الحمدُ لله، والصّلاة والسّلام على نبيّنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أمّا بعد:
فمِنَ المعلوم للجميع أنّ مِن أعظم الواجبات في الإسلام: الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر؛ فإنّ شأنه عظيم، حتى عدّه بعضُ أهل العلم ركنًا سادسًا مِن أركان الإسلام [1]، وقد جعله الله مِن أسباب خيريَّة هذه الأمة؛ قال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران: 110].
والأصلُ أنّه واجبٌ كفائي، إذا قام به مَن يكفي: سقطَ الإثمُ عن الباقين [2]، قال تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: 104]. وهو -كغيره مِن الواجبات- منوطٌ بالاستطاعة على حدّ قوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16]. وقوله -عليه الصَّلاة والسَّلام:- (مَن رأى منكم مُنكرًا فليغيّرهُ بيدهِ، فإنْ لم يستطعْ فبلسانِهِ، فإنْ لمْ يستطعْ فبقلبِهِ، وذلك أضعفُ الإيمان([3]
ومِن فضل الله على العبد أن يصطفيه فيجعله مِن أهل هذا العمل الجليل، فيدفع الله به شرورًا كثيرة ممّا يُفسد أحوال النّاس الاجتماعيّة والأخلاقيّة، فعلى مَن تصدى للقيام بواجب الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر حسب استطاعته أن يصبر ويحتسب، ولا يبالي بطعن الطَّاعنين وإعراض المعرضين؛ لذلك أقول لإخواني أعضاء الهيئة: عليهم أن يتقوا الله، ويقوموا بما يستطيعون مِن طُرق الإنكار كالتّنبيه للصّلاة، وإغلاقِ المحلات وقت الصّلاة، والنّزولِ للأسواق للإنكار على السّفهاء مِن الرّجال والنّساء باللسان، دون الدّخول معهم في مجادلات تجرُّ إلى مشكلات، ومِن المعلوم أنّ سنّة الله في عباده أن يبتلي بعضَهُم ببعض:{ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت:2-3]. {ذَٰلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ} [محمد:4]
فقوموا أيّها الأخوة -أعضاء هيئة الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر- بما تستطيعون؛ ولا تُلامون على ما لا تستطيعون، حفظكم الله، وسدَّدكم وأعانكم، وجعلكم غيثًا للمؤمنين، وغيظًا لأعداء الدّين، والحمد لله ربّ العالمين.
المقال للشيخ عبد الرحمن البراك حفظه الله و بارك في عمره على طاعته.
[1] ينظر: شرح صحيح مسلم للنووي (2/ 24)، ورسالة الأمر بالمعروف ضمن مجموع الفتاوى (28/ 121)، ورسالة الحسبة لابن تيمية (ص 11)، والآداب الشرعية بن مفلح (1/ 171)، وتنبيه الغافلين لابن النحاس (ص 19)، ومعالم القربة لابن الأخوة (ص15)، والأمر بالمعروف لخالد السبت (ص49) .
[2] ينظر: أحكام القرآن للجصاص (1/ 315)، وأحكام القرآن لابن العربي (1/ 383)، وشرح صحيح مسلم (2/ 23)، ومجموع الفتاوى (28/125)، والطرق الحكمية (2/ 622 ط. المجمع)، ولوامع الأنوار البهية (2/ 426)، والأمر بالمعروف لخالد السبت (ص135) .
[3] أخرجه مسلم (49) من حديث أبي سعيد الخدري.