|
13-11-07, 02:11 AM | #1 |
جُهدٌ لا يُنسى
|
هل ينتقض الوضوء بأكل لحم الإبل ؟
هل ينتقض الوضوء بأكل لحم الإبل ؟ إسلام منصور عبد الحميد اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين القول الأول : - أن أَكْلُ لُحُومِ الْإِبِلِ نِيئَةً وَمَطْبُوخَةً أَوْ مَشْوِيَّةً عَمْدًا وَهُوَ يَدْرِي أَنَّهُ لَحْمُ جَمَلٍ أَوْ نَاقَةٍ فَإِنَّهُ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ . [1] من قال بذلك وَبِهَذَا قال الإمام أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ [2]، وهو قول ابن حزم أيضا [3]، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ ، وهو قوله القديم . قَالَ الْخَطَّابِيُّ : ذَهَبَ إلَى هَذَا عَامَّةُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ [4]. وَقَدْ أَشَارَ الْبَيْهَقِيُّ إلَى تَرْجِيحِهِ وَاخْتِيَارِهِ وَالذَّبِّ عَنْهُ , وكذلك رجحه النووي في المجموع [5]. وَاخْتَارَهُ مِنْ الشافعية أيضا غير الخطابي والبيهقي ، والنووي ، أَبُو بَكْرِ بْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ [6]. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ : حُكِيَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ – يعني الشافعي - : إنْ صَحَّ الْحَدِيثُ فِي لُحُومِ الْإِبِلِ قُلْت بِهِ . قَالَ الْبَيْهَقِيُّ : قَدْ صَحَّ فِيهِ حَدِيثَانِ : حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ وَحَدِيثُ الْبَرَاءِ . قَالَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ [7]. قلت : وقد نقل الحافظ ابن حجر كلام النووي في الفتح وسكت عنه كالمقر له ، وكذلك في التلخيص كما سيأتي . وهو ما رجحه ابن تيمية ، وابن القيم ، الشوكاني ، والصنعاني ، رحمة الله على الجميع . دليلهم *الدليل الأول : ما رواه الإمام مسلم في صحيحه عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ أَأَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الْغَنَمِ قَالَ إِنْ شِئْتَ فَتَوَضَّأْ وَإِنْ شِئْتَ فَلَا تَوَضَّأْ قَالَ أَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ قَالَ نَعَمْ فَتَوَضَّأْ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ قَالَ أُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ قَالَ نَعَمْ قَالَ أُصَلِّي فِي مَبَارِكِ الْإِبِلِ قال لا ] [8].*الدليل الثاني : ما رواه أبو داود والترمذي عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ : - [ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْوُضُوءِ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ فَقَالَ تَوَضَّئُوا مِنْهَا وَسُئِلَ عَنْ الْوُضُوءِ مِنْ لُحُومِ الْغَنَمِ فَقَالَ لَا تَتَوَضَّئُوا مِنْهَا ] [9]. [10]القول الثاني :- أن الوضوء لا ينتقض بأكل لحم الإبل ولا غيره . [11] من قال بذلك َهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وصاحبيه رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى [12]، وبه قال الإمام مَالِكٌ [13]، وَالشَّافِعِيُّ في الْجَدِيدُ الْمَشْهُورُ وهو الصحيح عنه [14]. دليلهم *الدليل الأول : ما رواه أبو داود والنسائي واللفظ له عَنْ جَابِرٍ بن عبد الله , قَالَ : [ كَانَ آخِرُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَرْكَ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ ] [15] "فَإِذَا كَانَ مَا تَقَدَّمَ مِنْهُ هُوَ الْوُضُوءُ مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ , وَفِي ذَلِكَ لُحُومُ الْإِبِلِ وَغَيْرِهَا , كَانَ فِي تَرْكِهِ ذَلِكَ تَرْكُ الْوُضُوءِ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ " [16] ، فيكون منسوخا كما نُسخ ، أو يكون الأمر به للاستحباب ، أو يكون المراد بالوضوء غسل اليد [17]. - أما دعوى النسخ بحديث جابر بن عبد الله فلا يصح لوجوه :-[18] أَحَدُهَا : أَنَّ الْأَمْرَ بِالْوُضُوءِ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ مُتَأَخِّرٌ عَنْ نَسْخِ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ , أَوْ مُقَارِنٌ لَهُ ; بِدَلِيلِ أَنَّهُ قَرَنَ الْأَمْرَ بِالْوُضُوءِ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ بِالنَّهْيِ عَنْ الْوُضُوءِ مِنْ لُحُومِ الْغَنَمِ , وَهِيَ مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ النَّسْخُ حَصَلَ بِهَذَا النَّهْيِ , وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بِشَيْءٍ قَبْلَهُ ; فَإِنْ كَانَ بِهِ , فَالْأَمْرُ بِالْوُضُوءِ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ مُقَارِنٌ لِنَسْخِ الْوُضُوءِ مِمَّا غَيَّرَتْ النَّارُ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَنْسُوخًا بِهِ ؟ وَمِنْ شُرُوطِ النَّسْخِ تَأَخُّرُ النَّاسِخِ , وَإِنْ كَانَ النَّسْخُ قَبْلَهُ , لَمْ يَجُزْ أَنْ يُنْسَخَ بِمَا قَبْلَهُ . الثَّانِي : أَنَّ أَكْلَ لُحُومِ الْإِبِلِ إنَّمَا نَقَضَ ; لِكَوْنِهِ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ , لَا لِكَوْنِهِ مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ , وَلِهَذَا يَنْقُضُ وَإِنْ كَانَ نِيئًا , فَنَسْخُ إحْدَى الْجِهَتَيْنِ لَا يَثْبُتُ بِهِ نَسْخُ الْجِهَةِ الْأُخْرَى , كَمَا لَوْ حَرَّمَتْ الْمَرْأَةُ لِلرَّضَاعِ , وَلِكَوْنِهَا رَبِيبَةً , فَنَسْخُ التَّحْرِيمِ بِالرَّضَاعِ لَمْ يَكُنْ نَسْخًا لِتَحْرِيمِ الرَّبِيبَةِ . الثَّالِثُ : أَنَّ حديث جابر بن عبد الله عَامٌّ وَحديث جابر بن سمره والبراء خاص , وَالْعَامُّ لَا يُنْسَخُ بِهِ الْخَاصُّ ; لِأَنَّ مِنْ شُرُوطِ النَّسْخِ تَعَذُّرَ الْجَمْعِ , وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ مُمْكِنٌ بِتَنْزِيلِ الْعَامِّ عَلَى مَا عَدَا مَحَلِّ التَّخْصِيصِ . قال النووي : وَأَمَّا النَّسْخُ فَضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ ; لِأَنَّ حَدِيثَ تَرْكِ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ عَامٌّ , وَحَدِيثَ الْوُضُوءِ مِنْ لَحْمِ الْإِبِلِ خَاصٌّ , وَالْخَاصُّ يُقَدَّمُ عَلَى الْعَامِّ , سَوَاءٌ وَقَعَ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ .[19] الرابع : أن جَابِرٌ إِنَّمَا نَقَلَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : { أَنَّ آخِرَ الْأَمْرَيْنِ تَرْكُ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ } ; وَهَذَا نَقْلٌ لِفِعْلِهِ لَا لِقَوْلِهِ . فَإِذَا شَاهَدُوهُ قَدْ أَكَلَ لَحْمَ غَنَمٍ ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ بَعْدَ أَنْ كَانَ يَتَوَضَّأُ مِنْهُ صَحَّ أَنْ يُقَالَ التَّرْكُ آخِرُ الْأَمْرَيْنِ وَالتَّرْكُ الْعَامُّ لَا يُحَاطُ بِهِ إلَّا بِدَوَامِ مُعَاشَرَتِهِ وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ بَلْ الْمَنْقُولُ عَنْهُ التَّرْكُ فِي قَضِيَّةٍ مُعَيَّنَةٍ . الخامس : أَنَّ أَحَادِيثَ الْأَمْرِ بِالْوُضُوءِ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ لَمْ تَشْمَلْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَا بِالتَّنْصِيصِ وَلَا بِالظُّهُورِ بَلْ فِي حَدِيثِ سَمُرَةَ : ( قَالَ لَهُ الرَّجُلُ أَنَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ ؟ قَالَ : نَعَمْ ) وَفِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ : ( تَوَضَّئُوا مِنْهَا ) فَلَا يَصْلُحُ تَرْكُهُ صلى الله عليه وسلم لِلْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ نَاسِخًا لَهَا ; لِأَنَّ فِعْلَهُ صلى الله عليه وسلم لَا يُعَارِضُ الْقَوْلَ الْخَاصَّ بِنَا وَلَا يَنْسَخُهُ بَلْ يَكُونُ فِعْلُهُ لِخِلَافِ مَا أَمَرَ بِهِ خَاصًّا بِالْأُمَّةِ دَلِيلَ الِاخْتِصَاصِ بِهِ . وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ مُدَوَّنَةٌ فِي الْأُصُولِ مَشْهُورَةٌ وَقَلَّ مَنْ يَتَنَبَّهُ لَهَا مِنْ الْمُصَنِّفِينَ فِي مَوَاطِنِ التَّرْجِيحِ , وَاعْتِبَارُهَا أَمْرٌ لَا بُدَّ مِنْهُ وَبِهِ يَزُولُ الْإِشْكَالُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ الَّتِي تُعَدُّ مِنْ الْمَضَايِقِ .[20] - وأما كون الأمر يحمل على الاستحباب فَمُخَالِفٌ ِلظَّاهِرِ النصوص مِنْ وجوه : أَحَدُهَا , أَنَّ مُقْتَضَى الْأَمْرِ الْوُجُوبُ . الثَّانِي , أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْ حُكْمِ هَذَا اللَّحْمِ , فَأَجَابَ بِالْأَمْرِ بِالْوُضُوءِ مِنْهُ فَلَا يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى غَيْرِ الْوُجُوبِ ; لِأَنَّهُ يَكُونُ تَلْبِيسًا عَلَى السَّائِلِ , لَا جَوَابًا . الثَّالِثُ , أَنَّهُ عليه السلام قَرَنَهُ بِالنَّهْيِ عَنْ الْوُضُوءِ مِنْ لُحُومِ الْغَنَمِ , وَالْمُرَادُ بِالنَّهْيِ هَاهُنَا نَفْيُ الْإِيجَابِ لَا التَّحْرِيمِ , فَيَتَعَيَّنُ حَمْلُ الْأَمْرِ عَلَى الْإِيجَابِ , لِيَحْصُلَ الْفَرْقُ . ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ دَلِيلٍ نَصْرِفُ بِهِ اللَّفْظَ عَنْ ظَاهِرِهِ وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الدَّلِيلُ لَهُ مِنْ الْقُوَّةِ بِقَدْرِ قُوَّةِ الظَّوَاهِرِ الْمَتْرُوكَةِ , وَأَقْوَى مِنْهَا , وَلَيْسَ لَهُمْ دَلِيلٌ . [21] - أما كونه " يراد بالوضوء غسل اليد "[22] فهذا أيضا باطل لوجوه : [23] أَحَدُهَا : أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ حَمْلُ الْأَمْرِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ , فَإِنَّ غَسْلَ الْيَدِ بِمُفْرَدِهِ غَيْرُ وَاجِبٍ , وَقَدْ بَيَّنَّا فَسَادَهُ . الثَّانِي : أَنَّ الْوُضُوءَ إذَا جَاءَ عَلَى لِسَانِ الشَّارِعِ , وَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى الْمَوْضُوعِ الشَّرْعِيِّ دُونَ اللُّغَوِيِّ . قال النووي : أَمَّا حَمْلُ الْوُضُوءِ عَلَى اللُّغَوِيِّ فَضَعِيفٌ ; لِأَنَّ الْحَمْلَ عَلَى الْوُضُوءِ الشَّرْعِيِّ مُقَدَّمٌ عَلَى اللُّغَوِيِّ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ .اهـ [24] الثَّالِثُ : أَنَّهُ خَرَجَ جَوَابًا لِسُؤَالِ السَّائِلِ عَنْ حُكْمِ الْوُضُوءِ مِنْ لُحُومِهَا , وَالصَّلَاةِ فِي مَبَارِكِهَا فَلَا يُفْهَمُ مِنْ ذَلِكَ سِوَى الْوُضُوءِ الْمُرَادِ لِلصَّلَاةِ . [25] قال الشوكاني : فَاعْلَمْ أَنَّ الْوُضُوءَ الْمَأْمُورَ بِهِ هُوَ الْوُضُوءُ الشَّرْعِيُّ , وَالْحَقَائِقُ الشَّرْعِيَّةُ ثَابِتَةٌ مُقَدَّمَةٌ عَلَى غَيْرِهَا , وَلَا مُتَمَسَّكَ لِمَنْ قَالَ : إنَّ الْمُرَادَ بِهِ غَسْلُ الْيَدَيْنِ .اهـ [26] *الدليل الثاني : قَالَ ابن عباس [ إنَّمَا عَلَيْنَا الْوُضُوءُ مِمَّا يَخْرُجُ لَيْسَ مِمَّا يَدْخُلُ ] .[27] يَعْنِي : الْخَارِجَ النَّجِسَ , وَلَمْ يُوجَدْ , وَالْمَعْنَى فِي الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْحَدَثَ هُوَ خُرُوجُ النَّجَسِ حَقِيقَةً , أَوْ مَا هُوَ سَبَبُ الْخُرُوجِ , وَلَمْ يُوجَدْ . [28] "ولكنه عام وأحاديث القول الأول تخصصه " [29] ، ثم إنه من قول ابن عباس فإن خالف قول النبي قدم قول النبي صلى الله عليه وسلم . قال البيهقي وهو شافعي : وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهم " { الْوُضُوءُ مِمَّا خَرَجَ , وَلَيْسَ مِمَّا دَخَلَ } " فَمُرَادُهُمَا تَرْكُ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ . قَالَ : وَبِمِثْلِ هَذَا لَا يُتْرَكُ مَا ثَبَتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم . [30] *الدليل الثالث : القياس على لحوم الغنم فلحم الإبل " لَحْمٌ فَلَمْ يَجِبْ بِأَكْلِهِ وُضُوءٌ كَلَحْمِ الضَّأْنِ "[31] "وإِنَّا قَدْ رَأَيْنَا الْإِبِلَ وَالْغَنَمَ , سَوَاءً فِي حِلِّ بَيْعِهِمَا وَشُرْبِ لَبَنِهِمَا , وَطَهَارَةِ لُحُومِهِمَا , وَأَنَّهُ لَا تَفْتَرِقُ أَحْكَامُهُمَا فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ . فَالنَّظَرُ عَلَى ذَلِكَ , أَنَّهُمَا , فِي أَكْلِ لُحُومِهِمَا سَوَاءٌ . فَكَمَا كَانَ لَا وُضُوءَ فِي أَكْلِ لُحُومِ الْغَنَمِ , فَكَذَلِكَ لَا وُضُوءَ فِي أَكْلِ لُحُومِ الْإِبِلِ " [32] ولقد رد ابن تيمية وابن القيم وغيرهما دعوى القياس . [33] قال ابن تيميه : فإن صَاحِبُ الشَّرْعِ قَدْ فَرَّقَ بَيْنَ لَحْمِ الْغَنَمِ وَلَحْمِ الْإِبِلِ كَمَا فَرَّقَ بَيْنَ مَعَاطِنِ هَذِهِ وَمَبَارِكِ هَذِهِ فَأَمَرَ بِالصَّلَاةِ فِي هَذَا وَنَهَى عَنْ الصَّلَاةِ فِي هَذَا . فَدَعْوَى الْمُدَّعِي أَنَّ الْقِيَاسَ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا مِنْ جِنْسِ قَوْلِ الَّذِينَ قَالُوا ( إنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ) ( البقرة / 275 ) . وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا ثَابِتٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ كَمَا فَرَّقَ بَيْنَ أَصْحَابِ الْإِبِلِ وَأَصْحَابِ الْغَنَمِ فَقَالَ : [ الْفَخْرُ وَالْخُيَلَاءُ فِي الْفَدَادِينِ أَصْحَابِ الْإِبِلِ وَالسَّكِينَةِ فِي أَهْلِ الْغَنَمِ ] .[34] وَلِهَذَا يُقَالُ : إنَّ الْأَعْرَابَ بِأَكْلِهِمْ لُحُومَ الْإِبِلِ مَعَ عَدَمِ الْوُضُوءِ مِنْهَا صَارَ فِيهِمْ مِنْ الْحِقْدِ مَا صَارَ . اهـ قال ابن القيم ، بعد نقله لكلام شيخه :- فَالْقِيَاسُ الَّذِي يَتَضَمَّنُ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ مَا فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ مِنْ أَبْطَلْ الْقِيَاسِ وَأَفْسَدِهِ [35]. ثم قال نحو ما قال ابن تيمية . *الدليل الرابع : أنَّ هذا مما عمت به البلوى و " مِمَّا يَغْلِبُ وُجُودُهَا فَلَوْ جُعِلَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ حَدَثًا لَوَقَعَ النَّاسِ فِي الْحَرَجِ " [36] وَمَا رَوَوْا أَخْبَارَ آحَادٍ وَرَدَتْ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى , وَيَغْلِبُ وُجُودُهُ , وَلَا يُقْبَلُ خَبَرُ الْوَاحِدِ فِي مِثْلِهِ , لِأَنَّهُ دَلِيلُ عَدَمِ الثُّبُوتِ إذْ لَوْ ثَبَتَ لَاشْتَهَرَ . [37] ورد ابن حزم ذلك فقال : وَهَذَا حَمَاقَةٌ , وَقَدْ غَابَ عَنْ جُمْهُورِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم الْغُسْلُ مِنْ الْإِيلَاجِ الَّذِي لَا إنْزَالَ مَعَهُ , وَهُوَ مِمَّا تَكْثُرُ بِهِ الْبَلْوَى , وَرَأَى أَبُو حَنِيفَةَ الْوُضُوءَ مِنْ الرُّعَافِ وَهُوَ مِمَّا تَكْثُرُ بِهِ الْبَلْوَى وَلَمْ يَعْرِفْ ذَلِكَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَرَأَى الْوُضُوءَ مِنْ مِلْءِ الْفَمِ مِنْ الْقَلْسِ وَلَمْ يَرَهُ مِنْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ , وَهَذَا تَعْظُمُ بِهِ الْبَلْوَى , وَلَمْ يَعْرِفْ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ وَلَدِ آدَمَ قَبْلَهُ , وَمِثْلُ هَذَا لَهُمْ كَثِيرٌ جِدًّا , وَمِثْلُ هَذَا مِنْ التَّخْلِيطِ لَا يُعَارِضُ بِهِ سُنَنَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلَّا مَخْذُولٌ . وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ .اهـ [38] قال النووي : وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا [39] بِأَشْيَاءَ ضَعِيفَةٍ فِي مُقَابَلَةِ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ [40] فَتَرَكْتُهَا لِضَعْفِهَا .اهـ [41] قلت : وعلى هذا يكون الراجح في هذه المسالة هو قول من قال بنقض الوضوء من أكل لحوم الإبل ، والله تعالى أعلم . كتبه الفقير إلى عفو ربه ومغفرته إسلام منصور عبد الحميد انتهى منه يوم الخميس قبل غروب الشمس 23 جماد الآخر 1424 هـ ، 21 / 8 / 2003 م -------------------- [1] المغني ( 1 / 122 – حنبلي ) ، و المحلى ( 1 / 226 – ظاهري ) .[2] قال ابن قدامة في ( المغني / 1 / 122 ) :- وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ : فِي الَّذِي يَأْكُلُ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ : إنْ كَانَ لَا يَعْلَمُ لَيْسَ عَلَيْهِ وُضُوءٌ , وَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ قَدْ عَلِمَ وَسَمِعَ , فَهَذَا عَلَيْهِ وَاجِبٌ ; لِأَنَّهُ قَدْ عَلِمَ , فَلَيْسَ هُوَ كَمَنْ لَا يَعْلَمُ وَلَا يَدْرِي . قَالَ الْخَلَّالُ : وَعَلَى هَذَا اسْتَقَرَّ قَوْلُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ فِي هَذَا الْبَابِ .اهـ قلت : وَبِهَذَا يَقُولُ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ وَجَابِرُ بْنُ سَمُرَةَ , وَمِنْ الْفُقَهَاءِ أَبُو خَيْثَمَةَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَيَحْيَى بْنُ يَحْيَى ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ . انظر المغني ( 1 / 122 – حنبلي ) ، والمحلى ( 1 / 226 – ظاهري ) ، و المنتقى شرح الموطا ( 1 / 66 – مالكي ) [3] المحلى ( 1 / 226 – ظاهري ) [4] المغني ( 1 / 122 – حنبلي ) [5] قال النووي في المجموع ( 2 / 66 ) :- وَالْقَدِيمُ أَنَّهُ يَنْتَقِضُ . وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَلَكِنَّهُ هُوَ الْقَوِيُّ أَوْ الصَّحِيحُ مِنْ حَيْثُ الدَّلِيلُ وَهُوَ الَّذِي أَعْتَقِدُ رُجْحَانَهُ , وَقَدْ أَشَارَ الْبَيْهَقِيُّ إلَى تَرْجِيحِهِ وَاخْتِيَارِهِ وَالذَّبِّ عَنْهُ , وَسَنَرَى دَلِيلَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .اهـ [6] المجموع ( 2 / 66 – شافعي ) . [7] نيل الأوطار ( 1 / 253 – 254 ) [8] [ صحيح ] أخرجه مسلم في ( الحيض / بـ الوضوء من لحوم الإبل / 360 ) من حديث جابر بن سمرة . [9] [ صحيح ] أخرجه أبو داود في ( الطهارة / بـ الوضوء من لحوم الإبل / 184 ) ، والترمذي في ( الطهارة / بـ ما جاء في الوضوء من لحوم الإبل / 81 ) من حديث البراء . قال الترمذي : قَالَ إِسْحَقُ بن راهوية – وهو من كبار تبع الأتباع - صَحَّ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثَانِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثُ الْبَرَاءِ وَحَدِيثُ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ .اهـ قلت : وصححه الإمام أحمد كما في ( المغني / 1 / 122 ) ، وكذلك صححه النووي في ( المجموع / 2 / 66 ) ثم قال : وَقَالَ إمَامُ الْأَئِمَّةِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ : لَمْ نَرَ خِلَافًا بَيْنَ عُلَمَاءِ الْحَدِيثِ فِي صِحَّةِ هَذَا الْحَدِيثِ .اهـ ، وكذلك الحافظ ابن حجر في ( التلخيص / 1 / 204 ) ثم قال : قَالَ الْبَيْهَقِيُّ : حَكَى بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ الشَّافِعِيِّ , قَالَ : إنْ صَحَّ الْحَدِيثُ فِي لُحُومِ الْإِبِلِ ; قُلْتُ بِهِ . قَالَ الْبَيْهَقِيّ : قَدْ صَحَّ فِيهِ حَدِيثَانِ : حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ , وَحَدِيثُ الْبَرَاءِ , قَالَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ .اهـ [10] حرصت على ذكر أقوى الأدلة في بحثي هذا وأعرضت عن الأدلة الضعيفة لعدم قيام الحجة بها ، ولكن قد اذكرها في بعض الأحيان لحاجة أذكرها وقتها . [11] وهناك قول ثالث ذكره النووي في المجموع وهو الوضوء مطلقا مما مست النار ، ولكني لم اذكره لأن الأمر قد استقر بعد ذلك على خلافه ، ولأن حديثنا عن لحوم الإبل خاصة ، والله تعالى أعلم . [12] شرح معاني الآثار للطحاوي ( 1 / 72 – حنفي ) . [13] المنتقى شرح الموطا ( 1 / 66 – مالكي ) [14] المجموع ( 2 / 66 – شافعي ) . قلت : وذكر النووي في المجموع أنه حكي عن الخلفاء الراشدين ، وكما هم معلوم أن لا يثبت بهذه الكلمة أنه قولهم ، ولو ثبت عنهم فهم كغيرهم من الصحابة عند مخالفة قول النبي صلى الله عليه وسلم ، وكذلك لو ثبت عنهم ما خالفهم من حكى عنهم ذلك وهو النووي رحمه الله . [15] [ صحيح ] أخرجه أبو داود في ( الطهارة / بـ في ترك الوضوء مما مست النار / 192 ) ، والنسائي في ( الصغرى / ح185 ) من حديث جابر بن عبد الله . قلت واصله في البخاري ( 5457 ) ولفظه [ قَدْ كُنَّا زَمَانَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا نَجِدُ مِثْلَ ذَلِكَ مِنْ الطَّعَامِ إِلَّا قَلِيلًا فَإِذَا نَحْنُ وَجَدْنَاهُ لَمْ يَكُنْ لَنَا مَنَادِيلُ إِلَّا أَكُفَّنَا وَسَوَاعِدَنَا وَأَقْدَامَنَا ثُمَّ نُصَلِّي وَلَا نَتَوَضَّأُ ] .اهـ [16] شرح معاني الآثار للطحاوي ( 1 / 72 – حنفي ) . [17] بدائع الصنائع ( 1 / 33 ) [18] ذكرها ابن قدامه في المغني ( 1 / 122 – حنبلي ) ، والنووي في ( المجموع ) ، وابن تيميه ( 21 / 260 ) ، وكذلك ابن القيم في ( إعلام الموقعين 1 / 299 ) ، وابن حزم في ( المحلى / 1 / 126 ) ، و ( الشوكاني في ( نيل الأوطار / 1 / 253 ) . [19] المجموع ( 2 / 66 – شافعي ) . [20] نيل الأوطار ( 1 / 253 – 254 ) [21] المغني ( 1 / 122 – حنبلي ) [22] شرح معاني الآثار للطحاوي ( 1 / 72 – حنفي ) . [23] وانظر أيضا ( مجموع الفتاوى 21 / 260 ) . [24] المجموع ( 2 / 66 – شافعي ) . [25] المغني ( 1 / 122 – حنبلي ) [26] نيل الأوطار ( 1 / 253 – 254 ) [27] [ صحيح عن ابن عباس ] روي مرفوعا ، وموقوفا :- أما المرفوع : فأخرجه الدارقطني ( 1 / 151 ) ، وابن عدي في ( الكامل / 6 / 15 ) من حديث ابن عباس . قال ابن حجر في ( التلخيص / 1 / 208 ) : فِي إسْنَادِهِ الْفُضَيْلُ بْنُ الْمُخْتَارِ , وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا وَفِيهِ شُعْبَةُ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ .. وقال البيهقي لا يثبت مرفوعا .اهـ . وانظر أيضا ( التحقيق في أحاديث الخلاف / 1 / 201 – لابن الجوزي ) . أما الموقوف : - فأخرجه البيهقي في ( الكبرى / 4 / 261 ) عن ابن عباس ، قال النووي في ( المجموع / 6 / 340 ) إسناده حسن أو صحيح .اهـ . قال ابن حجر في ( التلخيص / 1 / 208 ) : قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ : الْأَصْلُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ .اهـ ، وانظر أيضا ( التحقيق في أحاديث الخلاف / 1 / 201 – لابن الجوزي ) . [28] بدائع الصنائع ( 1 / 33 – حنفي ) . [29] المغني ( 1 / 122 – حنبلي ) [30] المجموع ( 2 / 66 – شافعي ) . [31] المنتقى شرح الموطا ( 1 / 66 – مالكي ) [32] شرح معاني الآثار للطحاوي ( 1 / 72 – حنفي ) . [33] انظر ( المغني 1 / 122 – حنبلي ) ، و ( المجموع / 2 / 66 – شافعي ) . [34] [ متفق عليه ] من حديث أبي هريرة . [35] إعلام الموقعين ( 1 / 299 ) [36] بدائع الصنائع ( 1 / 33 – حنفي ) . [37] بدائع الصنائع ( 1 / 33 – حنفي ) . [38] المحلى ( 1 / 225 – ظاهري ) [39] يعني الشافعية ، وقد آثرت أن أختم بقول النووي رحمه الله تعالى ، على طريقة وشهد شاهد من أهلها . [40] يعني حديث جابر بن سمرة ، وحديث ابن الزبير . [41] المجموع ( 2 / 68 ) . المصدر: صيد الفوائد |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
(View-All) Members who have read this thread in the last 30 days : 0 | |
There are no names to display. |
|
|