08-02-11, 12:30 PM | #21 |
|تواصي بالحق والصبر|
مسؤولة الأقسـام العامة |
مفهوم لفظة "الكراهة" التي جرت على لسان الأئمة مما غلط فيه كثير من الناس حتى بعض الخواص من أهل العلم حمل لفظة الكراهة التي جرت على لسان سلفنا الصالح على ما هو مصطلح عليه عند المتأخرين, حيث قرر المتأخرون من الأصوليين والفقهاء على أن الكراهة أو المكروه هو: "ما طلب الشارع تركه طلبا غير جازم" تقريب الوصول إلى علم الاصول لابن جزي 212, وهو: "ما يمدح تاركه ولا يذم فاعله" نهاية السول للأسنوي 1/64 مع شرح البدخشي. وهذا المعنى حادث لا ينبغي حمل كلام أئمة السلف الذي وردت فيه هذه اللفظة عليه بلا قرينة قوية, حيث غلب على السلف الصالح استعمال لفظة الكراهة بمعنى التحريم من باب الورع, وهذا كما قال مالك رحمه الله في كثير من أجوبته: أكره هذا, وهو حرام, وكذا أحمد رحمه الله قال في الجمع بين الأختين بملك اليمين: أكرهه, ومذهبه تحريمه, إلى غير ذلك, انظر إعلام الموقعين 1/39. وقد اقتدوا في ذلك بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم حيث استعملت هذه اللفظة فيهما على معنى التحريم. قال ابن القيم: "وقد قال تعالى عقب ذكر ما حَرَّمَه من المحرمات من عند قوله: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ) إلى قوله: (فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا) إلى قوله: (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ) إلى قوله:( وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى) إلى قوله: ( وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقّ) إلى قوله: (وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ) إلى قوله: (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) إلى آخر الآيات, ثم قال: (كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيٍّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوها). وفي الصحيح قال عليه الصلاة والسلام: (إن الله كره لكم ثلاثا: قيل وقال, وإضاعة المال, وكثرة السؤال)" إعلام الموقعين 1/40. قال الرازي رحمه الله: "وأما المكروه فيُقال بالاشتراك على أحد أمور ثلاثة: أحدهما: ما نُهي عنه نهي تنزيه: وهو الذي أشعر فاعله بأن تركه خير من فعله, وإن لم يكن على فعله عقاب. وثانيها: المحظور، وكثيرا ما يقول الشافعي رحمه الله: أكره كذا وهو يريد به التحريم. وثالثها: ترك الأوْلى: كترك صلاة الضحى ويسمى ذلك مكروها لا لنهي ورد عن الترك بل لكثرة الفضل في فعلها" المحصول 1/104, وانظر الإحياء 2/51. وعليه قال ابن القيم رحمه الله: "وقد غلط كثير من المتأخرين من أتباع الأئمة على أئمتهم بسبب ذلك, حيث توَرَّع الأئمة عن اطلاق لفظ التحريم, وأطلقوا لفظ الكراهة فنفى المتأخرون التحريم عما أطلق عليه الأئمة الكراهة, ثم سهل عليهم لفظ الكراهة, وخفت مؤنته عليهم, فحمله بعضهم على التنزيه, وتجاوز به آخرون إلى كراهة ترك الأولى, وهذا كثير جدا في تصرفاتهم فحصل بسببه غلط عظيم على الشريعة وعلى الأئمة" إعلام الموقعين 1/39. أبو أويس الإدريسي موقع منزلة المرأة في الإسلام
|
08-02-11, 02:10 PM | #22 |
|تواصي بالحق والصبر|
مسؤولة الأقسـام العامة |
طلب المؤهل لتلقي الأحكام والفتاوى
الناظر في عالم الفتيا وحال المستفتين يجد خلطا عجيبا, وجهلا عريضا حتى صار الناس يتلقون الأحكام الشرعية عمن هب ودب, ويسألون من يجدونه أمامهم مغترين تارة بالشكل, وتارة بالمنصب, وتارة بالتشدق في الكلام ونحو ذلك. مع أن الذمة لا تبرأ إلا بسؤال من يعتبر في الشريعة جوابه, ومن يقبل في ميزان العلم كلامُه كما قال تعالى: "فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ". قال السعدي رحمه الله في تفسير الآية: "..وفي تخصيص السؤال بأهل الذكر والعلم نهي عن سؤال المعروف بالجهل وعدم العلم، ونهي له أن يتصدى لذلك" تيسير الكريم الرحمن. وكان محمد بن سيرين رحمه الله تعالى يقول: "إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم" مقدمة صحيح مسلم 1/84 شرحه للنووي. فالمستفتي يجب عليه أن لا يستفتي إلا من غلب على ظنه أنه أهل لذلك, ويُنْظَر في ذلك إلى جهتي العلم والعدالة، حيث يشتهر المفتي والمسؤول بذلك عند طلاب العلم وأربابه, فإن الشهرة تغني عن التتبع. قال صاحب المراقي: من لم يكن بالعلم والعدل اشتهر **** أو حصل القطع فالاستفتا انحظر قال العلامة الشنقيطي رحمه الله عند شرحه لهذا البيت: "يعني أن من لم يشتهر بالعلم والدين والورع، ولم يحصل لمن أراد أن يستفتيه قطع بذلك, أو ظن (أي: غلبته) فإنه لا يجوز له أن يستفتيه ولو استفتاه ما جاز له العمل بفتواه" نثر الورود 2/644. وتُعلم تلك الصفات في المفتي بما يراه المستفتي من انتصابه للفتيا, واحترام الناس له وأخذهم عنه أو يخبر عدل عنه.انظر روضة الناظر 3/1021. ومما يزيد الأمر تقريرا وتأكيدا أن العلماء قرروا أن المرء الذي لم يعرف بالعلم ولا بالجهل كذلك لا يجوز استفتاؤه أيضا. قال الآمدي رحمه الله في معرص ذلك: "والحق امتناعه على مذهب الجمهور، وذلك لأنه لا نأمن أن يكون حال المسؤول كحال السائل في العامية المانعة من قبول القول، ولا يخفى أن احتمال العامية قائم بل أرجح من احتمال صفة العلم والاجتهاد, نظرا إلى أن الأصل عدم ذلك" الإحكام 4/300. إذن فليحرص المرء على طلب المؤهل لتلقي الأحكام والفتاوي فليست أهلية الفتوى بمجرد المنصب والولاية كما يظن البعض. قال شيخ الإسلام رحمه الله: "والمنصب والولاية لا يجعل من ليس عالما مجتهدا عالما مجتهدا, ولو كان الكلام في العلم والدين بالولاية والمنصب لكان الخليفة والسلطان أحق بالكلام في العلم والدين" الفتاوي 27/299. وليست أهلية الإفتاء بالشكل كذلك. قال ابن القيم رحمه الله في معرض الكلام عن ذلك: "..وهذا الضرب إنما يستفتون بالشكل لا بالفضل, وبالمناصب لا بالأهلية, قد غرَّهم عكوف من لا علم عندهم عليهم, ومسارعة أجهل منهم إليهم, تعج منهم الحقوق إلى الله عجيجا, وتضج منهم الأحكام إلى من أنزلها ضجيجا, فمن أقدم بالجرأة على ما ليس بأهل من فتيا أو قضاء أو تدريس استحق اسم الذم, ولم يحل قبول فتياه ولا قضائه, هذا حكم دين الإسلام" إعلام الموقعين 4/208. كذلك لا يجوز استفتاء المتعصب للهوى والمقلد الأعمى لخروجهما عن زمرة العلم وأهله. قال ابن القيم رحمه الله: "قال الشافعي رحمه الله: أجمع المسلمون على أنه من استبانت له سنة الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يدعها لقول أحد من الناس. قال أبو عمر وغيره من العلماء: أجمع الناس على أن المقلد ليس معدودا من أهل العلم وأن العلم معرفة الحق بدليله. وهذا كما قال أبو عمر رحمه الله, فإن الناس لا يختلفون أن العلم هو المعرفة الحاصلة عن الدليل, وأما بدون الدليل فإنما هو تقليد, فقد تضمن هذان الإجماعان إخراج المتعصب بالهوى والمقلد الأعمى عن زمرة العلماء" إعلام الموقعين 2/7. وكذلك من عرف بالجهل فلا يجوز استفتاؤه وهو أمر مجمع عليه كما حكى ذلك الغزالي رحمه الله في المستصفى 2/290, وابن القيم في إعلام الموقعين 4/203, في آخرين. كما أنه لا يجوز استفتاء من عرف بالتساهل دون اتباع نصوص الكتاب والسنة. قال النووي رحمه الله: "يحرم التساهل في الفتوى, ومن عرف به حَرُم استفتاؤه" المجموع شرح المهذب 1/79. قال السمعاني الكبير رحمه الله: "المفتي من استكمل فيه ثلاث شرائط: الإجتهاد, والعدالة, والكف عن الرخص والتساهل, وللمتساهل حالتان: إحداهما: أن يتساهل في طلب الأدلة وطرق الأحكام, ويأخذ ببادئ النظر وأوائل الفكر, فهذا مقصر في حق الإجتهاد, ولا يحل له أن يفتي ولا يجوز أن يُسْتفت. والثانية: أن يتساهل في طلب الرخص وتأول السنة, فهذا متجوز في دينه وهو آثم من الأول" التقرير والتحبير لابن أمير الحاج 3/341. أبو أويس الإدريسي |
09-02-11, 11:33 PM | #23 |
|تواصي بالحق والصبر|
مسؤولة الأقسـام العامة |
يا غافلا عن الموت
الموت لا يقرع بابا، ولا يهاب حجابا، ولا يقبل بديلا، ولا يأخذ كفيلا، ولا يرحم صغيرا، ولا يوقر كبيرا. الموت كما قال القرطبي رحمه الله: هو الخطب الأفظع والأمر الأشنع، والكأس التي طعمها أكره وأبشع. فإن أمرا يقطع أوصالك، ويفرق أعضاءك، ويهدم أركانك، لهو الأمر العظيم، والخطب الجسيم، ولذا على المرء أن يضع الموت نصب عينيه، ولا يغفل عنه، ولا يلتفت عنه يمنة ولا يسرة. فإذا كان الموت مصيبة كما قال تعالى: "فأصابتكم مصيبة الموت" فإن الأعظم منه مصيبة: الغفلة عنه، والإعراض عن ذكره، وقلة التفكر فيه، وترك العمل له. والموت كما قال العلماء فيما نقله عنهم السيوطي رحمه الله في رسالته "بشرى الكئيب بلقاء الحبيب": "ليس بعدم محض، ولا فناء صرف، وإنما هو انقطاع تعلق الروح بالبدن، وتبدل حال، وانتقال من دار إلى دار". وقد اجتمع في الموت ما لم يجتمع في غيره: 1ـ هو حق لا ريب فيه ولا شك، كما قال تعالى: "تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً"، وقال تعالى: " إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ" وقال تعالى: " كُلُّ مَن عَلَيْهَا فَان وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ"، وقال تعالى: " كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ". وقد قُررت هذه الحقيقة في كتاب الله وفي سنة نبيه صلى الله عليه وسلم بطريقة القياس الأولوي، من ذلك قوله تعالى: "كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ" فكما أننا لا نشك في العمل الذي هو بمثابة الموت فلا شك في الموت الأكبر. وسن لنا النبي صلى الله عليه وسلم عند الاضطجاع على الفراش أن نقول: "باسمك اللهم أموت وأحيا" وعند الإستيقاظ أن نقول: "الحمد الذي أحياني بعدما أماتني وإليه النشور" كل ذلك قياسا للموت الأكبر على النوم الذي لا نشك فيه والذي هو بمثابة الموت الأصغر، وما ذاك إلا للدلالة على أننا سنموت كما ننام وسنبعث كما نستيقظ. 2ـ وقته مجهول قال تعالى: "إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوت". قال الحافظ ابن كثير في تفسير الآية: "أي ليس أحد من الناس يدري أين مضجعه من الأرض، أفي بحر أو بر أو سهل أو جبل". وفي الصحيحين من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مفاتح الغيب خمس لا يعلم ما في غد إلا الله، ولا يعلم ما يكون ببطن الأرحام إلا الله، وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت ولا يعلم أحد متى يجيء المطر ثم تلا الآية". ومما يستأنس به في هذا الباب ما جاء في مدارك التنزيل للنسفي رحمه الله أن أبا جعفر المنصور رأى في المنام ملك الموت فسأله عن أجله فأشار إليه الملك إلى الخمس، فقام أبو جعفر فزعا خائفا، فنادى الحرس فقال: علي بأبي حنيفة فجاء الإمام رحمه الله، فحكى له أبو جعفر ما رأى يريد تعبيرها ومعرفة أجله، فقال له أبو حنيفة: غفر الله لك يا أمير المؤمنين يقول لك "أي الملك" خمس لا يعلمها إلا الله". 3ـ وقوعه قريب ثبت في الحديث عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم خط خطا طويلا في الأرض وقال هذا الإنسان ثم خط خطا قريبا منه وقال هذا أجله، ثم خط خطا بعيدا فقال: هذا أمله، فبينما هو في أمله إذ جاءه الأقرب (أي: الأجل) أو كما قال عليه الصلاة والسلام. وفي صحيح البخاري من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله والنار مثل ذلك". فمن اعتبر الساعة التي تأتي من أجله فما نزل الموت منزلته. ولأجل أهميته حثنا النبي صلى الله عليه وسلم على الإكثار من ذكره كما في الحديث الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "أكثروا ذكر هادم (هاذم) اللذات الموت". فالهادم: بالدال المهملة هو الذي يزيل الشيء من أصله ولا يبقي له أثرا، وهذا هو حقيقة الموت حيث يقطع الحياة ولا يبقي لها أثرا. أما الهاذم: بدال معجمة هو الذي يفرق الشيء وهذا هو الموت كذلك حيث يفرق الحياة عن البدن. والسبب في أمر النبي صلى الله عليه وسلم لنا بالإكثار من ذكر الموت أنه حياة للقلب كذكر الرب جل وعلا، فقد أمرنا بالإكثار من أمرين من ذكر الله عز وجل ومن ذكر الموت، لأن كلا منهما يرقق القلب ويجعل الإنسان ينيب إلى الرب ويتعلق به، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يُذِّكر أصحابه بالموت - وفي ذلك تذكير لنا- في كل ليلة قبيل الفجر، فعن أبي بن كعب رضي الله عنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذهب ثلث الليل قام فقال: "يا أيها الناس أذكروا الله جاءت الراجفة تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه، جاء الموت بما فيه" أخرجه الحاكم في مستدركه وصححه وأقره عليه الذهبي. وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن أكيس الناس وأكرمهم أكثرهم ذكرا للموت وأشدهم استعدادا له. فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم عاشر عشرة فقال رجل من الأنصار: من أكيس الناس وأكرم الناس يا رسول الله؟ فقال: أكثرهم ذكرا للموت وأشدهم استعدادا له، أولئك هم الأكياس ذهبوا بشرف الدنيا وكرامة الآخرة" رواه ابن ماجة وغيره وسنده جيد كما قال العراقي في تخريج الإحياء. وللإكثار من ذكر الموت فوائد منها: ـ تعجيل التوبة وقناعة القلب ونشاط العبادة. قال الدقاق: "من أكثر من ذكر الموت أكرم بثلاثة أشياء: تعجيل التوبة وقناعة القلب ونشاط العبادة". ـ المكثر من ذكر الموت لا يفرح بموجود ولا يحزن على مفقود. قال التيمي: "شيئان قطعا عني لذات الدنيا: ذكر الموت، وذكر الموقف بين يدي الله تعالى" ـ الإكثار من ذكر الموت سبب لقصر الأمل، فهذا معروف الكرخي قدم أحد الناس ليصلي بهم صلاة الظهر، فقال الرجل: لو صليت بكم صلاة الظهر لا أصلي بكم صلاة العصر، فجذبه معروف وقال له: نعوذ بالله هذا طول أمل. ـ ذكر الموت هو في حد ذاته موعظة، فمن لم يتعظ به فلا موعظة له كما قال القرطبي، ولذلك كان عمر بن عبد العزيز رحمه الله يجمع العلماء فيتذاكرون الموت والقيامة والآخرة فيبكون حتى كأن بين أيديهم جنازة. أبو أويس الإدريسي رحمه الله حيا وميتا وعامله بلطفه الخفي. |
12-02-11, 01:38 AM | #24 |
|تواصي بالحق والصبر|
مسؤولة الأقسـام العامة |
القبر أول منازل الآخرة
عن هانئ مولى عثمان قال: "كان عثمان رضي الله عنه إذا وقف على قبر بكى حتى يبل لحيته، فقيل له تُذكر الجنة والنار فلا تبكي، وتبكي من هذا؟ فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن القبر أول منزل من منازل الآخرة فإن نجا منه فما بعده أيسر منه وإن لم ينج منه فما بعده أشد منه، قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما رأيت منظرا قط إلا والقبر أفظع منه" صحيح سنن الترمذي. القبر واحد القبور في الكثرة وأقبر في القلة كما ذكره القرطبي في التذكرة. واختلف في أول من سن القبر: فقيل الغراب، وقيل بنو إسرائيل وليس بشيء كما في التذكرة. وفي قول هانئ: "كان عثمان رضي الله عنه إذا وقف على قبر بكى" دليل على مشروعية زيارة القبور، وذلك للاتعاظ وتذكر الموت والآخرة، ففي صحيح سنن أبي داوود أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى قبر أمه فبكى وأبكى من حوله، وقال: "استأذنت ربي أن أستغفر لها فلم يأذن لي، واستأذنت ربي أن أزورها فأذن لي فزوروا القبور فإنها تذكر الموت". وفي صحيح سنن أبي داوود كذلك قال عليه الصلاة والسلام: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإن في زيارتها تذكرة". ومما علَّمنا إياه نبينا عليه الصلاة والسلام عند زيارة القبور قولنا: "السلام عليكم دار قوم مسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون". وفي لفظ "السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، إنا إن شاء الله بكم لاحقون نسأل الله لنا ولكم العافية". ومع أن الموت أمر مقطوع به مجمع عليه بين الناس إلا أن النبي عليه الصلاة والسلام علقه بالمشيئة كما هو ظاهر الحديث، وقد خرج ذلك على مخارج: أولا: أن معنى ذلك: كما شاء الله، ذكره الداوودي رحمه الله. ثانيا: إن ذلك من باب الامتثال لا غير لأمر الله تعالى القائل: "وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً، إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ" وعليه فقولنا: (إنا إن شاء الله بكم لاحقون) على سبيل التحقيق لا التعليق. ثالثا: أن قولنا إنا إن شاء الله بكم لاحقون هذا على الموافاة على الإيمان أي: إن شاء الله سنموت على الإيمان. انظر العلم الهيب في شرح الكلم الطيب للعيني. والقصد أن زيارة القبور من الأمور المشروعة إذا كانت لتذكر الآخرة والموت والدعاء للنفس وللأموات بالصفح والرحمة دون شد الرحال إليها ودون قول السوء ويستوي في ذلك الرجال والنساء على الصحيح من قولي الفقهاء في حقهن إلا أنهن يمنعن من الإكثار لقوله عليه الصلاة والسلام:" لعن الله زوارات القبور" صحيح كما في الإرواء. أما إذا قصدت المقبرة للتوسل بالمقبور إلى الله تعالى فهذه زيارة بدعية، أما إذا دُعِي المقبور نفسُه، فيطلب منه مثلا: دفع الضر، وجلب النفع.. فهذه زيارة شركية. قال الحكمي رحمه الله: ثم الزيارة على أقسام ... ثلاثة يا أمة الإسلام فإن نوى الزائر فيما أضمره ... في نفسه تذكرة 0بالآخره ثم الدعا له وللأموات ... بالعفو والصفح عن الزلات ولم يكن شد الرحال نحوها ... ولم يقل هجرا كقول السفها فتلك سنة أتت صريحه ... في السنن المثبتة الصحيحه أو قصد الدعاء والتوسلا ... بهم إلى الرحمن جل وعلا فبدعة محدثة ضلاله ... بعيدة عن هدي ذي الرسالة وإن دعا المقبور نفسه فقد ... أشرك بالله العظيم وجحد لن يقبل الله تعالى منه ... صرفا ولا عدلا فيعفو عنه إذ كل ذنب موشك الغفران ... إلا اتخاذ الند للرحمن قال هانئ: (فقيل له تذكر الجنة والنار فلا تبكي وتبكي من هذا؟) أي: تبكي من ذكر القبر، قال المبارك فوري في تحفة الأحوذي: "ولا تبكي: أي: لا تبكي خوفا من دخول النار واشتياقا إلى الجنة". وهذا دليل على أن الخوف له أسباب يختلف الناس فيها بحسب تعلق قلوبهم بها فمن الناس من يتأثر أكثر بالقبر إذا ذكر، ومنهم بالجنة والنار، ومنهم إذا تذكر الختام، ومنهم إذا استحضر الوقوف بين يدي الله.. انظر مختصر منهاج القاصدين لابن قدامة. وقوله عليه الصلاة والسلام: "إن القبر أول منزل من منازل الآخرة" وذلك لأن الآخرة منازل كثيرة منها العرض يوم القيامة، ومنها الوقوف عند الميزان، ومنها المرور على الصراط ثم الجنة أو النار، لكن أول هذه المنازل القبر كما يعد القبر هو آخر منازل الدنيا، ولذلك سمي البرزخ كما قال المبارك فوري رحمه الله. ثم قال عليه الصلاة والسلام: "فإن نجا منه فما بعده أيسر منه وإن لم ينج منه فما بعده أشد منه"، قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما رأيت منظرا قط إلا والقبر أفظع منه" والمنظر: هو الموضع، وقوله: قط، أي: أبدا، وأفظع منه أي: أشد فظاعة. وهذا المقطع دليل على إثبات عذاب القبر فهو حق لا ريب فيه ولا شك. قال تعالى: "وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى". ذكر ابن القيم في الفوائد أن المعيشة الضنك أكثر ما جاء في تفسيرها أنها عذاب القبر، ونقل ذلك عن ابن مسعود وأبي هريرة وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهم. وقال تعالى عن آل فرعون: "النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ". استدل أهل السنة بهذه الآية على إثبات عذاب القبر وهذا الإمام البخاري رحمه الله قد ذكر الآية في صحيحه في كتاب الجنائز تحت باب: ما جاء في عذاب القبر. وقال القرطبي رحمه الله في التذكرة عند هذه الآية: "الآية دليل على إثبات عذاب القبر". وقال تعالى: "وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ" وهي دليل بدورها على إثبات عذاب القبر كما أثر عن عبد بن عباس رضي الله عنهما. وفي الصحيحين من حديث البراء بن عازب المشهور أن المرء يوضع