عرض مشاركة واحدة
قديم 21-03-14, 03:47 PM   #3
رقية مبارك بوداني
|تواصي بالحق والصبر|
مسؤولة الأقسـام العامة
افتراضي




أيُّ عَملٍ لا ينطلِقُ مِن عقيدةٍ يُصبِحُ عَملاً خَواءً، أو عَملاً بلا رُوح،
ولا يَستفيدُ الإنسانُ منه الفائدةَ الكُبرى. لكنْ إذا انطلق الإنسانُ بعقيدته،
نفعه اللهُ بها نَفعًا عَظيمًا. ولِهذا نحتاجُ أن نُبيِّنَ أنَّ هذه العقيدة لها منزلةٌ عظيمةٌ
بالنسبةِ للفنون الأخرى والعلوم الأخرى. ولِهذا يقولُ العُلماءُ رَحِمَهم اللهُ تعالى:
‹‹ إنَّ عِلمَ الاعتقاد وتعلُّمَه أعظمُ وأفضلُ مِن تعلُّم الفنون الأخرى ›› .
والسَّببُ: قالوا: ‹‹ شَرَفُ العِلم بشَرَفِ المَعلوم ›› .


كُتُب الاعتقادِ تُعرِّفُنا بربِّنا الذي خَلَقَنا ورَزَقَنا ويُحيينا.
ولن يَعبُدَ الإنسانُ رَبَّه عن طريق الهَوَى، ولا عن طريق الذَّوْق،
كما تعملُه بَعضُ طوائِف الصُّوفيَّة، ولا بالاستنباطاتِ،
وإنَّما نأخُذُها مِن كِتابٍ وسُنَّةٍ. ولن يَستطيعَ الإنسانُ أن يَعبُدَ رَبَّه

بدونِ أن يكونَ له مَرْجِعٌ ومُستنَدٌ مِنَ الشَّرع مِن كِتاب الله وسُنَّةِ
رَسُوله صلَّى الله عليه وسلَّم.



ثُمَّ يقولُ العُلماءُ رَحِمَهم اللهُ تعالى: ‹‹ كُلُّ فَنٍّ يَشرُفُ بما يتعلَّقُ به ›› .
الحَديثُ يُعرِّفُنا بما جاء عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، التَّفسيرُ يُعرِّفُنا بالقُرآن،
العقيدةُ تُعرِّفُنا بالرَّبِّ سُبحانه وتعالى. فشَرَفُ العِلمِ بشَرَفِ المَعلوم. ولِهذا،
اللهُ- سُبحانه وتعالى- قَدْرُهُ في نُفُوسنا أعظمُ وأجلُّ مِن كُلِّ شيءٍ في هذا الكون.


ولِهذا- أيُّها الأحِبَّة- والِدُكَ منزلتُه يَجِبُ أن تكونَ أعظمَ مِن عَمِّكَ،
مِن خالِكَ، وعَمُّكَ يَجِبُ أن تكونَ منزلتُه أعلى في نَفْسِكَ مِن ابن عَمِّكَ؛
لأنَّه كُلَّما كان الشيءُ أقربَ، كان أعظمَ وأعلى وأجلَّ.

ثُمَّ إذا تأمَّلتَ مسائلَ الاعتقادِ تأمُّلاً سريعًا تَعجَب. العَقيدةُ هِيَ التي يَدخُلُ
بها الإنسانُ في الإسلام. العَقيدةُ هِيَ أولُ ما يَجِبُ عليكَ أيُّها الحبيب.
فأولُ ما يَجِبُ علينا: شهادةُ أن لا إلهَ إلَّا الله وأنَّ مُحمَّدًا رَسُولُ الله.
ليس الواجِبُ علينا أن نقرأ القُرآنَ، أو أن نُصلِّيَ، أو نتعلَّمَ التَّفسيرَ

أو التَّخريج أو حِفظَ المُتون والحَديث، وإنَّما أولُ ما يَجِبُ علينا
"التَّوحِيد".



ومِن اللطائِف- أيُّها الأحِبَّة- أنَّ عِلمَ الاعتقادِ لا يستغني عنه الإنسانُ
طَرفةَ عَيْن. المَسائِلُ الأُخرى؛ الصلاة، الصيام، صلَّيْنا الفَجرَ، ليس أحدٌ
يُطالِبُنا بالصلاة، انتهَى. ننتظِرُ الظُّهرَ بالنسبةِ للوجوب، لكنَّ العقيدةَ،
ما أقولُ: مِن الفجر عِندي عقيدة وفي الضُّحَى لا أحتاجُ إلى عقيدةٍ
أصلاً، بل هِيَ تستمِرُّ معكَ، فما تنقطِع عنكَ طَرفةَ عَيْن، ولِهذا جاءت
في قول اللهِ تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ
الْعَالَمِينَ (*) لَا شَرِيكَ لَهُ ﴾ الأنعام/162-163. حياتُكَ كُلُّها يَجِبُ أن
تكونَ للهِ تعالى، في مَطعَمِكَ، ومَشربكَ، ومَلبسكَ، وفي مَسكنكَ، بل في
نومِكَ واستيقاظِكَ. ولِهذا قال أحدُ السَّلَفِ: ‹‹ إنِّي لأَحتسِبُ نَوْمَتي كما
أحتسِبُ قَوْمَتي في مِيزاني يَوم القِيامة ››.

ومِن هذا نقولُ: مَن يَستغني عن التَّوحيد ؟! بل قال العُلماءُ: ‹‹ إنَّ
العقيدة هِيَ أولُ الأمرِ وآخِرُه ›› ، (( أُمِرتُ أن أُقاتِلَ الناسَ حتى يقولوا:
لا إله إلَّا الله )) رواه مُسلِم.

فأولُ ما يُبدَأ بلا إله إلَّا الله، وآخِرُهُ: (( مَن كان آخِرُ كلامِه لا إله إلا اللهُ،
دخل الجنَّةَ )) صحيح الجامع. ولِهذا سمَّاها اللهُ رُوحًا، ﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا
إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ ﴾ الشورى/52.
هذا الإيمانُ هو الرُّوح، ﴿ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ ﴾
الشورى/52. سُمِّيَت العقيدةُ نُورًا؛ فإنَّ الإنسانَ إذا آمَن أصبح يُبصِرُ بنُور
اللهِ تعالى، ويرزُقه اللهُ بصيرةً يُميِّزُ فيها بين الحَقِّ والباطِل، ويُميِّزُ بين
الشِّركِ والتَّوحيد، ويُميِّزُ كذلك بين الكُفر والإلحادِ والإيمان، يُصبِحُ عند
الإنسان بَصيرة، والنُّورُ هذا نحتاجُه أن يُوجَدَ في قلوبنا، في زَمَنٍ وُجِدَ
عند الناس عَمَىً، فأصبحوا لا يُميِّزونَ بين حَقٍّ وباطِلٍ، وانحرافٍ وضلال،

ما ندري ما نهايتُه. وتُصبِحُ العقيدةُ من المسائل العُظمَى التي يَحتاجُها
الإنسانُ طِيلةَ حياتِهِ، ولن يَستغنيَ الإنسانُ عن العقيدةِ أبدًا.





توقيع رقية مبارك بوداني

الحمد لله أن رزقتني عمرة هذا العام ،فاللهم ارزقني حجة ، اللهم لا تحرمني فضلك ، وارزقني من حيث لا أحتسب ..


رقية مبارك بوداني غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس