عرض مشاركة واحدة
قديم 13-05-09, 03:30 PM   #9
سارة بنت محمد
نفع الله بك الأمة
 
تاريخ التسجيل: 09-05-2009
المشاركات: 663
سارة بنت محمد is on a distinguished road
افتراضي






السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

رب يسر يا كريم

يقول العلامة ابن القيم :

"وأما خشوع النفاق فيبدو علي الجوارح تصنعا وتكلفا والقلب غير خاشع وكان بعض الصحابة يقول أعوذ بالله من خشوع النفاق قيل له وما خشوع النفاق؟ قال : أن يري الجسد خاشعا والقلب غير خاشع ،"

إذا أول الفروق بين الخشوع الحقيقي وخشوع النفاق أن يكون الظاهر خلاف الباطن ...خشوع الجوارح كما ذكر الإمام لابد أن يكون تابع لخشوع الباطن أي القلب أولا ثم ينضح على الجوارح بما فيه ..

فإن خالف هذا ذاك فنحن أمام حالة من ثلاث:
1- النفاق وهو أن يكون القلب غير خاشع ولجوارح تتظاهر بالخشوع
2- الجحود وهو أن يعلم القلب الحق ويستكبر اللسان عن النطق به قال تعالى :وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ " سورة النمل - 14
3- الاستكبار وهو أن يقر القلب واللسان ثم يستكبر الانسان عن الانقياد بجوارحه لله وذلك مصلما فعل ابليس عليه لعنة الله لما استكبر عن السجود لآدم وقد علم أن الله هو الرب والإله وشهد بذلك ثم لما أمره الله بالنقياد استكبر قال تعالى :"إِلا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ - سورة ص~ - 74

وكل حالة من الثلاث كفر بالله ولكن يجب التنبيه هاهنا على كون قولنا أن هذا كفر لا يبيح لطالب العلم اسقاطها على كل معين يظن أنه تلبس بها لأن تكفير المعين له شروط ويجب أن تنتفي فيه موانع وهذا لا يتأتى إلا للراسخين في العلم من العلماء ولعلنا نتناول في وقت لاحق هذه الشروط والموانع لندرك جميعا صعوبة هذا الاسقاط وأنه لا يجوز إلا للعلماء.

نعود للموضوع الأصلي ونعتذر عن الاستدارك

فنحن نتناول هنا الحالة الأولى وهي النفاق
فان تظاهر -ونلاحظ لفظة التظاهر هاهنا - بالخشوع وقلبه يلهو مع من يلهو فليس هذا بخشوع بل هو من قبيل خشوع النفاق..
فتجده يتحرى مواضع الظهور فيأتي بما يعلم أن فاعله ممدوح عند الناس ....ليقال خاشع
هذا قلبه غير مطابق لظواهره ...يرغب في أن يقال عنه ويمدح ..فقد قيل


ثم يفصل الإمام ويسهب:

"فالخاشع لله عبد خمدت نيران شهوته ، وسكن دخانها عن صدره ، فانجلي الصدر وأشرق فيه نور العظمة، فماتت شهوات النفس للخوف والوقار الذي حشي به وخمدت الجوارح وتوقر القلب واطمأن الي الله بالسكينة التي نزلت عليه من ربه فصارمخبتا له "

عندما تخمد نيران شهوات النفس ثم يذهب أيضا أثرها منه وهو الدخان فذاك قلب سليم ...وهو أعلى القلوب

قال تعالي: "إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ " الشعراء 89

فطريق الخشوع هو كما سبق وذكر ابن القيم أن يري العبد جناياته ونعم الله عليه فيستحي
ثم تأتي المرحلة التالية وهي أن يأتي علي شهواته فيقطع عنقها وأثرها من قلبه فيستأصلها من جذورها ...فتصير في يده يستعملها في مرضاة الله ولا تستعبده حلاوتها وزينتها ..
فإذا أقبلت أو أدبرت لا تثير في نفسه الحسرة ...

وكل هذا من كمال شعوره بالعبودية والخضوع ...فذاك علي الطريق يسعي حثيثا ...


يقول العلامة ابن القيم :
"والمخبت المطمئن فان الخبت من الأرض ما اطمأن فاستنقع فيه الماء فكذلك القلب المخبت قد خشع واطمأن كالبقعة المطمئنة من الأرض التي يجري اليها الماء فيستقر فيها "
القلب السليم الذي بلغ نهاية كمال القلوب هو المخبت


فباستقرار القلب علي التوحيد وطمأنينته بهذا ...فلا تهزه شهوة ولا تثير الشك في قلبه شبهة ...يصير قلبه ذلولا، فيجتمع فيه الإيمان اجتماعا كما يجري الماء إلى الارض المنخفضة المخبتة

ونلاحظ أن الخشوع يحمل معني التواضع ...فالخاشع كالأرض المنخفضة الذلول...عابد لله ذليل له مع كمال المحبة التي لا تترك مكانا لما سواه
وكذلك فالخاشع ذليل للمؤمنين ..يتودد لهم ويبش ويهش في وجوههم ..يتنزل معهم ...لا يسخر من أحد ولا يلعن أحد ...هين لين من غير ضعف..

والخاشع المتذلل للمؤمنين لا يمنعه خشوعه أن يكون غليظا علي الكافرين ...بل ذاك من تمام خشوعه لله ...فمن خضع لله يشعر في قلبه بفرق بين أخ له ولدته أمه كافر وأخر لم تلده أمه مؤمن ...فلم تمنعه صلة القربى وحب الطبع من الامتثال لأمر الله ...فذاك هو الخاشع..
قال تعالى:قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ " التوبة 24

والخاشع لله لا يفتأ يمتثل لأمر الله قال تعالى:"آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْـزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ " سورة البقرة- 285

والخاشع لله يحاسب نفسه ويزجرها وإن أخطأ يعود غير مستكبرا بل يتوب ذليلا باكيا عالما بأن الله هو ربه وإلاهه الواحد الأحد ، قال تعالى : إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ "الأعراف 201

فذاك هو الخاشع لله الذي يظهر ما يبطن ويبطن مثل ما يظهر من الإيمان والتقوى

يقول العلامة ابن القيم :
"وعلامته أن يسجد بين يدي ربه إجلالا وذلا وانكسارا بين يديه سجدة لا يرفع رأسه عنها حتي يلقاه"

وهي سجدة قلب علم مولاه وعلم ذنبه وجناياته ....فرفع كف الضراعة راجيا أن يتجاوز الله عنه ...فذاك خشوع القلب ومن ثم سجود الجوارح سجدة ذليل عرف أنه عبد وأن له رب له ينحني ويسجد ....فمن كان لله عبد لم يكن لغيره عبد أبدا....فالله مولي لا يقبل الشركاء

يقول ابن القيم :
"وأما القلب المتكبر فإنه قد اهتز بتكبره وربا فهو كبقعة رابية من الأرض لا يستقر عليها الماء."

وهاهنا فرق أخر بين القلبين...القلب المتكبر ...وكلنا قد نقع في هذا فتنبه لكي تحظى بسلامة القلب ...

تجده عال منتفش ...يستكبر علي عباد الله ولا يقبل منهم رأي ...ولا يرحم لهم ضعف ...
فهو يرى أنه فقط العارف الفاهم ...ويرى أنه هو فقط الذي بلغ الكمال....هذا شعوره ..لايري لأحد عليه فضل ويغفل عن نعم الله ...ولا يري لنفسه عيب ....غفل عن جناياته وتقصيره
قلب نافر ...قد عمي عن حقيقة نفسه وحقيقة مولاه...فهو الميت لا غيره

وثمة قلب بينهما ..وهو المريض..تمده مادتان- كما يقول الامام في كتاب أخر- حتي يصير الغلبة لأحدهما إما السلامة أو الموت ..

وهذا القلب المريض ...قد يخشع علي الحقيقة ..ثم لا يلبث يعود فهو لم يستقر بعد ..

ثم يكمل العلامة :
"فهذا خشوع الايمان، وأما التماوت وخشوع النفاق فهو حال عند تكلف اسكان الجوارح تصنعا ومراءاة، ونفسه في الباطن شابة طرية ذات شهوات وإرادات فهو يخشع في الظاهر وحية الوادي وأسد الغابة رابض بين جنبيه ينتظر الفريسة."


هذا الكلام يعني به الإمام من تظاهر بالخشوع ...تماوت في الظاهر ونفسه علي غير باطنه..
تجده يتخشع في الصلاة أمام الناس...فان انفرد فلا وألف لا ...بل قد يصل لمرحلة أنه لا يصلي

وهاهنا فرق بين التماوت وبين من يريد أن يتخشع لله فيخشع ...فالعلم بالتعلم والحلم بالتحلم

فالاول المتماوت يتحري مواطن الظهور
والثاني يتحري مواطن الاسرار..
فتجده مثلا يختلي بنفسه ويجاهد ليبكي من خشية الله لعله يفوز برضاه ..
تجده يصلي في ظلمة الليل وحده يقلد السلف الذين سمع عن فعلهم ...
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم ......‘م التشبه بالكرام فلاح

فليس ذلك داخل في الباب

بل هو مجاهد نرجو له الخير..قال تعالي: والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا "

وهاهنا فرق أخر بين من ينشط في الصحبة الصالحة ..وبين من يتظاهر أمام أهل الصلاح
فالاول يستحي من عباد الله حياء حشمة ومروءة ...وهذه المروءة نرجو له منها أن تدفعه في السر عن المعاصي وتترقى به إلى الطاعات.
كما أنه قد يأنس بهم لما للقدوة الصالحة من أثر طيب ...لهذا نصح العالم قاتل المئة بالذهاب إلي أرض الصلاح في الحديث المشهور (انظر تخريجه في رياض الصالحين)

وقد قيل الصاحب ساحب..
ومثل هذا مثل حديث حنظلة المشهورفي صحيح مسلم حيث ظن الصحابي أنه نافق ...فقال له النبي صلي الله عليه وسلم بل ساعة وساعة ..
المهم أن يتفقد قلبه وينظر....هل ينشط القلب كما ينشط الظاهر أم ينشط الظاهر فقط؟؟

ونلاحظ أن تفقده لباطنه يدل علي حرصه علي الباطن ....فهذا علامة من علامات خيريته إن شاء الله تعالى


يتبع إن شاء الله تعالى


سارة بنت محمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس