عرض مشاركة واحدة
قديم 13-09-06, 04:20 PM   #2
سمية بنت إبراهيم
|مديرة معهد أم المؤمنين خديجة|
افتراضي

آداب طالب العلم
فيا أيها المتفقه :
تأدب قبل أن تتعلم ، فإنك لن تنال من العلم طرفًا إذا لم تنل من الأدب أطرافه .
واعلم ـ أعزك الله ـ أنَّ تهذيب النفس ، وإصلاح خللها ليس بالأمر اليسير إلا من وفقه الله تعالى ، فاصلح ما بينك وبين الله يستقم حالك ، وهذه بعض الآداب عليك أن تسعى لتتحلى بها فهي زادك الحقيقي في طريق الطلب .
أولا : [glow=FFFF99]طهارة القلب من الأدناس ؛ ليصلح لقبول العلم واستثماره[/glow]ففي الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إنَّ في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ، ألا وهي القلب "
قالوا : تطييب القلب للعلم كتطييب الأرض للزراعة .
وعن ابن عمر ـ رضي الله عنه ـ قال : وعد رسولَ الله صلى الله عليه وسلم جبريلُ أن يأتيه ، فراث عليه حتى اشتد على رسول الله صلى اله عليه وسلم فخرج فلقيه جبريل ، فشكا إليه فقال : " إنا لا ندخل بيتًا فيه كلب ولا صورة "
فإذا كانت الملائكة لا يدخلون بيتًا فيه كلب فكيف ينزلون قلبًا مليئًا بالأنجاس والخبائث ومذموم الصفات مثل : الغضب والشهوة والحقد والحسد والكبر والعجب ونحوها ، وهذه الصفات كالكلاب النابحات في الباطن فكيف يمكن أن تتفق هذه مع ملائكة الرحمة ؟
قال ابن جماعة : " القلب المظلم المشحون بالذنوب لا يستطيع استقبال الملائكة ، ولا يبقى فيه مكان للعلم الذي هو نور يقذفه الله في قلوب من أراد .
قال الإمام الشافعي ـ رحمه الله ـ :
شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي
وأخبرنـي بأن الـعـلم نـور ونـور الله لا يُـهـدى لعاصٍ
فعلى طالب العلم أن يطهر ظاهره بمجانبة البدعة والتحلي بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحواله كلها ، والمحافظة على الوضوء ونظافة الجسم من غير تكلف وعلى قدر المستطاع .
وعليه أن يطهر قلبه من كل غش ودنس وغل وحسد وسوء عقيدة وخلق ليصلح بذلك لقبول العلم وحفظه والاطلاع على دقائق معانيه وحقائق غوامضه ، فإنه العلم .
كما قال بعضهم : صلاة السر وعبادة القلب وقربة الباطن وكما لا تصح الصلاة التي هي عبادة الجوارح الظاهرة غلا بطهارة الظاهر من الحدث والخبث فكذلك لا يصح العلم الذي هو عبادة القلب غلا بطهارته عن خبث الصفات وحدث مساويء الأخلاق ورديئها "
قال سهل : حرام على قلب ان يدخله النور زفيه شيء مما يكره الله عز وجل .

ثانيُا : [glow=FFFF99]الرضا باليسير من القوت ، والصبر على ضيق العيش .[/glow]قال الإمام أبو حنيفة ـ رحمه الله تعالى ـ : يستعان على الفقه بجمع الهم ، ويستعان على حذف العلائق بأخذ اليسير عند الحاجة ولا يزد .
قال الإمام مالك ـ رحمه الله تعالى ـ : لا يبلغ أحد من هذا العلم ما يريد حتى يضربه الفقر ، ويؤثره على كل شيء .
قال الشافعي ـ رحمه الله تعالى ـ : لا يطلب أحد هذا العلم بالملك وعز النفس فيفلح ، ولكن من طلبه بذل النفس وضيق العيش وخدمة العلماء أفلح .
وقال أيضًا : لا يدرك العلم إلا بالصبر على الذل .
وقال ـ رحمه الله ـ : لا يصلح طلب العلم لمفلس .
فقيل : ولا الغني المكفي !! فقال : ولا الغني المكفي .
قال إبراهيم الآجري : من طلب العلم بالفاقة ورث الفهم .
قال ابن جماعة : من أعظم الأسباب المعينة على الاشتغال والفهم وعدم الملال أكل اليسير من الحلال ن ذلك أنَّ كثرة الأكل جالبة لكثرة الشرب وكثرته جالبة للنوم والبلادة وقصور الذهن وفتور الحواس وكسل الجسم ، هذا مع ما فيه من الكراهية الشرعية والتعرض لخطر الأسقام البدنية "
ثم قال : " ومن رام الفلاح في العلم وتحصيل البغية منه مع كثرة الأكل والشرب والنوم فقد رام مستحيلاً في العادة "

ثالثًا :[glow=FFFF99] التواضع للعلم والعلماء .[/glow]قالوا : العلم حرب للمتعالي ، كالسيل حرب للمكان العالي .
فينبغي لطالب العلم أن ينقاد لمعلمه ، ويشاوره في أموره ، كما ينقاد المريض لطبيب حاذق ناصح .
قال الشافعي ـ رحمه الله ـ :
أهين لهم نفسي فهم يكرمونها ولن تكرم النفس التي لا تهينها
وينبغي أن ينظر معلمه بعين الاحترام ويعتقد كمال أهليته ورجحانه على أكثر طبقته ، فهو أقرب إلى انتفاعه به ورسوخ ما سمعه منه في ذهنه .
وقد كان بعض السلف إذا ذهب إلى معلمه تصدق بشيء وقال : اللهم استر عيب معلمي عني ولا تذهب بركة علمه مني .
قال الشافعي : كنت أصفح الورقة بين يدي مالك ـ رحمه الله ـ صفحًا رفيقًا هيبة له لئلا يسمع وقعها .
وقال أحمد بن حنبل لخلف الأحمر : لا أقعد إلا بين يديك أمرنا أن نتواضع لمن نتعلم منه .
وقال الربيع : والله ما اجترأت أن أشرب الماء والشافعي ينظر إليَّ هيبة له .
وفي وصية جامعة للإمام علي ـ رضي الله عنه ـ قال : من حق العالم عليك أن تسلم على القوم عامة وتخصه بالتحية ، وأن تجلس أمامه ، ولا تشيرنَّ عنده بيدك ، ولا تعمدنَّ بعينك غيره ، ولا تقولن : قال فلان خلاف قوله ، ولا تغتابن عنده أحدًا ، ولا تسار في مجلسه ، ولا تأخذ بثوبه ، ولا تلح عليه إذا كسل ، ولا تشبع من طول صحبته ، فإنما هو كالنخلة تنتظر متى يسقط عليها منها شيء .
رابعًا : [glow=FFFF99]أداء حقوق معلمك عليك .[/glow]على طالب العلم أن يتحرى رضا المعلم وإن خالف رأي نفسه ، فإنما هو يرضي ربه برضا معلمه .
وعليه ألا يفشي سر معلمه ، وألا يغتاب عنده أحدًا ، وأن يرد غيبته إذا سمعها ، فإن عجز فارق ذلك المجلس .
وآهٍ ممن ينقل السوء ويسعى بالنميمة بين أهل العلم ، فيقطع رحمهم الموصولة ، وقد ابتلينا في هذا الزمان بأمثال هؤلاء ، فكم من خلافات شبت بسبب هؤلاء النمامين ، وليته صمت فنجا ، وليته أمسك لسانه ، ولكن ذهب الأدب .
ومن الأدب كذلك ألا يدخل عليه بغير إذن ، وإذا دخلوا عليه جماعة قدموا أفضلهم وأسنهم .
وينبغي أن لا يخاطب شيخه بتاء الخطاب وكافه ن ولا يناديه من بعد ، ولا يسميه في غيبة باسمه إلا مقرونًا بما يشعر بتعظيمه كأن يقول : قال الشيخ أو الأستاذ .
وعليه أن يصبر ، فلن ينال العلم إلا بذل النفس ، فيصبر على شدة شيخه به ، فإنما يريد به الخير من حيث لا يدري .
قال ابن جريج ـ رحمه الله ـ : لم أستخرج الذي استخرجت من عطاء ـ رحمه الله ـ إلا برفقي به .
خامسًا : [glow=FFFF99]التحلي بآداب مجلس العلم .[/glow]ينبغي لطالب العلم أن يدخل على معلمه وهو كامل الهيئة ، فارغ القلب من الشواغل ، متطهرًا متنظفًا بسواك وقص شارب وظفر ، وإزالة كريه رائحة .
ولا يتخطى رقاب الناس ، بل يجلس حيث انتهى به المجلس ، إلا أن يصرح له الشيخ بالتقدم والتخطي ، أو يعلم من حالهم إيثار ذلك .
ويسلم على الحاضرين كلهم بصوت يسمعهم إسماعًا محققًا ، ويخص الشيخ بزيادة إكرام ، وكذلك يسلم إذا انصرف .
ولا يقيم أحدًا من مجلسه ، فإن آثره غيره بمجلسه لم يأخذه إلا أن يكون في ذلك مصلحة للحاضرين ، بأن يقرب من الشيخ ، ويذاكره مذاكرة ينتفع بها الحاضرون بها .
ولا يجلس وسط الحلقة إلا لضرورة ، ولا بين صاحبين إلا برضاهما ، وإذا فسح له قعد وضم نفسه .
وينبغي أن يبكر للمجلس ، ويحرص على القرب من الشيخ ليفهم كلامه فهمًا كاملاً بلا مشقة ، وهذا بشرط أن لا يرتفع في المجلس على أفضل منه .
ويتأدب مع رفقته وحاضري المجلس فإنَّ تأدبه معهم تأدب مع الشيخ واحترام لمجلسه .
وإذا قعد قعد قعدة المتعلمين لا قعدة المعلمين .
ولا يرفع صوته رفعًا بليغًا من غير حاجة ، ولا يضحك ، ولا يكثر الكلام بلا حاجة ن ولا يعبث بيده ولا غيرها ، ولا يلتفت بلا حاجة ، بل يقبل على الشيخ مصغيًًا إليه .
وإذا سمع الشيخ يقول مسألة أو يحكي حكاية وهو يحفظها فعليه أن يصغي لها إصغاء من لم يحفظها .
وإذا جاء مجلس الشيخ فلم يجده انتظره ، ولا يفوت درسه إلا أن يخاف كراهة الشيخ لذلك بأن يعلم من حاله الإقراء في وقت بعينه فلا يشق عليه بطلب الإقراء في غيره .
سادسًا : [glow=FFFF99]أدب سؤال العالم .[/glow]ينبغي لطالب العلم أن يغتنم سؤال معلمه عند طيب نفسه وفراغه .
وعليه أن يتلطف في سؤاله ، ويحسن خطابه .
ولا يستحي من السؤال عما أشكل عليه ، بل يستوضحه أكمل استيضاح ، فمن رقَّ وجهه رق علمه ، ومن رقَّ وجهه عند السؤال ظهر نقصه عند اجتماع الرجال .
وإذا قال له الشيخ : أفهمت ؟! فلا يقل : نعم حتى يتضح له المقصود إيضاحًا جليًا لئلا يكذب ويفوته الفهم .
وعليه ألا يستحي من قول : لم أفهم ؛ لأن استثباته واستيثاقه يحصل له مصالح عاجلة وآجلة ، فمن العاجلة حفظه المسألة وسلامته من كذب ونفاق بإظهاره فهم ما لم يكن فهمه .
ومنها اعتقاد الشيخ اعتناءه ورغبته وكمال عقله وورعه وملكه لنفسه وعدم نفاقه .
ومن الآجلة : ثبوت الصواب في قلبه دائمًا واعتياده هذه الطريقة المرضية والأخلاق الرضية .
قال الخليل بن أحمد ـ رحمه الله ـ : منزلة الجهل بين الحياء والأنفة .
سابعًا : [glow=FFFF99]عدم التسويف واغتنام الأوقات .[/glow]فلا يسوف في اشتغاله ولا يؤخر تحصيل فائدة ، فللتأخير آفات ، وكفى أنه يضيع عليه من الفوائد ما كان يمكنه الإلمام بها لولا تقصيره وكسله .
قال الربيع : لم أرَ الشافعي آكلاً بنهار ولا نائمًا بليل لاهتمامه بالتصنيف .
فينبغي أن يغتنم التحصيل في وقت الفراغ والنشاط وحال الشباب وقوة البدن ونباهة الخاطر وقلة الشواغل قبل عوارض البطالة وارتفاع المنزلة .
قال عمر ـ رضي الله عنه ـ : تفقهوا قبل أن تسودوا .
قال الشافعي : تفقه قبل أن ترأس ، فإذا رأست فلا سبيل إلى التفقه .


من كتاب
منطلقات طالب العلم
لفضيلة الشيخ / محمد حسين يعقوب



توقيع سمية بنت إبراهيم
.................

(وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا) (الإسراء-82)

قال أويس القرني رضي الله عنه :
لم يجالس هذا القرآن أحد إلا قام عنه بزيادة أو نقصان.


أم عمـــر .. أسعدكِ ربي يا حبيبة .. وجمعني بكِ في أعالي الجنان
سمية بنت إبراهيم غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس