27-11-12, 10:54 PM | #1 |
~مشارِكة~
تاريخ التسجيل:
18-02-2012
المشاركات: 117
|
في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل
يقول ابن القيم ( رحمه الله) :
الحمد لله ذي الإفضال والإنعام، وصلى الله تعالى وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والأئمة الأعلام أما بعد فإن أهم ما يجب معرفته على المكلف النبيل فضلا عن الفاضل الجليل، ما ورد في القضاء والقدر والحكمة والتعليل، فهو من أسنى المقاصد والإيمان به قطب رحى التوحيد ونظامه، ومبدأ الدين المبين وختامه، فهو أحد أركان الإيمان، وقاعدة أساس الإحسان، التي يرجع إليها، ويدور في جميع تصاريفه عليها، فالعدل قوام الملك، والحكمة مظهر الحمد، والتوحيد متضمن لنهاية الحكمة، وكمال النعمة، ولا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، فبالقدر والحكمة ظهر خلقه وشرعه المبين،: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}. وقد سلك جماهير العقلاء في هذا الباب في كل واد، وأخذوا في كل طريق، وتولجوا كل مضيق، وركبوا كل صعب وذلول، وقصدوا الوصول إلى معرفته، والوقوف على حقيقته، وتكلمت فيه الأمم قديما وحديثا، وساروا للوصول إلى مغزاه سيرا حثيثا، وخاضت فيه الفرق على تباينها واختلافها، وصنف فيه المصنفون الكتب على تنوع أصنافها، فلا أحد إلا وهو يحدث نفسه بهذا الشأن، ويطلب الوصول فيه إلى حقيقة العرفان، فتراه إما مترددا فيه مع نفسه، أو مناظرا لبني جنسه، وكل قد اختار لنفسه قولا لا يعتقد الصواب في سواه، ولا يرتضي إلا إياه، وكلهم إلا من تمسك بالوحي عن طريق الصواب مردود، وباب الهدى في وجهه مسدود، تحسى علما غير طائل، وارتوى من ماء آجن، قد طاف على أبواب الأفكار، ففاز بأخس الآراء والمطالب، فرح بما عنده من العلم الذي لا يسمن ولا يغني من جوع، وقدم آراء من أحسن به الظن على الوحي المنزل المشروع، والنص المرفوع، حيران يأتم بكل حيران، يحسب كل شراب ماء فهو طول عمره ظمآن، ينادى إلى الصواب من مكان بعيد، أقبل إلى الهدى فلا يستجيب إلى يوم الوعيد، قد فرح بما عنده من الضلال، وقنع بأنواع الباطل وأصناف المحال، منعه الكفر الذي اعتقده هدى وما هو ببالغه عن الهداة المهتدين، ولسان حاله أو قاله يقول: {أَهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ}. فصل: ولما كان الكلام في هذا الباب نفيا وإثباتا موقوفا على الخبر عن أسماء الله وصفاته وأفعاله وخلقه وأمره وأسعد الناس بالصواب فيه من تلقى ذلك من مشكاة الوحي المبين ورغب بعقله وفطرته وإيمانه عن آراء المتهوكين وتشكيكات المشككين وتكلفات المتنطعين واستمطر ديم الهداية من كلمات أعلم الخلق برب العالمين فإن كلماته الجوامع النوافع في هذا الباب وفي غيره كفت وشفت وجمعت وفرقت وأوضحت وبينت وحلت محل التفسير والبيان لما تضمنه القرآن ثم تلاه أصحابه من بعده على نهجه المستقيم وطريقه القويم فجاءت كلماتهم كافية شافية مختصرة نافعة لقرب العهد ومباشرة التلقي من تلك المشكاة التي هي مظهر كل نور ومنبع كل خير وأساس كل هدى ثم سلك آثارهم التابعون لهم بإحسان فاقتفوا طريقهم وركبوا مناهجهم واهتدوا بهداهم ودعوا إلى ما دعوا إليه ومضوا على ما كانوا عليه .. من كتابه شفاء العليل. |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
(View-All) Members who have read this thread in the last 30 days : 0 | |
There are no names to display. |
|
|