|
|
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع | انواع عرض الموضوع |
04-08-10, 09:47 PM | #11 |
جُهدٌ لا يُنسى
|
الحــــــــــــــــزن
بسمالله الرحمن الرحيم قــلـــوب الصـــائــميـــن لفضيلة الشيخ سعد ابن ناصر الشثري الحــــــــــــــــزن الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله .. أما بعد...فإن من الأمور التي ترد إلى القلوب ..الحزن ، والحزن هو ألم القلب لوقوع مكروه ، أو فوات محبوب في الماضي ، والحزن لا يجلب منفعة ولا يدفع مضرة ، فلا فائدة فيه .. وإذا لم يقترن بالحزن محرم ، فإنه يُعفى عنه لقول النبي صلّى الله وسلم : [ إنّ الله لا يؤاخذ على دمع العين ولا حزن القلب ، ولكن يؤاخذ على هذا أو يرحم ] وأشار إلى لسانه صلّى الله عليه وسلم . وقد نهى الله المؤمنين عن الحزن ، فقال سبحانه ) ولا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوَنَ إنْ كُنتم مُؤمِنِين ( أي لا تضعف أبدانكم ولا تحزن قلوبكم بسبب ما أصابكم من المصائب ، فإن الحزن زيادة مصيبة .. وسببٌ لاستظهار عدوكم عليكم ، بل تشجعوا واطردوا عن قلوبكم الحزن ، إذ لا يليق بالمؤمن الحزن ، إذ أن المؤمن هو الأعلى الذي يرجو نصر ربه في الدنيا ، وهو الذي يؤمل رفعة الدرجة في الآخرة ، وقد قال النبي صلّى الله عليه وسلم لأبي بكر الصدّيق : [لا تحزن إنّ الله معنا ] لما كانوا في الغار في ليلة الهجرة .. إن الشيطان يحرص على إيقاع الأحزان في قلوب أهل الإيمان ، كما ورد في الحديث ( لو، تفتح عمل الشيطان ) أي تفتح الحزن والجزع ،وهذا يضر ولا ينفع ، قال الله تعالى ) إنّمَا النّجْوَى مِنَ الشَيطَانِ لِيَحزَُنَ الّذِينَ آمَنُوا وَلَيسَ بِضَارِّهِم شَيئَاً الا بإذنِ اللهِ وَعَلَى اللهِ فَليَتَوكّل ِالمُؤمِنُون (. ومن الرؤيا المنامية ما يكون تحزيناً من الشيطان كما ورد ذلك في الصحيحين . والنهي عن الحزن .. لأن الحزن يُضعف القلب ، ويوهِن العزم ، ويضرّ بالإرادة . فالحزن مرض للقلب يمنعه من القيام ببعض وظائفه ، وإن كان الحزن ليس من اختيار العبد ، وإنما يقع في قلبه في أحيان كثيرة بدون أن يقصده ، وإنما المراد أن يحاول العبد رفع الحزن الحاصل في قلبه . والحزن نوع من أنواع المصائب التي يكفّر الله بها الذنوب ، كما قال النبي صلّى الله عليه وسلم : [ ما يصيب المسلم من نصب "أي تعب " ، أو وصب "أي مرض" ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم ،حتى الشوكة يشاكها الا كفّر الله بها من خطاياه .] متفق عليه ، وعلى العبد إذا وقع الحزن في قلبه أن يتجنب التسخّط من أقدار الله . إن المؤمن حريص على إبعاد الحزن عن قلبه ، ولذلك كان من دعاء النبي صلّى الله عليه وسلم :[ اللهم إنّي أعوذ بك من الهم والحزن ] ، وفي الحديث :[ التلبينة تجمّ فؤاد المريض وتذهب ببعض الحزن ] والتلبينة هي الحساء أو الشوربة من البرّ أو الشعير وربما وضع معهما شيء من العسل أو اللبن . والحزن فد يعرض لبعض عباد الله الصالحين ، كما قال تعالى ) حَزَنَاً ألاّ يَجدُوا مَا يُنفِقُون ( ولما جاء خبر موت أهل مؤتة ،جلس النبي صلّى الله عليه وسلم يُعرف فيه الحزن ، وقال صلّى الله عليه وسلم :[ إنّا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون] . و الأولى بالعبد أن يسعى جهده في إزالة الحزن عنه ، فإن الحزن مضعف للقلب ، موهن للعزيمة ،لا يردّ من قضاء الله شيئا . وإذا أصاب الحزن قلب المؤمن .. شكاه إلى ربه القادر على كل شيء ، كما قال تعالى عن يعقوب عليه السلام ) إنّمَا أَشكُوا بَثي وَحُزنِي إلى اللهِ وَاعلَمُ مِنَ اللهِ مَا لا تَعلَمُون ( . ويمتنّ الله تعالى على بعض عباده بإبعاد الحزن عنهم ؛ كما قال سبحانه ) الا إنَّ أولِيَاءَ اللهِ لا خَوفٌ عَلَيهِم وَلاَ هُم يَحزَنُون الّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتقون لَهُمُ البُشرَى في الحَيَاةِ الدُنيَا وَفي الآخرة ( ، فالإيمان والتقوى من أسباب إبعاد الأحزان عن القلوب .. ومن طرق إبعاد الحزن عن القلب إتباع هدي الله الوارد في كتابه ، كما قال سبحانه ) فَمَن اتّبَعَ هُدَاي فَلا خَوفٌ عَلَيهم وَلا هُم يَحزَنُون (. إنّ الدار الخالية من الأحزان هي الجنّة ..كما قال تعالى ) الأخلاءُ يَومَئذٍ بَعْضُهم لِبعض ٍعَدو الا المُتّقِين يَا عِبَادي لا خَوفٌ عَلَيكُم اليَومَ ولا أنتم تَحْزَنُون ( ، وقال تعالى عن أهل الجنّة ) وَقَالُوا الحَمدُ للهِ الّذِي اَذهَبَ عَنّا الحَزَن إنّ رَبّنَا لَغَفُورٌ شَكُور(، وقال ) إنَّ الّذِينَ قَالُوا رَبُنَا الله ثُمّ استَقَاموا تتنزّلُ عَلَيهِمُ المَلائِكَة الا تَخَافُوا ولا تَحزَنُوا وابشِرُوا بِالجَنّةِ الّتِي كُنتم تُوعَدون(.. ومن هنا جاءت الشريعة بالنهي عن الحزن الذي قد يعتري بعض قلوب المؤمنين ، من أجل صدود غير المؤمنين عن دعوة الإسلام ، أو افتراءهم الكذب على المسلمين ، كما قال تعالى) قَد نَعلمُ إنّهُ لَيَحزُنُكَ الّذي يَقُولُون فَإنَهم لا يُكَذِبُونَك وَلَكنَّ الظَالِمِينَ بِآيَاتِ اللهِ يَجحَدُوُن ( وقال ) ولا يَحزَنُكَ قَولُهم إنَّ العِزّةَ للهِ جَمِيعَاً هُوَ السَمِيعُ العَلِيم ( وقال ) يَا أيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحزَنُكَ الّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الكُفرِ مِنَ الّذِينَ قَالُوا آمَنّا بِأفوَاهِهِم وَلَم تُؤمِن قُلُوبَهم ( وقال ) واصّبِر وَمَا صَبرُكَ الا باللهِ ولا تَحزَن عَلَيهِم وَلاَ تَكُ في ضَيق ٍمِمّا يَمكُرُون ( وقال ) ومَنْ كَفَرَ فَلا يَحزُنُكَ كُفرُه إليَنَا مَرجِعَهم فَنُنَبِئَهُم بِمَا عَمِلُوا إنّ اللهَ عليمٌ بِذاتِ الصُدُور( ، وقال ) فَلا يَحزُنُكَ قَولُهم إنَّا نَعلَمُ مَا يُسِرّونَ وَمَا يُعلِنُون( وقال ) قُل سِيرُوا فِي الأرضِ فَا انظُرُوا كَيفَ كَانَ عَاقِبَةُ المُجرِمِين ولا تَحزَن عَلَيهم وَلا تَكُ في ضَيق ٍمِمّا يَمكُرُون ( وقال ) فَلا تَذهَب نَفسُكَ عَلَيهِم حَسَرَات( وقال ) لَعَلّكَ بَاخِعٌ نَفسَكَ الا يَكُونُوا مُؤمِنِين(. إنّ المؤمنين لا يحزنون إذا حصل انتصار مؤقت لأعدائهم عليهم ، فإن الآخرة خالصة لهم ، وإنّ العاقبة الحميدة في الدنيا تكون لهم ، وما حصل ذلك الانتصار لأعداء الإسلام ، الا لينقّي الله المؤمنين ويُصَفّيهم ، كما قال تعالى ) ولا تَهِنُوا وَلاَ تَحزَنُوا وَأنْثُمُ الأعَلَونَ إن كُنتم مُؤمِنِين* إن يَمسَسكُم قَرحٌ فَقد مَسّ القَومَ قَرحٌ مِثلُه وتِلكَ الأيامُ نُدَاوِلُها بَينَ النّاسِ وَلِيَعلَمَ اللهُ الذين آمَنُوا وَيَتّخِذَ مِنكُم شُهَداء واللهُ لا يُحبُ الظَالِمِين* ولِيُمَحِّصَ اللهُ الّذينَ آمَنُوا وَيَمحَقَ الكَافِرين* أم حَسِبتُم أنْ تَدخُلُوا الجَنَّة وَلَمّا يَعلَم ِاللهُ الّذينَ جَاهَدُوا مِنكُم ويَعلَمَ الصَّابِرِين ( . لم يرد في الشرع الأمر بالحزن المنافي لتمام الرضا أبداً ، إذ لا فائدة في الحزن ، بل قد يكون فيه مضرّة ، لكنه يُعفى عنه إذا لم يقترن به ما يكرهه الله ..وقد يقترن بالحزن ما يجعل صاحبه يثاب عليه ويحمد عليه ويكون محموداً من تلك الجهة، كمن يحزن على مصيبة في دينه ، أو يحزن بسبب المصائب التي تصيب إخوانه المسلمين .. فهنا يُثاب العبد على هذا الحزن لما فيه من محبة الخير للآخرين وبغض الشرّ لهم .. أسأل الله جلَّ وعلا أن يوفقنا وإياكم للخير ..أن يبعد عنا وعنكم الحزن ..هذا والله أعلم ..وصلّى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين |
04-08-10, 09:54 PM | #12 |
جُهدٌ لا يُنسى
|
بســم اللــه الــرحــمــن الــرحــيـم قــلــوب الصـائــميــن فــضــيلـة الشـيـخ سـعـد ابـن نـاصـر الشـثـري التـــفــاؤل الحمد لله فارج الكُرُبات ..وأشهد أن لا إله الا الله مجيب الدعوات ..وأشهد أن محمد عبده ورسوله عليه أتم التسليم وأفضل الصلوات ، أما بعد .. فإن من أعمال قلوب الصائمين ..التي يتقربون بها لله أن يتفاءلوا .. بحيث يتفاءل المرء بأن يغفر الله له في هذا الشهر الكريم ،شهر رمضان ، ويتفاءل بأن يستجاب له دعاءه ، ونتفاءل أيضا أن يمحّص الله ذنوبنا في شهر رمضان ،وأن يتقبل الله منا عباداتنا . تأميل الناس في فضل الله عز وجل: إذا أمّل الناس في فضل الله ، ورجوا إحسانه جلَّ وعلا عند كل سبب ضعيف أو قوي ، فهم على خير ولو غلطوا في جهة الرجاء ، فإن الرجاء خير لهم . وإذا قطع العباد أملهم من الله ، وقطعوا رجاءهم من الله كان ذلك من أعظم الشرّ عندهم ، وقد جاء في الحديث أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال:{قال الله ـ عزَّ وجل ـ أنا عند ظن عبدي بي، فليظن بي ما شاء} وجاء في الصحيح أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال:{لا طيره وخيرها الفأل ، قالوا :وما الفأل ؟!قال :الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم}. وفي الحديث { لا طيره ، وأحب الفأل الصالح }،وفي الترمذي أن رسول الله صلّى الله عليه و سلم كان يعجبه إذا خرج لحاجه أن يسمع ( يا راشد ، يا نجيح )، وفي السنن من حديث بريده ،أن النبي صلّى الله عليه وسلم كان لا يتطير من شيء ، وكان إذا بعث عاملاً سأل عن اسمه فإذا أعجبه فرح به ورؤيا بشر ذلك في وجهه ، وإذا دخل قرية سأل عن اسمها فإن أعجبه اسمها فرح بها ورؤيا بشر ذلك في وجهه. وفي صحيح مسلم أن النبي صلّى الله عليه وسلم قيل له :{ منّا رجال يتطيرون ، فقال : ذلك شيء يجدونه في صدورهم فلا يصدّنهم }..وجاء في الصحيح أن النبي صلّى الله عليه وسلم قد ذكر أن سبعين ألفاً من أمة محمد صلّى الله عليه وسلم يدخلون الجنّة بغير حساب ولا عذاب ، وقد وصفهم النبي صلّى الله عليه وسلم بأنهم لا يسترقون ، ولا يتطيرون ، ولا يكتوون ، وعلى ربهم يتوكلون . فقوله "ولا يتطيرون" أي لا يتشاءمون ، فإذا نهي عن التشاؤم ، دل ذلك على مشروعية ضد الا وهو التفاؤل . وليس في الإعجاب بالفأل ومحبته شيء من الشرك ، بل ذلك إبانة عن مقتضى الطبيعة ، ومن حب الفطرة الإنسانية ، التي تميل إلى ما يوافقها ويلائمها ، والله تعالى فد جعل في غرائز الناس الإعجاب بسماع الاسم الحسن ومحبته ، وميل نفوسهم إليه . وكذلك جعل فيها الارتياح والاستبشار والسرور باِسم الفلاح والسلام ، والنجاح والتهنئة والبشرى ، والفوز والظفر ونحو ذلك .. فإذا قرعت هذه الأسماء الأسماع ، استبشرت بها النفس.. وانشرح لها الصدر ..وقوي بها القلب ، وإنما كان صلّى الله عليه وسلم يعجبه الفأل ، لأن التشاؤم سوء ظن بالله تعالى بغير سبب محقق. أما التفاؤل ..فإنه حسن ظن بالله سبحانه وتعالى ، والمؤمن مأمور بحسن الظن بالله تعالى على كل حال . وإذا كان التفاؤل محبوباً محموداً عند الله ـ عزّ وجل ـ فإن الذي يقابله التشاؤم ، وهو من الأمور المذمومة ، ومن أمثلة ذلك ..أن يتشاءم الإنسان بالأعداد أو الطير أو المرضى ..وهذا من الأمور المحرمة في الشرع . والتطيّر إنما يضرّ من أشفق منه وخاف ، وأما من لم يبالي به ولم يعبأ به شيئا فإنه لا يضره البتة . والطيرة باب من أبواب الشرك .. ومن إلقاء الشيطان الوساوس في قلوب العباد، فهو من إلقاء الشيطان وتخويفه ووسوسته ..ولهذا يعظم شأنه ويكبر عند من يكثر العناية به . فمن تطير .. زاده التطير شرّاً وشؤما ، والمتطير متعب القلب .. منكّد الصدر .. كاسف البال .. سيء الخلق .. يتخوف من كل ما يراه ويسمعه ، فهو أشدّ الناس وجلا ، وأنكدهم عيشا ، وأضيقهم صدرا ، وأحزنهم قلبا . كم حرم نفسه بذلك من حظ ، وكم منعها من رزق ، وكم قطع عليها من فائدة . واعلم .. بأنه ليس شيء أضر بالرأي ، ولا أفسد بالتدبير من اعتقاد الطيرة .. ومن ظن أن خوار بقرة .. أو نعيق غراب .. يرد قضاء أو يدفع مقدوراً فقد جهل .وفي السنن (الطيرة شرك) ، وفي المسند ( من ردته الطيرة من حاجة فقد أشرك ) . وقد عاب الله تعالى على بعض الأمم السابقة التطير ، فقال سبحانه) وإن تُصِبهُم حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِن عِندِ اللهِ وإن تُصِبهُم سَيئة يَقُولُوا هَذِهِ مِن عِندك قُل كلٌّ مِن عِندِ الله فَمَا لِهَؤلاءِ القوم ِلا يَكَادُونَ يَفقَهُونَ حَدِيثَا (وقال ) فَإذَا جَاءَتُهمُ الحَسَنَة َقالُوا لَنَا هذه وإن تُصِبهُم سَيئة يَطَيّرُوا بمُوسَى ومَن مَعَه ألا إنمَا طَائِرُهم عِند الله ولكنّ أكثَرَهُم لا يَعلَمُون(،) وقَومُ صَالح ٍقَالُوا اِطيّرنَا بِكَ وبِمَن مَعَك قَالَ طَائِرُكُم عِند الله بل أنتُم قَومٌ تُفتَنُون( فكان عاقبتهم سوء العاقبة دنيا وآخرة ،) وأصحَابُ القَرية ِقَالُوا إنّا تَطيّرنَا بِكم فَردَّ عَليهِم أنبَيَاءهُم قَالُوا طَائِركُم مَعَكم أئِن ذُكِّرتُم بَل أنتُم قَومٌ مُسرِفُون( . وعلاج الطيرة يكون بحسن التوكل على الله ، والاعتماد عليه ، ومعرفة أنه لا يحدث شيئاً الا بتقدير الله وخلقه ،وأن القدر سابق على هذه الحادثة التي تشاءم منها . خرج عمر ابن عبد العزيز في سفر فقيل له :{ القمر في الدّبران ، وكانوا يتشاءمون من ذلك ..فقال : إنّا لا نخرج بسمش ولا بقمر ولكنّا نخرج بالله الواحد القهّار }. التطيّر ينافي التوكل .. ويدلّ على قلة العقل ، ويورث اضطراب النفس ، ويؤدي إلى الكسل وترك العمل ، وكثرة الفشل . التطيّر ... سيء العاقبة دنيا وآخرة ..فيا أيها المؤمنون اجتنبوا التطيّر في جميع شؤونكم ، واتصفوا بصفة التفاؤل في كل أحوالكم ، والله جلَّ وعلا عند حسن ظن عبده به ، والله جلَّ وعلا قد عوّدكم الجميل ، وبين لكم أنه ينصر أولياءه المؤمنين ، فتفاءلوا بنصر الله تجدوه ... هذا ... والله جلَّ وعلا أسأله أن يوفقنا وإياكم بخيري الدنيا والآخرة .. وأن يصلح أحوالنا جميعا .. وأن يردّنا إلى دينه ردّاً حميدا .. هذا والله أعلم . وصلّى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .... |
07-08-10, 02:26 PM | #13 |
جُهدٌ لا يُنسى
|
بـــســـم اللـه الــرحــمــن الــرحــيــم قــــــــلـــــوب الصائــــميـــــــــن فـضيـلــة الشـــيخ ســعــد ابـن نـاصـر الشـثــري الــــــــرجــــــــــــاء الحمد الله الرؤوف الرحيم .. المؤمل بكشف الملمات .. والمرجو برفع الدرجات .. وأشهد أن لا إله إلا الله نرجو رحمته ونخاف من سوء أعمالنا .. وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلّم تسليما ً كثيرا . أما بعد .. فإن من عبادات القلوب ..رجاء رحمة علاّم الغيوب ، قال تعالى) أولئكَ الّذينَ يَدعُونَ يَبتَغُونَ إلىَ رَبّهِمُ الوَسِيلَة أيّهُم أقَرَب وَيَرجُونَ رَحمَتَه وَيَخَافُونَ عَذَابَه ( وفي الصحيح يقول النبي صلّى الله عليه وسلم :{ لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بربه }، ويقول :{ قال الله عزّ وجل : أنا عند ظن عبدي بي ، فليظن بي ما شاء }. قال ابن القيم :{ الرجاء حاد يحدو القلوب إلى بلاد المحبوب وهو الله والدار الآخرة }، أجمع العارفون على أن الرجاء لا يصح إلا مع العمل ، كرجاء المطيع لثواب ربه ، أو رجاء كائد لمغفرته وعفوه . الرجاء ضروري للمريد السالك ، والعارف لو فارقه لحظة لتلف أو كاد ، فإنه دائر بين ذنب يرجو غفرانه ، وعيب يرجو إصلاحه ، وعمل صالح يرجو قبوله ، واستقامة يرجو حصولها ودوامها ، وقرب من الله وعلو منزلة عنده يرجو وصوله إليها. الرجاء من الأسباب التي ينال العبد بها ما يرجوه من ربه .. بل هو أقوى الأسباب ، وفي قوله تعالى ) إن الّذينَ آمَنُوا والّذينَ هَاجَرُوا وجَاهَدُوا في سَبيلِ اللهِ أولئكَ يَرجُونَ رَحمَةَ الله ( دليل على أن الرجاء لا يكون إلا بالقيام بالأعمال ، وأما الرجاء المقارن بالكسل فهو غرور وأمن من مكر الله وهو دال على ضعف الهمّة ، ونقص العقل ، وفي الآية دلالة على أن العبد لا يعتمد على عمله ، ولا يعّول عليه ، بل يرجو رحمة ربه . حسن الظن ..وعظم الرجاء .. أحسن ما تزود به المؤمنون لقدومهم على ربهم جلَّ وعلا .. قوة الرجاء بالله أمان لكل خائف ، ومما يدعو إلى زيادة الرجاء في الله وفي فضله التعرف على أسماء الله ، التي تجعل القلب يرجو رحمة الله جلَّ وعلا فهو سبحانه البر الرحيم ، وهو سبحانه الغفور الرحيم ، وهو سبحانه العفو الكريم ، وهو سبحانه المحسن الحليم ، وهو سبحانه المعطي الجواد ، وهو سبحانه الوهاب الرزاق . إذا علم العبد أن رحمة الله واسعة ، دعاه ذلك إلى أن يكون قلبه معلّقاً برجاء الله ، قال تعالى) إنَّ رَحمَتِي وَسِعَت كُلّ شَيء ( وفي الحديث الصحيح قال النبي صلّى الله عليه وسلم :{ لما قضى الله الخلق ، كتب في كتاب فهو عنده فوق العرش إن رحمتي غلبت غضبي }. إن استشعار العبد لعبوديته لربه ، وفقره إليه ، وحاجته لما يرجوه من ربه ، ويستشرفه من إحسانه ، وأنه لا يستغني عن فضل الله وإحسانه طرفة عين ، يدعوه إلى أن يملئ قلبه من رجاء الله تعالى . إذا عرف العبد أن الله تعالى يحب العبد متى رجاه وسأله ، فإنه سيكون من الراجين السائلين .. من أسباب تحصيل الرجاء .. أن يشاهد العبد عظم فضل الله عليه ، وعموم إحسانه في نفسه وعلى غيره ، فكم من نعمة أنعمها عليك ربك أيها العبد ، وكم من خير أوصله إلى غيرك ، قال تعالى )وإمّا تُعرِضنَّ عَنهُم ابتِغَاء رَحمَةٍ مِن رَبّكَ تَرجُوهَا فَقُل لَهُم قَولاً مَيسُورَا( . ومن أسباب تحصيل رجاء الله تعالى .. أن يستحضر المؤمن وعد الله للمؤمنين بخيري الدنيا والآخرة ، قال تعالى )وبَشّرِ المُؤمِنِينَ بِأنَّ لَهُم مِن اللهِ فَضَلاً كَبِيرَا ( وقال سبحانه ) و الّذينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَالِحَات فِي رَوضَاتِ الجَنّات لَهُم مَا يَشَاءُونَ عِندَ رَبّهِم ذَلِكَ هُوَ الفَضلُ الكَبِير( . ومن أسباب تحصيل العبد لرجاء الله تعالى .. أن يعلم أن الله تعالى يغفر ذنوب العباد التائبين مهما تعاظمت ، قال تعالى )قُل يَا عِبَادِي الّذينَ أسرَفُوا عَلَى أنفُسِهِم لا تَقنَطُوا مِن رَحمَةِ الله إنَّ اللهَ يَغِفرُ الذُنُوبَ جَمِيعَا (. إذا لاحظ العبد سنّة الله في الكون، بنصر أولياءه المؤمنين ، ازداد قلبه رجاءاً لله تعالى( أليس الله بكافٍ عبده )،(ومن يتوكل على الله فهو حسبه )، وإذا لاحظنا أن الله تعالى يجيب دعاء الداعين على اختلاف أزمانهم وأماكنهم ، وعلى تنوع لغاتهم وألسنتهم ، زادنا ذلك رجاءاً في الله تعالى ، ثم إن الثمرات العظيمة التي تحصل من رجاء الله تعالى ، تدعونا إلى أن نملئ قلوبنا من رجاء الله . · فمن ثمرات الرجاء .. أن الرجاء من أسباب مغفرة الذنوب ، كما ورد في الحديث القدسي :{ يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي .} · الرجاء من أسباب رضا الله عن العبد ومحبته له وقربه منه . · الرجاء ينشّط النفس على طاعة الله ، فإن من عرف قدر مطلوبه ، هان عليه ما يبذله فيه ، قال تعالى) فَمَن كَانَ يَرجُو لِقَاءَ رَبّهِ فَليَعمَلَ عَمَلاً صَالِحَاً ولا يُشركَ بِعِبَادَةِ رَبّهِ أحَدا( ، وقال تعالى ) أمّن هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ الّليلِ سَاجِدَا ً وَقَائِمَا يَحذَرُ الآخِرَةَ وَيَرجُوا رَحمَةَ رَبّهِ قُل هَل يَستَوي الّذينَ يَعلَمُونَ والّذِينَ لا يَعلَمُونَ إنّمَا يَتَذَكّرُ أولُوا الألبَابِ ( . · الرجاء يجعل العبد يتلذذ بأنواع الطاعات ، فكلما طالع القلب ثمرات الطاعات ، وحسن عاقبتها ، إلتذَّ بها. · الرجاء يبثّ الطمأنينة في النفس ، ويبعد عنها الوساوس والخطرات ، ويهّون عليها المصائب ، إذ النفس ترجو زوال ما حلَّ بها من مصيبة ، وبذلك يقوى العبد على أعداء الله ، قال تعالى ) ولا تَهِنُوا فِي ابتِغَاءِ القَوم إن تَكُونُوا تَألَمُونَ فَإنّهُم يَألَمُونَ كمَا تَألَمُون وَتَرجُونَ مِن اللهِ مَا لا يَرجُون وكَانَ الله عَلِيمَاً حَكِيمَا (. لولا التعلق بالرجاء تقطعت ~~ نفس المحب تحسّراً وتمزقا لولا الرجاء يحدو ألمطي لما سرت ~~ يحدو لها لديارهم ــــــــــ اللقاء رجاء الله ورجاء ثوابه .. يحدو العبد إلى متابعة النبي الكريم صلّى الله عليه وسلّم ، والسير على طريقة عباد الله الصالحين )لَقَد كَانَ لَكُم فِي رَسُول ِالله ِأسُوَةٌ حَسَنَة لِمَن كَانَ يَرجُو اللهَ واليَومَ الآخِرَ وذَكَرَ اللهَ كَثيرَا( ، لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر . الرجاء من أكبر أسباب تحصيل الأجور العظيمة ،)إن الّذين يتلُونَ كِتابَ اللهِ وأقَامُوا الصَّلاة وأنفَقُوا ممّا رَزَقنَاهُم سِرّاً وَعَلانِيَة يَرجُونَ تِجَارةً لَن تَبُور لِيُوفيهُم أجورَهُم ويَزيدَهُم مِن فَضلِه إنَّه غَفُورٌ شَكُور(. الرجاء سبب لتحصيل منافع الدنيا والآخرة .. وفي الحديث{ أن النبي صلّى الله عليه وسلم دخل على شاب وهو في الموت ، قال : كيف تجدك ؟ قال : والله يا رسول الله إني لأرجو الله ، وإني أخاف ذنوبي . فقال صلّى الله عليه وسلم :لا يجتمعان في قلب عبد ، في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجو وأمّنه مما يخاف .} وما أعظم ما ينجز الرجاء.. من انتظار رحمة الله ، وتوقع فضل الله ، الذي يعلّق القلب بالله |
07-08-10, 02:32 PM | #14 |
جُهدٌ لا يُنسى
|
بـســم اللـه الـرحــمــن الــرحــيـم قــلــوب الصــائـــمـيــــــــن فــضيــلــة الـشيــخ سـعــد ابـن نـاصـر الشــثــري الــخــــــــــوف الحمد لله رب العالمين .. الحمد لله القوي العزيز.. صاحب البطش الشديد ..فعّال لما يريد،كم أهلك من أمة كافرة ، وكم أخذ من جماعة ظالمة ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ...أما بعد .. ففي لقاءنا هذا في برنامج قلوب الصائمين نتحدث عن امتلاء قلوب المؤمنين بالخوف من رب العالمين ، قال الله تعالى ) فَليَحذَرِ الّذينَ يُخَالِفُونَ عَن أمرِهِ أن تُصِيبَهُم فِتنَة أو يُصِيبَهُم عَذَابٌ ألِيم (. من الأمور التي تدعوا العبد إلى زيادة الخوف من الله تعالى كثرة المعاصي التي فعلها العبد ، ويخاف من سوء عاقبتها ، فإذا كان أنبياء الله صلوات الله عليهم وسلامه يقولون) إنّي أخَافُ إن عَصَيتُ رَبِّي عَذَابَ يَومٍ عَظِيم ( فكيف بغيرهم من أفراد الناس . ومن طرق تحصيل خوف الله تعالى ..تصديق الله في وعده ووعيده ، وذلك أن المرء يخاف أن يدخله الله نار جهنّم ويعذبه بها ، كما قال تعالى) قُل إنَّ الخَاسِرِينَ الّذِينَ خَسِرُوا أنفُسَهُم وأهلِيهِم يَومَ القِيامَة الا ذَلِكَ هُوَ الخُسرَان المُبين لَهُم مِن فَوقِهِم ظُلَل من النّارِ ومِن تَحتِهِم ظُلَل ذَلِكَ يُخَوّفُ اللهُ به عِبَاده يَا عِبَادِي فَتّقُون ( . ومما يزيد الخوف في قلب العبد من ربه جلّ وعلا .. معرفة تلك العقوبات العظيمة ، التي أنزلها الله بالأمم السابقة ، فإن من تأملها وتفكّر فيها ، زاده ذلك خوفا من الله تعالى ، قال سبحانه ) قَالُوا إنّا أُرسِلّنَا إلى قَوم ٍمُجرِمِين لِنُرسِلَ عَلَيهِم حِجَارَةً مِن طِيِن مُسَوَّمَةٍ عِندَ رَبّكَ لِلِمُسرِفِين( إلى قوله سبحانه ) وتَرَكنَا فِيهَا آيةً للّذِينَ يَخَافُونَ العَذَابَ الألِيم ( . ثم إن العبد يخشى من ربه أن يوقع عليه العقوبات في الدنيا بسبب سوء عمله ، قال تعالى في وصف من يتوسل إليه التوسل المشروع ويخافون عذابه ) إنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحذُورَا وإن مِن قَريَةٍ إلّا نَحنُ مُهلِكُوهَا قَبلَ يَوم ِالقِيَامَة أو مُعَذِبُوهَا عَذَابَاً شَدِيدَا كَانَ ذَلِكَ فِي الكِتَابِ مَسطُورَا ( . من أسباب تحصيل للخوف من الرب تبارك وتعالى : ملاحظة الآيات الكونية ، وما قدّره الله من المخلوقات العظيمة ، يزرع الخوف من الله في قلب العبد ، قال تعالى) هُوَ الّذِي يُريِكُمُ البَرقَ خَوفَاً وطَمَعَا ويُنشئُ السَّحَابَ الثِقَال ويُسَبِحُ الرَّعدُ بِحَمدِهِ والمَلائِكَةُ مِن خِيفَتِهِ ويُرسِلُ الصَواعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاء وَهُم يُجَادِلُونَ فِي اللهِ وَهُوَ شَدِيدُ المِحَال ( ، وقال سبحانه) ومَا نُرسِلُ بِالآياتِ إلّا تَخويِفَا (. إن تحصيل العلم الشرعي ينتج الخوف في قلب العبد ، قال تعالى) إنَّمَا يَخشَى اللهَ مِن عِبَادِهِ العُلَمَاء ( . ومن أسباب تحصيل خوف الله جلّ وعلا أن يستشعر العبد أن الله يراقبه ولا يخفى عليه شيء من أحواله ، قال سبحانه) إنَّ اللهَ يَعلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُم فَحذَرُوُه (. قال شيخ الإسلام ابن تيمية :{ من طلب من العباد العوض ثناءاً أو دعاءاً أو غير ذلك لم يكن محسناً إليهم ، ومن خاف الله فيهم ، ولم يخفهم في الله ، كان محسناً إلى الخلق ، محسناً إلى نفسه ، فإن خوف الله يحمله على أن يعطيهم حقهم ، ويكف عن ظلمهم ، ومن خافهم ولم يخف الله فيهم ، فهذا ظالم لنفسه ولهم ، حيث خاف غير الله ورجاه ، لأنه إذا خافهم دون الله احتاج أن يدفع شرّهم عنه بكل وجه إما بداهنتهم أو مراءاتهم ، وإما بمقابلتهم بشيء أعظم من شرهم أو مثله ، فإذا رجاهم لم يقم بحق الله فيهم ، وإذا لم يخاف الله فهو مختار للعدوان عليهم ، فإن طبع النفس الظلم لمن لا يظلمها فكيف بمن ظلمها . ستجد هذا الضرب من الناس ..كثير الخوف من الخلق ، كثير الظلم إذا قدر، مهين ذليل إذا قُهر ، فهو يخاف الناس بحسب ما عنده من ذلك ، وهذا مما يوقع الفتن بين الناس ، وكذلك إذا رجاهم وهم لا يعطونه ما يرجوه منهم فلابد أن يبغضهم ، فيظلمهم إذا لم يكن خائفاً من الله . والإنسان إذا لم يخف من الله اتبع هواه ، ولا سيّما إذا كان طالباً ما لم يحصل له ، فإن نفسه تبقى طالبة لما تستريح به ، وتدفع به الغم والحزن عنها ، وليس عندها من ذكر الله وعبادته ما تستريح إليه ، فتظن أن راحتها في المحرمات ، من فعل الفواحش وشرب المسكرات ، وقول الزور واللهو والعبث ، ومخالطة قرناء السوء ، ولا تطمئن نفسه إلا بعبادة الله . قال ابن حزم :{ وقد علم الله تعالى أن كل مسلم لولا خوف الله تعالى لأحب الأكل إذا جاع في رمضان ، والشرب فيه إذا عطش ، والنوم في الغدوات الباردة عن الصلوات ، وفي الليل القصير عن القيام إلى الصلوات المندوبات ، ووطئ كل جارية حسناء يراها المرء ، ولكن مخافة الله تمنع المؤمن من ذلك }. إن الخوف من الله تعالى ينتج عنه فوائد عظيمة ..منها ترك الذنوب والمعاصي ، روى الحاكم بإسناده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :{ النظرة سهم من سهام إبليس مسمومة ، فمن تركها من خوف الله ،أثابه الله إيماناً يجد حلاوته في قلبه ، ومن ترك المعاصي خوفاً من الله أجر وأثيب } . الخوف من الله سبب لرفع الدرجات في الجنّة ، قال تعالى ) ولِمَن خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَان ( وقال ) وأمَّا مَن خَافَ مَقامَ رَبِّهِ ونَهَىَ النَّفسَ عَنِ الهَوَى فَإنَّ الجَنَّةَ هِيَ المَأوَى ( ، وفي حديث السبعة الّذين يظلهم الله يوم القيامة : { رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال ، فقال إني أخاف الله }. من استحضر مخافة الله في دعاءه ، كان ذلك من أسباب إجابة الدعاء ، قال تعالى ) وادعُوهُ خَوفَاً وَطَمَعَا إنَّ رَحمَةَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ المُحسِنين ( وقال) تَتَجَافَىَ جُنُوبُهُم عَنِ المَضَاجِعِ يَدعُونَ ربَّهُم خَوفَاً وَطَمَعَا وَمِمَّا رَزقنَاهُم يُنفِقُون فَلا تَعلمُ نَفسٌ مَا أُخفِيَ لَهُم مِن قُرَّةِ أعيُن جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعمَلُون ( . مخافة الله سبب للتمكين في الأرض ، قال تعالى) ولَنُسكِنَنَّكُم الأرضَ من بَعدِهِم ذَلِكَ لِمَن خَافَ مَقَامِي وخَافَ وَعِيد( مخافة الله سبب للاتعاظ والتذكر ، قال تعالى) فَذَكّر بِالقُرءَانِ مَن يَخَافُ وَعِيد (. مخافة الله في قلب العبد تدفعه للإقدام على الطاعات ، وفي الحديث { من خاف أدلج ، ومن أدلج بلغ المنزل ، الا إن سلعة الله غالية .. الا إن سلعة الله الجنّة }. إذا استحضر المرء مخافة الله في كل وقت ، دعاه ذلك لأن يكون مخلصاً لله في كل أعماله . من خاف الله لم يتكبّر على خلقه ولم يتجبّر على عباده . وخوف الله يحمل العبد إلى إعطاء أصحاب الحقوق حقوقهم . من خاف الله حقيقة ، لم يخف من غيره ، قال تعالى) إنّمَا ذَلِكُمُ الشَيطَانُ يُخَوّفُ أولِيَاءَه فَلا تَخَافُوهُم وخَافُونِي إن كُنتُم مُؤمِنِين( ، فإذا اتحد مصدر الخوف ، أطمئنت النفس ، وفي بعض الآثار :[ من خاف الله .. خوّف الله منه كل شيء ، ومن لم يخاف الله ..خوفه الله من كل شيء ]. مخافة الله سبب لمغفرة الذنوب ، ففي الحديث :{ أن رجلاً وصى أبناءه بحرق بدنه ، وسحقه وذرّه في الريح العاصف ، فأمر الله بجمع بدنه وقال له : ما حملك على ذلك . فقال : مخافتك يا ربي ، فغفر الله له ذلك }. لقد حرص سلف الأمة على الترغيب في الخوف والاتصاف به ، قال عمر ابن الخطاب رضي الله عنه :{ أيها الناس .. لو نادى منادي من السماء "أيها الناس إنكم داخلون الجنّة كلكم إلا رجلاً واحدا " لخفت أن أكون أنا هو } ، قال الحسن البصري :{ لقد مضى بين يديكم أقوام لو أن أحدهم أنفق عدد هذا الحصى ، لخشي ألا ينجو من عظم ذلك اليوم } . قال ابن مسعود :{ إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه جالس في أصل جبل يخشى أن ينقلب عليه ، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مرّ على أنفه فقال به هكذا فطار } قال ابن عباس :{ وعد الله المؤمنين الّذين خافوا مقامه وأدّوا فرائضه الجنّة } وقال عمر ابن عبد العزيز :{ من خاف الله ..أخاف الله منه كل شيء } قال وهب ابن كمنبه :{ ما عبد الله بمثل الخوف }. وقال الداراني :{ أصل كل خير في الدنيا والآخرة الخوف من الله عزَّ وجل } ، وكل قلب ليس فيه خوف ، فهو قلب خرب . قال ابن تيمية :{ الخوف المحمود ما حجزك عن محارم الله } ، وقال بعضهم :{ إذا سكن الخوف القلب ، أحرق مواضع الشهوات منه ، وطرد الدنيا عنه } . هذا ، والله أعلم .. وصلى الله على نبينا محمد.... التعديل الأخير تم بواسطة طالبة الرضوان ; 07-08-10 الساعة 02:36 PM |
07-08-10, 02:41 PM | #15 |
جُهدٌ لا يُنسى
|
بــســم الــلــه الرحــمــن الرحـيـم قــــلـــــوب الصــائــمــيـــن فـضـيلــة الشـيــخ سـعــد ابـن نـاصر الشـــثـري التـــــــــواضـــــــــــع الحمد لله الذي خضع لعظمته الجبابرة .. وذل لسطوته الظلمة العصاة .. وأشهد أن لا إله الا هو سبحانه ، لا ينازعه أحد الا قصمه .. وأشهد أن محمد عبده ورسوله .. أشدّ الناس تواضعا ، حتى اختار أن يكون عبداً رسولا ، لا ملكاً نبيا ، وكان من تواضعه أنه يكون في خدمة أهله ، وقال :{ لا تطروني إنما أنا عبد ، فقولوا عبد الله ورسوله }صلّى الله عليه وسلّم تسليما أما بعد ... فإن من أخلاق قلوب الصائمين .. التواضع ، التواضع أن لا يرى الإنسان لنفسه على غيره فضلا مهما علت منزلته ، ومهما قدّم من إحسان لغيره ، وقد فسّر النبي صلّى الله عليه وسلّم الكبر بأنه {بطر الحق "أي جحده "، وغمط الناس "أي احتقارهم"} . متى تصح درجة التواضع؟ ولا يصح للعبد درجة التواضع ، حتى يقبل الحق ممن يحب وممن يبغض ، فيقبله من عدوّه كما يقبله من صديقه ، وإذا لم تردّ عليه حقا فكيف تمنعه حقا ً له قِبَلك ، ومن أساء إليك ثم جاء يعتذر من إساءته ، فإن التواضع يوجب عليك قبول معذرته حقاً كانت معذرته أو باطلا ، وتكل سريرته إلى الله تعالى ، كما فعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في المنافقين الّذين تخلّفوا عنه في الغزو ، فلما قدم جاءوا يعتذرون إليه فقبل أعذارهم ووكل سرائرهم إلى الله تعالى . وعلامة التواضع والكرم .. أنك إذا رأيت الخلل في عذره فلا توقفه عليه ، ولا تحاجّه ، ولا تبيّن له أنك فد اطلعت على كذبه في عذره . إن أعظم درجات التواضع .. أن تتواضع مع الله ، بأن تعرف مقدار نفسك ، وأن تستجيب لأمر ربّك ، طاعة له سبحانه ، لا استجابة لعاده ولا تحقيقاً لهوى ومحبة ، فلا ترى لنفسك حقاً على الله لأجل عملك ، وإنما تتواضع لربك بأن تعرف أن الله جلَّ وعلا قد تكرّم عليك . لقد أمر الله تعالى بالتواضع في آيات قرآنية عديدة .. وجاء الأمر بالتواضع في أحاديث كثيرة ، ومما ورد في ذلك قول الله تعالى) واخفِض جَنَاحَكَ لِلمُؤمِنِين( وقوله سبحانه )ولا تَمشِي فِي الأرضِ مَرَحَا إنَّكَ لَن تَخرِقَ الأرضَ ولن تَبلُغَ الجِبَالَ طُوُلا( وقوله جلَّ وعلا ) ولا تَمشِي فِي الأرضِ مَرَحَا إنَّ اللهَ لا يُحِبُ كُلَّ مُختَالٍ فَخُوُر ( وقال سبحانه ) وعِبَادُ الرّحمَنِ الّذينَ يَمشُونَ عَلَى الأرضِ هَونَا (. قال ابن عباس :{ بالعفاف ، والطاعة ، والتواضع } وفي الحديث يقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم :{ إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ، ولا يبغي أحد على أحد }:{ ما تواضع أحد لله إلا رفعه الله } أخرجه مسلم .وفي حديث أبي سعيد ألخدري عند ابن حبّان أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال :{ من تواضع لله درجة ، رفعه الله درجة حتى يجعله في أعلى عليين ، ومن تكبّر على الله درجة ، وضعه الله درجة حتى يجعله في أسفل سافلين ، ولو أن أحدكم يعمل في صخرة صمّاء ليس عليه باب ولا كوّة لخرج ما غيّبه للناس كائناً من كان } . رواه مسلم . وقال صلّى الله عليه وسلّم في التواضع مصلحة الدين والدنيا .. فإن الناس لو استعملوا التواضع في الدنيا ، لزالت بينهم الشحناء ، ولاستراحوا من تعب المباهاة والمفاخرة . التواضع سلّم الشرف .. ثمرة التواضع ، انتشار المحبة في قلوب الخلق ، فمن تواضع للناس أحبوه وأحبه الله تعالى . من أحسن الأخلاق أن تكون سجيّة العبد التواضع .. ومن أحسن الأفعال ، الإحسان إلى من أساء إليك . قوله صلّى الله عليه وسلّم ( تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ) يبين أن التواضع المأمور به .. يضاد البغي والفخر ، التواضع ضد التكبر ، وسبب التواضع شيئان : · التحقق في مقام العبودية لله . · ومعرفة الإنسان بعيوب نفسه. قال ابن حجر : [ الأمر بالتواضع نهي عن الكبر فإنه ضده ] ، وفي الصحيح مرفوعا قال النبي صلّى الله عليه وسلم :{ قال الله عزّ وجل : الكبرياء رداءي ، والعظمة إزاري ، من نازعني واحداً منهما ألقيته في جهنم } وقد قال الله تعالى ) أفا كُلّمَا جَاءَكُم رَسُولٌ بمَا لا تَهوىَ أنفُسِكُم استكبَرتم فَفَرِيقَاً كَذّبتُم وفَرِيقَاً تَقتُلُون( . فالكبر سبب لردّ الحق وعدم قبوله ، قال تعالى) سَأصرِفُ عَن آيَاتِيَ الّذينَ يَتكَبّرُونَ فِي الأرض ِبِغَيرِ حَق( وقال سبحانه ) ويلٌ لِكُلِّ أفَّاك ٍ أثِيم يَسمَعُ آياتِ اللهِ تُُُتُلى عَليهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُستَكبِرَا كأن لم يَسمَعهَا فَبَشِرّهُ بِعَذَابٍ ألِيم ( . الكبر من أسباب غضب الرب على العبد ، وعدم محبته له ، قال تعالى) إنّهُ لا يُحِبُّ المُستَكبِرِين (، الكبر من أسباب نزول العقاب ، قال الله تعالى )وأمَا الّذينَ استَنكَفُوا واستَكبَرُوا فَيُعَذِبُهُم عَذَابَاً ألِيمَاً ولا يَجِدُونَ لَهُم مِن دُونِ اللهِ وَلِيّاً ولا نَصِيرَا ( ، وقال) والّذينَ كَذّبُوا بِآيَاتِنَا واستَكبَرُوا عَنهَا أولَئِكَ أصحَابُ النّارِ هُم فِيهَا خَالِدُون (وقال ) اليَومَ تُجزَونَ عَذَابَ الهُونِ بمَا كُنتُم تَقُولُونَ عَلَى اللهِ غَيرَ الحَقّ و كُنتُم عَن آيَاتهِ تَستَكبِرُون (وقال) فَادخُلُوا أبَوابَ جَهَنّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فلَبئسَ مَثوى المُتَكبِرِين(، وفي الحديث { لا يدخل الجنّة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر }. المتكبر ذليل يوم القيامة ، ففي السنن أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال :{ يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الرجال ، يغشاهم الذل من كل مكان }، وفي الصحيح :{ بينما رجل يتبختر في برديه قد أعجبته نفسه ، فخسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة } وقال :{ من جرّ ثوبه خيلاء ، لم ينظر الله إليه يوم القيامة }. وانظر إلى إبليس.. لما تكبّر أخرج من الجنّة ، وغضب الله عليه ، قال تعالى )فَمَا يَكُونُ لَكَ أن تَتَكَبّرَ فِيهَا فَاخرُج إنّكَ مِن الصَاغِرِين (. أما عن مظاهر الكبر .. وترك التواضع .. فمنها رؤية الإنسان لنفسه أنه أفضل من غيره ، وترفعه عن من يماثله ، وتقدمه على أقرانه ، ومن مظاهره المفاخرة ومدح الإنسان لنفسه . يحسن بالمسلم أن يكون صيامه من أسباب تواضعه بين يدي الله ، وتواضعه لعباد الله ، فإن الذي منع العبد من بعض النعم في الصوم ، قادر على سلب النعم كلها بالكبر وعدم التواضع . الصوم .. يجعل الذهن يخلو من المشغلات عن التفكير .. فيتأمل الإنسان في أصل خلقته ، ويتأمل مدى ضعفه وقدرة الله عليه ، ويتأمل مساواته لغيره في أحكام الله ، فكيف يتكبر على من كان مساوياً له ، ويتذكر وقوفه بين يدي الله ، ومحاسبته له على أعماله ، ويتأمل بحسن عاقبة التواضع وسوء عاقبة الكبر ، قالت عائشة :{ تغفلون عن أفضل العبادة التواضع }. أسأل الله جلَّ وعلا أن يجعلنا وإياكم من المتواضعين.. والبعد عن التكبر وأهله . هذا والله أعلم .. وصلّى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ... |
10-08-10, 02:42 PM | #16 |
جُهدٌ لا يُنسى
|
