عرض مشاركة واحدة
قديم 11-05-08, 01:19 PM   #1
سمية ممتاز
جُهدٌ لا يُنسى
c8 (مفرغة) قواعد منهجية في الاستفتاء للشيخ عبدالسلام الحصين

تفريغ محاضرة: قواعد منهجية في الاستفتاء للشيخ عبدالسلام الحصين
( غير مراجعة من قبل الشيخ )



بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .. وبعد


عنوان هذه المحاضرة قواعد ومنهجية في الاستفتاء لتحصيل العلم الشرعي


وقد رأيت أن هذا الموضوع فيه طول فبدا لي أن أقسمه الى قسمين


سنتحدث اليوم عن الاستفتاء


ثم في درس قادم إن شاء الله سنتحدث عن تحصيل العلم الشرعي


وعناصر المحاضرة اليوم 11 عنصر


1- مقدمة


2- معنى الإستفتاء وحكمه


3- في أي شيء تكون الفتوى


4- الفرق بين الفتوى والاستشارة


5- من هو المفتي الذي يجب استفتاؤه؟ وكيف يُعرف؟


6- هل يلزم العامي أن يتمذهب بمذهب معين,أو يلتزم أقوال مفتٍ واحد؟


7- إذا وُجد أكثر من مفتي فما الواجب على المستفتي؟


8- هل تؤخذ الفتاوى من الكتب لأحياء أو ميتين دون سؤال مباشر؟


9- الاختيار بين أقوال المفتين


10- التعصب لفتوى المفتي


11- هل يحق للمستفتي أن يسأل المفتي عن الدليل؟



نبدأ أولا بالمقدمة فنقول:

إن حياتنا اليوم تزخر بكم هائل وموج غزير من المعلومات.. مقروئة ومسموعة

وقد كثر المتكلمون في دين الله تعالى بعلم وبغير علم وكثر لبس الحق بالباطل حتى في المسائل الظاهرة البينة التي تُعلم من دين الله تعالى بالضرورة , ويشترك في معرفتها العوام والعلماء على حد سواء .. وبما أن الله تعالى منح الإنسان العقل ليفكر به في معرفة الخطأ من الصواب وأن يكون هذا العقل سبب للتمييز بين الحق والباطل إلا أن هداية العقل لمعرفة الحق تتوقف على معرفة أمور كثيرة.. وهذه الأمور قد يصعب على كثير من الناس معرفتها والوقوف على حقيقتها.. ولهذا يستغل بعض المتحدثين جهل الناس بهذه الأمور ليبث أفكاره ومعتقداته ويُلبسها لبوس الحق وهي بعيدة عنه,, ولذا كان معرفة القائل والثقة به مصدر مهم من مصادر المعرفة حين يعجز العقل عن الاستقلال بمعرفة الحق إما لضعفه أو لعدم تفرغه أو لانشغاله بأمور كثيرة هي بالنسبة له بها قوام حياته .. ومن هذا المنطلق كانت هذه المحاضرة التي تتحدث عن أهمية الاستفتاء في حياة المسلم وما يجب على المستفتي فعله إزاء هذا الكم الهائل من المفتين واختلافهم.
وأنا أعتقد أن هناك مسائل كثيرة نحتاج أن نطرقها ولكن الوقت لا يتسع لكل ذلك ولهذا أرجو من الأخوات أن تستحضر الأسئلة التي ترى أنها مهمة وتسجلها حتى نعود إليها في آخر المحاضرة إن شاء الله تعالى.






ننتقل إلى النقطة الثانية وهي: معنى الاستفتاء وحكمه..

