25-06-11, 11:54 PM | #1 |
~مستجدة~
تاريخ التسجيل:
05-06-2011
المشاركات: 24
|
أفيقوا أيها المتكبرون
أفيقوا أيها المتكبرون
الشيخ حسين شعبان وهدان بسم الله الرحمن الرحيم الحمدُ لله الكبير المتعال، المتفرِّد بالجلال، والمنعوت بصفات الكمال، سبحانه! العزُّ إزارُه، والكبرياء رداؤُه، ملك الرقابَ بالفضْل الجميل، وأغدق على الخلْق مِن فَيْض العطاء الجزيل؛ فله الحمدُ على آلائه ولُطْفه، وله الشكْر على برِّه ورحمته. وأشهد أن لا إله إلا الله، وحْده لا شريك له، المَلِك الحَق المبين، وأشهد أنَّ سيدَنا محمدًا عبد الله ورسوله، وصفِيّه من خَلْقه وحبيبه، خَيْر الخلْق دينًا، وأحسنهم أخْلاقًا، اللهمَّ صلِّ وسلِّم وبارك عليه، وعلى آله وصحْبه أجمعين. أما بعد: فالكبرُ داءٌ من أشرسِ الأمراض الاجتماعية، التي تقوض بنيان المجتمع، وتَمْحق الأُجُور والحسنات، وتنذر المستكبرين بالسقوط من عَيْن الله والناس؛ لذلك فَهُم في أمسِّ الحاجة إلى جرعاتٍ من الدواء الناجع، الذي يُذْهِب هذا الطاعون المهْلِك من نُفُوسهم، ولو كان مُرًّا، ويقودهم إلى بَرَكات التواضُع ولو قسْرًا، حتى يقيموا جُسُور الحب الصادق، والود الحقيقي مع خلق الله. والكِبْر - كما قيل عنه -: رؤية النفس فوق الغَيْر في صفات الكمال، وهو عبارة عن شُعُور داخليٍّ، مخادعٍ لصاحبه، يملؤه بالاسْتعلاء على الناس، وبذرته في القلب؛ كما قال الله تعالى: {إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ} [غافر: 56]، وأشمل ما عُرف به هو ما جاء في الحديث: ((بطر الحقِّ، وغَمْطُ الناس))[1]؛ أي: رفض الحق، واحتقار الخلق. ذم الكبر: إن الكبر هو أول ذنبٍ عُصِيَ به الله تعالى في السماء، وذلك لَمَّا أمر الله تعالى الملائكة بالسجود لآدم فسجدوا، إلا إبليس أبى واستكبر؛ قال تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [البقرة: 34]، وقد كان قياسه فاسدًا لما أجاب ربه، بعد أن سألَه سبحانه عن سبب إبائِه: {قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ * قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [ص: 75، 76]، فالمتكبرون يظنون - جَهْلاً - أنهم أفضل من الناس وأعز وأكرم، كما قاس الملعون إبليس؛ لظنِّه أن عنصر النار أشْرَف من الطين، فيدفعهم ذلك إلى ظن الرِّفعة والتميُّز، مرتكزين إلى نسب أو منصبٍ أو مالٍ، وذلك وهْمٌ كبيرٌ، فالأفضلية للدِّين والتقوى. والله تعالى لا يحب العبد المتكبِّر: {إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ} [النحل: 23]، ومن ثَمَّ لن تصيبَ أنوارُ الهدايةِ قلبَه؛ فيُحرمَ التوفيق: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} [الأعراف: 146]، حتى يصل به الأمر إلى أن يختم الله تعالى على قلبه بخاتم ِالطردِ والإِبعادِ: {كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ} [غافر: 35]. والمتكبرون محرومون من دُخُول الجنة؛ ففي الحديث: ((لا يدخل الجنة مَن كان في قلبه مثقال ذرة من كِبْر))؛ رواه مسلم، بل إن الوعيد يسبقهم في آخرتهم بالإهانة والخزي والصَّغار، معاملة لهم بضدِّ قصدهم؛ فعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده - رضي الله تعالى عن الجميع -: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((يُحشَر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذَّرِّ في صور الرجال، يغشاهم الذُّل من كلِّ مكان، يُساقون إلى سجن في جهنم، يسمى: بولس، تعلوهم نار الأنيار، يُسقون من عصارة أهل النار طينة الخبال))؛ فأيُّ قدر أحقر من ذلك لمن يريد أن يعتبر؟! والمتكبرون يرثون خزايا من سبقهم، فهم أسوأ أخلافٍ لأسلافٍ؛ لأنهم جعلوا الذين لعنهم الله هم قدوتهم الماثلة دائمًا في مخيلاتهم، ومنهم: الفرعون الغاشِم المختال، الذي ملأ الأرض كبرًا بمَوَاقِفه وتصْريحاته، وأَوْفَى دليلٍ هو قوله تعالى: {وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلاَ تُبْصِرُونَ * أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ} [الزخرف: 51، 52] ، وقال الله تعالى: {وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ} [القصص: 39]، ولا جرم فقد كانت النتيجة أنه مات بعد أن أدركه الغرق هو ومن معه؛ {فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ * وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ * وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ} [القصص: 40 - 42]. ومنهم قارون الذي صمَّ الغِنَى سمعَه عن الإصغاء للهدي الإلهي، وعن قول العقلاء له من قومه: {لاَ تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْفَرِحِينَ} [القصص: 76]، وملأ الكبر جنانه، فصرَّح لقومِه بإرهاصات الهلاك؛ {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي} [القصص: 78]، والنتيجةُ - كما قال الله تعالى -: {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ} [القصص: 81]. ومنهم قوم عادٍ الذين لجُّوا في طغيان الصدِّ عن الهُدى؛ بسبب الكبر الذي كان يملأ جوانحهم؛ قال الله تعالى: {فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ} [فصلت: 15]، وقد أبادهم الله تعالى بعد عتوِّهم وكُفرهم؛ {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لاَ يُنْصَرُونَ} [فصلت: 16]، ولا شك أن الكبر كان سبب الهلاك، ولذلك كان العقابُ أليمًا، وقد خلَّفهم عبرةً للمتكبِّرين؛ {فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ * فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ} [الحاقة: 7، 8]. ومنهم صناديد قريش الذين طلَبوا من رسول الله - صلى الله عيه وسلم - أن يُخَصِّصَ للكُبراء مجلسًا، وللفقراء مجلسًا، يُجالسهم فيه منعًا من التلاقي بين الفريقَيْن، وذلك بسبب كبر نفوسهم؛ فعن خباب - رضي الله تعالى عنه - قال: جاء الأقرع بن حابس التميمي، وعيينة بن حصن الفزاري، فوجدوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع صهيب، وبلال، وعمار، وخباب، قاعدًا