بســـم اللـــه الرحمـــن الرحيـــــــم قـــــلــــــــوب الصائمـــــــــــــين لفضيلة الشيخ سعد ابن ناصر الشثري التــــــــفكّـــــــر أحمده سبحانه... وأشهد أن لا إله الا هو وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، أما بعد.. فإن من عبادات القلوب التي يتقرب بها المؤمنون إلى ربهم ، التفكّر والاعتبار .. والتفكر هو تأمل القلب في المعاني لإدراك العواقب وفهم الحقائق.. والاعتبار قياس حال النفس بحال الغير ، إذ ما حلّ بغيرك سيحلُّ بك ، متى كانت أسباب ذلك حاصلة عندك ، والسعيد من وعظ بغيره ومما تكرر في القرآن ، مدح المتفكّرين .. وفتح الباب للتفكّر والاعتبار ، والأمر الجازم بذلك ، قال تعالى) فَاعتَبِرُوا يَا أُولِي الأبصَار (كأنه قال : ( انظروا إلى فعل هؤلاء الّّذين نزلت بهم العقوبات ، فاجتنبوا فعلهم ، لئلا ينزل بكم عقاب مثل عقابهم ). وأصل الخير والشر:.. من قبل التفكّر ، فإن الفكر مبدأ الإرادة والطلب في الزهد ، والترك والحب والبغض . كثر الحث في كتاب الله تعالى على التدبّر ، والاعتبار والنظر والافتكار ، ولا يخفى أن الفكر هو مفتاح الأنوار.. ومبدأ الاستبصار ، وهو شبكة العلوم ، ومصيدة المعارف والفهوم ،وأكثر الناس قد عرفوا فضل التفكّر ورتبته ، ولكن جهلوا حقيقته وثمرته ومصدره . إن التفكّر في آيات الله الكونية والشرعية: مفتاح الإيمان ، وطريق العلم والإيقان ) فَإنَها لا تَعمَى الأبصَار ولَكن تَعمَى القُلُوبُ التي في الصُدُور إنَّ في ذَلِكَ لآيات لقوم ٍيعقِلُون( أي يستفيد من التفكّر في ذلك ، من لهم عقول يستعملونها في التدبر و التفكّر فيعرفون ما هم مهيئون له ، فيُفارقون حال الغافلين ، الّذين يكون استعمالهم لحواسّهم مماثلاً لحظ البهائم ، إذ لا يجعلون إحساسهم سبب للتفكّر والتأمل . التفكّر والاعتبار يكون في أمور عديدة .. منها الاعتبار بنصر الله لأولياءه المؤمنين ،قال تعالى)قَدْ كَانَ لَكُم آيةٌ فِي فِئَتَينِ التَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتلُ فِي سَبِيل ِ اللهِ وَأُخرَى كَافِرة يَرَونَهم مِثلَيهم رَأيَ العَين ِواللهُ يُؤيّدُ بِنَصرِه ِمَن يَشَاء إنَّ في ذَلِكَ لَعِبرَةً لِأُولِي الأبصَار(.. كذلك الاعتبار: بالعقوبات التي نزلها الله على الأمم المكذّبة السابقة ، قال تعالى) هُوَ الّذِي أخرَجَ الّذِينَ كَفَرُوا مِن أَهلِ الكِتَابِ مِن دِيَارِهِم لأوّل ِالحَشر مَا ظَنَنتُم أن يَخرُجُوا وَظَنّوا أنَّهُم مَانِعَتُهُم حُصُونُهُم مِنَ اللهِ فَآتَاهُمُ اللهُ مِن حَيثُ لَم يَحتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعب يُخرِبُونَ بِيُوُتَهُم بِأيدِيِهِم وَأيدِي المُؤمِنِينَ فَاعتَبِروا يَأولِي الأبصَار ( ، وقال تعالى عن فرعون) فَكَذّبَ وَعَصَى* ثُمّ أَدبَرَ يَسعَى*فَحَشَرَ فَنَادَى *فَقَالَ أنَا رَبُّكُمُ الأعلَى *فَأخَذَهُ اللهُ نَكَالَ الآخِرة ِوالأُولَى*إنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبرَةً لِمَن يَخشَى( ،وقال ) أفلم يهد ِ لَهُم كَم أهلَكنَا قَبلَهُم مِنَ القُرُونِ يَمشُونَ فِي مَسَاكِنِهِم إنَّ فِي ذَلِكَ لآيات ٍ لأولي النُهَى( ، )وكَذَلِكَ أخذُ رَبّكَ إذَا أَخَذَ القُرَى وَهيَ ظَالِمَة إنَّ أَخذَهُ أليمٌ شَدِيد إنَّ فِي ذَلِكَ لآية لِمَن خَافَ عَذَابَ الآخِرة(. كذلك الاعتبار: بالمخلوقات العظيمة التي خلقها رب العزّة والجلال : قال تعالى ) يُقلّبُ اللهُ الليلَ والنّهَار إنَّ في ذَلِكَ لَعِبرَةً لأُولِي الأبصَار( ،وقال ) أولَم يَرَوا إلى الأرض ِكَم أنبَتنَا فِيهَا مِن كُلّ زَوج ٍكَرِيم إنّ في ذَلِكَ لآية ومَا كَانَ أكثََرُهُم مُؤمِنِين( .. كذلك الاعتبار: في إخراج الله للمخلوقات من بين الأمور المتضادات ، قال تعالى) وإنّ لَكُم في الأنعام ِلَعِبرة نُسقِيكُم مِمّا في بُطُونِهِ مِن بينِ فَرث ٍودَم ٍ لَبَنََاً خَالِصَاً سَائِغَاً للِشَارِبين* ومِن ثَمَرَات ِالنّخِيل ِوالأعنَاب ِتَتّخِذُونَ مِنُه سَكَرَاً ورِزقَاً حَسَنَا إنّ في ذَلِكَ لآيةً ًلِقومٍ يَعقِلُون( ، فانظر كيف أخرج اللبن من بين الفرث والدم ،وانظر كيف فرّق بين السكر والرزق الحسن . وكذلك الاعتبار بالتاريخ ، وقصص الأمم السابقة ، وخصوصاً ما ذكره الله تعالى في كتابه العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، قال سبحانه ) لَقَد كَان فِي قَصَصِهِم عِبرَة لأولي الأبصَار مَا كَانَ حَدِيثَاً يُفتَرَى وَلَكن تَصديقَ الّذِي بَينَ يَدَيهِ وتفصيلَ كل شيء وهُدَىً ورحمة لِقوم ٍيُؤمنون( . ومن ذلك الاعتبار والتفكّر:في أحوال قرابتك الّذين ماتوا ، وتركوا الدنيا ، يقول النبي صلّى الله عليه وسلم :{ زوروا القبور،فإن فيها عبرة } وفي لفظ {فإنها تذكركم الآخرة }.. ومن ذلك الاعتبار والتفكّر في أحوال الدنيا وتقلباتها...كم من غني أصبح فقيرا ، وكم من رئيس أصبح مرؤوسا ..بكى عمر ابن عبد العزيز يوما ،فسئل عن ذلك ، فقال : [فكّرت في الدنيا ولذّاتها ، وشهواتها ، فاعتبرت منها بها، ما تكاد شهواتها تنقضي ، حتى تكدّرها مرارتها ، ولئن لم يكن فيها عبرة لمن اعتبر ، إن فيها لمواعظ لمن اذّكر] . ومن ذلك تفكّر الإنسان: في خلق الله له ، ونقله من حال إلى حال ،( فَليَنظُر ِالإنسَانُ ممّا خلُِق *خُلِقَ مِن مَاء ٍدَافق )،(مَالَكُم لاَ ترجُونَ لله ِوَقَارَا*وقَد خَلَقَكُم أطوَارَا). ومن ذلك تفكّر الإنسان ..في الأحوال التي مرّ عليها طعامه الذّي يأكله ، قال تعالى ) فليَنظُر الإنسانُ إلى طَعَامِهِ*أنّا صَبَبنَا المَاءَ صَبّا*ثمّ شَققَنَا الأرضَ شَقّا*فَأنبَتنَا فِيهَا حَبّا*وعِنَبَا ًوَقَضبا*وَزَيتُونَا ًوَنخلاً *وَحَدَائقَ غُلبَا *ًوَفَاكِهَة ًوأبّا* مَتَاعا ً لَكُم وَلأنعَامِكُم (،فمن نظر في هذه النعم أوجب له ذلك شكر ربه،وجعله يبذل الجهد في الإنابة إليه، والإقبال على طاعته والتصديق بأخباره . لقد اشتمل كتاب الله على الأدلّة العقلية المقنعة في كل شأن مما عرض له كتاب الله ، فهل من متفكّر فيها !! فوائد التفكر: إذ في الاعتبار بذلك ، تقوية الإيمان والزيادة له ..في الاعتبار، زيادة الخوف من الله والرجاء له ..في الاعتبار تعريف الإنسان بحقائق المخلوقات ومعرفة الإنسان بحقيقة نفسه .. في الاعتبار، معرفة الدنيا وحقيقتها وزوالها وتذكر الآخرة مع الاستعداد لها . في الاعتبار بذلك ، قناعة العبد بما رزقه الله ، وسعادة قلبه ، وطمأنينة نفسه ... بالاعتبار تزيد البصيرة ، وتقوى الفراسة ،وتزيد الحكمة . بالاعتبار و التفكّر .. يدرك المرء عواقب الأمور .. بالتفكّر ،يدرك المرء قدرة ربه ، وعظمته ، ويدرك عدله ورحمته ، وحكمته وتمام ملكه ، وتفرّده بالتصرف في المخلوقات ، مع مشاهدة مقدار بعض نعم الله على العبد. بالتفكّر والاعتبار... ينتقل العبد إلى حمد الرب وشكر النعم ، والاستعداد ليوم المعاد .. وإذا غذي القلب بالتذكر، وسُقي بالتفكّر، وسلم من الآفات ، رأى العجائب وأُلهمَ الحكمة .. أسأل الله جلَّ وعلا أن يجعلنا وإياكم من المتفكّرين .. والله أعلم ، وصلّى الله على نبينا محمد.. |
10-08-10, 08:15 PM | #17 |
جُهدٌ لا يُنسى
|
بسـم اللـه الرحمـن الرحـيـم قــــلــــوب الصــــائـــمــين فـضـيــلــة الشــيـخ سعــد بـن نـاصــر الشثري الـــرضــــــا أما بعد ... فإن من الأعمال العظيمة الفائدة ،الكبيرة الأثر ،العميمة الثمرة ،الواسعة النفع ،أن يرضى العباد بقضاء الله ، وأن ترضى القلوب بأمر الله ونهيه ، بحيث تكون القلوب مبتهجة بذلك كله ..راضية به ، فترضى بقضاء الله ، وترضى بأوامر الله ،إذا جاء أمر من أوامر الله أو نهي من نواهيه ، رضيت القلوب بذلك .. الرضا :سرور القلب بأوامر الله وأقداره ولو كانت مؤلمة .. الرضا :عدم الجزع مما قضاه الله وقدّره ، فأهل الإيمان يرضون عن الله ، ويرضون بأحكام الله ، فيُسلّمون لها تمام التسليم ، ولا يوجد في قلوبهم أي اعتراض عليها ، سواءً كانت من الأحكام الشرعية أو الأحكام القدرية . رضا العبد عن الله.. أن لا يكره ما يجري به قضاءه ، وأن لا يسخط شيئاً من أوامره ، كان من دعاء النبي صلّى الله عليه وسلم ( اللهم إني أسألك الرضا بعد القضاء ) ، وقد جاء في الحديث أنّ النبي صلّى الله عليه وسلم قال : { ذاق طعم الإيمان ،}وقال النبي صلّى الله عليه وسلم :{ من قال حين يسمع النداء: رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا، غفرت له ذنوبه } ،وفي سنن ابن ماجه { ما من مسلم أو إنسان أو عبد يقول حين يمسي وحين يصبح رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا الا كان حقاً على الله أن يرضيه يوم القيامة }، فهذه الأحاديث عليها مدار عظيم من مقامات الدين ، وإليها ينتهي منزلة عالية من منزلة هذه الشريعة ، فقد تضمنت هذه الأحاديث الرضا بربوبية الله جلَّ وعلا وألوهيته سبحانه ، وتضمنت أيضا الرضا برسول الله صلّى الله عليه وسلم والانقياد له ، وتضمنت أيضا الرضا بدين الله مع التسليم له ،ومن اجتمعت له هذه الأمور ، فهو الصدّيق حقّا ، من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا فالرضا بإلوهية الله يتضمن: الرضا بمحبته وحده ، وخوفه ورجاءه ، والإنابة إليه ،، مع امتداد قوى القلب كلها لله وحده ،، ولا يحب الا لله ، وذلك فعل الراضي كل الرضا بمحبوبه ، وهذا يتضمن عبادة الله والإخلاص له وحده والتبتل إليه سبحانه بحيث لا يريد العبد الا الله .. وأما الرضا بربوبية الله فيتضمن الرضا بتدبيره لعبده .. ويتضمن أن العبد يرضى بكل ما قدّره الله عليه ، ولو كان من المصائب ، ويتضمن إفراد الله بالتوكّل عليه ، وبالاستعانة به ،، وأن يكون المرء راضيا ً بكل ما يفعله الله به ، فالنوع الأول يتضمن رضا العبد بما يؤمر به، والنوع الثاني يتضمن رضا العبد بما يقدّره الله عليه والثقة به والاعتماد عليه. وأما الرضا بنبيه رسولا .. فيتضمن كمال الانقياد له ، والتسليم المطلق إليه ، بحيث يكون أولى به من نفسه ، فلا يتلقّى الهدى الا من مواقع كلماته صلّى الله عليه وسلم ،ولا يحاكم الا إليه وإلى كتاب ربه ، ولا يحّكم غيره ،ولا يكون راضيا ً بحكم غيره ، لا في شيء من أحكامه الظاهرة أو الباطنة ، فإن عجز عن العثور على حكمه ، كان تحكيمه لغيره من باب الاضطرار كالمضطر لا يجد طعاما ً الا الميتة والدم . وأما الرضا بدين الله .. فإذا قال شرع الله سلّم له ، ورضي به ، أو حكم الله أو أمر أو نهى .. رضي كل الرضا بذلك ، ولم يبقى في قلبه حرج من حكمه ، وسلّم له تسليما ولو كان مخالفا ً لمراد نفسه أو هواها أو قول مقلّده أو شيخه أو طائفته، وثمرة الرضا بذلك .. الفرح والسرور بالرب تبارك وتعالى . من كمال عبودية العبد.. علمه بأن وقوع البلّية عليه من تقدير المالك الحكيم ، الذي هو أرحم بك يا أيها العبد منك بنفسك ،فيوجب له ذلك الرضا بالله والشكر له على تدبيره ولو كان مكروها ً له ..قال تعالى ) قُل لَن يُصِيبَنَا الا مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا هُوَ مَولانَا وَعلَََى اللهِ فَليَتوكّلِ المُؤمِنُون( أي هو متولي أمورنا الدينية و الدنيوية ، ولذلك فهو لا يقدّر لنا الا ما كان أحسن لنا ، فعلينا الرضا بأقداره . عدم رضا القلب .. يوجب قلق القلب واضطرابه وهمّه وغمّه ، ومن ارتقى إلى الرضا في المصائب ، علم أن الرضا جنّة الدنيا ، ومستراح العابدين ، وباب الله الأعظم ، ورأى ذلك نعمة لما فيه من صلاح قلبه ، ودينه ، وقربه إلى الله ، وتكفير سيئاته ،ومما يجعله يصدّ عن ذنوب تدعوا إليها شياطين الإنس والجن ، قال الله تعالى ) هذا يَومُ يَنفَعُ الصَادِقينَ صِدقهُم لَهُم جَنَّاتٌ تَجِرِي مِن تَحتِهَا الأنهار خَالِدينَ فِيهَا أبَدَا رَضيَ اللهُ عَنهُم ورَضُوا عنه ذَلِكَ هُوَ الفَوزُ العَظِيم ( وقال )والسَابِقُونَ الأَوّلُونَ مِن المُهَاجِرِينَ و الأنصَار والّذينَ اتّبَعُوهُم بإحسَان ٍرَضِيَ اللهُ عَنهُم ورضوا عنه وأعدّ لهم جنّات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم ( ، وقال) إنَّ الّذينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَالِحاَت أولَئِكَ هُم خَيرُ البَرِيّة جَزَاءُهُم عِندَ رَبّهِم جَنَّاتُ عَدن ٍتَجرِي مِن تَحتِهَا الأنهَار خَالدِِين فِيهَا أبَدا رَضِيَ اللهُ عَنهُم وَرَضُوا عَنه ذَلِكَ لِمَن خَشِيَ رَبّه( . إن الصبر والإكثار من الصلوات والأذكار ، يجعل العبد يشعر بالرضا ، قال تعالى) فاصبر عَلَى مَا يَقُولُون وَسَبّح بِحَمدِ رَبّكَ قَبلَ طُلُوع ِالشَمس وَقبل غُرُوبِهَا وَمِن آنَاءِ الليلِ فَسَبّح وَأطرَاف النّهَار لَعَلّكَ تَرضَى (، كتب عمر ابن الخطاب رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه (الخير كله في الرضا ، فإن استطعت أن ترضى و الا فاصبر)،وفي حديث علي :{ إن الله يقضي بالقضاء ، فمن رضي فله الرضا ، ومن سخط فله السخط}، قال الربيع ابن أنس:{علامة الشكر ، الرضا بقدر الله والتسليم لقضائه}. وليعلم العبد بأنّ دعاءه لله وتضرعه بين يديه ،لا ينافي الرضا ، وأن بذله للأسباب التي تكشف ما يكرهه ، ليس مما ينافي الرضا .. أسأل الله جلَّ وعلا أن يجعلنا وإياكم ممن رضي بقدر الله وأمره .. هذا والله أعلم ، وصلّى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين... |
10-08-10, 08:20 PM | #18 |
جُهدٌ لا يُنسى
|
بسم الله الرحمن الرحيم سلسلــة قلوب الصائمين لفضيلة الشيخ: سعد بن ناصر الشثري ====================== القناعـــة الحمد لله رب العالمين ،والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين .. أما بعد ، أسأله جل وعلا أن يجعلنا وإياكم ممن رُزق القناعة في كل شأنه ..إن من عبادات القلوب التي يتقرب المؤمنون بها إلى ربهم عبادة القناعة. القناعة: أن يقنع الإنسان بما قدر له الله من الرزق، والقناعة رضا العبد بالمقسوم من الأرزاق مع عدم تطلع القلب إلى غير ما في يدي صاحبة ..القناعة نعمة عظيمة ينعمها الله على بعض عباده ، فتهنأ نفوسهم وترتاح قلوبهم وقد بشّرت الحياة الطيبة بقوله تعالى ) فَلَنُحِييَنَّهُ حَيَاةً طَيبَةً ( بالقناعة والرضا والرزق الحسن . إن كثرة مال المرء لا تعني غناه ولا سعادته، وإنما الغنى في القناعة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : [ ليس الغنى عن كثرة العرض ولكن الغنى غنى النفس ] .متفق عليه. ومن أسباب القناعة عدم تطلع الإنسان إلى من فضّله الله عليه في أمور الدنيا وإنما يطالع من كان أقل منه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: [أنظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فإنه أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم ] وبذلك يحصل للمرء القناعة و الرضا بما رزقه الله فيكون من أهل العفاف،يقول النبي صلى الله عليه وسلم: [ومن يستعفف يعفّه الله ومن يستغني يغنه الله] متفق عليه. إن القناعة كما يحصل بها راحة البال وهدوء النفس.. يحصل بها الفلاح والنجاح دنياً وآخرة، في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ قد أفلح من أسلم ورزق كفافا وقنّعه الله بما آتاه] ،عند ابن حبّان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:[ طوبى لمن هدي إلى الإسلام وكان عيشه كفافا وقنّعه الله به] ،وفي الحديث الاخر يقول النبي صلى الله عليه وسلم: [من أصبح معافىً في بدنه آمناً في سربه، عنده قوت يومه وليلته،فكأنما حيزت له الدنيا]. عند ترك الإنسان للقناعة تنشأ الخصومات الجالبة للسوء في الدنيا والآخرة، جاء في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:[ والله ما الفقر أخشى عليكم ولكن أخاف أن تُبسط عليكم الدنيا كما بُسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها، فتهلككم كما أهلكتهم] فجعل الدنيا المبسوطة هي المهلكة ، بسبب حبها وشدّة الحرص عليها والمنافسة فيها والجزع من أجلها،فما أشنع آثار ترك القناعة ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم:[ ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص الرجل على المال والشرف لدينه ] . كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو ربه أن يجعله من أهل القناعة، فقد ورد أن من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم بين الركنين ( ربي قنعّني بما رزقتني وبارك لي فيه واخلف عليا كل غائبةٍ بخير..). القناعة لا تعني أن يرد العبد ما يصل إليه من أرزاق الله أو من الهدايا والهبات..ولكن القناعة عدم تطلع العبد إلى ما لم يقّدره الله له وعدم حزنه على فوات بعض الأرزاق عليه.. فمن كان كذلك فما أعظم بركة الله عليه، جاء في حديث حكيم ابن حزام قال:[ سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاني ثم سألته فأعطاني ثم سألته فأعطاني، ثم قال: يا حكيم إن هذا المال خضر حلو فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه،ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه وكان كالذي يأكل ولا يشبع ]. قال سعد ابن أبي وقاص رضي الله عنه لابنه : { يا بني ، إذا طلبت الغنى فاطلبه بالقناعة ، فإنها مال لا ينفذ ، وإياك والطمع فإنه فقر حاضر وعليك باليأس ،فإنك لم تيأس من شيء قط إلا أغناك الله عنه.}. ولن يترك المرء القناعة إلا لأحد أمرين إما حرص وجشع وإما لخفة ومهانة وإضاعة ... إن القناعة لا تعني أن يترك الإنسان سبل الاكتساب ، أو أن لا يبذل المرء الأسباب لتحصيل الأرزاق، فذلك ليس من القناعة في شيء ، بل هذا من الكسل وعدم القيام بما رغب الله فيه من الاتّجار ، قال أنس رضي الله عنه : [ أربع من الشقاء .. جمود العين ، و قساوة القلب ، وطول الأمل ،والحرص .] :[] ولذا قيل القناعة كنز لا يفنى ..وأطيب العيش القناعة . فإن الحرص والجشع مما يضاد القناعة .. قال ابن القيم الحرص هو الكَلَبُ على الدنيا رأس كل خطيئة، وأصل كل بلية، وأساس كل رزيّة قال بعضهم : أول ذنب عصي الله به نتج من الحرص والكبر والحسد ، فالحرص من آدم و الكبر من إبليس والحسد من قابيل .. وقال ابن القيم عن سوء الخاتمة :[ لسوء الخاتمة أسباب أعظمها الانكباب على الدنيا وطلبها ،والحرص عليها والإعراض عن الآخرة ..] . إن القناعة تجعل العبد يؤدي حقوق الله المالية ، بل تجعله ينفق في الطاعات من غير الواجبات ، فيعظم بذلك أجره ويخلف الله عليه ما أنفقه ،فإن الله قد وعد المنفقين بالخلف)وَمَا أَنْفَقَُتم مِنْ شَيءٍ فَهُوَ يُخلِفه وَهُوَ خَيرُ الرّازِقِين(وفي الحديث القدسي (يا ابن آدم أنفق أُنفِقُ عليك}،وفي الحديث النبوي :[ ما من صباح ٍإلا ويُنادي فيه مُنادِيان يقول أحَدهما اللهم أعطي مُنفقاً خلفا ويقول الأخر اللهم أعطي مُمسِكاً تَلَفا ] . ومما يعين العبد على تحصيل القناعة .. العلم بأن الأرزاق بيد الله كما قال سبحانه )يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِّن عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ ( ومما يعين على ذلك أن يعلم العبد أن الله قد تكفّل بإيصال الأرزاق إلى العباد ،وتكفّل بإيصال ما قُدّر لكل عبد إليه كما قال سبحانه ) وما منْ دَابّةٍ في الأَرضِ إِلّا عَلَى اللهِ رِزقُها( وفي الحديث :[ إن الرزق ليطلب العبد كما يطلبه أجله ]. إن الحرص ينقص من قدر المرء عند الله وعند الخلق ، إن الحرص لا يستجلب رزقا ولا يؤثّر في قضاء الله وفي الخبر[ لا تستبطئوا الرزق فإنه لم يكن عبدٌ ليموت حتى يبلغ آخر رزق له ، فأجملوا في الطلب ، خذوا ما حلّ ودعوا ما حرم ]. إن الحرص مؤثّرٌ سلباً على قلب المرءِ وتصوراته، فإنه يمنعه من تمام العلم وكمال التصور، فالحرص يمنع من الاستمتاع بنعم الله والقناعة تورث الطمأنينة القلب وانشراح الصدر، بينما الجشع يورث قلق القلب واضطرابه وهمّه وغمه . إن ترك القناعة يؤدي إلى الشح والبخل والظلم وهي أفعال مذمومة شرعا ، فإن أصل الشح شدّة الحرص فيتولد عنه البخل والظلم ، قال تعالى )ومنْ يوقَ شُحَّ نَفسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُون ( ، أباح الله لبني إسرائيل الصيد في جميع أيام الأسبوع إلا يوم السبت ، فلم يدعهم حرصهم وجشعهم حتى تعدّوا إلى الصيد فيه ، فعاقبهم الله بالحرمان التام مع تحويلهم قردة وخنازير ، ولذا فيترك المرء مجالسة أهل الحرص على الدنيا لعله يسلم مما هم فيه . أسأل الله جل ّ وعلا أن يرزقنا وإياكم القناعة وان يبعد عنا الحرص و الجشع ، هذا والله أعلم ..وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .... |
10-08-10, 08:26 PM | #19 |
جُهدٌ لا يُنسى
|
بسم الله الرحمن الرحيم سلسلــة قلوب الصائمين لفضيلة الشيخ: سعد ابن ناصر الشثري ====================== اليــقيــــــن الحمد لله على نعمة الإيمان و اليقين ، وأشهد أن لا إله إلا الله صدقاً نجزم به جزم اليقين ، والصلاة و السلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ... أما بعد ...فإن من الأعمال الصالحة التي تتقرب القلوب بها إلى باريها جلّ وعلا أن تحصِّل اليقين وتبتعد عن الشبهات . واليقين طمأنينة القلب واستقرار العلم فيه ، وضد اليقين الريب و الشك الذي يتضمن الاضطراب وكثرة الحركة .. واليقين مبني على علم ٍ للقلب وجزم ٍ منه مع عمل القلب بذلك الجزم ، قال ابن مسعود رضي الله عنه : {خير ما ألقي في القلوب اليقين }وقال :{ اليقين الإيمان كله }. وعلامة اليقين وفائدته أن صاحبه إذا وردت عليه شبهه أو حصلت له فتنة وابتلاء ، فإنه يثبت ولا ينجرف معها ولا يتبع كل ناعق ، قال الحسن: { باليقين طُلبت الجنة ، وباليقين هُرب من النار ، وباليقين أُدّيت الفرائض ، وباليقين صُبر على الحق }. اليقين مع الصبر من أسباب نيل الإمامة في الدين ، كما قال تعالى ) وَجَعلنا مِنهم أَئِمّةً يَهدُونَ بِأَمرِنا لَمّا صَبَروا وَكَانوا بِآياتِنَا يُوقِنُون ( ، وانظر لموقف النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بقوله تعالى )( .. الّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إنَّ النّاسَ قَد جَمَعوا لَكم فَا اخْشَوهم فَزَادَهم إيماناً وَقَالوا حَسبُنَا اللهُ وَنعمَ الوَكِيل أهل اليقين هم الّذين يستفيدون من الآيات ويتفكرون فيها ، كما قال سبحانه ) وفي الأَرضِ آياتٌ لِلمُوقِنين ( جاء في الحديث عن أنس رضي الله عنه أنه قال : { كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول: اللهم يا مقلّب القلوب ثبت قلبي على دينك }، فالدعاء من أسباب تحصيل اليقين ، وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم أيضا: {اللهم أرزقني من اليقين ما تُهّون به عليّ مصائب الدنيا } ، وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :{ سلوا الله العافية و اليقين فإن اليقين نعمة من الله }، قال بعض العارفين : [ اليقين واردات ترد على النفوس ، تعجز النفوس عن ردها ] ... إن من أسباب تحصيل اليقين في القلوب ، طلب العلم الشرعي مع الاهتداء بالكتاب والسنة ، قال سبحانه : )ذَلِكَ الكِتَابُ لا رَيبَ فِيه هُدىً لِلمُتقين ( وقال جلّ وعلا) يُفصِّلُ الآياتِ لَعلََّكم بِلِقاءِ رَبِكم تُوقِنون ( .. إن من أسباب تحصيل اليقين في القلوب أن يعمل المرء بما لديه من العلم ، كما قال سبحانه ) قَد جَاءَكم مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِين يهدي به اللهُ مَن اتّبَعَ رِضوَانَهُ سُبُلَ السّلام ( .. إن من أسباب تحصيل اليقين في القلوب أن يتفكّر العبد في آيات الله الكونية ، وأن يعرف أنها من الله وأن ينظر إلى ما فيها من العجائب ، قال تعالى ) سنُرِيهِم آياتِنا فِي الآفاق ِوفي أَنفُسِهِم حَتى يتبيّنَ لَهم أَنّهُ الحقََّ أو لم يكفي بِرَبِكَ أَنّهُ عَلَى كُلِّ شيءٍ شَهِيد ( . إن من أسباب تحصيل اليقين .. أن يتخفف العبد من الذنوب ، بتركها قبل فعلها أو بالاستغفار والتوبة منها بعد حصولها ، وقد ورد في الحديث { أن للقلوب صدأ ً كصدأ النحاس وجلاءها الاستغفار} . ومن أسباب تحصيل اليقين .. أن يعرف المرء عادة الله جلّ وعلا في نصر أولياءه المؤمنين ، وإنزال العقوبة بأعداءه المجرمين ، قال تعالى ) وكُلاً نَقُصُّ عَلَيكَ مِنْ أَنبَاءِ الرُسُلِ مَا نُثَبِتُ به فُؤَادَك ( . إن من أسباب تحصيل اليقين .. أن يتأمل المرء في عجز الأمم عن الإتيان بمثل هذا القرآن ، قال تعالى ) وَإِن كُنْتُم فِي رَيبٍ مِمّا نَزّلنَا عَلَى عَبدِنَا فَأتُوا بِسُورةٍ مِن مِثلِه ( ، إن الإقبال على المعاصي والاستجابة لمضلّات الفتن من أسباب زوال اليقين كما في الحديث : { تعرض الفتن على القلوب كالحصير عوداً عودا ، فأي قلب أُشربها نكتت فيه نكتةٌ سوداء ، وأي قلب أنكرها نكتت فيه نكتةٌ بيضاء ، حتى تصير على قلبين.. قلب ابيض مثل الصفا لا تضره فتنة ما دامت السموات و الأرض ، والآخر أسود مربادا لا يعرف معروفا و لا ينكر منكراً إلا ما أشرب من هواه } . إن عدم التزام الإنسان بما أمر الله به من فعل الطاعات من أسباب زوال اليقين ، قال تعالى ) فَأَعَقَبَهم نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِم إلى يَومِ يَلقَونَهُ بِمَا أَخلَفُوا اللهَ مَا وَعَدوه وبِمَا كَانُوا يكذِبُون ( ، إن لدى أهل الإسلام من اليقين ما ليس لغيرهم ، ولدى أهل السنة من اليقين ما ليس لأهل البدع ، ولدى علماء أهل السنة من اليقين ما ليس لعوامّهم ، وهكذا الإيمان إذا خالطت بشاشته القلوب لا يسخطه أحد . وليحذر الإنسان من أن يعاقبه الله تعالى فيزيل اليقين من قلبه ، فإن الله قادر على ذلك كما قال سبحانه ) فَإِن يشَاءِ اللهُ يَختِمُ عَلَى قَلبِك ( ، وقال ) وَاعْلَمُوا أنَّ اللهَ يَحُولُ بَينَ المرءِ وَقَلبهِ ( ، وقال )( وَكَذَلِكَ يَطبَعُ اللهَُ علَى قلوبِ المُعتَدين وقال ) وَكَذَلِكَ نَسلُكُهُ في قُلُوبِ المُجرِمِين لا يُؤمِنُونَ به حَتى يَرَوا العَذَابَ الأليم (. لقد سمع الله قول أولئك الّذين ضعف يقينهم بسبب ما حصل لديهم من المرض مرض القلب ، ووصفهم بقوله (في قُلُوبِهِم مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللهُ مَرَضَا ) ، فترى اّلذين في قلوبهم مرض يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة .. إن عدم اليقين من أسباب دخول جنهم ، قال الله تعالى حاكياً عمن دخل النار (وَمَا نَحنُ بِمُستَيقِنِين ) ، إن مما يجعل بعض الناس لا يوقن بوعد الله الصادق .. تلك الأماني الكاذبة ، والدعاوي الباطلة التي تغرّ الإنسان وتجعله يغفل عن المطالب القطعية والمسائل اليقينية ، قال تعالى ) يَا أَيُّها الإنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّك الكَرِيم ( ، وقال سبحانه ) أَمّن هَذَا الذِي يَنصُرُكم مِن دُونِ الرّحمَنِ إنِ الكَافِرُونَ الا في غُرُور ( ، قال ابن مسعود : { كفى بخشية الله علما ، وكفى بالاغترار بالله جهلا } . ومما يبعد اليقين ..الغرور بالدنيا ، بحيث تخدع الأمور الدنيوية الإنسان ، فيظن أنها المقصود الأساسي ، فيغفل عن الآخرة ، قال تعالى )الّذِينَ اتَخَذوا دِينَهم لَهُواً وَلَعِبَا وَغرّتُهُمُ الحَياةِ الدُنيا فَاليومَ ننسَاهم كَما نَسُوا لِقَاءَ يَومِهِم هَذَا وَمَا كَانُوا بِآياتِنا يَجحَدُون ( ، وقال ) وَذَرِ اللذين اتْخَذُوا دِينَهُم لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرّّتْهُمُ الحَياةُ الدُّنْيا ( ، وقال ) يَا أيُّهَا النَّاسُ إنَّ وَعدَ اللهِ حق فلا تَغُرَّنَكمُ الحياةُ الدنيا ولا يغُرّنَّكم بِاللهِ الغَرور (. إن مما يصد عن اليقين.. الغرور بوعود الشيطان الكاذبة، قال تعالى) وَمَا يَعِدهُمُ الشَيطَانُ الا غُرُورا ( ، ومن ذلك أن يغترّ بعض الناس بما أعطي الكفار من متاع الحياة الدنيا ، قال تعالى )لا يغُرّنَّكَ تَقلُّبُ الّذِينَ كَفَرُوا فِي البلاد متاعٌ قليل ثُمَّ مَأواهم جهَنّم و بئس المهاد( ، وقال) مَا يُجَادِلُ فِي آياتِ اللهِ الا الّذِينَ كَفَروا فَلا يَغرُركَ تَقلُّبِهِم فِي البلادِ(، وممّا يصد عن اليقين..الاغترار بالدعاوى الزائفة التي تطلقها جماعات مبطلة ، يحاولون نشر أكاذيبهم وأباطيلهم ليوهموا الناس وليُموِّهوا على الناس ، قال تعالى ) وَكَذَلِكَ جَعَلنا لِكُلِّ نَبيٍ عَدُواً شَياطِينَ الإنسِ والجنِ يُوحِي بَعضَهُم إلى بَعضٍ زُخرُفَ القَولِ غُرُورا وَلو شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرهم وَمَا يَفتَرُون( ، وقال سبحانه ) ذَلِكَ بِأَنّهم قَالُوا لَن تَمَسَّنَا النَّارُ الا أيَّامَاً مَعْدُودَات وَغَرَّهُم في دِينِهِم مَا كَانُوا يفتَرُون (، وقال ) بَل إن يَعدُ الظَالِمُونَ بَعضُهم بَعضَاً الا غُرُورَا (. ومما يصد عن اليقين.. اغترار الإنسان بما أعطاه الله من نعم ، وغفلته عن قدرة الله على إزالتها )( وقال ) وَقَالوا نَحنُ أكثَرُ أموالاً وَأولاداً وَمَا نَحنُ بِمُعذَّبِين ( ، اسمع قول الله تعالى ) وَيِِلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَة الّذِي جَمَعَ مَالاً وَعَدّدَا يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أخلَدَه كلاَ لَيُنْبَذَنَّ فِي الحُطَمَة ( .. فَأَمَّا عَادٌ فَاستَكْبَرُوا فِي الأرضِ بِغَيرِ الحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أشَدُّ مِنَّا قُوة أَوَلمْ يَرَوا أنَّ اللهَ الذِي خَلَقَهم هَوَ أشَدُّ مِنهم قُوة وَكَانوا بِآياتِنَا يَجحَدُون أسأل الله جلّ وعلا أن يجعلنا وإياكم من أهل اليقين .. اللهم برّد قلوبنا باليقين ..هذا والله أعلم ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .... |
11-08-10, 09:32 PM | #20 |
جُهدٌ لا يُنسى
|
بسـم اللـه الـرحـمـن الـرحـيـم قــلـــوب الصـــائــميـــن لفــضيـلــة الشـيـخ سـعـد ابـن نـاصـر الشـثـري الاعـتـراف بـفـضـل الـلـه ونـعـمـه الحمد لله المنعم المتفضل .. أنعم علينا فأجزل ..وأعطانا فأكثر..ما أعظم منّة الله علينا ، وما أكثر فضائله الواصلة إلينا ، ومن أعظم نعم الله علينا أن جعلنا من أتباع محمد صلّى الله عليه وسلم .. أما بعد .. فإن من أعمال القلوب الاعتراف بفضل الله ونعمه , وخصوصاً بما أنعمه الله علينا في شهر رمضان ، من إنزال كتابه ، ومن تعظيم الأجر والثواب على الأعمال فيه ، ومن وجود ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر . وقد ذكّرنا الله بنعمه في مواطن عديدة من كتابه ، كما قال سبحانه) ألَم تَرَوا أنّ اللهَ سَخّرَ لَكُم مَا فِي السَماوَاتِ وَمَا فِي الأرض وأسبَغَ عَلَيكُم نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَه( وقال) الّذي جَعَلَ لَكُم الأرضَ فِرَاشَا ًوالسَمَاء ِِبِناَءَ وأنزَلَ مِنَ السمَاء ِمَاءً فَأخرَجَ به منَ الثَمَرَاتِ رزقَاً لَكُم ( . وقد أمرنا الله تعالى بتذكر نعمه ، فقال سبحانه ) يا أيُّهَا النّاسُ اذكُرُوا نِعمَةَ اللهِ عَلَيكُم( وقال) واذكُرُوا نِعمَةَ الله ِعَلَََيكُم ومِيثَاقَهُ الّذِي وَاثَاقَكُم بِه ِإذ قُلتُم سَمِعنَا وأطَعنَا ( ، فأمر الله المؤمنينبتذكر نعمه الدينية والدنيوية ، ومنذلك تذكر هذه النعم بالقلوب ، وبذلك يزول أعجاب الإنسان بنفسه ، ويعرف أن ما عنده من النعم فإنه فضل من الله جلَّ وعلا . ومن نعم الله العظيمة .. التي أنعم بها علينا أن جعلنا من أهل الإسلام والقرآن ، فلابد أن يعرف القلب ذلك ، وأن يفرح به ، قال تعالى) يا أيَّهَا النّاسُ قَد جَاءَتُكُم مَوعِظَةٌ مِن رَبِّكُم وشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُدُور وهُدَىً ورَحمَةٌ لِلمُؤمِنِين قُل بِفَضل ِاللهِ وبِرَحمَتِهِ فَبذَلِكَ فَليَفرَحُوا هُوَ خَيرٌ مِمَّا يَجمَعُون ( . وأعظم ذلك .. نعمة التوحيد ، بإفراد الله بالعبادة ، وعدم صرف شيء منها لغير الله ، كما قال تعالى عن يوسف عليه السلام )مَا كَانَ لَنَا أن نُشرِكَ بِاللهِ مِن شَيء ذَلِكَ مِن فَضلِ الله ِعَلَينَا وعَلَى النّاس ولَكنَّ أكثَرَ النَّاس ِلا يَشكُرُون ( . وقد كرر الله في كتابه التذكير بأن الله وحده :هو الذي ينفرد بجلب النعم ، ودفع النقم .. ومن عرف أن النعم كلها الظاهرة والباطنه ، القليلة والكثيرة إنما يتفضل الله بها وحده ، وأنه ما من نعمة الا منه ، ولا من نقمة ولا شدّة ولا كربة الا والله هو المنفرد بدفعها ، وان الخلق لا يملكون لأنفسهم فضلاً عن غيرهم جلب نعمة ولا دفع نقمة . من عرف ذلك .. كان من عبّاد الله ـ جلَّ وعلا ـ بقلبه ، قال تعالى) وإن يَمسَسكَ اللهُ بِضُرّ فَلا كَاشِفَ لَهُ الا هُوَ وإن يُرِدكَ بخَير ٍفَلا رَادّ لِفَضلِه يُصِيبُ بهِ مَن يَشَاءُ مِن عِبَادهِ وهُوَ الغَفُورُ الرّحِيم ( وقال) مَا يَفتَح ِالله لِلنّاسِ مِن رَحمَةٍ فلا مُمُسِكَ لَهَا وَ مَا يُمسِك فَلا مُرسِلَ لَهُ مِن بَعدِه ( وقال ) ومَا بِكُم مِن نِعمَةٍ فَمِنَ الله ( . والمؤمن معترف بأن الله هو الذي أوجده من العدم ، وأمدّه بأسباب الحياة ، وواصل عليه النعم ونقله من طور إلى طور حتى سوّاه وجعله رجلاً كامل الأعضاء والجوارح المحسوسة والمعقولة ، وبذلك يسّر له من الأسباب ، وهيّأ له من نعم الدنيا ،ولم يحصل ذلك بقوة العبد ولا بقدرته ولا بحيلته ، بل حصل بنعمة من الله وفضل ، قال تعالى ) وأمّا بِنعمَةِ رَبّكَ فَحَدّث( أي فليتحدّث القلب واللسان بنعم الله تعالى ، وقال) وَذَكِّرهُم بأيّامَ الله( قال ابن عبّاس :{ بنعم الله }. وجاءت النصوص تحذّر من الاغترار بنعم الله .. وإمهال الله للعبد ، قال تعالى) ولَئِن أَذقنَاهُ نَعمَاءَ بَعدَ ضَرّاءَ مَسّته لَيقُولَنَّ ذَهَبَ السَيئَاتُ عَنّي إنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُور ( وقال) وإذَا أنعَمنَا عَلَى الإنسَانِ أعرَضَ ونَاءَا بجَانِبه( وقال) واللهُ لا يُحِبُّ كُلّ مُختَالٍ فَخُور( أي متكبر معجب بنفسه ،فخور بنعم الله ينسبها إلى نفسه وــــــــــــــــ وتلهيه تلك النعم . كما أن العبد يحذر من إضافة نعم الله إلى من كان سبب فيها ، لأن السبب لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضرا، ولا يستقلّ بإيجاد تلك النعم ، قال الله تعالى) يَعرِفُونَ نِعمَة َالله ِثُمّ يُنكِرُونَهَا (فإنهم لما أضافوا النعمة إلى غير الله ، فقد أنكروا نعمة الله بنسبتها إلى غيره ، فإن الذي يقول هذا .. جاحد لنعمة الله عليه ، غير معترف بها . فهو كالأبرص والأقرع اللذَين ذكرهما الملك بنعم الله عليهما فأنكراها وقالا :{ إنما ورثنا هذا كابرا ًعن كابر }. وكون النعم موروثة عن الآباء ، أبلغ في إنعام الله عليهم ، إذ أنعم بها على آبائهم ، ثم أورثهم إياها ،فتمتعوا هم وآباءهم بنعم الله . إن اعتراف القلب بفضل الله .. يكسب رضا الله ومحبته ، اعتراف القلب بفضل الله .. من أسباب حفظ النعمة وزيادتها وعدم زوالها ، فيحسن أن تعالج القلوب غير الشاكرة بأن تعرف وتعرّف بأن النعمة إذا لم تشكر زالت ولم ترجع ، قال الفضيل ابن عياض :{ عليكم بملازمة الشكر على النعم ، فقلّ نعمة زالت عن قوم فعادت إليهم }. والنعم كالحيوانات الوحشية ..لا يمكن تقييدها الا بالشكر .. إن اعتراف القلب بأن النعم من الله ..يوجب تعلق القلب بالله ..ومحبته له ، والتأله له وحده لا شريك له . إن اعتراف القلب بنعم الله ركن من أركان شكر نعم الله ، وفي الخبر من أسديت إليه نعمه ، فذكرها فقد شكرها ، ومن سترها فقد كفرها . وقد أمر الله بشكر النعم فقال) فَاذكُرُونِي أذكُركُم واشكُرُوا لِي و لا تكفُرُون ( وقال) لَعَلّكُم تَشكُرُون(، إن عدم اعتراف القلب بنعمة الله على العبد ، سبب من أسباب نزول العقوبات الدنيوية ، قال تعالى) فَلَمّا نَسُوا مَا ذُكِرُوا به ِفَتَحنَا عَليهِم أبوابَ كلّ شَيءٍ حَتى إذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أخَذنَاهُم بَغتَة فَإذَا هُم مُبلِسُون فَقُطِعَ دَابِرَ القَومِ الّذينَ ظَلَمُوا والحَمدُ لله ِرَبِّ العَالَمِين( . اعتراف القلب بنعم الله يكون على الإجمال بمعرفة أن جميع النعم من الله ، واعتراف القلب بنعم الله يكون بالاعتراف بما حضر في القلب من نعم الله بأنها تفضل منه سبحانه .لأن القلب لا يتمكن من الإحاطة بنعم الله لأن نعم الله كثيرة وأقسامها واسعة عظيمة ، وقدرات العباد قاصرة عن الإحاطة بمبادي نعم الله فضلاً عن غاياتها وكمالها ، كما قال تعالى )وإن تَعُدّوا نِعمَةَ الله ِلاَ تُحصُوهَا ( فيدل هذا على أن العباد لا يعرفون نعم الله على سبيل التمام و الكمال ، وإذا كان كذلك فلن يتمكّنوا من الاعتراف بجميع تلك النعم ، وهذا يدل على أن طاعة العبد وشكره لن يوازي نعم الله على العبد . ولينظر الإنسان في بدنه .. كم من جزء لا يعرف الإنسان نعمة الله عليه فيه الا إذا ظهر فيه أدنى خلل يجعله يتنغّص في عيشه ، ويتمنى إنفاق جميع الدنيا لإزالة ذلك الخلل ، مع أن الله تعالى يدبر أحوال الإنسان على الوجه الأكمل الأصلح ، ومع أن الإنسان لا علم له بوجود ذلك الجزء ، ولا بكيفية جلب مصالحه ، ولا كيفية دفع مفاسده . ومن أسباب جعل العبد يعترف بنعم الله عليه .. أن يتفكّر في أحوال أولئك الّذين سلبت نعم الله منهم ، من المرضى والفقراء وأهل المعاصي ، وكيف أن الله ـ جلَّ وعلا ـ تفضّل على العبد فلم يجعله مماثلا ً لهؤلاء الّذين سلبت منهم نعم الله ـ جلَّ وعلا . ولذلك على العباد أن يعترفوا بأن الخيرات والنعم الواصلة إليهم هي فضل من الله جلَّ وعلا وأنه سبحانه هو المتكرّم بها ، وأنها لم تحصل بسبب من العبد ، وأنها لم تحصل بفعل العبد ، وإنما حصلت بكرم من رب العزّة والجلال .. أسأل الله جلَّ وعلا أن يجعلنا وإياكم من الشاكرين لنعمه .. المعترفين بها .. ممن كانت قلوبهم تضيف تلك النعم إلى الله وحده . هذا والله أعلم .. وصلّى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ... |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
(View-All) Members who have read this thread in the last 30 days : 0 | |
There are no names to display. |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
وماذا بعد رمضان ؟؟ | رقية مبارك بوداني | روضة الفقه وأصوله | 4 | 20-08-13 08:16 AM |