عرض مشاركة واحدة
قديم 13-01-09, 08:07 AM   #8
إيمان مصطفى عمر
|مديرة معهد العلوم الشرعية|
Icon59 تابع الشريط الثاني .........

المتن:



الحكمة من نزول القرآن الكريم


من تقسيم القرآن إلى مكي ومدني ، يتبين أنه نزل على النبي صلى الله عليه وسلم مفرقا . ولنزوله على هذا الوجه حكم كثيرة منها :


1- تثبيت قلب النبي صلى الله عليه وسلم ، لقوله تعالى : (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً (يعني كذلك نزلناه مفرقاً)كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً(32) وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ (ليصدوا الناس عن سبيل الله) إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً(33) (الفرقان:32-33)


2- أن يسهل على الناس حفظه وفهمه والعمل به ، حيث يقرأ عليهم شيئا فشيئا ، لقوله تعالى : ( وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً) (الإسراء :106 )


3- تنشيط الهمم لقبول ما نزل من القران وتنفيذه ، حيث يتشوق الناس بلهف وشوق إلى نزول الآية ، لا سيما عند اشتداد الحاجة إليها كما في آيات الإفك واللعان.


4- التدرج في التشريع حتى يصل إلى درجة الكمال ، كما في آيات الخمر الذي نشأ الناس عليه وألفوه ، وكان من الصعب عليهم أن يجابهوا بالمنع منه منعا باتا ، فنزل في شأنه أولا قوله تعالى : (يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا)(البقرة: الآية 219) فكان في هذه الآية تهيئة للنفوس لقبول تحريمه حيث إن العقل يقتضي أن لا يمارس شيئا إثمه أكبر من نفعه .




ثم نزل ثانيا قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ)(النساء: الآية 43) فكان في هذه الآية تمرين على تركه في بعض الأوقات وهي أوقات الصلوات ، ثم نزل ثالثا قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (المائدة:90) ( إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) (المائدة:91) (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) (المائدة:92) فكان في هذه الآيات المنع من الخمر منها باتا في جميع الأوقات ، بعد أن هيئت النفوس ، ثم مرنت على المنع منه في بعض الأوقات .



شرح الشيخ :



تثبيت قلب النبي صلى الله عليه وسلم : لا شك ان الوحي اذا نزل عليه كل يوم مرة او باليومين مرة او بالثلاثة مرة , لا شك انه يزداد ثبوتا , انت اذا كلمك صاحبك كل مرة ازددت تمسكا به ومحبة له , واذا بقي شهر او شهرين لا يكلمك الا مرة ماتت المودة .؟



يقول تعالى :


(وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً)


هذه شبهة منهم يقولون الرسل كلهم تنزل عليهم الكتب مرة واحدة , فلما هذا الرجل ينزل عليه مفرقا , وهذه عند الجاهل شبهة . قال تعالى :


كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً


كذلك: يعني نزلناه مفرقا , لذلك يحسن الوقوف على قوله ( جملة واحدة ) , وهذا من عناية الله تعالى برسوله صلى الله عليه وسلم ان يثبت فؤاده بنزول القرآن مفرقا , ومن نعمة الله علينا نحن ان ترد على قلوبنا ما تكون سببا لتثبيت القلب وحياته بعد موته وذكره بعد غفلته , وذلك يحصل بالتأمل , احيانا انسان تأتيه ساعات يتأمل في مخلوقات الله , فيجد قلبه يزداد ايمانا, هذا التفكير بمنزلة سقي الشجرة اذا كانت عطشة , ولذلك يجب ان نلاحظ قلوبنا في هذه الناحية , حتى لا تستولي عليها الغفلة .


يقول تعالى :


وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً(33) (الفرقان:32-33)


اللهم لك الحمد , هذا من نصر الله لنبيه , يعني اي مثل يأتون به ليصدوا الناس عن سبيل الله فإن الله تعالى يأتي بالحق وأحسن تفسيرا اي بيانا ووضوحا .


ثانيا :



أن يسهل على الناس حفظه وفهمه والعمل به ، حيث يقرأ عليهم شيئا فشيئا وهذه فائدة عظيمة , ان اذا نزل شيئا فشيئا سهل على الناس فهمه , وكذلك حفظه والعمل به , ( الحفظ والفهم والعمل به )


ايضا من الفوائد التدرج في التشريع , وهذا من الحكمة العظيمة , ان لا يجابه الناس بالشرائع مرة واحدة فانهم ان حصل لهم ذلك صعب عليهم الامر , ولكن بالتدريج , والشريعة كلها مبنية على هذا


ارايت قول النبي صلى الله عليه وسلم قال : مروا أبنائكم بالصلاة , لسبع واضربوهم عليها لعشر .


هذا تدريج , اولا الامر ثم الضرب .


اذن التدرج بالتشريع من الحكمة .


كذلك التدرج في الامر والنهي , فيما كمل تشريعه , كحالنا اليوم , الشريعة اليوم تمت , فاذا وجدنا أحدنا مقصرا في شئ من الامور وايمانه ضعيف , لو اوردنا عليه الامور جميعا لانتكس , فهل لنا ان ندرجه ؟ نعم , لاننا لا نحاول انسلاخه من الدين او اقراره على معصية , نحاول انتشاله من المعصية , لكن بطريق يسهل عليه , لو رأينا مبتلى بشرب الدخان وقلنا له اترك الدخان فانه لا يسهل عليه ان يتركه مرة واحدة , فاذا قال : اشرب باليوم مرتين , نقول له نعم . ثم بالتدريج ربما ينته ,فالمهم متى كان التدريج في تغيير المنكر انفع فاننا نفعل .


اما الواجب فلا نتساهل فيه , لو قال اسمحولي اصلي الظهر والعصر والمغرب , والعشاء والفجر صعب علي , ماذا نقول ؟


يلزمنا ان نقول ان تصلي الجميع .


وان كان جاء في الصحيح ان قوما أتوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليسلموا , فاشترطوا عليه على الا يصلوا , قال لكم هذا , فقيل يا رسول الله :كيف ؟ قال : انهم اذا اسلموا صلوا .


هذا الذي يشترط على ان لا يصلي العشاء والفجر , نقول اذا صلى الثلاث وهو عن ايمان ويقين فلا بد له ان يصلي العشاء والفجر .


لكن مع ذلك لا تقتنع نفسي ان أقول لا بأس ان نوافقه على هذا الشرط بل نقول ان الصلوات خمس وهي سهلة .


لكن في مسألة المحرمات فلا بد من التدريج في هواه .


كما في آيات الخمر الذي نشأ الناس عليه وألفوه , وكان من الصعب عليهم ان يجابهوا عليه بالمنع منه منعا باتا , يقول النبي عليه الصلاة والسلام : كل مسكر حرام .


والخمر هو مسكر


فما معنى الاسكار ؟ الاسكار هو تغطية العقل على وجه الطرب واللذة , ولذلك لا نقول ان البنج خمر لانه يغطي العقل لكن ليس على سبيل الخمر واللذة , السكران والعياذ بالله , يجد نشوة عظيمة كأنه يطير بين السماء والارض , كانه ملك من الملوك ,ويقول الشاعر الجاهلي :


ونشربها فتتركنا ملوكا


وانظر الى قصة حمزة عم الرسول عليه الصلاة والسلام , جاء علي يشكو عمه حمزة للرسول صلى الله عليه وسلم لان عليا كان له بعيرا فمر بحمزة وهو سكران , وعنده جارية تغنيه , فتقول : الا يا حمز للشرف النواعي .


تحثه على النحر , فقام وجب أسنتهما وبقر بطونهما وأكل من أكبادهما , فجاء علي الى النبي يشكو اليه عمه , فذهب النبي صلى الله عليه وسلم اليه ومعه الناس ,لما أقبل عليه فاذا هو ثمل , سكران , فقال : يا عم ماهذا ؟ فقال : اذهب فهل انتم الا عبيد ابي .


من يعني ؟ الرسول وأصحابه وعلي بن ابي طالب , فتراجع النبي عليه الصلاة والسلام , لان هذا القول لو قاله عن صحوة لكان كفرا ,لانه في غاية ما يكون عداء للرسول عليه الصلاة والسلام , لكنه لا يؤخذ بقوله .


اذن الخمر يغطي العقل على وجه اللذة والارتفاع والسلطان والنشوة , كان حلالا في اول الاسلام , لان الله أقرهم عليه , وقيل انه كان حلالا في قوله تعالى :


-( ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا إن في ذلك لآية لقوم يعقلون )- [النحل/67]


اي ان هذا اباحة صريحة لهم , انزل الله به قوله تعالى :


-( يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما )- [البقرة/219]


ولم يقل حرام , بل قال إثم كبير ومنافع للناس , وهذا ليس تحريما , لم يقل فاجتنبوهما , وتامل قوله ( ومنافع ) منافع : صيغة جمع , منتهى الجموع , والاثم واحد لكنه بالكيفية أشد من قول المنافع , لان المنافع من حيث الكمية أكثر , والاثم الكبير من الحيث الكيفية أعظم , ولهذا قال إثمهما أكبر من نفعهما ولم يقل أكثر لان هذا بالكيفية لا بالكمية .


فما هو الميسر ؟ الميسر هو القمار , وهو كل معاملة يقوم بها الانسان بين غارم او غانم , فكان في هذه الآيو تهيئة للنفوس لقبول تحريمه حيث ان العقل يقتضي ان لا يمارس شيئا إثمه أكبر من نفعه , فالعاقل امتنع عنه .


ثم نزل ثانيا قوله تعالى :


-( يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون )- [النساء/43]


فكان في هذه الآية تمرين على الترك في بعض الاوقات وهي أوقات الصلوات , وقوله حتى تعلموا ما تقولون , فيه دليل على ان السكران لا يعلم ما يقول , فستفاد منه فوائد كثيرة :


1" لو ان السكران اعتق جميع عبيده , هل يعتقون ؟ لا لانه لا يعلم ما يقول .


2" لو ان السكران لو طلق نساءه , هل يعق الطلاق ؟ لا لانه لا يعلم ما يقول


3" لو انه أوقف امواله , لا يقع ذلك ...


ويقاس عليه الغضبان اذا كان من شدة الغضب لا يعلم ما يقول , فإنه يلحق بذلك


ولهذا كان القول الراجح ان طلاق الغضبان الذي لا يعلم ما يقول لا يقع .


ويؤخذ من هذا , انه يجب ان يصلي وهو يعلم ما يقول ,فيكون في هذا دليل على وجوب الخشوع بالصلاة , وهو احضار القلب لانه لا يمكن ان يعلم ما يقول الا اذا كان قلبه حاضرا , فان لم يكن حاضرا صار ركوعه وسجوده وتسبيحه وقرآنه من غير قصد , بل آلة ميكانيكية , وقد ذهب الى هذا بعض العلماء وقال انه اذا غلب الوسواس ( الهواجيس ) على أكثر الصلاة فإنها تبطل .


هل نقول على هذا القول أنه يستلزم انه يجب ان تبطل صلوات الناس الآن ؟ ام لا ؟


لا , لا يلزم , بل يلزم على هذا القول ان الناس يستقيمون على احضار قلوبهم , لانه لو جاء يستفتيك وقال انه صلى لكن كل صلاته كان غائبا ما استحضر الا بالتشهد الاخير ,فنقول : أعد الصلاة , ولكن ما ظنكم بالصلاة المقبلة ؟


هل يوسوس ام لا ؟ لا طبعا , اذن هذا القول يحزم الناس على الخشوع , لكن القول الراجح انه لا تبطل الصلاة ,


لان النبي صلى الله عليه وسلم أخبر ان الشيطان اذا أذن المؤذن أدبر وله ضراط , فإذا فرغ من الأذان أقبل على الانسان فاذا أقيمت الصلاة ولى , فإذا انتهت الاقامة حضر وصار يقول للانسان في صلاته اذكر كذا وكذا ,,, يعني يذكره بالاشياء , ولم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم ان صلاته تبطل .



ثم نزل قوله تعالى :


-( يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون )- [المائدة/90]


يقول ابن مسعود رضي الله عنه : اذا سمعت الله يقول يا أيها الذين آمنوا , فارعها سمعا , فإنها اما خيرا تؤمر به وإما شر تنهى عنه .


قال تعالى : فاجتبنوه : اذا هو شر تنهى عنه ,


الانصاب : ما يعبد من دون الله


الأزلام : ما يستقسم به , وكانوا في الجاهلية يستقسمون بالازلام , بدل ان يصلي الاستخارة يستقسمون بها .


هنا انزل الله تعالى هذه الاربعة لحكم واحد , فهل هي متساوية في هذه الحكم ؟


الجواب : لا , معلوم ان الانصاب أشد من الخمر والميسر , اذ ان الانصاب كفر ,والازلام دون الانصاب والميسر والخمر دونهما , وعلى هذا فيكون الاشتراك في أصل الحكم لا في نوعه , وانما قرن الله تعالى ذلك بالانصاب التي هي عبادة الاصنام لشدة التحذير منها , وانها تنافي كمال التوحيد .


وقوله رجس من عمل الشيطان , الرجس : هو النجس , سواء حسيا او معنويا ,


الحسي هو النجاسة الحسية , المعنوي : هي النجاسة المعنوية


قوله تعالى :


-( قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن ربك غفور رحيم )- [الأنعام/145]


هنا الرجس الحسي , ما قوله تعالى :


-( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا )- [الأحزاب/33]


هنا الرجس المعنوي , وقوله تعالى :


-( فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور )- [الحج/30]


هنا الرجس المعنوي .


بالعودة الى قوله تعالى :


-( يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون )- [المائدة/90]



هنا الرجس معنوي , ولهذا قرنت بانها من عمل الشيطان , بدليل هل في الميسر نجاسة حسية ؟


لا , فهي مغالبة بالاموال , والنصب هو اما حجرا او خشبة او غيرها


اذن نجاسة معنوية , والخمر هو نجاسة معنوية , ولو اصاب الثياب فانه لا ينجسها , فان قال قائل : أليس هو حرام ؟


نقول : بلا , لكن هل يلزم من التحريم النجاسة ؟ لا , لا يلزم .


فها هو السم حرام وليس بنجس كذلك الدخان , فإذا قال قائل ان الرسول الكريم سماه انه أم الخبائث .


نقول : أي الخبائث ؟ هي الخبائث المعنوية . اذن لا دليل على ان الخمر نجس نجاسة حسية , وقد جاءت السنة في بيان طهارته , حرمت الخمر وهي في أوان الصحابة فخرجوا بها الى السوق وأراقوها , ولم يغسلوها ولم يؤمروا بغسلها , ولو كانت نجسة لأؤمروا بغسلها .


ان قال قائل : حكم بنجاستها بعد ان تخمرت , فتكون في اول الامر طاهرة ولذلك لم يؤمروا بغسلها ,


نقول هذا ينتقض بلحوم الحمر , حرمت الحمر ولحمها يغلي في القدور , فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بإراقتها وكسر القدور قالوا : يا رسول الله أو نغسلها ؟ قال : اغسلوها , فأمر بغسلها مع أنها لم تحرم الا بعد ان كانت في القدور ,


ثم نقول , الصحابة رضي الله عنهم , بعد ان حرمت أراقوها في الاسواق , وهل يمكن ان يراق الشئ النجس في اسواق المسلمين , لا يمكن فيلوث عليهم ثيابهم وابدانهم


ثم نقول , أتى رجل الى رسول الله صلى الله عليه وسلم براوية من خمر , الراوية هي قربة كبيرة , يريد ان يتودد بها الى رسول الله , فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها حرمت , والمحرم لا يجوز قبوله , فتكلم معه أحد الصحابة سرا , مع الرجل , فقال له بما ساررته , قال : قلت له بعه . قال : لا ان الله اذا حرم شيئا حرم ثمنه , ففتح الرجل فم الراوية وأراق الخمر بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم ولم يقل له اغسل الراوية , وهذا دليل واضح على عدم نجاستها , ولو كان الخمر نجس نجاسة حسية لوجب ان يعلمه الرسول عليه الصلاة والسلام لانه رجل جاهل .


وهذه أدلة واضحة على ان الخمر ليس نجس نجاسة حسية , والقول بانها نجاسة حسية لا يقتضي ان يلزم الناس بتجنبها , يكفي ان نقول انها نجاسة معنوية لمن كان مؤمنا , اما غير المؤمن لا يهمه , انك لترى أناسا يبولون ويقومون من البول دون استنجاء ولا استجمار لا يهمهم .


اذن الخمر طاهر طهارة حسية , ونجسة نجاسة معنوية لا شك في هذا , وكيف يطهر الناس منها ؟ يطهرون منها بالردع , يعني التأديب


كان الرجل يؤتى به على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم شاربا , قيقوم النس اليه , هذا يضربه بيده وهذا بنعله ..... نحو اربعين جلدة


وفي عهد ابي بكر تقرر اربعين جلدة


وفي عهد عمر رضي الله عنه تقرر اربعين جلدة , ثم كثر شرب الناس للخمر لانهم حديثوا عهد بالاسلام , والفترحات بعهد عمر كثرت فدخل بالدين من ايمانه ضعيف فكثر شرب الخمر , وكان من عادة امي المؤنين عمر على كونه صائب الرأي , من عادته ان الامور العامة يجمع الناس لها , فجمعهم وقال : ان الخمر قد كثر كما ترون ,


فقال عبد الرحمن بن عوف : يا امير المؤمنين أخف الحدود ثمانين , ( يعني حد القذف ) فجعل عمر رضي الله عنه عقوبة الخمر ثمانون , وهذا مع ما سبق يدل على ان عقوبة شارب الخمر ليست حدا , وانما هي ردع وتعزير لان عبد الرحمن بن عوف طرح القضية وكل الصحابة وافقوا عليها , ولو كان عقوبة شارب الخمر حدا لكان أخف الحدود اربعين , فعلم بهذا على ان عقوبة شارب الخمر ليست حدا لكنها تعزير الا انه لا يقل عن الاربعين , هذا دليل واضح .


ويدل له ايضا , على ان شارب الخمر جلده عقوبة وليس حدا , انه لو كان حدا اربعين جلدة هل يمكن لعمر او غيره ان يرفعه اذا كثر الناس فيه ؟ لا طبعا , ولهذا لو كثر الزنى , هل نقول بدل المئة جلدة مئتين ؟ لا لان الحدود لا تتعدل .


آخر , ان الرسول صلى الله عليه وسلم قال في شارب الخمر , اذا شرب فاجلدوه ثم اذا شرب فاجلدوه , ثم اذا شرب فاجلدوه ثم اذا شرب فاقتلوه .


هل حدد الجلد ؟ لا , اجلدوه , يعني الجلد الرادع , اطلق الجلد ولم يرد عنه حديث صحيح في التحديد فهو اذن عقوبة


وفي الرابعة يقتل , يعني اذا جلد ثلاث مرات ولم يرتدع , ما بقي لبقاءه فائدة وبقاؤه في الدنيا ضرر على نفسه , واعدامه خير من ابقاءه فلهذا كان في الرابعة يقتل ,


وهل يقتل وجوبا او بحسب ما يراه الامام من المصلحة ؟


الثاني , لكن ابن حزم علي بن محمد رحمه الله , منجنيق العرب وسليط اللسان , عفى الله عنه , أبى ذلك , وقال يقتل في الرابعة وجوبا حدا , وكيف نخالف امر رسول الله عليه الصلاة والسلام , والخير بما أمر به , فيقتل بكل حال , وكلامه جيد في الواقع , اذا صححنا الحديث فليس لنا بد من العمل به , والحديث صحيح , لكنه عند الجمهور منسوخ والنسخ في هذه المسألة أبعد من الثريا عن الثرى , لماذا ؟


يحتاج الى العلم بالتاريخ , ويحتاج الى تعذر الجمع , فأين هذا .


اما شيخ الاسلام رحمه الله , حبر زمانه , فصل في الامر , قال اذا لم ينته الناس الا بالقتل في الرابعة قتلوا , فجعله تعزيرا راجعا الى الامام , كلام الشيخ رحمه الله كلام جيد ولا مانع ان يحمل الحديث على هذا , لان هذا الذي تكرر منه شرب الخمر ثلاثا مرات ويجلد في كل مرة , معناه انه ليس منته عما يفعله ,


والثلاث غاية لاشياء كثيرة :


الاستئذان , والسلام واعادة الكلام لمن يفهمه


فالذي يترجح هو كلام شيخ الاسلام رحمه الله , انه اذا لم ينته الناس من دون القتل في الرابعة قتلوا , واذا قتلناه أحيينا امة كثيرة , وخلصناهم من شرب هذا الخبيث , ومع الاسف الشديد انه يوجد في البلاد الاسلامية اليوم من يحلون الخمر بقولهم حلال , قد لا يستطيع الحاكم ان يقول حلال , لكن تمكينه بعلان هذا الخمر ووضعه في البقاليات وفي البرادات , هذا بمنزلة استحلاله , لكنه استحلال عملي لا قولي ,


وهذا يؤسف له , ولذلك كتب الذل على من جوازاتهم مسلم , لانه ما بقي من الاسلام الا اسمه ولا من القرآن الا اسمه , ولهذا كتب الذل والعار والخزي على هذه الامة التي تتسمى بالاسلام , لو كانت مسلمة حقيقة يلعب عليها نذل من الانذال ؟ لكن ذلوا فأذلهم الله عزوجل ,ويذكر عن عمر رضي الله عنه , انه كان يقول : نحن قوم أذلاء اعزنا الله بالاسلام فمتى ابتغينا العزة بدونه أذلنا الله .


يقول تعالى :


-( فاجتنبوه لعلكم تفلحون )- [المائدة/90]


لعل هنا : للتعليل , يعني لتفلحوا , والفلاح هو حصول المطلوب والنجاة من المرهوب .


انما يريد الشيطان ان يوقع بينكم العداوة , اذن كل عمل يوجب العداوة بيننا هو من وحي الشيطان , وهو من مرادات الشيطان , الشيطان مراده ان يوقع العداوة والبغضاء في الخمر والميسر


العداوة ضد الولاية , والبغضاء ضد المحبة , فلا محبة ولا ولاية وانما هي عداوة


ولذلك تجد ان الشطان يلعب بابن آدم , اذا سمع من اخيه كلمة تحتمل الخير والشر , يوسوس له الشيطان ويقول له احملها على الشر .


وقوله في الخمر والميسر : اي بسببهما , اذن الفاء للسببية , وهل تاتي في للسببة ؟ نعم كثيرا , ومنه قوله صلى الله عليه وسلم :


دخلت النار امرأة في هرة حبستها


يعني بسبب هرة .


وقوله :(ويصدكم عن ذكر الله ) الله اكبر , ولهذا يقول بعض الناس انه يلحقه الارق عند النوم , فاذا شرع يسبح نام على طول , أتى الشيطان له بالنوم ليصده عن ذكر الله , فالشيطان حريص منا ان يصدنا عن ذكر الله , وقد لا يصدنا عن الذكر باللسان ولكن يصدنا عن الذكر بالجنان , بالقلب ,


وقوله : ( وعن الصلاة ) الصلاة من الذكر , بل هي افضل انواع الذكر , لان فيها قرآن , تسبيح , دعاء , هيئات تدل على التعظيم والذل , ونص عليها لشرفها , لان ذكر الخاص بعد العام يدل على شرفه .


ومنه قوله تعالى :


-( تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر )- [القدر/4]


المراد بالروح جبريل وهو منهم , ولكن التنصيص عليه يدل على شرفه .



طيب , هل الشيطان يصدنا عن الصلاة ؟ نعم كثيرا , اذا أذن والانسان يعمل شيئا يقول سانهي عملي بسرعة واذا به تفوته الصلاة , وهذا واقع كثيرا , ثم اذا قدر ان الانسان دحر الشيطان وذهب يصلي , صده من جهة اخرى وهي الوسوسة


ولهذا شكى رجل الى رسول الله صلى الله عليه وسلم الوسوسة , فقال له : ذلك شيطان يقال له خنزة .(علم هذا الاسم بالوحي ) فاذا احسست به فاتفل عن يسارك ثلاثا واستعذ بالله منه , ففعل الرجل , يقول : فذهب عني ما اجد ,.


لماذا ؟ لانه فعل ذلك عن ايمان , وتصديق فصار الدواء ناجعا , اما الواحد من الناس فقد يتفل عن يساره ثلاثا ويستعذ بالله من الشيطان الرجيم لكن لما يذهب الى الصلاة يأتيه , لان الايمان بهذا الدواء ضعيف .



يتبع الشريط الثالث
الملفات المرفقة
نوع الملف: doc الشريط2.Doc‏ (144.3 كيلوبايت, المشاهدات 938)

التعديل الأخير تم بواسطة إيمان مصطفى عمر ; 01-02-09 الساعة 05:17 PM
إيمان مصطفى عمر غير متواجد حالياً