عرض مشاركة واحدة
قديم 20-03-10, 07:21 PM   #3
أم جويرية الأثرية
|نتعلم لنعمل|
افتراضي

المقدمة الثانية للممهدة لآيات الأحكام


المقدمة الثانية في بيان ما يعين على تمام التصور وحسن الفهم وأعني بذلك معرفة أسباب النزول.

والمقصود بسبب النزول:
هو ما نزلت الآية أو الآيات متـحدِّثةً عنه أو مُبَـيِّنَةً لـحكمه أيامَ وقوعه.

يقول صاحب كشف الظنون:
علم أسباب النزول، من فروع علم التفسير
ـ وهو علم، يبحث فيه عن: سبب نزول سورة، أو آية، ووقِتها، ومكانِها ، وغير ذلك.
ومباديه: مقدمات مشهورة، منقولة عن السلف.
والغرض منه: ضبط تلك الأمور.
وفائدته: معرفة وجه الحكمة الباعثة على تشريع الحكم، وتخصيص الحكم به، عند من يرى أن العبرة بخصوص السبب، وأن اللفظ قد يكون عاما، ويقوم الدليل على تخصيصه، فإذا عُرف السبب، قصد التخصيص على ما عداه.
ومن فوائدهم: فهم معاني القرآن، واستنباط الأحكام، إذ ربما لا يمكن معرفة تفسير الآية، بدون الوقوف على سبب نزولها.
مثل قوله تعالى: (فأينما تولوا فثم وجه الله)، وهو يقتضي: عدم وجوب استقبال القبلة، وهو خلاف الإجماع.
ولا يعلم ذلك، إلا بأن نزولها في نافلة السفر، وفيمن صلى بالتحري، ولا يحل القول فيه إلا بالرواية والسماع ممن شاهد التنزيل.اهـ
قلت: معرفة سبب النزول يعين علـى فهم الآية، فإنّ العلـم بالسبب يورث العلـم بالـمسبب.كما قال شيخ الإسلام ابن تـيمية.
وقال الواحدي‏:‏ لا يمكن معرفة تفسير الآية دون وقوف على قصتها وبيان نزولها‏.
وقال ابن دقيق العيد‏:‏ بيان سبب النزول طريق قوي في فهم معاني القرآن.
قال السيوطي: لمعرفة أسباب النزول فوائد ، واخطأ من قال لا فائدة له لجريانه مجرى التاريخ، ومن فوائد الوقوف على المعنى أو إزالة الإشكال.
قلت: مثال ذلك: ما أخرجه مسلـم عن جابر قال: كانت الـيهود تقول: «من أتـى امرأةً من دُبُرها (فـي قُبُلهَا) جاء الولدُ أحْوَلَ»، فأنزل الله: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ، وَقَدِّمُواْ لأَنْفُسِكُمْ، وَاتَّقُواْ اللَّهَ، وَاعْلَـمُواْ أَنَّكُمْ مُلاَقُوهُ، وَبَشِّرِ الْـمُؤْمِنِـين} (البقرة: 223)
فبين الله تعالى جهل اليهود وتقولهم على الله تعالى وسوء فهمهم.
ومنه: ما في صحيح البخاري عن عروة قال : قلت لعائشة رضي الله عنها أرأيت قوْلَ اللَّهِ تبارك و تعالـى: {إِنَّ الْصَّفَا وَالْـمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ، فَمَنْ حَجَّ الْبَـيْتَ أَو اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَـيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} (البقرة: 158) فوالله ما علـى أحدٍ جناحٌ ألا يطَّوَّف بالصفا والـمروة. قالت عائشة: بئسما قلت يا ابن أختـي، إنّها لو كانت على ما تأوّلْتهَا لكان«فلا جُنَاحَ عَلَـيه أَلاَّ يَطّوَّفَ بِهِمَا» إنما كان هذا فـي الأنصار، قبلَ أنْ يُسَلِـمُوا يهلُّون لـمنَاةَ الطاغيةِ التـي كانوا يعبدونها عند الـمشلَّل، فكانَ منْ أهلَّ لمناة يتـحرجُ أن يطوفَ بالصفا والـمروة: فلـما أسلـمُوا سألُوا رسولَ الله عن ذلك، قالوا: يا رسول الله إنا كنَّا نتـحرَّجُ أَنْ نطوفَ بـينَ الصفَا والـمرْوَة، فأنزل الله: {إنّ الْصَّفَا وَالْـمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} (البقرة: 158) الآية. ثم سنَّ رَسُولُ اللَّهِ الطوافَ بـينَهُمَا، فلـيسَ لأحدٍ أنْ يدع الطَّوافَ بـينهمَا»

فأشكل عليه نفي الجناح وفرضية السعي بين الصفا والمروة وأن نفي الجناح يستعمل في الأمر المباح فأفهمتهُ رضي الله عنها أنّ نفـيَ الـجناح هنا لـيس نفـياً للفرضيةِ، إنّما هو نفـيٌ لـما وقرَ فـي أذهان الـمسلـمين يومئذٍ من أنّ السعي بـين الصفا والـمروة من عمل الـجاهلـية.
ومما سبق نفهم أن الجهل بأسباب التنزيل مُوقع في الشبه والإشكالات ومُورِد للنصوص الظاهرة مُوردَ الإجمال حتى يقع الاختلاف،، وذلك مظنة وقوع النزاع. كما قال الشاطبي في الموافقات
الطريق إلى معرفة سبب النزول:
قال الواحدي : ولا يحل القول في أسباب نزول الكتاب إلا بالرواية والسماع ممن شاهدوا التنزيل ووقفوا على الأسباب وبحثوا عن علمها.اهـ
فلا يعرف سبب النزول إلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو صحابته رضوان الله عليهم.
قال الحاكم في علومه: إذا أخبر الصحابي الذي شهد التنزيل عن آية من القرآن أنها نزلت في كذا فإنه حديث مسند.
وحقيقة ما ذكر ما قال الزركشي في البرهان : قد عرف من عادة الصحابة والتابعين أن أحدهم إذا قال : نزلت هذه الآية في كذا فإنه يريد في ذلك أنها تتضمن هذا الحكم لا أن هذا كان السبب في نزولها ، فهو من جنس الاستدلال على الحكم بالآية لا من جنس النقل لما وقع.
وهذا مفهوم العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب
"فهذه القاعدة نافعة جداً، بمراعاتها يحصل للعبد خير كثير وعلم غزير، وبإهمالها وعدم ملاحظتها يفوته علم كثير، ويقع الغلط والارتباك الخطير".
وهذه الأسباب ليست مقصودة لذاتها ولا يجوز قصر الآية على ذلك بل هذا دليل على نظيره ومن حصلت له الواقعة، وبه نفهم الأشباه والنظائر وهو علم عزيز.
مثاله: عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رجلا أصاب من امرأة قُبلة، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، قال: فنزلت"أقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل، إن الحسنات يذهبن السيئات، ذلك ذكرى للذاكرين" هود: 114
قال: فقال الرجل: ألِي هذه يا رسول الله؟ قال: لمن عمِل بها من أمتي. رواه البخاري
وهنا سؤال قد يخطر على بال كثير من الناس وهو:
هل جميع آيات الأحكام لها سبب نزول؟
ذكر أهل العلم أن "القرآن الكريم قسمان: قسمٌ نزل من الله ابتداءً غيرَ مرتبطٍ بسبب من الأسباب الـخاصة، إنّما هو لـمـحض هداية الـخـلق إلـى الـحق. وهو كثـير ظاهر لا يحتاج إلـى بحث ولا بـيان. وقسم نزل مرتبطاً بسبب من الأسباب الـخاصة".
قلت: هذا يجري على آيات الأحكام.
ومن الأخير: عن عائشة رضي الله عنها، قالت:
الحمد لله الذي وسع سمعُه الأصوات، لقد جاءت المجادِلة إلى النبي صلى الله عليه وسلم تُكلمُه وأنا في ناحية البيت ما أسمع ما تقول، فأنزل الله عز وجل:"قد سمع الله قول التي تُجادلُك في زوجها" المجادَلة: 1 رواه النسائي وغيره بسند صحيح
أم جويرية الأثرية غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس