عرض مشاركة واحدة
قديم 14-03-07, 10:34 AM   #1
بشـرى
جُهدٌ لا يُنسى
Lightbulb من أظهر الأدلة على عناية القرآن الكريم بالتفكير

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا’ وسيئات أعمالنا’من يهده الله فلا مضل له,ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له,وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

أيّها الكرام:.السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:.

إنّ من أظهر الأدلة على عناية القرآن الكريم بالتفكير والاهتمام به, ما جاء في ثناياه من أمر بتدبره في آيات عديدة, منها قوله جلّ شأنه: { أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها}وكذا قوله تعالى: { كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب}.

وتدل هذه الآية الكريمة على أن الغرض الأساس من إنزال القرآن هو التدبر والتفكر في معانيه ومقاصده وأحكامه,لا مجرد التلاوة على عظم أجرها.

والمقصود بتدبر القرآن:.
هو التفكر الشامل في معاني عباراته ودلالاته,مع التفهم لمقاصده ومراميه البعيدة.

يقول ابن القيم رحمه الله فقي بيان أهمية التدبر:
ليس شيء أنفع للعبد في معاشه ومعاده من تدبر القرآن ، وجمع الفكر على معاني آياته, فإنها تطلع العبد على معالم الخير والشر بحذافيرهما, وتعطيه فرقانا ونورا يفرق به بين الهدى والضلال,وتعطيه قوة في قلبه وحياة واسعة,وانشراحا وبهجة وسرورا,فيصير في شأن والنّاس في شأن آخر.

ولأهمية التَّدبر وعظم شأنه:.

فقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ختم القرآن في أقل من ثلاث ليال.

كما في حديث عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم"لا يفقه من قرأ القرآن في أقلَّ من ثلاث"
أخرجه أبو داوود والترمذي وقال:حسن صحيح

ومن حكمة هذا النهي:.

أن الختم في أقل من ثلاث, يضعف معه التدبر ويقل
ويدل الحديث على أن فقه القرآن وفهمه والتفكر في معانيه ومراميه أفضل وأنفع من التلاوة بدون ذلك

أحبتي في الله : لو سئل أحدنا:.
أيهما أفضل: قراءة عشرة أجزاء في ليلة أو تدبر آية واحدة في ليلة بأكملها؟؟


في ظنكم ماذا سيكون جواب الأكثرين؟؟

في الغالب أن حال كثير من الناس وواقعهم يدل على:. تفضيلهم للكثرة على القلة,وتقديمهم للكم على الكيف,وهذا يدل على خلل في تفكير بعضنا.

يقول ابن القيم:.قراءة آية بتفكر وتفهم , خيرٌ من قراءة ختمه لغير تدبر وتفهم
وبما أن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم فقد كان من حاله عليه الصلاة والسلام ما ورد في الحديث الثابت الذي رواه أبو ذر رضي الله عنه قال: صلى رسول الله صلى رسول الله عليه وسلم ليلة فقرأ بآية حتى أصبح,يركع بها, ويسجد بها.

وهذا يدل على أنه عليه الصلاة والسلام أفضل التدبر على كثرة التلاوة فقام ليلته تلك يقرأ آية واحدة فقط.

ومما يستدل به على فضل تدبر القرآن:.

ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"ما اجتمع قوم في بيوت من بيوت الله,يتلون كتاب الله ,ويتدارسونه بينهم,إلا نزلت عليهم السكينة,وغشيتهم الرحمة,وحفتهم الملائكة,وذكرهم الله فيمن عنده"

فنزول السكينة والرحمة وحضور الملائكة وذكر الخالق عزّ وجل لأولئك القوم,لم يكن بسبب التلاوة فقط,كما يفهم من الحديث فقد كانوا مع تلاوتهم, يتدارسونه بينهم أي يتدبرون ألفاظه, ومعانيه,وتراكيبه,مع التفكر في ذلك كله,سعيا للوصول إلى الفهم الصحيح ,والعمل به, وهكذا كان شأن الصحابة رضوان الله عليهم,في اهتمامهم بتدبر آيات الكتاب الكريم, فعن ابن مسعود قال: "كان الرّجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهنّ,حتى يعرف معانيهنّ,والعمل بهنّ"

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: " تعلم عمر البقرة في اثنتي عشرة سنة،فلما ختمها نحر جزورا"

وطول المدة ليس عجزا أو تكاسلا من عمر رضي الله عنه, ولكنه التدبر والتفكر.

أيها الأخوة الكرام:ومن الأمور المعينة على تدبر القرآن وتفهمه ما يلي:

أولا:. الإخلاص لله عز وجل,وتصحيح القصد,وتفريغ النفس من شواغلها,وحصر الفكر مع القرآن.

ثانيـــا:. التلاوة بتأن واسترسال,بعيدا عن الاستعجال والسرعة,مع الخشوع والتأثر.
وقد وصف أحدهم قراءة الفضيل بن عياض فقال:" كانت قراءته حزينة,شهية,بطيئة ,مسترسلة,كأنه يخاطب إنسانا"

ثالثــــا:. الالتزام بفهم السلف الصالح وتفسيرهم القرآن,ويتحقق ذلك بالرجوع إلى التفاسير المشهورة على منهج السلف,أو إلى أحدها على الأقل, والرجوع إلى أقوال العلماء وفي التفسير يعين على التدبر.كما قال إياس بن معاوية رحمه الله" مثل الذين يقرؤون القرآن وهم لا يعلمون تفسيره,كمثل قوم جاءهم كتاب من ملكهم ليلا وليس عندهم مصباح فتداخلتهم روعة , لا يدرون ما في الكتاب,ومثل الذي يعلم التفسير كرجل جاءهم بمصباح فقرؤوا ما في الكتاب".

رابعــــا:. التمكن من قواعد علوم التفسير وأصوله, مع الاستعانة بما كتبه بعض العلماء في العصر الحديث في قواعد التدبر ووسائله.

خامســـا:. الوقوف بالنظر في معاني كلماتها, وتراكيب جملها, وترتيب سياقها, وسبب نزولها, وما يدخل في الآية من باب النزول, ومفهوم المخالفة, إلى غير ذلك.

سادســا:. التعرف على المقاصد الكبرى,والمحاور الرئيسة,والخطوط العريضة,لكل سورة من سور القرآن الكريم.

سابعـــا:. مراعاة مناسبة الآيات ,ويتحقق هذا:.
بالتساؤل عن علاقة الآية السابقة بالتي تليها,وبما قبلها.
ومن أنفع الكتب في معرفة هذا الأمر.
تفسير البقاعي المسمى: نظم الدرر في تناسب الآيات والسور

ثامنـــا:. الموازنة بين الواقع المعاصر,ومضمون الآية ومعناها, بحيث يجعل أحدنا من الآية منطلقا لعلاج حياته وواقعه,وميزانا لما حوله وما يحيط به, فيتلو القارئ وهو يستشعر أن القرآن كأنه خطاب من الخالق له.

قال ابن القيم رحمه الله:. إذا أردت الانتفاع بالقرآن فاجمع قلبك عند تلاوته وسماعه,والق سمعك,واحضر حضور من يخطابه به, من تكلم به سبحانه,فإنه خطاب منه لك,على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم .


اللهم اجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا, ونور صدورنا, وجلاء أحزاننا وذهاب همومنا, وصلى الله وسلم على عبده ونبيه محمد وعلى أله وصحبه أجمعين.. وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

د/خالد بن منصور الدِّريس



توقيع بشـرى
قال ابن قتيبه - رحمه الله- :كان طالب العلم فيما مضى يسمع ليعلم, ويعلم ليعمل, ويتفقه في دين الله لينتفع وينفع, وقد صار الآن: يسمع ليجمع, ويجمع ليذكر, ويحفظ ليغلب ويفخر..
بشـرى غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس