عرض مشاركة واحدة
قديم 05-04-10, 01:13 PM   #6
أم جويرية الأثرية
|نتعلم لنعمل|
افتراضي

الآية الأولى:

قال الله تعالى (قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسج الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم وما الله بغافل عما يعملون) (البقرة:144)


النظر في هذه من ثلاثة وجوه:
الوجه الأول: النظر في سبب النزول
الوجه الثاني: النظر في لغة العرب
الوجه الثالث: النظر في أحكامها

فأما سبب نزول الآية فمنه ما تعلق بها مباشرة ومنه ما تعلق بأثره:

فقد روى مسلم عن أنس ، : أن رسول الله كان يصلي نحو بيت المقدس، فنزلت: {قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام} فمر رجل من بني سلمة وهم ركوع في صلاة الفجر، وقد صلوا ركعة، فنادى: ألا إن القبلة قد حولت، فمالوا كما هم نحو القبلة.
وعند البخاري: فتوجه نحو الكعبة، وقال السفهاء من الناس ـ وهم اليهود ـ {ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها؟ قل لله المشرق والمغرب، يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم} (البقرة: 142)
وقد أورده القاسم بن سلام في ناسخه ومنسوخه.
وفي صحيح ابن خزيمة: عن ابن عباس ، قال : لما وجه النبي، إلى الكعبة قالوا: كيف بمن مات من إخواننا وهم يصلون نحو بيت المقدس؟ فأنزل اللهُ جل وعلا: {وما كان اللهُ ليضيع إيمانكم} (البقرة: 143) (1:99)

وأما النظر في لغة العرب مما تعلق به الحكم وحصل فيه الخلاف:
الشطر في اللغة اسم مشترك يقع على معنيين: أحدهما: يقال على النصف من الشيء، والثاني يقال على القصد والناحية والجهة.
فمن الأول قوله صلى الله عليه وسلم: الطهور شطر الإيمان. رواه مسلم
والثاني الآية. قال الجصاص: . ولا خلاف أن مراد الآية هو المعنى الثاني، قاله ابن عباس وأبو العالية ومجاهد والربيع بن أنس. ولا يجوز أن يكون المراد المعنى الأول.

وأما النظر في أحكامها:
فقد جمعت الآية أحكاما عدة نذكر منها:
أولا: جواز النسخ في كتاب الله تعالى
والمقصود بالنسخ في لغة العرب فقد يأتي بمعنى الإبطال والإزالة منه قوله تعالى: {وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أُمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته} [الحج: 52] وقد يأتي بمعنى النقل كقولك نسخت الكتاب.

وأما في اصطلاح الفقهاء والأصوليين فهو: رفع الحكم الشرعي بدليل شرعي متأخر
قال ابن عبد البر: وفي ذلك دليل على أن في أحكام الله تعالى ناسخا ومنسوخا، وهو ما لااختلاف فيه بين العلماء الذين هم الحجة على من خالفهم.
قال القرطبي في تفسيره: في هذه الآية دليل واضح على أن في أحكام الله تعالى وكتابه ناسخا ومنسوخا، وأجمعت عليه الأمة إلا من شذ.اهـ
و النسخ تعريف بقضاء مدة العبادة وإعلام سقوط مثل ما كان واجباً بالمنسوخ، وارتفاعه فيما يستقبل من الزمان.
والنسخ أنواع:
قال الزرقاني في مناهل العرفان:
النسخ إلـى بدل يتنوع إلـى أنواع ثلاثة:
أولها: النسخ إلـى بدل أخف علـى نفس الـمكلف من الـحكم السابق كنسخ تـحريم الأكل والشرب والـجماع بعد النوم فـي لـيل رمضان بإباحة ذلك؛ إذ قال سبحانه: {أحل لكم لـيلة الصيام الرفث إلـى نسائكم، هن لباس لكم وأنتم لباس لهن، علـم الله أنكم كنتم تـختانون أنفسكم فتاب علـيكم وعفا عنكم، فالآن باشروهن، وابتغوا ما كتب الله لكم، وكلوا واشربوا حتـى يتبـين لكم الـخيط الأبـيض من الـخيط الأسود من الفجر} (البقرة: 187).
ثانـيها: النسخ إلـى بدل مساوٍ للـحكم الأوّل فـي خفته أو ثقله علـى نفس الـمكلف، كنسخ وجوب استقبال بـيت الـمقدّس بوجوب استقبال الكعبة فـي قوله سبحانه: {قد نرى تقلب وجهك فـي السماء فلنولـينك قبلة ترضاها، فول وجهك شطر الـمسجد الـحرام، وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره} (البقرة: 144).
(فالناسخ مثل المنسوخ في التغليظ)
وقال ابن عبد البر في الاستذكار: وقد أجمع العلماء على أن أول ما نسخ من القرآن شأن القبلة، وأجمعوا على أن ذلك كان بالمدينة، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلّم إنما صرف عن الصلاة إلى بيت المقدس وأمر بالصلاة إلى الكعبة بالمدينة.
هذان النوعان لا خلاف فـي جوازهما عقلا ووقوعهما سمعا عند القائلـين بالنسخ كافة.
ثالثها: النسخ إلـى بدل أثقل من الـحكم الـمنسوخ. وفـي هذا النوع يدب الـخلاف: فجمهور العلـماء يذهبون إلـى جوازه عقلا وسمعا... ومن تلك الأمثلة أن الله تعالـى نسخ إباحة الـخمر بتـحريمها.اهـ
ومنه: نسخ صوم عاشوراء بصوم رمضان.

وفي الآية دليل على أن من لم يبلغه الناسخ إنه متعبد بالحكم الأول.. لأن الناسخ خطاب، ولا يكون خطابا في حق من لم يبلغه.
ثانيا: وجوب استقبال القبلة
قال ابن عبد البر: قال الله عز وجل: فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره (الآية الكريمة 150 من سورة البقرة).
وأجمعوا على أنه فرض واجب على من عاينها وشاهدها استقبالها بعينها وأنه إن ترك استقبالها وهو معاين لها فلا صلاة له.
أجمعوا أن على من غاب عنها بعد أو قرب أن يتوجه في صلاته نحوها بما قدر عليه من الاستدلال على جهتها من النجوم والجبال والرياح وغيرها.
قال ابن العربي: هذا خطاب لجميع المسلمين، من كان منهم معاينا للبيت، ومن كان غائبا عنه.
فإن قيل ما الواجب في استقبال القبلة؟
وقد اختلف العلماء: هل فرض الغائب عن الكعبة استقبال العين؟ أو استقبال الجهة؟ فمنهم من قال: فرضه استقبال العين ؛ وهذا ضعيف؛
لأنه تكليف لما لا يصل إليه. ومنهم من قال الجهة؛ وهو الصحيح لثلاثة أمور:
أحدها: أنه الممكن الذي يرتبط به التكليف.
ولا تكليف بما لا يطاق إلا على سبيل الاختبار والامتحان في زمن الوحي.
قال تعالى: يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين فلما أسلما وتله للجبين وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا}الصافات 101
الثَّاني: أنه المأمور به في القرآن، إذ قال: {فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره} فلا يلتفت إلى غير ذلك.
الثالث: أن العلماء احتجوا بالصف الطويل الذي يعلم قطعا أنه أضعاف عرض البيت، ويجب أن يعول على ما تقدم؛ فإن الصف الطويل إذا بعد عن البيت أو طال وعرض أضعافا مضاعفة لكان ممكنا أن يقابل جميع البيت.
قلت: قال ابن عبد البر: وإنما تضيق القبلة كل الضيق على أهل المسجد الحرام، وهي لأهل مكة أوسع قليلا، ثم هي لأهل الحرم أوسع قليلا، ثم هي لأهل الآفاق من السعة على حسب ما ذكرنا.
أم جويرية الأثرية غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس