني الحديث. وقال أحمد بن حنبل : قال لنا الشافعي أنتم أعلم بالحديث مني فإذا صح عندكم الحديث فقولوا لنا حتى آخذ به. |
02-01-08, 09:26 PM | #2 |
~صديقة الملتقى~
تاريخ التسجيل:
22-10-2007
المشاركات: 952
|
البارئ جل جلاله وتقدست أسماؤه المعنى اللغوي : قال ابن الأعرابي : برئ إذا تخلص، وبرئ إذا تنزه وتباعد، وبرئ إذا أعذر وأنذر، ومنه قوله تعالى : بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ (التوبة: من الآية1) أي : إعذار وإنذار. وأصبح بارئاً من مرضه وبريئاً كقولك صحيحاً وصحاحاً، وقد أبرأه الله من مرضه إبراءً. وقال الأخفش : يقال برئت العود وبروته إذا قطعته وبريت القلم بغير همز إذا قطعته وأصلحته. والبرية : الخلق وأصلها الهمز وقد تركت العرب همزها. وقال الفراء : وإذا أخذت البرية من البري وهو التراب فأصلها غير الهمز. وقد وردت في القرآن كقوله تعالى : إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (البينة:7) . وروده في القرآن الكريم : ورد الاسم ثلاث مرات في القرآن: مرة في قوله تعالى : هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ (الحشر: من الآية24). ومرتين في قوله تعالى : فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ (البقرة: من الآية54) . المعنى في حق الله تعالى : قال ابن جرير : (البارئ) الذي برأ الخلق فأوجدهم بقدرته. وقال الزجاج : (البارئ) يقال برأ الله الخلق فهو يبرؤهم برءاً : إذا فطرهم. والبرء : خلق على صفة، فكل مبروء مخلوق، وليس كل مخلوق مبروءاً وذلك لأن البرء من تبرئة الشيء من الشيء من قولهم : برأت من المرض، وبرئت من الدين أبرأ منه، فيعض الخلق إذا فصل من بعض سمي فاعله بارئاً. وقال الشوكاني : البارئ الخالق، وقيل إن (البارئ) هو : المبدع المحدث. وقال الخطابي : البارئ هو الخالق. ثم قال : إلا أن لهذه اللفظة من الاختصاص بالحيوان ما ليس لها بغيره من الخلق وقلما يستعمل في خلق السماوات والأرض والجبال فيقال : برأ الله السماء كما يقال : برأ الله الإنسان وبرأ النسم . وقال ابن كثير : الخلق هو التقدير، والبرء هو الفري وهو التنفيذ وإبراز ما قدره وقرره إلى الوجود، وليس كل من قدر شيئاً ورتبه يقدر على تنفيذه وإيجاده سوى الله عز وجل. وقال الحليمي رحمه الله : وهذا الاسم يحتمل معنيين: أحدهما : الموجد لما كان في معلومه من أصناف الخلائق. وهذا هو الذي يشير إليه عز وجل : مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا (الحديد: من الآية22) ولاشك أن إثبات الإبداع والاعتراف به للباري عز وجل ليس يكون على أنه أبدع بغتة من غير علم سبق له بما هو مبدعه، لكن على أنه كان عالماً بما أبدع قبل أن يبدع، فكما وجب له عند الإبداع اسم البديع، وجب له اسم (البارئ). والآخر : أن المراد بالبارئ قال الأعيان، أي : أنه أبدع الماء والتراب والنار والهواء لا من شيء، ثم خلق منها الأجسام المختلفة. كما قال عز وجل : وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ (الأنبياء: من الآية30) ، وقال : إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ ( ويمكن أن نخلص القول في معنى (البارئ) على وجوه :
1-أن (البارئ) هو الموحد والمبدع، من برأ الله الخلق إذا خلقهم، وبهذا يكون الاسم مشابهاً ومرادفاً لـ (الخالق). 2-(البارئ) هو الذي فصل بعض الخلق عن بعض، أي : ميز بعضه عن بعض، وأن أصله من البرء الذي هو القطع والفصل. 3-أن (البارئ) يدل على أنه تعالى خلق الإنسان من التراب كما قال : مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ (طـه: من الآية55) ، وأن أصله من البرئ وهو التراب(. 4-وهناك معنى رابع ذكره الزمخشري فقال : (البارئ) هو الذي خلق الخلق بريئاً من التفاوت : مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (الملك: من الآية3)) أي : خلقهم خلقاً مستوياً ليس فيه اختلاف ولا تنافر ولا نقص ولا عيب ولا خلل، أبرياء من ذلك كله. |
02-01-08, 09:27 PM | #3 |
~صديقة الملتقى~
تاريخ التسجيل:
22-10-2007
المشاركات: 952
|
المصور
جلاله وتقدست أسماؤه المعنى اللغوي : الصور بالتحريك : الميل، ورجل أصور أي مائل، وصرت إلى الشيء وأصرته ـ بالتحريك ـ إذا أملته إليك. كقوله تعالى : فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ (البقرة: من الآية260) أي أملهن واجمعهن إليك، وتصورت الشيء توهمت صورته لي، والتصاوير : التماثيل، وصورة الأمر كذا وكذا أي صفته. وضربه فتصور أي سقط ورود الاسم بالكتاب العزيز : ورد الاسم مرة واحدة في قوله تعالى : هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ (الحشر: من الآية24) . وجاء بصيغة الفعل مرات كقوله تعالى : هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ (آل عمران: من الآية6). وقوله عز وجل : وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ (لأعراف: من الآية11) ، وقوله سبحانه : وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (التغابن: من الآية3) . المعنى في حق الله تعالى : قال ابن جرير : المصور خلقه كيف شاء وكيف يشاء. وقال في تفسير قوله تعالى : الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ (الانفطار:7-8) أي صرفك وأمالك إلى أي صورة شاء، إما إلى صورة حسنة وإما إلى صورة قبيحة أو إلى صورة بعض قراباته. وقال الزجاج : المصور هو مفعل من الصورة وهو تعالى مصور كل صورة لا على مثال احتذاء ولا رسم ارتسمه تعالى عن ذلك علواً كبيراً. وقال ابن كثير: في معنى قوله تعالى : الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ (الحشر: من الآية24) : أي الذي إذا أراد شيئاً قال له كن فيكون على الصفة التي يريد والصورة التي يختار كقوله تعالى : فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ (الانفطار:8) ولهذا قال المصور): أي الذي ينفذ ما يريد إيجاده على الصفة التي يريدها فقال : وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ (غافر: من الآية64) . وقال : التصور .. التخطيط والتشكيل، ثم قال : وخلق الله جل وعلا الإنسان في أرحام الأمهات ثلاث خلق : جعله علقة ثم مضغة ثم صورة وهو التشكيل الذي به يكون ذا صورة وهيئة يعرف بها ويتميز بها عن غيره بسماتها : فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (المؤمنون: من الآية14) وبهذا يكون معنى (المصور) : 1-أن (المصور) : هو الذي أمال خلقه وعدلهم إلى الأشكال والهيئات التي توافق تقديره وعلمه ورحمته والتي تتناسب مع مصالح الخلق ومنافعهم، وأن أصل (المصور) من الصور وهو الإمالة. 2-أن (المصور) هو الذي أنشأ خلقه على صور مختلفة، وهيئات متباينة، من الطول والقصر، والحسن والقبح، والذكورة والأنوثة، كل واحد بصورته الخاصة |
02-01-08, 09:27 PM | #4 |
~صديقة الملتقى~
تاريخ التسجيل:
22-10-2007
المشاركات: 952
|
آثار الإيمان بهذا الإيمان :
(الخالق ـ الخلاق ـ البارئ ـ المصور) : 1 (1)-أخبر تعالى عن نفسه أنه هو الخالق وحده وما سواه مخلوق، قال تعالى : قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (الرعد: من الآية16) وقال سبحانه : هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ (فاطر: من الآية3) . فكل ما سوى الله مخلوق محدث، كائن بعد أن لم يكن، وكل المخلوقات سبقها العدم كما قال عز وجل : هَلْ أَتَى عَلَى الإنسان حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً (الإنسان:1) . وهذا قول الرسل جميعاً وأتباعهم، وخالف في ذلك الفلاسفة القائلين بقدم العالم وأبديته وإن لم يكن معدوماً أصلاً، بل لم يزل ولا يزال، ولكن الكتاب يرد ذلك ويرفضه (2)-أن الله سبحانه لم يزل خالقاً كيف شاء ومتى شاء ولا يزال، لقوله سبحانه : كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ (آل عمران: من الآية47) . وقوله : وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ (القصص: من الآية68) ، وقوله سبحانه: ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ * فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (البروج:15-16). وليس بعد خلق الخلق استفاد اسم (الخالق)، ولا بإحداثه البرية استفاد اسم (الباري)، وذلك من كماله، ولا يجوز أن يكون فاقداً لهذا الكمال، أو معطلاً عنه في وقت من الأوقات، قال تعالى : أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (النحل:17) (3)-إن الله تعالى ذكره خالق كل شيء. قال تعالى : ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (غافر:62). ومن جملة مخلوقاته العباد وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، ولا يدل هذا على أن العبد ليس بفاعل على الحقيقة ولا مريد ولا مختار، بل هو فاعل لفعله حقيقة، وأن إضافة الفعل إليه إضافة حق، وأنه يستوجب عليه المدح والذم والثواب والعقاب، ولكن لا يدل هذا أنه واقع بغير مشيئة الله وقدرته. والدليل على أن أفعال العباد مخلوقة قوله تعالى : وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (الصافات:96) فأفعالهم لله تعالى خلق ولهم كسب، ولا ينسب شيء من الخلق لغير الله تعالى، فيكون شريكاً ونداً مساوياً له في نسبة الفعل إليه، وقد نهى الله سبحانه عن ذلك بقوله : فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (البقرة: من الآية22) ، وقد وقع في ذلك القدرية نفاة القدر، الذين جعلوا العباد خالقين مع الله تعالى، ولهذا كانوا "مجوس هذه الأمة" بل أردأ من المجوس من حيث إن المجوس أثبتوا خالقين، خالقاً للخير وخالقاً للشر، وأما هؤلاء فقد أشركوا جميع العباد فى الخلق فقالوا هم يخلقون أفعالهم، وخالفوا بذلك الكتاب والسنة وأهل الحق (4)-خلق الله عظيم محكم فلا يستطيع مخلوق أن يخلق مثله، فضلاً عن أن يخلق أفضل منه، قال سبحانه وتعالى : هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (لقمان:11) ، وفي الآية تحدٍ لجميع الخلق من الجن والإنس وغيرهم. وقد أثبت الله عجزهم عن خلق خلقٍ ضعيف حقير كالذباب مثلاً ولو اجتمعوا على ذلك وتعاونوا عليه، قال عز وجل : يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ * مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (الحج:73-74). 0(5) 5-ولذلك حرم الله على عباده أن يصوروا الصور ذات الأرواح لما فيها من مضاهاة لخلق الله، أي تشبيه ما يصنعونه ويصورونه من الصور بما يصنعه ويصوره الله كما جاء في رواية مسلم : "الذين يشبهون بخلق الله وقد وردت أحاديث كثيرة في توعد المصورين بأشد العذاب كقوله : "إن أشد الناس عذاباً عند الله يوم القيامة المصورون" وقوله : "إن الذين يصنعون هذه الصور يعذبون يوم القيامة يقال لهم أحيوا ما خلقتم"، وهو أمر تعجيز ويستفاد منه صفة تعذيب المصور وهو أن يكلف نفخ الروح في الصورة التي صورها وهو لا يقدر على ذلك فيستمر تعذيبه. قاله الحافظ( وجاء في الحديث القدسي قوله تعالى : (ومن أظلم ممن ذهب ـ أي قصد ـ يخلق خلقاً كخلقي فليخلقوا ذرة أو ليخلقوا حبة أو ليخلقوا شعيرة) فتحداهم الخالق سبحانه وتعالى بأن يخلقوا ذرة وهي النملة الصغيرة، ثم زاد في التحدي بأن طلب منهم أن يخلقوا حبة أو شعيرة وهو من الجماد الذي لا حركة فيه نسبياً إذا ما قيس بالنسبة للنمل الذي يتحرك. وقد قسم النووي رحمه الله المصورين إلى ثلاثة أقسام : أ-من فعل الصورة لتعبد وهو صانع الأصنام ونحوها فهذا كافر وهو أشدهم عذاباً. ب-من فعل الصورة وقصد مضاهاة خلق الله تعالى واعتقد ذلك، فهذا كافر له من أشد العذاب ما للكفار ويزيد عذابه قبح كفره. ج-من لم يقصد بالصورة العبادة ولا المضاهاة فهو فاسق صاحب ذنب كبير ولا يكفر كسائر المعاصي. (6)-وجود هذا الخلق العظيم المحيط بنا من كل ناحية دليل على قدرة الخالق وعلى عظمته وكماله، فالإنسان يعجز في كثير من الأحيان عن معرفة جوانب كثيرة من الأرض التي يعيش عليها، مع أنها صغيرة جداً إذا ما قيست بالنسبة لبقية الكون الفسيح المليء بملايين النجوم المضيئة والشموس والأقمار والتي يعجز عن حصرها أو عدها، وهذا كله في السماء الدنيا، التي فوقها ست سماوات طباق، بعضها فوق بعض وفوقهن جميعاً الكرسي، ومن عظمة خلق هذا الكرسي واتساعه أنه يستوعب السماوات السبع والأرض جميعاً، قال تعالى : وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ (البقرة: من الآية255) والعرش أعظم من ذلك والخالق سبحانه فوق العرش، وهو جلت عظمته أكبر من كل شيء وأعظم. وبذلك تعلم أن خلق الإنسان ضعيف جداً، إذا ما قرون بالسماوات السبع والكرسي والعرش كما قال تعالى : لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (غافر:57) ، وقال تعالى : أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا * وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (النازعـات:27-29) . (7)-وأخيراً يجب أن نعلم أن الله سبحانه وتعالى ما خلق هذا الخلق العظيم لهواً ولعباً، ولا خلقه عبثاً وإنما خلقه لغاية عظيمة. قال تعالى : أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (المؤمنون:115-116) أي : أفظننتم أنكم مخلوقون عبثاً بلا قصد ولا حكمة لنا فيكم، فتعالى الله أي تقدس وتنزه عن ذلك، ثم ذكر العرش لأنه سقف جميع المخلوقات وقال عز وجل : وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ * لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ * بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ (الأنبياء:16-18) . قال ابن كثير : يخبر الله تعالى أنه خلق السموات والأرض بالحق ـ أي بالعدل ـ ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى وأنه لم يخلق ذلك عبثاً ولا لعباً وأبان تعالى عن هذه الغاية العظيمة بقوله : وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (الذاريات:56-57). |
02-01-08, 09:28 PM | #5 |
~صديقة الملتقى~
تاريخ التسجيل:
22-10-2007
المشاركات: 952
|
الرازق ــ الرزاق
جل جلاله وتقدست أسماؤه المعنى اللغوي : الرزق ما ينتفع به، يقال : رزق الخلق رزقاً ورزقاً، فالرزق بفتح الراء هو المصدر الحقيقي، والرزق بكسر الراء الاسم ويجوز أن يوضع موضع المصدر، والجمع أرزاق، والرزاق من أبنية المبالغة ورود الاسمين في القرآن الكريم : ورد الاسم مفرداً مرة واحدة في قوله تعالى : إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (الذاريات:58) . وورد بصيغة الجمع خمس مرات منها قوله تعالى : وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (المائدة: من الآية114) ، وقوله تعالى : وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (الجمعة: من الآية11) وقوله سبحانه : وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (سـبأ: من الآية39). معنى الاسمين في حق الله تعالى : قال ابن جرير : هو الرازق خلقه المتكفل بأقواتهم قال الخطابي : هو المتكفل بالرزق والقائم على كل نفس بما يقيمها من قوتها وسع الخلق كلهم رزقه ورحمته، فلم يختص بذلك مؤمناً دون كافر، ولا ولياً دون عدو، يسوقه إلى الضعيف الذي لا حيل له، ولا متكسب فيه، كما يسوقه إلى الجلد القوي ذي المرة السوي، قال سبحانه : وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (العنكبوت:60) . وقوله تعالى : وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا (هود: من الآية6) ( وقال الحليمي في معنى : (الرازق) : المفيض على عباده ما لم يجعل لأبدانهم قواماً إلا به، والمنعم عليهم بإيصال حاجتهم من ذلك إليهم، لئلا تتنغص عليهم لذة الحياة بتأخره عنهم ولا يفقدوها أصلاً لفقدهم إياه. وقال في معنى (الرازق) : وهو الرازق رزقاً بعد رزق، والمكثر الموسع له قال ابن الأثير : (الرزاق) : وهو الذي خلق الأرزاق وأعطى الخلائق أرزاقها وأوصلها إليهم). وقال السعدي : (الرزاق) لجميع عباده فما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها، ورزقه لعباده نوعان : 1-رزق عام شمل البر والفاجر، والأولين والآخرين وهو رزق الأبدان. 2-ورزق خاص وهو رزق القلوب، وتغذيتها بالعلم والإيمان. والرزق الحلال الذي يعين على صلاح الدين، وهذا خاص بالمؤمنين على مراتبهم منه بحسب ما تقتضيه حكمته ورحمته |
02-01-08, 09:29 PM | #6 |
~صديقة الملتقى~
تاريخ التسجيل:
22-10-2007
المشاركات: 952
|
آثار الإيمان بهذين الاسمين : 1-إن المتفرد بالرزق هو الله وحده لا شريك له، وقال عز وجل : يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (فاطر:3) . وقال سبحانه : قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (سـبأ:24) ينبه الله عباده إلى الاستدلال على توحيده وإفراده بالعبادة، أنه سبحانه هو المستقل بالخلق والرزق لا يشاركه أحد في ذلك، وإذا كان كذلك، فليفرد بالعبادة ولا يشرك به غيره من الأصنام والأنداد، ولهذا قال تعالى بعد ذلك : لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ أي : كيف تصرفون بعد هذا البيان عن عبادة الله وحده. 2-إن الله عز وجل متكفل برزق من في السماوات والأرض، قال سبحانه : وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا (هود: من الآية6). وقال تعالى : وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ (العنكبوت: من الآية60) ، قال ابن كثير أي : لا تطيق جمعه ولا تحصيله، ولا تدخر شيئاً لغد، اللَّهُ يَرْزُقُهَا أي : يقيض لها رزقها على ضعفها وييسره عليها، فيبعث إلى كل مخلوق من الرزق ما يصلحه حتى الذر قرار الأرض والطير في الهواء، والحيتان في الماء( ). 3-قال القرطبي : والفرق بين القوت والرزق: أن القوت ما به قوام البنية مما يؤكل ويقع به الاغتذاء. والرزق كل ما يدخل تحت ملك العبد : مما يؤكل ومما لا يؤكل، وهو مراتب أعلاها ما يغذي. وقد حصر رسول الله وجوه الانتفاع في الرزق في قوله : (يقول ابن آدم مالي مالي !! وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت، وما سوى ذاك فذاهب وتاركه للناس) مسلم(2959) 4-وكل ذلك بلا ثقل ولا كلفة ولا مشقة، قال الطحاوي رحمه الله : (رازق بلا مؤنة) بل لو سألوه جميعاً فأعطاهم لم ينقص ذلك من ملكه شيئاً، كما جاء في قوله تعالى في الحديث القدسي : (يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد، فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر) (. ( مسلم (2577) 5-إن الله سبحانه لم يختص برزقه من آمن في الحياة الدنيا، وإنما كان الرزق في الدنيا للجميع، للمؤمنين والكافرين، وهذا من عظيم لطفه سبحانه كما قال : اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (الشورى:19) .
وعن أبي موسى الأشعري قال قال النبي : (ما أحد أصبر على أذى سمعه من الله، يدعون له الولد ، ثم يعافيهم ويرزقهم) (البخاري 6099 ) ومعناه : أن الله سبحانه واسع الحلم حتى مع الكافر الذي ينسب له الولد فهو يعافيه ويرزقه. 6-إن الله سبحانه متحكم في أرزاق عباده فيجعل من يشاء غنياً كثير الزرق، ويقتر على آخرين، وله في ذلك حكم بالغة. قال تعالى : وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ (النحل: من الآية71) . وقال سبحانه : إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (الإسراء:30). قال ابن كثير أي : خبير بصير بمن يستحق الفقر(فمن العباد من لا يصلح حاله إلى بالغنى فإن أصابه الفقر فسد حاله ، ومنهم العكس. وقال ابن كثير في معنى قوله تعالى : وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ (الشورى:من الآية 27) : ولو أعطاهم فوق حاجتهم من الرزق لحملهم على البغي والطغيان من بعضهم على بعض أشراً وبطراً، ثم قال تعالى : وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (الشورى:من الآية 27) وهكذا كقوله سبحانه : وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (الحجر:21). [u]7-كثرة الرزق في الدنيا لا تدل على محبة الله تعالى، ولكن الكفار لجهلهم ظنوا ذلك، وقد قال تعالى عنهم : [/ U]وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ * قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ * وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ (سـبأ: 35-37) . فظن الكفار والمترفون أن كثرة الأموال والأولاد دليل على محبة الله لهم واعتنائه بهم، وأنه ما كان ليعطيهم هذا في الدنيا ثم يعذبهم في الآخرة، وقد رد الله هذا بقوله : أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ (المؤمنون:55-56) . ثم قال تعالى : وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى أي : ليست كثرة الأموال والأولاد هي التي تقرب من الله أو تبعد، إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً أي : إنما يقرب من الله الإيمان به، وعمل البر والصالحات . وهذا كقوله : (إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم) وفي رواية : (ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم). مسلم (2564) وبين الله تعالى أنهم يرضون بالحياة الدنيا وأرزاقها ويطمئنون إليها ويفرحون بها لأنهم لا يرجون بعثاً ولا حساباً، غافلين عن الآخرة وأهوالها. قال سبحانه : إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (يونس:7-8) ، وقال سبحانه : اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ (الرعد:26) ولم يعلموا أن الدنيا عند الله لا تزن شيئاً كما جاء في حديث سهل ابن سعد قال : قال رسول الله : (لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء). ولذلك فإن الله يعطيها لمن يحب ولمن لا يحب فليس كثرة الرزق دليلاً على الكرامة ولا قلته دليلاً على الإهانة : فَأَمَّا الإنسان إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (الفجر:15-16). |
02-01-08, 09:31 PM | #7 |
~صديقة الملتقى~
تاريخ التسجيل:
22-10-2007
المشاركات: 952
|
8-إن تقوى الله وطاعته سبب عظيم للرزق والبركة فيه
. قال سبحانه عن أهل الكتاب : وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ والإنجيل وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ (المائدة: من الآية66) . وقال تعالى : وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ (لأعراف: من الآية96) . وقال جل شأنه : وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ (الطلاق: من الآية2 ، من الآية3) أي : من جهة لا تخطر بباله ، وقال سبحانه : وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً (الجـن:16) ، وتأذن بالزيادة لمن شكر : وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ (إبراهيم: من الآية7) . 9-والعكس صحيح أيضاً فإن المعصية تنقص الرزق والبركة، لأن ما عند الله لا ينال إلا بطاعته،. قال سبحانه : ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (الروم:41) ، قيل : الفساد في البر القحط وقلة النبات وذهاب البركة، والفساد في البحر انقطاع صيده بذنوب بني آدم. وقيل : هو كساد الأسعار وقلة المعاش. 10-أعظم رزق يرزق الله به عباده هو الجنة التي أعدها الله لعباده الصالحين وخلق فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وكل رزق يعد الله به عباده الصالحين في القرآن فغالباً ما يراد به الجنة: كقوله تعالى : لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (سـبأ:4) ،. وقوله تعالى : وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقاً حَسَناً وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (الحج:58) . وقوله سبحانه وتعالى : وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقاً (الطلاق: من الآية11) ، فهو أحسن الرزق وأكمله وأفضله وأكرمه، لا ينقطع ولا يزول : إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ (صّ:54) . الله ارزقنا جنتك ورضوانك وأنت خير الرازقين |
02-01-08, 09:37 PM | #8 |
~صديقة الملتقى~
تاريخ التسجيل:
22-10-2007
المشاركات: 952
|
الغافر ــ الغفور ــ الغفار
جل جلاله وتقدست أسماؤه المعنى اللغوي : أصل الغفر التغطية والستر، غفر الله له ذنوبه أي : سترها، وكذا غفر الشيب بالخضاب وأغفره أي : ستره، والمغفرة : التغطية. ورود الأسماء في القرآن الكريم : سمى الله نفسه بالغفور: في إحدى وتسعين آية. وأما اسمه (الغفار): فقد جاء في حمس آيات. فعلم أن ورود (الغفور) في القرآن الكريم أكثر بكثير من (الغفار) و (الغفار) أبلغ من (الغفور) وكلاهما من أبنية المبالغة. وقال سبحانه : نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (الحجر:49) وقوله سبحانه : فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً (نوح:10) معنى الاسم في حق الله تعالى :قال الزجاج : ومعنى الغفر في حق الله سبحانه هو الذي يستر ذنوب عباده ويغطيهم بستره وقال الخطابي : فالغفار الستار لذنوب عباده، والمسدل عليهم ثوب عطفه ورأفته، ومعنى الستر في هذا : أنه لا يكشف أمر العبد لخلقه ولا يهتك ستره بالعقوبة التي تشهره في عيونهم وقال الحليمي : (الغافر) هو الذي يستر على المذنب، ولا يؤاخذه فيشهره ويفضحه. (الغافر) : وهو المبالغ في الستر، فلا يشهر المذنب لا في الدنيا ولا في الآخرة. (الغفور) : وهو الذي يكثر منه الستر على المذنبين من عباده، ويزيد عفوه على مؤاخذته وقال السعدي : (العفور ـ الغفور ـ الغفار) : الذي لم يزل ولا يزال بالعفو معروفاً، وبالغفران والصفح عن عباده موصوفاً، كل أحد مضطر إلى عفوه ومغفرته، كما هو مضطر إلى رحمته وكرمه، وقد وعد بالمغفرة والعفو لمن أتى بأسبابها، قال تعالى : وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى (طـه:82). آثار الإيمان بهذه الأسماء : 1-وصف الله سبحانه وتعالى نفسه بأنه غفار للذنوب والخطايا والسيئات لصغيرها وكبيرها، وحتى الشرك إذا تاب منه الإنسان واستغفر ربه، قبل الله توبته وغفر له ذنبه. قال تعالى : قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (الزمر:53) . وقال تعالى : وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً (النساء:110) . فمهما عظمت ذنوب هذا الإنسان فإن مغفرة الله ورحمته أعظم من ذنوبه التي ارتكبها. قال تعالى : إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ (النجم: من الآية32) . وقد تكفل الله سبحانه بالمغفرة من تاب وآمن، قال تعالى : وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى (طـه:82). بل من فضله وجوده وكرمه أن تعهد بأن يبدلا سيئات المذنبين إلى حسنات، قال تعالى عن التائبين : فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (الفرقان: من الآية70) . 2-ولكن لا يجوز للمسلم أن يسرف في الخطايا والمعاصي والفواحش بحجة أن الله غفور رحيم، فالمغفرة إنما تكون للتائبين الأوابين. قال تعالى : إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً (الإسراء: من الآية25) . وقال سبحانه : إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (النمل:11) . فاشترط تبدل الحال من عمل المعاصي والسيئات إلى عمل الصالحات والحسنات لكي تتحقق المغفرة والرحمة,. وقوله تعالى : إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ (النساء: من الآية48 ، 116) يبين أن المقيم على الشرك حتى الوفاة لا غفران له لأنه لم يبدل حسناً بعد سوء، وكذا قوله تعالى عن المنافقين : سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ (المنافقون: من الآية6) لأنهم لم يخلصوا دينهم لله ولم يصلحوا من أحوالهم. وأما إذا حصل ذلك فإن المغفرة تحصل لهم مع المؤمنين. قال تعالى : إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً (النساء:146) . فلابد من الأخذ بالأسباب المؤدية إلى المغفرة، وأما إن مات وهو مقيم على الكبائر من غير أن يتوب فإن مذهب أهل السنة والجماعة أنه ليس له عهد عند الله بالمغفرة والرحمة، بل إن شاء غفر له وعفا عنه بفضله. كما قال عز وجل : وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ (النساء: من الآية48 ، 116) ، وإن شاء عذبه في النار بعدله، ثم يخرجه منها برحمته وشفاعة الشافعين من أهل طاعته، ثم يدخله الجنة، وذلك للموحدين خاصة. 3-اتصاف الله سبحانه وتعالى بأنه (غفار) للذنوب والسيئات، فضل من الله ورحمة عظيمة للعباد، لأنه غني عن العالمين، لا ينتفع بالمغفرة لهم، لأنه سبحانه لا يضره كفرهم أصلاً، ولا يغفر لهم خوفاً منهم أيضاً، لأنه قوي عزيز، قد قهر كل شيء وغلبه ولا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وقد نبه الله عباده إلى هذا الأمر في القرآن الكريم عدة مرات، باقتران اسمه (الغفور) مع (العزيز) كقوله تعالى : إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (فاطر: من الآية28) . وقوله تعالى : خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمّىً أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (الزمر:5) ، فمع عزته وقهره إلا إنه غفور رحيم. الفرق بين العفو والغفران : قال بعض العلماء : إن الغفران ستر لا يقع معه عقاب. والعفو :إنما يكون بعد وجود عذاب وعتاب |
02-01-08, 09:40 PM | #9 |
~صديقة الملتقى~
تاريخ التسجيل:
22-10-2007
المشاركات: 952
|
يتبع بأذن الله,,,,
|
03-01-08, 07:19 PM | #10 |
~صديقة الملتقى~
تاريخ التسجيل:
22-10-2007
المشاركات: 952
|
القاهر ــ القهار
جل جلاله وتقدست أسماؤه المعنى اللغوي : القهر الغلبة والأخذ من فوق، وقهر يقهره قهراً : غلبه، وتقول أخذتهم قهراً، أي: من غير رضاهم، وأقهر الرجال : صار أصحابه مقهورين وقال الزجاج : القهر في وضع العربية : الرياضة والتذليل، يقال : قهر فلان الناقة: إذا راضها وذللها وروده في القرآن العظيم : (القهار) فعال، مبالغة من (القاهر) فيقتضي تكثير القهر، وقد ورد الاسم (القاهر) في الكتاب العزيز مرتين : 1-في قوله تعالى : وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (الأنعام:18) 2- قوله تعالى : وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً (الأنعام: من الآية61). و (القهار) ورد ست مرات: منها1- قوله تعالى : قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (الرعد: من الآية16) 2- وقوله تعالى " لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (غافر: من الآية16) . معنى الاسمين في حق الله تعالى : قال ابن جرير : (القاهر) المذلل المستعبد خلقه العالي عليهم، وإنما قال فوق عباده لأنه وصف نفسه تعالى بقهره إياهم ومن صفة كل قاهر شيئاً أن يكون مستعليا عليه، فمعنى الكلام إذاً : والله الغالب عباده المذلل لهم، العالي عليهم بتذليله لهم وخلقه إياهم، فهو فوقهم بقهره إياهم وهم دونه وقال ابن كثير : وهو (القاهر) فوق عباده أي : هو الذي خضعت له الرقاب، وذلت له الجبابرة، وعنت له الوجوه، وقهر كل شيء، ودانت له الخلائق وتواضعت لعظمة جلاله وكبريائه وعظمته وعلوه وقدرته على الأشياء، واستكانت وتضاءلت بين يديه وتحت قهره وحكمه وقال الخطابي : (القهار) : هو الذي قهر الجبابرة من عتاة خلقه بالعقوبة وقهر الخلق كلهم بالموت وقال الزجاج : والله تعالى قهر المعاندين بما أقام من الآيات والدلالات على وحدانيته وقهر جبابرة خلقه بعز سلطانه وقهر الخلق كلهم بالموت وقال الحليمي : (قاهر) معناه : إنه يدبر خلقه خلقه بما يريد، فيقع في ذلك ما يشق ويثقل ويغم ويحزن، ويكون منه سلب الحياة أو نقص الجوارح، فلا يستطيع أحد رد تدبيره، والخروج من تقديره. وقيل في (القهار) : أن يقهر ولا يقهر بحال آثار الإيمان بهذين الاسمين : 1-إن القهار على الحقيقة هو الله وحده سبحانه، هو قهر وغلب عباده أجمعين، حتى إن أعتى الخلق يتضاءل ويتلاشى أمام قهر الله وجبروته، فها هو الموت الذي كتبه على عباده، لا يستطيع الخلق رده أو دفعه عن أنفسهم، ولو أوتوا من القوة والجبروت ما أوتوا، وقد ذكر الله الموت قريباً من وصفه بـ (القاهر) ليذكرهم بشيء قد قهرهم به أجمعين وذلك في قوله : وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ * ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ (الأنعام:61-62). ومما قهرهم به أيضاً : الأمراض والمصائب والنكبات التي لا يملكون ردها عن أنفسهم. وما أحسن قول من قال : القهار الذي طاحت عند صولته صولة المخلوقين، وبادت عند سطوته قوى الخلائق أجمعين، قال تعالى : لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (غافر: من الآية16) فأين الجبابرة والأكاسرة ؟ عند ظهور هذا الخطاب وأين الأنبياء والمرسلون، والملائكة المقربون في هذا العتاب، وأين أهل الضلال والإلحاد، والتوحيد والإرشاد، وأين آدم وذريته، وأين إبليس وشيعته، وكأنهم بادوا وانقضوا زهقت النفوس، وتبددت الأرواح وتلفت الأجسام والأشباح، وتفرقت الأوصال، وبقي الموجود الذي لم يزل ولا يزال 2-وأما صفة القهر في الخلق، فغالباً ما تكون مذمومة لقيامها على الظلم والطغيان، والتسلط على الضعفاء والفقراء كما قال فرعون لعنه الله : سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ (الأعراف: من الآية127) ، وقال تعالى : فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ (الضحى:9) أي : لا تسلط عليه بالظلم وادفع إليه حقه، وخص اليتيم لأنه لا ناصر له غير الله تعالى :، فغلظ في أمره بتغليظ العقوبة على ظالمه، وقوله : وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ (الضحى:10) أي لا تزجره ولا تغلظ له القول. وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (الضحى:11) قال القرطبي : وهذه هي النعمة العظمى، وهي ما من الله عليه من الرسالة والنبوة والخلة والمحبة والعلم والحكمة، فأوجب عليه أن يظهر ذلك ويشيعه ويحدث به، ويعلم الجاهل غير ممتن عليه ولا متطاول ولا قاهر له. وكذلك قال معاوية بن الحكم السلمي : "فبأبي هو وأمي، ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه، فوالله ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني" الحديث أخرجه مسلم وقرئ فلا تقهر بالكاف وهي قراءة عبد الله بن مسعود، قال الكسائي : كهره وقهره بمعنى. 3-قوله تعالى : وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ (الأنعام: من الآية61) يستفاد منه صفة العلو لله سبحانه على عباده، سواء علو المكانة والرتبة، أو علو المكان والجهة، وقد تضافرت أدلة الكتاب والسنة عليه ـ أي الثاني ـ كقوله تعالى : الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (طـه:5) وقوله : أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ (الملك: من الآية16) 4-أنه سبحانه هو الذي قهر الخلق جميعاً على ما أراد. 5-إن الله هو القهار المستحق للعبادة والألوهية، وما سواه من الألهة فإنما هي مخلوقات عاجزة مقهورة، لا تملك أن ترد الضر عن نفسها فكيف تقهر غيرها، وبهذا جادل نبي الله يوسف عليه السلام صاحبه في السجن فقال : يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (يوسف:39) فبين لهم أن آلهتهم متعددة متفرقة، والعابد لها متحير أيها يرضي، وأيها مسخرة ومقهورة لله وفي قبضته، وليس لها من الألوهية إلا الاسم الذي أعطى لها زوراً وبهتاناً دون حجة ولا برهان : مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ (يوسف: من الآية40). |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
(View-All) Members who have read this thread in the last 30 days : 0 | |
There are no names to display. |
|
|