![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
#8 |
نفع الله بك الأمة
|
![]()
منشــأ التشــابه وأقســامه وأمثلتــه
نعلـم ممـا سـبق أن منشـأ التشـابه إجمـالاً ، هـو خفـاء مـراد الشـارع مـن كلامـه ؛ أمـا تفصيـلاً فنذكــر أن منـه مـا يرجـع خفـاؤه إلـى اللفــظ ، ومنـه مـا يرجـع خفـاؤه إلـى المعنـى ، ومنـه مـا يرجـع خفـاؤه إلـى اللفـظ والمعنـى معـًا فالقســـم الأول : وهـو ما كـان التشـابه فيـه راجعـًا إلـى خفـاء فـي اللفـظ وحـده : منه " مفـرد " و " مركـب " والمفــرد قـد يكــون الخفــاء فيـه ناشــئًا : = مـن جهـة " غرابتــه " ، أو = مِـن جهــة " اشـتراكه " . والمركــب قـد يكـون الخفــاء فيـه ناشــئًا : = مـن جهـة " اختصـاره " ، أو = مـن جهــة " بسـطه " ، أو = مـن جهـة " ترتيبـه " . مثـال التشـابه فـي " المفـرد " بسـبب غرابتـه ونــدرة اسـتعماله : لفـظ " الأبّ " بتشـديد البـاء فـي قولـه سـبحانه : " وفاكهـةً وأبـًّا " [ سورة عبس / آية : 31 ] وهــو ما ترعـاه البهائـم ؛ بدليـل قولـه بعـد ذلـك : " متاعـًا لكـم ولأنعامكـم " [ سورة عبس / آية : 32 ] ومثـال التشـابه فـي " المفــرد " بسـبب اشـتراكه بيـن معـان عـدة : لفـظ " اليميــن " فـي قولـه سـبحانه : " فـراغ عليهـم ضربـًا باليميـن " [ سورة الصافات / آية : 93 ] أي فأقبـل إبراهيـم علـى أصنـام قومـه ضاربـًا لها باليميـن مـن يديـه لا بالشـمال ، أو ضاربـًا لهـا ضربـًا شـديدًا بالقـوة ؛ لأن اليميـن أقـوى الجارحتيـن ؛ أو ضاربـًا لها بسـبب اليميـن التـي حلفهـا ونَـوَّه بهـا القـرآن إذ قـال : " وتـا الله لأكيـدنَّ أصنامكـم بعـدَ أن تولـوا مدبريـن " [ سورة الأنبياء / آية : 57 ] كل ذلـك جائـز ، ولفـظ اليميـن مشـترك بينهـا . ومثـال التشـابه فـي " المركــب " بسـبب اختصـاره : قولـه تعالـى : " وإن خفتـم ألا تقسـطوا فـي اليتامـى فانكحـوا مـا طـاب لكـم مـن النسـاء " [ سورة النساء / آية : 3 ] فإن خفـاء المـراد فيـه ، جـاء من ناحيـة إيجـازه ؛ والأصـل : " وإن خفتـم ألا تقسـطوا فـي اليتامـى لو تزوجتموهـن ، فانكحـوا مـن غيرهـن ما طـاب لكـم مـن النسـاء " = ومعنـاه أنكـم إذا تحرجتـم مـن زواج اليتامـى مخافـة أن تظلموهـن ؛ فأمامكـم غيرهـن فتزوجــوا منهـن ما طـاب لكـم . = وقيـل إن القـوم كانـوا يتحرَّجـون مـن ولايـة اليتامـى ولا يتحرجـون مـن الزنـى ، فأنــزل الله الآيـة . = ومعنـاه : إن خفتـم الجَـوْر فـي حـق اليتامـى فخافـوا الزنـى أيضـًا ، وتبدلـوا بـه الـزواج الـذي وسـع الله عليكـم فيـه ، فانكحـوا ما طـاب لكـم مـن النسـاء مثنـى وثـلاث وربـاع . ومثـال التشـابه فـي " المركــب " بسـبب بسـطه والإطنـاب فيـه : قولـه جلْـت حكمتـه : " ليـس كمثلـه شـيء " [ سورة الشورى / آية 11 ] فـإن حـرف الكـاف لو حـذف وقيــل " ليـس مثلـه شـيء " كـان أظهـر للسـامع مـن هـذا التركيـب الـذي ينحـل إلـى : " ليـس مثـل مثلـه شـيء " وفيـه مـن الدقـة مـا يعلـو علـى كثيـر مـن الأفهـام . ومثـال التشـابه يقـع فـي " المركــب " لترتيبـه ونظمـه : قولـه جـل ذكـره: " الحمـد للهِ الـذي أنـزل علـى عبـده الكتـابَ ولـم يجعــل لـه عِوَجـًا * قَيِّمـًا " [ سورة الكهف / آية : 1 ، 2 ] فـإن الخفـاء هنـا جــاء مـن جهـة الترتيـب بيـن لفـظ " قَيِّمـًا " ومـا قبلـه ولـو قيـل : " أنـزل علـى عبـده الكتـاب قَيِّمـًا ولـم يجعـل لـه عِوَجـًا " لكـان أظهـر أيضـًا . واعلـم أن فـي مقدمـة هـذا القسـم فواتـح الســور المشـهورة ، لأن التشـابه والخفــاء فـي المـراد منهـا ، جـاء مـن ناحيـة ألفاظهـا لا محالـة . والقســم الثانـي : وهـو مـا كـان التشــابه فيـه راجعـًا إلـى خفــاء المعنـى وحــده : مثالـه : كـل ما جـاء فـي القـرآن الكريـم : = وصفـًا لله تعالـى ، أو = لأهـوال القيامـة ، أو = لنعيـم الجنـة وعـذاب النـار ؛ فـإن العقــل البشـري لا يمكـن أن يحيـط بحقائــق صفـات الخالـق ، ولا بأهـوال القيامـة ، ولا بنعيـم أهـل الجنـة وعـذاب أهـل النـار . وكيـف السـبيل إلـى أن يحصـل فـي نفوسـنا صـورة ما لـم نحسُّـه ، ومـا لـم يكـن فينـا مثلـه ولا جنسـه ؟ واعلـم أن فـي مقدمــة هـذا القسـم المشـكلات المعروفـة بمتشـابهات الصفـات ؛ فـإن التشـابه والخفــاء لـم يجـيء مـن ناحيـة غرابــة فـي اللفــظ أو اشـتراك فيـه بيـن عـدة معـان أو لإيجـاز أو إطنـاب مثـلاً ، فيتعيـن أن يكـون مـن ناحيـة المعنـى وحـده . القســـم الثالــث : وهـو ما كـان التشـابه فيـه راجعـًا إلـى اللفـظ والمعنـى معـًا : مثالـه : قولـه تعالـى : " وليـسَ البِــرُّ بـأن تأتـوا البيـوتَ مـن ظهورهـا " [ سورة البقرة / آية : 189 ] فإن مـن لا يعـرف عـادة العـرب فـي الجاهليـة ، لا يسـتطيع أن يفهـم هـذا النـصَّ الكريـم علـى وجهـه .. وَرَدَ أن ناسـًا مـن الأنصـار كانـوا إذا أحرمـوا لم يدخـل أحـد منهـم حائطـًا ولا دارًا ولا فسـطاطًا مـن بـاب ؛ فـإن كـان مـن أهـل المَـدَرِ ( 1 ) نقــب نقبـًا فـي ظهـر بيتــه يدخـل ويخـرج منـه ، وإن كـان مـن أهـل الوبـر ( 2 ) خـرج مـن خلـف الخبـاء ، فنـزل قـول الله : " وليـس البِـرُّ بـأن تأتـوا البيـوتَ مـن ظهورهـا ولكـنَّ البِــرَّ مـن اتَّقـى ، وأُتـوا البيـوت مـن أبوابهـا ، واتَّقـوا الله لعلكـم تفلحـون " ( 1 ) أهـل المـدر : سـكان البيـوت المبنيـة ، خـلاف البـدو ، سـكان الخيـام 0 ( 2 ) أهـل الوبـر : أهـل الباديـة ؛ لأنهـم يتخـذون بيوتهـم مـن الوبـر0 فهـذا الخفـاء الـذي فـي الآيـة ، يرجـع إلـى اللفـظ بسـبب اختصـاره ؛ ولو بسـط لقيـل : " وليـس البـر بأن تأتـوا البيـوت مـن ظهورهـا إذا كنتـم محرميـن بحـج أو عمـرة " ويرجـع الخفـاء إلـى المعنـى أيضًـا ؛ لأن هـذا النـص علـى فـرض بسـطه كمـا رأيــت ، لابــد معـه مـن معرفـة عـادة العـرب فـي الجاهليـة وإلا لتعـذَّر فهمـه . ( مناهل العرفان / ج : 2 / ص : 297 ) يُـــتْـــبـَــعُ
|
![]() |
![]() |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
![]() |
|
There are no names to display. |
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع |
انواع عرض الموضوع | |
|
|