|
19-02-08, 04:12 PM | #1 |
~صديقة الملتقى~
تاريخ التسجيل:
22-10-2007
المشاركات: 952
|
السيره النبويه
بين يدي الكتاب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد أفضل الرسل وخاتم النبيين، وعلى آله وصحبه ومن اهتدي بهديه إلى يوم الدين. وبعـــد: فهذا الكتاب هو الذي أسهمت به في مسابقة السيرة النبوية العالمية التي نظمتها رابطة العالم الإسلامي، وأعلنت عنها عقب أول مؤتمر للسيرة النبوية الذي عقدته دولة باكستان في شهر ربيع الأول عام 1396هـ. وقد قدر الله لهذا الكتاب من القبول ما لم أكن أرجوه وقت الكتابة، فقد نال المركز الأول في المسابقة، وأقبل عليه الخاصة والعامة إقبالا يغتبط عليه. وكان من حديث هذا الكتاب أني لم أطلع على إعلان الرابطة عن المسابقة في وقته، ولما أخبرت به بعد حين لم أمِلْ إلى الإسهام فيها، بل رفضت هذا الاقتراح رفضًا كليًا إلا أن القدر ساقني إلى ذلك. وكان آخر موعد لتلقي بحوث المسابقة واستقبالها عند الرابطة أول شهر محرم من العام القادم 1397هـ، أي نحو تسعة أشهر من وقت الإعلان، وقد ضاعت مني من ذلك عدة أشهر، والمدة الباقية لم تكن تكفي لإعداد مثل هذا الكتاب، ولكن لما عزمت على ذلك استعنت الله سبحانه وتعالى، وشمرت عن ساق الجد، حتى تم إنجازه وإرساله في الموعد. وكنت أعاني ـ مع ضيق الوقت والاشتغال بأعمال أخري ـ قلة المصادر، وعدم القدرة على مراجعة كل ما هو موجود، وكانت الدقة مطلوبة عندي بصفة خاصة مع تجنب الحشو والزوائد، والإحاطة بالموضوع بقدر الإمكان، وقد مررت بأماكن شعرت فيها بشيء من الفجوة والفراغ، وبحاجة إلى إضافات لم تكن في مستطاعي في ذلك الحين. فكل ما كان بالإمكان هو التسويد السريع لما هو موجود، ثم نسخه أو استنساخه بغير مراجعة أو تنقيح. وقد بقيت في النفس رغبة إلى ملء تلك الفجوة والفراغ وإضافة بعض الزيادات فيما بعد، ولكن مضت الأيام والأعوام ولم يقدر لي ذلك، حتى تَقادم العَهْدُ وانفلت الزمامُ، وكنت أحيانًا أثبت في الكتاب أشياء، وربما أقدم أو أؤخر، أو أضـيف أو أعدل أشياء، وهي وإن لم تكن عين ما كانت تتحدث به النفس عند التأليف، لكنها مهمة ومفيدة في السيرة إن شاء الله ، وكذلك اطلعت على مصادر قديمـة أغنتـني إلى حــد كبير عـما كـنت أحَلْتُ إليه من المراجع الحديثة، فأدخلت كل ذلك في هذه الطبعة بتوفيـق الله . وقد كنت أرجو ظهور بعض الملحوظات العلمية القيمة، أستفيد بها في صلب بعض الموضوعات، لكن الذي وصلني منها لا يمس الجوهر، وإنما يمس بعض الأمور الجانبية التي لا تقدم ولا تؤخر، يضاف إلى ذلك أن معظمها خطأ واضح، بل تَخَبُّطٌ غريب لم يكن يُرْجَي مثله من عامة الدارسين، فضلًا عن أصحاب التخصص. وهذه الطبعة التي تتضمن هذه الإضافات والتغييرات تكون أفضل وأكثر فائدة من الطبعات السابقة إن شاء الله ، وهي الطبعة الشرعية الوحيدة مع تلك الإضافات والتعديلات. وقد طبع الكتاب قبل ذلك من جهة الرابطة عدة طبعات، كما طبعه بعض الإخوان بإذن من المؤلف، ولكن هناك عشرات الطبعات كلها غير شرعية قام بها الناشرون بغير إذن من المؤلف ولا إشعار له، مستغلين سمعة الكتاب. وقد بلغت الجرأة ببعضهم إلى أنه احتفظ بجميع حقوق الكتاب لنفسه، فهداهم الله للحق، ولإيصال الحقوق إلى أهلها قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلال. وصلى الله على خير خلقه محمد وعلى آله وصحبه وبارك وسلم. 18 ربيع الأول 1415هـ 26 أغسطس 1994م صفي الرحمن المباركفوري الجامعة الإسلامية، المدينة المنورة كلـمـة معالي الدكتور عبد الله عمر نصيف الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وصفيه وخليله، أدي الرسالة وبلغ الأمانة ونصح الأمة وتركها على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، ورضي الله عن كل من تبع سنته وعمل بها إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ورضاك يا أرحم الراحمين. أما بعد: فإن السنة النبوية المطهرة ـ وهي العطاء المتجدد والزاد الباقي إلى يوم الدين، والتي يتسابق المتسابقون، ويتنافس المتنافسون إلى الحديث عنها وكتابة الكتب والأسفار في مواضيعها منذ بعث صلى الله عليه وسلم حتى تقوم الساعة ـ تضع للمسلمين النموذج العملي والبرنامج الواقعي لما ينبغي أن يكون عليه سلوكهم وأفعالهم وأقوالهم وعلاقاتهم بربهم، ثم بأهلهم وعشيرتهم وإخوانهم وأمتهم والناس أجمعين. وقد قال الله عز وجل: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله ِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو الله َ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ الله َ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21]. وقالت السيد عائشة ـ رضوان الله عليها ـ عندما سئلت عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كان خلقه القرآن). فلا ريب إذن أنه لابد لمن أراد النجاة من هذه الدنيا باتباع المنهج الرباني في جميع شئون آخرته ودنياه وأن يتأسي بالرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم، ويأخذ بالسيرة النبوية تفكرًا وتدبرًا على أنها هذا المنهج الرباني القويم عاشه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم واقعًا عمليّا في جميع شئون الحياة، ففيها الهدي والرشاد للقادة والمقودين والحكام والمحكومين والمرشدين والموجهين والمجاهدين، وفيها الأسوة الحسنة في جميع المجالات: في السياسة والحكم والاقتصاد والمال والاجتماع والعلاقات الإنسانية والأخلاق الفاضلة والعلاقات الدولية، فما أحرى المسلمين اليوم ـ وقد انحدروا في مهاوي الجهالة والتخلف لابتعادهم عن هذه المنهج ـ أن يعودوا إلى صوابهم وأن يقدموا السيرة النبوية في مناهجهم الدراسية ومنتدياتهم المختلفة على أنها ليست للمتعة الفكرية وحسب، بل فيها طريق العودة إلى الله ، وفيها إصلاح الناس وفلاحهم، فهي الأسلوب العلمي لترجمة كتاب الله عزّ وجلّ سلوكًا وأخلاقًا، حتى يصبح المؤمن محتكمًا إلى شريعة الله سبحانه وتعالي ومحكمًا لها في جميع شئون الناس. وهذا الكتاب [الرحيق المختوم] جهد رائع وعمل مشكور لمؤلفه فضيلة الشيخ صفي الرحمن المباركفوري الذي استجاب لدعوة رابطة العالم الإسلامي في مسابقة السيرة النبوية التي نظمتها عام 1396هـ، ففاز بالجائزة الأولى كما هو مذكور في مقدمة الطبعة الأولى لفضيلة الشيخ محمد على الحركان ـ رحمه الله ـ الأمين العام السابق لرابطة العالم الإسلامي تغمده الله برحمته وجزاه عنا خير الجزاء. وقد كان إقبال الناس عظيمًا وثناؤهم عطرًا على هذا الكتاب، وقد نفدت نسخ الطبعة الأولى بالكامل، وطلب مني التقديم للطبعة الثالثة فاستجبت له بهذه المقدمة الوجيزة، سائلًا المولي عز وجل أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، وأن ينفع به المسلمين نفعًا يؤدي إلى تغيير واقعهم إلى الأفضل، وأن يعيد للأمة الإسلامية مجدها المفقود ومكانتها في قيادة الأمم عملًا بقوله عز وجل: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِالله ِ} [آل عمران: 110]. وصلى الله على المبعوث رحمة للعالمين، رسول الهدى ومرشد الإنسانية إلى طريق النجاة والفلاح، وعلى آله وصحبه وسلم. والحمد لله رب العالمين. د. عبد الله عمر نصيف الأمين العالم لرابطة العالم الإسلامي [سابقًا] نائب الرئيس لمجلس الشوري المملكة العربية السعودية كلـمـة معالي الشيخ محمد بن على الحركان ـ رحمه الله ـ الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الحمد لله رب العالمين، خالق السموات والأرض، وجاعل الظلمات والنور، وصلي الله على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والرسل أجمعين، بشّر وأنذر، ووعد وأوعد، أنقذ الله به البشر من الضلالة، وهدي الناس إلى صراط مستقيم، صراط الله الذي له ما في السموات وما في الأرض ألا إلى الله تصير الأمور. وبعــد: فلما أعطى الله سبحانه وتعالي لرسوله الشفاعة والدرجة الرفيعة، وهدي المسلمين إلى محبته، وجعل اتباعه من محبته تعالى فقال تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ الله َ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ الله ُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [آل عمران: 31]، فكان هذا من الأسباب التي صيرت القلوب تهفو إلى محبته صلى الله عليه وسلم، وتتلمس الأسباب التي توثق الصلة فيما بينها وبينه صلى الله عليه وسلم. فمنذ فجر الإسلام والمسلمون يتسابقون إلى إبراز محاسنه، ونشر سيرته العطرة صلى الله عليه وسلم، وسيرته صلى الله عليه وسلم هي أقواله وأفعاله وأخلاقه الكريمة، فقد قالت السيدة عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنها: (كان خلقه القرآن)، والقرآن كتاب الله وكلماته التامة، ومن كان كذلك كان أحسن الناس وأكملهم وأحقهم بمحبة خلق الله جميعًا. ولم يَزَلِ المسلمون متمسكين بهذه المحبة الغالية التي انبثق عنها المؤتمر الإسلامي الأول للسيرة النبوية الشريفة الذي عقد بباكستان سنة 1396هـ، حيث أعلنت الرابطة في هذا المؤتمر عن جوائز مالية مقدارها مائة وخمسون ألف ريال سعودي توزع على أحسن خمسة بحوث في السيرة النبوية بالشروط الآتية: 1 ـ أن يكون البحث متكاملًا مع ترتيب الحوادث التاريخية حسب وقوعها. 2 ـ أن يكون جيدًا ولم يسبق نشره من قبل. 3 ـ أن يذكر الباحث جميع المخطوطات والمصادر العلمية التي اعتمد عليها في كتابة البحث. 4 ـ أن يكتب الباحث ترجمة كاملة ومفصلة عن حياته مع ذكر مؤهلاته العلمية ومؤلفاته إن وجدت. 5 ـ أن يكتب البحث بخط واضح، ويستحسن نسخه على الآلة الكاتبة. 6 ـ تقبل البحوث باللغة العربية واللغات الحية الأخري. 7 ـ يبدأ قبول البحوث من غرة ربيع الثاني 1396هـ، وينتهي موعد القبول بغرة محرم 1397هـ. 8 ـ تسلم البحوث إلى الأمانة العامة لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة في ظرف مختوم، وتضع الأمانة عليه رقمًا تسلسليًا خاصًا. 9 ـ تقوم بفحص البحوث لجنة عليا من كبار العلماء في هذ الشأن. فكان هذا الإعلان حافزًا لتسابق العلماء الذين وهبهم الله حب رسوله صلى الله عليه وسلم، واستعدت رابطة العالم الإسلامي لاستقبال هذه البحوث باللغات العربية والإنجليزية والأردية وأية لغة أخري. وبدأ الإخوان الكرام في إرسال بحوثهم بهذه اللغات، وقد بلغ عددها واحدًا وسبعين ومائة بحث منها: 84 بحثًا باللغة العربية، 64 بحثًا باللغة الأردية، 21 بحثًا باللغة الإنجليزية، وبحث واحد فقط باللغة الفرنسية، وبحث واحد فقط باللغة الهوساوية. وقد كونت الرابطة لجنة من كبار العلماء لدراسة هذه البحوث وترتيبها حسب استحقاق الفائز للجائزة، وقد كان الفائزون بالجوائز حسب الترتيب الآتي: 1 ـ الفائز بالجائزة الأولى الشيخ صفي الرحمن المباركفوري من الجامعة السلفية بالهند، ومقدار جائزته خمسون ألف ريال سعودي. 2 ـ الفائز بالجائزة الثانية الدكتور ماجد على خان من الجامعة الملية الإسلامية نيودلهي، الهند، ومقدار جائزته أربعون ألف ريال سعودي. 3 ـ الفائز بالجائزة الثالثة الدكتور نصير أحمد ناصر رئيس الجامعة الإسلامية بباكستان، ومقدار جائزته ثلاثون ألف ريال سعودي. 4 ـ الفائز بالجائزة الرابعة الأستاذ حامد محمود محمد منصور ليمود من جمهورية مصر العربية، ومقدار جائزته عشرون ألف ريال سعودي. 5 ـ الفائز بالجائزة الخامسة الأستاذ عبد السلام هاشم حافظ من المدينة المنورة، المملكة العربية السعودية، ومقدار جائزته عشرة آلاف ريال سعودي. وقد أعلنت الرابطة أسماء الفائزين في المؤتمر الإسلامي الآسيوي الأول الذي عقد في كراتشي في شهر شعبان سنة 1398هـ. كما أعلن عن ذلك في جميع الصحف. وبهذه المناسبة أقامت الأمانة العامة للرابطة بمقرها بمكة المكرمة حفلًا كبيرًا تحت إشراف صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن عبد المحسن بن عبد العزيز وكيل إمارة منطقة مكة المكرمة، نيابة عن صاحب السمو الملكي الأمير فواز بن عبد العزيز أمير منطقة مكة المكرمة، حيث تفضل سموه بتوزيع الجوائز على أصحابها، وذلك صباح يوم السبت الموافق 12 ربيع الأول سنة 1399هـ. وفي هذا الحفل أعلنت الأمانة العامة أنها ستقوم بطبع البحوث الفائزة ونشرها بعدة لغات، وتنفيذًا لذلك ها هي ذي تضع بين يدي القارئ الكريم باكورة طبعات تلك البحوث، وهو بحث الشيخ/ صفي الرحمن المباركفوري، من الجامعة السلفية بالهند؛ لأنه الفائز بالجائزة الأولي، وستوالي طبع بقية البحوث الفائزة حسب ترتيبها، سائلين الله سبحانه وتعالي أن يتقبل منا جميعًا أعمالنا خالصة لوجهه الكريم، إنه نعم المولي ونعم النصير. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. محمد بن على الحركان الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي كلمة المؤلف الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدي ودين الحق ليظهره على الدين كله، فجعله شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، وجعل فيه أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرًا. الله م صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وفجّر لهم ينابيع الرحمة والرضوان تفجيرا. وبعـد: فإن من دواعي الغبطة والسرور أن رابطة العالم الإسلامي أعلنت عقب مؤتمر السيرة النبوية الذي عقد في باكستان في شهر ربيع الأول من سنة 1396هـ عن تنظيم مسابقة علمية عالمية؛ لتقديم أحسن بحث في موضوع السيرة النبوية ـ على صاحبها ألف ألف صلاة وسلام وتحية ـ وذلك تنشيطًا للكاتبين، وتنسيقا لجهودهم الفكرية. وإني أري أن هذا العمل له قيمة كبيرة ربما لا يحيط بوصفه البيان. فإن السيرة النبوية والأسوة المحمدية ـ على صاحبها ما يستحق من الصلاة والسلام ـ إذا لاحظناها بعين الدقة والاعتبار هي المنبع الوحيد الذي تتفجر منه ينابيع حياة العالم الإسلامي وسعادة المجتمع البشري. وإن من سعادتي وحسن حظي أن أقدم بحثًا أسهم به في تلك المسابقة المباركة، ولكن أين أنا حتى ألقي ضوءًا على حياة سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلم. وإنما أنا رجل يري لنفسه كل السعادة والفلاح أن يقتبس من نوره، حتى لا يتهالك في دياجير الظلمات، بل يحيا وهو من أمته، ويموت وهو من أمته، ويغفر الله له ذنوبه بشفاعته. ومن منهجي في هذا الكتاب ـ عدا ما جاء في إعلان الرابطة ـ أني قررت سلوك سبيل الاعتدال، متجنبًا التطويل الممل والإيجاز المخل، وقد وجدت المصادر تختلف فيما بينها حول كثير مما يتعلق بالأحداث اختلافًا لا يحتمل الجمع والتوفيق، فاخترت سبيل الترجيح، وأثبت في الكتاب ما ترجح لدي بعد التدقيق في الدراسة والنقد، إلا أني طويت ذكر الدلائل والوجوه؛ لأن ذلك يفضي إلى طول غير مطلوب. أما بالنسبة لقبول الروايات وردها فقد استفدت في ذلك مما كتبه الأئمة المتقنون، واعتمدت عليهم فيما حكموا به من الصحة والحسن والضعف؛ إذ لم أجد وقتًا يكفي للخوض في هذا المجال. وقد أشرت في بعض المواضع إلى بعض الدلائل ووجوه الترجيح، وذلك حينما خِفْتُ الاستغراب ممن يقرأ الكتاب، أو رأيت شبه الاتفاق فيما بين الأولين والآخرين على خلاف ما هو الصواب. والله ولي التوفيق. الله م قدر لي الخير في الدنيا والآخرة، إنك أنت الغفور الودود، ذو العرش المجيد. |
19-02-08, 04:18 PM | #2 |
~صديقة الملتقى~
تاريخ التسجيل:
22-10-2007
المشاركات: 952
|
العرب، الأرض والشعب، الحكم والاقتصاد، الديانة
موقع العرب وأقوامها إن السيرة النبوية ـ على صاحبها الصلاة والسلام ـ هي في الحقيقة عبارة عن الرسالة التي حملها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المجتمع البشرى قولًا وفعلًا، وتوجيها وسلوكًا، وقلب بها موازين الحياة، فبدل مكان السيئة الحسنة، وأخرج بها الناس من الظلمات إلى النور، ومن عبادة العباد إلى عبادة الله ، حتى عدل خط التاريخ وَغيَّر مجرى الحياة في العالم الإنساني، ولا يتم إحضار هذه الصورة الرائعة إلا بعد المقارنة بين البيئة التي سبقت هذه الرسالة وبين ما آلت إليه بعدها. وهذا يقتضي تقديم فصول موجزة عن أقوام العرب وتطوراتها قبل الإسلام، وعن تاريخ الحكومات والإمارات والنظم القبلية التي كانت سائدة في ذلك الزمان، مع صور من الديانات والمِلَل والنِّحَل والعادات والتقاليد، والأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية. وقد خصصنا لكل من ذلك هذا الباب، وإليكم تلك الفصول: موقع العرب كلمة العرب تنبيء عن الصحارى والقِفَار، والأرض المُجْدِبة التي لا ماء فيها ولا نبات. وقد أطلق هذا اللفظ منذ أقدم العصور على جزيرة العرب، كما أطلق على قوم قَطَنُوا تلك الأرض واتخذوها موطنا لهم. وجزيرة العرب يحدها غربًا البحر الأحمر وشبه جزيرة سيناء، وشرقًا الخليج العربى وجزء من بلاد العراق الجنوبية، وجنوبًا بحر العرب الذي هو امتداد لبحر الهند، وشمالًا بلاد الشام وجزء من بلاد العراق، على اختلاف في بعض هذه الحدود، وتقدر مساحتها ما بين مليون ميل مربع إلى مليون وثلاثمائة ألف ميل مربع. ولجزيرة العرب أهمية بالغة من حيث موقعها الطبيعي والجغرافي؛ فإنها في وضعها الداخلي محاطة بالصحاري والرمال من كل جانب؛ ولأجل هذا الوضع صارت الجزيرة حصنًا منيعًا لم يستطع الأجانب أن يحتلوها ويبسطوا عليها سيطرتهم ونفوذهم. ولذلك نرى سكان الجزيرة أحرارًا في جميع الشئون منذ أقدم العصور، مع أنهم كانوا مجاورين لإمبراطوريتين عظيمتين لم يكونوا يستطيعون دفع هجماتهما لولا هذا السد المنيع. وأما بالنسبة إلى الخارج فإنها تقع بين القارات المعروفة في العالم القديم، وتلتقى به برًا وبحرًا، فإن ناحيتها الشمالية الغربية باب للدخول في قارة إفريقية، وناحيتها الشمالية الشرقية مفتاح لقارة أوربا، والناحية الشرقية تفتح أبواب العجم؛ ومن ثم آسيا الوسطى وجنوبها والشرق البعيد، وكذلك تلتقي كل قارة بالجزيرة بحرًا، وترسى سفنها وبواخرها على ميناء الجزيرة رأسًا. ولأجل هذا الوضع الجغرافي كان شمال الجزيرة وجنوبها موئلًا للأمم، ومركزًا لتبادل التجارة، والثقافة، والديانة، والفنون. أقوام العرب وأما أقوام العرب فقد قسمها المؤرخون إلى ثلاثة أقسام؛ بحسب السلالات التي ينحدرون منها: 1 ـ العرب البائدة: وهم العرب القدامى الذين انقرضوا تمامًا ولم يمكن الحصول على تفاصيل كافية عن تاريخهم، مثل: عاد، وثمود، وطَسْم، وجَدِيس، وعِمْلاق، وأُمَيْم، وجُرْهُم، وحَضُور، ووَبـَـار، وعَبِيل، وجاسم، وحَضْرَمَوت، وغيرها. 2 ـ العرب العاربة: وهم العرب المنحدرة من صلب يَشْجُب بن يَعْرُب بن قَحْطان، وتسمى بالعرب القحطانية. 3 ـ العرب المستعربة: وهي العرب المنحدرة من صلب إسماعيل عليه السلام، وتسمى بالعرب العدنانية. أما العرب العاربة ـ وهي شعب قحطان ـ فمَهْدُها بلاد اليمن، وقد تشعبت قبائلها وبطونها من ولد سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان. فاشتهرت منها قبيلتان: حِمْيَر بن سبأ، وكَهْلان بن سبأ، وأما بقية بنى سبأ ـ وهـم أحـد عشـر أو أربعة عشـر بطنًا ـ فيقال لهم: السبئيون، وليست لهم قبائل دون سبأ. أ ـ فأما حمير فأشهر بطونها: 1 ـ قُضَاعة: ومنها بَهْراء وَبِلىٌّ والقَيْن وكَلْب وعُذْرَة ووَبَرَة. 2 ـ السَّكاسِك: وهـم بنو زيـد بـن وائلة بن حمير، ولقب زيد: السكاسك، وهي غير سكاسك كِنْدة الآتية في بنى كَهْلان. 3 ـ زيــد الجمهــور: ومنها حمير الأصغر، وسبأ الأصغر، وحضور، وذو أصبح. ب ـ وأما كَهْلان فأشهر بطونها: هَمْدان، وألْهَان، والأشْعَر، وطيئ، ومَذْحِج [ومن مذحج: عَنْس والنَّخْع]، ولَخْم [ومن لخم: كندة، ومن كندة: بنو معاوية والسَّكُون والسكاسك]، وجُذَام، وعاملة، وخَوْلان، ومَعَافِر، وأنمار [ومن أنمار: خَثْعَم وبَجِيلَةَ، ومن بجيلة: أحْمَس] والأزْد، [ومن الأزد: الأوس، والخزرج، وخُزَاعة، وأولاد جَفْنَة ملوك الشام المعروفون بآل غسان]. وهاجرت بنو كهلان عن اليمن، وانتشرت في أنحاء الجزيرة، يقال: كانت هجرة معظمهم قبيل سَيْل العَرِم حين فشلت تجارتهم لضغط الرومان وسيطرتهم على طريق التجارة البحرية، وإفسادهم طريق البر بعد احتلالهم بلاد مصر والشام. ويقال: بل إنهم هاجروا بعد السيل حين هلك الحرث والنسل بعد أن كانت التجارة قد فشلت، وكانوا قد فقدوا كل وسائل العيش، ويؤيده سياق القرآن {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَى أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} [سورة سبأ:15: 19] ولا غرو إن كانت هناك ـ عدا ما تقدم ـ منافسة بين بطون كهلان وبطون حمير أدت إلى جلاء كهلان، فقد يشير إلى هذا بقاء حمير مع جلاء كهلان. ويمكن تقسيم المهاجرين من بطون كهلان إلى أربعة أقسام: 1 ـ الأزْد: وكانت هجرتهم على رأى سيدهم وكبيرهم عمران بن عمرو مُزَيْقِياء، فساروا يتنقلون في بلاد اليمن ويرسلون الرواد، ثم ساروا بعد ذلك إلى الشمال والشرق. وهاك تفصيل الأماكن التي سكنوا فيها بعد الرحلة نهائيًا: نزل عمران بن عمرو في عُمَان، واستوطنها هو وبنوه، وهم أزْد عُمَان. واستوطنت بنو نصر بن الأزد تُهامة، وهم أزد شَنُوءة. وعَطَف ثَعْلَبة بن عمرو مزيقياء نحو الحجاز، فأقام بين الثعلبية وذى قار، ولما كبر ولده وقوى ركنه سار نحو المدينة، فأقام بها واستوطنها، ومن أبناء ثعلبة هذا: الأوس والخزرج، ابنا حارثة بن ثعلبة. وتنقل منهم حارثة بن عمرو ـ وهو خزاعة ـ وبنوه في ربوع الحجاز، حتى نزلوا بمر الظهران، ثم افتتحوا الحرم فقطنوا مكة وأجلوا سكانها الجراهمة. وسار جَفْنَة بن عمرو إلى الشام فأقام بها هو وبنوه، وهو أبو الملوك الغساسنة؛ نسبة إلى ماء في الحجاز يعرف بغسان، كانوا قد نزلوا بها أولًا قبل انتقالهم إلى الشام. وانضمت البطون الصغيرة إلى هذه القبائل في الهجرة إلى الحجاز والشام، مثل كعب بن عمرو، والحارث بن عمرو، وعوف بن عمرو. 2 ـ لَخْم وجُذَام: انتقلوا إلى الشرق والشمال، وكان في اللخميين نصر بن ربيعة أبو الملوك المناذرة بالحيرة. 3 ـ بنو طَيِّئ: ساروا بعد مسير الأزد نحو الشمال حتى نزلوا بالجبلين أجأ وسلمى، وأقاموا هناك، حتى عرف الجبلان بجبلى طيئ. 4 ـ كِنْدة: نزلوا بالبحرين، ثم اضطروا إلى مغادرتها فنزلوا بـ[حضرموت]، ولاقـوا هنـاك ما لاقوا بالبحرين، ثم نزلوا نجدًا، وكونوا هناك دولة كبيرة الشأن، ولكنها سرعان ما فنيت وذهبت آثارها. وهناك قبيلة من حمير مع اختلاف في نسبتها إليه ـ وهي قضاعة ـ هجرت اليمن واستوطنت بادية السماوة من مشارف العراق، واستوطن بعض بطونها مشارف الشام وشمالي الحجاز. وأما العرب المستعربة، فأصل جدهم الأعلى ـ وهو سيدنا إبراهيم عليه السلام ـ من بلاد العراق، من مدينة يقال لها: [أر] على الشاطئ الغربي من نهر الفرات، بالقرب من الكوفة، وقد جاءت الحفريات والتنقيبات بتفاصيل واسعة عن هذه المدينة، وعن أسرة إبراهيم عليه السلام، وعن الأحوال الدينية والاجتماعية في تلك البلاد. ومعلوم أن إبراهيم عليه السلام هاجر منها إلى حاران أو حَرَّان، ومنها إلى فلسطين، فاتخذها قاعدة لدعوته، وكانت له جولات في أرجائها وأرجاء غيرها من البلاد، وفي إحدى هذه الجولات أتى إبراهيم عليه السلام على جبار من الجبابرة، ومعه زوجته سارة، وكانت من أحسن النساء، فأراد ذلك الجبار أن يكيد بها، ولكن سارة دعت الله تعالى عليه فرد الله كيده في نحره، وعرف الظالم أن سارة امرأة صالحة ذات مرتبة عالية عند الله ، فأخدمها هاجر اعترافًا بفضلها، أو خوفًا من عذاب الله ، ووهبتها سارة لإبراهيم عليه السلام. ورجع إبراهيم عليه السلام إلى قاعدته في فلسطين، ثم رزقه الله تعالى من هاجر ابنه إسماعيل، وصار سببًا لغيرة سارة حتى ألجأت إبراهيم إلى نفي هاجر مع ولدهـا الرضيـع ـ إسماعيل ـ فقدم بهما إبراهيم عليه السلام إلى الحجاز، وأسكنهما بواد غير ذي زرع عند بيت الله المحرم الذي لم يكن إذ ذاك إلا مرتفعًا من الأرض كالرابية، تأتيه السيول فتأخذ عن يمينه وشماله، فوضعهما عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد، وليس بمكة يومئذ أحد، وليس بها ماء، فوضع عندهما جرابا فيه تمر، وسقاء فيه ماء، ورجع إلى فلسطين، ولم تمض أيام حتى نفد الزاد والماء، وهناك تفجرت بئر زمزم بفضل الله ، فصارت لهما قوتا وبلاغًا إلى حين. والقصة معروفة بطولها. وجاءت قبيلة يمانية ـ وهي جُرْهُم الثانية ـ فقطنت مكة بإذن من أم إسماعيل. يقال: إنهم كانوا قبل ذلك في الأودية التي بأطراف مكة، وقد صرحت رواية البخاري أنهم نزلوا مكة بعد إسماعيل، وقبل أن يشب، وأنهم كانوا يمرون بهذا الوادى قبل ذلك. وكان إبراهيم عليه السلام يرتحل إلى مكة ليطالع تركته بها، ولا يعلم بالضبط عدد هذه الرحلات، إلا أن المصادر المعتمدة حفظت لنا أربعة منها: 1 ـ فقد ذكر الله تعالى في القرآن الكريم أنه أرى إبراهيم في المنام أنه يذبح إسماعيل، فقام بامتثال هذا الأمر: {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاء الْمُبِينُ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات:103: 107] وقد ذكر في سِفْر التكوين أن إسماعيل كان أكبر من إسحاق بثلاث عشرة سنة، وسياق القصة يدل على أنها وقعت قبل ميلاد إسحاق؛ لأن البشارة بإسحاق ذكرت بعد سرد القصة بتمامها. وهذه القصة تتضمن رحلة واحدة ـ على الأقل ـ قبل أن يشب إسماعيل، أما الرحلات الثلاث الأخر فقد رواها البخاري بطولها عن ابن عباس مرفوعًا، وملخصها: 2ـ أن إسماعيل عليه السلام لما شب وتعلم العربية من جُرْهُم، وأنفسهم وأعجبهم زوجوه امرأة منهم، وماتت أمـه، وبدا لإبراهيم أن يطالع تركته، فجاء بعد هذا الزواج، فلم يجد إسماعيل، فسأل امرأته عنه وعن أحوالهما، فشكت إليه ضيق العيش فأوصاها أن تقول لإسماعيل أن يغير عتبة بابه، وفهم إسماعيل ما أراد أبوه، فطلق امرأته تلك وتزوج امرأة أخرى [وهي ابنة مُضَاض بن عمرو، كبير جرهم وسيدهم على قول الأكثر]. |
19-02-08, 04:19 PM | #3 |
~صديقة الملتقى~
تاريخ التسجيل:
22-10-2007
المشاركات: 952
|
3 ـ وجاء إبراهيم عليه السلام مرة أخرى بعد أن تزوج إسماعيل هذه الزوجة الثانية، فلم يجده فرجع إلى فلسطين بعد أن سأل زوجته عنه وعن أحوالهما، فأثنت على الله بخير، فأوصى إلى إسماعيل أن يُثَبِّتَ عَتَبَة بابه.
