25-05-14, 02:03 PM | #1 |
مستشارة في معهد العلوم الشرعية
|طالبة في المستوى الثاني1 | |
~ قبساتٌ من السيرة: موقف الأنصار يوم الفتح ~
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه. أما بعد، قبساتٌ من السيرة: موقف الأنصار يوم الفتح
رأى الأنصار الأحداث التي تجري في داخل مكة المكرمة، ودخول أهل مكة في دين الله، وهؤلاء جميعًا هم أهل وعشيرة ورحم الرسول ، ولا شك أنهم يشاهدون فرحة وسعادة الرسول بهذا الإسلام، ولا شك أنهم أيضًا يشاهدون استقرار الأوضاع داخل مكة المكرمة؛ فقد أسلم عكرمة بن أبي جهل، وأسلم سهيل بن عمرو، وأسلم قادة مكة بصفة عامة، فبدأ الوضع يستقر في داخل مكة المكرمة، ووقف الرسول فوق الصفا يدعو الله والأنصار يقفون تحته، ويفكرون في وضعهم بعد هذا الفتح، فقال بعض الأنصار لبعضهم: أما الرجل -ويقصدون الرسول - فأدركته رغبة في قريته، ورأفة بعشيرته. لأنهم يرون تفاعله مع الأحداث داخل مكة، ويقول أبو هريرة -راوي الحديث كما في صحيح مسلم-: "وَجَاءَ الْوَحْيُ، وَكَانَ إِذَا جَاءَ الْوَحْيُ لاَ يَخْفَى عَلَيْنَا، فَإِذَا جَاءَ فَلَيْسَ أَحَدٌ يَرْفَعُ طَرْفَهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْقَضِيَ الْوَحْيُ، فَلَمَّا انْقَضَى الْوَحْيُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : "يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ". قَالُوا: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: (قُلْتُمْ: أَمَّا الرَّجُلُ فَأَدْرَكَتْهُ رَغْبَةٌ فِي قَرْيَتِهِ). قَالُوا: "قَدْ كَانَ ذَاكَ". قَالَ: (كَلاَّ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، هَاجَرْتُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَيْكُمْ، وَالْمَحْيَا مَحْيَاكُمْ، وَالْمَمَاتُ مَمَاتُكُمْ). وسوف أعيش معكم حياتي كاملة، فليس تعاطفي مع هذه الأحداث التي تجري في مكة المكرمة، وليست فرحتي بإسلام هؤلاء العشيرة والأهل والرحم أنني سأبقى في مكة، وأخلف ما وعدتكم به قبل ذلك؛ لأن الأنصار في بيعة العقبة الثانية قالوا لرسول الله : "إن بيننا وبين القوم حبالاً، وإننا لقاطعوها". وأكثر من مرة يبايعون على حرب الأحمر والأسود من الناس. فهل إذا استقرت الأوضاع في مكة سيعود ويتركهم مع اليهود أو غيرهم من الناس؟ وهنا قال : (بَلِ الْمَحْيَا مَحْيَاكُمْ، وَالْمَمَاتُ مَمَاتُكُمْ، أَنَا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مِنِّي). وأعلن الرسول أنه من المستحيل أن يخالف ما تعاهد مع الأنصار عليه قبل ذلك، وقال الرسول: (إني عبد الله ورسوله، هاجرت إلى الله وإليكم، فالمحيا محياكم، والممات مماتكم). قال أبو هريرة: فأقبلوا إليه يبكون ويقولون: "والله ما قلنا الذي قلنا إلاَّ الضَّنَّ باللَّه وبرسوله". فقد قلنا هذه الكلمات؛ لأننا نريد الله ورسوله، ونريدك معنا يا رسول الله. فقال رسول الله : (إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُصَدِّقَانِكُمْ وَيَعْذِرَانِكُمْ)[1]. وقَبِل منهم هذا الأمر، وقبل منهم هذا الظن الذي ظنوه برسول الله ؛ لأنه يعذر الأنصار . والأنصار لهم قيمة عالية في ميزان الإسلام ، وكل ما بذلوه دون مقابل، لم يأخذوا شيئًا في حياتهم، لا في فترة مكة المكرمة بعد البيعة، ولا في فترة الهجرة من أوَّلها حتى هذه اللحظة، وإلى آخر حياته ؛ ولذلك شرفهم الرسول بكلمته العظيمة عندما قال في حقهم: (آيَةُ الإِيمَانِ حُبُّ الأَنْصَارِ، وَآيَةُ النِّفَاقِ بُغْضُ الأَنْصَارِ)[2]. فنحن نعذر الأنصار في هذا الأمر الذي وقعوا فيه، وعذرهم ربهم ورسوله الكريم ، وبذل الأنصار كان قبل الفتح وبعد الفتح، ولكن بذلهم قبل الفتح له قيمة عالية؛ لأن من أنفق في وقت الشدة ووقت العناء ووقت المشقة لا يمكن أن نساويه بمن بذل وأنفق بعد الفتح، ولو كان في أي صورة من الصور. ويؤكد على هذا المعنى الأخير هذا الموقف، فقد أتى مجاشع بن مسعود بأخيه مجالد بن مسعود، ليعلن الإسلام بين يديه بعد الفتح؛ لأن مجاشع من الذين أسلموا قبل الفتح، ومجالد من الذين أسلموا بعد الفتح، فجاء ليبايع بعد الفتح وقال: "جئتك بأخي لتبايعه على الهجرة". فقال : (ذَهَبَ أَهْلُ الْهِجْرَةِ بِمَا فِيهَا). فقال مجاشع: فعلى أي شيءٍ تبايعه يا رسول الله؟ فقال : (أُبَايِعُهُ عَلَى الإِسْلاَمِ وَالإِيمَانِ وَالْجِهَادِ)[3]. فالمهاجرون الأولون لهم مكانة عظيمة في الإسلام، كما قال الله : {لاَ يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللهُ الْحُسْنَى وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [الحديد: 1]. والله تعالى أعلم. ---------------------------------- [1] رواه مسلم (1780)، وأحمد (10961). [2] البخاري: كتاب الإيمان، باب علامة الإيمان حب الأنصار (17). مسلم: كتاب الإيمان، باب الدليل على أن حب الأنصار وعليٍّ من الإيمان وعلاماته وبغضهم من علامات النفاق (74). [3] البخاري: كتاب المغازي، باب من شهد الفتح (4054). وسُبحانك اللهمّ وبحمدك، أشهدُ ألاّ إله إلّا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. التعديل الأخير تم بواسطة وصال خليفة ; 25-05-14 الساعة 02:08 PM |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
(View-All) Members who have read this thread in the last 30 days : 0 | |
There are no names to display. |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
فضل يوم الجمعة للشيخ محمد بن صالح العثيمين | محبة الجنة | روضة الفقه وأصوله | 1 | 21-12-09 11:46 PM |
يوم عرفة من صحيح السنة المطهرة | بشـرى | روضة السنة وعلومها | 3 | 31-01-07 08:40 PM |