03-10-06, 04:40 AM | #1 |
جُهدٌ لا يُنسى
|
روضة العقلاء ونزهة الفضلاء
قال صاحب كتاب روضة العقلاء ونزهة الفضلاء:
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله المتفرد بوحدانية الألوهية، المتعزز بعظمة الربوبية القائم على نفوس العالم بآجالها، والعالم بتقلبها وأحوالها، ألمانِّ علبهم بتواتر آلائه، المتفضل عليهم بسوابغ نَعْمَائه الذي أنشأ الخلق حين أراد بلا معين ولا مشير، وخلق البشر كما أراد بلا شبيه ولا نظير، فمضت فيهم بقدرته مشيئته، ونفذت فيهم بعزته إرادته، فألهمهم حسن الإطلاق، وركَّبَ فيهم تشعُّبَ الأخلاق، فهم على طبقات أقدارهم يمشون، وعلى تشعب أخلاقهم يدورون، وفيما قضى وقدر عليهم يهيمون و" كل حزب بما لديهم فرحون". وأشهد أن لا إله إلا الله فاطر السموات العلا، ومنشئُ الأرضين والثرى، لا معُقَبَّ لحكمه ولا راد لقضائه " لا يُسْأَلُ عمُّا يفعل وهم يسألون". واشهد أن محمداً عبده الْمُجْتَبي، ورسوله المرتضى، بعثه بالنور المضيّ، والأمر المرضيّ، على حين فترة من الرسل، ودروس من السُّبُل، فدمغ به الطغيان، وأكمل به الإيمان، وأظهره على كل الأديان، وقمع به أهل الأوثان، فصلى الله عليه وسلم ما دار في السماء فلَكَ، وما سبح في الملكوت ملَكَ، وعلى آله أجمعين!. أما بعد، فإن الزمان قد تبيَّن للعاقل تغيرُهُ، ولاح للّبيب تبدلهُ،حيث يبسَ ضَرْعُهُ بعد الغَزَارة، وذيَلَ فرعُهُ بعد النَّضَارة، ونَحِلَ عوده بعد الرطوبة، وبَشِعَ مذاقه بعد العذوبة، فنبغ فيه أقوام يَدَّعون التمكن من العقل من العقل باستعمال ضد ما يوجب العقل من شهوات صدورهم، وترك ما يوجبه نفس العقل بهَجَسَات قلوبهم، جعلوا أساس العقل الذي يعقدون عليه عند المعضلات: النفاق والمداهنة، وفروعه عند ورود النائبات حُسنَ اللباس والفصاحة، وزعموا أنَّ مَنْ أحكم هذه الأشياء الأربع فهو العاقل، الذي يجب الاقتداء به، ومن تخلف عن إحكامها فهو الأنوك الذي يجب الإزورار عنه. فلما رأيت الرَّعاع من العالم يغترون بأفعالهم والهمجَ من الناس يقتدون بأمثالهم، دعاني ذلك إلى تصنيف كتاب خفيف، يشتمل متضمنة على معنى لطيف، مما يحتاج إليه العقلاء في أيامهم، من معرفة الأحوال في أوقاتهم، ليكون كالتذكرة لدوي الحجى عند حضرتهم، وكالمعين لأولى النُّهيَ عند غيبتهم، يفوق العالمُ به أقرانه، والحافظ له أترابه، يكون النديم الصادق للعاقل في الخلوات، والمؤنس الحافظ له في الفلوات، إن خَصَّ به من يجب من إخوانه، لم يفتقده من ديوانه، وإن استبد به دون أوليائه، فاق به على نظرائه. أبَيَّن فيه ما يَحْسُنُ للعاقل استعماله من الخصال المحمودة، ويقبح به إتيانه من الخلال المذمومة، مع القصد في لزوم الاقتصار، وترك الإمعان في الإكثار، ليخفَ على حامله، وتعيَه أذن مستمعه، لأن فنون الأخبار وأنواع الأشعار، إذا استقصى المجتهد في إطالتها، فليس يرجو النهاية إلى غايتها، ومن لم يرجّ التمكن من الكمال في الإكثار، كان حقيقاً أن يقنع بالاختصار. والله الموفق للسداد، والهادي إلى الرشاد، وإياه أسأل إصلاح بالأسرار، وترك المعاقبة على الأوزار، إنه جواد كريم، رءوف رحيم. |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
(View-All) Members who have read this thread in the last 30 days : 0 | |
There are no names to display. |
|
|