22-06-07, 10:16 PM | #1 |
معلمة بمعهد خديجة
|
محبـــــة الخلـــــق
محبـــــة الخلـــــق
قال ابن الجوزي –رحمه الله- في كتابه الماتع "صيد الخاطر"..: "تأملت قوله تعالى :(( يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ )) .فإذا النفس تأبى إثبات محبة للخالق توجب قلقاً ، وقال محبته طاعته ، فتدبرت ذلك فإذا بها قد جهلت ذلك لغلبة الحس ، وبيان هذا : أن محبة الحس لا تتعدى الصور الذاتية ، ومحبة العلم والعمل ترى الصور المعنوية فتحبها ؛ فإنا نرى خلقاً يحبون أبا بكر رضي الله عنه ، وخلقاً يحبون علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وقوماً يتعصبون لأحمد بن حنبل ، وقوماً للأشعري ،فيقتتلون ويبذلون النفوس في ذلك ، وليسوا ممن رأى صور القوم ، ولا صور القوم توجب المحبة ؛ ولكن لما تصورت لهم المعاني فدلتهم على كمال القوم في العلوم ، وقع الحب لتلك الصور التي شوهدت بأعين البصائر ، فكيف بمن ضيَّع تلك الصور المعنوية وأبدلها. وكيف لا أحب من وهب لي ملذوذات حسي ، وعرفني ملذوذات علمي ، فإن التذاذي بالعلم وإدراك العلوم أولى من جميع اللذات الحسية ، فهو الذي علمني ، وخلق لي إدراكاً وهداني إلى ما أدركته ، ثم إنه يتجلى لي في كل لحظة في مخلوق جديد أراه فيه بإتقان ذلك المصنوع وحسن ذلك المصنوع ، فكل محبوباتي منه وعنه وبه ، الحسية والمعنوية ، وتسهيل سبل الإدراك به ، والمدركات منه ، وألذ من كل لذة عرفاني له ، فلولا تعليمه ما عرفته ، وكيف لا أحب من أنا به ، وبقائي منه ، وتدبيري بيده ، ورجوعي إليه ، وكل مستحسن محبوب هو صَنَعَهُ وحَسَّنه وزَيّنه ، وعطف النفوس إليه ، فكذلك الكامل القدرة أحسن من المقدور ، والعجيب الصنعة أكمل من المصنوع ، ومعنى الإدراك أحلى عرفاناً من المدرك ، ولو أننا رأينا نقشاً عجيباً لاستغرقنا تعظيم النقاش وتهويل شأنه ، وظريف حكمته عن حب المنقوش ، وهذا مما تترقى إليه الأفكار الصافية إذا خرق نظرها الحسيات ونفذ إلى ما ورائها ؛ فحينئذ تقع محبة الخالق ضرورة. وعلى قدر رؤية الصانع في المصنوع يقع الحب له. فإن قوى أوجب قلقاً وشوقاً ، وإن مال بالعارف إلى مقام الهيبة أوجبت خوفاً ، وإن انحرف به إلى تلمح الكرم أوجب رجاء قوياً ، و (( قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشرَبَهُمْ))" أهـ. |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
(View-All) Members who have read this thread in the last 30 days : 0 | |
There are no names to display. |
|
|