في قبره فيتولى عنه أصحابه، فيسمع قرع نعالهم، فيأتيه الملكان فيقعدانه ويسألانه: من ربك، وما دينك، ومن النبي الذي بعث فيكم، فأما المؤمن فيثبته الله ويجيب الجواب الصواب، فيفسح له في قبره كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: "سبعون ذراعا"، وفي رواية "مد البصر"، أما الكافر فيقول لا أدري، فيقولان له: لا دريت، ولا تليت، فيضرب بمطرقة من حديد عند أذنه فيصيح صيحة يسمعها كل من على الأرض إلا الجن والإنس. ولقد كان النبي عليه الصلاة والسلام يتعوذ من عذاب القبر كما في الحديث الصحيح، بل صح عنه أنه أمر بالتعوذ من عذاب القبر. وقال شارح الطحاوية: "إن الأحاديث في عذاب القبر وفتنته متواترة". وقال القرطبي رحمه الله في التذكرة: "الإيمان بعذاب القبر وفتنته واجب والتصديق به أمر لازم حسب ما أخبر به الصادق صلى الله عليه سلم". وليعلم أن الأسباب الجالبة لعذاب القبر مجملة ومفصلة كما بسطها ابن القيم في كتابه الروح، أما المجملة فالجهل بالله تعالى، وإضاعة أمره، وعدم اجتناب نهيه، فإن الله تعالى لا يعذب نفسا طائعة له مطمئنة لذكره.... أما المفصلة: فالذنوب والمعاصي كالغيبة، والنميمة، والكذب، وقول الزور، والقول على الله بغير علم، والدعوة إلى البدعة، وأكل الربا، والزنا، وشرب الخمر، وعدم التنزه من البول.. وهكذا. فعلى العبد أن يكثر من ذكر القبر فهو أول منازل الآخرة، وفي ذلك صحة للقلب وزكاة للنفس ورحمة في القبر. قال سفيان الثوري رحمه الله تعالى: "من أكثر من ذكر القبر كان له روضة من رياض الجنة، ومن غفل عنه كان له حفرة من حفر النار". وقال محمد بن السماك ونظر يوما إلى مقبرة: "لا يغرنكم سكون هذه القبور فما أكثر المغمومين فيها، ولا يغرنكم استواء هذه القبور فما أشد تفاوتهم فيها". أبو أويس الإدريسي |
19-02-11, 03:15 AM | #25 |
~مشارِكة~
|
السلام عليكم جزاك الله خيرا
ما احوج امتنا لمعرفة حكم الشرع زمن الفتن اعجبني هذا الموضوع كثيرا اللهم اجعل بلدنا امنا وجميع المسلمين وكد اعداء المسلمين بارك الله فيك ام حاتم الاثرية |
19-02-11, 03:17 AM | #26 |
~مشارِكة~
|
اللهم اجعل بلدنا امنا وجنبن الفتن ماظهر منها وما بطن
|
19-02-11, 03:24 AM | #27 |
~مشارِكة~
|
السلام عليكم جزى الله خيرا هذا الشيخ الكريم وجزاك اخية
|
03-04-11, 03:01 AM | #28 |
~مستجدة~
تاريخ التسجيل:
29-03-2011
الدولة:
حبيبتي المغرب
العمر: 41
المشاركات: 18
|
جزاك الله خيرا أختي أم حاتم
لي راجعة ان شاء الرحمان لقراءة الموضوع بتمعن بارك الله في مشيخنا الكرام الحمد لله يسر الله لنا اللإنتفاع بعلمهم رغم كيد الكائدين |
21-10-14, 04:37 AM | #29 |
~مشارِكة~
|
جزاك الله خيرا أختي الحبيبة أم حاتم على هذا الموضوع ،
وبارك الله في شيخنا الفاضل . |
09-11-14, 06:58 PM | #30 |
|مستجدة في المستوى الأول|
دورة ورش (3) |
بارك الله فيكم,
|
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
(View-All) Members who have read this thread in the last 30 days : 0 | |
There are no names to display. |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
ملخص حلية طالب العلم للأستاذة عطاء الخير | أسماء حموا الطاهر علي | أرشيف الفصول السابقة | 10 | 25-12-13 01:00 AM |