في ناس من الضعفاء من المؤمنين، فلما رأوهم حول النبي - صلى الله عليه وسلم - حقروهم، فأتوه فخلوا به، وقالوا: إنا نريد أن تجعل لنا منك مَجْلسًا، تعرف لنا به العرب فضلنا، فإنَّ وُفُود العَرَب تأتيك، فنسْتحي أن ترانا العرب مع هذه الأعبد، فإذا نحن جئناك فأقمهم عنك، فإذا نحن فرغنا، فاقعد معهم إنْ شئتَ، قال: ((نعم))، قالوا: فاكتُبْ لنا عليك كتابًا، قال: فدعا بصحيفة، ودعا عليًّا ليكتب، ونحن قعود في ناحية، فنزل جبرائيل - عليه السلام - فقال: {وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنعام: 52][2]. ومنهم ملك غسان جبلة بن الأيهم، الذي منعه الكبر من الثبات على الإسلام، بعد أن دخل فيه؛ روى ابن الكلبي وغيره: أن عمر لما بلغه إسلام جبلة فرح بإسلامه، ثم بعث يستَدْعيه ليراه بالمدينة، وقيل: بل استأذنه جبلة في القُدُوم عليه، فأذن له، فركب في خلْق كثير من قومه، قيل: مائة وخمسين راكبًا، فلما سلَّم على عمر رحب به عمر وأدنى مجلسه، وشهد الحج مع عمر في هذه السنة، فبينما هو يطوف بالكعبة، إذ وطئَ إزارَه رجلٌ من بني فزارة فانحل، فرفع جبلة يده فهشم أنف ذلك الرجل. ومن الناس مَن يقول: إنه قلع عينه، فاستعدى عليه الفزاري إلى عمر، ومعه خلْق كثيرٌ من بني فزارة، فاستحضره عمر فاعترف جبلة، فقال له عمر: أقدته منك؟ فقال: كيف، وأنا ملك وهو سوقة؟! فقال: إن الإسلام جمعك وإياه، فلست تفضله إلا بالتقوى، فقال جبلة: قد كنتُ أظُن أن أكونَ في الإسلام أعز مني في الجاهلية، فقال عمر: دع ذا عنك، فإنك إن لم ترضِ الرجل أقدته منك، فقال: إذًا أتنَصَّر، فقال: إن تنَصَّرتَ ضرَبتُ عنقك، فلما رأى الحدَّ قال: سأنظر في أمري هذه الليلة، فانصرف من عند عمر، فلما ادلَهَمَّ الليلُ ركب في قومه ومن أطاعه، فسار إلى الشام، ثم دخل بلاد الروم[3]. فقد أعماه كبْرُه عن رؤية الناس في عينيه إلا صغارًا، وكذلك كان أسلافه المتضلعين كبرًا وبطرًا، وهكذا يفعل الكبْر بأهلِه، وكلُّ مَن آنس التكبُّر بين جوانحه فهم قدوته، وهو يسير في طريق الهلاك، ومصيره يقْترن بوجوه شبه كثيرة مع مصائرهم الغابرة. وأهل الكبر دائمًا في شقاءٍ وعناءٍ؛ فهم يقاسون مشاعرهم الداخلية عن الخلق وانحطاطهم، كما يصور لهم خيالهم المريض، وعن منزلتهم الموهومة في مُخيلاتهم، ويقاسون انعدام المخلصين وانفضاضهم من حولهم، فمِن فطرة الله في خلْق الناس أنهم لا يحبُّون مَن يتكَبَّر عليهم. إنَّ تصوير القرآن الكريم لِمنظرهم غاية في العجب، إنه منظرٌ يُنْبِئ عن مرضٍ، فالمتكبِّرُون مرْضى يستحقُّون الشفَقة، ومن ظُلْمهم أن نغضبَ منهم، ماذا يقول مَن يرى أهل التعاظُم وهم يتعثَّرُون في ثوب خبالهم ضمن صور الكِبْر المشهورة، في الهيئة، والمِشْية، وطُرُق الكلام؟ إن كتاب الله تعالى يُصَوِّر هذا المشْهد، وهو ناطقٌ بعمومِه على حالهم؛ قال الله تعالى: {وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [لقمان: 18]، والصعر: هو مَرَضٌ يصيب الإبل، فيلوي أعناقها؛ بحيث لا تستطيع أن تعيدها معتدلة مرة أخرى، فتظل على هذا العوج، وهو فيها وفي أمثالها أجلى وأوضح؛ وذلك لطول عنقها، فكأن العبد المتكبِّر مثل هذا البعير الذي أصابه هذا المرض فحاله - من كبره - لا يخْفى على عاقل، إنه نسِي أصلَه الذي منه خُلق، ولما ذهل عن هذه الحقيقة لعِب الشيطان به وأملاه، ووعده ومنَّاه. نَسِيَ الطِّينُ سَاعَةً أَنَّهُ طِي نٌ حَقِيرٌ فَصَالَ تِيهًا وَعَرْبَدْ وَكَسَا الخَزُّ جِسْمَهُ فَتَبَاهَى وَحَوَى المَالَ كِيسُهُ فَتَمَرَّدْ يَا أَخِي لاَ تَمِلْ بِوَجْهِكَ عَنِّي مَا أَنَا فَحْمَةٌ وَلاَ أَنْتَ فَرْقَدْ سماتٌ ظاهرةٌ: وللكبر علامات بها يُعرف، وتظهر على أهلِه لِتُمَيِّزهم عن المتواضعين، من هذه السمات الواضحة: - المظاهر السطحية المعروفة؛ كمِشية البخترة، والشهرة، وكلام المملوئين كبرًا وغرورًا، وثقل النقلة في الكلام، والنظر إلى الناس شذرًا، وتحقير آرائهم. - منع الاستفادة العلمية؛ بسبب كبر النفوس، وقد ورد: ((إنَّ العلم يضيع بين التكبر والحياء))، وحتى إذا استمع إلى طرفٍ من العلم، فإنه لا ينصاع إلى ما به من حق؛ قال الله تعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} [النمل: 14]. - دعاوى تزْكية النفس، والمفَاخَرة بالأصل والحسب، أو المال، أو المنصب، مثلما قال الأخ لأخيه في قصة صاحب الجنتين: {أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَرًا} [الكهف: 34]، وكذلك كان ظن الكبراء من بني إسرائيل بعد زمان الكليم - عليه السلام - حين اعْتَرَضُوا على أن يكون طالوت هو ملكهم: {قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ} [البقرة: 247]. - لكن تبقى أهم سمات الكِبْر، وهي التي ترتكز في القلب، فتدفع صاحبها إلى احتقار الخلق والترفُّع عليهم؛ فعن عبدالله بن مسعود - رضي الله تعالى عنه -: أنَّ النبي - صلى لله عليه وسلم - قال: ((لا يدخل الجنة مَن كان في قلبه مثقال ذرة من كبر))، قال رجل: إنَّ الرَّجُل يحب أن يكونَ ثوبه حسنًا، ونعله حسنة، قال: ((إنَّ الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس))[4]، إنَّ القلبَ سيِّد الأعضاء، وإذا لفحه الكبر بمارجٍ من ناره، فإنه بذلك يحرق في داخله رصيد العبد من التواضُع. أسباب الكبر: ولا شك أنَّ هناك أسبابًا تُعين على استفحال داء الكبر في النفوس، ومنها: - شعور المتكبِّر بالنقْص في ذاته، فيدفعه إلى تعويض ذلك بالكبر حتى يرفع من قدره، قال الأحنف بن قيس: "ما تكبَّر أحدٌ إلا من زلة يجدها في نفسه"، وهذا واضح في حياة الناس. - شعور المتكبِّر بالكمال، وحيازة الفضْل من أطرافه في تصوُّرٍ هو أقرب إلى العصمة، والكمال المطلَق لله، والعصمة ثابتة فقط للملائكة الأطهار ولرسل الله المكرمين - عليهم السلام - ولا عصمة للأولياء والأئمة، كما يغالي البعضُ ويَخْلِط الأمور خلطًا شائنًا، لا تبقَى معه سلامةٌ ولا هُدى. إنَّ مَن يظن أنه لا يُخطئ أبدًا لَهُوَ أَعظم الناس نقْصًا، وأعظمهم مصيبة، فهو مصطلحٌ مع نفسه دائمًا، ولا يزكِّيها بإصلاح عُيُوبها، والناس يرَون منه قُبح أعماله، وهو لا يدْري لأنَّه لا يرى خطأه، ولا يشعر به، ولا يتمَثَّل أبدًا بقول الحكيم: وَخَالِفِ النَّفْسَ وَالشَّيْطَانَ وَاعْصِهِمَا وَإِنْ هُمَا مَحَّضَاكَ النُّصْحَ فَاتَّهِمِ وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمَا خَصَمًا وَلاَ حَكَمًا فَأَنْتَ تَعْلَمُ كَيْدَ الخَصْمِ وَالحَكَمِ وخصوصًا إذا قيَّض الله تعالى مَن يكيلون له من الثناء والمدْح، ويعظمونه وإن كان لا يستحق، فهؤلاء سمٌّ ناقعٌ لقلبه، وهو لا يدري. الكبرياءُ لله: اختصَّ ربُّنا - سبحانه - لنفسه صفاتِ المجد الأعلى والكبرياء والجبروت، وكَرِه - سبحانه - المنازَعة الكاذبة في أسماء وصفات الجلال، فمِن أسمائه الحسنى أنه المتكبِّر؛ وعن أبي موسى الأشعري - رضي الله تعالى عنه -: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن في الجنة خيمة من لؤلؤة مجوفة، عرضها ستون ميلاً، في كل زاوية منها أهل ما يرون الآخرين، يطوف عليهم المؤمنون، وجنتان من فضة، آنيتهما وما فيهما، وجنتان من كذا، آنيتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبر على وجهه في جنة عدن))[5]، فالكبرياء لله، ولا ينبغي لعبدٍ أن ينازع في الكبر مولاه؛ فعن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((يقول الله سبحانه: الكبرياء ردائي، والعظَمة إزاري، مَن نازعني واحدًا منهما ألقيته في جهنم))[6]. مُحَاولةٌ للعلاج: وعلى العبدِ تفقُّد نفسه بين الحين والآخر؛ حتى لا يقع في براثن الكبر، فيضيع عليه إيمانه، وعلى مَن ألْفى نزوعًا إلى التكبُّر والتعالي أن يعيدَ التوازُن الطبيعي إلى ذاته قبل أن ينفرطَ عقدها، وذلك بأن يؤوب إلى رشده، ويعرف قدره كعبدٍ فقيرٍ إلى الكبير المتعال، وتأمل ما كان يردده شيخ الإسلام ابن تيميَّة - رحمه الله تعالى -: أَنَا الفَقِيرُ إِلَى رَبِّ البَرِيَّاتِ أَنَا المُسَيْكِينُ فِي مَجْمُوعِ حَالاَتِي أَنَا الظَّلُومُ لِنَفْسِي وَهْيَ ظَالِمَتِي وَالخَيْرُ إِنْ يَأْتِنَا مِنْ عِنْدِهِ يَاتِي لاَ أَسْتَطِيعُ لِنَفْسِي جَلْبَ مَنْفَعَةٍ وَلاَ عَنِ النَّفْسِ لِي دَفْعُ المَضَرَّاتِ وَالفَقْرُ لِي وَصْفُ ذَاتٍ لاَزِمٌ أَبَدًا كَمَا الغِنَى أَبَدًا وَصْفٌ لَهُ ذَاتِي وَهَذِهِ الحَالُ حَالُ الخَلْقِ أَجْمَعِهِمْ وَكُلُّهُمْ عِنْدَهُ عِبْدٌ لَهُ آتِي كلُّ هذا مع جلال المنْزلة الكبيرة، التي يَتَمَتَّع بها شيخُ الإسلام - رحمه الله تعالى - عند القاصي والداني. - وعلى العبد أن يصحبَ قلْبه في جولات من الإقرار بالفقر، والاعتلال الدائم إلى ذي الجلال والإكرام؛ قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [فاطر: 15]، وألا يتحامق بمزاحمة الملك في أخص صفاته، وهو يسير فوق أرضه، ويستظل بسمائه. - وعليه أيضًا أن يزِنَ الناس بميزان الإسلام، الذي لا يُعْلي الأقدارَ إلا من أجل التقوى؛ {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13]، فرفعة أهل المعصية والأصدقاء والمقربين تصيب تواضعهم في مقاتل مميتة إذا لم يكونوا للرفعة أهلاً. - وعلى كل مسلمٍ أن يحاولَ معرفة شيء عن هذا المرَض الخطير؛ حتى يتجنَّبه بالوقاية، وهي خير من العلاج. وأخيرًا: عجبًا لك أيهُّا المغرور المتكبِّر الضعيف المعلول إلى طعامه ومنامه وراحته! كيف لا تتذكر أصلك ومنشأك؟! وأصلك من ترابٍ وإليه تصير، ما غرَّك في الدنيا بلزوم الكبر والركون إليه؟! أقلعْ عن صغار التكبر، وأقبلْ على كرامة التواضع، يرحمك الله. يَا مُدَّعِي الكِبْرِ إِعْجَابًا بِصُورَتِهِ أَقْصِرْ خَلاَكَ فَإِنَّ النَّتْنَ تَثْرِيبُ لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَاذَا فِي بُطُونِهِمُ مَا اسْتَشْعَرَ الكِبْرَ شُبَّانٌ وَلاَ شِيبُ هَلْ فِي ابْنِ آدَمَ غَيْرُ الرَّأْسِ مَكْرُمَةٌ وَهْوَ بِخَمْسٍ مِنَ الآفَاتِ مَضْرُوبُ أَنْفٌ يَسِيلُ وُأُذْنٌ رِيحُهَا سَهِكٌ وَالْعَيْنُ مُرْفَضَّةٌ وَالثَّغْرُ مَلْعُوبُ يَا ابْنَ التُّرَابِ وَمَأْكُولَ التَّرَابِ غَدًا أَقْصِرْ فَإِنَّكَ مَأْكُولٌ وَمَشْرُوبُ أفيقوا، أيها المتكبرون: وكونوا على يقينٍ من أن خيْرَ الناس من عاش ومات مسكينًا؛ فعن أبي سعيد الخدري - رضي الله تعالى عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يدعو: ((اللهم أحيني مسكينًا، وأمِتني مسكينًا، واحْشُرني في زمرة المساكين))[7]. نسأل الله سبحانه أن يباعدَ بيننا وبين الكبر وأهله والحمدُ لله في بدءٍ وفي ختم ــــــــــــــــــــــ [1] رواه مسلم في "المسند الصحيح" 91. [2] الألباني في "صحيح ابن ماجه" 3346 بسندٍ صحيح. [3] الإمام ابن كثير، "البداية والنهاية"، جـ8، نسخة إليكترونية على المكتبة الحرة. [4] مسلم في "المسند الصحيح" 91. [5] البخاري في "الجامع الصحيح" 4879. [6] الألباني في "صحيح ابن ماجه" 3383. [7] الألباني في "السلسلة الصحيحة" 308، وال لشواهده. رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Sharia/0/6650/#ixzz1QK5kQ3xv |
26-06-11, 12:06 AM | #2 |
|علم وعمل، صبر ودعوة|
| طالبة مستوى متقدم | دورة ورش (3) |
اللهم إنا نعوذ بك من شرور أنفسنا ،،
جزيتِ خيرا أخية |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
(View-All) Members who have read this thread in the last 30 days : 0 | |
There are no names to display. |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
المجسمات في مشروع (السلام عليك أيها النبي ) أعتاب إلى الشرك | الحياة الطيبة | روضة العقيدة | 1 | 21-05-14 11:40 AM |
أيها الغافل تيقظ تيقظ تيقظ قبل الندم | غريبة في دنياي | روضة المتحابات في الله | 0 | 06-09-13 06:58 PM |
أيها الأئمة احذروا الاعتداء في الدعاء .. | أم البتول | روضة الفقه وأصوله | 12 | 17-08-09 04:05 PM |
أيها المذنب...الله تعالى أحق أن تستحيي منه.. | شمس الإيمان | خواطر دعوية | 5 | 19-05-07 02:36 AM |