العودة   ملتقى طالبات العلم > . ~ . الأقسام الدعوية والاجتماعية . ~ . > روضة التصميم والتقنية > معرض فريق العمل > المجلة الالكترونية

الملاحظات


 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 06-03-11, 01:47 PM   #1
سهام بنت عبد الفتاح
عضوة بفريق العمل الفني
افتراضي كلمة فضيلة الشيخ عبد السلام إبراهيم الحصين



الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على خاتم المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم و على آله و صحبه و من تبعهم باحسانا الى يوم الدين....
ثم أمّا بعد:
إلى جميع أخواتي الغاليات بملتقى طالبات العلم

إليكن كلمة المشرف العام على موقع ملتقى طالبات العلم فضيلة الشيخ عبد السلام إبراهيم الحصين حفظه الله
التي شرفنا بها فضيلته فى المجلة الإلكترونية لملتقى طالبات العلم
فجزاه الله عنا خير الجزاء




انطلق إلى أرض كذا وكذا؛ فإن بها أناسًا يعبدون الله فاعبد


الله معهم


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه


والتابعين، أما بعد:


فإن الحياة الدنيا محلُّ الزرع والحرث، فيها يزرع ابن آدم أعماله، ويبذر


بذور سعادته أو شقائه، ثم يكون الحصاد يوم المعاد، حين يرجع العباد إلى


ربهم، ويكون لديه مستقرهم، فيحصد كل زارع زرعه في دنياه، قال تعالى:


{فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى وأما من خاف مقام

ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى}، والإنسان في حياته الدنيا


يتأثر في أعماله ببيئته التي نشأ فيه، وأصدقائه الذين يحيطون به، فالبيئة


الصالحة تعين على فعل الخير، واكتساب معالي الأمور، والبيئة الفاسدة تعين


على فعل الشر، واكتساب مساوئ الأخلاق، ويحكي لنا النبي صلى الله عليه


وآله وسلم أثر البيئة والصحبة على أفعال الإنسان وتصرفاته في قصة ذلك


الرجل الذي استمرأ القتل، واستحل الدماء، وكان لأرضه التي هو فيها وصحبته


التي تربى معها أعظم الأثر عليه، يقول عليه الصلاة والسلام: ((كان فيمن


كان قبلكم رجل قتل تسعه وتسعين نفسًا، فسأل عن أعلم أهل الأرض، فدُلَّ


على راهب، فأتاه فقال: إنه قتل تسعة وتسعين نفسًا؛ فهل له من توبة؟ فقال:


لا، فقتله، فكمل به مائة، ثم سأل عن أعلم أهل الأرض، فدُلَّ على رجل


عالم، فقال: إنه قتل مائة نفس؛ فهل له من توبة؟ فقال: نعم، ومن يحول بينه


وبين التوبة؟! انطلق إلى أرض كذا وكذا؛ فإن بها أناسًا يعبدون الله فاعبد


الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك؛ فإنها أرض سوء، فانطلق حتى إذا نصف الطريق


أتاه الموت، فنأى بصدره إلى الأرض التي خرج إليها، فاختصمت فيه ملائكة


الرحمة وملائكة العذاب، فقالت ملائكة الرحمة: جاء تائبًا مقبلا بقلبه إلى


الله، وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيرًا قط، فأتاهم ملك في صورة


آدمي، فجعلوه بينهم، فقال قيسوا ما بين الأرضين فإلى أيتهما كان أدنى فهو


له، فأوحى الله إلى هذه أن تباعدي وإلى هذه أن تقربي، فقاسوه فوجدوه أدنى


إلى القرية الصالحة التي أراد فكان أقرب منها بشبر، فجعل من أهلها ،


فقبضته ملائكة الرحمة)) متفق عليه. إن هذا العالم الرباني لم يكتف بفتح


باب الرجاء والأمل في نفس هذا التائب النادم، ولكنه دله على الطريق

المعين على التوبة، والمثبت لها، وذلك بمفارقة الأرض التي قارف فيها


المعصية؛ لأنها بمن فيها من الصحبة السيئة، تعين على فعل الشر، ولن ينزع


عن فعله ما دام أنه يرى صحبه القدامى، فيسخرون منه، أو يزينون له

المعصية، ويهونون أمرها في عينيه، ويتذكر أيامه القديمة، ويغريه الشيطان


بمعاودة فعل ذلك، فيحن إلى أفعاله السيئة، فكان لا بد من مفارقة بلده،

والابتعاد عنها حتى لا يجد من يذكره بفعل الشر والإقدام عليه، وينتقل إلى

أرض صالحة يجد فيها من يعينه على الطاعة وفعل الخير، ولقد ذم الله قومً

مكثوا في أرض الفساد والشر، وتأثروا بأعمال أهلها، ولم يعذرهم بأنهم


كانوا مستضعفين في الأرض، فقال تعالى: {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي


أنفسهم قالوا فيم كنتم؟ قالوا كنا مستضعفين في الأرض، قالوا ألم تكن أرض


الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرًا} ثم عذر الله


المستضعفين العاجزين عن مغادرة ديارهم، والخروج من أرض السوء فقال

سبحانه: {إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة

ولا يهتدون سبيلا فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوًا غفورًا}.


والهجرة إن لم تكن ممكنة بمفارقة الأوطان، فإنها ممكنة في هذا الزمن


بمفارقة مجالس السوء حقيقة ومعنى، فمجالس السوء حقيقة الجلوس مع أهل


الباطل بأبدانهم، وأما المعنى فالجلوس معهم خلف شاشات الرائي، والشبكة


العنكبوتية..


والحمد الله إذ من علينا برفقة صالحة في هذا الملتقى المبارك، فإن الجلوس


فيه كالهجرة إلى الأرض المباركة التي فيها أناس صالحون فتعبد الله تبارك


وتعالى معهم، حتى يأتيك يقين الموت وأنت على يقين الهدى والصلاح

التعديل الأخير تم بواسطة سهام بنت عبد الفتاح ; 07-06-11 الساعة 07:35 PM
سهام بنت عبد الفتاح غير متواجد حالياً  
قديم 07-06-11, 07:34 PM   #2
سهام بنت عبد الفتاح
عضوة بفريق العمل الفني
افتراضي






الحـمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن



محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، أما



بعد"



ففي لحظة من اللحظات الحاسمة في حياة الإنسان يكون اختياره فيها أعظم مرحلة


في حياته كلها، يقف بين ما يشاهده من زينة الدنيا ومتاعها، وما يغيب عنه من نعيم


الجنة ولذائذها، يقف بين ما يقع له في الدنيا من بلاء ونصب وعذاب، وما يتوعد


من عذاب الآخرة ونكال وجحيم لمن كذب وعصى، وأثناء هذه الوقفة يحضره ملك


من الرحمن وشيطان من الجان، ولكل واحد منهما لمة، فأما لمة الشيطان فإيعاد


بالشر وتكذيب بالحق، وأما لمة الملك فإيعاد بالخير وتصديق بالحق، كما قال الله


تعالى: {الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا}،


ولقد قص الله علينا خبر سحرة فرعون حين وقفوا هذا الموقف الرهيب، فكانوا بين


عذاب فرعون ونكاله الذي سيقع بهم، وهو يتوعدهم ويتهددهم، ويملك تنفيذ ما


توعد به إن هم عصوه، وما وعدهم به من التقريب لهم ورفع مكانهم إن هم


أطاعوه وانتصروا على موسى، وبين وعد موسى لهم بأن الله يدخلهم الجنة


وينجيهم من النار، فهذا فرعون يقول: {قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ


الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ


وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى }، فكان جوابهم وقد استجابوا الملك، وعلموا أن ما


جاء به موسى حق لا مرية فيه: { ِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ


مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى }، أي نور هذا الذي انبعث في قلوبهم حتى جعلهم


يقولون هذه الكلمات العظيمة؟! أي إيمان وقر قلوبهم وهز جوارحهم حتى جعله


في لحظة واحدة يضعون فرعون وجنده وعذابه ونكاله ووعيده ووعده تحت


أرجلهم؟!! ألم يكونوا قبل قليل يقسمون بعزة فرعون أنهم لهم الغالبون؟! فكيف


انقلبوا في لحظة واحدة فقالوا له: اقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا؟!


يقولون لمن يقسمون بعزته قبل قليل: افعل ما شئت فلن تستطيع أن تفعل أكثر مما


أعطاك الله في هذه الحياة، ولكنها حياة أرضية زهيدة زهيدة، ولن نؤثرك على ما


أشرق في قلوبنا من نور الحق وبرهانه، لن نؤثرك على الله الذي فطرنا وخلقنا


وهدانا، لن نؤثرك مهما كان معك من متاع وزينة على ما عند الله من الدرجات


العلى، والجنات التي تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها، لن نؤثرك فنخاف عذابك


لنقع في عذاب الله الذي لا يموت من وقع فيه ولا يحيى، لن نخاف عذابك القليل


الزائل؛ لأنا نخاف عذاب ربنا الطويل الباقي، فالله خير وأبقى، خير منك في عطائه


وجوده، وأبقى لنا منك في وعده ووعيده، وجنته وعذابه، ولقد كانت قصة هؤلاء


السحرة الذين آمنوا بربهم، وصبروا على الأذى في سبيل الله، وكان إيمانهم سببًا


لعذابهم في الدنيا، ولكنه أنجاهم من عذاب أشد، وأوصلهم إلى نعيم لا يزول.


لقد كانت موعظة يعظ الله بها عباده المؤمنين، بل وعظ بها أحب خلقه إليه،


وأكرمهم عليه، فقال الله تعالى لنبيه وخليله في نهاية سورة طه: { وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ


إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى }


، أي لا تمدن عينيك معجبًا، ولا تكرر النظر مستحسنًا إلى أحوال الدنيا والممتعين


بها، من المآكل والمشارب اللذيذة، والملابس الفاخرة، والبيوت المزخرفة، والنساء


المجملة، فإن ذلك كله زهرة الحياة الدنيا، تبتهج بها نفوس المغترين، وتأخذ إعجابًا


بأبصار المعرضين، ويتمتع بها - بقطع النظر عن الآخرة - القوم الظالمون، ثم تذهب


سريعًا، وتمضي جميعا، كما تذبل الزهرة، وتيبس النبتة، وتقتل محبيها وعاشقيها،


فيندمون حيث لا تنفع الندامة، ويعلمون ما هم عليه إذا قدموا في القيامة، وإنما


جعلها الله فتنة واختبارًا، ليعلم من يقف عندها ويغتر بها، ومن هو أحسن عملا، كما


قال تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلا * وَإِنَّا


لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا}، وَرِزْقُ رَبِّكَ العاجل من العلم والإيمان وحقائق


الأعمال الصالحة، والآجل من النعيم المقيم والعيش السليم في جوار الرب الرحيم


خير في ذاته وصفاته مما متعنا به هؤلاء المترفين المنعمين العاصين، وَأَبْقَى لك


لكونه دائم لا ينقطع ولا يفنى، أما هذه الحياة فإنها تفنى وتبلى.


إنها مواعظ الله وآياته، يقصها على عباده لتكون لهم موعظة وعبرة، وليعلموا أن


ما عنده خير لهم وأبقى، ولكن كثيرًا من الناس عن آيات ربهم غافلون.




سهام بنت عبد الفتاح غير متواجد حالياً  
قديم 26-07-11, 07:33 PM   #3
سهام بنت عبد الفتاح
عضوة بفريق العمل الفني
افتراضي





الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، ومصطفاه وخليله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:
فإن الإنسان مبتلى في هذه الحياة بمرضين خطيرين يصيبان قلبه، فيؤثران على جوارحه، وينحرفان بفكره وتصوره، ويسلمانه إلى الردى والهلاك، إنهما مرض الجهل والظلم، الذين وصف الله بهما الإنسان في قوله: {إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنا وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلومًا جهولاً}.
عن الضحاك في قوله: {إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا} قال: ظلومًا لنفسه، جهولا فيما احتمل فيما بينه وبين ربه.
وعن ابن عباس: {إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا} غِرٌّ بأمر الله.
وعن قتادة {إِنَّه كَانَ ظَلُومًا جَهُولا} قال: ظلومًا لها يعني الأمانة، جهولا عن حقها.
فمعنى {كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً} أنه قصر في الوفاء بحق ما تحمله تقصيرًا بعضه من عمد، وهو المعبر منه بوصف ظلوم، وبعضه عن تفريط في الأخذ بأسباب الوفاء، وهو المعبر عنه بكونه جهولا، فظلوم مبالغة في الظلم، وكذلك جهول مبالغة في الجهل.
والظلم: الاعتداء على حق الغير، وأريد به هنا الاعتداء على حق الله الملتزم له بتحمل الأمانة، وهو حق الوفاء بالأمانة، ومن اعتدى على حق ربه، فلن يستغرب اعتداؤه على حق خلقه.
والجهل: انتفاء العلم بما يتعين علمه، والمراد به هنا: انتفاء علم الإنسان بمواقع الصواب فيما تحمل به.
ويجوز أن يراد {ظَلُوماً جَهُولاً} في فطرته، أي في طبعه الظلم والجهل، فهو معرَّضٌ لهما، ما لم يعصمه وازع الدين، فكان من ظلمه وجهله أن أضاع كثيرٌ من الناس الأمانة التي حملوها.
ولما ابتلى الله الإنسان بهاتين الصفتين شرع له من الشرائع ما يعين على دفعهما، وشفاء القلب منهما، ومن أعظم ذلك عبادة الصيام، الذي هو ركن من أركان الإسلام، ولولا أهميته في حياة المسلم وأثره العظيم في استقامة القلب وصلاحه، وشفائه من الأمراض لما افترضه الله علينا، وألزمنا بفعله.
ومما يدل على أثر الصيام في شفاء القلب من هذين المرضين ما رواه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم: ((مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ والجهل فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ)).
وفي الحديث الصحيح المتفق عليه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((والصيام جنة، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم)).
فتأمل في الحديث الأول كيف أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قرن بين الصيام وبين كف النفس عن الكذب، والاعتداء على حقوق الناس بالزور عليهم، وعن السفه والجهالة عليهم، وأن من لم يردعه الصيام عن ذلك، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه من أجله.
وفي الحديث الثاني جعل الصيام جنة، والجنة هي الوقاية، وهي وقاية مطلقة، فيدخل فيها الوقاية من كل مكروه، وأعلى أنواع الوقاية أن يقيه من النار، ويدخل فيها وقاية النفس عن خدش صيامها بفعل ما يورث الضغينة، أو الاعتداء، ولهذا أمر الصائم بترك الرفث والصخب.
