عرض مشاركة واحدة
قديم 24-08-08, 03:11 AM   #3
راجية الفردوس الأعلى
جُهدٌ لا يُنسى
افتراضي

ورعه واهتمامه بنيته وطرف من أخلاقه العطرة:
وقال سمعته يقول: ما توليت شراء شيء قط ولا بيعه كنت آمر إنسانا فيشتري لي. قيل له ولم؟ قال: لما فيه من الزيادة والنقصان والتخليط.
وقال غنجار في تاريخه: حدثنا أحمد بن محمد بن عمر المقري حدثنا أبو سعيد بكر بن منير قال كان حمل إلى محمد بن إسماعيل بضاعة أنفذها إليه أبو حفص فاجتمع بعض التجار إليه بالعشية وطلبوهما منه بربح خمسة آلاف درهم، فقال لهم: انصرفوا الليلة فجاءه من الغد تجار آخرون فطلبوا منه البضاعة بربح عشرة آلاف درهم فردهم وقال: إني نويت البارحة أن أدفعها إلى الأولين فدفعها إليهم وقال: لا أحب أن أنقض نيتي.
وقال عبد الله بن محمد الصيارفي: كنت عند محمد بن إسماعيل في منزله، فجاءته جاريته وأرادت دخول المنزل فعثرت على محبرة بين يديه فقال لها كيف تمشين؟ قالت: إذا لم يكن طريق كيف أمشي، فبسط يديه وقال اذهبي فقد أعتقتك، قيل له: يا أبا عبد الله أغضبتك قال: فقد أرضيت نفسي بما فعلت.
وقال وراق البخاري رأيته استلقى ونحن بفربر في تصنيف كتاب التفسير، وكان أتعب نفسه في ذلك اليوم في التخريج فقلت له أني سمعتك تقول ما أتيت شيئا بغير علم فما الفائدة في الاستلقاء؟ قال أتعبت نفسي اليوم، وهذا ثغر خشيت أن يحدث حدث من أمر العدو، فأحببت أن أستريح وآخذ أهبة؛ فإن غافصنا العدو كان بنا حراك.
قال: وكان يركب إلى الرمي كثيرا فما أعلم أني رأيته في طول ما صحبته أخطأ سهمه الهدف إلا مرتين بل كان يصيب في كل ذلك ولا يسبق قال وركبنا يوما إلى الرمي ونحن بفربر فخرجنا إلى الدرب الذي يؤدي إلى الفرصة فجعلنا نرمي فأصاب سهم أبي عبد الله وتد القنطرة التي على النهر فانشق الوتد فلما رأى ذلك نزل على دابته فأخرج السهم من الوتد وترك الرمي وقال لنا ارجعوا فرجعنا فقال لي يا أبا جعفر لي إليك حاجة وهو يتنفس الصعداء فقلت نعم قال تذهب إلى صاحب القنطرة فتقول إنا أخللنا بالوتد فنحب أن تأذن لنا في إقامة بدله أو تأخذ ثمنه وتجعلنا في حل مما كان منا وكان صاحب القنطرة حميد بن الأخضر فقال لي أبلغ أبا عبد الله السلام وقل له أنت في حل مما كان منك فإن جميع ملكي لك الفداء فأبلغته الرسالة فتهلل وجهه وأظهر سرورا كثيرا وقرأ ذلك اليوم للغرباء خمسمائة حديث وتصدق بثلاثمائة درهم قال وسمعته يقول لأبي معشر الضرير اجعلني في حل يا أبا معشر فقال من أي شيء فقال رويت حديثا يوما فنظرت إليك وقد أعجبت به وأنت تحرك رأسك ويديك فتبسمت من ذلك قال أنت في حل يرحمك الله يا أبا عبد الله .
قال: وسمعته يقول: دعوت ربي مرتين فاستجاب لي ـ يعني في الحال ـ فلن أحب أن أدعو بعد، فلعله ينقص حسناتي!!
وقال البخاري: إني لأرجو أن ألقى الله ليس أحد يطالبني أني اغتبته، فذكر له التاريخ وما ذكر فيه من الجرح والتعديل وغير ذلك، فقال: ليس هذا من هذا؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم "إئذنوا له، فلبئس أخو العشيرة" ونحن إنما روينا ذلك رواية ولم نقله من عند أنفسنا .
قال: وسمعته يقول: ما اغتبت أحدا قط منذ علمت أن الغيبة حرام!!
قلت – والكلام لابن حجر-: وللبخاري في كلامه على الرجال توق زائد، وتحر بليغ، يظهر لمن تأمل كلامه في الجرح والتعديل؛ فإن أكثر ما يقول "سكتوا عنه"، "فيه نظر"، "تركوه" ونحو هذا وقل أن يقول "كذاب" أو "وضاع" وإنما يقول "كذَّبه فلان" "رماه فلان" يعني بالكذب.
بعث إليه بعض السلاطين ليأتيه حتى يسمع أولاده عليه، فأرسل إليه؛ في بيته العلم والحلم يؤتى، يعني؛ إن كنتم تريدون ذلك فهلموا إليّ، وأبى أن يذهب إليهم، فقد جاء في سير أعلام النبلاء: كتب إلى أبي عبد الله بعضُ السلاطين في حاجة له، ودعا له دعاءً كثيرا. فكتب إليه أبو عبد الله: سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد: وصل إليَّ كتابك وفهمته، وفي بيته يُؤتى الحَكَمُ والسلام.

أخبرني أحمد بن عمر اللؤلؤي عن الحافظ أبي الحجاج المزي أن أبا الفتح الشيباني أخبره أخبرنا أبو اليمان الكندي أخبرنا أبو منصور القزاز أخبرنا الخطيب أبو بكر بن ثابت أخبرني أبو الوليد الدربندي أخبرنا محمد بن أحمد بن سليمان حدثنا أحمد بن محمد بن عمر سمعت بكر بن منير يقول: سمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول: أني لأرجو أن ألقي الله ولا يحاسبني أني اغتبت أحدا.
وبه إلى أبي بكر بن منير قال: كان محمد بن إسماعيل البخاري ذات يوم يصلي فلسعه الزنبور سبع عشرة مرة فلما قضى صلاته قال انظروا أي شيء هذا الذي آذاني في صلاتي فنظروا فإذا الزنبور قد ورمه في سبعة عشر موضعا ولم يقطع صلاته.
قلت: وريناها عن محمد بن أبي حاتم وراقه وقال في آخرها: كنت في آية فأحببت أن أتمها.
وقال وراقه أيضا: كنا بفربر وكان أبو عبد الله يبني رباطا مما يلي بخارى فاجتمع بشر كثير يعينونه على ذلك وكان ينقل اللبن فكنت أقول له يا أبا عبد الله إنك تكفى، ذلك فيقول هذا الذي ينفعني.
قال: وكان ذبح لهم بقرة، فلما أدركت القدور دعا الناس إلى الطعام، فكان معه مائة نفس أو أكثر ولم يكن علم أنه يجتمع ما اجتمع وكنا أخرجنا معه من فربر خبزا بثلاثة دراهم وكان الخبز إذ ذاك خمسة أمنان بدرهم فألقيناه بين أيديهم فأكل جميع من حضر وفضلت أرغفة صالحة وقال وكان قليل الأكل جدا، كثير الإحسان إلى الطلبة، مفرط الكرم، وحكى أبو الحسن يوسف بن أبي ذر البخاري أن محمد بن إسماعيل مرض فعرضوا ماءه على الأطباء فقالوا إن هذا الماء يشبه ماء بعض أساقفة النصارى فإنهم لا يأتدمون، فصدقهم محمد بن إسماعيل وقال: لم آتدم منذ أربعين سنة، فسألوه عن علاجه فقال: علاجه الآدم فامتنع حتى ألح عليه المشايخ وأهل العلم فأجابهم إلى أن يأكل مع الخبز سكرة.
وقال الحاكم أبو عبد الله الحافظ: أخبرني محمد بن خالد حدثنا مقسم بن سعد قال كان محمد بن إسماعيل البخاري إذا كان أول ليلة من شهر رمضان يجتمع إليه أصحابه فيصلى بهم ويقرأ في كل ركعة عشرين آية وكذلك إلى أن يختم القرآن وكان يقرأ في السحر ما بين النصف إلى الثلث من القرآن فيختم عند السحر في كل ثلاث ليال.
وكان يختم بالنهار في كل يوم ختمة ويكون ختمه عند الإفطار كل ليلة ويقول:عند كل ختمة دعوة مستجابة.
وقال محمد بن أبي حاتم الوراق: كان أبو عبد الله إذا كنت معه في سفر يجمعنا بيت واحد إلا في القيظ فكنت أراه يقوم في الليلة الواحدة خمس عشرة مرة إلى عشرين مرة في كل ذلك يأخذ القداحة فيوري نارا بيده ويسرج ويخرج أحاديث فيعلم عليها ثم يضع رأسه فقلت له إنك تحمل على نفسك كل هذا ولا توقظني قال أنت شاب فلا أحب أن أفسد عليك نومك.
قال: وكان يصلي في وقت السحر ثلاث عشرة ركعة، ويوتر منها بواحدة.
قال: وكان معه شيء من شعر النبي صلى الله عليه وسلم فجعله في ملبوسه.
قال: وسمعته يقول وقد سئل عن خبر حديث: يا أبا فلان تراني أدلس وقد تركت عشرة آلاف حديث لرجل فيه نظر وتركت مثلها أو أكثر منها لغيره لي فيه نظر؟!!
وقال الحافظ أبو الفضل أحمد بن علي السليماني: سمعت علي بن محمد بن منصور يقول سمعت أبي يقول كنا في مجلس أبي عبد الله البخاري فرفع إنسان من لحيته قذاة وطرحها إلى الأرض قال: فرأيت محمد بن إسماعيل ينظر إليها وإلى الناس فلما غفل الناس رأيته مد يده فرفع القذاة من الأرض فأدخلها في كمه فلما خرج من المسجد رأيته أخرجها وطرحها على الأرض فكأنه صان المسجد عما تصان عنه لحيته.
وأخرج الحاكم في تاريخه من شعره قوله:
اغتنم في الفراغ فضل ركوع فعسى أن يكون موتك بغته
كم صحيح رأيت من غير سقم ذهبت نفسه الصحيحة فلته

ذكر صفته الخَلْقية:وقال عبد الله بن عدي الحافظ: سمعت الحسن بن الحسين البزار يقول: رأيت محمد بن إسماعيل شيخا نحيف الجسم ليس بالطويل ولا بالقصير.

ذكر طرف من ثناء أقرانه وطائفة من أتباعه عليه تنبيها بالبعض على الكل:
قال أبو حاتم الرازي: لم تخرج خراسان قط أحفظ من محمد بن إسماعيل ولا قدم منها إلى العراق أعلم منه.
وقال محمد بن حريث: سألت أبا زرعة عن أبي لهيعة فقال لي: تركه أبو عبد الله ـ يعني البخاري ـ.
وقال الحسين بن محمد بن عبيد المعروف بالعجلي: ما رأيت مثل محمد بن إسماعيل، ومسلم حافظ، ولكنه لم يبلغ مبلغ محمد بن إسماعيل.
قال العجلي: ورأيت أبا زرعة وأبا حاتم يستمعان إليه.
وكان أمة من الأمم ديِّنا، فاضلا، يحسن كل شيء، وكان أعلم من محمد بن يحيى الذهلي بكذا وكذا.
وقال عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي: قد رأيت العلماء بالحرمين والحجاز والشام والعراق فما رأيت فيهم أجمع من محمد بن إسماعيل.
وقال أيضا: هو أعلمنا وأفقهنا وأكثرنا طلبا.
وسئل الدارمي عن حديث وقيل له إن البخاري صححه، فقال: محمد بن إسماعيل أبصر مني، وهو أكيس خلق الله، عقل عن الله ما أمر به ونهى عنه من كتابه وعلى لسان نبيه، إذا قرأ محمد القرآن شغل قلبه وبصره وسمعه وتفكر في أمثاله وعرف حلاله من حرامه.
وقال أبو الطيب حاتم بن منصور: كان محمد بن إسماعيل آية من آيات الله في بصره ونفاذه في العلم.
وقال أبو سهل محمود بن النضر الفقيه: دخلت البصرة والشام والحجاز والكوفة، ورأيت علماءها، فكلما جرى ذكر محمد بن إسماعيل فضلوه على أنفسهم.
وقال أبو سهل أيضا: سمعت أكثر من ثلاثين عالما من علماء مصر يقولون: حاجتنا في الدنيا النظر إلى محمد بن إسماعيل.
وقال صالح بن محمد جزرة: ما رأيت خراسانيا أفهم من محمد بن إسماعيل.
وقال أيضا: كان أحفظهم للحديث، قال: وكنت أستملي له ببغداد فبلغ من حضر المجلس عشرين ألفا وسئل الحافظ أبو العباس الفضل بن العباس المعروف بفضلك الرازي: أيما أحفظ محمد بن إسماعيل أو أبو زرعة؟ فقال: لم أكن التقيت مع محمد بن إسماعيل فاستقبلني ما بين حلوان وبغداد، قال: فرجعت معه مرحلة، وجهدت كل الجهد على أن آتي بحديث لا يعرفه فما أمكنني وها أنا ذا أغرب على أبي زرعة عدد شعر رأسه.
وقال حمد بن عبد الرحمن الدغولي: كتب أهل بغداد إلى محمد بن إسماعيل البخاري كتابا فيه:
المسلمون بخير ما بقيت لهم وليس بعدك خير حين تفتقد
وقال إمام الأئمة أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة: ما تحت أديم السماء أعلم بالحديث من محمد بن إسماعيل.
وقال أبو عيسى الترمذي: لم أر أعلم بالعلل والأسانيد من محمد بن إسماعيل البخاري.
وقال له مسلم: أشهد أنه ليس في الدنيا مثلك.
وقال أحمد بن سيار في تاريخ مر: ومحمد بن إسماعيل البخاري طلب العلم وجالس الناس ورحل في الحديث ومهر فيه وأبصر، وكان حسن المعرفة، حسن الحفظ، وكان يتفقه.
وقال أبو أحمد بن عدي: كان يحيى بن محمد بن صاعد إذا ذكر البخاري قال: ذاك الكبش النطاح.
وقال أبو عمرو الخفاف: حدثنا التقي النقي العالم الذي لم أر مثله محمد بن إسماعيل، قال: وهو أعلم بالحديث من أحمد وإسحاق وغيرهما بعشرين درجة، ومن قال فيه شيئا فعليه مني ألف لعنة.
وقال أيضا: لو دخل من هذا الباب وأنا أحدث لملئت منه رعبا!
وقال عبد الله بن حماد الأبلي: لوددت أني كنت شعرة في جسد محمد بن إسماعيل.
وقال سليم بن مجاهد: ما رأيت منذ ستين سنة أحد أفقه ولا أورع من محمد بن إسماعيل.
وقال موسى بن هارون الحمال الحافظ البغدادي: عندي لو أن أهل الإسلام اجتمعوا على أن يصيبوا آخر مثل محمد بن إسماعيل لما قدروا عليه.
وقال عبد الله بن محمد بن سعيد بن جعفر: سمعت العلماء بمصر يقولون: ما في الدنيا مثل محمد بن إسماعيل في المعرفة والصلاح، ثم قال عبد الله: وأنا أقول قولهم.
وقال الحافظ أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة: لو أن رجلا كتب ثلاثين ألف حديث لما استغنى عن تاريخ محمد بن إسماعيل.
وقال الحاكم أبو أحمد في الكنى: كان أحد الأئمة في معرفة الحديث وجمعه، ولو قلت أني لم أر تصنيف أحد يشبه تصنيفه في الحسن والمبالغة لفعلت.
ولو فتحت باب ثناء الأئمة عليه ممن تأخر عن عصره لفنى القرطاس، ونفذت الأنفاس، فذاك بحر لا ساحل له!! وإنما ذكرت كلام بن عقدة وأبي أحمد عنوانا لذلك وبعد ما تقدم من ثناء كبار مشايخه عليه لا يحتاج إلى حكاية من تأخر لأن أولئك إنما أثنوا بما شاهدوا، ووصفوا ما علموا، بخلاف من بعدهم فإن ثناءهم ووصفهم مبني على الاعتماد على ما نقل إليهم، وبين المقامين فرق ظاهر، وليس العيان كالخبر.



توقيع راجية الفردوس الأعلى
راجية الفردوس الأعلى غير متواجد حالياً