الاستفتاء هو طلب الجواب عن الأمر المشكل.
والفتوى هي الإخبار عن الحكم الشرعي بغير إلزام أو هي تبيين الحكم الشرعي عن دليل لمن سأله عنه.
والمفتي هو المخبر عن الحكم الشرعي وهو المجتهد.
والمستفتي هو من لم يبلغ درجة المفتي فهو فيما يسأل عنه من الأحكام الشرعية مستفتٍ ومقلد لمن يفتيه.
وعلى هذا فقد يكون الشخص مفتياً ومستفتياً بناءً على تجزأ الاجتهاد,, فيكون في بعض المسائل مفتياً لعلمه بحكم المسألة بدليلها عن طريق الاجتهاد, ويكون في بعضها مستفتياً لعدم علمه بحكم المسألة.
والاستفتاء واجب إذا نزلت بالمستفتي مسألة يلزمه معرفة حكمها.. أما إذا كانت المسألة لم تقع أو أنها وقعت ولكن لم تنزل بالمستفتي بل نزلت في غيره فإنه لا يجب عليه السؤال عن حكمها في هذه الحالة ..
ويدل على وجوب الاستفتاء عند عدم معرفة الحكم الشرعي من مصادره المعتمدة أدلة منها ما يلي : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً } [ النساء/59]
ووجه الاستدلال من هذه الآية أن الله أمر بطاعة أولي الأمر وهي تشمل ولاية إمارة أو قضاء أو اجتهاد أو فتوى .
الدليل الثاني قوله تعالى { وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ } [ التوبة/122]
ووجه الاستدلال من الآية أن الله تعالى أوجب على طائفة من الأمة الانقطاع إلى التفقه في الدين وإنذار المسلمين وجعل هذا الفرض مزاحماً لفرض الجهاد.. فمقتضى العقل أنه يجب على المسلمين طاعة تلك الطائفة فيما أنذرت به .
الدليل الثالث قول الله تعالى : { وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } [ النحل/43]
ووجه الاستدلال من هذه الآية ظاهر واضح.. ومع أن الآية وردت في سياق السؤال عن نبوة محمد صلى الله عليه وسلم.. ففيها إشارة قوة إلى أن السؤال يكون أيضاً لما هو دون ذلك من مسائل الفروع التي هي ظنية ولا يقوى على معرفتها إلا أهل الذكر والعلم.






النقطة الثالثة: في أي شيء تكون الفتوى؟

يرى بعض العلماء أن الاستفتاء لا يكون إلا في الأمور الظنية الإجتهادية التي يستقل بمعرفتها المجتهد , أما المسائل القطعية التي لها دلائل قطعية فإنها ليست محلاً للاستفتاء بل يجب معرفتها بدليلها بدون تقليد , وهذا القول منهم بناءً على أن التقليد هو قبول قول الغير بلا حجة.. لكن الراجح هو أن الاستفتاء يكون في كل ما جهله الإنسان من مسائل الظن والقطع لعموم قوله تعالى { وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } [ النحل/43] والآية في سياق إثبات الرسالة وهي من أصول الدين ولأن العامي لا يتمكن من معرفة الحق بأدلته .. فإذا تعذر عليه معرفة الحق بنفسه لم يبق إلا التقليد لقوله تعالى :
{ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } [ التغابن/16]
وعلى هذا فإن الإنسان كما يسأل عن مسائل العبادات يسأل أيضاً عن مسائل الاعتقاد كأن يسأل : (ما الذي عليّ أن أصف الله تعالى به؟)(هل يجب عليّ الإيمان بالملائكة؟)(هل يجب عليّ الإيمان بالقدر؟) ونحو ذلك من المسائل التي هي مسائل أصولية من صميم الإعتقاد يجب على الإنسان أيضاً أن يستفتي فيها إذا جهل حكمها.






ننتقل إلى النقطة الرابعة : الفرق بين الفتوى والاستشارة..

الاستشارة هي طلب الرأي الصواب في أمر تريد القيام به بسؤال من تثق في عقله ورأيه ,, وهي أعم من الفتوى,, فقد تكون الاستشارة مشتملة على بيان حكم شرعي يبينه المشير أو المستشار وقد لا تكون كذلك ,, والاستشارة من محامد التصرفات وقد أمر الله تعالى بها نبيه صلى الله عليه وسلم مع كمال عقله ودينه فقال تعالى :
{ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ } [ آل عمران/159]
وأثنى تعالى على عباده المؤمنين بأن أمرهم شورى فقال تعالى :
{ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ } [ الشورى/38]
والمشاورة تكون لمن عُرف بجودة العقل وسداد الرأي وكثرة التجربة واطلاعه على محاسن الأخلاق ومكارم الفِعال.. ولا يستقل بها المفتي أو العالم المجتهد بل هي منصب لكل من كان متصف بما سبق من الصفات
بل قد لايكون المفتي في بعض الحالات قادراً على بذل المشورة في بعض الأمور.. وفي بعض الأحيان قد لا يعرف وجه الصواب في بعض ما يشكل على الناس لأنها ليست من مجال تخصصه .. لكن ينبغي أن نفرق بين المشورة والفتوى , ينبغي للمستفتي أن يعرف ما هو الشيء الذي وقع عليه .. هل يحتاج إلى حكم شرعي أو يحتاج إلى شخص يبين له حسن فعل أحد هذه الأمور المتعارضة .
وعلى هذا نقول:
الفتوى: هي اخبار عن حكم شرعي.
والمشورة: هي إسداء النصيحة لمن تردد بين عدد من الأمور لا يعلم أيها أصلح له.
مثال ذلك: من تخرج من الثانوية ولم يدري أي التخصصات أنسب له فهو يستشير من يثق به وينصح له .
ومثاله أيضاً: من أراد الدخول في التجارة فيستشير في أنواع التجارات وأنواع التجار, لكن لو أن الذي تخرج من الثانوية أراد أن يدخل في جامعة مختلطة فهو يسأل هل يجوز أن يدرس مع نساء أو لا يجوز؟
وكذلك من دخل التجارة وأراد أن يعقد صفقة لا يدري هل هي من المباحات أم من المحرمات فإنه في هذه الحالة يستفتي هل هذه الصفقة هي مباح أم حرام
لكن إذا تبين له أنه حلال ثم بعد ذلك يريد أن يدخل أو لا يريد أن يدخل, هل سيربح أم سيخسر , هذه تصير مشورة فيشاور فيها من هم أدرى بالأمور التجارية .






ننتقل إلى النقطة الخامسة: من هو المفتي الذي يجب استفتاؤه؟ وكيف يُعرف؟

وهذه المسألة من أهم المسائل التي ينبغي لنا الاهتمام بها والعناية بشأنها
فالمفتي الذي يجب استفتاؤه هو العالم المجتهد التقي الورع الثقة
وهؤلاء المفتين على درجات ..
الدرجة الأولى: المجتهد المستقل الغير منتسب لمذهب معين.
الدرجة الثانية: المجتهد التابع لمذهب وهو كل عالم انتسب إلى مذهب من المذاهب المتبوعة ولكن من غير تقليد لإمامه وإنما يسلك طريقه بالاجتهاد ويسير على منوانه في كيفية الاستنباط والاستدلال .
الدرجة الثالثة: المجتهد الملتزم بمذهب إمامٍ من الأئمة فيعرف حكم المسألة بدليلها في مذهب إمامه ويفهم وجه الاستدلال وأصول الفقه وقواعده غير أنه لا يخرج عن مذهب إمامه بتقرير الحكم إما نصاً منه أو تخريجاً على مسائله وقواعده.
فهذه أربع درجات والدرجة الثانية قريبة من الدرجة الأولى لكن الفرق بين الدرجة الثانية والدرجة الأولى أن صاحب الدرجة الأولى لا يقول أنا شافعي أنا حنبلي أو غير ذلك وإنما مباشرة يرى أنه مستقل فيما يصدر عنه من آراء
أما أصحاب الدرجة الثانية فهو يعلن أنه من أتباع هذا المذهب فيكون مثلاً حنبلياً أو شافعياً لكنه لا يأخذ بجميع أقوال هذا المذهب هكذا بدون تمحيص.. وإنما هو يأخذ أصول المذهب وقواعده العامة التي يغلب على ظنه صحتها وسلامتها واستقامتها ثم هو بعد ذلك قد يخالف صاحب المذهب في بعض أقول وقد يوافقه في بعض.. ولا يلزم في هؤلاء الذين ذكرنا درجاتهم أن يكونوا قد استكملوا شروط الإجتهاد كلها.. بل يكفي أن يكون الواحد منهم عنده من العلوم ما يمكنه من بحث المسأله التي سُأل عنها وأن يصل فيها إلى ما تطمئن إليه نفسه وأن يكون فقيه النفس ذكياً ذا فطرة وفهم تعصمه من الوقوع في الخطأ الظاهر البين .
وعلى هذا فقد يكون العالم مجتهداً في بعض المسائل دون بعض, وقد يخفى عليه بعض المسائل ويحتاج إلى أن يبحث عن مظانها في كتب التفسير والحديث والفقه, ويجب على المستفتي أن لا يسأل إلا من عرف أنه أهل للفتيا .
يقول يزيد ابن هارون: إن العالم حجتك بينك وبين الله تعالى فانظر من تجعل حجتك بين يدي الله تعالى .. ولأن المقصود هو معرفة الحكم الشرعي الصحيح لا موافقة الهوى أوطلب اليسر أو طلب السهولة ونحو ذلك من المقاصد التي نعرف أن كثير من المستفتين للأسف يقصدها , وإنما المقصود هو أن تعرف الحكم الشرعي الصحيح .. أن تعرف ماذا يريد الله تعالى منك أن تفعله في هذه الواقعة ..
وهذا يتوقف على أمرين : 1- أن تبحث عن عالم ذي ذهن متوقد وقوي في العلم الذي تسأله عنه .
2- أن يكون ذا ورع وتقوى.
لكن كثير من الناس يسأل فيقول: كيف أعرف المفتي الذي استكمل شروط الفتيا؟ وكثير من الناس ينصب نفسه لذلك ويفتي الناس فيما سألوه عنه فكيف أعرف من هو أهل ممن ليس أهل؟
فنقول: في الجواب على ذلك : هناك عدد من الطرق التي ممكن أن نعرف من هو أهل للفتيا ومن ليس أهل للفتيا
منها أولاً : انتصابه للفتيا بشهد من أهل العلم المعتبرين .. أي أن المستفتِ يجب أن يعرف أن أهل العلم قد أقروا لهذا انتصابه في هذا المنصب وجلوسه للناس ولم يسمع منهم نكيرا عليه.
ويمكن أن يسأل عنه إذا خفي عليه أمره, فيسأل عن فلان وأهليته للفتيا ..
ثالثاً: الاطلاع على سيرته الذاتية والعلمية ومعرفة شيوخه ومن شهد له بالفتيا والعلم بشرط أن يغلب على ظن المستفتي صحة هذه السيرة وصدقها
وهنا لا بد أن تشتمل السيرة على شهادات علمية وعلى ذكر الشيوخ الذين تلقى العلم عنهم وأن يكون هؤلاء الشيوخ معروفين لدى المستفتي .
وهنا أشير إلى نقطة مهمة أنه لا يجوز أن تكفي بمجرد وجود الاجازات ,, بعض الناس تكون سيرته العلمية اجازات.. أجازه فلان وفلان وفلان برواية كذا وكذا دون أن يذكر شهادات علمية أخرى تدل على أنه صالح للإفتاء
ونحن نعرف أن الإجازة في زماننا هذا وقبل أزمان كثيرة تسهل فيها ومنحت من ليس أهلاً للعلم البتة
وقد تُعطى للصغار وتعطى للنساء اللاتي لم يقرأن أصلاً ولا يعرفن القراءة تبركاً بهذه الإجازة لا نسبة لصاحبها أنه من أهل الفتيا.
يتعلق بهذه النقطة أن المستفتي إذا كان عنده نوع من الإدراك وحظ من النظر فإنه ينظر أيضاً في فتاوى هذا المفتي وكيفية استدلاله واستنباطه
واعتماده على الكتاب والسنة, وهذا أيضاً يعينه على معرفة نوعية هذا المفتي وقربه من الصواب أو بعده عنه.
الطريق الثالث: اشتهار أمره بين الناس والعامة.. بحيث يكون في بلد واشتهر عند الناس أن هذا عالم يفتي الناس ويصدر الناس عن رأيه .. يتوجه الناس إليه بالسؤال.. فهذا فيه دلالة على أن هذا أهل للفتيا ..
وفي ذلك يقول ابن تيمية رحمه الله : يجب على العامي قطعاً البحث الذي به يعرف صلاح المفتي للاستفتاء إذا لم يكن قد تقدمت معرفته بذلك ,, ولا يجوز له استفتاء من اعتزى إلى العلم وإن انتصب في منصب التدريس أو غيره .. ويجوز استفتاء من تواتر بين الناس أو استفاض فيهم كونه أهلاً للفتيا.
ولكن لا ينبغي أن نتعتمد على مجرد الشهرة.. فقد يشتهر في الناس من ليس له قيمة ولا قدر.. وقد يخمل ذكر شخص من الناس هو اعلم واتقى و أورع من هذا الذي اشتهر أمره
فالشهرة ينبغي أن ننظر إليها بمنظار متوازن معتدل لا يحيد يمنة ولا يسرة وأن نزن كلام هذا الرجل بميزان الحق والعدل أو أن نستشير فيه من نثق في علمه ورأيه ممن هم أعلم وأبصر منا في كثير من الأمور التي تخفا علينا ..
وهنا أشير إلى نقطة وهي هل للسن أثر في ذلك؟
لا أثر للسن هنا .. بل المعتبر كونه بالغاً مكلفا استكمل الشروط المعتبرة في جواز الفتيا ,, ولذلك وجد في الصحابة والتابعين ومن بعدهم من أذن له أشياخه بالفتيا وهو شاب صغير السن لكن لا يعني ذلك إلغاء أثر السن
نقول أن ليس هناك سن معتبر للفتيا لكن لا يعني ذلك أن السن لا أثر له مطلقاً .. ولهذا يقول ابن مسعود رضي الله عنه لايزال الناس بخير ما أخذوا العلم عن كبارهم وأمنائهم وعلمائهم .. فإذا أخذوه عن صغارهم وشرارهم هلكوا.
ويقول ابن قتيبة: الشيخ قد زالت عنه متعة الشباب وحيرته وعجلته وسفهه واستصحب الخبرة والتجربة ولا يدخل في علمه الشبهة ولا يغلب عليه الهوى ولا يميل به الطمع ولا يستزله الشيطان استزلال الحدث ,, فمع السن الوقار والجلالة والهيبة.
وإذا بذل المستفتي جهده واجتهد وسأل ثم أخطأ في الاختيار فلا حرج عليه فإنه قد اجتهد ومن اجتهد فإن له اجرين او اجر واحد.
وبناءً على ما سبق أيضاً نقول: لا يجوز للمستفتي أن يستفتي عامياً مثله ينقل له الأقول دون معرفة بأصولها وأدلتها وكيفية إستنباطها






النقطة السادسة: هل يلزم العامي أن يتمذهب بمذهب معين,أو يلتزم أقوال مفتٍ واحد؟

الصحيح من أقوال أهل العلم أن المستفتي لا مذهب له وأن مذهبه مذهب من يفتيه .. وبهذا قال كثير من والشافعية والحنابلة وغيرهم ونصره ابن القيم وابن تيمية
وعلى هذا فإذا وقعت للمسلم واقعة ولم يكن قادراً على معرفة حكمها بالرجوع إلى الكتاب والسنة فالواجب عليه أن يسأل عالماً يثق به في أي مذهب كان هذا العالم
لكن قد يكون العامي نشأ في مذهب يغلب عليها مذهب من المذاهب المعتبرة .. وتربى على هذا المذهب وأظهر إلتزامه به فهل يلزمه الإستمرار عليه أم يجوز أن يقلد غير أهل مذهبه؟
الصحيح من أقوال أهل العلم أن له أن يقلد من شاء من أهل العلم ولا يجب عليه الاستمرار على مذهبه لأن الاستمرار على المذهب ليس عليه دليل في كتابٍ أو سنة
وكذا لو أنه عمل في مسألة بمذهب إمام من اللأئمة بناء على فتوى من أتباع هذا المذهب فهل يجوز له أن يسأل غير هذا العالم في نفس الواقعة التي وقعت له وعمل بها؟
مثل أنه كان يصلي بدون استفتاح بناء على فتوى مالكياً من المالكية ثم سأل شافعياً فأفتاه باستحباب دعاء الاستفتاح ومشروعيته وذكر له الدليل ..
فنقول الصحيح أيضاً جواز ذلك إذا لم يكن الحامل عليه هوى أو شهوة خفية كما سيأتي بيانه في مسألة خاصة بعد هذه .






النقطة السابعة: إذا وُجد أكثر من مفتي فما الواجب على المستفتي؟

إذا اجتمع عند المستفتي أكثر من مفتي فهل يجب عليه أن يبحث عن أعلمهم وأورعهم أو له أن يستفتي من شاء منهم بدون تفريق واجتهاد؟
لا يخلو الأمر من حالين: 1- أن يكون عارفاً بأن أحدهم أفضل أو أعلم من بعض
2- أن لا يكون عارفاً بذلك ويجهل أيهم أعلم من الآخر
ففي الحالة الأولى يرى الكثير من أهل العلم وهو الصواب أن الواجب على المستفتي في هذه الحالة اتباع الأعلم والأورع والأتقى لله تعالى
كما لو عرض له مرض من الأمراض ووجد طبيبين صالحين للتطبيب وأحدهم أفضل من الآخر وأعلم فإن مقتضى الحكمة و العقل أن يذهب للأفضل,, وكذا نقول فيما يتعلق بأمور دينه فإن مقتضى العقل والحكمة أن يذهب إلى الأعلم والأتقى.
وأما الحالة الثانية فاختلف أهل العلم على قولين: فمنهم من يرى أنه يجب على المستفتي أن يجتهد في معرفة الأعلم و الأورع , ومنهم من يرى أنه لا يلزمه ذلك .. بل يقلد أيهما شاء
والذي يظهر والله أعلم أنه يجتهد ويبحث إلا أن يشق عليه ذلك أو يتعسر فإنه لا يكلف الله نفساً إلا وسعها .. وقد قال تعالى : { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } [ التغابن/16]
وإن لم يجتهد ولم يبحث فلا حرج عليه إن شاء الله في ذلك مادام أن الذي يسأله صالح للإفتاء.



توقيع سمية ممتاز
,,



التعديل الأخير تم بواسطة حسناء محمد ; 03-11-09 الساعة 10:12 PM سبب آخر: إضافة تعليق
سمية ممتاز غير متواجد حالياً