4 ـ ثم جاء إبراهيم عليه السلام بعد ذلك فلقى إسماعيل، وهو يَبْرِى نَبْلا له تحت دوحة قريبًا من زمزم، فلما رآه قام إليه فصنع كما يصنع الوالد بالولد والولد بالوالد، وكان لقاؤهما بعد فترة طويلة من الزمن، قلما يصبر فيها الأب الكبير الأواه العطوف عن ولده، والوالد البار الصالح الرشيد عن أبيه، وفي هذه المرة بنيا الكعبة، ورفعا قواعدها، وأذَّن إبراهيم في الناس بالحج كما أمره الله . وقد رزق الله إسماعيل من ابنة مُضَاض اثنى عشر ولدًا ذكرًا،وهم: نابت أو نبايوط،وقَيْدار، وأدبائيل، ومِِبْشام، ومِشْماع، ودوما، ومِيشا، وحدد، وتيما، ويَطُور، ونَفيس، وقَيْدُمان. وتشعبت من هؤلاء اثنتا عشرة قبيلة، سكنت كلها في مكة مدة من الزمان، وكانت جل معيشتهم إذ ذاك التجارة من بلاد اليمن إلى بلاد الشام ومصر، ثم انتشرت هذه القبائل في أرجاء الجزيرة بل وإلى خارجها، ثم أدرجت أحوالهم في غياهب الزمان، إلا أولاد نابت وقيدار. وقد ازدهرت حضارة الأنباط ـ أبْناء نابت ـ في شمال الحجاز، وكونوا دولة قوية عاصمتها البتراء ـ المدينة الأثرية القديمة المعروفة في جنوب الأردن، وقد دان لهذه الدولة النبطية من بأطرافها، ولم يستطع أحد أن يناوئها حتى جاء الرومان وقضوا عليها. وقد جنحت طائفة من المحققين من أهل العلم بالأنساب إلى أن ملوك آل غسان وكذا الأنصار من الأوس والخزرج إنما كانوا من آل نابت بن إسماعيل، وبقاياهم في تلك الديار. وإليه مال الإمام البخاري ـ رحمه الله ـ في صحيحه، فقد عقد بابًا عنوانه: [نسبة اليمن إلى إسماعيل عليه السلام]، واستدل عليه ببعض الأحاديث، ورجح الحافظ ابن حجر في شرحه أن قحطان من آل نابت بن إسماعيل عليه السلام. وأما قيدار بن إسماعيل فلم يزل أبناؤه بمكة، يتناسلون هناك حتى كان منه عدنان وولده مَعَدّ، ومنه حفظت العرب العدنانية أنسابها. وعدنان هو الجد الحادى والعشرون في سلسة النسب النبوى، وقد ورد أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا انتسب فبلغ عدنان يمسك ويقول: (كذب النسابون)، فلا يتجاوزه، وذهب جمع من العلماء إلى جواز رفع النسب فوق عدنان؛ مضعفين للحديث المشار إليه، ولكنهم اختلفوا في هذا الجزء من النسب اختلافا لا يمكن الجمع بين أقوالهم، وقد مال المحقق الكبير العلامة القاضى محمد سليمان المنصورفورى ـ رحمه الله ـ إلى ترجيح ما ذكره ابن سعد ـ والذي ذكره الطبرى والمسعودى وغيرهما في جملة الأقوال ـ وهو أن بين عدنان وبين إبراهيم عليه السلام أربعين أبا بالتحقيق الدقيق. وسيأتى. وقد تفرقت بطون مَعَدّ من ولده نَزَار ـ قيل: لم يكن لمعد ولد غيره ـ فكان لنزار أربعة أولاد، تشعبت منهم أربعة قبائل عظيمة: إياد وأنمار وربيعة ومُضَر، وهذان الأخيران هما اللذان كثرت بطونهما واتسعت أفخاذهما، فكان من ربيعة: ضُبَيْعَة وأسد، ومن أسد: عَنْزَة وجَدِيلة، ومن جديلة: القبائل الكثيرة المشهورة مثل: عبد القيس، والنَّمِر، وبنو وائل الذين منهم بكر وتَغْلِب، ومن بنى بكر: بنو قيس وبنو شيبان وبنو حنيفة وغيرها. أما عنزة فمنها آل سعود ملوك المملكة العربية السعودية في هذا الزمان. وتشعبت قبائل مضر إلى شعبتين عظيمتين: قَيْس عَيْلان بن مضر، وبطون إلياس ابن مضر، فمن قيس عيلان: بنو سليم، وبنو هوازن، وبنو ثقيف، وبنو صَعْصَعَة، وبنو غَطَفان. ومن غطفان: عَبْس، وذُبْيان، وأشْجَع،وأعْصُر. ومن إلياس بن مُضَر: تميم بن مرة، وهُذَيْل بن مُدرِكة، وبنو أسد بن خزيمة، وبطون كنانة بن خزيمة، ومن كنانة قريش، وهم أولاد فهر بن مالك بن النضر بن كنانة. وانقسمت قريش إلى قبائل شتى، من أشهرها: جُمَح وسَهْم وعَدِىّ ومخزوم وتَيْم وزُهْرَة، وبطون قُصَىّ بن كلاب، وهي: عبد الدار بن قصى،وأسد بن عبد العزى بن قصى، وعبد مناف بن قصى. وكان من عبد مناف أربع فصائل: عبد شمس، ونَوْفَل، والمطلب، وهاشم، وبيت هاشم هو الذي اصطفي الله منه سيدنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم صلى الله عليه وسلم. قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله اصطفي من ولد إبراهيم إسماعيل، واصطفي من ولد إسماعيل بنى كنانة، واصطفي من بنى كنانة قريشًا، واصطفي من قريش بنى هاشم، واصطفانى من بنى هاشم). وعن العباس بن عبد المطلب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله خلق الخلق فجعلني من خير فرقهم وخير الفريقين، ثم تخير القبائل، فجعلني من خير القبيلة، ثم تخير البيوت، فجعلني من خير بيوتهم، فأنا خيرهم نفسًا وخيرهم بيتًا). وفي لفظ عنه: (إن الله خلق الخلق فجعلني في خيرهم فرقة، ثم جعلهم فرقتين فجعلني في خيرهم فرقة، ثم جعلهم قبائل فجعلني في خيرهم قبيلة، ثم جعلهم بيوتًا فجعلني في خيرهم بيتًا وخيرهم نفسًا). ولما تكاثر أولاد عدنان تفرقوا في أنحاء شتى من بلاد العرب متتبعين مواقع القطر ومنابت العشب. فهاجرت عبد القيس، وبطون من بكر بن وائل، وبطون من تميم إلى البحرين فأقاموا بها. وخرجت بنو حنيفة بن على بن بكر إلى اليمامة فنزلوا بحُجْر، قَصَبة اليمامة، وأقامت سائر بكر بن وائل في طول الأرض من اليمامة إلى البحرين إلى سيف كاظمة إلى البحر، فأطراف سواد العراق فالأُبُلّةُ فَهِيت. وأقامت تغلب بالجزيرة الفراتية، ومنها بطون كانت تساكن بَكْرًا.وسكنت بنو تميم ببادية البصرة. وأقامت بنو سليم بالقرب من المدينة، من وادي القرى إلى خيبر إلى شرقي المدينة إلى حد الجبلين، إلى ما ينتهي إلى الحرة. وسكنت بنو أسد شرقي تيماء وغربي الكوفة، بينهم وبين تيماء ديار بُحْتُرٍ من طيئ، وبينهم وبين الكوفة خمس ليال. وسكنت ذبيان بالقرب من تيماء إلى حوران، وبقى بتهامة بطون كنانة، وأقام بمكة وضواحيها بطون قريش، وكانوا متفرقين لا تجمعهم جامعة حتى نبغ فيهم قصيِّ ابن كلاب، فجمعهم، وكون لهم وحدة شرفتهم ورفعت من أقدارهم. الحكـم والإمـارة فـي العـرب كان حكام جزيرة العرب عند ظهور دعوة النبي صلى الله عليه وسلم على قسمين: 1ـ ملوك مُتَوَّجُون ـ إلا أنهم في الحقيقة كانوا غير مستقلين. 2ـ رؤسـاء القبائـل والعشائر ـ وكـان لهم مـن الحكم والامتـياز مـا كـان للملـوك المتوجين، ومعظم هـؤلاء كانـوا على تمـام الاستقـلال، وربمـا كانت لبعضـهم تبعية لملك متـوج. والملوك المتوجون هم: ملوك اليمن، وملوك مشارف الشام [وهم آل غسان] وملوك الحيرة، وما عدا هؤلاء من حكام الجزيرة لم تكن لهم تيجان. وفيما يلى موجز عن هؤلاء الملوك والرؤساء. الملك باليمن من أقدم الشعوب التي عرفت باليمن من العرب العاربة قوم سبأ، وقد عثر على ذكرهم في حفريات [أور] بخمس وعشرين قرنا قبل الميلاد، ويبدأ ازدهار حضارتهم ونفوذ سلطانهم وبسط سيطرتهم بأحد عشر قرنا قبل الميلاد. ويمكن تقسيم أدوارهم حسب التقدير الآتى: 1 ـ ما بين 1300 إلى 620 ق.م عرفت دولتهم في هذه الفترة بالدولة المعينية، ظهرت في الجَوْف؛ أى السهل الواقع بين نجران وحضرموت، ثم أخذت تنمو وتتسع وتسيطر وتزدهر حتى بلغ نفوذها السياسى إلى العُلا ومَعَان من شمالي الحجاز. ويقال: إن مستعمراتها وصلت إلى خارج بلاد العرب، وكانت التجارة هي صلب معيشتهم، ثم إنهم بنوا سد مأرب الذي له شأن كبير في تاريخ اليمن، والذي وفر لهم معظم خيرات الأرض، {حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا} [ الفرقان:18] وكان ملوكهم في هذه الفترة يلقبون بـ [مكرب سبأ] وكانت عاصمتهم مدينة [صِرْوَاح] التي توجد أنقاضها على بعد 50 كيلو مترًا إلى الشمال الغربي من مدينة [مأرب]، وعلى بعد 142 كيلو مترًا شرقى صنعاء، وتعرف باسم [خُرَيْبة]. ويقدر عدد هؤلاء الملوك ما بين 22 و 26 ملكًا. 2 ـ ما بين 620 ق. م إلى سنة 115 ق. م وعرفت دولتهم في هذه الفترة بدولة سبأ، وقد تركوا لقب [مكرب] وعرفوا بـ[ملوك سبأ]، واتخذوا [مأرب] عاصمة لهم بدل [صرواح] وتوجد أنقاض مأرب على بعد 192 كيلو مترًا شرقي صنعاء. 3 ـ منذ سنة 115 ق. م إلى سنة300 م وعرفت الدولة في هذه الفترة بالدولة الحميرية الأولى؛ لأن قبيلة حمير غلبت واستقلت بمملكة سبأ، وقد عرف ملوكها بـ[ملوك سبأ وذى ريدان]، وهؤلاء الملوك اتخذوا مدينة [ريدان] عاصمة لهم بدل مدينة [مأرب]، و تعرف [ريدان] باسم ظفار، وتوجد أنقاضها على جبل مدور بالقرب من [يريم]. وفي هذا العهد بدأ فيهم السقوط والانحطاط، فقد فشلت تجارتهم إلى حد كبير لبسط الأنباط سيطرتهم على شمال الحجاز أولًا، ثم لغلبة الرومان على طريق التجارة البحرية بعد نفوذ سلطانهم على مصر وسوريا وشمالى الحجاز ثانيًا، ولتنافس القبائل فيما بينها ثالثًا. وهذه العناصر هي التي سببت في تفرق آل قحطان وهجرتهم إلى البلاد الشاسعة |
19-02-08, 04:21 PM | #4 |
~صديقة الملتقى~
تاريخ التسجيل:
22-10-2007
المشاركات: 952
|
4 ـ منذ سنة 300م إلى أن دخل الإسلام في اليمن
عرفت الدولة في هذه الفترة بالدولة الحميرية الثانية، وعرف ملوكها بـ[ملوك سبأ وذى ريدان وحضرمـوت ويمـنت]، وقد توالت على هذه الدولة الاضطرابات والحوادث، وتتابعت الانقلابات والحروب الأهلية التي جعلتها عرضة للأجانب حتى قضى على استقلالها. ففي هذا العهد دخل الرومان في عدن، وبمعونتهم احتلت الأحباش اليمن لأول مرة سنة 340 م؛ مستغلين التنافس بين قبيلتى همدان وحمير، واستمر احتلالهم إلى سنة 378 م. ثم نالت اليمن استقلالها، ولكن بدأت تقع الثلمات في سد مأرب، حتى وقع السيل العظيم الذي ذكره القرآن بسيل العرم في سنة 450م، أو 451 م.وكانت حادثة كبرى أدت إلى خراب العمران وتشتت الشعوب. وفي سنة 523م قاد ذو نُوَاس اليهودى حملة منكرة على المسيحيين من أهل نجران، وحاول صرفهم عن المسيحية قسرًا، ولما أبوا خدّ لهم الأخدود وألقاهم في النيران، وهذا الذي أشـار إلـيه القـرآن في سـورة الـبروج بقـوله: {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ} الآيات [ البروج:4]. وكان هذا الحادث هو السبب في نقمة النصرانية الناشطة إلى الفتح والتوسع تحت قيادة أباطرة الرومان من بلاد العرب، فقد حرضوا الأحباش، وهيأوا لهم الأسطول البحرى، فنزل سبعون ألف جندى من الحبشة، واحتلوا اليمن مرة ثانية، بقيادة أرياط سنة 525 م، وظل أرياط حاكمًا من قبل ملك الحبشة حتى اغتاله أبرهة بن الصباح الأشرم ـ أحد قواد جيشه ـ سنة 549م، ونصب نفسه حاكمًا على اليمن بعد أن استرضى ملك الحبشة وأرضاه، وأبرهة هذا هو الذي جند الجنود لهدم الكعبة، وعرف هو وجنوده بأصحاب الفيل.وقد أهلكه الله بعد عودته إلى صنعاء عقب وقعة الفيل، فخلفه على اليمن ابنه يَكْسُوم، ثم الابن الثانى مسروق، وكانا ـ فيما يقال ـ شرا من أبيهما، وأخبث سيرة منه في اضطهاد أهل اليمن وقهرهم وإذلالهم. أما أهل اليمن فإنهم بعد وقعة الفيل استنجدوا بالفرس، وقاموا بمقاومة الحبشة حتى أجلوهم عن البلاد، ونالوا الاستقلال في سنة 575 م بقيادة معديكرب سيف بن ذى يزن الحميرى، واتخذوه ملكًا لهم، وكان معديكرب أبقى معه جمعًا من الحبشة يخدمونه ويمشون في ركابه، فاغتالوه ذات يوم، وبموته انقطع الملك عن بيت ذى يزن، وصارت اليمن مستعمرة فارسية تتعاقب عليها ولاة من الفرس، وكان أولهم وهرز، ثم المرزبان بن وهرز، ثم ابنه التينجان، ثم خسرو بن التينجان، ثم باذان، وكان آخر ولاة الفرس، فإنه اعتنق الإسلام سنة 628م، وبإسلامه انتهي نفوذ فارس على بلاد اليمن. الملك بالحيرة كانت الفرس تحكم بلاد العراق وما جاورها منذ أن جمع شملهم قوروش الكبير (557 ـ 529 ق.م ) ولم يكن أحد يناوئهم، حتى قام الإسكندر المقدونى سنة 326 ق. م فهزم ملكهم دارا وبددهم وخضد شوكتهم، حتى تجزأت بلادهم، وتولاها ملوك عرفوا بملوك الطوائف، وقد ظل هؤلاء الملوك يحكمون البلاد مجزأة إلى سنة 230م. وفي عهد هؤلاء الملوك هاجر القحطانيون، واحتلوا جزءًا من ريف العراق، ثم لحقهم من هاجر من العدنانيين فزاحموهم حتى سكنوا جزءًا من الجزيرة الفراتية. وأول من ملك من هؤلاء المهاجرين هو مالك بن فَهْم التَّنُوخى من آل قحطان، وكان منزله الأنبار، أو مما يلى الأنبار، وخلفه أخوه عمرو بن فهم في رواية. وجَذِيمة بن مالك بن فهم ـ الملقب بالأبْرش والوَضَّاح ـ في رواية أخرى. وعادت القوة مرة ثانية إلى الفرس في عهد أردشير بن بابك ـ مؤسس الدولة الساسانية سنة 226 م ـ فإنه جمع شمل الفرس، واستولى على العرب المقيمين على تخوم ملكه، وكان هذا سببا في رحيل قضاعة إلى الشام، ولكن دان له أهل الحيرة والأنبار. وفي عهد أردشير كانت ولاية جذيمة الوضاح على الحيرة وسائر مَنْ ببادية العراق والجزيرة من ربيعة ومضر، وكأن أردشير رأى أنه يستحيل عليه أن يحكم العرب مباشرة، ويمنعهم من الإغارة على تخوم ملكه، إلا أن يملك عليهم رجلًا منهم له عصبية تؤيده وتمنعه، ومن جهة أخرى يمكنه الاستعانة بهم على ملوك الرومان الذين كان يتخوفهم، وليكون عرب العراق أمام عرب الشام الذين اصطنعهم ملوك الرومان، وكان يبقى عند ملك الحيرة كتيبة من جنود الفرس؛ ليستعين بها على الخارجين على سلطانه من عرب البادية، وكان موت جذيمة حوالى سنة 268 م. وبعد موت جذيمة ولى الحيرة والأنبار عمرو بن عدى بن نصر اللخمى [ 268ـ 288م] وهو أول ملوك اللخميين، وأول من اتخذ الحيرة مقرًا له، وكان في عهد كسرى سابور بن أردشير، ثم لم يزل الملوك من اللخميين من بعده يتولون الحيرة حتى ولى الفرس قُبَاذ بن فيروز [448ـ 531م] وفي عهده ظهر مَزْدَك، وقام بالدعوة إلى الإباحية، فتبعه قباذ كما تبعه كثير من رعيته، ثم أرسل قباذ إلى ملك الحيرة ـ وهو المنذر بن ماء السماء [512ـ 554 م] ـ يدعوه إلى اختيار هذا المذهب الخبيث، فأبي عليه ذلك حمية وأنفة، فعزله قباذ، وولى بدله الحارث بن عمرو بن حجر الكندى بعد أن أجاب دعوته إلى المذهب المزدكى. وخلف قباذ كسرى أنوشروان [531ـ 578م] وكان يكره هذا المذهب جدًا، فقتل المزدك وكثيرًا ممن دان بمذهبه، وأعاد المنذر إلى ولاية الحيرة، وطلب الحارث بن عمرو، لكنه أفلت إلى دار كلب، فلم يزل فيهم حتى مات. واستمر الملك بعد المنذر بن ماء السماء في عقبه حتى كان النعمان بن المنذر [583 ـ605 م] فإنه غضب عليه كسرى بسبب وشاية دبرها زيد بن عدى العبادى، فأرسل كسرى إلى النعمان يطلبه، فخرج النعمان حتى نـزل سـرا عـلى هانئ بن مسعود سـيد آل شيبان، وأودعه أهله وماله، ثم توجه إلى كسرى، فحبسه كسرى حتى مات. وولى على الحيرة بدله إياس بن قَبِيصة الطائى، وأمره أن يرسل إلى هانئ بن مسعود يطلب منه تسليم ما عنده، فأبي ذلك هانئ حمية، وآذن الملك بالحرب، ولم يلبث أن جاءته مرازبة كسرى وكتائبه في موكب إياس، ودارت بين الفريقين معركة هائلة عند ذى قار، انتصر فيها بنو شيبان وانهزمت الفرس هزيمة نكراء. وهذا أول يوم انتصرت فيه العرب على العجم، وهو بعد ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم. واختلف المؤرخون في تحديد زمن هذه المعركة، فقيل: هو بعد ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم بقليل، وأنه صلى الله عليه وسلم ولد لثمانية أشهر من ولاية إياس بن قبيصة على الحيرة. وقيل: قبل النبوة بقليل ـ وهو الأقرب. وقيل: بعد النبوة بقليل. وقيل: بعد الهجرة. وقيل: بعد بدر. وقيل غير ذلك. وولى كسرى على الحيرة بعد إياس حاكمًا فارسيًا اسمه آزادبه بن ماهبيان بن مهرابنداد، وظل يحكم 17 عاما[614ـ 631م] ثم عاد الملك إلى آل لخم سنة 632م، فتولى منهم المنذر بن النعمان الملقب بالمعرور، ولكن لم تزد ولايته على ثمانية أشهر حتى قدم عليه خالد بن الوليد بعساكر المسلمين . |
19-02-08, 04:21 PM | #5 |
~صديقة الملتقى~
تاريخ التسجيل:
22-10-2007
المشاركات: 952
|
الملك بالشام
في العهد الذي ماجت فيه العرب بهجرات القبائل سارت بطون من قضاعة إلى مشارف الشام وسكنت بها، وكانوا من بنى سُلَيْح بن حُلْوان الذين منهم بنو ضَجْعَم ابن سليح المعروفون باسم الضجاعمة، فاصطنعهم الرومان؛ ليمنعوا عرب البرية من العبث، وليكونوا عدة ضد الفرس، وولوا منهم ملكًا، ثم تعاقب الملك فيهم سنين، ومن أشهر ملوكهم زياد بن الهَبُولة، ويقدر زمنهم من أوائل القرن الثانى الميلادى إلى نهايته تقريبًا، وانتهت ولايتهم بعد قدوم آل غسان، الذين غلبوا الضجاعمة على ما بيدهم وانتصروا عليهم، فولتهم الروم ملوكًا على عرب الشام، وكانت قاعدتهم مدينة بصرى، ولم تزل تتوالى الغساسنة على الشام بصفتهم عمالًا لملوك الروم حتى كانت وقعة اليرموك سنة 13هـ، وانقاد للإسلام آخر ملوكهم جَبَلَة بن الأيهم في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه. الإمارة بالحجاز ولي إسماعيل عليه السلام زعامة مكة وولاية البيت طول حياته، وتوفي وله 137 سنة، ثم ولى واحد، وقيل: اثنان من أبنائه: نابت ثم قَيْدار، ويقال العكس، ثم ولى أمر مكة بعدهما جدهما مُضَاض بن عمرو الجُرْهُمِىّ، فانتقلت زعامة مكة إلى جرهم، وظلت في أيديهم، وكان لأولاد إسماعيل مركز محترم؛ لما لأبيهم من بناء البيت، ولم يكن لهم من الحكم شيء. ومضت الدهور والأيام ولم يزل أمر أولاد إسماعيل عليه السلام ضئيلًا لا يذكر، حتى ضعف أمر جرهم قبيل ظهور بُخْتُنَصَّر، وأخذ نجم عدنان السياسى يتألق في أفق سماء مكة منذ ذلك العصر، بدليل ما جاء بمناسبة غزو بختنصر للعرب في ذات عِرْق، فإن قائد العرب في الموقعة لم يكن جرهميًا، بل كان عدنان نفسه. وتفرقت بنو عدنان إلى اليمن عند غزوة بختنصر الثانية [سنة 587 ق. م] وذهب برخيا ـ صاحب يرمياه النبي الإسرائيلى بَمَعَدّ ـ إلى حران من الشام، فلما انكشف ضغط بختنصر رجع معد إلى مكة فلم يجد من جرهم إلا جَوْشَم بن جُلْهُمة، فتزوج بابنته مُعَانة فولدت له نزارًا. وساء أمر جرهم بمكة بعد ذلك، وضاقت أحوالهم، فظلموا الوافدين إليها، واستحلوا مال الكعبة، الأمر الذي كان يغيظ العدنانيين ويثير حفيظتهم، ولما نزلت خزاعة بِمَرِّ الظَّهْران، ورأت نفور العدنانيين من الجراهمة استغلت ذلك، فقامت بمعونة من بطون عدنان ـ وهم بنو بكر بن عبد مناف بن كنانة ـ بمحاربة جرهم، حتى أجلتهم عن مكة، واستولت على حكمها في أواسط القرن الثانى للميلاد. ولما لجأت جرهم إلى الجلاء سدوا بئر زمزم، ودرسوا موضعها، ودفنوا فيها عدة أشياء، قال ابن إسحاق: فخرج عمرو بن الحارث بن مضاض الجرهمى بغزالى الكعبة، وبحجر الركن الأسود فدفنهما في بئر زمزم، وانطلق هو ومن معه من جرهم إلى اليمن، فحزنوا على ما فارقوا من أمر مكة وملكها حزنًا شديدًا، وفي ذلك قال عمرو: كأن لم يكن بين الحَجُون إلى الصَّفَا ** أنيـس ولـم يَسْمُـر بمكـــة سامـــر بلــى نحــن كــنا أهـلــها فأبـادنـا ** صُرُوف الليالى والجُدُود العَوَاثِر ويقدر زمن إسماعيل عليه السلام بعشرين قرنًا قبل الميلاد، فتكون إقامة جرهم في مكة واحدًا وعشرين قرنًا تقريبًا، وحكمهم على مكة زهاء عشرين قرنًا. واستبدت خزاعة بأمر مكة دون بنى بكر، إلا أنه كان إلى قبائل مضر ثلاث خلال: الأولى: الدفع بالناس من عرفة إلى المزدلفة، والإجازة بهم يوم النفر من منى، وكان يلى ذلك بنو الغَوْث بن مرة من بطون إلياس بن مضر، وكانوا يسمون صُوفَة، ومعنى هذه الإجازة أن الناس كانوا لا يرمون يوم النفر حتى يرمى رجل من صوفة، ثم إذا فرغ الناس من الرمى وأرادوا النفر من منى أخذت صوفة بجانبى العقبة، فلم يجز أحد حتى يمروا، ثم يخلون سبيل الناس، فلما انقرضت صوفة ورثهم بنو سعد بن زيد مناة من تميم. الثانية: الإفاضة من جمع غداة النحر إلى منى، وكان ذلك في بنى عدوان. الثالثة:إنساء الأشهر الحرم، وكان ذلك إلى بنى فُقَيْم بن عدى من بنى كنانة. واستمرت [ولاية] خزاعة على مكة ثلاثمائة سنة. وفي وقت حكمهم انتشر العدنانيون في نجد وأطراف العراق والبحرين، وبقى بأطراق مكة بطون من قريش وهم حُلُول وصِرْم متقطعون، وبيوتات متفرقون في قومهم من بنى كنانة، وليس لهم من أمر مكة ولا البيت الحرام شيء حتى جاء قصى بن كلاب. ويذكر من أمر قصى: أن أباه مات وهو في حضن أمه، ونكح أمه رجل من بنى عُذْرَة ـ وهو ربيعة بن حرام ـ فاحتملها إلى بلاده بأطراف الشام، فلما شب قصى رجع إلى مكة، وكان واليها إذ ذاك حُلَيْل بن حَبْشِيَّة من خزاعة، فخطب قصى إلى حليل ابنته حُبَّى، فرغب فيه حليل وزوجه إياها، فلما مات حليل قامت حرب بين خزاعة وقريش، أدت أخيرًا إلى تغلب قصى على أمر مكة والبيت. وهناك ثلاث روايات في بيان سبب هذه الحرب: الأولى: أن قصيًا لما انتشر ولده وكثر ماله وعظم شرفه وهلك حليل رأى أنه أولى بالكعبة وبأمر مكة من خزاعة وبنى بكر، وإن قريشًا رءوس آل إسماعيل وصريحهم، فكلم رجالًا من قريش وبنى كنانة في إخراج خزاعة وبنى بكر عن مكة فأجابوه. الثانية: أن حليلًا ـ فيما تزعم خزاعة ـ أوصى قصيًا بالقيام على الكعبة وبأمر مكة، ولكن أبت خزاعة أن تمضى ذلك لقصى فهاجت الحرب بينهما. الثالثة: أن حليلًا أعطى ابنته حبى ولاية البيت، واتخذ أبا غُبْشان. الخزاعي وكيلا لها، فقام أبو غبشان بسدانة الكعبة نيابة عن حبى، وكان في عقله شيء، فلما مات حليل خدعه قصى، واشترى منه ولاية البيت بأذواد من الإبل أو بزق من الخمر، ولم ترض خزاعة بهذا البيع، وحاولوا منع قصى عن البيت، فجمع قصى رجالًا من قريش وبنى كنانة لإخراج خزاعة من مكة، فأجابوه. وأيا ما كان، فلما مات حليل وفعلت صوفة ما كانت تفعل أتاهم قصى بمن معه من قريش وكنانة عند العقبة، فقال: نحن أولى بهذا منكم، فقاتلوه فغلبهم قصى على ما كان بأيديهم، وانحازت عند ذلك خزاعة وبنو بكر عن قصى، فبادأهم قصى وأجمع لحربهم، فالتقوا واقتتلوا قتالًا شديدًا حتى كثرت القتلى في الفريقين جميعا، ثم تداعوا إلى الصلح فحكَّموا يَعْمُر بن عوف أحد بنى بكر، فقضى بأن قصيًا أولى بالكعبة وبأمر مكة من خزاعة، وكل دم أصابه قصى منهم موضوع يشدخه تحت قدميه، وما أصابت خزاعة وبنو بكر ففيه الدية، وأن يخلى بين قصى وبين الكعبة، فسمى يعمر يومئذ: الشداخ. وكانت فترة تولى خزاعة أمر البيت ثلاثمائة سنة، واستولى قصى على أمر مكة والبيت في أواسط القرن الخامس للميلاد سنة 440 م،وبذلك صارت لقصى ثم لقريش السيادة التامة والأمر النافذ في مكة، وصار قصى هو الرئيس الديني لهذا البيت الذي كانت تفد إليه العرب من جميع أنحاء الجزيرة. ومما فعله قصى بمكة أنه جمع قومه من منازلهم إلى مكة، وقطعها رباعًا بين قومه، وأنزل كل قوم من قريش منازلهم التي أصبحوا عليها، وأقر النسأة وآل صفوان وعدوان ومرة بن عوف على ما كانوا عليه من المناصب؛ لأنه كان يراه دينًا في نفسه لا ينبغى تغييره. ومن مآثر قصى: أنه أسس دار الندوة بالجانب الشمالى من مسجد الكعبة، وجعل بابها إلى المسجد، وكانت مجمع قريش، وفيها تفصيل مهام أمورها، ولهذه الدار فضل على قريش؛ لأنها ضمنت اجتماع الكلمة وفض المشاكل بالحسنى. وكان لقصى من مظاهر الرياسة والتشريف: 1 ـ رياسة دار الندوة: ففيها كانوا يتشاورون فيما نزل بهم من جسام الأمور، وفيها كانوا يزوجون بناتهم. 2 ـ اللواء: فكانت لا تعقد راية ولا لواء لحرب قوم من غيرهم إلا بيده أو بيد أحد أولاده، وفي هذه الدار. 3 ـ القيادة: وهي إمارة الركب، فكانت لا تخرج ركب لأهل مكة في تجارة أو غيرها إلا تحت إمارته أو إمارة أولاده. 4 ـ الحجابـة: وهي حجابة الكعبة،لا يفتح بابها إلا هو، وهو الذي يلى أمر خدمتها وسدانتها. 5 ـ سقاية الحاج: وهي أنهم كانوا يملأون للحجاج حياضًا من الماء، يحلونها بشيء من التمر والزبيب، فيشرب الناس منها إذا وردوا مكة. 6 ـ رفادة الحاج: وهي طعام كان يصنع للحاج على طريقة الضيافة، وكان قصى فرض على قريش خرجًا تخرجه في الموسم من أموالها إلى قصى، فيصنع به طعامًا للحاج، يأكله من لم يكن له سعة ولا زاد. كان كل ذلك لقصى، وكان ابنه عبد مناف قد شرف وساد في حياته، وكان عبد الدار بكره. فقال له قصى فيما يقال: لألحقنك بالقوم وإن شرفوا عليك، فأوصى له بما كان يليه من مصالح قريش، فأعطاه دار الندوة واللواء والقيادة والحجابة والسقاية والرفادة، وكان قصى لا يخالف ولا يرد عليه شيء صنعه، وكان أمره في حياته وبعد موته كالدين المتبع، فلما هلك أقام بنوه أمره لا نزاع بينهم، ولكن لما هلك عبد مناف نافس أبناؤه بنى عمهم عبد الدار في هذه المناصب، وافترقت قريش فرقتين، وكاد يكون بينهم قتال، إلا أنهم تداعوا إلى الصلح، واقتسموا هذه المناصب، فصارت السقاية والرفادة والقيادة إلى بنى عبد مناف، وبقيت دار الندوة واللواء والحجابة بيد بنى عبد الدار. وقيل: كانت دار الندوة بالاشتراك بين الفريقين، ثم حكم بنو عبد مناف القرعة فيما أصابهم، فصارت السقاية والرفادة لهاشم والقيادة لعبد شمس، فكان هاشم بن عبد مناف هو الذي يلى السقاية والرفادة طول حياته، فلما مات خلفه أخوه المطلب بن عبد مناف، وولى بعده عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف جد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعـده أبنـاؤه حتى جـاء الإسلام والولاية إلى العبـاس. ويقـال: إن قصيًا هـو الذي قسم المناصب على أولاده، ثـم توارثـها أبناؤهـم حسـب التفصيل المذكور، والله أعلم. وكانت لقريش مناصب أخرى سوى ما ذكرنا وزعوها فيما بينهم، وكونوا بها دويلة ـ بل بتعبير أصح: شبه دويلة ديمقراطية ـ وكانت لهم من الدوائر والتشكيلات الحكومية مـا يشبه في عصرنـا هـذا دوائـر البرلمـان ومجالسها، وهاك لوحة من تلك المناصب: |
19-02-08, 04:22 PM | #6 |
~صديقة الملتقى~
تاريخ التسجيل:
22-10-2007
المشاركات: 952
|
1ـ الإيسار: أي تولية قداح الأصنام للاستقسام، وكان ذلك في بني جُمَح.
