بسم الله الرحمن الرحيم
( من أين نبدأ ؟)
نحو منهج عملى في طلب العلوم الشرعية
قد آذن الركب بالرحيل ومازلت أراك حائرًا ، تتعثر خطاك ، تقول : كيف السبيل ؟ كيف أطلب العلم ؟ من أين أبدأ ؟
وإنْ كان مضى طرفٌ من ذلك عارضًا فيما مرَّ فذا أوان بيانه ، فامضِ بإذن الله موفقًا ، والله أسأل أن يرزقنا الصدق والإخلاص في القول والعمل ، وأنْ يكتب لنا الصواب ، ويجنبنا الزلل إنَّه ولي ذلك والقادر عليه .
أيها المتفقه ..
لابد لك من منهجين يمضيان معًا ، لا ينفك أحدهما عن الآخر ، منهج في تلقي العلوم الشرعية ، ومنهج في التربية ، فأنت تعلم أنَّ أصول المنهج ثلاثة : التوحيد والاتباع والتزكية .
قال الله تعالى : " رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ " [ البقرة/129 ]
وقوله تعالى : " لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِين " [آل عمران/164]
وقال جل وعلا : " هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ " [ الجمعة/2 ]
فرسالة الأنبياء وورثتهم من بعدهم تتناول تلك الجوانب الثلاثة ، فلابد من علم وعمل ودعوة ، لابد من تزكية للنفوس وشحذ للعقول ، والمنهج الذي لا يراعي هذه الجوانب الثلاثة منهج يجانب الصواب.
المنهج في طلب العلوم الشرعية
أيها المتفقه ..
كثير من طلبة العلم يخبط خبط عشواء بسبب افتقاده للمنهجية في التعلم ، فهو لا يعرف ماذا يدرس ؟ بماذا يبدأ ؟ ما هي الكتب التي عليه أن يقتنيها ؟
والأمر سهل ميسور ـ بإذن الله تعالى ـ فإنَّ سلفنا الصالح قد قيدوا في ترتيب العلوم مصنفات لبيان هذه المسالة .
ولابد أن تعرف قواعد السير حتى لا يتعثر جوادك :
أولا : العلم كثير ، والعمر قصير ، فلا تشتغل بمفضول عن فاضل ، ولا تتعدَّ .
ثانيًا : خذ من كل علم بطرفه بادئ الأمر ثمَّ ترقَّ في الدرجات .
ثالثًا : علومنا كلٌ واحد فلا تركن لجانب دون الآخر .
رابعًا : علومنا منها علوم وسائل ، ومنها علوم ثمرات ، فابدأ بالبذر ، واصبر في زمان السقي ، وارتقب حصول الثمرة لتحصدها .
خامسًا : لابد من المنهجية والمرحلية ، فلكل علم ثلاث مراتب : اقتصار ، واقتصاد ، واستقصاء .
فهن ثلاث : للمبتدئ ، والمتوسط ، والمنتهي .
ولا يجوز بحال أنْ تأخذ ما جُعل لمن هو أرقى منك درجة ، وإلا بنيت من غير أسس صحيحة ، وتلك آفة التَّسرع والعجلة ، فلا تعجلْ .
سادسًا : قدِّم فروض الأعيان على فروض الكفايات على المندوبات ، وإياك ومكروه ناهيك عن حرام [1].
سابعًا : لابد من متابعٍ دليل يأخذ بيدك ، يبصِّرك بمفاتيح العلوم ، ومداخل الكتب ، لتنأى عن شبهة " تصحيف " أو " تحريف " ، ولابد أنْ يكون دليلك سلفي المنهج لتتربى بعيدًا عن التأويلات الباطلة والآراء الشاذة المنكرة .
ثامنًا : لكل علم وفن مصطلحاته ، ولا مشاحة في الاصطلاح ، فاحرص على اقتناء معاجم المصطلحات ، واجعل لكل علم دفترًا عندك ، ودوِّن فيه كل مصطلح جديد .
تاسعًا : لا يمر بك يوم دون تحصيل ، فوقتك رأس مالك ، والعلماء أبخل النَّاس بزمانهم
الوقت أنفس ما عنيت بحفظه وأراه أسهل ما عليك يضيع .
عاشرًا : الكتاب خير جليس ، وأفضل أنيس ، فلا تقرا قراءة الغافل ، بل حادثه وحاوره ، لا تكن كالإسفنجة تتشرب كل شيء ، بل كن كالقارورة المصمتة ، تبصر من وراء حجاب .