إن الصيام عبادة سلبية كفية، قوامها وأساسها ترك الفعل، وليس إيجاده، ولهذا كان ركنه الأساس النية، وهي عمل قلبي باطن، تدل عليه الجوارح، ولأجل ذلك لا يعلم كون الشخص صائمًا ما لم يُسأل، ولا يكفي امتناعه عن الأكل والشرب للدلالة على كونه صائمًا؛ إذ يمتنع عنهما استغناء، أو لمرض، أو حياءً، فإذا أَخبر بأن امتناعه لأجل الصيام، فقد أظهر هذه النية وأبانها، وتبين أنه كف عن فعل شيء نافع في الظاهر، ولا يستغني عنه الإنسان في حياته -وهو الأكل والشرب والشهوة-؛ طاعة لله تبارك وتعالى وطلبًا لمرضاته.
ومن استطاع أن يفعل ذلك فقد أبان عن قوة نفسية على مغالبة إرادته وهواه في طلبهما للأشياء؛ لأن الذي يقدر على منع نفسه من فعل ما فيه منفعتها، وما فيه استقامة بدنه وبقائه، ألا يستطيع أن يمتنع عن ظلم الناس والبغي عليهم، الذي لا حاجة له به، ولا شيء يدعوه إليه، إلا استغلال ضعفهم، والتكثر بسلب أموالهم، والتسلط على أعراضهم؟!!
أفلا يستطيع أن يمنع الظلم عن نفسه، التي أمر بتزكيتها وتطهيرها، وعدم تدسيتها؟
هذه النفس التي تطلب الراحة والاستقرار، والارتباط بالواحد القهار، يظلمها صاحبها حين يصرفها إلى غيره، فيشرك به، أو يجحد نعمه، ويكفر فضله، وينكر وجوده وقدرته وقوته وقهره، أو يغرق نفسه في الشهوات؛ من الفواحش والآثام، فتكون محلا لما يستقذر من الأفعال والأقوال، فيخسر نفسه، كما قال تعالى: {الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون}، وقال تعالى: {إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين}.
وما أحسن قول الشاعر:
أُثامِنُ بالنفـسِ النفيـسةِ ربَّهـا وليس لهـا مِن الخلْقِ كُلِّهم ثمنُ
بها تُدرَكُ الأُخرى؛ فإن أنا بعتُهُا بشيءٍ من الـدُّنيا فذاكَ هو الغبنُ
لئن ذهَبَتْ نفسي بدُنْيا أصبْتُهُـا لقد ذَهبَتْ نفسي، وقدَ ذهَبَ الثمنُ
إن الله لم يشرع الصيام لنُحرم من الأكل والشرب ساعاتَ النهار، ولكنَّ المقصودَ أن نكسِر شهوات النفس، ونمسك عِنان اللسان عن تتبع العورات، والخوضِ بالباطل، ونحفظَ الجوارح عن ارتكاب ما حرم الله، {لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ} [سورة الحـج 22/37].
وإنما يمتنع العبد عن الظلم بعد معرفته لقبحه، وسوء عاقبته، فيرتفع بذلك عن الجهل، ويعلم فضل الله عليه، وسابغ نعمه، وأحقيته بالتوحيد وإخلاص القلب له، وهذا أعظم العلم وأشرفه؛ لأنه يقود لكل خير، وينهى عن كل شر، فمن عرفه فما يضره ما جهل بعد ذلك، ومن جهله فما ينفعه ما علم بعد ذلك.
هذه إطلالة سريعة على حكمة من حكم هذه العبادة العظيمة، وما أحقها بالتأمل والنظر، وربط عبادة الصيام بها؛ ليكون الصوم زادًا إلى ربنا، وعونًا لنا على مواصلة الطريق إليه.
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله

رابط تحميل العدد
http://www.t-elm.net/moltaqa/showthread.php?t=44090

سهام بنت عبد الفتاح غير متواجد حالياً  
 

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

(View-All Members who have read this thread in the last 30 days : 0
There are no names to display.

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
ملخص حلية طالب العلم للأستاذة عطاء الخير أسماء حموا الطاهر علي أرشيف الفصول السابقة 10 25-12-13 01:00 AM
الدليل إلى المتون العلمية أمةالله المتون العلمية 58 17-01-08 10:11 PM


الساعة الآن 02:58 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024,Jelsoft Enterprises Ltd.
هذه المنتديات لا تتبع أي جماعة ولا حزب ولا تنظيم ولا جمعية ولا تمثل أحدا
هي لكل مسلم محب لدينه وأمته وهي على مذهب أهل السنة والجماعة ولن نقبل اي موضوع يثير الفتنة أو يخالف الشريعة
وكل رأي فيها يعبر عن وجهة نظر صاحبه فقط دون تحمل إدارة المنتدى أي مسؤلية تجاه مشاركات الأعضاء ،
غير أنَّا نسعى جاهدين إلى تصفية المنشور وجعله منضبطا بميزان الشرع المطهر .