30-01-12, 08:26 PM | #7 |
|طالبة في المستوى الثاني1 |
تاريخ التسجيل:
03-12-2010
المشاركات: 421
|
باب من حقق التوحيد؛ دخل الجنة بغير حساب
هذا الباب كالمتمم للباب الذي قبله؛ لأن الذي قبله: "باب فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب"، فمن فضله هذا الفضل العظيم الذي يسعى إليه كل عاقل، وهو دخول الجنة بغير حساب. قوله: "من"، شرطية، وفعل الشرط: "حقق"، وجوابه: "دخل"، قوله: "بلا حساب"؛ أي: لا يحاسب لا على المعاصي ولا على غيرها. وتحقيق التوحيد: تخليصة من الشرك، ولا يكون إلا بأمور ثلاثة: الأول: العلم؛ فلا يمكن أن تحقق شيئًا قبل أن تعلمه، قال الله تعالى: {فاعلم أنه لا إله إلا الله} [محمد: 19]. الثاني: الاعتقاد، فإذا علمت ولم تعتقد واستكبرت؛ لم تحقق التوحيد، قال الله تعالى عن الكافرين: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ}. [ص:5]؛ فما اعتقدوا انفراد الله بالألوهية. الثالث: الانقياد، فإذا علمت واعتقدت ولم تنقد؛ لم تحقق التوحيد، قال تعالى: {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ} [الصافات: 35/36]. فإذا حصل هذا وحقق التوحيد؛ فإن الجنة مضمونة له بغير حساب، ولا يحتاج أن نقول إن شاء الله؛ لأن هذا حكاية حكم ثابت شرعًا، ولهذا جزم المؤلف رحمه الله تعالى بذلك في الترجمة دون أن يقول: إن شاء الله. أما بالنسبة للرجل المعين؛ فإننا نقول: إن شاء الله. وقد ذكر المؤلف في هذا الباب آيتين، ومناسبتهما للباب الإشارة إلى تحقيق التوحيد، وأنه لا يكون إلا بانتفاء الشرك كله: * * * وقول الله تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [النحل: 120] * الآية الأولى: قوله تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً...} الآية. قوله: {أمة}، أي: إمامًا، وقد سبق أن أمة تأتي في القرآن على أربعة أوجه، إمام، ودهر، وجماعة، ودين. وقوله: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً}، هذا ثناء من الله - سبحانه وتعالى - على إبراهيم بأنه إمام متبوع؛ لأنه أحد الرسل الكرام من أولي العزم، ثم إنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ قدوة في أعماله وأفعاله وجهاده؛ فإنه جاهد قومه وحصل منهم عليه ما حصل، وألقي في النار فصبر. ثم ابتلاه الله - سبحانه وتعالى - بالأمر بذبح ابنه، وهو وحيده، وقد بلغ معه السعي (أي: شب وترعرع)؛ فليس كبيرًا قد طابت النفس منه، ولا صغيرًا لم تتعلق به النفس كثيرًا، فصار على منتهى تعلق النفس به. ثم وفق إلى ابن بار مطيع لله، قال الله تعالى عنه: {قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} [الصافات: 102]، لم يحنث والده ويتمرد ويهرب، بل أراد من والده أن يوافق أمر ربه، وهذا من بره بأبيه وطاعته لمولاه سبحانه وتعالى، وأنظر إلى هذه القوة العظيمة مع الاعتماد على الله في قوله: {سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ}. فالسين في قوله: {ستجدني} تدل على التحقيق، وهو مع ذلك لم يعتمد على نفسه، بل استعان بالله في قوله: {إن شاء الله}. وامتثلا جميعًا وأسلما، وانقادًا لله - عز وجل ـ، وتله للجبين؛ أي: على الجبين، أي جبهته؛ لأجل أن يذبحه وهو لا يرى وجهه، فجاء الفرج من الله تعالى: {وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} [الصافات: 104، 105]، ولا يصح ما ذكره بعضهم من أن السكين انقلبت، أو أن رقبته صارت حديدًا، ونحو ذلك. قوله: {قانتًا}، القنوت: دوام الطاعة، والاستمرار فيها على كل حال؛ فهو مطيع لله، ثابت على طاعته، مديم لها في كل حال. كما أن ابنه محمدًا ـ صلى الله عليه وسلم ـ يذكر الله على كل أحيانه [مسلم: كتاب الحيض/ باب ذكر الله تعالى حال الجنابة.]: إن قام ذكر الله، وإن جلس ذكره، وإن نام، وإن أكل، وإن قضى حاجته ذكر الله؛ فهو قانت آناء الليل والنهار. قوله: {حنيفًا}، أي: مائلًا عن الشرك، مجانبًا لكل ما يخالف الطاعة، فوصف بالإثبات والنفي، أي: بالوصفين الإيجابي والسلبي. قوله: {وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}، تأكيد، أي لم يكن مشركًا طول حياته؛ فقد كان عليه الصلاة والسلام معصومًا عن الشرك، مع أن قومه كانوا مشركين، فوصفه الله بامتناعه عن الشرك استمرارًا في قوله: {حنيفًا}، وابتداءً في قوله: {وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}، والدليل على ذلك: أن الله جعله إمامًا، ولا يجعل الله للناس إمامًا من لم يحقق التوحيد أبدًا. ومن تأمل حال إبراهيم عليه السلام وما جرى عليه وجد أنه في غاية ما يكون من مراتب الصبر، وفى غاية ما يكون من مراتب اليقين؛ لأنه لا يصبر على هذه الأمور العظيمة إلا من أيقن بالثواب، فمن عنده شك أو تردد لا يصبر على هذا؛ لأن النفس لا تدع شيئًا إلا لما هو أحب إليها منه، ولا تحب شيئًا إلا ما ظنت فائدته، أو تيقنت. ويجب أن نعلم أن ثناء الله على أحد من خلقه لا يقصد منه أن يصل إلينا الثناء فقط، لكن يقصد منه أمران هامان: الأول: محبة هذا الذي أثنى الله عليه خيرًا، كما أن من أثنى الله عليه شرًا، فإننا نبغضه ونكرهه، فنحب إبراهيم عليه السلام؛ لأنه كان إمامًا حنيفًا قانتًا لله ولم يكن من المشركين، ونكره قومه؛ لأنهم كانوا ضالين، ونحب الملائكة وإن كانوا من غير جنسنا؛ لأنهم قائمون بأمر الله، ونكره الشياطين، لأنهم عاصون لله وأعداء لنا ولله، ونكره أتباع الشياطين؛ لأنهم عاصون لله أيضًا وأعداء لله ولنا. الثاني: أن نقتدي به في هذه الصفات التي أثنى الله بها عليه؛ لأنها محل الثناء، ولنا من الثناء بقدر ما اقتدينا به فيها، قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ} [يوسف: 111]، وقال تعالى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ} [الممتحنة: 4]، وقال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ} [الممتحنة:6]. وهذه مسألة مهمة؛ لأن الإنسان أحيانًا يغيب عن باله الغرض الأول، وهو محبة هذا الذي أثنى الله عليه خيرًا، ولكن لا ينبغي أن يغيب؛ لأن الحب في الله، والبغض في الله من أوثق عرى الإيمان. * فائدة: أبو إبراهيم مات على الكفر، والصواب الذي نعتقده أن اسمه آزر؛ كما قال الله تعال: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً} [الأنعام: 74]، وقال تعالى: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ} [التوبة: 114]؛ لأنه قال: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ} [مريم: 47]، {فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ} [التوبة: 114]، وفي سورة إبراهيم قال: {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ} [إبراهيم: 41]، ولكن فيما بعد تبرأ منه. أما نوح؛ فقال: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [نوح: 28]، وهذا يدل على أن أبوي نوح كانا مؤمنين. * فائدة أخرى: قال الإمام أحمد: ثلاثة ليس لها أصل: المغازي، والملاحم، والتفسير؛ فهذه الغالب فيها أنها تذكر بدون إسناد، ولهذا؛ فإن المفسرين يذكرون قصة آدم، {فلما آتاهما صالحًا} [الأعراف: 190]، وقليل منهم من ينكر القصة المكذوبة في ذلك. فالقاعدة إذًا: أنه لا أحد يعلم عن الأمم السابقة شيئًا إلا من طريق الوحي، قال تعالى: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللَّهُ} [إبراهيم: 9]. * * * وقال: {وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ} [المؤمنون: 59]. * الآية الثانية: قوله: {وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ}. هذه الآية سبقها آية، وهي قوله: {إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ} [المؤمنون: 57]. لكن المؤلف ذكر الشاهد. وقوله تعالى: {مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم}؛ أي: من خوفهم منه على علم، و {مشفقون}؛ أي: خائفون من عذابه إن خالفوه. فالمعاصي بالمعنى الأعم - كما سبق ـ شرك؛ لأنها صادرة عن هوى مخالف للشرع، وقد قال الله تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} [الجاثية: 23]. أما بالنسبة للمعنى الأخص؛ فيقسمها العلماء قسمين: 1- شرك. 2- فسوق. وقوله: {لا يشركون}، يراد به الشرك بالمعنى الأعم؛ إذ تحقيق التوحيد لا يكون إلا باجتناب الشرك بالمعنى الأعم، ولكن ليس معنى هذا ألا تقع منهم المعاصي؛ لأن كل ابن آدم خطاء، وليس بمعصوم، ولكن إذا عصوا؛ فإنهم بتوبون ولا يستمرون عليها؛ كما قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران: 135]. * * * وعن حصين بن عبد الرحمن؛ قال: كنت عند سعيد بن جبيرٍ، فقال: أيكم رأى الكوكب الذي أنقض البارحة؟ فقلت: أنا. ثم قلت: أما إني لم أكن في صلاةٍ. قوله: (عن حصين بن عبد الرحمن؛ قال: كنت عند سعيد بن جبير). وهما رجلان من التابعين ثقتان. قوله: (انقض البارحة)، أي: سقط البارحة، والبارحة: أقرب ليلة مضت، وقال بعض أهل اللغة: تقول فعلنا الليلة كذا إن قلته قبل الزوال، وفعلنا البارحة كذا إن قلته بعد الزوال. وفي عرفنا؛ فمن طلوع الشمس إلى الغروب نقول: البارحة لليلة الماضية، ومن غروب الشمس إلى طلوعها نقول: الليلة لليلة التي نحن فيها. بل بعض العامة يتوسع متى قام من الليل قال: البارحة؛ وإن كان في ليلته. قوله: (فقلت أنا)، أي: حصين. قوله: (أما إني لم أكن في صلاة)، أما: أداة استفتاح، وقيل: إنها بمعنى حقًا، وعلى هذا؛ فتفتح همزة "إن"، فيقال: أما أني لم أكن في صلاة، أي حقًا لم أكن في صلاة. وقال هذا رحمه الله لئلا يظن أنه قائم يصلي فيحمد بما لم يفعل، وهذا خلاف ما عليه بعضهم، يفرح أن الناس يتوهمون أنه يقوم يصلي، وهذا من نقص التوحيد. وقول حصين رحمه الله ليس من باب المراءاة، بل هو من باب الحسنات، وليس كمن يترك الطاعات خوفًا من الرياء؛ لأن الشيطان قد يلعب على الإنسان، ويزيِّن له ترك الطاعة خشية الرياء، بل أفعل الطاعة، ولكن لا يكن في قلبك أنك ترائي الناس. * * * ولكني لدغت. قال: فما صنعت؟ قلت: ارتقيت. قال: فما حملك على ذلك؟ قلت: حديث حدثناه الشعبي. قال: وما حدثكم؟ قلت: حدثنا عن بريده بن الحصيب؛ أنه قال: لا رقية إلا من عين أو حمة. قوله: (لدغت)، أي: لدغته عقرب أو غيرها، والظاهر أنها شديدة؛ لأنه لم ينم منها. قوله: (ارتقيت)، أي: استرقيت؛ لأن افتعل مثل استفعل، وفي رواية مسلم: "استرقيت"؛ أيك طلبت الرقية. قوله: (فما حملك على ذلك)، أي: قال سعيد: ما السبب أنك استرقيت. قوله: "حديث حدثناه الشعبي"، وهذا يدل على أن السلف رضي الله عنهم يتحاورون حتى يصلوا إلى الحقيقة، فسعيد بن جبير لم يقصد الانتقاد على هذا الرجل، بل قصد أن يستفهم منه ويعرف مستنده. قوله: "لا رقية"، أي: لا قراءة أو لا استرقاء على مريض أو مصاب. قوله: "إلا من عين"، وهي نظرة من حاسد، نفسه خبيثة، تتكيف بكيفية خاصة فينبعث منها ما يؤثر على المصاب، ويسميها العامة الآن: "النحاتة"، وبعضهم يسميها "النفس"، وبعضهم يسميها "الحسد". قوله: "حُمَة"، بضم الحاء، وفتح الميم، مع تخفيفها: وهي كل ذات سم، والمعنى لدغته إحدى ذوات السموم، والعقرب من ذوات السموم. * * * قال: قد أحسن من انتهى إلى ما سمع فقال سعيد بن جبير: قد أحسن من انتهى إلى ما سمع، ولكن حدثنا ابن عباس.. إلخ. إذن، فحصين استند على حديث: (لا رقية إلا من عين أو حمة)، وهذا يدل على أن الرقية من العين أو الحمة مفيدة، وهذا أمر واقع؛ فإن الرُّقى تنفع بإذن الله من العين ومن الحمة أيضًا، وكثير من الناس يقرؤون على الملدوغ فيبرأ حالًا، ويدل لهذا قصة الرجل الذي بعثه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في سرية، فاستضافوا قومًا، فلم يضيفوهم، فلدغ سيدهم لدغة عقرب، فقالوا: من يرقي؟ فقالوًا: لعل هؤلاء الركب عندهم راقٍ، فجاؤوا إلى السرية، قالوا: هل فيكم من راقٍ؟ قالوا: نعم، ولكن لا نرقي لكم إلا بشيء من الغنم، فقالوا: نعطيكم. فاقتطعوا لهم من الغنم، ثم ذهب أحدهم يقرأ عليه الفاتحة، قرأها ثلاثًا أو سبعًا، فقام كأنما نشط من عقال، فانتفع اللديغ بقراءتها، ولهذا قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (وما يدريك أنها رقية؟) (يعني: الفاتحة)، وكذا القراءة من العين مفيدة. ويستعمل للعين طريقة أخرى غير الرقية، وهو الاستغسال، وهي أن يؤتي بالعائن، ويطلب منه أن يتوضأ، ثم يؤخذ ما تناثر من الماء من أعضائه، ويصب على المصاب، ويشرب منه، ويبرأ بإذن الله. وهناك طريقة أخرى، ولا مانع منها أيضًا، وهي أن يؤخذ شيء من شعاره، أي: ما يلي جسمه من الثياب، كالثوب، والطاقية، والسروال، وغيرها، أو التراب إذا مشى عليه وهو رطب، ويصب على ذلك ماء يرش به المصاب أو يشربه، وهو مجرب. وأما العائن؛ فينبغي إذا رأى ما يعجبه أن يبرّك عليه؛ لقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لعامر بن ربيعة لما عان سهل بن حنيف: (هلا برّكت عليه)؛ أي: قلت: بارك الله عليك. * * * ولكن حدثنا ابن عباس عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ؛ أنه قال: (عرضت علي الأمم، فرأيت النبي ومعه الرهط، والنبي ومعه الرجل والرجلان، والنبي وليس معه أحد). قوله: "ولكن حدثنا"، القائل: سعيد بن جبير. قوله: (عرضت علي الأمم)، العارض لها الله - سبحانه وتعالى ـ، وهذا في المنام فيما يظهر. وانظر: "فتح الباري" (11/407، باب يدخل الجنة سبعون ألفًا، كتاب الرقاق)، والأمم: جمع أمة وهي أمم الرسل. قوله: "الرهط"، من الثلاثة إلى التسعة. قوله: (والنبي ومعه الرجل والرجلان)، الظاهر أن الواو بمعنى أو؛ أي: ومعه الرجل أو الرجلان؛ لأنه لو كان معه الرجل والرجلان صار يغني أن يقول: ومعه ثلاثة، لكن المعنى: والنبي ومعه الرجل، النبي الثاني ومعه الرجلان. قوله: (والنبي وليس معه أحد)، أي: يبعث ولا يكون معه أحد، لكن يبعثه الله لإقامة الحجة، فإذا قامت الحجة حينئذ، يعذر الله من الخلق، ويقيم عليهم الحجة. * * * إذ رفع لي سوادٌ عظيمٌ، فظننت أنهم أمتي، فقيل لي: هذا موسى وقومه، فنظرت؛ فإذا سوادٌ عظيمٌ، فقيل لي: هذه أمتك، ومعهم سبعون ألفًا يدخلون الجنة بغير حسابٍ ولا عذابٍ". ثم نهض. فدخل منزله، فخاض الناس في أولئك. فقال بعضهم: فلعلهم الذين صحبوا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ. قوله: (إذ رفع لي)، هذا على تقدير محذوف؛ أي: بينما أنا كذلك؛ إذ رفع لي. قوله: (سواد عظيم)، المراد بالسواد هنا الظاهر أنه الأشخاص، ولهذا يقال: ما رأيت سواده، أي: شخصه، أي أشخاصًا عظيمة كانوا من كثرتهم سوادًا. قوله: (فظنت أنهم أمتي)، لأن الأنبياء عرضوا عليه بأممهم؛ فظن هذا السواد أمته - عليه الصلاة والسلام - . قوله: (فقيل لي: هذا موسى وقومه)، وهذا يدل على كثرة أتباع موسى عليه السلام وقومه الذين أرسل إليهم. قوله: (فإذا سواد عظيم، فقيل لي: هذه أمتك)، وهذا أعظم من السواد الأول؛ لأن أمة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أكثر بكثير من أمة موسى عليه السلام. قوله: (بغير حساب ولا عذاب)، أي: لا يعذبون ولا يحاسبون كرامةً لهم، وظاهره أنه لا في قبورهم ولا بعد قيام الساعة. قوله: (فخاض الناس في أولئك)، هذا الخوض للوصول إلى الحقيقة نظريًا وعمليًا حتى يكونوا منهم. قوله: (الذين صحبوا رسول الله)، يحتمل أن المراد الصحبة المطلقة، ويؤيده ظاهر اللفظ. ويحتمل أن المراد الذين صحبوه في هجرته، ويؤيده أنه لو كان المراد الصحبة المطلقة، لقالوا: نحن؛ لأن المتكلم هم الصحابة، ويدل على هذا قول الرسول ـ صل الله عليه وسلم ـ لخالد بن الوليد: (لا تسبوا أصحابي)؛ فإن المراد بهم الذين صحبوه في هجرته، لكن يمنع منه أن المهاجرين لا يبلغون سبعين ألفًا. ويمنع الاحتمال الأول: أن الصحابة أكثر من سبعين ألفًا، ويحتمل أن المراد من كان مع الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى فتح مكة؛ لأنه بعد فتح مكة دخل الناس في دين الله أفواجًا. وهذه المسألة تحتاج إلى مراجعة أكثر. * * * وقال بعضهم: فلعلهم الذين ولدوا في الإسلام فلم يشركوا بالله شيئًا... وذكروا أشياء، فخرج عليهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأخبروه، فقال: (هم الذين لا يسترقون). قوله: (الذين ولدوا في الإسلام)، أي: من ولد بعد البعثة وأسلم، وهؤلاء كثيرون، ولو قلنا: ولدوا في الإسلام من الصحابة ما بلغوا سبعين ألفًا. قوله: (فخرج عليهم رسول الله، فأخبروه)، أي: أخبروه بما قالوا وما جرى بينهم. قوله: (لا يسترقون)، في بعض روايات مسلم: (لا يرقون). ولكن هذه الرواية خطأ؛ كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية؛ لأن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يرقي، ورقاه جبريل، وعائشة، وكذلك الصحابة كانوا يرقون. واستفعل بمعنى طلب الفعل، مثل: استغفر؛ أي: طلب المغفرة، واستجار: طلب الجوار، وهنا استرقى؛ أي: طلب الرقية، أي لا يطلبون من أحد أن يقرأ عليهم، لما يلي: 1- لقوة اعتمادهم على الله. 2- لعزة نفوسهم عن التذلل لغير الله. 3- ولما في ذلك من التعلق بغير الله. * * * ولا يكتوون ولا يتطيرون. وقوله: (ولا يكتوون)، أي: لا يطلبون من أحد أن يكويهم. ومعنى اكتوى: طلب من يكويه، وهذا مثل قوله: (ولا يسترقون). أما بالنسبة لمن أعد للكي من قبل الحكومة، فطلب الكي منه ليس فيه ذل؛ لأنه معد من قبل الحكومة يأخذ الأجر على ذلك من الحكومة، ولأن هذا الطلب مجرد إخبار من الطالب بأنه محتاج إلى الكي، وليس سؤال تذلل. قوله: (ولا يتطيرون)، مأخوذ من الطير، والمصدر منه تطيّر، والطيرة اسم المصدر، وأصله: التشاؤم بالطير، ولكنه أعم من ذلك؛ فهو التشاؤم بمرئي، أو مسموع، أو زمان، أو مكان. وكانت العرب معروفة بالتطير، حتى لو أراد الإنسان منهم خيرًا ثم رأى الطير سنحت يمينًا أو شمالًا حسب ما كان معروفًا عندهم، تجده يتأخر عن هذا الذي أراده، ومنهم من إذا سمع صوتًا أو رأى شخصًا تشاءم، ومنهم من يتشاءم من شهر شوال بالنسبة للنكاح، ولذا قالت عائشة رضي الله عنها: (عقد علي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في شوال، وبنى بي في شوال؛ فأيكن كان أحظى عنده)، ومنهم من يتشاءم بيوم الأربعاء، أو بشهر صفر، وهذا كله مما أبطله الشرع؛ لضرره على الإنسان عقلًا وتفكيرًا وسلوكًا، وكون الإنسان لا يبالي بهذه الأمور، هذا هو التوكل على الله، ولهذا ختم المسألة بقوله: {وعلى ربهم يتوكلون}؛ فانتفاء هذه الأمور عنهم يدل على قوة توكلهم. وهل هذه الأشياء تدل على أن من لم يتصف بها فهو مذموم، أو فاته الكمال؟ الجواب: أن الكمال فاته إلا بالنسبة للتطير؛ فإنه لا يجوز؛ لأنه ضرر وليس له حقيقة أصلًا. أما بالنسبة لطلب العلاج، فالظاهر أنه مثله لأنّه عام، وقد يقال: إنّه لولا قوله: (ولا يسترقون)؛ لقلت: إنه لا يدخل؛ لأن الاكتواء ضرر محقق: إحراق بالنار، وألم للإنسان، ونفعه مرتجى، لكن كلمة (يسترقون) مشكلة؛ فالرقية ليس فيها ضرر، إن لم تنفع لم تضر، وهنا نقول: الدواء مثلها، لأن الدواء إذا لم ينفع لم يضر، وقد يضر أيضًا؛ لأنّ الإنسان إذا تناول دواء وليس فيه مرض لهذا الدواء فقد يضره. وهذه المسألة تحتاج إلى بحث، وهل نقول مثلًا: ما تؤكد منفعته إذا لم يكن في الإنسان إذلال لنفسه؛ فهو لا يضر، أي: لا يفوت المرء الكمال به، مثل الكسر وقطع العضو مثلًا، أو كما يفعل الناس الآن في الزائدة وغيرها. ولو قال قائل بالاقتصار على ما في هذا الحديث، وهو أنهم لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون، وأن ما عدا ذلك لا يمنع من دخول الجنة بلا حساب ولا عذاب؛ للنصوص الواردة بالأمر بالتداوي والثناء على بعض الأدوية؛ كالعسل والحبة السوداء؛ لكان له وجه. وإذا طلب منك إنسان أن يرقيك؛ فهل يفوتك كمال إذا لم تمنعه؟ الجواب: لا يفوتك؛ لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يمنع عائشة أن ترقيه، وهو أكمل الخلق توكلًا على الله وثقةً به، ولأن هذا الحديث: (لا يسترقون...) إلخ إنما كان في طلب هذه الأشياء، ولا يخفى الفرق بين أن تحصل هذه الأشياء بطلب وبين أن تحصل بغير طلب. * * * فقام عكاشة بن محصن، فقال: ادع الله أن يجعلني منهم. فقال: (أنت منهم). ثم قال رجلًا آخر، فقال: ادع الله أن يجعلني منهم. فقال: (سبقك بها عكاشة) [البخاري: كتاب الرقاق/ باب يدخل الجنة سبعون ألفًا)، ومسلم: كتاب الإيمان/ باب الدليل على دخول طوائف من المسلمين الجنة بغير حساب.]. قوله: (فقال: أنت منهم)، وقول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ هذا هل هو بوحي من الله إقراري، أو وحي إلهامي، أو وحي رسول؟ مثل هذه الأمور يحتمل أنها وحي إلهامي، أو بواسطة الرسول، أو وحي إقراري بمعنى أن الرسول يقولها، فإذا أقره الله عليه؛ صارت وحيًا إقراريًا. لكن رواية البخاري: (اللهم اجعله منهم) تدل على أن الجملة: (أنت منهم) خبر بمعنى الدعاء. قوله: (ثم قام رجل آخر، فقال: ادع الله أن يجعلني منهم. قال: سبقك بها عكاشة)، لم يرد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يقول له: لا، ولكن قال: سبقك بها، أي: بهذه المنقبة والفضيلة، أو بهذه المسألة عكاشة بن محصن. وقد اختلف العلماء لماذا قال الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ هذا الكلام؟ فقيل: إنه كان منافقًا، فأراد الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ألا يجابهه بما يكره تأليفًا. وقيل: خاف أن ينفتح الباب فيطلبها من ليس منهم؛ فقال هذه الكلمة التي أصبحت مثلًا، وهذا أقرب. * * * * فيه مسائل: الأولى: معرفة مراتب الناس في التوحيد. الثانية: ما معنى تحقيقه. الثالثة: ثناؤه سبحانه على إبراهيم بكونه لم يك من المشركين. قوله: "فيه مسائل"، أي: في هذا الباب مسائل: * المسألة الأولى: معرفة مراتب الناس في التوحيد، وهذه مأخوذة من قوله: (يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب). ثم قال: (هم الذين لا يسترقون، ولا يكتوون، ولا يتطيرون) * الثانية: ما معنى تحقيقه؟ أي: تحقيق التوحيد، وسبق لنا في أول الباب أن تحقيقه: تخليصه من الشرك. * الثالثة: ثناؤه - سبحانه - على إبراهيم بكونه لم يك من المشركين، وهو ظاهر في الآية الكريمة: {إن إبراهيم كان أمة قانتًا لله حنيفًا ولم يك من المشركين} [النحل: 120]؛ فإن هذه الآية لا شك أنها سيقت للثناء على إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وإذا كان مناط الثناء انتفاء الشرك عنه؛ دل ذلك على أن كل من انتفى عنه الشرك فهو محل ثناء من الله - سبحانه وتعالى -. * * * الرابعة: ثناؤه على سادات الأولياء بسلامتهم من الشرك. الخامسة: كون ترك الرقية والكي من تحقيق التوحيد. السادسة: كون الجامع لتلك الخصال هو التوكل. السابعة: عمق علم الصحابة بمعرفتهم أنهم لم ينالوا ذلك إلا بعملٍ. * الرابعة: ثناؤه على سادات الأولياء بسلامتهم من الشرك، لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ}، وهذه الآية في سياق آيات كثيرة ابتدأها الله بقوله: {إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} [المؤمنون: 57-61]؛ فهؤلاء هم سادات الأولياء، وكلام المؤلف من باب إضافة الصفة إلى موصوفها، أي: الأولياء السادات، وليس يريد رحمه الله السادات من الأولياء، بل يريد الأولياء الذي هم سادات الخلق. * الخامسة: كون ترك الرقية والكي من تحقيق التوحيد، لقوله: (الذين لا يسترقون ولا يكتوون)؛ فالمراد بقول المؤلف: (الرقية والكي): الاسترقاء والاكتواء. * السادسة: كون الجامع لتلك الخصال هو التوكل، والخصال هي: ترك الاسترقاء، وترك الاكتواء، وترك التطير، يعني أن العامل لهذه الأشياء هو قوة التوكل على الله- عز وجل . * السابعة: عمق عمل الصحابة لمعرفة أنهم لم ينالوا ذلك إلا بعمل، أي: لم ينل هؤلاء السبعون ألفًا هذا الثواب إلا بعمل، ووجهه أن الصحابة خاضوا فيمن يكون له هذا الثواب العظيم وذكروا أشياء. * * * الثامنة: حرصهم على الخير. التاسعة: فضيلة هذه الأمة بالكمية والكيفية. العاشرة: فضيلة أصحاب موسى. الحادية عشرة: عرض الأمم عليه - عليه الصلاة والسلام - . * الثامنة: حرصهم على الخير، وجهه خوضهم في هذا الشيء؛ لأنهم يريدون أن يصلوا إلى نتيجة حتى يقوموا بها. * التاسعة: فضيلة هذه الأمة بالكميّة والكيفيّة، أما الكميّة، فلأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ رأى سوادًا عظيمًا أعظم من السواد الذي كان مع موسى، وأما الكيفيّة؛ فلأن معهم هؤلاء الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون. * العاشرة: فضيلة أصحاب موسى، وهو مأخوذ من قوله: (إذ رفع لي سوادٌ عظيمٌ)، ولكن قد يقال: إن التعبير بقول: كثرة أتباع موسى أنسب لدلالة الحديث؛ لأن الحديث يقول: (سواد عظيم فظننت أنهم أمتي)، وهذا يدل على الكثرة. * الحادية عشرة: عرض الأمم عليه - عليه الصلاة والسلام ـ، وهذا له فائدتان: الفائدة الأولى: تسلية الرسول عليه الصلاة والسلام، حيث رأى من الأنبياء من ليس معه إلا الرجل والرجلان، ومن الأنبياء من ليس معه أحد، فيتسلى بذلك عليه الصلاة والسلام، ويقول: {ما كنت بدعًا من الرسل}. الفائدة الثانية: بيان فضيلته عليه الصلاة والسلام وشرفه، حيث كان أكثر أتباعًا وأفضلهم؛ فصار في عرض الأمم عليه هاتان الفائدتان. * * * الثانية عشرة: أن كلّ أمةٍ تحشر وحدها مع نبيها. الثالثة عشرة: قلّة من استجاب للأنبياء. الرابعة عشرة: أن من لم يجبه أحدٌ يأتي وحده. الخامسة عشرة: ثمرة هذا العلم، وهو عدم الاغترار بالكثرة، وعدم الزهد في القلة. * الثانية عشرة: أن كل أمة تحشر وحدها مع نبيها، لقوله: (رأيت النبي ومعه الرجل والرجلان،، ولولا أنّ كل نبي متميز عن النبي الآخر؛ لاختلط بعضهم ببعض، ولم يعرف الأتباع من غير الأتباع، ويدل لذلك قوله سبحانه وتعالى: {وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا} [الجاثية: 28]؛ فإنه يدل على أن كل أمة تكون وحدها. * الثالثة عشرة: قلة من استجاب للأنبياء، وهو واضح من قوله: (والنبي ومعه الرجل والرجلان، والنبي وليس معه أحد). * الرابعة عشرة: أن من لم يجبه أحد يأتي وحده، لقوله: (والنبي وليس معه أحد). * الخامسة عشرة: ثمرة هذا العلم، وهو عدم الاغترار بالكثرة.. إلخ، فإن الكثرة قد تكون ضلالًا، قال الله تعالى: {وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام: 116]، وأيضًا الكثرة من جهة أخرى إذا اغتر الإنسان بكثرة وظن لن يغلب أو أنّه منصور؛ فهذا أيضًا سبب للخذلان؛ فالكثرة إن نظرنا إلى أن أكثر أهل الأرض ضلال لا تغتر بهم، فلا تقل: إن الناس على هذا، كيف أنفرد عنهم؟. كذلك أيضًا لا تغتر بالكثرة إذا كان معك أتباع كثيرون على الحق؛ فكلام المؤلف له وجهان: الوجه الأول: أن لا نغتر بكثرة الهالكين فنهلك معهم. الوجه الثاني: أن لا نغتر بكثرة الناجين فيلحقنا الإعجاب بالنفس وعدم الزهد في القلة، أي أن لا نزهد بالقلة؛ فقد تكو القلة خيرًا من الكثرة. * * * السادسة عشرة: الرخصة في الرقية من العين والحمة. السابعة عشرة: عمق علم السلف، لقوله: (قد أحسن من انتهى إلى ما سمع، ولكن كذا وكذا)، فعلم أن الحديث الأول لا يخالف الثاني. * السادسة عشرة: الرخصة في الرقية من العين والحمة، مأخوذ من قوله: (لا رقية إلا من عين أو حمة). * السابعة عشرة: عمق علم السلف، لقوله: (قد أحسن من انتهى إلى ما سمع، ولكن كذا وكذا(؛ فعلم أن الحديث الأول لا يخالف الثاني، لأن قوله: )لا رقية إلا من عينٍ أو حمة( لا يخالف الثاني؛ لأن الثاني إنما هو في الاسترقاء، والأول في الرقية؛ فالإنسان إذا أتاه من يرقيه ولم يمنعه؛ فإنه لا ينافي قوله: )ولا يسترقون(، لأن هناك ثلاث مراتب: المرتبة الأولى: أن يطلب من يرقيه، وهذا قد فاته الكمال. المرتبة الثانية: أن لا يمنع من يرقيه، وهذا لم يفته الكمال؛ لأنه لم يسترق ولم يطلب. المرتبة الثالث: أن يمنع من يرقيه، وهذا خلاف السنة؛ فإن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يمنع عائشة أن ترقيه، وكذلك الصحابة لم يمنعوا أحدًا أن يرقيهم؛ لأن هذا لا يؤثر في التوكل. * * * الثامنة عشرة: بعد السلف عن مدح الإنسان بما ليس فيه. التاسعة عشرة: قوله: (أنت منهم): علم من أعلام النبوة. العشرون: فضيلة عكاشة. * الثامنة عشرة: بعد السلف عن مدح الإنسان بما ليس فيه، يؤخذ من قوله: (أما إني لم أكن في صلاة ولكني لدغت)؛ لأنه إذا كان رأى الكوكب الذي انقض استلزم أن يكون يقظان، واليقظان: إما أن يصلي، وإما أن يكون له شغل آخر، وإما أن يكون لديه مانع من النوم. * التاسعة عشرة: قوله:(أنت منهم) علم من أعلام النبوة. يعني: دليلًا على نبوة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكيف ذلك؟، لأن عكاشة بن محصن رضي الله عنه بقي محروسًا من الكفر حتى مات على الإسلام، فيكون في هذا علم، يعني: دليلًا من دلائل نبوة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ هذا إذا قلنا: إن الجملة خبرية وليس جملة دعائية، فإن قلنا: إنها جملة دعائية، فقد نقول أيضًا: فيه علم من أعلام النبوة، وهو أن الله استجاب دعوة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ لكن استجابة الدعوة ليست من خصائص الأنبياء؛ فقد تجاب دعوة من ليس بنبي، وحينئذ لا يمكن أن تكون علمًا من أعلام النبوة إلا حيث جعلنا الجملة خبرية محضة. * العشرون: فضيلة عكاشة، بكون ممن يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، وهل نشهد له بذلك؟ نعم، لأن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ شهد له بها. * * * الحادية والعشرون: استعمال المعاريض. الثانية والعشرون: حسن خلقه ـ صلى الله عليه وسلم ـ. * الحادية والعشرون: استعمال المعاريض. وفي المعاريض مندوحة عن الكذب، وذلك لقول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (سبقك بها عكاشة)؛ فإن هذا في الحقيقة ليس هو المانع الحقيقي، بل المانع ما أشرنا إليه في الشرح: إما أن يكون هذا الرجل منافقًا فلم يرد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يجعله مع الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، وإما خوفًا من انفتاح الباب؛ فيسأل هذه المرتبة من ليس من أهلها. * الثانية والعشرون: حسن خلقه ـ صلى الله عليه وسلم ـ. وذلك لأنه رد هذا الرجل وسدَّ الباب على وجه ليس فيه غضاضة على أحد ولا كراهة. * * * التعديل الأخير تم بواسطة نور الزعبي ; 30-01-12 الساعة 08:41 PM |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
(View-All) Members who have read this thread in the last 30 days : 0 | |
There are no names to display. |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
ملخص حلية طالب العلم للأستاذة عطاء الخير | أسماء حموا الطاهر علي | أرشيف الفصول السابقة | 10 | 25-12-13 01:00 AM |
نبذة مختصرة عن العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى | أم اليمان | روضة سير الأعلام | 0 | 24-12-06 08:10 AM |