العودة   ملتقى طالبات العلم > ๑¤๑ أرشيف الدروات العلمية ๑¤๑ > أرشيف فعـــاليات صــــ 1430 ــــيف هــ

الملاحظات


 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 26-07-09, 03:31 AM   #1
رقية مبارك بوداني
|تواصي بالحق والصبر|
مسؤولة الأقسـام العامة
c8 مقرر مدارسة كتاب القواعد الحسان في الاستعداد لرمضان

القاعدة الأولى



بعث واستثارة الشوق إلى الله


على مر الأيام والليالي يُخْلَقُ الإيمان في القلب([1]) وتصدأ أركان المحبة فتحتاج إلى من يهبك سربالاً إيمانًا جديدًا تستقبل به شهر رمضان، واصل القدرة على فعل الشيء معونة الله ثم مؤونة العبد، ونعني بالمؤونة رغَبته وإرادته، فعلى قدر المؤونة تأتي المعونة.
وفي الحديث القدسي: "إذا تقرب العبد إليّ شبرًا تقربت إليه ذراعًا، وإذا تقرب إليّ ذراعًا تقربت منه باعًا، وإذا أتاني يمشي يمشي أتيته هرولة" رواه البخاري.
فالبداءة من العبد ثم الإجابة حتمًا من الرب:{ ادْعُونِي أَسْتَجِبْلَكُمْ } { فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ}.


فلابد من إثارة كوامن شوقك إلى الله عز وجل حتى تلين لك الطاعات فتؤديها ذائقًا حلاوتها ولذتها، وأية لذة يمكن أن تحصلها من قيام الليل ومكابدة السهر ومراوحة الأقدام المتعبة أو ظمأ الهواجر أو ألم جوع البطون إذا لم يكن كل ذلك مبنيًا على معنى: { وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى }([2]) ؟! ومن لبى نداء حبيبه بدون شوق يحدوه فهو بارد سمج، دعوى محبته لا طعم لها.

لا جرم كان من دعاء النبي r في صلاته: "وأسألك الرضا بالقضاء وبرد العيش بعد الموت ولذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك" رواه النسائي بسند صحيح.
وشوقك لربك ولإرضائه أفناه رَين الشبهات والشهوات وأهلكته جوائح المعاصي ومرور الأزمنة دون كدح إلى الله، فتحتاج يا باغي الخير إلى بعث هذا الشوق من جديد لو كان ميتًا، أو استثارته إن كان موجودًا كامنًا.


عوامل بعث الشوق إلى الله


1- مطالعة أسماء الله الحسنى وصفاته العلى، وتدر كلامه وفهم خطابه فإن من شأن هذه المطالعة والفهم والتدبر فيها أن يشحذ من القلب همة للوصول إلى تجليات هذه الأسماء والصفات والمعاني، فتتحرك كوامن المعرفة في القلب والعقل ويأتي عندئذٍ المدد([3]).
وتأمل قصة أبي الدحداح في فهمه كلام ربه كيف حرك أريحيَّتُه وألبسه حب البذل.

فعن عبد الله بن مسعود قال: لما نزلت هذه الآية: { مَن ذَا

الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًاحَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ}قال أبو الدحداح الأنصاري: وإن الله يريد منا القرض؟ قال: نعم يا أبا الدحداح، قال: أرني يدك يا رسول الله، قال فناوله رسول الله يده، قال فإني أقرضت ربي حائطي، قال: حائطه له ستمائة نخلة وأم الدحداح فيه وعيالها. قال فجاء أبو الدحداح فنادي يا أم الدحداح! قالت: لبيك، قال: أخرجي من الحائط فإني أقرضته ربي عز وجل، وفي رواية أخرى أنها لما سمعته يقول ذلك عمدت إلى صبيانها تُخرج ما في أفواههم وتنفض ما في أكمامهم فقال النبي r: "كم من عِذْقٍ رَدَاح في الجنة لأبي الدحداح"([4]).
وتأمل رعاك الله من عَطَنِ الشبهات كيف فهم الصحابي من كلام الله عز وجل المعنى الظاهر بدون أن يكون في قلبه تردد أو تهيب لأن شجرة إيمانه قامت على ساق التنزيه([5]).
2- مطالعة منن الله العظيمة وآلائه الجسيمة فالقلوب مجبولة على حب من أحسن إليها ولذلك كثر في القرآن سوقُ آيات النعم الخلق والفضل تنبيهًا لهذا المعنى، وكلما ازددت علمًا بنعم الله عليك كلما ازددت شوقًا لشكره على نعمائه.
3- التحسر على فوت الأزمنة في غير طاعة الله، بل قضاؤها في عبادة الهوى. قال ابن القيم: وهذا اللحظ يؤدي به إلى مطالعة الجناية، والوقوف على الخطر فيها، والتشمير لتداركها والتخلص من رقها وطلب النجاة بتمحيصها. أهـ.
4- تذكر سبق السابقين مع تخلفك مع القاعدين يورثك هذا تحرقًا للمسابقة والمسارعة والمنافسة، وكل ذلك أمر الله به، قال تعالى: { وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّ نرَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ} وقال: { سَابِقُواإِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ} وقال: { وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ }.
واعلم- يا مريد الخير- أن بعث الشوق وظيفة لا ينفك عنها السائر إلى الله عز وجل، ولكن ينبغي مضاعفة هذا الشوق قبل شهر رمضان لتُضاعف الجهد فيه، وهذا الشوق نوع من أنواع الوقود الإيماني الذي يُحفّز على الطاعة، ثم به يذوق المتعبد طعم عبادته ومناجاته.
ومجالات الشوق عندك كثيرة أعظمها وأخطرها الشوق إلى رؤية وجه الله عز وجل، ويمكنك أن تتمرن على قراءة هذا الحديث مع تحديث نفسك بمنزلتها عند الله، وهل ستنال شرف رؤيته أم لا؟ قال r: "إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول تبارك وتعالى: تريدون شيئًا أزيدكم؟ فيقولون: ألم تبيّض وجوهنا؟ ألم تُدخلنا الجنة وتنجّنا من النار؟ فيُكشفُ الحجاب، فما أُعطوا شيئًا أحب إليهم من النظر إلى ربهم". رواه مسلم.
وفي مجالات الشوق: الشوق إلى لقاء الله وإلى جنته ورحمته ورؤية أوليائه في الجنة وخاصة الشوق للقاء النبي r في الفردوس الأعلى.
واعلم أن لهذا الشوق لصوصًا وقطاعًا يتعرضون لك، فاحذر الترفه (وخاصة في شهر رمضان) واحذر فتنة الأموال، والأولاد والأزواج، خلفهم وراءك ولا تلتفت وامض حيث تؤمر، واجعل شعارك في شهر رمضان:{ قَالَ هُمْ أُولَاءعَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْك رَبِّ لِتَرْضَى }.



فحيَّهلا إن كنت ذا همةٍ فقدْ
حدا بك حادي الشوق فاطو المراحلا
ولا تنتظر بالسير رفقة قاعدٍ
ودعُه فإن العزم يكفـيك حاملـــاً

***


( [1] ) عن عبد الله بن عمر قال: قال r: "إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثواب فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم" رواه الطبراني والحاكم (صحيح الجامع).

( [2] ) قال أبو حيان الأندلسي رحمه الله: (لما نهض موسىu ببني إسرائيل إلى جانب الطور الأيمن حيث كان الموعد أن يكلم الله موسى بما فيه شرف العاجل والآجل، رأى على وجه الاجتهاد أن يتقدم وحده مبادرًا إلى أمر الله وحرصًا على القرب منه وشوقًا إلى مناجاته) أهـ: البحر المحيط (6/266).

( [3] ) راجع لزامًا كلام ابن القيم في الفائدة السادسة والثلاثين من فوائد الذكر من كتابه الطيب "الوابل الصيب".

( [4] ) العذق من النخل كالعنقود من العنب، رداح: ثقيل لكثرة ما فيه من التمر، انظر "الإصابة" في (7/57) و"صفة الصفوة" (1/617).

( [5] ) لابن القيم رحمه الله مقالات رائقة حول كثير من الأسماء والصفات جمعها بعضهم في كتاب مستقل، وللغزالي رسالة اختصرها النبهاني في "مختصر المقصد الأسني" لا تخلو من هنات تظهر لممارس الكتاب والسنة.





توقيع رقية مبارك بوداني

الحمد لله أن رزقتني عمرة هذا العام ،فاللهم ارزقني حجة ، اللهم لا تحرمني فضلك ، وارزقني من حيث لا أحتسب ..


رقية مبارك بوداني غير متواجد حالياً  
 

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

(View-All Members who have read this thread in the last 30 days : 0
There are no names to display.

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
ملف كامل عن شهر شعبان .... رقية مبارك بوداني روضة الفقه وأصوله 25 20-06-13 05:22 PM
الدليل إلى المتون العلمية أمةالله المتون العلمية 58 17-01-08 10:11 PM
أحاديث غير صحيحة عن فضل الأضحية !!! بشـرى روضة السنة وعلومها 3 27-12-06 07:38 AM


الساعة الآن 12:38 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024,Jelsoft Enterprises Ltd.
هذه المنتديات لا تتبع أي جماعة ولا حزب ولا تنظيم ولا جمعية ولا تمثل أحدا
هي لكل مسلم محب لدينه وأمته وهي على مذهب أهل السنة والجماعة ولن نقبل اي موضوع يثير الفتنة أو يخالف الشريعة
وكل رأي فيها يعبر عن وجهة نظر صاحبه فقط دون تحمل إدارة المنتدى أي مسؤلية تجاه مشاركات الأعضاء ،
غير أنَّا نسعى جاهدين إلى تصفية المنشور وجعله منضبطا بميزان الشرع المطهر .