عرض مشاركة واحدة
قديم 17-04-10, 11:27 PM   #15
رقية مبارك بوداني
|تواصي بالحق والصبر|
مسؤولة الأقسـام العامة
افتراضي الحجة في الدليل والإجماع.. لا في الاختلاف و النزاع


جزاك الله خيرا اختي بديعة ، اسعدني مرورك العطر

الحجة في الدليل والإجماع.. لا في الاختلاف و النزاع

" ليس الاختلاف حجة, و بيان السنة حجة على المختلفين من الأولين و الآخرين"

من الأصول المعلومة و القواعد المقررة أن الحجة عند التنازع كتاب الله تعالى و سنة رسوله صلى الله عليه و سلم كما قال تعالى "فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ".
عن ميمون بن مهران قال في معنى الآية: "إلى كتاب الله و الرد إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا قبض إلى سنته" الجامع لابن عبد البر بإسناد صحيح.
قا ل ابن القيم -رحمه الله- : " و لو لم يكن في كتاب الله و سنة رسوله بيان حكم ما تنازعوا فيه و لم يكن كافيا لم يأمر بالرد إليه إذ من الممتنع أن يأمر تعالى بالرد عند التنازع إلى من لا يوجد عنده فصل النزاع". إعلام الموقعين 1/49.
و عليه فالواجب على المرء عند الاختلاف: النظر في الصحيح الراجح من ذلك فيلزمه و يتمسك به أو يتحرى الخروج من الخلاف في حالة الاشتباه.
يقول السبكي –رحمه الله- : "طريق الرشاد في الأمور التي اختلف العلماء في وجوبها أمران : إما أن يتحرى الخروج من الخلاف إن أمكن و إما أن ينظر ما صح عن النبي صلى الله عليه و سلم فيتمسك به". نقلا عن الاختلاف و ما إليه 47.
و من ثم فمن الخطأ الجسيم الذي سار عليه كثير من الناس احتجاجهم بمطلق الخلاف عل سعة الأمر دون النظر في حقيقة هذا الخلاف و لا معرفة لقوته أو ضعفه...حيث ترتب عليه القول بعدم الإنكار لمسائل الخلاف مطلقا، و هذا سوء فهم لعدم التفريق بين مسائل الاجتهاد و مسائل الاختلاف.
فإن مسائل الاختلاف هي كل مسألة اختلف فيها العلماء سواء كان فيها دليل يجب العمل به وجوبا ظاهرا أم لا.
أما مسائل الاجتهاد فهي ما لم يكن فيها دليل يجب العمل به وجوبا ظاهرا فيسوغ فيها الاجتهاد لتعارض الأدلة أو لخفاء الأدلة فيها.
مما يبين بيانا واضحا أن مسائل الاجتهاد هي من مسائل الخلاف لا العكس.
فأهل العلم عندما قرروا أنه " لا إنكار في مسائل الخلاف" قصدهم بذلك مسائل الاجتهاد لأنهم كما قرروا ذلك نصوا على أنه"لا اجتهاد مع النص" فتنبه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- :"وقولهم مسائل الخلاف لا إنكار فيها ليس بصحيح فإن الإنكار إما أن يتوجه إلى القول بالحكم أو العمل. أمّا الأول فإذا كان القول يخالف سنة أو إجماعاً قديماً وجب إنكاره وفاقاً. وإن لم يكن كذلك فإنه يُنكر بمعنى بيان ضعفه عند من يقول المصيب واحد وهم عامة السلف والفقهاء.
وأما العمل فإذا كان على خلاف سنة أو إجماع وجب إنكاره أيضاً بحسب درجات الإنكار.
أما إذا لم يكن في المسألة سنة ولا إجماع وللاجتهاد فيها مساغ لم ينكر على من عمل بها مجتهداً أو مقلداً.
وإنما دخل هذا اللبس من جهة أن القائل يعتقد أن مسائل الخلاف هي مسائل الاجتهاد، كما اعتقد ذلك طوائف من الناس. والصواب الذي عليه الأئمة أن مسائل الاجتهاد ما لم يكن فيها دليل يجب العمل به وجوباً ظاهراً مثل حديث صحيح لا معارض له من جنسه فيسوغ إذا عدم ذلك فيها الاجتهاد لتعارض الأدلة المتقاربة أو لخفاء الأدلة فيها" بيان الدليل على بطلان التحليل (ص 210-211) باختصار.
وقال الشوكاني-رحمه الله-:"هذه المقالة –أي لا إنكار في مسائل الخلاف- قد صارت أعظم ذريعة إلى سدّ باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهما بالمثابة التي عرفناك، والمنـزلة التي بيّناها لك، وقد وجب بإيجاب الله عز وجل، وبإيجاب رسوله صلى الله عليه وسلم على هذه الأمة، الأمر بما هو معروف من معروفات الشرع، والنهي عما هو منكر من منكراته: ومعيار ذلك الكتاب والسنة، فعلى كل مسلم أن يأمر بما وجده فيهما أو في أحدهما معروفاً، وينهى عما هو فيهما أو في أحدهما منكراً.
وإن قال قائل من أهل العلم بما يخالف ذلك، فقوله منكر يجب إنكاره عليه أولاً، ثم على العامل به ثانياً.
وهذه الشريعة الشريفة التي أُمِرْنا بالأمر بمعروفها، والنهي عن منكرها، هي هذه الموجودة في الكتاب والسنة" السيل الجرّار المتدفق على حدائق الأزهار (4/588).
و لايعني هذا أن لا خلاف يسعنا و إنما الكلام عن مطلق الخلاف لا الخلاف الاجتهادي السائغ مع السعي فيه هو بدوره إلى تضييقه قدر الإمكان.
يقول الشافعي –رحمه الله- : "الاختلاف من وجهين : أحدهما محرم، و لا أقول ذلك في الآخر.
قال {أي محاوره}: فما الاختلاف المحرم؟.
قلت: كل ما أقام الله به الحجة في كتابه أو على لسان نبيه منصوصا بينا لم يحل الاختلاف فيه لمن علمه.
و ما كان من ذلك يحتمل التأويل و يدرك قياسا، فذهب المتأول أو القايس إلى معنى يحتمله الخبر أو القياس، و إن خالفه فيه غيره لم أقل : إنه يضيق عليه ضيق الخلاف في المنصوص" الرسالة 560.
و بناءا عليه فإن مجرد الاختلاف ليس من حجج الشرع و لا يعتد به كدليل عند العلماء لأنه ليس بتشريع.
قال الحافظ ابن عبد البر –رحمه الله- " الاختلاف ليس بحجة عند أحد علمته من فقهاء الأمة إلا من لا بصر له و لا معرفة عنده و لا حجة في قوله" جامع بيان العلم 2/89.
و قد قرر هذا الإمام الشاطبي –رحمه الله- حيث قال: "و قد زاد هذا الأمر على قدر الكفاية حتى صار الخلاف في المسائل معدودا في حجج الإباحة، و وقع فيما تقدم و تأخر من الزمان الاعتماد في جواز الفعل على كونه مختلفا فيه بين أهل العلم، لا بمعنى مراعاة الخلاف، فإن له نظرا آخر
".
إلى أن قال: "وهذا عين الخطأ على الشريعة، حيث جعل ما ليس بمعتمد معتمدا، و ما ليس بحجة حجة".
و نقل كلاما للخطابي –رحمه الله- حيث قال : " ليس الاختلاف حجة, و بيان السنة حجة على المختلفين من الأولين و الآخرين" الموافقات 4/141.
و من خلال ما سبق يتبين الخطأ الذي جرى عليه عمل بعض المشتغلين بالعلم من إيراد عموم مسائل الخلاف و حكايتها و سرد الأقوال فيها و نسبتها إلى أصحابها، و ربما ذكر أدلة كل مذهب دون تحقيق لذلك و من غير بيان للراجح من المرجوح و القوي من الضعيف، مع أن نوع ذاك الخلاف يستوجب ذلك.
فهذا العرض لمسائل الخلاف يجعل غير الفقيه في حيرة، و ربما ظن اشتباه الشرع و صعوبة درك الحق و طلبه.
فهذا الطريق لا يحصل بها بيان، بل هي إلى التعمية و توعير الطريق أقرب.
و قال الشاطبي –رحمه الله- :" و كلام الناس هنا كثير و حاصله معرفة مواقع الخلاف، لا حفظ مجرد الخلاف" الموافقات 4/162.
و قال ابن كثير – رحمه الله – عند كلامه عن آداب المجادلة:" فهذا أحسن ما يكون في حكاية الخلاف : أن تستوعب الأقوال في ذلك المقام، وأن تُنبِّه على الصَّحيح منها ، وتُبطل الباطل ، وتذكر فائِدة الخلاف وثمرته ؛ لئلاَّ يطول النزاع والخلاف فيما لا فائِدة تحته ، فيُشتغل به عن الأهم "( مقدمة التفسير )[1/10] .
أبو أويس الإدريسي



توقيع رقية مبارك بوداني

الحمد لله أن رزقتني عمرة هذا العام ،فاللهم ارزقني حجة ، اللهم لا تحرمني فضلك ، وارزقني من حيث لا أحتسب ..


رقية مبارك بوداني غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس