02-09-06, 11:24 AM | #1 |
أم مالك المصرية
|
أسباب الثبات على طلب العلم
للشيخ صالح بن عبد العزيزآل الشيخ
بسم الله الرحمن الرحيم أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين. أما بعد: فهذه بداية للدروس التي سبق أن بدأناها في العام الماضي، وأسأل الله جلّ وعلا أن ينفعنا بما مضى وأن ينفعنا بما سيأتي وأن يثبته في قلوبنا، وأن يمنّ علينا بالعمل بما علمنا وأن لا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، وأسأله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى العظيمة الجليلة أن يمنّ علينا بالبصيرة في كلّ ما نأتي وما نذر وأن يجنبنا سلوك غير سبيل سلف هذه الأمة في كل أحوالنا إنّه جواد كريم. وبمناسبة هذه البداية نُذكّر بشأن العلم وما ينبغي أن يستحضره طالب العلم وهو يعاني العلم ويعاني حمله ويسير في طريقه؛ لأنّ العلم ليس بالطريق الهيّن، وكما قد قيل العلم طريقه طويل، قد قال بعض السلف ”اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد“ وقد قيل للإمام أحمد وقد ظهر الشيبُ فيه، قيل له: إلى متى وأنت مع المحبرة؟ -يعني كانت معه أدوات العلم؛ ورق ومحبرة، فقال كلمة مشهورة: مع المحبرة إلى المقبرة. يعني أنّه مواصل في هذا لا ينقطع. وسبب الانقطاع فيمن انقطع عن العلم يرجع إلى أسباب من تلك أسباب، فمن تلك الأسباب: 1- أنّه لم يَعِ حقيقة معنى العلم ولماذا يطلب العلم. 2- والثاني أنّه ربما كانت النية في أصلها ضعيفة؛ لأنّه بقوة النية في طلب العلم يكون الاستمرار والحِرص عليه. 3- والثالث من أسباب الانقطاع أن يكون المرء متعجلا يريد أن يكون طالب علم أو أن يكون عالما محصِّلا عارفا بأكثر المسائل في سنوات قليلة، هذا لا يَحْصُل أبدا؛ بل العلم طريقه طويل. 4- وقد يكون السبب راجعا إلى ضعف بصيرته في شأن العلم، ويظنّ أن العلم نفعه قليل، وأنّ غيره من الطرق التي ربما يغشاها بعض المستقيمين أو الذين ظاهرهم الالتزام أنها أسرع في تحصيل المقصود وأنها هي التي بها يحصل المرء على ما يتمنى من رجوع الخلق إلى ربهم جلّ وعلا؛ وهذا من أسباب الانقطاع عن العلم أنه يقول: ماذا فعل العلماء؟ ماذا حصّلنا من العلم، ولكن هناك طرق أخرى كذا وكذا، هذه بها يكون المرء أكثر تأثيرا ويكون محقا للحق ومبطلا للباطل، فتنصرف نفسه عن العلم، والحقيقة أنّه فاته أنّ العلم كالماء الذي يثبت في الأرض فينفع الله جلّ وعلا به من يأتي بعد، كما مثل ذلك النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح الذي قال فيه «مَثَلُ ما بعثني الله به من العلم كمثل غيث أصاب أرضا» فالعلم الشرعي غيث، وهذا الغيث؛ الغيث نافع. ومن فوائد الفروق اللغوية في التفسير أنّ أكثر ما يستعمل الغيث في الكتاب والسنة فيما ينفع من الماء والمطر، وأما المطر فأكثر ما يستعمل فيما يضر مما ينزل من السماء، ﴿وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنذَرِينَ﴾ ﴿ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ﴾[يوسف:49]، فالنّبي عليه الصلاة والسّلام مثّل لنا العلم بالغيث، وهذا فيه مع تتمة الحديث بأنّه أصاب أنواعا من الأرض فكانت منها أرض قبلت العلم فارتوى الناس منه وأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وفيه أيضا تسميته بالغيث، والغيث يغيث الأبدان ويغيث القلوب، وهكذا العلم فإنه بهذه المثابة. 5- من أسباب الانقطاع عن العلم التي لمسناها في الشباب في السنين الماضية ودائما تتجدد: أنهم لا تكون صلتهم بالعلم وأهل العلم مستمرة، بل عهدهم بالعلم وأهل العلم في الدروس فقط، وما عدا ذلك فهم يصاحبون الناس من أصناف شتى، فلا تكون النفس دائما متحركة بالعلم، بل تكون تتحرك بالعلم في وقت قليل؛ في وقت الدرس، وما بعد ذلك فأكثر الحديث الذي يتحدث به ليس في العلم، هذا يجعله غير متعلق بالعلم، والعلم يحتاج إلى أن يتعلق به طالبه دائما؛ نفسُه معه في كل حال، وقد كان بعض أهل العلم ينصرف عن ملذّات الدنيا لأجل العلم؛ الملذّات المباحة من مال أومن زوجة أو من نظر مباح أو أُنْس ونحو ذلك لانشغاله به، وقد قال بعض الشعراء في ذلك من العلماء حيث أتته جارية ولم يلتفت وقد كانت حسنة الخَلْق والخُلق فقال فيها أبيات لما أتته وذكر زينتها إلى آخره فقال: [poem=font="Simplified Arabic,5,,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"] فقلـت ذريني واتـركيني فإنّـني = شغلتُ بتحصيل العلوم وكشفها ولي في طلاب العلم والفضل والتقى = غِـنى عن غناء الغانيات وعَرْفِها[/poem] يعني أنّه مشغول بشيء أعظم غلب على نفسه، وهذا متى يكون؟ إذا كان المرء دائما مع العلم؛ قراءة، في صحبة من يتكلمون في العلم، في تبليغ العلم، في الكلام في العلم، في رؤية العلماء، في الحديث معهم، في سماع كلامهم تجد النفس تنشغل به، ويكون العلم طبعا له، أولا يكون تطبع يأتي بشيء من الكلفة، ثم يكون طبعا له حتى إذا تحدث حدّث بالعلم، إذا أرشد أرشد بالعلم، إذا بيّن بالعلم، فيكون في ذلك الأنس له ولا شك أنّ هذا يحتاج إلى جهاد وقد قال جلّ وعلا ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾[العنكبوت:69]. فالجهل هو ضد العلم، والجهل داء -كما قال ابن القيم- داء قاتل يقتل صاحبه من حيث لا يشعر، فيقول ابن القيم رحمه الله في نونيته: [poem=font="Simplified Arabic,5,,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"] والجهل داء قاتل وشفاؤه = أمران في الترتيب متفقان علم من القرآن أو من سنة = وطبيب ذاك العالم الرباني[/poem] يقول: الجهل داء قاتل. لا شك قاتل لرؤية العبد لِما يجب عليه في دينه، كذلك داء قاتل للعبد في أنه يجعله ليس من الأحياء، فالعالمون أحياء وغيرُهم أموات، وسبب موتهم هو الجهل؛ لأنّ الجهل مميت مثل ما قال هنا قاتل، فكل من جهل فقد قُتل وقد مات، والجهل ليس بمرتبة واحدة بل الجهل أنواع كثيرة فكل من جهل شيئا فقد أصيبت مقاتله من الجهة التي جهل فيها، قال: والجهل داء قاتل وشفاؤه ....................... ما شفاء الجهل؟ قال: ............... وشفاؤه أمران في الترتيب متفقان علم من القرآن أو من سنة ....................... هذان الأمران: علم من القرآن أو من السنّة. من الذي يبيّن نصوص القرآن والسنة وينزِّلها منازلها ويجعلها في معانيها الصحيحة؟ قال: ........................ وطبيب ذاك العالم الرباني ليس أي عالم؛ لكنّه عالم رباني يخشى الله ويتقيه فيما يقول وفيما يأتي وفيما يذر، فنصوص الكتاب والسنة نعم هي شفاء الجهل، وكثير من الناس ينفي الجهل عن نفسه بالحرص على الكتاب والسنة لكنه لم يَستضِئ بكلام أهل العلم بنور أهل العلم، لم يستضيء بذلك، ولما لم يستضئ بذلك أُصيبت مقاتله؛ لأنه قال (وطبيب ذاك العالم الرباني) هذا التعبير يفهمك بأن العلم دواء، فإذا أتى رجل فأخذ من الدواء ما لا يصلح له يهلك أولا يهلك؟ يهلك. قد هلكت الخوارج لأنهم أخذوا نصوص الكتاب ونصوص السنة ولكن نزلوها في غير منازلها، فأخذوا من نصوص الكتاب ما استدلوا به على أنّ فاعل الكبيرة كافر قال ﴿ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا﴾[النساء:93]، قالوا: هذا يدل على أنه كافر. أخذت المرجئة بعض النصوص نصوص الكتاب ونزلوها في غير منازلها «من قال لا إله إلا الله دخل الجنة»، «من كان آخر كلامهم لا إله إلا الله دخل الجنة» ونحو ذلك من النصوص، فنفت العمل وأبقت القول والاعتقاد وأرجأوا ذلك فأصيبت مقاتلهم، لماذا؟ لأنهم لم يكن طبيبهم في فهم النصوص صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا علماء زمانهم، أخذوا من أنفسهم ولم يتابعوا أهل العلم المتحققين به، فأصيبت مقاتلهم، وهكذا في كل زمن الحرص على العلم مطلوب؛ لكن لا يمكن أن تكون حريصا على العلم ومصيبا في ذلك إلاّ أنْ تستضيء بفهم أهل العلم؛ لأن العلم في هذه الأمة موروث ليس علما مستأنفا مبتدأً، في كل زمن يبتدئ الناس منه ويستأنفون علما جديدا لم يكن معروفا في من قبلهم، بل علمنا في هذه الأمة علمنا موروث، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام «العلماء ورثة الأنبياء فإنّ الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما إنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر» لهذا! تنتبه إلى هذا الأصل العظيم ألا وهو الحرص على العلم ولكن ينبغي أن يكون طبيبك في ذلك الحرص -في تلقي النصوص- طبيبك العالم الرباني، فإن لم يكن ربانيا كان عالما ذا هوى؛ له مقاصد له أغراض أيضا أصابك شيء من عدم فهم نصوص الكتاب والسنة، وأصابك شيء من الجهل بقدر ما فاتك من ذلك. يتبع... |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
(View-All) Members who have read this thread in the last 30 days : 0 | |
There are no names to display. |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
أفلا يتدبرون القرآن؟! /للشيخ عبدالسلام الحصين | أم خــالد | روضة القرآن وعلومه | 15 | 14-02-10 02:56 AM |
الثبات على الطاعة ~ | عائشة صقر | روضة التزكية والرقائق | 6 | 02-07-07 10:41 AM |