2 ـ تحجير الأموال: أي تنظيم القربات والنذور التي كانت تهدى إلى الأصنام، وكذلك فصل الخصومات والمرافعات.وكان ذلك في بني سهم. 3 ـ الشورى: وكانت في بني أسد. 4 ـ الأشناق: أي تنظيم الديات والغرامات، وكان ذلك في بني تَيْم. 5 ـ العقاب: أي حمل اللواء القومى، وكان ذلك في بني أمية. 6 ـ القبة: أي تنظيم المعسكر، وكذلك قيادة الخيل، وكان في بني مخزوم. 7 ـ السفارة: وكانت في بني عدي. الحكم في سائر العرب قد تقدم ذكر هجرات القبائل القحطانية والعدنانية، وأنها اقتسمت البلاد العربية فيما بينها، فما كان من هذه القبائل بالقرب من الحيرة كانت تبعًا لملك العرب بالحيرة، وما كان منها في بادية الشام كانت تبعًا للغساسنة، إلا أن هذه التبعية كانت اسمية لا فعلية، وأما ما كان منها في البوادى في داخل الجزيرة فكانت حرة مطلقة. والحقيقة أن هذه القبائل كانت تختار لأنفسها رؤساء يسودونها، وأن القبيلة كانت حكومة مصغرة، أساس كيانها السياسى الوحدة العصبية، والمنافع المتبادلة في حماية الأرض ودفع العدوان عنها. وكانت درجة رؤساء القبائل في قومهم كدرجة الملوك، فكانت القبيلة تبعًا لرأي سيدها في السلم والحرب، لا تتأخر عنه بحال، وكان له من الحكم والاستبداد بالرأي ما يكون لدكتاتور قوى؛ حتى كان بعضهم إذا غضب غضب له ألوف من السيوف لا تسأله: فيم غضب، إلا أن المنافسة في السيادة بين أبناء العم كانت تدعوهم إلى المصانعة بالناس من بذل الندى وإكرام الضيف والكرم والحلم، وإظهار الشجاعة والدفاع عن الغيرة، حتى يكسبوا المحامد في أعين الناس، ولاسيما الشعراء الذين كانوا لسان القبيلة في ذلك الزمان، وحتى تسمو درجتهم عن مستوى المنافسين. وكان للسادة والرؤساء حقوق خاصة، فكانوا يأخذون من الغنيمة المِرْباع والصَّفي والنَّشيطة والفُضُول، يقول الشاعر: لك المِرْبَاع فينـا والصَّفَايا ** وحُكْمُك والنَّشِيطة والفُضُول والمرباع: ربع الغنيمة، والصفي: ما كان يصطفيه الرئيس، أي يختاره لنفسه قبل القسمة، والنشيطة: ما أصاب الرئيس في الطريق قبل أن يصل إلى بيضة القوم.والفضول:ما فضل من القسمة مما لا تصح قسمته على عدد الغزاة، كالبعير والفرس ونحوهما. الحالة السياسية بعد أن ذكرنا حكام العرب يجمل بنا أن نذكر جملة من أحوالهم السياسية حتى يتضح الوضع، فالأقطار الثلاثة التي كانت مجاورة للأجانب كانت حالتها السياسية في تضعضع وانحطاط لا مزيد عليه.فقد كان الناس بين سادة وعبيد، أو حكام ومحكومين، فالسادة ـ ولاسيما الأجانب ـ كان لهم كل الغُنْم، والعبيد عليهم كل الغُرْم، وبعبارة أوضح:إن الرعايا كانت بمثابة مزرعة تورد المحصولات إلى الحكومات، والحكومات كانت تستخدمها في ملذاتها وشهواتها، ورغائبها، وجورها، وعدوانها.أما الناس فكانوا في عمايتهم يتخبطون، والظلم ينحط عليهم من كل جانب، وما في استطاعتهم التذمر والشكوى، بل كانوا يسامون الخسف والجور والعذاب ألوانًا ساكتين، فقد كان الحكم استبداديا، والحقوق ضائعة مهدورة. وأما القبائل المجاورة لهذه الأقطار فكانوا مذبذبين تتقاذفهم الأهواء والأغراض، مرة يدخلون في أهل العراق، ومرة يدخلون في أهل الشام. وكانت أحوال القبائل داخل الجزيرة مفككة الأوصال، تغلب عليها المنازعات القبلية والاختلافات العنصرية والدينية، حتى قال ناطقهم: وما أنا إلا من غَزَِّية إن غَوَتْ ** غويت، وإن ترشد غزية أرشد ولم يكن لهم ملك يدعم استقلالهم، أو مرجع يرجعون إليه، ويعتمدون عليه وقت الشدائد. وأما حكومة الحجاز فقد كانت تنظر إليها العرب نظرة تقدير واحترام، ويرونها قادة وسَدَنة المركز الدينى، وكانت تلك الحكومة في الحقيقة خليطًا من الصدارة الدنيوية والحكومية والزعامة الدينية، حكمت بين العرب باسم الزعامة الدينية، وحكمت في الحرم وما والاه بصفتها حكومة تشرف على مصالح الوافدين إلى البيت، وتنفذ حكم شريعة إبراهيم، وكانت لها من الدوائر والتشكيلات ما يشابه دوائر البرلمان ـ كما أسلفنا ـ ولكن هذه الحكومة كانت ضعيفة لا تقدر على حمل العبء كما وضح يوم غزو الأحباش. ديانات العـرب كان معظم العرب يدينون بدين إبرهيم عليه السلام منذ أن نشأت ذريته في مكة وانتشرت في جزيرة العرب، فكانوا يعبدون الله ويوحدونه ويلتزمون بشعائر دينه الحنيف، حتى طال عليهم الأمد ونسوا حظًا مما ذكروا به، إلا أنهم بقى فيهم التوحيد وعدة شعائر من هذا الدين، حتى جاء عمرو بن لُحَيٍّ رئيس خزاعة، وكان قد نشأ على أمر عظيم من المعروف والصدقة والحرص على أمور الدين، فأحبه الناس ودانوا له، ظنًا منهم أنه من أكابر العلماء وأفاضل الأوليـاء. ثم إنه سافر إلى الشام، فرآهم يعبدون الأوثان، فاستحسن ذلك وظنه حقًا؛ لأن الشام محل الرسل والكتب، فقدم معه بهُبَل وجعله في جوف الكعبة، ودعا أهل مكة إلى الشرك بالله فأجابوه، ثم لم يلبث أهل الحجاز أن تبعوا أهل مكة؛ لأنهم ولاة البيت وأهل الحرم. وكان هبل من العقيق الأحمر على صورة إنسان، مكسور اليد اليمنى، أدركته قريش كذلك، فجعلوا له يدًا من ذهب، وكان أول صنم للمشركين وأعظمه وأقدسه عندهم. ومن أقدم أصنامهم مَناة، كانت لهُذَيْل وخزاعة، وكانت بالمُشَلَّل على ساحل البحر الأحمر حذو قُدَيْد، والمشلل: ثنية جبل يهبط منها إلى قديد. ثم اتخذوا اللات في الطائف، وكانت لثقيف، وكانت في موضع منارة مسجد الطائف اليسرى، ثم اتخذوا العُزَّى بوادى نخلة الشامية فوق ذات عِرْق، وكانت لقريش وبني كنانة مع كثير من القبائل الأخرى. وكانت هذه الأصنام الثلاثة أكبر أوثان العرب، ثم كثر فيهم الشرك، وكثرت الأوثان في كل بُقعة. ويذكر أن عمرو بن لحي كان له رئى من الجن، فأخبره أن أصنام قوم نوح ـ ودًا وسواعًا ويغوث ويعوق ونسرًا ـ مدفونة بجدة، فأتاها فاستثارها، ثم أوردها إلى تهامة، فلما جاء الحج دفعها إلى القبائل، فذهبت بها إلى أوطانها. فأما ود: فكانت لكلب، بجَرَش بدَوْمَة الجندل من أرض الشام مما يلى العراق، وأما سواع: فكانت لهذيل بن مُدْرِكة بمكان يقال له:رُهَاط من أرض الحجاز، من جهة الساحل بقرب مكة، وأما يغوث: فكانت لبني غُطَيف من بني مراد، بالجُرْف عند سبأ، وأما يعوق:فكانت لهمدان في قرية خَيْوان من أرض اليمن، وخيوان: بطن من همدان، وأما نسر:فكانت لحمير لآل ذى الكلاع في أرض حمير |
27-02-08, 07:28 PM | #7 |
~صديقة الملتقى~
تاريخ التسجيل:
22-10-2007
المشاركات: 952
|
ايذاء المشركين المسلمين موقف المشركين من رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأما بالنسبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه صلى الله عليه وسلم كان رجلًا شهمًا وقورًا ذا شخصية فذة، تتعاظمه نفوس الأعداء والأصدقاء بحيث لا يقابل مثله إلا بالإجلال والتشريف، ولا يجترئ على اقتراف الدنايا والرذائل ضده إلا أراذل الناس وسفهاؤهم، ومع ذلك كان في منعة أبي طالب، وأبو طالب من رجال مكة المعدودين، كان معظمًا في أصله، معظمًا بين الناس، فكان من الصعب أن يجسر أحد على إخفار ذمته واستباحة بيضته، إن هذا الوضع أقلق قريشًا وأقامهم وأقعدهم، ودعاهم إلى تفكير سليم يخرجهم من المأزق دون أن يقعوا في محذور لا يحمد عقباه، وقد هداهم ذلك إلى أن يختاروا سبيل المفاوضات مع المسئول الأكبر: أبي طالب، ولكن مع شيء كبير من الحكمة والجدية، ومع نوع من أسلوب التحدي والتهديد الخفي حتى يذعن لما يقولون. وفد قريش إلى أبي طالب قال ابن إسحاق: مشى رجال من أشراف قريش إلى أبي طالب، فقالوا: يا أبا طالب، إن ابن أخيك قد سب آلهتنا، وعاب ديننا، وسَفَّه أحلامنا، وضلل آباءنا، فإما أن تكفه عنا، وإما أن تخلى بيننا وبينه، فإنك على مثل ما نحن عليه من خلافه، فنكفيكه، فقال لهم أبو طالب قولًا رقيقًا وردهم ردًا جميلًا، فانصرفوا عنه، ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما هو عليه، يظهر دين الله ويدعو إليه. ولكن لم تصبر قريش طويلًا حين رأته صلى الله عليه وسلم ماضيًا في عمله ودعوته إلى الله ، بل أكثرت ذكره وتذامرت فيه، حتى قررت مراجعة أبي طالب بأسلوب أغلظ وأقسى من السابق. قريش يهددون أبا طالب وجاءت سادات قريش إلى أبي طالب فقالوا له: يا أبا طالب، إن لك سنًا وشرفًا ومنزلة فينا، وإنا قد استنهيناك من ابن أخيك فلم تنهه عنا، وإنا والله لا نصبر على هذا من شتم آبائنا، وتسفيه أحلامنا، وعيب آلهتنا، حتى تكفه عنا، أو ننازله وإياك في ذلك، حتى يهلك أحد الفريقين. عَظُم على أبي طالب هذا الوعيد والتهديد الشديد، فبعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له: يا بن أخي، إن قومك قد جاءونى فقالوا لي كذا وكذا، فأبق عليَّ وعلى نفسك، ولا تحملنى من الأمر ما لا أطيق، فظن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عمه خاذله، وأنه ضعُف عن نصرته، فقال: (يا عم، والله لو وضعوا الشمس في يمينى والقمر في يسارى على أن أترك هذا الأمر ـ حتى يظهره الله أو أهلك فيه ـ ما تركته)، ثم استعبر وبكى، وقام، فلما ولى ناداه أبو طالب، فلما أقبل قال له: اذهب يا بن أخي، فقل ما أحببت، فو الله لا أُسْلِمُك لشىء أبدًا وأنشد: والله لن يصلوا إليك بجَمْعـِهِم ** حتى أُوَسَّدَ في التــراب دفيــنًا فاصدع بأمرك ما عليك غَضَاضَة ** وابْشِرْ وقَرَّ بذاك منك عيونًا وذلك في أبيات. قريش بين يدى أبي طالب مرة أخرى ولما رأت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ماض في عمله عرفت أن أبا طالب قد أبي خذلان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه مجمع لفراقهم وعداوتهم في ذلك، فذهبوا إليه بعمارة ابن الوليد بن المغيرة وقالوا له: يا أبا طالب، إن هذا الفتى أنْهَدَ فتى في قريش وأجمله، فخذه فلك عقله ونصره، واتخذه ولدًا فهو لك، وأسْلِمْ إلينا ابن أخيك هذا الذي خالف دينك ودين آبائك، وفرق جماعة قومك، وسفه أحلامهم، فنقتله، فإنما هو رجل برجل، فقال: والله لبئس ما تسومونني، أتعطوني ابنكم أغذوه لكم، وأعطيكم ابني تقتلونه؟ هذا والله ما لا يكون أبدًا. فقال المطعم بن عدى بن نوفل ابن عبد مناف: والله يا أبا طالب لقد أنصفك قومك، وجهدوا على التخلص مما تكره، فما أراك تريد أن تقبل منهم شيئًا، فقال: والله ما أنصفتموني، ولكنك قد أجمعت خذلاني ومظاهرة القوم علىّ، فاصنع ما بدا لك. ولما فشلت قريش في هذه المفاوضات، ولم توفق في إقناع أبي طالب بمنع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكفه عن الدعوة إلى الله ، قررت أن يختار سبيلا قد حاولت تجنبه والابتعاد منه مخافة مغبته وما يؤول إليه، وهو سبيل الاعتداء على ذات الرسول صلى الله عليه وسلم. اعتداءات على رسول الله صلى الله عليه وسلم واخترقت قريش ما كانت تتعاظمه وتحترمه منذ ظهرت الدعوة على الساحة، فقد صعب على غطرستها وكبريائها أن تصبر طويلًا، فمدت يد الاعتداء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع ما كانت تأتيه من السخرية والاستهزاء والتشوية والتلبيس والتشويش وغير ذلك. وكان من الطبيعى أن يكون أبو لهب في مقدمتهم وعلى رأسهم، فإنه كان أحد رؤوس بني هاشم، فلم يكن يخشى ما يخشاه الآخرون، وكان عدوًا لدودًا للإسلام وأهله، وقد وقف موقف العداء من رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ اليوم الأول، واعتدى عليه قبل أن تفكر فيه قريش، وقد أسلفنا ما فعل بالنبي صلى الله عليه وسلم في مجلس بني هاشم، وما فعل على الصفا. وكان أبو لهب قد زوج ولديه عتبة وعتيبة ببنتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رقية وأم كلثوم قبل البعثة، فلما كانت البعثة أمرهما بتطليقهما بعنف وشدة حتى طلقاهما. ولما مات عبد الله ـ الابن الثاني لرسول الله صلى الله عليه وسلم ـ استبشر أبو لهب وذهب إلى المشركين يبشرهم بأن محمدًا صار أبتر. وقد أسلفنا أن أبا لهب كان يجول خلف النبي صلى الله عليه وسلم في موسم الحج والأسواق لتكذيبه، وقد روى طارق بن عبد الله المحاربى ما يفيد أنه كان لا يقتصر على التكذيب بل كان يضربه بالحجر حتى يدمى عقباه. وكانت امرأة أبي لهب ـ أم جميل أروى بنت حرب بن أمية، أخت أبي سفيان ـ لا تقل عن زوجها في عداوة النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كانت تحمل الشوك، وتضعه في طريق النبي صلى الله عليه وسلم وعلى بابه ليلًا، وكانت امرأة سليطة تبسط فيه لسانها، وتطيل عليه الافتراء والدس، وتؤجج نار الفتنة، وتثير حربًا شعواء على النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك وصفها القرآن بحمالة الحطب. ولما سمعت ما نزل فيها وفي زوجها من القرآن أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد عند الكعبة، ومعه أبو بكر الصديق وفي يدها فِهْرٌ [أي بمقدار ملء الكف] من حجارة، فلما وقفت عليهما أخذ الله ببصرها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا ترى إلا أبا بكر، فقالت: يا أبا بكر، أين صاحبك؟ قد بلغنى أنه يهجونى، والله لو وجدته لضربت بهذا الفهر فاه، أما والله إني لشاعرة. ثم قالت: مُذَمَّما عصينا * وأمره أبينا * ودينه قَلَيْنا ثم انصرفت، فقال أبو بكر: يا رسول الله ، أما تراها رأتك؟ فقال: (ما رأتنى، لقد أخذ الله ببصرها عني). وروى أبو بكر البزار هذه القصة، وفيها: أنها لما وقفت على أبي بكر قالت: أبا بكر، هجانا صاحبك، فقال أبو بكر: لا ورب هذه البنية، ما ينطق بالشعر ولا يتفوه به، فقالت: إنك لمُصدَّق. كان أبو لهب يفعل كل ذلك وهو عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاره، كان بيته ملصقا ببيته، كما كان غيره من جيران رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤذونه وهو في بيته. قال ابن إسحاق: كان النفر الذين يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته أبا لهب، والحكم بن أبي العاص بن أمية، وعقبة بن أبي معيط، وعدى بن حمراء الثقفي، وابن الأصداء الهذلى ـ وكانوا جيرانه ـ لم يسلم منهم أحد إلا الحكم بن أبي العاص، فكان أحدهم يطرح عليه صلى الله عليه وسلم رحم الشاة وهو يصلى، وكان أحدهم يطرحها في برمته إذا نصبت له، حتى اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حجرًا ليستتر به منهم إذا صلى فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا طرحوا عليه ذلك الأذى يخرج به على العود، فيقف به على بابه، ثم يقول: (يا بني عبد مناف، أي جوار هذا؟) ثم يلقيه في الطريق. وازداد عقبة بن أبي مُعَيْط في شقاوته وخبثه، فقد روى البخاري عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلى عند البيت، وأبو جهل وأصحاب له جلوس؛ إذ قال بعضهم لبعض: أيكم يجىء بسَلاَ جَزُور بني فلان فيضعه على ظهر محمد إذا سجد، فانبعث أشقى القوم [وهو عقبة بن أبي معيط] فجاء به فنظر، حتى إذا سجد النبي وضع على ظهره بين كتفيه، وأنا أنظر، لا أغنى شيئًا، لو كانت لي منعة، قال: فجعلوا يضحكون، ويحيل بعضهم على بعضهم [أي يتمايل بعضهم على بعض مرحًا وبطرًا] ورسول الله صلى الله عليه وسلم ساجد، لا يرفع رأسه، حتى جاءته فاطمة، فطرحته عن ظهره، فرفع رأسه، ثم قال: [الله م عليك بقريش] ثلاث مرات، فشق ذلك عليهم إذ دعا عليهم، قال: وكانوا يرون أن الدعوة في ذلك البلد مستجابة، ثم سمى: (الله م عليك بأبي جهل، وعليك بعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، وأمية بن خلف، وعقبة بن أبي معيط) ـ وعد السابع فلم نحفظه ـ فوالذي نفسى بيده لقد رأيت الذين عدّ رسول الله صلى الله عليه وسلم صرعى في القَلِيب، قليب بدر. وكان أمية بن خلف إذا رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم همزه ولمزه. وفيه نزل: {وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ} [سورة الهمزة:1] قال ابن هشام: الهمزة: الذي يشتم الرجل علانية، ويكسر عينيه، ويغمز به. واللمزة: الذي يعيب الناس سرًا، ويؤذيهم. أما أخوه أبي بن خلف فكان هو وعقبة بن أبي معيط متصافيين. وجلس عقبة مرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسمع منه، فلما بلغ ذلك أبيًا أنبه وعاتبه، وطلب منه أن يتفل في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ففعل، وأبي بن خلف نفسه فت عظمًا رميمًا ثم نفخه في الريح نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان الأخنس بن شَرِيق الثقفي ممن ينال من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد وصفه القرآن بتسع صفات تدل على ما كان عليه، وهي في قوله تعالى:{ وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ مَنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ} [القلم:10: 13]. وكان أبو جهل يجىء أحيانًا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع منه القرآن، ثم يذهب عنه فلا يؤمن ولا يطيع، ولا يتأدب ولا يخشى، ويؤذى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقول، ويصد عن سبيل الله ، ثم يذهب مختالًا بما فعل، فخورًا بما ارتكب من الشر، كأن ما فعل شيئًا يذكر، وفيه نزل: {فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى} [القيامة:31]، وكان يمنع النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة منذ أول يوم رآه يصلى في الحرم، ومرة مر به وهو يصلى عند المقام فقال: يا محمد، ألم أنهك عن هذا، وتوعده، فأغلظ لــه رسـول الله صلى الله عليه وسلم وانتـهره، فقال: يا محمد، بأي شىء تهددنى؟ أما والله إني لأكثر هذا الوادى ناديًا. فأنزل الله {فَلْيَدْعُ نَادِيَه سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ} [العلق:17، 18]. وفي رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ بخناقه وهزه، وهو يقول له:{أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى} [القيامة:34، 35] فقال عدو الله : أتوعدنى يا محمد؟ والله لا تستطيع أنت ولا ربك شيئًا، وإني لأعز من مشى بين جبليها. ولم يكن أبو جهل ليفيق من غباوته بعد هذا الانتهار، بل ازداد شقاوة فيما بعد. أخرج مسلم عن أبي هريرة قال: قال أبو جهل: يعفر محمد وجهه بين أظهركم؟ فقيل: نعم، فقال: واللات والعزى، لئن رأيته لأطأن على رقبته، ولأعفرن وجهه، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلى، زعم ليطأ رقبته، فما فجأهم إلا وهو ينكص على عقبيه، ويتقى بيديه، فقالوا: ما لك يا أبا الحكم؟ قال: إن بينى وبينه لخندقًا من نار وهولًا وأجنحةً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو دنا منى لاختطفته الملائكة عضوًا عضوًا). هذه صورة مصغرة جدًا لما كان يتلقاه رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون من الظلم والخسف والجور على أيدى طغاة المشركين، الذين كانوا يزعمون أنهم أهل الله وسكان حرمه. وكان من مقتضيات هذه الظروف المتأزمة أن يختار رسول الله صلى الله عليه وسلم موقفًا حازمًا ينقذ به المسلمين عما دهمهم من البلاء، ويخفف وطأته بقدر المستطاع، وقد اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم خطوتين حكيمتين كان لهما أثرهما في تسيير الدعوة وتحقيق الهدف، وهما: 1 ـ اختيار دار الأرقم بن أبي الأرقم المخزومى مركزا للدعوة ومقرًا للتربية. 2ـ أمر المسلمين بالهجرة إلى الحبشة. دار الأرقم كانت هذه الدار في أصل الصفا، بعيدة عن أعين الطغاة ومجالسهم، فاختارها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليجتمع فيها بالمسلمين سرًا، فيتلو عليهم آيات الله ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة؛ وليؤدى المسلمون عبادتهم وأعمالهم، ويتلقوا ما أنزل الله على رسوله وهم في أمن وسلام، وليدخل من يدخل في الإسلام ولا يعلم به الطغاة من أصحاب السطوة والنقمة. ومما لم يكن يشك فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لو اجتمع بالمسلمين علنا لحاول المشركون بكل ما عندهم من القسوة والغلظة أن يحولوا بينه وبين ما يريد من تزكية نفوسهم ومن تعليمهم الكتاب والحكمة، وربما أفضى ذلك إلى مصادمة الفريقين، بل قد وقع ذلك فعلًا. فقد ذكر ابن إسحاق أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يجتمعون في الشعاب، فيصلون فيها سرًا، فرآهم نفر من كفار قريش، فسبوهم وقاتلوهم، فضرب سعد بن أبي وقاص رجلًا فسال دمه، وكان أول دم هريق في الإسلام. ومعلوم أن المصادمة لو تعددت وطالت لأفضت إلى تدمير المسلمين وإبادتهم، فكان من الحكمة السريةُ والاختفاء، فكان عامة الصحابة يُخْفُون إسلامهم وعبادتهم واجتماعهم، أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يجهر بالدعوة والعبادة بين ظهرإني المشركين، لا يصرفه عن ذلك شىء، ولكن كان يجتمع مع المسلمين سرًا؛ نظرًا لصالحهم وصالح الإسلام. |
27-02-08, 07:30 PM | #8 |
~صديقة الملتقى~
تاريخ التسجيل:
22-10-2007
المشاركات: 952
|
الهجرة الأولى إلى الحبشة
كانت بداية الاعتداءات في أواسط أو أواخر السنة الرابعة من النبوة، بدأت ضعيفة، ثم لم تزل تشتد يومًا فيومًا وشهرًا فشهرا، حتى تفاقمت في أواسط السنة الخامسة، ونبا بهم المقام في مكة، وأخذوا يفكرون في حيلة تنجيهم من هذا العذاب الأليم، وفي هذه الظروف نزلت سورة الزمر تشير إلى اتخاذ سبيل الهجرة، وتعلن بأن أرض الله ليست بضيقة {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ الله ِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر:10]. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد علم أن أصْحَمَة النجاشى ملك الحبشة ملك عادل، لا يظلم عنده أحد، فأمر المسلمين أن يهاجروا إلى الحبشة فرارًا بدينهم من الم، لكن لما بلغت إلى الشاطئ كانوا قد انطلقوا آمنين، وأقام المسلمون في الحبشة في أحسن جوار. سجود المشركين مع المسلمين وعودة المهاجرين وفي رمضان من نفس السنة خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الحرم، وفيه جمع كبير من قريش، فيهم ساداتهم وكبراؤهم، فقام فيهم، وفاجأهم بتلاوة سورة النجم، ولم يكن أولئك الكفار سمعوا كلام الله من قبل؛ لأنهم كانوا مستمرين على ما تواصى به بعضهم بعضًا،من قولهم: {لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} [فصلت:26] فلما باغتهم بتلاوة هذه السورة، وقرع آذانهم كلام إلهي خلاب، وكان أروع كلام سمعوه قط، أخذ مشاعرهم، ونسوا ما كانوا فيه فما من أحد إلا وهو مصغ إليه، لا يخطر بباله شىء سواه، حتى إذا تلا في خواتيم هذه السورة قوارع تطير لها القلوب، ثم قرأ: {فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا} [النجم:62] ثم سجد، لم يتمالك أحد نفسه حتى خر ساجدًا. وفي الحقيقة كانت روعة الحق قد صدعت العناد في نفوس المستكبرين والمستهزئين، فما تمالكوا أن يخروا لله ساجدين. وسَقَطَ في أيديهم لما أحسوا أن جلال كلام الله لَوَّى زمامهم، فارتكبوا عين ما كانوا يبذلون قصارى جهدهم في محوه وإفنائه، وقد توالى عليهم اللوم والعتاب من كل جانب، ممن لم يحضر هذا المشهد من المشركين، وعند ذلك كذبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وافتروا عليه أنه عطف على أصنامهم بكلمة تقدير، وأنه قال عنها ما كانوا يرددونه هم دائما من قولهم: (تلك الغرانيـق العلى، وإن شفاعتهم لترتجى)، جاءوا بهذا الإفك المبـين ليعـتذروا عـن سجودهم مع النبي صلى الله عليه وسلم، وليس يستغـــرب هـذا مـن قـوم كانوا يألفون الكذب، ويطيلون الدس والافتراء. وبلغ هذا الخبر إلى مهاجري الحبشة، ولكن في صورة تختلف تمامًا عن صورته الحقيقية، بلغهم أن قريشًا أسلمت، فرجعوا إلى مكة في شوال من نفس السنة، فلما كانوا دون مكة ساعة من نهار وعرفوا جلية الأمر رجع منهم من رجع إلى الحبشة، ولم يدخل في مكة من سائرهم أحد إلا مستخفيًا، أو في جوار رجل من قريش. ثم اشتد عليهم وعلى المسلمين البلاء والعذاب من قريش، وسطت بهم عشائرهم، فقد كان صعب على قريش ما بلغها عن النجاشي من حسن الجوار، ولم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم بدا من أن يشير على أصحابه بالهجرة إلى الحبشة مرة أخرى. الهجرة الثانية إلى الحبشة واستعد المسلمون للهجرة مرة أخرى، وعلى نطاق أوسع، ولكن كانت هذه الهجرة الثانية أشق من سابقتها، فقد تيقظت لها قريش وقررت إحباطها، بيد أن المسلمين كانوا أسرع، ويسر الله لهم السفر، فانحازوا إلى نجاشي الحبشة قبل أن يدركوا. وفي هذه المرة هاجر من الرجال ثلاثة وثمانون رجلًا إن كان فيهم عمار، فإنه يشك فيه، وثماني عشرة أوتسع عشرة امرأة. مكيدة قريش بمهاجري الحبشة عز على المشركين أن يجد المهاجرون مأمنا لأنفسهم ودينهم، فاختاروا رجلين جلدين لبيبين، وهما: عمرو بن العاص، وعبد الله بن أبي ربيعة ـ قبل أن يسلما ـ وأرسلوا معهما الهدايا المستطرفة للنجاشي ولبطارقته، وبعد أن ساق الرجلان تلك الهدايا إلى البطارقة، وزوداهم بالحجج التي يطرد بها أولئك المسلمون، وبعد أن اتفقت البطارقة أن يشيروا على النجاشي بإقصائهم، حضرا إلى النجاشي، وقدما له الهديا ثم كلماه فقالا له: أيها الملك، إنه قد ضَوَى إلى بلدك غلمان سفهاء، فارقوا دين قومهم، ولم يدخلوا في دينك، وجاءوا بدين ابتدعوه، لا نعرفه نحن ولا أنت، وقد بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم؛ لتردهم إليهم، فهم أعلى بهم عينًا، وأعلم بما عابوا عليهم، وعاتبوهم فيه. وقالت البطارقة: صدقا أيها الملك، فأسلمهم إليهما، فليرداهم إلى قومهم وبلادهم. ولكن رأي النجاشي أنه لا بد من تمحيص القضية، وسماع أطرافها جميعًا. فأرسل إلى المسلمين، ودعاهم، فحضروا، وكانوا قد أجمعوا على الصدق كائنًا ما كان. فقال لهم النجاشي: ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم، ولم تدخلوا به في دينى ولا دين أحد من هذه الملل ؟ قال جعفر بن أبي طالب ـ وكان هو المتكلم عن المسلمين: أيها الملك كنا قومًا أهل جاهلية؛ نعبد الأصنام ونأكل الميتة، ونأتى الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسىء الجوار، ويأكل منا القوى الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولًا منا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم،وقذف المحصنات،وأمرنا أن نعبد الله وحده،لا نشرك به شيئًا،وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام ـ فعدد عليه أمور الإسلام ـ فصدقناه، وآمنا به، واتبعناه على ما جاءنا به من دين الله ، فعبدنا الله وحده، فلم نشرك به شيئًا، وحرمنا ما حرم علينا، وأحللنا ما أحل لنا، فعدا علينا قومنا، فعذبونا وفتنونا عن ديننا؛ ليردونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله تعالى، وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث، فلما قهرونا وظلمونا وضيقوا علينا، وحالوا بيننا وبين ديننا خرجنا إلى بلادك، واخترناك على من سواك، ورغبنا في جوارك، ورجونا ألا نظلم عندك أيها الملك. فقال له النجاشي: هل معك مما جاء به عن الله من شيء؟ فقال له جعفر: نعم. فقال له النجاشي: فاقرأه على، فقرأ عليه صدرًا من: {كهيعص} فبكى والله النجاشي حتى اخضلت لحيته، وبكت أساقفته حتى أخْضَلُوا مصاحفهم حين سمعوا ما تلا عليهم، ثم قال لهم النجاشي: إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة، انطلقا، فلا والله لا أسلمهم إليكما، ولا يكادون ـ يخاطب عمرو بن العاص وصاحبه ـ فخرجا، فلما خرجا قال عمرو بن العاص لعبد الله بن أبي ربيعة: والله لآتينه غدًا عنهم بما أستأصل به خضراءهم. فقال له عبد الله بن أبي ربيعة: لا تفعل، فإن لهم أرحامًا وإن كانوا قد خالفونا، ولكن أصر عمرو على رأيه. فلما كان الغد قال للنجاشي: أيها الملك، إنهم يقولون في عيسى ابن مريم قولًا عظيمًا، فأرسل إليهم النجاشي يسألهم عن قولهم في المسيح ففزعوا، ولكن أجمعوا على الصدق، كائنًا ما كان، فلما دخلوا عليه وسألهم، قال له جعفر: نقول فيه الذي جاءنا به نبينا صلى الله عليه وسلم: هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البَتُول. فأخذ النجاشي عودًا من الأرض ثم قال: والله ما عدا عيسى ابن مريم ما قلت هذا العود، فتناخرت بطارقته، فقال: وإن نَخَرْتُم والله . ثم قال للمسلمين: اذهبوا فأنتم شُيُومٌ بأرضي ـ والشيوم: الآمنون بلسان الحبشة ـ من سَبَّكم غَرِم، من سبكم غرم، من سبكم غرم، ما أحب أن لى دَبْرًا من ذهب وإني آذيت رجلًا منكم ـ والدبر: الجبل بلسان الحبشة. ثم قال لحاشيته: ردّوا عليهما هداياهما فلا حاجة لى بها، فوالله ما أخذ الله منـي الرشـوة حين رد علي ملكي، فآخذ الرشـوة فيــه، وما أطاع الناس في فأطيعـهم فيه. قالت أم سلمة التي تروى هذه القصة: فخرجا من عنده مقبوحين مردودًا عليهما ما جاءا به، وأقمنا عنده بخير دار مع خير جار. هذه رواية ابن إسحاق، وذكر غيره أن وفادة عمرو بن العاص إلى النجاشي كانت بعد بدر، وجمع بعضهم بأن الوفادة كانت مرتين. ولكن الأسئلة والأجوبة التي ذكروا أنها دارت بين النجاشي وبين جعفر بن أبي طالب في الوفادة الثانية هي نفس الأسئلة والأجوبة التي ذكرها ابن إسحاق هنا، ثم إن تلك الأسئلة تدل بفحواها أنها كانت في أول مرافعة قدمت إلى النجاشي. الشدة في التعذيب ومحاولة القضاء على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولما أخفق المشركون في مكيدتهم، وفشلوا في استرداد المهاجرين استشاطوا غضبًا، وكادوا يتميزون غيظًا، فاشتدت ضراوتهم وانقضوا على بقية المسلمين، ومدوا أيديهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسوء، وظهرت منهم تصرفات تدل على أنهم أرادوا القضاء على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ليستأصلوا جذور الفتنة التي أقضت مضاجعهم، حسب زعمهم. أما بالنسبة للمسلمين فإن الباقين منهم في مكة كانوا قليلين جدًا، وكانوا إما ذوى شرف ومنعة، أو محتمين بجوار أحد، ومع ذلك كانوا يخفون إسلامهم ويبتعدون عن أعين الطغاة بقدر الإمكان، ولكنهم مع هذه الحيطة والحذر لم يسلموا كل السلامة من الأذى والخسف والجور. وأما رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان يصلى ويعبد الله أمام أعين الطغاة، ويدعو إلى الله سرًا وجهرًا لا يمنعه عن ذلك مانع، ولا يصرفه عنه شيء؛ إذ كان ذلك من جملة تبليغ رسالة الله منذ أمره الله سبحانه وتعالى بقوله: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} [الحجر:94]، وبذلك كان يمكن للمشركين أن يتعرضوا له إذا أرادوا، ولم يكن في الظاهر ما يحول بينهم وبين ما يريدون إلا ما كان له صلى الله عليه وسلم من الحشمة والوقار، وما كان لأبي طالب من الذمة والاحترام، وما كانوا يخافونه من مغبة سوء تصرفاتهم، ومن اجتماع بني هاشم عليهم، إلا أن كل ذلك لم يعد له أثره المطلوب في نفوسهم؛ إذ بدءوا يستخفون به منذ شعروا بانهيار كيانهم الوثنى وزعامتهم الدينية أمام دعوته صلى الله عليه وسلم. ومما روت لنا كتب السنة والسيرة من الأحداث التي تشهد القرائن بأنها وقعت في هذه الفترة: أن عتيبة بن أبي لهب أتى يومًا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أنا أكفر بـ {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى} [النجم:1] وبالذي {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى} [النجم:8] ثم تسلط عليه بالأذى، وشق قميصه، وتفل في وجهه صلى الله عليه وسلم، إلا أن البزاق لم يقع عليه، وحينئذ دعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (الله م سلط عليه كلبًا من كلابك)، وقد استجيب دعاؤه صلى الله عليه وسلم، فقد خرج عتيبة إثر ذلك في نفر من قريش، فلما نزلوا بالزرقاء من الشام طاف بهم الأسد تلك الليلة، فجعل عتيبة يقول: يا ويل أخي هو والله آكلى كما دعا محمد علىّ، قتلنى وهو بمكة، وأنا بالشام، ثم جعلوه بينهم، وناموا من حوله، ولكن جاء الأسد وتخطاهم إليه، فضغم رأسه. ومنها: ما ذكر أن عقبة بن أبي مُعَيْط وطئ على رقبته الشريفة وهو ساجد حتى كادت عيناه تبرزان. ومما يدل على أن طغاتهم كانوا يريدون قتله صلى الله عليه وسلم ما رواه ابن إسحاق عن عبد الله ابن عمرو بن العاص قال: حضرتهم وقد اجتمعوا في الحجر، فذكروا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: ما رأينا مثل ما صبرنا عليه من أمر هذا الرجل، لقد صبرنا منه على أمر عظيم، فبينا هم كذلك إذ طلع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل يمشى حتى استلم الركن، ثم مر بهم طائفًا بالبيت فغمزوه ببعض القول، فعرفت ذلك في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما مر بهم الثانية غمزوه بمثلها، فعرفت ذلك في وجهه، ثم مر بهم الثالثة فغمزوه بمثلها. فوقف ثم قال: (أتسمعون يا معشر قريش، أما والذي نفسى بيده، لقد جئتكم بالذبح)، فأخذت القوم كلمته، حتى ما منهم رجل إلا كأنما على رأسه طائر واقع، حتى إن أشدهم فيه ليرفؤه بأحسن ما يجد، ويقول: انصرف يا أبا القاسم، فو الله ما كنت جهولًا. فلما كان الغد اجتمعوا كذلك يذكرون أمره إذ طلع عليهم، فوثبوا إليه وثبة رجل واحد وأحاطوا به، فلقد رأيت رجلًا منهم أخذ بمجمع ردائه، وقام أبو بكر دونه، وهو يبكى ويقول: أتقتلون رجلًا أن يقول ربي الله ؟ ثم انصرفوا عنه، قال ابن عمرو: فإن ذلك لأشد ما رأيت قريشًا نالوا منه قط. انتهي ملخصًا. وفي رواية البخاري عن عروة بن الزبير قال: سألت ابن عمرو بن العاص: أخبرني بأشد شيء صنعه المشركون بالنبي صلى الله عليه وسلم، قال: بينا النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في حجر الكعبة إذ أقبل عقبة بن أبي معيط، فوضع ثوبه في عنقه، فخنقه خنقًا شديدًا؛ فأقبل أبو بكر حتى أخذ بمنكبيه، ودفعه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: أتقتلون رجلًا أن يقول ربي الله ؟. وفي حديث أسماء: فأتى الصريخ إلى أبي بكر فقال: أدرك صاحبك، فخرج من عندنا وعليه غدائر أربـع، فـخرج وهــو يـقول: أتقتلون رجلًا أن يقول ربي الله ؟ فلهوا عنه وأقبلوا على أبي بكر، فرجع إلينا لا نمس شيئًا من غدائره إلا رجع معنــا. |
27-02-08, 07:31 PM | #9 |
~صديقة الملتقى~
تاريخ التسجيل:
22-10-2007
المشاركات: 952
|
دخول كبار الصحابة فى الاسلام إسلام حمزة رضي الله عنه
خلال هذا الجو الملبد بغيوم الظلم والعدوان ظهر برق أضاء الطريق، وهو إسلام حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه أسلم في أواخر السنة السادسة من النبوة، والأغلب أنه أسلم في شهر ذى الحجة. وسبب إسلامه: أن أبا جهل مر برسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا عند الصفا فآذاه ونال منه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ساكت لا يكلمه، ثم ضربه أبو جهل بحجر في رأسه فَشَجَّهُ حتى نزف منه الدم، ثم انصرف عنه إلى نادى قريش عند الكعبة، فجلس معهم، وكانت مولاة لعبد الله بن جُدْعَان في مسكن لها على الصفا ترى ذلك، وأقبل حمزة من القَنَص مُتَوَشِّحًا قوسه، فأخبرته المولاة بما رأت من أبي جهل، فغضب حمزة ـ وكان أعز فتى في قريش وأشده شكيمة ـ فخرج يسعى، لم يقف لأحد؛ معدًا لأبي جهل إذا لقيه أن يوقع به، فلما دخل المسجد قام على رأسه، وقال له: يا مُصَفِّرَ اسْتَه، تشتم ابن أخي وأنا على دينه ؟ ثم ضربه بالقوس فشجه شجة منكرة، فثار رجال من بني مخزوم ـ حى أبي جهل ـ وثار بنو هاشم ـ حي حمزة ـ فقال أبو جهل: دعوا أبا عمارة، فإني سببت ابن أخيه سبًا قبيحًا. وكان إسلام حمزة أول الأمر أنفة رجل، أبي أن يهان مولاه، ثم شرح الله صدره فاستمسك بالعروة الوثقى، واعتز به المسلمون أيما اعتزاز. إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه وخلال هذا الجو الملبد بغيوم الظلم والعدوان أضاء برق آخر أشد بريقًا وإضاءة من الأول، ألا وهو إسلام عمر بن الخطاب، أسلم في ذى الحجـة سـنة سـت مـن النبـوة. بعد ثلاثة أيام من إسلام حمزة رضي الله عنه وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد دعا الله تعالى لإسلامه. فقد أخرج الترمذى عن ابن عمر، وصححه، وأخرج الطبراني عن ابن مسعود وأنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الله م أعز الإسلام بأحب الرجلين إليك: بعمر بن الخطاب أو بأبي جهل بن هشام) فكان أحبهما إلى الله عمر رضي الله عنه. وبعد إدارة النظر في جميع الروايات التي رويت في إسلامه يبدو أن نزول الإسلام في قلبه كان تدريجيًا، ولكن قبل أن نسوق خلاصتها نرى أن نشير إلى ما كان يتمتع به رضي الله عنه من العواطف والمشاعر. كان رضي الله عنه معروفًا بحدة الطبع وقوة الشكيمة، وطالما لقى المسلمون منه ألوان الأذى، والظاهر أنه كانت تصطرع في نفسه مشاعر متناقضة؛ احترامه للتقاليد التي سنها الآباء والأجداد وتحمسه لها، ثم إعجابه بصلابة المسلمين، وباحتمالهم البلاء في سبيل العقيدة، ثم الشكوك التي كانت تساوره ـ كأي عاقل ـ في أن ما يدعو إليه الإسلام قد يكون أجل وأزكى من غيره، ولهذا ما إن يَثُور حتى يَخُور. وخلاصة الروايات ـ مع الجمع بينها ـ في إسلامه رضي الله عنه: أنه التجأ ليلة إلى المبيت خارج بيته، فجاء إلى الحرم، ودخل في ستر الكعبة، والنبي صلى الله عليه وسلم قائم يصلي، وقد استفتح سورة {الْحَاقَّةُ}،فجعل عمر يستمع إلى القرآن، ويعجب من تأليفه، قال: فقلت ـ أي في نفسي: هذا والله شاعر، كما قالت قريش، قال: فقرأ {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ} [الحاقة:40، 41] قال: قلت: كاهن. قال:{ وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ} إلى آخر السورة [الحاقة:42، 43] . قال: فوقع الإسلام في قلبي. كان هذا أول وقوع نواة الإسلام في قلبه، لكن كانت قشرة النزعات الجاهلية، وعصبية التقليد، والتعاظم بدين الآباء هي غالبـة على مخ الحقيقة التي كان يتهمس بها قلبه، فبقى مجدًا في عمله ضد الإسلام غير مكترث بالشعور الذي يكمن وراء هذه القشرة. وكان من حدة طبعه وفرط عداوته لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه خرج يومًا متوشحًا سيفه يريد القضاء على النبي صلى الله عليه وسلم، فلقيه نعيم بن عبد الله النحام العدوي، أو رجل من بني زهرة، أو رجل من بني مخزوم فقال: أين تعمد يا عمر؟ قال: أريد أن أقتل محمدًا. قال: كيف تأمن من بني هاشم ومن بني زهرة وقد قتلت محمدًا؟ فقال له عمر: ما أراك إلا قد صبوت، وتركت دينك الذي كنت عليه، قال: أفلا أدلك على العجب يا عمر! إن أختك وخَتَنَكَ قد صبوا، وتركا دينك الذي أنت عليه، فمشى عمر دامرًا حتى أتاهما، وعندهما خباب بن الأرت، معه صحيفة فيها: [طه] يقرئهما إياها ـ وكان يختلف إليهما ويقرئهما القرآن ـ فلما سمع خباب حس عمر توارى في البيت، وسترت فاطمة ـ أخت عمر ـ الصحيفة. وكان قد سمع عمر حين دنا من البيت قراءة خباب إليهما، فلما دخل عليهما قال: ما هذه الهينمة التي سمعتها عندكم؟ فقالا: ما عدا حديثًا تحدثناه بيننا. قال: فلعلكما قد صبوتما. فقال له ختنه: يا عمر، أرأيت إن كان الحق في غير دينك؟ فوثب عمر على ختنه فوطئه وطأ شديدًا. فجاءت أخته فرفعته عن زوجها، فنفحها نفحة بيده، فدمى وجهها ـ وفي رواية ابن إسحاق أنه ضربها فشجها ـ فقالت، وهي غضبى: يا عمر، إن كان الحق في غير دينك، أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدًا رسول الله . فلما يئس عمر، ورأي ما بأخته من الدم ندم واستحيا، وقال: أعطونى هذا الكتاب الذي عندكم فأقرؤه، فقالت أخته: إنك رجس، ولا يمسه إلا المطهرون، فقم فاغتسل، فقام فاغتسل، ثم أخذ الكتاب، فقرأ: {بسم الله الرحمن الرحيم} فقال: أسماء طيبة طاهرة. ثم قرأ [طه] حتى انتهي إلى قوله: {إِنَّنِي أَنَا الله ُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه:14] فقال: ما أحسن هذا الكلام وأكرمه؟ دلوني على محمد. فلما سمع خباب قول عمر خرج من البيت، فقال: أبشر يا عمر، فإني أرجو أن تكون دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم لك ليلة الخميس: (الله م أعز الإسلام بعمر بن الخطاب أو بأبي جهل بن هشام)، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الدار التي في أصل الصفا. فأخذ عمر سيفه، فتوشحه، ثم انطلق حتى أتى الدار، فضرب الباب، فقام رجل ينظر من خلل الباب، فرآه متوشحًا السيف، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستجمع القوم، فقال لهم حمزة: ما لكم ؟ قالوا: عمر؟ فقال: وعمر؟ افتحوا له الباب، فإن كان جاء يريد خيرًا بذلناه له، وإن كان جاء يريد شرًا قتلناه بسيفه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم داخل يوحى إليه، فخرج إلى عمر حتى لقيه في الحجرة، فأخذ بمجامع ثوبه وحمائل السيف، ثم جبذه جبذة شديدة فقال: (أما أنت منتهيًا يا عمر حتى ينزل الله بك من الخزى والنكال ما نزل بالوليد بن المغيرة؟ الله م، هذا عمر بن الخطاب، الله م أعز الإسلام بعمر بن الخطاب)، فقال عمر: أشهد أن لا إله إلا الله ، وأنك رسول الله . وأسلم، فكبر أهل الدار تكبيرة سمعها أهل المسجد. كان عمر رضي الله عنه ذا شكيمة لا يرام، وقد أثار إسلامه ضجة بين المشركين، وشعورا لهم بالذلة والهوان، وكسا المسلمين عزة وشرفًا وسرورًا. روى ابن إسحاق بسنده عن عمر قال: لما أسلمت تذكرت أي أهل مكة أشد لرسول الله صلى الله عليه وسلم عداوة، قال: قلت: أبو جهل، فأتيت حتى ضربت عليه بابه، فخرج إلىّ، وقال: أهلًا وسهلًا، ما جاء بك؟ قال: جئت لأخبرك إني قد آمنت بالله وبرسوله محمد، وصدقت بما جاء به. قال: فضرب الباب في وجهي، وقال: قبحك الله ، وقبح ما جئت به. وذكر ابن الجوزي أن عمر رضي الله عنه قال: كان الرجل إذا أسلم تعلق به الرجال، فيضربونه ويضربهم، فجئت ـ أي حين أسلمت ـ إلى خالى ـ وهو العاصى بن هاشم ـ فأعلمته فدخل البيت، قال: وذهبت إلى رجل من كبراء قريش ـ لعله أبو جهل ـ فأعلمته فدخل البيت. وفي رواية لابن إسحاق، عن نافع، عن ابن عمر قال: لما أسلم عمر بن الخطاب لم تعلم قريش بإسلامه، فقال: أي أهل مكة أنشأ للحديث؟ فقالوا: جميل بن معمر الجمحى. فخرج إليه وأنا معه، أعقل ما أرى وأسمع، فأتاه، فقال: ياجميل، إني قد أسلمت، قال: فو الله ما رد عليه كلمة حتى قام عامدًا إلى المسجد فنادى [بأعلى صوته] أن: يا قريش، إن ابن الخطاب قد صبأ. فقال عمر ـ وهو خلفه: كذب، ولكنى قد أسلمت [وآمنت بالله وصدقت رسوله]، فثاروا إليه فما زال يقاتلهم ويقاتلونه حتى قامت الشمس على رءوسهم، وطَلَح ـ أي أعيا ـ عمر، فقعد، وقاموا على رأسه، وهو يقول: افعلوا ما بدا لكم، فأحلف بالله أن لو كنا ثلاثمائة رجل لقد تركناها لكم أو تركتموها لنا. وبعد ذلك زحف المشركون إلى بيته يريدون قتله.روى البخاري عن عبد الله بن عمر قال:بينما هو ـ أي عمر ـ في الدار خائفًا إذ جاءه العاص بن وائل السهمى أبو عمرو،وعليه حلة حبرة وقميص مكفوف بحرير ـ وهو من بني سهم، وهم حلفاؤنا في الجاهلية ـ فقال له: ما لك؟ قال: زعم قومك أنهم سيقتلوني إن أسلمت، قال: لا سبيل إليك ـ بعد أن قالها أمنت ـ فخرج العاص، فلقى الناس قد سال بهم الوادي، فقال: أين تريدون؟ فقالوا: هذا ابن الخطاب الذي قد صبأ، قال: لا سبيل إليه، فَكَرَّ الناس. وفي لفظ في رواية ابن إسحاق: والله ، لكأنما كانوا ثوبًا كُشِطَ عنه. هذا بالنسبة إلى المشركين، أما بالنسبة إلى المسلمين فروى مجاهد عن ابن عباس قال: سألت عمر بن الخطاب: لأي شيء سميت الفاروق؟ قال: أسلم حمزة قبلى بثلاثة أيام ـ ثم قص عليه قصة إسلامه. وقال في آخره: قلت ـ أي حين أسلمت: يا رسول الله ، ألسنا على الحق إن متنا وإن حيينا؟ قال: (بلى، والذي نفسي بيده، إنكم على الحق وإن متم وإن حييتم)، قال: قلت: ففيم الاختفاء؟ والذي بعثك بالحق لنخرجن، فأخرجناه في صفين، حمزة في أحدهما، وأنا في الآخر، له كديد ككديد الطحين، حتى دخلنا المسجد، قال: فنظرت إلىّ قريش وإلى حمزة، فأصابتهم كآبة لم يصبهم مثلها، فسماني رسول الله صلى الله عليه وسلم (الفاروق) يومئذ. وكان ابن مسعود رضي الله عنه يقول: ما كنا نقدر أن نصلى عند الكعبة حتى أسلم عمر. وعن صهيب بن سنان الرومى رضي الله عنه قال: لما أسلم عمر ظهر الإسلام، ودعى إليه علانية، وجلسنا حول البيت حلقًا، وطفنا بالبيت، وانتصفنا ممن غلظ علينا، ورددنا عليه بعض ما يأتى به. وعن عبد الله بن مسعود قال: ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر. ممثل قريش بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم وبعد إسلام هذين البطلين الجليلين ـ حمزة بن عبد المطلب وعمـر بن الخطاب رضي الله عنهما أخذت السحائب تتقشع، وأفاق المشركون عن سكرهم في تنكيلهم بالمسلمين، وغيروا تفكيرهم في معاملتهم مع النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، واختاروا أسلوب المساومات وتقديم الرغائب والمغريات، ولم يدر هؤلاء المساكين أن كل ما تطلع عليه الشمس لا يساوي جناح بعوضة أمام دين الله والدعوة إليه، فخابوا وفشلوا فيما أرادوا. |
27-02-08, 07:35 PM | #10 |
~صديقة الملتقى~
تاريخ التسجيل:
22-10-2007
المشاركات: 952
|
قال ابن إسحاق: حدثني يزيد بن زياد عن محمد بن كعب القرظى قال: حدثت أن عتبة بن ربيعة، وكان سيدًا، قال يومًا ـ وهو في نادى قريش، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد وحده: يا معشر قريش، ألا أقوم إلى محمد فأكلمه وأعرض عليه أمورًا لعله يقبل بعضها، فنعطيه أيها شاء ويكف عنا؟ وذلك حين أسلم حمزة رضي الله عنه ورأوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثرون ويزيدون، فقالوا: بلى، يا أبا الوليد، قم إليه، فكلمه، فقام إليه عتبة،حتى جلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يابن أخي، إنك منا حيث قد علمت من السِّطَةِ في العشيرة، والمكان في النسب، وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم، فرقت به جماعتهم، وسفهت به أحلامهم، وعبت به آلهتهم ودينهم، وكفرت به من مضى من آبائهم، فاسمع منى أعرض عليك أمورًا تنظر فيها لعلك تقبل منها بعضها. قال: فقال رسول صلى الله عليه وسلم: (قل يا أبا الوليد أسمع).
قال: يابن أخي، إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالًا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالًا، وإن كنت تريد به شرفًا سودناك علينا حتى لا نقطع أمرًا دونك، وإن كنت تريد به ملكًا ملكناك علينا، وإن كان هذا الذي يأتيك رئيًا تراه لا تستطيع رده عن نفسك طلبنا لك الطب، وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه، فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يداوى منه ـ أو كما قال له ـ حتى إذا فرغ عتبة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يستمع منه قال: (أقد فرغت يا أبا الوليد؟) قال: نعم، قال: (فاسمع منى)، قال:أفعل، فقال: { بسم الله الرحمن الرحيم حم تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ} [فصلت:1: 5]. ثم مضى رسول الله فيها، يقرؤها عليه. فلما سمعها منه عتبة أنصت له، وألقى يديه خلف ظهره معتمدًا عليهما، يسمع منه، ثم انتهي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السجدة منها فسجد ثم قال: (قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت، فأنت وذاك). فقام عتبة إلى أصحابه، فقال بعضهم لبعض: نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به. فلما جلس إليهم قالوا: ما وراءك يا أبا الوليد؟ قال: ورائي أني سمعت قولًا والله ما سمعت مثله قط، والله ما هو بالشعر ولا بالسحر، ولا بالكهانة، يا معشر قريش، أطيعونى واجعلوها بي، وخلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه، فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت منه نبأ عظيم، فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم، وإن يظهر على العرب فملكه ملككم، وعزه عزكم، وكنتم أسعد الناس به، قالوا: سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه، قال: هذا رأيي فيه، فاصنعوا ما بدا لكم. وفي روايات أخرى: أن عتبة استمع حتى إذا بلغ الرسول صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ} [فصلت:13] قال: حسبك، حسبك، ووضع يده على فم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وناشده بالرحم أن يكف، وذلك مخافة أن يقع النذير، ثم قام إلى القوم فقال ما قال. رؤساء قريش يفاوضون رسول الله صلى الله عليه وسلم وكأن رجاء قريش لم ينقطع بما أجاب به النبي صلى الله عليه وسلم عتبة على اقتراحاته؛ لأنه لم يكن صريحًا في الرفض أو القبول، بل تلا عليه النبي صلى الله عليه وسلم آيات لم يفهمها عتبة، ورجع من حيث جاء، فتشاور رؤساء قريش فيما بينهم وفكروا في كل جوانب القضية، ودرسوا كل المواقف بروية وتريث، ثم اجتمعوا يومًا عند ظهر الكعبة بعد غروب الشمس، وأرسلوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يدعونه، فجاء مسرعًا يرجو خيرًا، فلما جلس إليهم قالوا له مثل ما قال عتبة، وعرضوا عليه نفس المطالب التي عرضها عتبة. وكأنهم ظنوا أنه لم يثق بجدية هذا العرض حين عرض عتبة وحده، فإذا عرضوا هم أجمعون يثق ويقبل، ولكن قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما بي ما تَقُولُون، ما جِئْتُكُم بما جِئْتُكُم بِه أَطْلُب أَمْوَالكُم ولا الشَّرف فيكم، ولا المُلْكَ عليكم، ولكنّ الله بَعَثَنِى إلَيْكُم رَسُولًا، وَ أَنْزَلَ علىَّ كِتابًا، وأَمَرَنِى أنْ أَكُونَ لَكُم بَشِيرًا وَنَذِيرًا، فَبَلَّغْتُكُم رِسَالاتِ ربي، وَنَصَحْتُ لَكُمْ، فإِنْ تَقْبَلُوا مِنّى ما جِئْتُكُم بِه فَهُوَ حَظُّكُم في الدُنيا والآخرة، وإنْ تَرُدُّوا علىّ أَصْبِر لأمْرِ الله ِ حتّى يَحْكُم الله ُ بَيْنِى وَ بَيْـنَكُم). أو كما قال. فانتقلوا إلى نقطة أخرى، وطلبوا منه أن يسأل ربه أن يسير عنهم الجبال، ويبسط لهم البلاد، ويفجر فيها الأنهار، ويحيى لهم الموتى ـ ولا سيما قصى بن كلاب ـ فإن صدقوه يؤمنون به. فأجاب بنفس ما سبق من الجواب. فانتقلوا إلى نقطة ثالثة، وطلبوا منه أن يسأل ربه أن يبعث له ملكًا يصدقه، ويراجعونه فيه، وأن يجعل له جنات وكنوزًا وقصورًا من ذهب وفضة، فأجابهم بنفس الجواب. فانتقلوا إلى نقطة رابعة، وطلبوا منه العذاب: أن يسقط عليهم السماء كسفًا، كما يقول ويتوعد، فقال: (ذلك إلى الله ، إن شاء فعل). فقالوا: أما علم ربك أنا سنجلس معك، ونسألك ونطلب منك، حتى يعلمك ما تراجعنا به، وما هو صانع بنا إذا لم نقبل. وأخيرًا هددوه أشد التهديد، وقالوا:أما والله لا نتركك وما فعلت بنا حتى نهلكك أو تهلكنا، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم، وانصرف إلى أهله حزينًا أسفا لما فاته ما طمع من قومه. عزم أبي جهل على قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم خاطبهم أبو جهل في كبريائه وقال: يا معشر قريش، إن محمدًا قد أبي إلا ما ترون من عيب ديننا، وشتم آبائنا، وتسفيه أحلامنا، وشتم آلهتنا، وأني أعاهد الله لأجلسن له بحجر ما أطيق حمله، فإذا سجد في صلاته فضخت به رأسه، فأسلمونى عند ذلك أو امنعونى، فليصنع بعد ذلك بنو عبد مناف ما بدا لهم، قالوا: والله لا نسلمك لشيء أبدًا، فامض لما تريد. فلما أصبح أبو جهل، أخذ حجرًا كما وصف، ثم جلس لرسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظره، وغدا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما كان يغدو، فقام يصلي، وقد غدت قريش فجلسوا في أنديتهم ينتظرون ما أبو جهل فاعل، فلما سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم احتمل أبو جهل الحجر، ثم أقبل نحوه، حتى إذا دنا منه رجع منهزمًا ممتقعًا لونه، مرعوبًا قد يبست يداه على حجره، حتى قذف الحجر من يده، وقامت إليه رجال قريش فقالوا له: ما لك يا أبا الحكم؟ قال: قمت إليه لأفعل به ما قلت لكم البارحة، فلما دنوت منه عرض لى دونه فَحْلٌ من الإبل، لا والله ما رأيت مثل هَامَتِه، ولا مثل قَصَرَتِه ولا أنيابه لفحل قط، فَهَمَّ بى أن يأكلنى. قال ابن إسحاق: فذكر لى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ذلك جبريل عليه السلام لو دنا لأخذه) مساومات وتنازلات ولما فشلت قريش في مفاوضتهم المبنية على الإغراء والترغيب، والتهديد والترهيب، وخاب أبو جهل فيما أبداه من الرعونة وقصد الفتك، تيقظت فيهم رغبة الوصول إلى حل حصيف ينقذهم عما هم فيه، ولم يكونوا يجزمون أن النبي صلى الله عليه وسلم على باطل، بل كانوا ـ كما قال الله تعالى {لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ} [الشورى:14]. فرأوا أن يساوموه صلى الله عليه وسلم في أمور الدين، ويلتقوا به في منتصف الطريق، فيتركوا بعض ما هم عليه، ويطالبوا النبي صلى الله عليه وسلم بترك بعض ما هو عليه، وظنوا أنهم بهذا الطريق سيصيبون الحق، إن كان ما يدعو إليه النبي صلى الله عليه وسلم حقًا. روى ابن إسحاق بسنده، قال: اعترض رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ وهو يطوف بالكعبة ـ الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى والوليد بن المغيرة وأمية بن خلف والعاص بن وائل السهمى ـ وكانوا ذوى أسنان في قومهم ـ فقالوا: يا محمد، هلم فلنعبد ما تعبد، وتعبد ما نعبد، فنشترك نحن وأنت في الأمر، فإن كان الذي تعبد خيرًا مما نعبد كنا قد أخذنا بحظنا منه، وإن كان ما نعبد خيرًا مما تعبد كنت قد أخذت بحظك منه، فأنزل الله تعالى فيهم: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} السورة كلها. وأخرج عَبْدُ بن حُمَـيْد وغيره عن ابن عباس أن قريشًا قالت: لو استلمت آلهتنا لعبدنا إلهك. فأنزل الله : {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} السورة كلها وأخرج ابن جرير وغيره عنه أن قريشًا قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: تعبد آلهتنا سنة، ونعبد إلهك سنة،فأنزل الله :{قُلْ أَفَغَيْرَ الله ِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ} [الزمر:64] ولما حسم الله تعالى هذه المفاوضة المضحكة بهذه المفاصلة الجازمة لم تيأس قريش كل اليأس، بل أبدوا مزيدًا من التنازل بشرط أن يجرى النبي صلى الله عليه وسلم بعض التعديل فيما جاء به من التعليمات، فقالوا: {ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَـذَا أَوْ بَدِّلْهُ}، فقطع الله هذا السبيل أيضًا بإنزال ما يرد به النبي صلى الله عليه وسلم عليهم فقال: {قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [يونس:15] ونبه على عظم خطورة هذا العمل بقوله:{ وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً إِذاً لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا} [الإسراء:73: 75]. حيرة قريش وتفكيرهم الجاد واتصالهم باليهود أظلمت أمام المشركين السبل بعد فشلهم في هذه المفاوضات والمساومات والتنازلات، واحتاروا فيما يفعلون، حتى قام أحد شياطينهم: النضر بن الحارث، فنصحهم قائلًا: يا معشر قريش، والله لقد نزل بكم أمر ما أتيتم له بحيلة بعد، قد كان محمد فيكم غلامًا حدثًا أرضاكم فيكم، وأصدقكم حديثًا، وأعظمكم أمانة، حتى إذا رأيتم في صدغيه الشيب، و جاءكم بما جاءكم به، قلتم: ساحر، لا والله ما هو بساحر، لقد رأينا السحرة ونَفْثَهم وعَقْدَهم، وقلتم: كاهن، لا والله ما هو بكاهن، قد رأينا الكهنة وتَخَالُجَهم وسمعنا سَجَعَهُم، وقلتم: شاعر، لا والله ما هو بشاعر، قد رأينا الشعر وسمعنا أصنافه كلها هَزَجَه ورَجَزَه، وقلتم: مجنون، لا والله ما هو بمجنون، لقد رأينا الجنون، فما هو بخنقه، ولا وسوسته، ولا تخليطه، يا معشر قريش، فانظروا في شأنكم، فإنه والله لقد نزل بكم أمر عظيم. وكأنهم لما رأوا صموده صلى الله عليه وسلم في وجه كل التحديات، ورفضه كل المغريات، وصلابته في كل مرحلة ـ مع ما كان يتمتع به من الصدق والعفاف ومكارم الأخلاق ـ قويت شبهتهم في كونه رسولًا حقًا، فقرروا أن يتصلوا باليهود حتى يتأكدوا من أمره صلى الله عليه وسلم، فلما نصحهم النضر بن الحارث بما سبق كلفوه مع آخر أو آخرين ليذهب إلى يهود المدينة، فأتاهم فقال أحبارهم: سلوه عن ثلاث، فإن أخبر فهو نبى مرسل، وإلا فهو متقول؛ سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول،ما كان أمرهم؟ فإن لهم حديثًا عجبًا ، وسلوه عن رجل طواف بلغ مشارق الأرض ومغاربها، ما كان نبؤه؟ وسلوه عن الروح، ما هي؟ فلما قدم مكة قال: جئناكم بفصل ما بينكم وبين محمد، وأخبرهم بما قاله اليهود، فسألت قريش رسول صلى الله عليه وسلم عن الأمور الثلاثة، فنزلت بعد أيام سورة الكهف، فيها قصة أولئك الفتية، وهم أصحاب الكهف، وقصة الرجل الطواف، وهو ذو القرنين، ونزل الجواب عن الروح في سورة الإسراء. وتبين لقريش أنه صلى الله عليه وسلم على حق وصدق، ولكن أبي الظالمون إلا كفورًا. هذه نبذة خفيفة مما واجه به المشركون دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد مارسوا كل ذلك جنبا إلى جنب، متنقلين من طور إلى طور، ومن دور إلى دور. فمن شدة إلى لين، ومن لين إلى شدة، ومن جدال إلى مساومة، ومن مساومة إلى جدال، ومن تهديد إلى ترغيب، ومن ترغيب إلى تهديد، كانوا يثورون ثم يخورون، ويجادلون ثم يجاملون، وينازلون ثم يتنازلون، ويوعدون ثم يرغبون، كأنهم كانوا يتقدمون ويتأخرون، لا يقر لهم قرار، ولا يعجبهم الفرار، وكان الغرض من كل ذلك هو إحباط الدعوة الإسلامية، ولَمَّ شَعْثِ الكفر، ولكنهم بعد بذل كل الجهود واختبار كل الحيل عادوا خائبين، ولم يبق أمامهم إلا السيف، والسيف لا يزيد الفرقة إلا شدة، ولا ينتج إلا عن تناحر يستأصل الشأفة، فاحتاروا ماذا يفعلون. موقف أبي طالب وعشيرته أما أبو طالب فإنه لما واجه مطالبة قريش بتسليم النبي صلى الله عليه وسلم لهم ليقتلوه، ثم رأي في تحركاتهم وتصرفاتهم ما يؤكد أنهم يريدون قتله وإخفار ذمته ـ مثل ما فعله عقبة بن أبي معيط، وأبو جهل بن هشام وعمر بن الخطاب ـ جمع بني هاشم وبني المطلب، ودعاهم إلى القيام بحفظ النبي صلى الله عليه وسلم، فأجابوه إلى ذلك كلهم ـ مسلمهم وكافرهم ـ حَمِيَّةً للجوار العربي، وتعاقدوا وتعاهدوا عليه عند الكعبة. إلا ما كان من أخيه أبي لهب، فإنه فارقهم، وكان مع قريش. |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
(View-All) Members who have read this thread in the last 30 days : 0 | |
There are no names to display. |
|
|