عرض مشاركة واحدة
قديم 23-02-13, 04:11 PM   #1
رقية مبارك بوداني
|تواصي بالحق والصبر|
مسؤولة الأقسـام العامة
افتراضي كيف تتكون الشخصية العلمية لطالب العلم؟

كيف تتكون الشخصية العلمية لطالب العلم؟

ساعد عمر غازي

بسم الله الرحمن الرحيم
هذه الكلمات كتبتها لنفسي قبل أن تقع في يد غيري، فقد رأيت أثناء رحلة عمري، وشغفي بالقراءة والاطلاع، ومحبتي للعلماء وطلبة العلم، وأنا بحق لست منهم؛
فكيف بمزجي البضاعة، قليل الصناعة، أن يتطاول في البنيان؟! إنما يكفيني أن أتلمس طرائقهم، وأسير على نهجهم، وأعيش بين بساتينهم،
فكان لهذا كله الأثر في نفسي كيف تتكون الشخصية العلمية لطالب العلم، فوقفت من خلال كلام أهل العلم، وها أنا أقتبس من نفائس كلامهم، أن هذا الطالب:

1- يضع نصب عينيه إخلاص النية والقصد بالتفقه وجه الله عز وجل، فإن العلم الخشية وتقوى الله.
قال صلى الله عليه وسلم:"إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى". أخرجه البخاري (1)، ومسلم (1907).
فلا بد أن تكون له نية، قال الإمام ابن القيم -رحمه الله-:"فأما النية فهي رأس الأمر وعموده وأساسه وأصله الذي عليه يبنى، فإنها روح العمل وقائده وسائقه والعمل تابع لها يبنى عليها، يصح بصحتها ويفسد بفسادها وبها يستجلب التوفيق، وبعدمها يحصل الخذلان وبحسبها تتفاوت الدرجات في الدنيا والآخرة.
وقد جرت عادة الله التي لا تبدل وسنته التي لا تحول أن يلبس المخلص من المهابة والنور والمحبة في قلوب الخلق وإقبال قلوبهم إليه ما هو بحسب إخلاصه ونيته ومعاملته لربه، ويلبس المرائي اللابس ثوبي الزور من المقت والمهانة والبغضة ما هو اللائق به فالمخلص له المهابة والمحبة، وللآخر المقت والبغضاء".
[من "إعلام الموقعين" (6/105) بتصرف].


2- عليه أن ينبذ التقليد الأعمى، والتعصب الأهوج، واتباع الهوى؛ لأن ذلك يبعد عن الحق ويروج الباطل.


3- يحذر من التعالم، والإفتاء بغير علم، والتحدث فيما لا يحسنه، قال الحافظ في "فتح الباري" (3/584):"وإذا تكلم المرء في غير فنه أتى بهذه العجائب"،
ويعرف متى يقول لا أدري، قال تعالى:{وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} [الإسراء:36]،
قال العلامة الشنقيطي -رحمه الله- في "أضواء البيان" (3/145):"نهى جل وعلا في هذه الآية الكريمة عن اتباع الإنسان ما ليس له به علم، ويدخل فيه كل قول بلا علمٍ، وأن يعمل الإنسان بما لا يعلم".


4- يدري كيف ينزل الناس منازلهم، بما يلائم أحوالهم من العلم بالكتاب والسنة، وصحة الاعتقاد، والاتباع.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "إقامة الدليل على إبطال التحليل":"نعوذ بالله سبحانه مما يفضي إلى الوقيعة في أعراض الأئمة، أو انتقاص أحد منهم، أو عدم المعرفة بمقاديرهم وفضلهم، أو محادتهم وترك محبتهم وموالاتهم، ونرجو من الله سبحانه أن نكون ممن يحبهم ويواليهم ويعرف من حقوقهم وفضلهم ما لا يعرفه أكثر الأتباع، وأن يكون نصيبنا من ذلك أوفر نصيب وأعظم حظ، ولا حول ولا قوة إلا بالله".


5- يقول لمن أحسن قد أحسنت، ويقول للمخطئ قد أخطأت. ويعجبني ما قاله الحافظ الذهبي -رحمه الله- في ترجمة الإمام ابن حزم -رحمه الله-:
"قلت: ابن حزم رجل من العلماء الكبار فيه أدوات الاجتهاد كاملة, تقع له المسائل المحررة والمسائل الواهية كما يقع لغيره, وكل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله, صلى الله عليه وآله وسلم".[ تذكرة الحفاظ (3/231)].
وصدق الحافظ الناجي -رحمه الله- إذ يقول في "عجالة الإملاء":"كيف يكمل تصنيف أو غيره، والكمال المطلق إنما لله جلت عظمته،
وقد قال عن كتابه القرآن المعجز المتحدى به الثقلان:{وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا} [النساء:82].
والإنسان مجبول على السهو والنسيان ومن يسلم من هفوات الأوهام، وعثرات الأقلام، ومن ظن ممن يلاقي الحروب بأن لن يصاب فقد ظن عجزاً، والنار قد تخبو، والجواد قد يكبو، والصارم قد ينبو".


6- يكره حب الظهور الذي يقصم الظهور، فمن تواضع لله رفعه الله، في الدنيا والآخرة، وكثيراً ما سمعنا قول العلماء بحق:"ما أنا إلا طويلب علم".
وقد ابتلينا في زماننا بمن يصدق عليه المثل المعروف:"تزبب قبل أن يتحصرم".
فتراه في الفضائيات، يفسر القرآن، ويفتي، ويشرح كتب السنة، ويألف الكتب، ويدرس في الجامعة!!


7- يرجع إلى الحق إذا نبه على سهوه، أو أوقف على غلطه، فلا يستنكف عن قبول الصواب، إذ الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل، والمتمادي في الباطل لم يزدد من الصواب إلا بعداً، فهذا عبيد الله بن الحسن العنبري البصري الثقة الفقيه القاضي، من كبار أتباع التابعين، روى له: مسلم، وأبو داود في "الناسخ والمنسوخ".
[ينظر: تهذيب الكمال (19/24)].
له قصة مع الإمام عبد الرحمن بن مهدي، نتعلم منها هذا الخلق، فأخرج الخطيب في "تاريخ بغداد" (10/308)، قال عبد الرحمن بن مهدي:"كنا في جنازة فيها عبيد الله بن الحسن وهو على القضاء، فلما وضع السرير جلس وجلس الناس حوله.
قال: فسألته عن مسألة فغلط فيها، فقلت: أصلحك الله القول في هذه المسألة كذا وكذا إلا أني لم أرد هذه، إنما أردت أن أرفعك إلى ما هو أكبر منها، فاطرق ساعة ثم رفع رأسه فقال: إذا أرجع وأنا صاغر إذا أرجع وأنا صاغر؛ لأن أكون ذنباً في الحق أحب إلي من أن أكون رأساً في الباطل".
وفي رواية أخرى عند الفسوي في "المعرفة" (1/716):"فأطرق ساعة فقال: كيف هو؟ فقلت: كذا وكذا.
فأطرق ثم رفع رأسه فقال: صدقت أخطأت والصواب ما قلت.
قال: قال عبد الرحمن: لو أراد أن يتمادى في الخطأ ويخطئني لأمكنه وأعانه من حوله فصوبوه وخطئوني".
وهذه قصة أخرى حدثت بين الإمام الحافظ الحجة النسابة، محدث الديار المصرية عبد الغني بن سعيد الأزدي المصري، صاحب كتاب "المؤتلف والمختلف"، والحاكم صاحب "المستدرك"،
قال الحافظ ابن كثير في "البداية والنهاية" (12/7-8):"وقد صنف الحافظ عبد الغني هذا كتاباً فيه أوهام الحاكم، فلما وقف الحاكم عليه جعل يقرأه على الناس ويعترف لعبد الغني بالفضل، ويشكره، ويرجع فيه إلى ما أصاب فيه من الرد عليه".
وقال الحافظ الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (17/269-270):"ولعبد الغني جزء بين فيه أوهام كتاب "المدخل إلى الصحيح" للحاكم، يدل علي إمامته وسعة حفظه.
قال عبد الغني: لما رددت على أبي عبد الله الحاكم "الأوهام التي في المدخل" بعث إلي يشكرني، ويدعو لي، فعلمت أنه رجل عاقل".


8- يقدر متى يكون الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في "إقامة الدليل على إبطال التحليل":"وقد علمتم أن السلف كانوا يختلفون في المسائل الفرعية, مع بقاء الألفة والعصمة وصلاح ذات البين".
وقال يونس بن عبد الأعلى الصدفي:"ما رأيت أعقل من الشافعي، ناظرته يوما في مسألة، ثم افترقنا، ولقيني، فأخذ بيدي، ثم قال: يا أبا موسى، ألا يستقيم أن نكون إخوانا وإن لم نتفق في مسألة".
أخرجه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (51/302).
قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- في "كتاب العلم":"أما من خالف طريق السلف كمسائل العقيدة فهذه لا يقبل من أحد مخالفة ما كان عليه السلف الصالح، لكن في المسائل الأخرى التي للرأي فيها مجال فلا ينبغي أن يتُخذ من هذا الخلاف مطعن في الآخرين، أو يتُخذ منها سببٌ للعداوة والبغضاء".


9- يدرك أن من بركة العلم، نسبة كل قول إلى قائله، ولا أجد بداً من أن أذكر ما قاله الإمام النووي رحمه الله في "بستان العارفين":"ومن النصيحة أن تضاف الفائدة التي تستغرب إلى قائلها، فمن فعل ذلك بورك له في علمه وحاله، ومن أوهم ذلك وأوهم فيما يأخذه من كلام غيره أنه له: فهو جدير أن لا ينتفع بعلمه، ولا يبارك له في حال.
ولم يزل أهل العلم والفضل على إضافة الفوائد إلى قائلها. نسأل الله تعالى التوفيق لذلك دائماً\"، لكي لا يتشبع بما ليس له لقوله صلى الله عليه وسلم:"المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور".
أخرجه البخاري (5219)، ومسلم (2130) من حديث أسماء رضي الله عنها. وبذلك لا يقع في السرقات العلمية.


10- يخاف على نفسه من المداحين، وقد أخرج البخاري في "الأدب المفرد" (761) عن عدي بن أرطاة قال: كان الرجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا زكي قال:"اللهم لا تؤاخذني بما يقولون، واغفر لي ما لا يعلمون".
قال الإمام الألباني -رحمه الله-:"صحيح الإسناد". فكم من ألقاب منحت على شاشات الفضائيات؟!، وكم من طالب علم أفسده الإطراء؟!.


11- لا يغتر بما حصله من العلم، ويدرك حقيقة قول ربنا في كتابه:{وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} [الإسراء:85].


.........



توقيع رقية مبارك بوداني

الحمد لله أن رزقتني عمرة هذا العام ،فاللهم ارزقني حجة ، اللهم لا تحرمني فضلك ، وارزقني من حيث لا أحتسب ..



التعديل الأخير تم بواسطة أروى آل قشلان ; 23-10-13 الساعة 05:28 PM سبب آخر: تقسيم الموضوع
رقية مبارك بوداني غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس